جِنّةُ الحوادث
في
شَرْحِ زيارة الوارث
من مصنفات
أعلم المتقدّمين والمتأخّرين حضرت آية الله العظمى في العالمين
المرحوم ملّا حبيب الله الشريف الكاشاني
طاب ثراه
(١٢٦٢- ١٣٤٠ه)
حسب الأمر حضرت آيت الله إمامت سبط مؤلّف
وبه همت حجّة الاسلام
آقاي حاج آقا محمّد شريف، آية الله زاده كاشاني
چاپخانه علمیّه - قم
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
إلی التي حملتني جنيناً، وسهرتْ عليَّ طفلاً، ورعتني صبيّاً ،
وتعلّقت روحها بي وأنا شابٌّ مهاجراً عنها ولم أتجاوز السابعة عشرة من عمري
إلی التي لازلت ظمآناً إليها
إلی أُمّي وهي تعيش الأملَ بعودة ابنها الصغير
نزار نعمة الحسن
مقدّمة المحقّق
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام علی محمّدٍ وآله الطاهرين، واللعن الدائم علی أعدائهم إلی قيام يوم الدِّين
أمّا بعد :
فنشكر الله ونحمده علی ما وفّقنا وهدانا لخدمة سيّدنا ومولانا أبي عبدالله الحسين المظلوم عليهالسلام حيث جریٰ علی أيدينا الآثمة تحقيق شرح زيارة وارث الشريفة المرويّة عن مولانا الإمام الصادق عليهالسلام التي شرحها ـ وكشف عن أسرارها الشيخ الجليل حبيب الله الشريف الكاشاني قدسسره ـ شرحاً وافياً يتميّز بسلاسته وعذوبة ألفاظه أوّلاً، وثانياً صبغه بصبغةٍ ولائيةٍ بحتة يلمسها كلُّ مَن طالعها
وكان عملنا في هذا الشرح كما يلي :
اعتمدنا علی النسخة المطبوعة قديماً المتألِّفة من (٨٤) صفحة وفي كلِّ صفحة عشرين سطراً، التي نُسخت بين ابن الشارح رحمهالله في ربيع الثاني من سنة (١٣٧٠) من الهجرة النبوية، حسب ما جاء في خاتمة الشرح
وقمناأوّلاً بمراجعة المتن وتصحيحه من بعض الأخطاء الإملائية والنحوية وأيضاً من حيث التأنيث والتذكير في بعض الأحيان
ثانياً : راجعنا وقارنا نص الزيارة الشريفة التي اعتمدها الشارح مع نسخة الزيارة الموجودة في كتابي المصباح والبلد الأمين للشيخ تقيّ الدِّين إبراهيم بن علي الكفعمي رحمهالله المتوفیٰ سنة (٩٠٠) من الهجرة
ثالثاً : تمّ استخراج الآيات والروايات من مصادرها وتصحيح بعضها حسب المصدر، وفي بعض الأحيان يذكر الشارح قسماً من حديثٍ طويل أو خطبةٍ فحاولنا ذكرها كاملةً
هذا ما وفّقنا إليه وأجرنا علی الإمام عليهالسلام إن شاء الله تعالی، ونستغفر الله عن كلّ زلّةٍ وهفوةٍ صدرت منّا من غير قصدٍ وعمد
وأرجو أن أكون قد ساهمت في وضع لبنة في المكتبات العربية المفتقرة لشرح هذه الزيارة الشريفة
نزار الحسن ـ قم المقدّسة
ترجمة الشارح
١ ـ اسمه :
هو العلّامة المجتهد آية الله العظمی الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني (أعلی الله مقامه)
٢ ـ والده :
هو الفقيه المولیٰ عليّ مدد السّاوجي المتوفّی سنة ١٢٧٠ هـ بساوة والمدفون بمدينة قم المقدّسة بجوار ابن بابويه قدسسره والملّا مهدي النراقي قدسسره وكان من أجلّاء علماء عصره ومشاهير فضلاء زمانه، وله مؤلّفات قيّمة
٣ ـ والدته :
العلوية الشريفة كريمة العلّامة المحقّق السيّد الحسين الكاشاني طاب ثراه
٤ ـ مولده :
ولد رحمهالله في مدينة كاشان وتاريخ ولادته علیٰ ما ذكره بنفسه في آخر كتابه (لباب الألقاب) قال: «وأمّا تاريخ ولادتي فلم أتحقّقه في مكتوب من الوالد الماجد وإنّما ذكرتْ والدتي المرحومة أنّ ولادتك كانت قبل
وفاة السلطان الغازي محمّد شاه القاجاري بسنتين، وتاريخ وفاته علیٰ ما حقّقناه سنة (١٢٦٤) من الهجرة النبويّة
٥ ـ وفاته ومدفنه :
لقد أجابَ داعي الله وعرج بروحه المقدّسة إلی دار السّلام وجوار أوليائه الكرام، فلحق بالرفيق الأعلیٰ في صبح يوم الثلاثاء ٢٣ جمادی الثانية عام (١٣٤٠) هجرية عن عمرٍ جاوز الثمانين وشيّعته بلدة كاشان برمّتها والوفود التي حضرت كاشان من ضواحيها ونواحيها بتشييعٍ حافلٍ بالعلماء والوجوه العلمية وسائر الطبقات، وحمل جثمانه علی الرؤوس والأكتاف مارّين به في البلد حتّی جيء به إلی خارج البلد في محلّ يُسمّیٰ «دشت أفروز» هذا، والأعلام تخفق أمام نعشه ومواكب اللطم والعزاء خلفه يردّدون أهازيج الحزن بلوعة ودفن هناك في مقبرته الخاصّة وأُقيمت لروحه الفواتح في كاشان وفي نواحي أُخری من البلاد، كما رثته الشعراء والاُدباء بقصائد مشجية، واليوم مرقده الشريف مزاز للخاصّ والعامّ في كاشان، ولاسيّما في ليالي الجمعة
٦ ـ أخلاقه الحميدة :
كان رحمهالله خلاصة علمائنا الأخيار وبقيّة فقهائنا الأبرار، جامعاً لأنواع الكمالات، ومحاسن الصفات ؛ من الورع والتقویٰ والتمسّك بالعروة الوثقیٰ، وغاية في التواضع والإنصاف في نهاية حسن الأخلاق والعفاف
والكرم الذي لم يزل بيته مناخاً للوافدين والأضياف، محبوباً لدی العوامّ والخواصّ، وكان رحمهالله بجانب عظيم من الزهد والتقشّف، كان جشب المأكل وخشن الملبس حيثُ سار بسيرة الأولياء الصالحين من السلف الصالح، وكان صلب الإيمان، وافر العقل، حسن الصحبة، ذا أناة وتأمّل، لم يأخذه الطيش والحدّة إذا غضب، ولم تأخذه في الله لومة لائم، وكان مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه
وكان رحمهالله دائم الذكر والتلاوة، كثير التهجّد والعبادة، وكان متّصفاً بالأخلاق السنيّة والشيم المرضية ؛ من لين العريكة، وصفاء الحقيقة، وخلوص المحبّة، وشدّة ولائه لأهل بيت العصمة والطهارة وإحياء ذكرهم ببثّ آثارهم الشريفة وكان كثير التحمّل ـ مع كثرة عائلته ـ للفقر والفاقة(١)
وأيضاً هناك ترجمة ضافية لشيخنا المترجم ذكرها بنفسه في آخر كتاب لباب الألقاب منها، قال: (وبالجملة لولا أنّ تزكية المرء لنفسه قبيحة عند أرباب العقول لفصّلتُ الكلام فيما مَنَّ الله عَليَّ من الخصائص في الأحوال بما يطول، والقول المجمل في ذلك أنّي لم أشتغل من بدو تمييزي قبل بلوغي إلی هذه السنة ١٣١٩ هجري بما اشتغلَ به اللّاهون والغافلون ولم أصرف عمري فيما صرف فيه البطّالون ولم أحبّ المخالطة مع الجَهَلة ولم أركن إلی الظَلَمة، بل كنتُ محبّاً للاعتزال، مجتنباً عن
________________________
١ ـ هذا الكلام ذكره سبطه في آخر كتاب (أحسن التراتيب)
المراء والجدال، وعن القيل والقال، والجواب والسؤال إلّا في مسائل الحلال والحرام، معرضاً عن الحسد والطمع وطول الآمال، صابراً علی البأساء والضرّاء وشدائد الأحوال، غير جازع علی الضنك والضيق والفقر والفاقة وعدم المال، وأرجو من الله المتعال أن لا يحوّل حالي هذه في بقيّة عمري إلّا إلی أحسن الأحوال، وأن يجعل عاقبتي خيراً ممّا مضیٰ
وبالجملة قد وقفتُ عمري علی التدريس والتأليف والتصنيف ولم أكترث بما أصابني من أذیٰ كلّ وضيع وشريف، ولو شئت أن أذكر نُبذاً ممّا أصابني من أهل هذا البلد وشطراً من ابتلائي بشرّ الحاسد إذا حسد لملأتُ الطوامير وسطرتُ الأساطير، ولكنّي أسدلُ دونها ثوباً وأطوي عن ذكرها كشحاً فإنّ الصبر علی هاتي أحجیٰ وإنْ كان في العين قذیٰ وفي الحلق شجیٰ
خليليّ جرّبتُ الزمانَ وأهله |
فلا عهدهُم عهدٌ ولا ودّهم ودُّ |
|
بلاءٌ علينا كوننا بين معشرٍ |
ولا فيهم خيرٌ ولا منهمُ بدُّ |
إلی غير ذلك ممّا ذكره بنفسه
٧ ـ مشايخه في العلم :
أخذ المترجَم له علومه الابتدائية في الصرف والنحو والمنطق والمعاني والبيان والبديع والتجويد من أساتذة الوقت في ساوة وكاشان، وفرغ منها ولم يتجاوز الخامسة عشر من عمره، ثمّ شرع في الفقه وأصوله
لدیٰ جماعة من الأجلّاء والفحول منهم :
١ ـ الفقيه السيّد حسين الحسني الكاشاني وهو جدّ آية الله العظمی السيّد أبي القاسم الكاشاني المتوفیٰ سنة ١٣٨١ هـ
٢ ـ العلّامة المحقّق الحاج محمّد علي اللّاجوردي الكاشاني المتوفّیٰ سنة ١٢٩٤ هـ (مؤلِّف تكميل الأحكام في شرح المختصر النافع) و(شرح نتائج الأفكار)
٣ ـ العلّامة المولیٰ محمّد حسين الأردكاني الشهير بالفاضل الأردكاني نزيل كربلاء المقدّسة والمدفون بها
٤ ـ العلّامة الحاج أبو القاسم الشهير بكلانتر وتلميذ الشيخ الأنصاري
٥ ـ العلّامة الجليل زين العابدين الگلبايگاني
٦ ـ الشيخ محمّد الاصفهاني ابن اُخت صاحب الفصول
٧ ـ العلّامة الحكيم السيّد علي شرف الدين الحسيني المرعشي الشهير بـ (سيّد الأطبّاء) المتوفّیٰ سنة ١٣١٦ هـ مؤلّف كتاب قانون العلاج وهو جدّ المرجع الديني السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي
٨ ـ المولی المحقّق عبد الهادي المدرّس الطهراني صاحب التعليقة علی القوانين
هؤلاء العلماء الكبار الذين تلمّذ عندهم المترجم له وغيرهم وأجيز منهم أو رویٰ عنهم أحاديث العترة الطاهرة عليهمالسلام
٨ ـ تلاميذه :
هناك جمٌ غفير وجمعٌ كثير من العلماء الأعاظم الذين قد استفادوا من دروسه، منهم :
١ ـ المرجع الديني السيّد مصطفی الحسيني الكاشاني
٢ ـ آية الله العظمی السيّد محمّد بن إبراهيم العلوي البروجردي الكاشاني المتوفّیٰ ١٣٦٢ هـ
٣ ـ العلّامة المتبحّر أبو القاسم القمّي
٤ ـ العلّامة الميرزا المحلّاتي نزيل اصفهان ومدرّسها المشهور وهو من أساتذة المرجع الكبير السيّد حسين البروجردي
٥ ـ العلّامة النسّابة السيّد شمس الدين محمود الحسيني المرعشي النجفي صاحب كتاب (مشجّرات العلويّين الكرام) وهو والد آية الله العظمیٰ شهاب الدين المرعشي النجفي
٦ ـ العلّامة الجليل الشيخ محمود التبريزي النجفي المتوفّیٰ ١٣٨٥ هـ
٧ ـ العلّامة الأديب الميرزا شهاب الدين النراقي
٨ ـ الميرزا أبو القاسم بن الحاج الملّا محمّد بن الفقيه المولی أحمد النراقي
وهناك عشرات من أصحاب السماحة والفضيلة الذين درسوا عنده ورووا عنه مع الواسطة ولكن نعرض عن ذكرهم بغية الاختصار
٩ ـ أولاده :
أعقب شيخنا المترجم له رحمهالله من الأولاد الذكور خمسة، وهم :
١ ـ الشيخ آقا حسين المتوفّیٰ سنة ١٣٧٨ هـ
٢ ـ العلّامة الفاضل الشيخ مهدي
٣ ـ العالم الفاضل أحمد الشريف
٤ ـ الشيخ محمّد الشريف، وهذا الشيخ سعی لإحياء آثار والده
٥ ـ علي الشريف نزيل طهران المعروف بآية الله زاده كاشاني
وأيضاً له من البنات خمس
١٠ ـ شعره :
كان رحمهالله ممّن وهبت له قريحة الشعر والنظم، وكانت قريحته وقّادة في إنشاد الشعر باللغتين العربية والفارسية، وكان شعره يُعتبر من المتوسّط، وله ديوان شعر مطبوع أسماه (تشويقات السالكين) أكثرها في المعارف والحكم والأمثال والمواعظ ومناقب ومراثي العترة الطاهرة عليهمالسلام
ومن شعره في الإمام المهدي (عج) في قصيدةٍ طويلة منها، قال :
يا سليل المصطفیٰ يابن الحسن |
يادليل الخلق يا خير البشر |
|
أنت باب الله يؤتیٰ منه في |
عصرنا أنت الإمام المنتظر |
|
أنت نور العالمين في الدُّجیٰ |
أنت شمس في سحابٍ مكفهر |
|
أنتمُ ذخري وذخري حبّكم |
حبّكم زادي ونِعْمَ المتّجر |
وبكم أرجو الفلاح والهدیٰ |
وشفيعي أنت فيما قد صدر |
|
يا ولي العصر يا قطب الوریٰ |
خذ بأيدينا بيومٍ لا مفرّ |
|
قم بأمر الله حتّی لا يُریٰ |
غيرُ حكم الله والاثني عشر |
|
وقريضي لا يليق مدحهم |
فليكن هذا مديحاً مختصر |
ومن شعره في مدح طلب العلم وآدابه في قصيدة طويلة أوّلها :
ياطالب العلم كم تسعیٰ بلا عمل |
وغايةُ العلم ترك الحرص والأمل |
|
إن كنتَ طالب علم فاهجر الأمل |
لا يجمع العلم والآمال في رحل |
|
وطالب العلم مجزيّ بنيّته |
فاصف قلبك في النيّات والعمل |
|
لا تطلب العلم للدُّنيا فقد خسروا |
طلّاب علم لأجل المال والخول |
|
وطالب العلم منهومٌ بلا شبع |
فلا تراه علی الأحوال في عطلِ |
|
وفكر طالب علم عند معضلة |
في طول ليلته أحلیٰ من العسل |
|
وطالب المال يسعیٰ في معيشته |
وطالب العلم مرزوق بلا ملل |
إلی آخر القصيدة وهي طويلة نكتفي بهذا المقدار منها
١١ ـ مؤلّفاته وآثاره العلمية :
إنّ شيخنا المترجم له من الأفذاذ الذين وفّقهم الله سبحانه بكثرة التأليف والتصنيف فأكثر وأجاد فيها، وكانت مؤلَّفاته في مختلف العلوم وشتّی الفنون وقال هو رحمهالله عند ترجمته لنفسه : (فلنرجع إلیٰ ذكر مؤلّفاتي ومصنّفاتي ممّا كان قبل بلوغي إلی هذه السنة مع قلّة الأسباب والابتلاء بالأقشاب واختلال البال وكثرة الدّيون والعيال وعروض الأمراض
والأعراض من حوادث الدّهر الخوّان من فقد الخِلّان وموت الولدان وغير ذلك ممّا يقصر عنه نطاق البيان، فنقول ومن الله التوفيق والتسديد ترتقي هي إلی مائة وثلاثين بل تزيد(١)
١ ـ مصابيح الظلام
٢ ـ مصابيح الدُّجیٰ
٣ ـ التذكرة
٤ ـ حديقة الجمل
٥ ـ حقائق النحو
٦ ـ المنظومة في الأصول ألّفها قبل البلوغ، تزيد علی ألف ومائتين من الأبيات
٧ ـ منظومة في أفعال الصلاة موسومة بزبدة المقال في نظم الأفعال
٨ ـ لباب الفكر في علم المنطق
٩ ـ لب النظر في المنطق
١٠ ـ هداية الضبط في علم الخط
١١ ـ نخبة التبيان في علم البيان
١٢ ـ بوارق الدهر في تفسير سورة الدهر
١٣ ـ كشف السحاب في شرح الخطبة الشقشقية
١٤ ـ مصاعد الصلاح في شرح دعاء الصباح
١٥ ـ جذبة الحقيقة في شرح دعاء كميل
________________________
١ ـ سوف نذكر العربية منها فقط
١٦ ـ شرح علی مناجاة الخمسة عشر
١٧ ـ رسالة في الردّ علی البابية وذكر كلماتهم الواهية
١٨ ـ حكم المواعظ
١٩ ـ الدرّ المكنون في شرح ديوان المجنون
٢٠ ـ صراط الرشاد في الأخلاق
٢١ ـ رسالة في معنی الصلاة علیٰ محمّد وآله صلىاللهعليهوآله
٢٢ ـ منتقد المنافع في شرح المختصر النافع
٢٣ ـ وسيلة المعاد في فضائل محمّد وآل محمّد صلىاللهعليهوآله
٢٤ ـ شرح دعاء صنمي قريش
٢٥ ـ شرح زيارة الوارث وهو هذا الكتاب الذي بين يديك
٢٦ ـ شرح قصيدة الفرزدق
٢٧ ـ شرح دعاء العديلة
٢٨ ـ شرح زيارة العاشوراء
٢٩ ـ خواص الأسماء
٣٠ ـ كتاب لباب الألقاب في ألقاب الأطياب
من آثار زيارة الإمام الحسين عليهالسلام
١ ـ مَن زاره عليهالسلام ماشياً :
روی ابن قولويه القمي في كامل الزيارات : ص ٢٥٣، ح ٣٧٩، الباب التاسع والأربعون عن الإمام الصادق عليهالسلام قال: إنّ الرجل ليخرج الی قبر الحسين عليهالسلام فله إذا فخرج من أهله بأوّل خطوة مغفرة ذنوبه، ثم لم يزل يقدس بكل خطوة حتّی يأتيه، فإذا أتاه ناجاه الله تعالی فقال : عبدي سلني اعطك، ادعني اجبكَ، اطلب مني اعطك، سلني حاجةً اقضها لك، قال: وقال أبو عبدالله عليهالسلام : وحق علی الله أنْ يعطي ما بذل
وروی العلّامة المجلسي في البحار ج ١٠١، ص ٧٨ عن عبدالله بن هلال، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: قلتُ له : جعلتُ فداك ما أدنی مالزائر قبر الحسين عليهالسلام فقال لي :
يا عبدالله إنّ أدنی ما يكون له أنْ يحفظه في نفسه وأهله حتّی يردّه الی أهله، فإذا كان يوم القيامة كان الله الحافظ له
٢ ـ كرامة الله لزوّار الحسين عليهالسلام :
روي الحر العاملي في الوسائل ج ١٤، ص ٤٢٤، عن عبدالله الطحان، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: سمعته وهو يقول: ما من أحد يوم القيامة إلّا وهو يتمنی أنّه من زوّار الحسين لما يری مما يصنع بزوار الحسين عليهالسلام من كرامتهم علی الله تعالی
وروی العلامة المجلسي في البحار : ج ١٠١، ص ٧٢ عن الامام الصادق عليهالسلام قال : مَن سرّه أنْ يكون علی موائد النور يوم القيامة فليكن من زوّار الحسين بن علي عليهالسلام
٣ ـ أيام زائري الحسين عليهالسلام لاتعد من أعمارهم :
روی الشيخ الطوسي في التهذيب ج ٦، ص ٣٦ عن الإمام الرضا عليهالسلام عن أبيه قال : قال أبو عبدالله جعفر الصادق عليهالسلام : إنّ أيام زائري الحسين عليهالسلام لاتُحسب من أعمارهم ولاتُعد من أجالهم
٤ ـ إنّ زائر الحسين عليهالسلام يكون في جوار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلي وفاطمة عليهماالسلام :
روی ابن قولويه القمي في كامل الزيارات ص ٢٦٠، ح ٣٩٢، عن أبي خالد ذي الشامه، قال: حدثني أبو اسامة قال: سمعتُ أبا عبدالله عليهالسلام يقول: مَن أراد أن يكون في جوار نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وجوار علي وفاطمة فلايدع زيارة الحسين بن علي عليهالسلام
٥ ـ إن زائر الحسين عليهالسلام يدخل الجنّة قبل الناس :
روی العلامة المجلسي ج ١٠١، ص ٢٦ عن عبدالله بن زرارة قال: سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول: إنّ لزوّار الحسين بن علي عليهالسلام يوم القيامة فضلاً علی الناس، قلتُ : وما فضلهم ؟ قال: يدخلون الجنّة قبل الناس بأربعين عاماً وسائر الناس في الحساب والموقف
٦ ـ مَن زار الحسين عليهالسلام كمَنْ زار الله في عرشه :
روی في مستدرك الوسائل ج ١٠، ص ١١٥ عن زيد الشحام، قال: قلتُ لأبي عبدالله عليهالسلام : ما لمَن زار قبر الحسين عليهالسلام قال: كان كمَن زار الله في عرشه
٧ ـ مَنْ زار الحسين عليهالسلام كُتب في أعلی عليّين :
روی الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال ص ١١٠، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: مَن أتی الحسين عليهالسلام عارفاً بحقه كتبه الله في أعلی عليّين
٩ ـ إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تزيد في العمر والرزق :
روی العلامة المجلسي في البحار ج ١٠١، ص ٣ عن الإمام الباقر عليهالسلام قال: مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليهالسلام ، فإنّ إتيانه يُزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفترض علی كلّ مؤمن يقرّ للحسين بالإمامة من الله
١٠ ـ إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تحط الذنوب :
روی العلامة المجلسي ج ١٠١، ص ٢٧ عن الامام الصادق عليهالسلام قال :
مَن أراد أنْ يكون في كرامة الله يوم القيامة وفي شفاعة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فليكن للحسين زائراً ينال من الله الفضل والكرامة وحسن الثواب، ولايسأله عن ذنب
عمله في حياة الدنيا، ولو كانت ذنوبه عدد رمل عالج وجبال تهامة وزبد البحر، إنّ الحسين عليهالسلام قُتل مظلوماً مضطهداً نفسه عطشاناً هو وأهل بيته وأصحابه
١١ ـ إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تعدل عمرة :
روی الصدوق في ثواب الأعمال ص ١١٢ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سأل بعض أصحابنا أبا الحسن الرضا عليهالسلام ، عمَنْ أتی قبر الحسين عليهالسلام ، قال : تعدل عمرة
١٢ ـ إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تعدل حجّة :
روي ابن قولويه القمي في كامل الزيارات ص ٢٩٤، ح ٤٨٢ عن محمد بن سنان قال: سمعتُ أبا الحسن الرضا عليهالسلام يقول: من أتی قبر الحسين عليهالسلام كتب الله له حجة مبرورة
١٣ ـ إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تعدل عتق الرقاب :
روي الحر العاملي ج ١٤، ص ٤٤٨ عن أبي سعيد المدائني، قال: قلت لأبي عبدالله عليهالسلام فقلت :
جعلت فداك أتي قبر ابن رسول الله عليهالسلام ، قال: نعم يا أبا سعيد ائتِ قبر ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أطيب الطيّبين وأطهر الأطهرين وأبرّ الأبرار، فإذا زرته كتب الله لك عتق خمسة وعشرين رقبة
١٤ ـ إنّ زوّار الحسين عليهالسلام مشفّعون :
روی الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد ص ٤٩٧ عن الامام الصادق عليهالسلام قال: إنّ الله تبارك وتعالی يتجلّی لزوار قبر الحسين عليهالسلام قبل أهل عرفات ويقضي حوائجهم ويغفر ذنوبهم ويشفّعهم في مسائلهم، ثم يثنّي بأهل عرفات فيفعل بهم ذلك
١٥ ـ إنّ زيارة الحسين عليهالسلام يُنفّس بها الكرب وتُقضی بها الحوائج :
روی العلامة المجلسي في البحار ج ١٠١، ص ٤٥ عن الإمام الصادق عليهالسلام : قال: إنّ الی جانبكم لقبراً ما أتاه مكروب إلّا نفّس الله كربته وقضی حاجته
نصّ زيارة وارث
أَلسّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ آدَمَ صِفوَةِ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ إِبرَاهِيمَ خَلِيلَ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ مُوسَى كَلِيمِ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ عِيسَى رُوحِ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَلِي اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا بنَ مُحمَّدٍ المُصْطَفَى، السّلامُ عَلَيكَ يَا بنَ عَليٍ المُرتَضَى، السّلامُ عَليكَ يَا بنَ فاطِمَةَ الزَّهراء، السّلامُ عَلَيكَ يَا بنَ خَدِيجَةَ الكُبْرَى، السَّلامُ عَلَيكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابنَ ثارِهِ وَالوِترَ المُوتُورَ، أَشهَدُ أَنَّكَ قَد أَقَمتَ الصَّلاةَ وَآتَيتَ الزَّكَاةَ وَأمَرتَ بِالمَعرُوفِ وَنَهَيتَ عَنِ المُنكَرِ وَأَطَعتَ اللهَ وَرسُولَهُ حَتَّى أَتَاكَ اليَقِينُ، فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكَ وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً ظَلَمتكَ، وَلعنَ اللهُ أُمَّةً سَمِعَتِ بِذَلِكَ فَرَضِيت بِهِ، يَا مَولايَ يَا أَبَا عَبدِ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الأَصْلابِ الشَّامِخَةِ وَالأَرْحَامِ المُطَهَّرَةِ لَمْ تُنَجّسْكَ الجَاهِلِيَّةُ بِأَنْجَاسِهَا وَلَمْ تُلْبِسْكَ مِن مُدلِهِمَّاتِ ثِيَابِهَا، وَأَشهَدُ أَنَّكَ مِن دَعَائِمِ الدِّينِ وَأَركَانِ المُؤمِنِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّكَ الإِمَامُ البَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الهادِي المَهدِيُّ وَأَشهَدُ أنَّ الأَئِمَّةَ مِن وُلدِكَ كَلِمَةُ التَّقوَى وَأَعلامُ الهدَىٰ وَالعُروَةُ الوُثقَى وَالحُجَّةُ عَلَى أَهلِ الدُّنيَا وَأُشهِدُ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وأَنبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ أَنِّي بِكُم مُؤمِنٌ وَبِإِيَابِكُمْ مُوْقِنٌ بِشَرَايِعْ دِينِي وَخواتِمِ عَمَلِي وَقَلبِي لِقَلبِكُم سِلمٌ وَأَمرِي لأَمرِكُم مُتَّبِعٌ، صَلَواتُ اللهِ عَلَيكُم وَعَلَى أَرْوَاحِكُم وَعَلَى أَجْسَادِكُم وَعَلَى أَجسَامِكُم، وَعَلَى شَاهِدكُم وَعَلَى غائِبِكُم وَعَلَى ظَاهِرِكُم وَعَلَى بَاطِنِكُم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله الّذي جعل زيارة الحسين عليهالسلام وسيلةً إلی رحمته للعباد، وزاداً لهم في المعاد، والصّلاة علی جدّه المصطفی، وأبيه المرتضی وأخيه المجتبی، وأُمّه الزهراء، وذريّته الأئمّة الأمجاد، واللعنة علی أعدائهم وأعداء شيعتهم، من الآن إلی يوم الميعاد
أمّا بعد : فيقول العبد الواثق بالله ابن علي مدد حبيب الله : إنّ هذا شرح وجيز علّقته علی الزيارة المعروفة بزيارة الوارث، مع تراكم العوائق والحوادث وهجوم الهموم والكوارب والغموم والمصائب، راجياً من الله أنْ يكشف عنّي الضرّ، فإنّه المأمول لكلّ عُسرٍ ويُسرٍ وهو أرحم الراحمين
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ آدَمَ صِفْوَةِ اللهِ
قد عَلِمَ أولوا الألباب أنّ السّلام تحية الإسلام(١) ، وإنّ التسليم مطيّة التعظيم والتكريم، وقد ورد عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال: (إبدؤا بالسّلام قبل الكلام، فمن بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تُجيبوه)(٢)
وعن عليّ عليهالسلام قال: (لا تَغْضَبُوا ولا تُغْضَبُوا، أفشُوا السّلام وأطيبُوا الكلامَ وَصَلّوا باللّيل والناسُ نيام تَدْخُلُوا الجنّةَ بسلامٍ)(٣)
________________________
١ ـ ولذا نری الشريعة المقدّسة قد أكّدت علی إفشاء السّلام ونشره في الأوساط ومدحت المبتدأ به ووعدته بالثواب الجزيل، وجعلت ردّ السّلام واجباً كفائيّاً وهذا ما نطق به القرآن الكريم في سورة النساء آية (٨٦)، والسنّة الشريفة أيضاً ومَن أراد أنْ يقف علی الروايات التي تتطرّق للسلام عليه بمراجعة أصول الكافي ج ٢، ص ٦٣٨ ـ باب التسليم
٢ ـ أُصول الكافي للكليني ج ٢، ص ٦٣٨
٣ ـ وهذا نصّ الرواية المذكورة في الكافي ج ٢ ص ٦٣٨، ح ٧ ط الأسوة، (عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: إذا سَلّم أحَدُكُمْ فليَجهر بسلامه لا يقول: سلّمتُ فَلَم يَردُّوا عليَّ، ولعلّهُ يكونُ قد سلَّمَ ولمْ يسمعُهم، فإذا رَدَّ أحدُكم فليجهر بردِّهِ ولا يقُولُ الـمُـسلِّمُ : سلّمتُ فلم يردّوا عليَّ، ثمّ قال: كان عليٌّ يقول: لا تَغْضَبُوا ولا تُغضَبوا افشوا السلامَ وأطيبوا الكلام وصَلّوا بالليل والناس نيام تَدْخلوا الجنّة بسلام، ثمّ تلا عليهالسلام قول الله عزّوجلّ : ( السَّلَامُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ )
وعن الباقر عليهالسلام قال: (إنّ الله يحبُّ إفشاء السلام)(١)
وعن الصادق عليهالسلام قال: (البادي بالسّلام أولی بالله ورسوله)(٢) ، إلی غير ذلك ممّا لا يحصیٰ(٣) فإن قال قائلٌ : أوليسَ حياةُ الـمُـسلَّمِ عليه وحضوره وقربه شروطاً لصحّة التسليم، فما معناه في هذه الزيارات ؟
قلتُ : بلی، والكلّ متحقّق بالنسبة إلی آل الله(٤) المعصومين، فإنّهم أحياءٌ عند ربّهم(٥) في بساط القرب وعرش القُدس يرزقون بموائد العلم والمعرفة فيُطعمون بألوان أطعمة الروحانيّين، ويسقون من كأس المقرّبين، يروْن مقام شيعتهم، ويسمعون كلامهم، ويردّون سلامهم كما في الزيارة الرضوية عليهالسلام (٦)
________________________
١ ـ أصول الكافي : ج ٢، ص ٦٣٨، ح ٥
٢ ـ نفس المصدر : ص ٦٣٩، ح ٨
٣ ـ روی الكليني رحمهالله في الكافي ج ٢، ص ٤٧٢، ح ١٢، ط المكتبة الإسلامية عن هارون بن خارجة عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: (مِنَ التواضع أنْ تُسلّم علی مَنْ لقيتَ)
وأيضاً روی الطبرسي رحمهالله في مجمع البيان ج ٣، ص ١٠٨ ـ ط بيروت عن مالك بن التيهان قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : (مَن قال السّلامُ عليكم كُتبَ له عشر حسنات، ومَن قال السّلامُ عليكم ورحمة الله كُتِبَ له عشرون حسنة، ومَن قال السّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته كُتِبَ له ثلاثون حسنة)
٤ ـ هذه العبارة (آلُ الله) وردت في زيارة الإمام الحسين عليهالسلام في النصف من رجب، راجع مفاتيح الجنان ص ٥٣٧
٥ ـ هذه إشارة إلی قوله تعالی في سورة آل عمران آية (١٦٩) : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )
٦ ـ وهي إحدی زيارات الإمام الرضا عليهالسلام التي لم يذكرها الشيخ عبّاس القمّي في
ويدلُّ عليه من العقل براهين ساطعة، ومِن النقل أخبارٌ كثيرة لائحة يطول يطول المختصر بذكرها(١) ، وقد كفاك شاهداً علی هذا ما في الزيارة الجامعة
مفاتيحه وإنّما ذكرها صاحب ضياء الصالحين ص ٢٦٧
وهي : «السّلامُ عَلَيكَ يا مولايَ وابن مولاي وَرَحمةُ اللهِ وبركاته أشهدُ باللهِ أنّكَ تشهدُ مَقامي وتسمع كلامي وَتَردّ سلامي وأنتَ حيٌّ عند ربّكَ مَرزوقٌ ...»
وأيضاً هذا المعنی ورد في زيارة أمير المؤمنين عليهالسلام في ميلاد النبيّ صلىاللهعليهوآله وهي : ( . أشهدُ أنّك تسمعُ كلامي، وتشهدُ مقامي .)
١ ـ ومن الأخبار والروايات التي تؤكّد علی أنّهم عليهمالسلام أحياء، عليكَ بمراجعة كتاب بصائر الدرجات لابن الصفّار القمّي ص ٢٨٢ ـ وص ٤٢٤ باب الأعمال تعرض علی رسول الله صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام ومن المعلوم والواضح لو لم يكونوا عليهمالسلام أحياءً ما تُعرض عليهم أعمال العباد، وعرض الأعمال من شأن الأحياء لا الأموات، ومن هذه الروايات :
أ ـ (عن الحسن بن علي الوشاء عن أحمد بن عمير عن أبي الحسن عليهالسلام قال: سأل عن قول الله عزّوجلّ : ( اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) قال: إنّ أعمال العباد تُعرض علی رسول الله صلىاللهعليهوآله كلُّ صباح أبرارها وفجّارها فاحذروا)
ب ـ (عن أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام قال: الأعمال تعرض كلَّ خميس علی رسول الله صلىاللهعليهوآله وعليّ أمير المؤمنين صلوات الله عليهما
وأيضاً ممّا يدلّ علی أنّ الأئمّة عليهالسلام أحياءٌ هو ما نطقت به الروايات التي صرّحت بزيارتهم عليهمالسلام للموتی وأنّ الموتیٰ يزورونهم، وفي هذا الخصوص عقد صاحبُ البصائر باباً مستقلّاً ص ٢٧٤ منها :
«عن أبان بن تغلب عن أبي عبدالله عليهالسلام أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام لقي أبابكر فاحتجّ عليه ثمّ قال له : أما ترضیٰ برسول الله صلىاللهعليهوآله بيني وبينكَ ؟ قال: فكيف لي به فأخذ بيده
(ورضيكم خلفاء(١) في أرضه وحججاً علی بريّته)(٢) إلی قوله (وشهداء علی خلقه وأعلاماً لعباده ومناراً في بلاده)(٣) وكذا ما فيها أيضاً (أنتم السبيل الأعظم والصراط الأقوم وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء(٤) والرحمةُ الموصولة والآية المخزونة .)(٥)
وأتیٰ مسجد قبا فإذا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه فقضیٰ علی أبي بكر فرجع أبو بكر مذعوراً فلقي عمر فأخبره فقال : مالكَ أما عَلِمتَ سحر بني هاشم»
«عن عباية الأسدي قال: دخلتُ علی أمير المؤمنين عليهالسلام وعنده رجل رثّ الهيئة وأمير المؤمنين عليهالسلام مقبل عليه يكلِّمه فلمّا قام الرجل قلتُ : يا أمير المؤمنين عليهالسلام مَن هذا الذي أشغلكَ عنّا ؟ قال: هذا وصيّ موسیٰ عليهالسلام » وهناك سيل من الروايات
١ ـ (عن الجعفري قال: سمعتُ أبا الحسن ـ الرضا عليهالسلام ـ يقول: الأئمّة خلفاء الله عزّوجلّ في أرضه) راجع الكافي ج ١، ح ١، باب أنّ الأئمّة خلفاء الله
٢ ـ (عن عبدالله بن أبي يعفور قال: قال أبو عبدالله عليهالسلام : يابن أبي يعفور إنّ الله واحد متوحِّد بالوحدانية، متفرِّد بأمره، فخلق خلقاً فقدّرهم لذلك الأمر فنحن هم يابن أبي يعفور فنحن حجج الله في عباده، وخزّانه علی علمه، والقائمون بذلك) راجع الكافي ج ١، ح ٥ باب الأئمّة ولاة أمر الله وخزنة علمه)
٣ ـ راجع شرح هذه الجملة من الزيارة الجامعة في الأنوار اللامعة للسيّد الجليل رحمهالله عبدالله شبّر ص ١١٣ ـ ط، مكتبة الأمين
٤ ـ عن الإمام الصادق والباقر عليهماالسلام قالا : (والله لنشفعنّ في المذنبين من شيعتنا حتّی يقول أعداؤنا : ( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ... ) ، راجع تفسير البرهان ج ٣، ص ١٨٧، ح ١
٥ ـ قال العلّامة المرحوم عبدالله شبّر في شرحه لهذه الجملة في الأنوار اللامعة ص ١٣٨ : (أي هم علامات قدرة الله تعالیٰ وعظمته ولكن معرفة ذلك كما ينبغي
وكذا ما في حديث النورانية «يا سلمان إنّ ميّتنا إذا مات لم يمت ومقتولنا إذا قُتِل لم يُقتل، وغائبنا إذا غابَ لم يَغب ولا نلد ولا نولد ولا في البطون ولا يُقاس بنا أحد من الناس .»(١)
وما ورد من التسليم علی أهل القبور(٢) ممّا يرفع الاستبعاد المذكور فإنّ المخاطب به هو أرواحهم الباقية، ونفوسهم الناطقة التي خُلِقت للبقاء دون أجسادهم البالية التي يعرضها التلاشي والفناء، فإذا صحّ التسليم علی مَن هذا حاله، فكيف يُنكر صحّته بالنسبة إلی المعصومين الذين لا تُفنی أرواحهم، ولا تُبلی أجسادهم(٣) المصونة عند عرش الله العظيم فإنّ ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا )
مخزونة إلّا عن خواص أوليائهم وفيه إشارة إلی أنّ الآيات هم الأئمّة الهداة عليهمالسلام وقد قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ما لله آية أكبر منّي)
١ ـ أخرج هذا الحديث الحافظ رجب البرسي في مشارق أنوار اليقين ص ٢٥٧، ط بيروت الأعلمي وهذا الحديث هو مقطع من خطبةٍ للإمام عليّ عليهالسلام
٢ ـ روي بسندٍ صحيح عن عبدالله بن سنان قال: قلتُ للصادق عليهالسلام : كيف أُسلِّم علی أهل القبور ؟ قال عليهالسلام : نعم، تقول : «السلام علی أهل الدِّيار من المؤمنينَ والمسلمينَ أنتم لنا فَرطٌ ونحن إنْ شاء الله بكم لاحقُونَ»
وروی المحدِّث القمّي في مفاتيح الجنان ص ٦٨٨ عن محمّد بن مسلم قال: قلت للصادق صلوات الله وسلامه عليه : (نزور الموتی ؟ قال: نعم قلت : فيعلمون بنا إذا أتيناهم ؟ قال: إي والله ليعلمون بكم ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم)
٣ ـ روی الصفّار في كتاب بصائر الدرجات ص ٤٤٣، ح ١ عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: (قال النبيّ يوماً لأصحابه : حياتي خيرٌ لكم ومماتي خيرٌ لكم
قال : فقالوا : يارسول الله صلىاللهعليهوآله هذا حياتك نعم، قالوا : فكيف مماتك ؟ فقال : إنّ الله
وَجْهَهُ ) (١) وقد ورد تفسيره(٢) بهم عليهمالسلام ، فهم الباقون بعد فناء الأشياء، ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) (٣)
وروی في البصائر بسنده عن الباقر عليهالسلام قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لأصحابه : حياتي خيرٌ لكم تُحدّثون ونحدّث لكم، ومماتي خيرٌ لكم تعرض عليَّ أعمالكم
حرّم لحومنا علی الأرض أنْ يُطعم منها
وأيضاً في نفس المصدر قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : (إنّ الله حرّم لحومنا علی الأرض فلا يطعم منها شيئاً)
١ ـ القصص : ٨٨
٢ ـ أي تفسير الوجه المذكور بالآية الشريفة فسّروه بالأئمّة عليهمالسلام كما في تفسير القمّي ج ٢، ص ١٢٤، ط الأعلمي في تفسير هذه الآية الشريفة حيث قال: عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) قال: فيفنی كلُّ شيءٍ ويبقی الوجه ؟ الله أعظم من أنْ يوصف، لا، ولكن معناها كلُّ شيءٍ هالك إلّا دينه ونحن الوجه الذي يؤتی الله منه، لم نزل في عباده ما دام الله له فيهم روبة، فإذا لم يكن له فيهم روبة فرفعنا إليه ففعل بنا ما أحبّ، قلتُ : جُعِلتُ فداك وما الروبة ؟ قال: الحاجة
وأيضاً روی أبو جعفر الصفّار في كتابه بصائر الدرجات ص ٦١ ج ٢، ط : مكتبة المرعشي روايةً علی أنّ الأئمّة عليهمالسلام هم وجه الله تعالی وهي :
(عن محمّد بن حمران عن أسود بن سعيد قال: كنت عند أبي جعفر عليهالسلام فأنشأ يقول ابتداءً من غير أن يُسأل : نحن حجّة الله ونحن باب الله، ونحن لسان الله، ونحن وجه الله، ونحن عين الله في خلقه، ونحن ولاة أمر الله في عباده)
٣ ـ الرحمن : ٢٦ ـ ٢٧ وروی القمّي في تفسيره ج ٢، ص ٣٢٣، ط الأعلمي في تفسيره لهذه الآية قال: ( وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ) دين ربّك، وقال عليّ بن الحسين عليهماالسلام : نحن الوجه الذي يؤتی الله منه
فإنْ رأيتُ حسناً جميلاً حمدتُ الله علی ذلك، وإنْ رأيتُ غيرَ ذلك استغفرتُ الله لكم)(١)
وكيف كان فعلی الزائر أنْ يذعن بحياتهم عليهمالسلام وحضورهم، وإحاطة علمهم بأحوال شيعتهم، وأطوارهم وحركاتهم وسكناتهم وجميع تنقّلاتهم(٢) فليراع الأدب عند زيارتهم، وليكن بين يديهم خاشعاً خاضعاً ضارعاً مسكيناً مستكيناً كالعبد الذليل الواقف بين يدي مولاه الجليل، كيف وهم موالي الخلق والخلق كلّهم عبيد لهم عبيد الطاعة كما في بعض الأخبار، بل عبيد الرق كما عن بعض الأخبار
بقي الكلام في مواضع ثلاثة :
الأوّل : في تفسير السلام فقد اختلفت فيه أقاويل الأعلام علی وجوه :
منها : إنّه مأخوذ من سلم الآفات سلامةً أي سلمت من المكاره والآفات(٣) وإليه يرجع ماقيل من أنّه دعاء بالسلامة لصاحبه من آفات الدُّنيا وعذاب الآخرة وضعه الشارع موضع التحية والبشریٰ بالسلامة وكذا ماقيل من أنّه من السلامة من الأذی(٤)
________________________
١ ـ بصائر الدرجات : ص ٤٤٤، ح ٤، ط : مكتبة المرعشي
٢ ـ عن محمّد بن مسلم قال: سألته عن الأعمال هل تُعرض علی النبيّ ؟ قال: ما فيه شك، قلت له : أرأيتَ قول الله تعالی : ( اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) قال: إنّهم شهود الله في أرضه
وأيضاً عن بُريد العجلي قال: كنتُ عند أبي عبدالله عليهالسلام فسألته عن قوله تعالی : ( اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) قال: إيّانا عنی
راجع بصائر الدرجات : ص ٢٢٤ وص ٤٢٧، ط مكتبة المرعشي النجفي
٣ ـ راجع لسان العرب ج ٦، ص ٣٤٣، ط : بيروت
٤ ـ نفس المصدر
كما في قوله : ( فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) (١) أي لايؤذونكَ كما يؤذيكَ غيرهم وأنت خبير بأنّ هذا المعنی لا يُناسب المقام إلّا أنْ يتكلّف بجعله دعاء لشيعته ومحبّيه
ومنها : إنّه مأخوذ من السلام الذي هو اسم من أسماء الله(٢) كما قال: ( السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ ) (٣) ، وقال : ( لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ ) (٤) أي دار الله علی أحد الوجهين سُمّي به لسلامته وتنزهه عن نقائص الإمكان، أو لأنّ أفعاله صواب وسداد لا يعتريها النقصان، أو لأنّه مسلم ومؤمن لكلّ مَن التجأ إلی ما به من مكاره الحدثان، وحافظ علی كلّ مَن توجّه إلی جنابه بوسيلة الإيمان، فالمعنی : اللهُ عليك أي حافظ لأسرارك المستترة، وعلومك المكنونة المخزونة من أنْ تنالها أيدي الجهلة أو عاصم لك من الرِّجس والسهو والخطأ، ومن كلّ ما يكره من المعائب والنقائص، وقد يقال : إنّ المراد اسم السلام عليكَ أي اسم الله عليك فإن أُريد به ما ذُكِر وإلّا فلا معنی له ولذا حملوا قول الشاعر اسم السلام عليكما علی الزيادة، وربما يتكلّف لتصحيحه بما لا حاجة إليه
ومنها : إنّه من السلم وهو الصلح كما قال: ( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ) (٥) ، وقال : ________________________
١ ـ الواقعة : ٩١
ـ أي السلام
٢ ـ لسان العرب : ج ٦، ص ٣٤٣
٣ ـ سورة الحشر : ٢٣
٤ ـ سورة الأنعام : ١٢٧ راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي ج ٤، ص ٤٥٣ ط : التاريخ العربي
٥ ـ سورة الأنفال : ٦١، وذيل الآية الشريفة : ( فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
(إنّي سلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمَن حاربكم)(١) أي مسالم، فهذه الكلمة للائذان بالمسالمة وترك المحاربة، وقد كانوا يؤمنون بها مَن يخاف شرّهم ومكيدتهم
ومنها : إنّه من التسليم فهو إمّا بشری له(٢) بما بشّره الله به من السلطنة الكاملة والغلبة علی الأعداء في زمان الرجعة)(٣) ، أو إيذان بأنّه مُسلِّم ومفوّض له جميع أموره مطيع له في جميع أوامره ونواهيه، ومؤمن بسرّه وعلانيّته، كما في الزيارة الجامعة : «مؤمن بسرّكم وعلانيّتكم(٤) وشاهدكم وغائبكم وأوّلكم وآخركم، ومفوِّض في ذلك كلّه إليكم(٥) ، ومسلِّم فيه معكم وقَلْبي لكم مُسلِّم ورأيي لكم
________________________
١ ـ لقد وردت هذه العبارة في زيارة عاشوراء المقدّسة المرويّة عن الإمام الباقر عليهالسلام ، وأيضاً وردت في أحاديث كثيرة منها قول النبيّ صلىاللهعليهوآله للإمام عليّ والحسن والحسين عليهمالسلام : (إنّي سلمٌ لمَن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم)
وبهذا الشأن راجع أمالي الشيخ المفيد ص ٢١٣، ط : جامعة المدرّسين، ومشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٣١، وص ٥٣، ط : الأعلمي
٢ ـ أي للإمام الحسين عليهالسلام
٣ ـ راجع تفسير القمّي ج ١، ص ٣٨٧، ط : بيروت، وتفسير العياشي : ج ٢، ص ٢٥٩ و ٢٦٠، ح ٢٨، وتفسير البرهان للبحراني ج ٢، ص ٣٦٨ ح ١، وكتاب الرجعة للأسترآبادي
٤ ـ أي بما استتر عن أكثر الخلق من غرائب أحوالكم وبما عُلِن منها أو مؤمن باعتقاداتكم السرنية وبأعمالكم وأقوالكم العلانية
٥ ـ أي لا اعتراض عليكم في شيءٍ من أُموركم بل أعلم أنّ كلّما تأتون به فهو بأمره تعالی أو المعنی أُسلِّم جميع أموري إليكم لكي تصلحوا خللها وفاسدها، فإنّ
تَبعٌ ونُصرَتي لكم مُعدَّةٌ حتّی يُحييَ الله تعالی دينَهُ بكم، ويردَّكم في أيّامه، ويُظهركم لعدلِهِ، ويُمكِّنكم في أرضه، فمعكُم معكُم(١) لا مع عدوّكم ...»
ويؤيّد الأوّل(٢) : ما روي عن داود بن كثير الرقي، قال: قلتُ : ما معنی السلام علی الله وعلی رسوله صلىاللهعليهوآله ؟ فقال : إنّ الله لـمّا خلق نبيّه ووصيّه وابنيه وابنته وجميع الأئمّة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق، وأنْ يصبروا ويصابروا وأن يتّقوا الله، ووعدهم أنْ يسلم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن، وأنْ ينزل لهم البيت المعمور ويظهر لهم السقف المرفوع وينجيهم من عدوّهم والأرض التي يبدّلها من دار السلم ويسلّم ما فيها لهم ولا شبهة فيها ولا خصومة فيها لعدوّهم وأن يكون لهم فيها ما يحبّون وأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله علی الأئمّة وشيعتهم الميثاق بذلك وإنّما عليه أن يذكره نفس الميثاق وتجديد له علی الله لعلّه أن يعجله ويعجل المسلم لهم بجميع ما فيه(٣)
ويؤيّد الثاني(٤) : ما في جملة من التفاسير من أنّ المراد بقوله : «ويُسلِّموا تسليماً» في قوله : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا
أعمال الخلائق تعرض عليهم، كما روي عن مولانا الصادق عليهالسلام قال :
(تُعرض الأعمال علی رسول الله أعمال العباد كلّ صباحٍ أبرارها وفجّارها فاحذروها وهو قول الله تعالی : ( اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ) (راجع أصول الكافي ج ١، ح ١، باب عرض الأعمال علی النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة)
١ ـ أي معكم بالقلب واللسان أو في الدُّنيا والرجعة أو في الدُّنيا والآخرة
وللزيادة راجع شرح الزيارة الجامعة للعلّامة شبر ص ١٦٥ ـ ١٦٦، ط : مكتبة الأمين
٢ ـ وهو أنّ السلام مأخوذ من السلم من الآفات والمكاره
٣ ـ الكافي، ج ١ ص ٤٥١
٤ ـ وهو أنّ السلام مأخوذ من السلام وهو من أسماء الله تعالی
يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (١)
هو السلام عليك أيّها النبيّ صلىاللهعليهوآله قال الطريحي : واستصوبه بعض الأفاضل لقضية العطف، ولأنّه المتبادر إلی الفهم عرفاً
وروی الكاهلي(٢) عن الصادق عليهالسلام أنّه تلا هذه الآية فقال : لو أنّ قوماً عبدوا الله ووحّدوه، ثمّ قالوا لشيء صنعه رسول الله صلىاللهعليهوآله لو صنع كذا وكذا ووجدوا ذلك في أنفسهم كانوا بذلك مشركين، ثمّ قال: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ) قال: هو التسليم في الاُمور(٣)
وعنه(٤) عليهالسلام في قوله الله تعالی : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) (٥) قال : هم الأئمّة(٦) ، ويجري فيمن استقام من شيعتنا وسلّم لأمرنا، وكتم حديثنا
________________________
١ ـ النساء : ٦٥
٢ ـ هو عبدالله بن يحيی أبو محمّد الكاهلي عربي، روی عن أبي عبدالله الصادق وأبي الحسن الكاظم عليهماالسلام ، وكان وجهاً عند الإمام الكاظم، ووصّیٰ به علي بن يقطين فقال له : (اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنّة) راجع رجال النجاشي ص ٢٢١ رقم ٥٨٠
٣ ـ بصائر الدرجات : ص ٥٢٠، الجزء العاشر، ح ٣، ط : المرعشي النجفي
٤ ـ أي عن الإمام الصادق عليهالسلام
٥ ـ سورة فصلت : ٣٠
٦ ـ أخرج القمّي في تفسيره ج ٢، ص ٢٣٧، ط : الأعلمي في تفسير هذه الآية ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: علی ولاية أمير المؤمنين عليهالسلام
وأخرج الطبرسي في تفسيره مجمع البيان ج ٩، ص ١٧، ط : مؤسسة التاريخ العربي، ونور الثقلين ج ٤، ص ٥٤٧، ح ٤٣، (عن محمّد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن الاستقامة فقال : هي والله ما أنتم عليه)
عند عدوّنا(١)
وعن الباقر عليهالسلام قال: (قد أفلح المسلّمون، إنّ المسلّمين هم النجباء)(٢)
وعنه عليهالسلام : (إنّ الإمام هادٍ مهدي لا يدخله الله في عماء ولا يحمله علی هيئة ليس للناس النظر في أمره ولا التبختر عليه وإنّما أُمروا بالتسليم)(٣)
وأخبار التسليم لآل محمّد صلىاللهعليهوآله كثيرة(٤)
ومنها(٥) : إنّ هذه الجملة(٦) قد صارت حقيقيّة عرفية في إنشاء الثناء
________________________
١ ـ تجد هذه الرواية في بصائر الدرجات ص ٥٢٤، ح ٢٢ وهذه تكملة الرواية : ( فتستقبلهم الملائكة بالبشریٰ من الله بالجنّة وقد والله مضی أقوامٌ كانوا علی مثل ما أنتم عليه من الذين استقاموا وسلّموا لأمرنا وكتموا حديثنا ولم يذيعوه عند عدوّنا ولم يشكّوا كما شككتم فاستقبلهم الملائكة بالبشری من الله بالجنّة
٢ ـ اُنظر بصائر الدرجات ص ٥٢٠ الجزء العاشر، وتفسير البرهان ج ٤، ص ٥٤٩، ح ١١
٣ ـ بصائر الدرجات ص ٥٢٣، الجزء العاشر، ح ٢١
٤ ـ مَن أراد الوقوف علی أخبار وروايات التسليم لآل محمّد عليهمالسلام عليه بمراجعة كتاب بصائر الدرجات حيث عقد باباً مستقلّاً تحت عنوان (التسليم لآل محمّد صلىاللهعليهوآله فيما جاء عندهم) تجده في الجزء العاشر من الكتاب ص ٥٢٠، ط : المرعشي النجفي وسوف نذكر روايتين خوفاً من الإطالة والاطناب :
روی عن جميل بن درّاج عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: (إنّ من قرّة العين التسليم إلينا أن تقولوا لكلّ ما اختلف عنّا أنْ تردوا إلينا)
وأيضاً عن صفوان عن داود بن فرقد عن زيد عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: (تدري بما أُمروا، أُمِروا بمعرفتنا والردّ إلينا والتسليم لنا)
٥ ـ أي من الأقوال التي ذكرها الأعلام في معنی السلام وهو المعنی الخامس
٦ ـ أي جملة (السّلامُ عليكَ)
والتمجيد نظير جملتي الصلاة والتحميد، فيجري فيها ما ذكروه في الحمد لله من الأصل، والعدول عنه إلی الجملة الإسمية للدلالة علی الدوام وغير ذلك من الاحتمالات في اللام وتفصيل الكلام لا يليق بالمقام(١)
الموضع الثاني في تفسير كونه عليه السّلام وارثاً للأنبياء والأوصياء
فاعلم إنّ الوارث هو الذي يبقیٰ بعد موت آخر مع استحقاقه لتركته بقيامه مقامه، ونزوله في منزلته فكأنّه هو(٢) ، وسُمِيَ تعالی بالوارث، لأنّه باقٍ بعد فناء الأشياء(٣) ، ولأنّه يرث الأرض ومَن عليها وهو خير الوارثين، والمؤمنون هم الوارثون لأنّهم يرثون منازل الكفّار في الجنّة، أو لأنّهم يمكَنْون في الأرض في زمان الرجعة كما قال تعالیٰ : ( أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (٤)
وفي الدُّعاء : (واجعلهما ـ أي السمع والبصر ـ الوارثين منّي، أي ابقهما صحيحين إلی زمان الموت بعد ضعف جميع أعضائي)(٥) ، وكونه عليهالسلام وارثاً
________________________
١ ـ راجع تفسير (الفرقان في تفسير القرآن للشيخ الدكتور محمّد الصادقي) ج ١، ص ٨٩، ط : طهران
٢ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ص ٦٥٤ ط : دار الهجرة
٣ ـ إشارة إلی قوله تعالی في سورة الرحمان (الآية ٢٦ و ٢٧) : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
٤ ـ الأنبياء : ١٠٥
٥ ـ بحار الأنوار، ج ٨٣، ص ١٣٠، باب ٤٣ ـ التعقيب المختص بصلاة الفجر، وإليك نصّه : «كان رسول الله صلی الله عيله وآله إذا صلی الغداة قال: اللهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارثين مني وأرني ثاري في عدوّي»
للأنبياء كسائر الأئمّة النقباء ممّا لا ريب فيه، والأخبار والزيارات(١) مشحونة بذلك كما لا يخفیٰ علی المتتبّع فيها
وروي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال: إنّ العلماء ورثة الأنبياء وذلك أنّ الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنّما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم فمَن أخذ بشيءٍ منها فقد أخذ حظّاً وافرا(٢)
وقد فسّر العلماء في بعض الأخبار بأئمّتنا الأبرار عليهمالسلام (٣)
ولا يُنافي ذلك ما روي عنه صلىاللهعليهوآله أنّه قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث)(٤) أي لا نبقي الميراث لأحدٍ أو لا يرث أحدٌ منّا، لضعفه أوّلاً بروايته من غير طرقنا، ومخالفته للآيات القرآنية(٥) ، والأخبار الكثيرة، وقد وضعوا هذا الخبر ليحرموا ________________________
١ ـ منها زيارته عليهالسلام في النصف من رجب : (... السلامُ عليكَ ياوارث علم الأنبياء السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبيّ الله ...)
ومنها زيارته في يوم عرفة : (السلامُ عليك ياوارث آدم صفوة الله، السلامُ عليك يا وارث نوح نبيّ الله . السلامُ عليك يا وارث محمّدٍ حبيب الله ...)
٢ ـ راجع بصائر الدرجات ص ١١، ح ٣، ط : مكتبة المرعشي النجفي وهذه تتمّة الحديث (فانظروا علمكم هذا عمّنْ تأخذونه فإنّ فينا في كلِّ خلفٍ عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين
٣ ـ راجع المصدر نفسه
٤ ـ أخرجه البخاري ج ٣ ص ٧ في غزوة خيبر ؛ صحيح مسلم ج ٢، ص ٧٢ باب قول النبيّ : لا نورّث، ما تركنا فهو صدقة من كتاب الجهاد والسير ؛ مسند أحمد ج ١ ص ٦
٥ ـ إنّ مسألة توريث الأنبياء منصوص عليها بعموم القرآن مثل قوله تعالی : ( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) النساء : ٧
وقوله تعالی : ( يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ) النساء : ١١
قال السيّد عبد الحسين شرف الدِّين في كتابه النصّ والاجتهاد ص ٥٥، المورد السابع : «كلّها ـ أي آيات المواريث ـ عامّة تشمل رسول الله صلىاللهعليهوآله فمن دونه من سائر البشر فهي علی حدّ قوله عزّوجلّ : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) وقوله : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّـهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ ) ونحو ذلك من آيات الأحكام الشرعية يشترك فيها النبيّ صلىاللهعليهوآله وكلُّ مكلّف من البشر، لا فرق بينه صلىاللهعليهوآله وبينهم، غير أنّ الخطاب فيها متوجّه إليه ليعمل به وليبلّغه إلی مَن سواه فهو من الحيثيّة أولی في الالتزام بالحكم من غيره» وأيضا ممّا يدلّ علی الإرث قوله تعالی في خبر زكريا : ( إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا )
ولابدّ من حمل الإرث في هذه الآية علی إرث المال دون النبوّة وشبهها حملاً للفظ يرثني من معناه الحقيقي المتبادر منه إلی الأذهان، إذ لا قرينة هنا علی النبوّة ونحوها، بل القرائن في نفس الآية متوفّرة علی إرادة المعنی الحقيقي دون المجاز وأيضاً قوله تعالی في سورة النمل : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ )
وإنّ هذه الآيتين الأخيرتين صريحتان علی توريث الأنبياء عليهمالسلام ، واستدلّت فاطمة الزهراء عليهاالسلام بهاتين الآيتين في خطبتها، حيث قال السيّد شرف الدِّين في النص والاجتهاد ص ٦٣ : (ولعمري أنّها عليهاالسلام أعلم بمفاد القرآن ممّن جاءوا متأخِّرين عن تنزيله، فصرفوا الإرث هنا إلی وراثة الحكمة والنبوّة دون الأموال، تقديماً للمجاز علی الحقيقة بلا قرينة تصرف اللفظ عن معناه الحقيقي المتبادر منه بمجرّد الإطلاق وهذا ممّا لا يجوز)
فاطمة عليهاالسلام عن ميراث النبيّ صلىاللهعليهوآله ومحاجّة عليّ عليهالسلام معهم في ذلك معروفة(١) ، وتأويله ثانياً : بأنّ المراد عدم توريث متاع الدُّنيا بشأن النبوّة لاقتضائه توريث العلوم والمعارف خاصّة، وهذا لا يُنافي توريثهم إيّاه بشأن البشرية، فإنّ لكلٍّ من الشأنين خواص ليست للآخر، هذا مع أنّ الغرض إثبات الوارثية في الجملة، وهو ممّا لم ينكره أحد، وأمّا معنی كونهم عليهمالسلام ورثة للأنبياء فيحتمل وجوهاً :
منها : إنّهم ورثوا ما أعطاهم عليهمالسلام من العلوم والمعارف والأسرار فعلموه كما علموه، فإنّ العلم لا يموت بموت العالم، بل يصير إلی عالمٍ آخر، وقد قال الباقر عليهالسلام : «إنّ عليّاً عليهالسلام عالم هذه الاُمّة، والعلم يتوارث ولا يهلك أحدٌ منّا إلّا تركَ من أهله مَن يعلم مثل علمه أو ما شاء الله»(٢)
وروي أيضاً في باب (أنّ الأئمّة عليهمالسلام ورثوا علم آدم عليهالسلام وجميع العلماء) بسنده عن الفضل بن يسار قال: (سمعتُ أبا عبدالله عليهالسلام يقول: إنّ العلم الذي هبط مع آدم لم يُرفع، وأنّ العلم يتوارث وما يموت منّا عالمٌ حتّى يخلفه من أهله مَن يعلم علمه أو ما شاء الله)(٣)
وبسنده عن أبي جعفر عليهالسلام قال: (كانت في عليّ عليهالسلام سنّة ألف نبيّ، وقال : إنّ العلم الذي نزل مع آدم لم يُرفع، وما ماتَ عالمٌ فذهب علمه، وأنّ العلم ليتوارث [و] أنّ الأرض لا تبقیٰ بغير عالم)(٤)
________________________
١ ـ راجع الاحتجاج للطبرسي ج ١، ص ٩٠ ـ ٩٣
٢ ـ رواه الصفّار في بصائر الدرجات ج ٣، ص ١١٨، ح ٤ في باب (العلماء إنّهم يرثون العلم بعضهم من بعض ولا يذهب العلم من عندهم)
٣ ـ نفس المصدر : ص ١١٤، ح ١
ـ الواو في المصدر غير موجودة
٤ ـ بصائر الدرجات : ص ١١٤، ح ٢
وبسنده عنه عليهالسلام أيضاً قال: (يمصّون الصماء ويدعون النّهر العظيم، قيل له : ومَن النهر العظيم ؟ قال: رسول الله صلىاللهعليهوآله والعلم الذي أتاه الله، أنّ الله جمع لمحمّدٍ صلىاللهعليهوآله سنن النبيّين من آدم هلّم جرّا إلی محمّد، قيل له : وما تلك السنن ؟ قال : علم النبيّين بأسره، وأنّ الله جمع لمحمّدٍ صلىاللهعليهوآله علم النبيّين بأسره، وأنّ رسول الله صيّر ذلك كلّه عند أمير المؤمنين عليهالسلام فقال له الرجل : يابن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أو بعض النبيّين ؟ فقال عليهالسلام (١) : اسمعوا ما نقول : إنّ الله يفتح مسامع مَنْ يشاء، أنّي حدّثتُ أنّ الله جمع لمحمّدٍ صلىاللهعليهوآله علم النبيّين، وأنّه جعل ذلك كلّه عند أمير المؤمنين، وهو يسألني هو أعلم أم بعض النبيّين)(٢)
وبسنده أيضاً عن أبي الحسن الأوّل عليهالسلام قال: قلتُ له : جعلت فداك النبيّ صلىاللهعليهوآله ورث علم النبيّين كلّهم عليهمالسلام ؟
قال لي : نعم قلت : من لدن آدم إلی أن انتهی إلی نفسه ؟ قال: نعم قلت : ورثهم النبوّة وما كان في آبائهم من النبوّة والعلم ؟ قال: ما بعث الله نبيّاً إلّا وقد كان محمّد صلىاللهعليهوآله أعلم منه قال: قلتُ : إنّ عيسی بن مريم كان يُحيي الموتیٰ بإذن الله قال: صدقت وسليمان بن داود كان يفهم كلام الطير قال ؛ وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقدر علی هذه المنازل(٣)
________________________
ـ في مصدر الرواية (الثماد) بدل (الصماء) والثماد هو الماء الذي لا مادّة له
١ ـ في المصدر (فقال أبو جعفر عليهالسلام ) بدل من (فقال عليهالسلام )
٢ ـ بصائر الدرجات : ص ١١٧، ح ١٢
٣ ـ الشارح رحمهالله ما نقل الرواية بتمامها وإنّما ذكر صدرها وذيلها ونحن نذكر المقطع الذي لم يذكره : (علی هذه المنازل فقال : إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكّ في أمره مالي لا أری الهدهد أم كان من الغائبين وكانت المردة والريح والنمل
إلی أن قال: فقد ورثنا نحن هذا القرآن، فعندنا ما يقطع به الجبال ويقطع به البلدان ويحيي به الموتی بإذن الله، ونحن نعرف ما تحت الهواء(١)
إلی أن قال: إنّ الله يقول: ( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (٢) ثمّ قال(٣) : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (٤) فنحن الذين اصطفانا الله، فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كلّ شيء(٥)
وروي أيضاً في باب أنّ الأئمّة ورثوا علم أُولي العزم من الرُّسل وجميع الأنبياء، وأنّهم أُمناء الله في أرضه وعندهم علم البلايا والمنايا وأنساب العرب(٦)
والإنس والجنّ والشياطين له طائعين وغضب عليه فقال : لأعذّبنّه عذاباً شديداً أو لأذبحنّه أو ليأتيني بسلطانٍ مبين، وإنّما غضب عليه لأنّه كان يدلّه علی الماء، فهذا وهو طير قد أُعطی ما لم يعطَ سليمان وإنّما أراده ليدلّه علی الماء فهذا لم يعط سليمان وكانت المردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكانت الطير تعرفه، أنّ الله يقول في كتابه : ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ) (الرعد : ٣١)
١ ـ أيضاً الشارح هنا لم يكمل الرواية ونحن سوف نكملها : ( الهواء وإن كان في كتاب الله لآياتٍ ما يُراد بها أمرٌ من الاُمور التي أعطاه الله الماضين النبيّين والمرسلين إلّا وقد جعله الله ذلك كلّه لنا في أُمّ الكتاب، إنّ الله تبارك وتعالی يقول .)
٢ ـ النمل : ٧٥
٣ ـ في مصدر الرواية هكذا (ثمّ قال عزّوجلّ ...)
٤ ـ فاطر : ٣٢
٥ ـ بصائر الدرجات : ص ١١٤، ح ٣
٦ ـ راجع بصائر الدرجات ج ٣، ص ١١٨ الباب الثاني
وبسنده عن عبد الرحمان بن أبي نجران(١) قال: كتبَ أبو الحسن الرضا عليهالسلام رسالةً وأقرأنيها قال: قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام : إنّ محمّداً صلىاللهعليهوآله كان أمينُ الله في أرضه فلمّا قُبض محمّدٌ صلىاللهعليهوآله كنّا أهل البيت ورثته ونحن أُمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام وإنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق(٢) إلی أنْ قال: نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أُولي العزم من الرُّسل(٣)
وبسنده عن الباقر عليهالسلام قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : (إنّ أوّل وصيّ كان علی وجه الأرض هبة الله بن آدم وما من نبيّ مضیٰ إلّا وله وصيّ، لأنّ عدد جميع
________________________
١ ـ هو عمرو بن مسلم التميمي مولیً كوفي رویٰ عن الرضا عليهالسلام ، وكان عبد الرحمان ثقة ثقة معتمداً علیٰ ما يرويه راجع رجال النجاشي ص ٢٣٥ (٦٢٢)
٢ ـ هذه تكملة الرواية : ( وحقيقة النفاق وأنّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم أخذ اللهُ علينا وعليهم الميثاق يردون موردنا ويدخلون مدخلنا نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء ونحن أبناء الأوصياء ونحن المفرحون في كتاب الله ونحن أولی الناس بالله ونحن أولی الناس بكتاب الله ونحن أولی الناس بدين الله ونحن الذين شرع لنا دينه فقال في كتابه شرع لكم يا آل محمّد من الدِّين ما وصّی به نوحاً، وقد وصّانا بما أوصی به نوحاً والذي أوحينا إليك يا محمّد وما وصّينا به إبراهيم وإسماعيل وموسیٰ وعيسیٰ وإسحاق ويعقوب فقد علمنا وبلغنا ما علمنا واستودعنا علمهم، نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أولي العزم من الرُّسل أنْ أقيموا الدِّين يا آل محمّد ولا تفرّقوا فيه وكونوا علی جماعة كبر علی المشركين مَنْ أشرك بولاية علي ما تدعوهم إليه من ولاية عليّ أنّ الله يا محمّد يهدي إليه مَنْ يُنيب من يُجيبكَ إلی ولاية عليّ عليهالسلام
٣ ـ بصائر الدرجات : ج ٣، ص ١١٨، ح ١
الأنبياء مئة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ، خمسة منهم أولوا العزم : نوح وإبراهيم وموسیٰ وعيسیٰ ومحمّد صلىاللهعليهوآله ، وأنّ عليّ بن أبي طالب هبة الله لمحمّد صلىاللهعليهوآله ورث علم الأوصياء، وعلم مَن كان قبله أمّا أنّ محمّداً ورث علم مَن كان قبله من الأنبياء والمرسلين ...)(١)
والأخبار بهذه المثابة لا تُحصیٰ كثيرة(٢)
ومنها(٣) : إنّهم عليهمالسلام اتّصفوا بما اتّصف به الأنبياء السابقون من الصفات المحمودة والأخلاق الفاضلة، والسمات الكاملة من الشرف والمجد والنجدة والكرامة والسخاوة والشجاعة والعلم والرحمة والعطوفة وغير ذلك من المناصب العالية التي بلغوا بها أعلی المدارج، ووصلوا بها إلی أسنی المعارج فصاروا بها مظاهر أسماء الله الحسنیٰ ومرايا صفاته العليا فكأنّهم هم، فمَنْ نظر إليهم عليهمالسلام فكأنّما نظر إليهم عليهمالسلام وقد أشار إلی ذلك النبيّ صلىاللهعليهوآله في حديث الأعرابي والضّب بقوله صلىاللهعليهوآله : يا عبد الله مَن أراد أن ينظر إلی آدم في جلالته وإلی شيث في حكمته وإلی إدريس في نباهته ومهابته، وإلی نوح في شكره لربِّه وعبادته، وإلی إبراهيم في وفائه وخلّته، وإلی موسیٰ في بغض كلّ عدوّ لله ومنابذته، وإلی عيسیٰ في حبّ كلّ مؤمن ومعاشرته، فلينظر إلی عليّ بن أبي
________________________
١ ـ راجع بصائر الدرجات : ص ١٢١، ح ١ وهذه تتمّة الحديث : «والمرسلين وعلی قائمة العرش مكتوب حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيّد الشهداء وفي زوايا العرش مكتوب عن يمين ربّها وكلتا يديه يمين عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام فهذه حجّتنا علی مَنْ أنكر حقّنا وجحدنا ميراثنا وما منعنا من كلام واماننا فأيّ حجّة تكون أبلغ من هذا»
٢ ـ راجع نفس المصدر
٣ ـ أي من الوجوه المحتملة علی أنّ الأئمّة عليهمالسلام ورثة الأنبياء عليهمالسلام
طالب(١)
وفي حديث المفضل وسيّدنا القائم عليهالسلام مسند ظهره بالكعبة ويقول : يا معشر الخلائق ألا ومَن أراد أن ينظر إلی آدم وشيث فها أنا آدم وشيث، ألا ومَنْ أراد أن ينظر إلی نوح وسام فها أنا ذا نوح وسام، ألا ومَن أراد أن ينظر إلی إبراهيم ________________________
١ ـ بحار الأنوار : ج ١٧، ص ٤١٨، الباب الخامس، ط بيروت، مؤسسة الوفاء
وأخرج النسائي في الخصائص ص ١٩٦ حديث ١٠٣، والحاكم في المستدرك ج ٣، ص ١٢٣، عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «مَنْ أراد أنْ ينظر إلی آدم في علمه، وإلی نوح في فهمه، وإلی إبراهيم في حلمه، وإلی يحيی بن زكريا في زهده، وإلی موسی بن عمران في بطشه فلينظر إلی عليّ بن أبي طالب»
وأيضاً أخرج أحمد بن حنبل في مسنده ج ١، ص ١٦٠ حديث ١٣٧٧ وفي الفضائل ج ٢، ص ٦٤ حديث ٩٦، عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال: «مَنْ أراد أنْ ينظر لإبراهيم في حلمه، وإلی نوح في حكمه، وإلی يوسف في جماله فلينظر إلی عليّ بن أبي طالب»
وأيضاً روی الديلمي في إرشاد القلوب ص ٢١٧ عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال: «مَنْ أراد أنْ ينظر إلی نوح في عزمه، وإلی آدم في علمه، وإلی إبراهيم في حلمه، وإلی موسیٰ في فطنته، وإلی عيسی في زهده، فلينظر إلی عليّ بن أبي طالب»
وروی محمّد بن الفتّال النيشابوري في روضة الواعظين ج ١، ص ١٢٨ ط : الشريف الرضي قال: (إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله نظر ذات يوم إلی عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وحوله جماعة من أصحابه، فقال : مَنْ أحبّ أن ينظر إلی يوسف في جماله، وإلی إبراهيم في سخائه، وإلی سليمان في بهجته، وإلی داود في قوّته فلينظر إلی هذا»
ورویٰ في نفس المصدر : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «مَنْ أراد أن ينظر إلی آدم في علمه، وإلی نوح في فهمه وإلی إبراهيم في حلمه، وإلی يحيی بن زكريا في زهده، وإلی موسیٰ بن عمران في بطشه، فلينظر إلی عليّ بن أبي طالب»
وإسماعيل فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل، ألا ومَن أراد أن ينظر إلی موسی ويوشع فها أنا ذا موسی ويوشع، ألا ومَن أراد أن ينظر إلی عيسی وشمعون فها أنا ذا عيسی وشمعون، ألا ومَن أراد أن ينظر إلی محمّد وأمير المؤمنين فها أنا ذا محمّد وأمير المؤمنين، ألا ومَن أراد أن ينظر إلی الحسن والحسين فها أنا ذا الحسن والحسين، ألا ومَن أراد أن ينظر إلی الأئمّة من ولد الحسين فها أنا ذا الأئمّة(١) ، وهو طويل، وهذا أحد الوجوه التي يُحمل عليها ما ورد في بعض خطب أمير المؤمنين عليهالسلام من قوله : «أنا آدم الأوّل، أنا نوح الأوّل، أنا محمّد ومحمّد أنا» ونحو ذلك(٢)
________________________
١ ـ راجع حلية الأبرار للسيّد هاشم البحراني ج ٢ ص ٦٥٨، ط بيروت الأعلمي (١٤١٣ هـ)
وإليك تتمّة الرواية : « فلينظر إليّ ويسألني أنبأهما انباؤا به وبما لم ينبؤا به، ألا ومَن كان يقرء الكتب والصحف فليسمع منّي، ثمّ يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله تعالی علی آدم وشيث فيقرؤها فتقول أمّة آدم وشيث هذه والله هي الصحف ولقد قرأها ما لم نعلمه منها وما كان خفي عنّا وما كان أُسقط منها وبُدّل وحُرِّف، ويقرء صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور فيقول أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الزبور هذه والله صحف نوح وصحف إبراهيم حقّاً وما أُسقط منها وما بُدِّل وحُرِّف منها، هذه والله التوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل وأنّها أضعاف ما قرأنا منها
ثمّ يتلو القرآن فيقول المسلمون : هذا والله القرآن حقّاً الذي أنزله الله علی محمّد صلىاللهعليهوآله وما أُسقط منه وبدِّل وحرّف، لعن الله مَن أسقطه وبدّله وحرّفه ...»
٢ ـ ذكر هذه الخطبة الحافظ رجب البرسي في مشارق الأنوار ص ٣١٨، ط : قم،
وإليك نصّ الخطبة : قال عليهالسلام :
(أنا عندي مفاتيح الغيب، لا يعلمها بعد محمّد رسول الله إلّا أنا، أنا ذو القرنين المذكور في الصحف الاُولی، أنا صاحب خاتم سُليمان، أنا وليّ الحساب، أنا صاحب الصراط والموقف، أنا قاسم الجنّة والنار بأمر ربّي، أنا آدم الأوّل، أنا نوح الأوّل، أنا آية الجبّار، أنا حقيقة الأسرار، أنا مورق الأشجار، أنا مونع الثمار، أنا مفجِّر العيون، أنا مجري الأنهار، أنا خازن العلم، أنا طور الحلم، أنا أمير المؤمنين، أنا عين اليقين، أنا حجّة الله في السماوات والأرض، أنا الراجفة، أنا الصاعقة، أنا الصيحة بالحقّ، أنا الساعة لمَن كذّب بها، أنا ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه، أنا الأسماء الحسنی التي أمر الله أنْ يدعیٰ بها، أنا ذلك النور الذي يُقتبس منه الهدیٰ، أنا صاحب الصور، أنا مخرج مَنْ في القبور، أنا صاحب يوم النشور، أنا صاحب نوح ومنجيه، أنا صاحب أيّوب المبتلیٰ وشافيه، أنا أقمتُ السماوات بأمر ربّي، أنا صاحب إبراهيم، أنا سرّ الكليم، أنا الناظر في الملكوت، أنا أمر الحي الذي لا يموت، أنا وليّ الحقّ علی سائر الخلق، أنا الذي لا يُبدّل القول لديّ، وحساب الخلق إليّ، أنا المفوّض إليّ أمر الخلائق، أنا خليفة الإله الخالق، أنا سرُّ الله في بلاده، وحجّته علی عباده، أنا أمر الله والروح، كما قال سبحانه وتعالی : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) ، أنا أرسيت الجبال الشامخات، وفجّرتُ العيون الجاريات، أنا فارس الأشجار، ومخرج ألوان الثمار، أنا مقدّر الأقوات، أنا منشر الأموات، أنا مُنزل القطر، أنا منوّر الشمس والقمر والنجوم، أنا قيّم القيامة، أنا مقيم الساعة، أنا الواجب له من الله الطاعة أنا حيٌّ لا أموت وإذا متُّ لم أمت، أنا سرُّ الله المخزون، أنا العالم بما كان وما يكون، أنا صلاة المؤمنين وصيامهم، أنا مولاهم وإمامهم، أنا صاحب النشر الأوّل والآخر، أنا صاحب المناقب والمفاخر، أنا
صاحب الكواكب، أنا عذاب الله الواصب، أنا مهلك الجبابرة الأول، أنا مزيل الدول، أنا صاحب الزلازل والرجف، أنا صاحب الكسوف والخسف، أنا مدمِّر الفراعنة بسيفي هذا، أنا الذي أقامني الله في الأظلّة ودعاهم إلی طاعتي فلمّا ظهرت أنكروا، فقال الله سبحانه : ( فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ) ، أنا نور الأنوار، أنا حامل العرش مع الأبرار، أنا صاحب الكتب السالفة، أنا بابُ الله الذي لا يُفتح لمَن كذّب به ولا يذوق الجنّة، أنا الذي تزدحم الملائكة علی فراشي، وتعرفني عباد أقاليم الدُّنيا، أنا الذي ردّت لي الشمس مرّتين، وسلّمتْ عليَّ كرّتين، وصلّيت مع رسول الله القبلتين، وبايعتُ البيعتين، أنا صاحب بدرٍ وحُنين، أنا الطور، أنا الكتاب المسطور، أنا البحرُ المسجور، أنا البيتُ المعمور، أنا الذي دعا الله الخلائق إلی طاعتي فكفرت، وأصرّت فمُسِختْ وأجابت أمّة فنجت وأزلفت، أنا الذي بيدي مفاتيح الجنان ومقاليد النيران، أنا مع رسول الله في الأرض وفي السماء، أنا المسيح حيث لا روح يتحرّك ولا نفس يتنفّس غيري، أنا صاحب القرون الأولیٰ، أنا الصامت ومحمّد الناطق، أنا جاوزتُ بموسی البحر وأغرقتُ فرعون وجنوده، أنا أعلم هماهم البهائم ومنطق الطير، أنا الذي أجوز السماوات السبع والأرضين السبع في طرفة عين، أنا المتكلِّم علی لسان عيسی في المهد، أنا الذي يُصلّي عيسی خلفي، أنا الذي أنقلب في الصور كيف شاء الله، أنا خازن السماوات السبع والأرض بأمر ربّ العالمين، أنا القاسم بالقسط، أنا ديّان الدِّين، أنا الذي لا تُقبل الأعمال إلّا بولايته، ولا تنفع الحسنات إلّا بحبّه، أنا العالم بمدار الفلك الدوّار، أنا صاحب مكيال قطرات الأمطار ورمل القفار بإذن الملك الجبّار، ألا أنا الذي أُقتل مرّتين وأحيی مرّتين وأظهر كيف شئت، أنا محصي الخلائق وإن كثروا، أنا محاسبهم بأمر ربّي، أنا الذي عندي ألف كتاب من كتب الأنبياء، أنا الذي جحد
وهذه الأخبار وإن أفادت الاختصاص [بالإمام] عليّ عليهالسلام ، إلّا أنّه لا فرق بينه عليهالسلام وبين سائر الأئمّة المعصومين عليهالسلام (١) ، فقد روی عبد الرحمٰن بن كثير عن الصادق عليهالسلام قال: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ) (٢) ، قال: «الذين آمنوا النبيّ وأمير المؤمنين عليهالسلام والذرية والأئمّة الأوصياء عليهمالسلام ألحقنا بهم ذرّيتهم، ولم تنقص ذريتهم من الحجّة التي جاء بها محمّد صلىاللهعليهوآله في عليّ، وحجّتهم واحدة،
ولايتي ألف أمّة فمسخوا، أنا المذكور في سالف الزمان والخارج في آخر الزمان، أنا قاصم الجبّارين في الغابرين، ومخرجهم ومعذّبهم في الآخرين، أنا معذّب يغوث ويعوق ونسراً عذاباً شديداً، أنا المتكلِّم بكلّ لسان، أنا الشاهد لأعمال الخلائق في المشارق والمغارب، أنا محمّد ومحمّد أنا، أنا صهر محمّد، أنا المعنی الذي لا يقع عليه اسم ولا شبه، أنا باب حطّة، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم»
ـ بين المعقوفتين لم يكن من الشارح وإنما وضعناه للسياق
١ ـ إنّهم عليهمالسلام يجري لهم ما يجري للإمام عليّ عليهالسلام ، حيث روی الطبرسي في إعلام الوری ص ٣٥٥ عن أبي هاشم قال: سُئِل أبو محمّد عليهالسلام ـ يعنـي الـعـسكـري ـ ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين ؟ فقال عليهالسلام : إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا عليها نفقة، ولا يُعقل، إنّما ذلك علی الرجل، فقلتُ في نفسي : قد كان قيل : إنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبدالله عليهالسلام عن هذه المسألة، فأجابه بهذا الجواب، فأقبل أبو محمّد فقال : نعم، هذه مسألة ابن أبي العوجاء، والجواب منّا واحد : جری لآخرنا ما جری لأوّلنا، وأوّلنا وآخرنا في العلم سواء، ولرسول الله ولأمير المؤمنين فضلهما
٢ ـ الطور : ٢١
وطاعتهم واحدة»(١)
وعن أبي الحسن عليهالسلام قال: نحن في العلم والشجاعة سواء، وفي العطايا علی قدر ما نؤمر(٢)
ومنها(٣) : إنّ الروح الأعظم القدسي(٤) الذي كان قد تجلّی في هياكل السابقين(٥) ________________________
١ ـ راجع تفسير علي بن إبراهيم ج ٢، ص ٣٠٩، ط بيروت الأعلمي ١٩٩١ م، وبصائر الدرجات ج ٥ الباب الثامن ح ١، ص ٤٨٠
وأيضاً روی الصفّار في بصائر الدرجات الجزء العاشر، الباب الثامن، الحديث الثاني، ص ٤٨٠، عن صفوان بن يحيیٰ عن ابن مسكان عن الحرث بن النضري عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: (سمعته يقول رسول الله صلىاللهعليهوآله ونحن في الأمر والنهي والحلال والحرام نجري مجری واحد فأمّا رسول الله صلىاللهعليهوآله وعليّ فلهما فضلهما)
٢ ـ راجع بصائر الدرجات ج ١٠، ص ٤٨٠، الحديث الثالث، الباب الثامن، وأصول الكافي ج ١، ص ٢٧٥، الحديث الثاني، ودفع المناواة عن التفضيل والمساواة للسيّد المحقّق الحسين بن الحسن الكركي المتوفی سنة ١٠٠١ هـ، ص ١٩٢ في الباب التاسع عشر، تحت عنوان (إنّهم عليهمالسلام في الفضائل سواء)
٣ ـ أي من الاحتمالات علی أنّ الأئمّة عليهمالسلام ورثة الأنبياء عليهمالسلام
٤ ـ إنّ الذي تقرّره روايات أهل البيت عليهمالسلام هو أنّ الروح غير جبرائيل عليهالسلام ، وهذه الروح هي تكون مع الأنبياء والأوصياء والشيخ محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار القمّي يروي في كتابه بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٦٤ ح ٤، عن أبي بصير قال: كنتُ مع أبي عبدالله عليهالسلام فذكر شيئاً من أمر الإمام إذا وُلد قال: واستوجب زيادة الرّوح في ليلة القدر فقلت : جعلتُ فداك أليس الروح جبرئيل ؟
قال عليهالسلام : جبرئيل من الملائكة، والروح خلقٌ أعظم من الملائكة، أليس الله يقول: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ
٥ ـ أي الأنبياء عليهمالسلام
فقدروا به علی خرق العادات وإظهار المعجزات من إحياء الأموات، وإشفاء المرضیٰ ونحو ذلك قد انتقل إلی هياكل محمّد وآله فظهرت منهم [ عليهمالسلام ] الآيات الباهرات والمعجزات الظاهرات(١) بل التجليات السابقة كانت بالصورة ________________________
١ ـ كما أنّ الأنبياء عليهمالسلام قد ظهرت علی أيديهم معاجز وكرامات وبيّنات ودلائل صادقة، أيضاً الأئمّة من آل محمّد عليهمالسلام قد ظهرت لهم معاجز فاقت معاجز الأنبياء من قبل، فالأئمّة عليهمالسلام أنّهم يُحيون الموتی ويبرؤون الأكمة والأبرص بإذن الله، وللتفصيل في هذا المجال راجع كتاب (مدينة المعاجز) للسيّد الجليل هاشم البحراني المتوفیٰ (١١٠٩ هـ) ستجد في هذا الكتاب العجائب والغرائب من معاجز الأئمّة الأطهار ولا عجبَ ولا غرابة لمن فهم مقامهم عليهمالسلام
وسوف ننقل شاهدين للتيمّن من كتاب بصائر الدرجات لابن فرّوخ القمّي المتوفی سنة (٢٩٠ هـ) ص ٢٦٩ ج ٦، الباب الثالث الحديث الأوّل : منها :
عن أبي بصير قال: دخلتُ علی أبي عبدالله عليهالسلام وأبي جعفر عليهالسلام وقلتُ لهما : أنتما ورثة رسول الله صلىاللهعليهوآله قال: نعم، قلتُ : فرسول الله وارث الأنبياء عَلِمَ كلّما علموا ؟ فقال لي : نعم، فقلت : أنتم تقدرون علی أن تحيوا الموتیٰ، وتبرؤا الأكمه والأبرص ؟ فقال لي : نعم، بإذن الله، ثمّ قال: ادن منّي يا أبا محمّد فمسح يده علی عيني ووجهي، وأبصرتُ الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلّ شيء في الدار قال : أتحبّ أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصاً ؟ قلت : أعود كما كنتُ، قال: فمسح علی عيني فعدتُ كما كنت
ومنها : في نفس المصدر الباب الرابع الحديث الخامس ص ٢٧٤ عن داود بن كثير الرّقي قال: حجّ رجل من أصحابنا فدخل علی أبي عبدالله عليهالسلام فقال : فداك أبي وأُمّي أنّ أهلي قد توفّيت، وبقيتُ وحيداً فقال أبو عبدالله عليهالسلام : أفكنت تحبّها ؟ قال: نعم
والظلّ وما كان في هذه الهياكل الشريفة إنّما هو بالحقيقة والأصل، فلذا كانت قدرتهم علی الاُمور العجيبة أشدّ وأقویٰ، وعلمهم بما كان وما يكون أكثر وأجلیٰ، بل الصادر عن السابقين(١) رشحة من رشحات جودهم عليهمالسلام ،(٢) كما أنّ وجودهم(٣) رشحة من رشحات وجودهم، وإلی هذا المقام أشار [الإمام] عليّ عليهالسلام في بعض خطبة بقوله : أنا رافع إدريس مكاناً عليّا، أنا منطق عيسی في المهد صبيّاً، وقوله : أنا جاوزت موسی في البحر، وأغرقت فرعون وجنوده، أنا أعلم هماهم البهائم، ومنطق الطير، أنا الذي أجوز السماوات السبع والأرضين السبع في طرفة عين، أنا المتكلِّم علی لسان عيسیٰ في المهد صبيّاً، أنا الذي يصلّي عيسیٰ خلفي، أنا الذي ينقلب في الصور كيف يشاء الله، وقوله : أنا الخضر معلِّم موسی، أنا معلِّم داود وسليمان، أنا ذو القرنين، أنا تكلّمتُ علی لسان عيسیٰ في المهد، أنا نوح، أنا إبراهيم، أنا صاحب الناقة، أنا صاحب الرجفة، أنا صاحب الزلزلة، أنا اللوح المحفوظ، إليَّ انتهی علمُ ما فيه، أنا أنقلب في الصور كيف ما شاء الله، مَن رآهم فقد رآني، ومَنْ رآني فقد رآهم ونحن في الحقيقة نور الله الذي لا يزول ولا يتغيّر(٤)
جعلتُ فداك قال: ارجع إلی منزلك فإنّك سترجع إلی المنزل وهي تأكل شيئاً قال: فلمّا رجعتُ من حجّتي ودخلتُ منزلي رأيتها قاعدة وهي تأكل)
١ ـ يعني الأنبياء عليهمالسلام
٢ ـ أي الأئمة عليهم السلام
٣ ـ أي وجود الأنبياء عليهمالسلام
٤ ـ راجع مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي المتوفیٰ تقريباً في سنة ٨١٣ من الهجرة ص ٢٥٥، في فصل (معرفة الإمام بالنورانيّة)، ط : الأعلمي بيروت
ومنها(١) : إنّ عندهم [ عليهمالسلام ] ما كان عند الأنبياء من الآلات والأدوات المختصّة بهم التي خصّهم الله بها دون سائر خلقه مثل عصا موسیٰ وعمامة هارون وخاتم سليمان والتابوت وغير ذلك ممّا ورد في الأخبار
فقد روي عن سعيد السمان قال: كنتُ عند الصادق عليهالسلام إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له : أفيكم إمامٌ مفترض الطاعة ؟ قال [ عليهالسلام ] : لا، فقال له : أخبرنا عنكَ الثقات أنّك تفتي وتقرّ وتقول به ونسمّيهم لك فلان وفلان وهم أهل ورع وتشمير وهم ممّن لا يكذّبون، فغضب أبو عبدالله عليهالسلام وقال : ما أمرتهم بهذا، فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا فقال لي [ عليهالسلام ] : أتعرف هذين ؟ قلتُ : نعم، هما من أهل سوقنا من الزيديّة وهما يزعمان أنّ سيف رسول الله صلىاللهعليهوآله عند عبدالله بن الحسن، فقال [ عليهالسلام ] : كذبا لعنهما الله ولا والله ما رآه عبد الله بعينيه ولا بواحد من عينيه ولا رآه أبوه إلّا أن يكون رآه عند عليّ بن الحسين بن عليّ، وإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه، وما أثر في موضع مضربه، وأنّ عندي لسيفَ رسول الله صلىاللهعليهوآله ودرعه ولامته ومغفره فإن كانا صادقين فما علامة في درعه، وأنّ عندي لراية رسول الله صلىاللهعليهوآله المغلبة، وأنّ عندي ألواح موسیٰ وعصاه، وأنّ عندي لخاتم سليمان بن داود، وأنّ عندي الطست الذي كان يُقرّب بها موسی القربان، وأنّ عندي الاسم الذي كان إذا أراد رسول الله أن يضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلی المسلمين نشابّة، وأنّ عندي التابوت التي جاءت بها الملائكة تحمله، ومثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل أي أهل بيت وقف التابوت علی باب دارهم أُوتوا النبوّة، ومَن صار إليه السلاح منّا أُوتي بالإمامة، ولقد لبس أبي درع ________________________
١ ـ هذا الوجه الرابع من الوجوه المحتملة علی أنّ الأئمّة عليهمالسلام ورثة الأنبياء
رسول الله فخطّت علی الأرض خطيطاً، ولبستها أنا فكانت وقائمنا ممّن إذا لبسها ملأها إن شاء الله(١)
فالمراد أنّ آل محمّد صلىاللهعليهوآله يرثون أمثال هذه المتروكات المعبّر عنها في بعض الأخبار بالآثار وبميراث النبوّة
فقد روي عن الباقر عليهالسلام قال: «لمّا قضیٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله نبوّته، واستكلمت أيّامه أوحی الله إليه يا محمّد قد قضيت نبوّتك، واستكملت أيّامكَ، فاجعل العلم الذي عندك والآثار والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوّة في أهل بيتك عند عليّ بن أبي طالب، فإنّي لم أقطع علم النبوّة من العقب من ذرّيتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيكَ آدم عليهالسلام »(٢)
وقد روی صاحب البصائر(٣) في الجزء الرابع منه في باب ما عند الأئمّة عليهمالسلام من سلاح رسول الله، وآيات الأنبياء مثل عصا موسیٰ وخاتم سُليمان، والطست، والتابوت والألواح وقميص آدم، جملة وافرة من الروايات توضح هذا المعنی(٤)
________________________
١ ـ أخرج هذه الرواية ابن فرّوخ الصفّار في بصائر الدرجات الجزء الرابع، ص ١٧٤، الحديث الثاني، الباب الرابع
٢ ـ الكافي : ج ٨، ص ١١٥
٣ ـ أي الشيخ المحدّث أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار القمّي، من أصحاب الإمام العسكري عليهالسلام المتوفّی ٢٩٠ من الهجرة له كتاب بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد عليهمالسلام
٤ ـ راجع نفس الكتاب المذكور الجزء الرابع، الباب الرابع، ص ١٧٤، ط : مكتبة السيّد المرعشي النجفي في قم حيث ذكر ثمانية وخمسين رواية في هذا الباب، وكلّها تنصّ علی أنّ الأئمّة عليهمالسلام ورثوا الأنبياء عليهمالسلام ومن هذه الروايات :
ومنها(١) : إنّ من شأن الأئمّة الإرشاد والإبلاغ والإنذار، ووجوب طاعتهم علی الناس كما كان ذلك شأن الأنبياء [ عليهمالسلام ]، وهذا معنی كون العلماء أيضاً ورثة لهم
قال الصادق عليهالسلام : (الفضل لمحمّد صلىاللهعليهوآله وهو المقدّم علی الخلق جميعاً لا يتقدّمه أحدٌ، وعليّ عليهالسلام المقدَّم بعده والمتقدِّم بين يدي عليّ عليهالسلام كالمتقدِّم بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله وكذلك يجري للأئمّة من بعده واحداً بعد واحد جعلهم الله أركان الأرض أنْ تميد بأهلها ورابطة علی سبيل هداه لا يهتدي هادٍ من ضلالة إلّا بهم، ولا يضلّ خارج من هدی إلّا بتقصير عن حقّهم، وأمناء الله علی ما أهبط الله من علم أو عذر أو نذر، وشهداءه علی خلقه والحجّة البالغة علی مَن في الأرض، جری لآخرهم من الله مثل الذي أوجب لأوّلهم فمَن اهتدی بسبيلهم وسلّم الأمر لهم فقد استمسك بحبل الله المتين وعروة الله الوثقی)(٢)
ولا يخفی أنّ حمل الميراث المستفاد من هذه الفقرات علی جميع ما كان لهم عليهمالسلام من الخصائص سوی مرتبة النبوّة أولی من حمله علی خصوص بعض المراتب كما يشهد له كثير من الأخبار الواردة في هذا المضمار
روی عن أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام قال: (خرج أمير المؤمنين ذات ليلة علی أصحابه بعد عتمة وهم في الرحبة وهو يقول همهمة وليلة مظلمة خرج عليكم الإمام وعليه قميص آدم وفي يده خاتم سليمان، وعصا موسی عليهمالسلام )
وروی أبو حمزة الثمالي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال: سمعته يقول: «ألواح موسیٰ عندنا، وعصا موسیٰ عندنا، ونحن ورثة النبيّين»
١ ـ هذا الوجه الخامس من الوجوه المحتملة علی أنّ الأئمّة عليهمالسلام ورثة الأنبياء
٢ ـ راجع أصول الكافي ج ١، ص ٢٢٠، باب أنّ الأئمّة هم أركان الأرض، ولكن يوجد بعض التفاوت بين هذه الرواية والروايات المذكورة في الكافي
ألا تری إلی ما رواه المفضّل الجعفي عن الصادق عليهالسلام قال: سمعته يقول: أتدري ما كان قميص يوسف ؟ قال: قلتُ : لا، قال: إنّ إبراهيم لـمّا أوقد له النار أتاه جبرئيل بثوب من ثياب الجنّة فألبسه إيّاه فلم يضرّه معه حرّ ولا برد، فلمّا حضر إبراهيم الوفاة جعله في تميمة وعلّقها علی إسحاق، وعلّقها إسحاق علی يعقوب، فلمّا ولد يوسف علّقها عليه وكان في عضده حتّی كان من أمره ما كان فلمّا أخرج يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه فهو قوله : ( إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ ) (١) فهو القميص الذي أُنزل من الجنّة قلتُ : جعلتُ فداك فإلی مَن صار ذلك القميص ؟
فقال : إلی أهله، ثمّ قال: كلُّ نبيّ ورث علماً أو غيره فقد انتهی إلی محمّد صلىاللهعليهوآله وأهل بيته(٢)
كيف عمّم في آخره ولم يُفرّق فيه بين العلم وغيره ؟(٣)
الموضع الثالث في تفسير صفوة الله
فاعلم أنّ هذا اللفظ(٤) محتمل لكونه وصفاً لآدم عليهالسلام ، وبدلاً، وعطف بيان ولا يرد علی الأوّل(٥) جموده، أمّا علی القول بجواز الوصف بالجامد مطلقاً
________________________
١ ـ يوسف : ٩٤
٢ ـ بصائر الدرجات، الجزء الرابع، الباب الرابع، ص ١٨٩، ح ٥٨
٣ ـ إنّ الإمام الصادق عليهالسلام في ذيل الرواية لم يُفرّق في الإرث بين العلم وغيره
٤ ـ أي صفوة الله
٥ ـ أي علی القول بأنّ صفوة الله صفة لآدم عليهالسلام
فظاهر وأمّا علی القول الآخر(١) فلتأويله إلی الصفي وهو مشتقّ والعدول عنه إليه إنّما هو للمبالغة كما في زيد عدلٌ، فالمجاز في الكلمة ولكن التحقيق أنّ هذا لتصحيح اللفظ بمعنی أنّه لو كان الكلام قد جيء به علی ظاهره من دون أن يقصد به المبالغة لكان حقّه أن يؤل إلی المشتقّ وكذا تأويلهم نحو زيد عدل بذو عدول وبذلك صرّح بعض أهل البيان(٢) علی ما حكي عنه في بيت الخنساء تصف الناقة : (فإنّما هي إقبالٌ وإدبار)
قال : لم ترد بالإقبال والإدبار غير معناهما حتّی يكون المجاز في الكلمة وإنّما المجاز في أن جعلتها لكثرة ما تقبل وتدبر كأنّها تجسّمت من الإقبال والإدبار وحاصله : أنّ المجاز في أمثال ذلك عقلي لكونه في الإسناد
وكيف كان فصفوة الشيء بتثليث الحركات علی الصاد(٣) خالصه وخلاصته كالصفو إلّا أنّه بالفتح خاصّة، وصفوة الله خيرة الله أي مصطفاه ومختاره من خلقه(٤)
وفي بعض الأخبار سُمّي الصفا صفا لأنّ المصطفی آدم عليهالسلام هبط عليه فقطع للجبل اسم من أسماء آدم(٥) ، وهبطت حوّاء علی المروة فسمّيت مروة لأنّ المرأة هبطت عليه، فقطع للجبل اسم من أسماء المرأة(٦)
________________________
١ ـ أي علی القول بأنّ صفوة الله بدل وعطف بيان
٢ ـ عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز
٣ ـ أي ضمّ الصاد وفتحها وكسرها
٤ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ص ٣٤٣ ط : دار الهجرة
٥ ـ هنا سقط أثبتناه من مصدر الرواية وهو ( . عليهالسلام ) يقول الله تعالی : ( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) آل عمران : ٣٣
٦ ـ أخرجها الشيخ الصدوق في علل الشرائع ج ٢، ص ١٣٧، باب : ١٦٥ تحت عنوان
يقال : صفا الماء إذا خلص من الكدر، والدليل علی كون آدم عليهالسلام صفيّ الله ومصطفاه مضافاً إلی ما ذكره قوله تعالی : ( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١)
وإنّما لُقِبَ(٢) عليهالسلام بالصفوة مع عدم الاختصاص لكونه أوّل الاصفياء بحسب الظاهر وإلّا فجميع الأنبياء أصفياء الله حيث خلقهم الله من طينةٍ صافية طيّبة فكرّمهم علی سائر الخلق واختارهم من خلقه
قال [الإمام] عليّ عليهالسلام : (فاغترف جلّ جلاله من الماء العذب الفرات غرفةً بيمينه وكلتا يديه يمين فصلصلها فجمدت وقال الله : منك أخلق النبيّين والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمّة المهديّين الدعاة إلی الجنّة وأتباعهم إلی يوم القيامة، ولا أسأل عمّا أفعل وهم يُسألون ...)(٣)
وإنّما صار آدم عليهالسلام صفيّ الله، لأنّه تعالی جعل هيكله الشريف مظهراً لأنوار محمّد وآله [ عليهمالسلام ] ولذا أمر ملائكته بالسجود له(٤) تعظيماً وإكراماً لهذه الأنوار كما دلَّ عليه جملة وافرة من الأخبار(٥)
(العلّة التي من أجلها سمّي الصفا صفا والمروة مروة)
١ ـ آل عمران : ٣٣ و ٣٤
٢ ـ أي النبيّ آدم عليهالسلام
٣ ـ البحار ج ٥، ص ٢٣٧، الباب العاشر، ط بيروت مؤسسة الوفاء
٤ ـ إشارة إلی قوله تعالی في سورة البقرة آية (٣٤) : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ )
٥ ـ قال الاسترابادي في تأويل الآيات الظاهرة في قوله تعالی من سورة البقرة آية (٥٨) : ( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَـٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ
فقد روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : (إنّه قال: يا عباد الله أنّ آدم لـمّا رأی النور ساطعاً
سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ) : قال الإمام عليهالسلام ـ العسكري ـ : قال الله تعالی : ( وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ) مثّل الله علی الباب مثال محمّد وعلي وأمرهم أن يسجدوا لله تعظيماً لذلك المثال، ويجدِّدوا علی أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما، ويذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما ( وَقُولُوا حِطَّةٌ ) أي قولوا : إنّ سجودنا لله تعظيماً لمثال محمّد وعلي، واعتقادنا لولايتهما حطّةً لذنوبنا، ومحو لسيّئاتنا ...)
وروی أبو جعفر محمّد ابن بابويه ـ الصدوق ـ رحمهالله في فضائل الشيعة وعنه الاسترآبادي في تأويل الآيات الظاهرة ص ٤٩٧، ط، قم، والعلّامة المجلسي في البحار ج ٢٥، ص ٢ في تأويل قوله تعالی : ( يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ) عن محمّد بن عمّار، عن إسماعيل بن ثوية، عن زياد بن عبدالله البكائي عن سليمان الأعمش، عن أبي سعيد الخدري، قال: كنّا جلوساً عند رسول الله صلىاللهعليهوآله إذ أقبل إليه رجلٌ فقال : يارسول الله أخبرني عن قول الله عزّوجلّ لإبليس : ( أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ) مَن هم يارسول الله الذين هم أعلی من الملائكة المقرّبين ؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، كنّا في سرادق العرش نسبِّح الله فسبّحت الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عزّوجلّ آدم بألفي عام، فلمّا خلق الله عزّوجلّ آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له، ولم يؤمروا بالسجود إلّا لأجلنا فسجدت الملائكة كلّهم أجمعون إلّا إبليس أبی أن يسجد، فقال له الله تبارك وتعالی : ( يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ) أي من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسماؤهم في سرادق العرش فنحن باب الله الذي يؤتیٰ منه، بنا يهتدي المهتدون، فمن أحبّنا أحبّه الله وأسكنه جنّته، ومَن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره، ولا يحبّنا إلّا مَن طاب مولده)
من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلی ظهره رأی النور ولم يتبيّن الأشباح فقال : ياربّ ما هذه(١) الأنوار ؟
فقال : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلی ظهرك ولذلك أمرتُ الملائكة بالسجود لكَ إذ كنتَ وعاءً لتلك الأشباح)(٢)
فإن قيل : ترك الانتهاء يُنافي مقام الاصطفاء وقد قال: ( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) (٣)
قلنا : قد أجابوا عن ذلك بوجوه كثيرة لا يليق بهذا المختصر
وفي بعضها أنّ النهي كان من النواهي التنزيهيّة، فعدم الانتهاء لا ينافي العصمة علی أنّه روي عن [الإمام] الرضا عليهالسلام أنّه قال: (قال الله تعالی لهما : ( لَا
________________________
١ ـ في بعض المصادر «ما هذا النور ؟»
٢ ـ أخرج الرواية الاسترآبادي في تأويل الآيات الظاهرة ص ٥١، ط، قم جامعة المدرسين، وللرواية تتمّة : «فقال آدم : ياربّ لو بيّنتها لي، فقال الله عزّوجلّ : انظر يا آدم إلی ذروة العرش، فنظر آدم إلی ذروة العرش، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية، فرأی أشباحنا، فقال : ما هذه الأشباح ياربّ ؟
قال الله عزّوجلّ ؛ يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبريّاتي، هذا محمّد وأنا الحميد المحمود في أفعالي، شققتُ اسماً من اسمي، وهذا عليّ وأنا العليّ العظيم، شققتُ له اسماً من اسمي، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم أوليائي عمّا يعيرهم ويشينهم، وشققتُ لها اسماً من أسمائي، وهذا الحسن والحسين وأنا المحسن المجمل، شققتُ اسمهما من اسمي، هؤلاء خيار خلقي وأكرم بريتي، بهم آخذ وبهم أُعطي
٣ ـ طه : ١٢١
تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ ) (١) وأشار لهما إلی شجرة الحنطة ولم يقل لهما ولا تأكلا من هذه الشجرة ولا ممّا كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة وإنّما أكلا من غيرها لمّا أن وسوس الشيطان إليهما، ثمّ قال: وكان ذلك من آدم قبل النبوّة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النار، وإنّما كان من الصغار الموهوبية التي تجوز علی الأنبياء قبل نزول الوحي إليهم، فلمّا اجتباه الله وجعله نبيّاً وكان معصوماً لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال: قال الله : ( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ ) (٢) وقال : ( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا (٣) ) (٤)
________________________
١ ـ البقرة : ٣٥
٢ ـ طه : ١٢١ و ١٢٢
٣ ـ آل عمران : ٣٣
٤ ـ أخرج هذه الرواية الشيخ الجليل الصدوق في كتابه عيون أخبار الرضا ج ١، ص ١٧٤ الباب الخامس عشر ط : الشريف الرضي، قم
ولكن الشارح رحمهالله ما أوردها بتمامها وإليك نصّها : عن عليّ بن محمّد بن الجهم، قال : حضرتُ مجلس المأمون وعنده الرضا عليّ بن موسی عليهماالسلام ، فقال له المأمون : يابن رسول الله أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون ؟ قال: بلی، قال: فما معنی قول الله عزّوجلّ : ( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) فقال عليهالسلام : إنّ الله تبارك وتعالی قال لآدم : ( اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ ) وأشار لهما إلی شجرة الحنطة، ( فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) ، ولم يقل لهما : لا تأكلا من هذه الشجرة ولا ممّا كان من جنسها، فلم يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها، وإنّما أكلا من غيرها، لـمّا أن وسوس الشيطان إليهما وقال : ( مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ الشَّجَرَةِ ) وإنّما ينهيكما أن تقربا غيرها، ولم ينهكما عن الأكل منها ( إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ )
وروي أيضاً : أنّ الله خلق آدم حجّة في أرضه وخليفةً في بلاده لم يخلقه للجنّة وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض ليتمّ مقادير أمر الله فلمّا أهبط إلی الأرض وجعله حجّةً وخليفةً عُصم بقوله عزّوجلّ : ( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا ) (١) (٢) فتدبّر ولا تغفل
والتحقيق أنّ معاصي الأنبياء ليست من قبيل المعاصي المتعارفة المعروفة بل هي من قبيل ما أُشير إليه بقوله : (حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين)(٣) ، وقد فصّلنا هذا الإجمال وشرحنا هذا المقال في بعض رسائلنا الشريفة
ولم يكن آدم وحواء شاهداً قبل ذلك من يحلف بالله كاذباً ( فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله، وكان ذلك من آدم قبل النبوّة، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النار، وإنّما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز علی الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم، فلمّا اجتباه الله وجعله نبيّاً كان معصوماً، لا يذنب صغيرة ولا كبيرة، قال الله عزّوجلّ : ( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ ) وقال الله عزّوجلّ : ( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ )
١ ـ آل عمران : ٣٣
٢ ـ عيون أخبار الرضا عليهالسلام للصدوق ج ١، ص ١٧١، الباب الرابع عشر ط : قم، الشريف الرضي وهذه الرواية جواب لسؤالٍ وجّهه إليه عليهالسلام عليّ بن محمّد بن الجهم بعدما سأله عن عصمة الأنبياء عليهمالسلام ثمّ قال له : وأمّا قوله عزّوجلّ في آدم : ( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) فأجابه الإمام عليهالسلام بالرواية المذكورة في المتن
٣ ـ البحار : ج ٢٥، ص ٢٠٤، ح ١٦
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ
وهو نوح بن لمك(١) الملقّب بشيخ الأنبياء، بنجيّ الله، لأنّ الله نجّاه من الطوفان بما أمره به من صنع السفينة كما قال: ( فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ) (٢) وقصّته معروفة
وهو أحد أُولي العزم من الرُّسل، وهم علی المشهور خمسة : نوح، وإبراهيم، وموسیٰ، وعيسیٰ، ومحمّد، لأنّ كلّاً منهم أتیٰ بعزم وشريعة ناسخة لشريعة مَنْ تقدّمه(٣) ، وعن بعض أنّهم نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسیٰ ومحمّد
________________________
١ ـ هو نوح بن لامك بن متو شالح بن أخنوخ بن يارد بن مهلئيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر (راجع قصص الأنبياء، لعبد الوهاب النجّار ص ٣٢)
٢ ـ المؤمنون : ٢٧
٣ ـ رویٰ شيخنا الصدوق في علل الشرائع ج ١، ص ١٤٩، ح ٢ باب ١٠١، ط : بيروت الأعلمي، عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال: «إنّما سمّي أولوا العزم أولي العزم لأنّهم كانوا أصحاب العزائم والشرائع، وذلك أنّ كلّ نبيّ كان بعد نوح عليهالسلام كان علی شريعته ومنهاجه، وتابعاً لكتابه إلی زمان إبراهيم الخليل عليهالسلام ، وكلّ نبيّ كان في أيّام إبراهيم وبعده كان علی شريعة إبراهيم ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلی زمن موسی عليهالسلام ، وكلّ نبي كان في زمن موسی عليهالسلام وبعده كان علی شريعة موسیٰ ومنهاجه، وتابعاً لكتابه إلی أيّام عيسیٰ عليهالسلام وبعده كان علی منهاج عيسی وشريعته، وتابعاً لكتابه إلی زمن نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله ، فهؤلاء الخمسة هم أولوا العزم، وهم أفضل الأنبياء والرسل عليهمالسلام ، وشريعة محمّد صلىاللهعليهوآله لا تنسخ إلی يوم القيامة ولا نبيّ بعده إلی يوم القيامة، فمن ادّعیٰ بعد نبيّنا أو أتیٰ بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكلّ مَن سمع ذلك منه»
وعن بعض أنّهم : نوح، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيّوب
وقيل : إنّهم جميع الرُّسل لأنّهم كانوا أولي الجد والثبات والعزم علی إقامة أمر الله والصبر علی أذی أعداء الله، وقد تقدّم من الروايات يُعيّن المشهور
فإن قيل : فما الوجه في وصف نوح بكونه نبيّ الله مع أنّ جميعهم كذلك ؟
قلنا : لكونه أوّل أولي العزم من الرُّسل ولطول مكثه في قومه يدعوهم إلی الهدی ودين الحقّ، فقد مكث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً(١) ، ولذا لقّب بشيخ الأنبياء، وقصص أذیٰ قومه له وصبره علی أذاهم في المدّة الطويلة مشهورة(٢) ، ولأنّ الله لـمّا أهلك الناس بالطوفان لم يبق علی وجه الأرض سواه وسوی ولده، فنشأ الناس منهم، ولذا سمّي بآدم الثاني فهو عليهالسلام أظهر آثاراً في مرتبة النبوّة من سائر الأنبياء ثمّ النبيّ علی ما صرّح به كثير هو : الإنسان المخبر عن الله بغير واسطة بشر(٣) ، سواء كان له شريعة، أو لم يكن له مشتقّ من النبأ
وروی عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره ج ٢، ص ٣٩ في تفسير سورة طه ط : الأعلمي والشيخ الصدوق في علله ج ١ ص ١٤٩، ح ١، باب ١٠١، عن أبي جعفر ـ الباقر عليهالسلام ـ : في قول الله عزّوجلّ : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) قال: عهد إليه في محمّد والأئمّة من بعده فترك، ولم يكن له عزم فيهم أنّهم هكذا، وإنّما سمّي أولوا العزم لأنّهم عهد إليهم في محمّد صلىاللهعليهوآله والأوصياء عليهمالسلام من بعده، والمهدي (عج) وسيرته فأجمع عزمهم أنّ ذلك كذلك والإقرار به)
١ ـ راجع قصص الأنبياء للسيّد نعمة الله الجزائري قدسسره ص ٧٩ الباب الثالث ط : قم، الشريف الرضي
٢ ـ في نفس المصدر ذكر رحمهالله : (كان يضربه قومه حتّی يُغشیٰ عليه فإذا أفاق قال: (اللّهم إهد قومي فإنّهم لا يعلمون) وكانوا يثورون إلی نوح عليهالسلام فيضربونه حتّی تسيل مسامعه دماً)
٣ ـ الباب الحادي عشر للعلّامة الحلّي ص ٧٣، الفصل الخامس في النبوّة، ط : قم
وهو الخبر، أو من النبوّة والنباوة(١) وهي الرفعة فهو أعمّ مطلقاً(٢) من الرسول، لأنّه الإنسان المخبر عن الله بغير واسطة أحد من البشر وله شريعة مبتدأة كآدم عليهالسلام ، أو ناسخة كموسیٰ وعيسیٰ ومحمّد صلىاللهعليهوآله ، وربما يُطلق الرسول علی الملك أيضاً، فالفرق عموم و خصوص من وجه(٣) ، وربما يُفرّق بينهما بوجوه أُخر(٤)
وفي بعض الكتب المستظهرية أنّ النبوّة طريق بين الله ونبيّه، والرسالة طريق بين النبيّ وأُمّته فالنبوّة بمنزلة الغمام والرسالة بمنزلة القطر، والفائدة للتراب في المطر أمّا الغمام محلّه المطر والغمام اجتماع بخارات لطيفة متصاعدة، والمطر تحليل تلك البخارات واستحالتها إلی صورة المائية من صورة الهوائية، وبتلك الاستحالة نازلة إلی جهة الأسفل، والرسالة مطر قطرت ________________________
١ ـ راجع لسان العرب لابن منظور ج ١٤، ص ٣٠ مادّة (نبا) ط : دار إحياء التراث العربي، بيروت
٢ ـ الأعمّ مطلقاً : يكون بين المفهومين اللذين يصدق أحدهما علی جميع ما يصدق عليه الآخر كالحيوان والإنسان، فكلّ ما صدق عليه الإنسان يصدق عليه الحيوان (راجع المنطق للشيخ المظفر ج ١، ص ٧٧، ط قم)
٣ ـ العموم والخصوص من وجه : وهو أيضاً من المصطلحات المنطقية التي تكون بين المفهومين اللذين يجتمعان في بعض مصاديقهما، ويفترق كلّ منهما عن الآخر في مصاديق تخصّه، كالطير والأسود، فإنّهما يجتمعان في الغراب لأنّه طيرٌ وأسود، ويفترق الطير عن الأسود في الحمام مثلاً، والأسود عن الطير في الصوف الأسود مثلاً (راجع نفس المصدر السابق)
٤ ـ راجع كتاب بصائر الدرجات ج ٨، ص ٣٦٨، الباب الأوّل حيث ذكر باباً في الفرق بين الأنبياء والرُّسل عليهمالسلام
علی أرض الأرواح من غمام النبوّة ينال النفوس فوائدها من الرسالة وهي متولِّدة من النبوّة، إلی أن قال: فاعلم أنّ حقيقة النبوّة إقبال العقل الأوّل الذي هو الجوهر المبدع علی إنسان كامل الذات إقبالاً كلّياً حقيقيّاً بحيث يصير مباشراً في ذاته فيتكلّم بلسانه ويریٰ ببصره ويسمع بإذنه
وقد يُقال : إنّ النبوّة هو كون الإنسان خليفة لله بالخلافة المشار إليها بقوله : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) (١) وتلك الخلافة الموروثة من آدم ما ظهرت بكمال ذاتها وتمام صفاتها إلّا في خمسة مراتب والمراتب التي ظهرت الخلافة الربّانية فيها هم أشخاص أولي العزم من الرسل عليهمالسلام ، وتلك الخلافة يستحقّها محمّد صلىاللهعليهوآله بالاصالة بحسب الباطن كما يستحقّها آدم عليهالسلام كذلك بحسب الظاهر ولذا قيل لآدم أنّه آدم الصورة ولمحمّد صلىاللهعليهوآله أنّه آدم الحقيقة، فكما أنّ آدم الصورة أوّل الإنسان كذلك آدم الحقيقة خاتم الأنبياء، فنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله أصلية يتفرّع عليها سائر النبوّات، فلولاه ما ظهرت لنبيٍّ نبوّة أصلاً، فهو صلىاللهعليهوآله نبي الله حقيقةً وأصالةً وسائر الأنبياء نبوّتهم من رشحات نبوّته
قال صلىاللهعليهوآله : (كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين)(٢)
وهذا هو السرّ في بقاء شريعته إلی يوم الدِّين بخلاف شرائع سائر المرسلين فإنّها منصرمة منقطعة بشريعة خاتم النبيِّين صلىاللهعليهوآله
________________________
١ ـ البقرة : ٣٠
٢ ـ راجع دفع المناواة عن التفضيل والمساواة ص ٩١، ط قم مكتبة الأمين وراجع مشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٥٨ في فصل (أوّل الخلق نور محمّد وعليّ) ط : بيروت وبحار الأنوار ج ٢٥، ص ٢٢، ح ٣٨ والأنوار النعمانية للسيّد نعمة الله الجزائري ج ١، ص ٢٢
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ اِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ
هو إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن شاروخ(١) الملقّب بخليل الله، وخليل الرحمٰن، وأبي محمّد وأبي الأنبياء، وأبي الضيفان، وظاهر القرآن يقتضي كون آزر أباه(٢) ولكن العرب كثيراً ما يطلقون الأب علی العمّ(٣) ، وقد صرّح أهل التواريخ أنّ آزر كان عمّه عليهالسلام (٤) ، وهذا هو الموافق لمذهب أهل الحقّ من أنّ آباء الأنبياء لا يكونون إلّا موحِّدين(٥)
________________________
١ ـ تاريخ اليعقوبي ص ١٦ ح ١، ط النجف ١٩٦٤ م
٢ ـ إشارة إلی قوله تعالی : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ )
٣ ـ وهذا الإطلاق أُستخدم حتّی في القرآن عن أولاد النبيّ يعقوب عليهالسلام أنّهم قالوا : ( نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ) ومعلوم أنّ إسماعيل كان عمّاً ليعقوب وقد أطلقوا عليه لفظ الأب فكذا هاهنا
٤ ـ قال الطبرسي قدسسره في تفسيره ج ٤، ص ٤٠١ عن الزجاج : (ليس بين النسّابين اختلاف أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ)
٥ ـ روی الشيخ الطبرسي في مجمع البيان ج ٤، ص ٤٠١ ط : مؤسسة التاريخ العربي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال: (لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلی أرحام المطهّرات حتّی أخرجني في عالمكم هذا لم يدنّسني بدنس الجاهلية)
وممّا يدلّ علی أنّ آباء الأنبياء كانوا مسلمين وطاهرين وموحدين قوله تعالی في سورة الشعراء (٢١٩) : ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) حيث روی الطبرسي في تفسيره ج ٧، ص ٢٦٩ عن الإمام الباقر والصادق عليهماالسلام : (قالا : تقلّبك في أصلاب النبيّين نبيّ بعد نبيّ حتی أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم عليهالسلام )
والخليل من الخلّة، وهي بالضمّ المودّة المتناهية في الإخلاص والصداقة(١) ، والدليل علی كونه عليهالسلام خليل الله قوله : ( وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ) (٢) أي نبيّاً مختصّاً به أو فقيراً محتاجاً إليه، أو عبداً مصطفی له، أو عبداً كثير الخلوص والمودّة علی اختلاف ما قيل في تفسير الآية(٣)
وفي بعض الأخبار : (إنّ الله اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أنْ يتّخذه نبيّاً، ونبيّاً قبل أنْ يتّخذه رسولاً، ورسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً، وخليلاً قبل أنْ يتّخذه إماماً)(٤)
ويؤيّد هذا ما رواه الشيخ الصدوق قدسسره في كتاب من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ٤١٤ ـ ح ٥٩٠١ عن عبدالله بن جابر الأنصاري في حديث طويل يصف فيه وقوع النطفة في الرحم، وانتقال الإنسان في بدء خلقه من حال إلی حال، فقلتُ : يارسول الله فكيف حالك وحال الأوصياء بعدك في الولادة ؟ فسكت رسول الله صلىاللهعليهوآله مليّاً، ثمّ قال : (يا جابر لقد سألت عن أمرٍ جسيم لا يحتمله إلّا ذو حظٍّ عظيم، إنّ الأنبياء والأوصياء مخلوقون من نور عظمة الله جلّ ثناؤه، يودع الله أنوارهم أصلاباً طيّبة، وأرحاماً طاهرة، ويحفظها بملائكته، ويرقبها بحكمته، ويغذوها بعلمه، فأمرهم يُجلّ عن أن يوصف، وأحوالهم تدقّ عن أن تعلم، لأنّهم نجوم الله في أرضه، وأعلامه في بريته، وخلفاؤه علی عباده ...)
وأيضاً قال الصدوق في اعتقاداته ص ٨٥، الباب الأربعون : (إعتقادنا في آباء النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّهم مسلمون من آدم عليهالسلام إلی أبيه عبدالله عليهالسلام، وأنّ أبا طالب كان مسلماً، وأُمّه آمنة بنت وهب كانت مسلمة)
١ ـ راجع المنجد في اللغة ص ١٩٠ ط : ١٩٩٦ م مادّة (خل)
٢ ـ النساء : ١٢٥
٣ ـ راجع مجمع البيان ج ٣، ص ١٤٦ في تفسير الآية حيث ذكر تفصيلاً في تفسير الآية الشريفة، ونقل أقوالاً عديدة للمفسِّرين
٤ ـ البحار ج ٢٥، ص ٢٠٥، ح ١٧
فلمّا جمع له هذه الأشياء قال: ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (١) ففيه دلالة علی أنّ الخلّة مقام فوق مقام الرسالة(٢) ، وحكاية اختبار جبرئيل له عليهالسلام في أمر غنمه معروفة دالّة علی كماله في مقام محبّة الله وغضّ النظر عمّا سواه، ولا يخفی أنّ الخليل عليهالسلام ما ألبسه الله تاج الخلّة إلّا لكونه من شيعة أمير المؤمنين عليهالسلام كما قال : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) (٣) (٤) وكفاه ذلك فخراً وشرفاً، وقد أمر
________________________
١ ـ البقرة : ١٢٤
٢ ـ قال السيّد كاظم الحائري في كتابه (الإمامة وقيادة المجتمع) ص ٢٧، ط، قم ١٩٩٦ م : ومن قوله عليهالسلام : (إنّ الله اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً) يبدو أنّ مقام الخلّة فوق مقام الرسالة، فليس كلُّ رسول يصل إلی مستوی أن يكون خليلاً الله تبارك وتعالی وإبراهيم خرج من كلّ الامتحانات بنجاح ولم يصدر منه حتّیٰ ما يُسمّی بترك الأولیٰ علی ما يبدو من قوله تعالی : ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ )
٣ ـ الصافات : ٨٣
٤ ـ روی السيّد شرف الدِّين علي الحسيني الاسترابادي من علماء القرن العاشر الهجري في كتابه تأويل الآيات الظاهرة ص ٤٨٤، ط، قم جامعة المدرّسين عن مولانا الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام أنّه قال: قوله عزّوجلّ : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) أي أنّ إبراهيم عليهالسلام من شيعة عليّ عليهالسلام )
ويؤيّد هذا ما رواه أيضاً في نفس الكتاب عن أبي بصير يحيی بن القاسم قال: سأل جابر بن يزيد الجعفي جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام عن تفسير هذه الآية : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) فقال عليهالسلام : إنّ الله سبحانه لـمّا خلق إبراهيم كشف له عن بصره فنظر فرأی نوراً إلی جنب العرش فقال : إلٰهي ما هذا النور ؟ فقيل له : هذا نور محمّد صفوتي من خلقي ورأی نوراً إلی جنبه، فقال : إلٰهي وما هذا النور ؟ فقيل له : هذا
النبيّ صلىاللهعليهوآله باتّباع ملّته بقوله تعالی : ( وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) (١) أي مستقيماً والسنن الباقية من ملّته في الشريعة المحمّدية صلىاللهعليهوآله معروفة مشروحة في المبسوطات(٢)
نور عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ناصر ديني ورأی إلی جنبهم ثلاثة أنوار، فقال : إلٰهي وما هذه الأنوار ؟ فقيل له : هذا نور فاطمة فطمت محبِّيها من النار، ونور ولديها الحسن والحسين فقال : إلٰهي وأری تسعة أنوار قد أحدقوا بهم قيل : يا إبراهيم هؤلاء الأئمّة من ولد عليّ وفاطمة، فقال إبراهيم : بحقّ هؤلاء الخمسة إلّا عرّفتني مَنْ التسعة ؟ قيل : يا إبراهيم أوّلهم عليّ بن الحسين، وابنه محمّد، وابنه جعفر، وابنه موسی، وابنه عليّ، وابنه محمّد، وابنه عليّ، وابنه الحسن، والحجّة القائم ابنه فقال إبراهيم : إلٰهي وسيِّدي أری أنواراً قد أحدقوا بهم لا يُحصی عددهم إلّا أنت قيل : يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام فقال إبراهيم : وبما تعرف شيعته ؟ قال: بصلاة إحدی وخمسين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، والتختّم في اليمين فعند ذلك قال إبراهيم : أللّهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين قال: فأخبر الله تعالی في كتابه فقال : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ )
١ ـ النساء : ١٢٥
٢ ـ قال عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره ج ١، ص ٦٨، ط بيروت الأعلمي : ـ السنن الباقية ـ وهي الحنفية العشرة وهي : خمسة في الرأس، وخمسة في البدن، فأمّا التي في الرأس، فأخذ الشارب، وإعفاء اللحیٰ، وطم الشعر، والسواك، والخلال، وأمّا التي في البدن، فحلق الشعر من البدن، والختان، وقلم الأظفار، والغسل من الجنابة، والطهو بالماء، فهذه خمسة في البدن وهو الحنفية الطهارة التي جاء بها إبراهيم، فلم تُنسخ إلی يوم القيامة، وهو قوله : ( وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا )
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُوسىٰ كَلِيمِ اللهِ
هو موسی بن عمران بن قهاث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهالسلام (١) الملقّب بالكليم، لأنّ الله ناجاه وكلّمه من دون واسطة كما قال: ( وَكَلَّمَ اللَّـهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا ) (٢) ، ومعنی كونه تعالی متكلِّماً أنّه موجد وخالق للحروف المسموعة المنتظمة في بعض الأجسام كالشجرة ونحوها(٣) ، وعن الأشعرية أنّه متكلِّم بلسان وشفتين(٤)
وفساده واضح لاستلزامه الجسمية الباطلة(٥) ، وعن بعضهم أنّ الكلام صفة قديمة قائمة بالذات غير القدرة والعلم والإرادة(٦) ، وهو أيضاً باطل لاستلزامه
________________________
١ ـ تاريخ اليعقوبي ج ١، ص ٢٤، ط : النجف ١٩٦٤ م، ولكن ذكر أبو الفداء الدمشقي في قصص الأنبياء ص ١٩٩، ط : المكتبة العصرية بيروت : (هو موسی بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهالسلام )
٢ ـ النساء : ١٦٤
٣ ـ قال العلّامة الحلّي قدسسره في الباب الحادي عشر ص ٤٠ : (أنّه ـ كلامه تعالیٰ ـ قائم بغيره لا بذاته كما أوجد الكلام في الشجرة فسمعه موسی عليهالسلام )
وهذا ما دلّت عليه الآية الكريمة من سورة القصص : ( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) حيث دلّت الآية علی أنّه تعالی نادیٰ نبيّه موسیٰ عليهالسلام وكلّمه من طريق الشجرة
٤ ـ راجع شرح التجريد للقوشجي ص ٣١٩
٥ ـ وأيضاً يلزم كونه تعالی ذا حاسّة وهو باطل
٦ ـ راجع شرح الباب الحادي عشر للسيوري ص ٣٩ في المقام الثاني من الصفحة
تعدّد القدماء(١) ، فالحقّ أنّ كلامه مخلوق حادث كسائر صفاته الفعلية(٢) ، وتفصيل الكلام يُطلب من علم الكلام وكتب الأعلام(٣)
وفي بعض الأخبار أنّ الذي كلّم موسیٰ كان هو أمير المؤمنين عليهالسلام (٤) ، وأنّ النور الذي تجلّی عليه فخرّ صعقاً، واندك به الجبل هو من نوره [ عليهالسلام ](٥) ، أو نور شيعته من الملائكة الكروبيين وقال عليهالسلام : (أنا ذلك النور الذي اقتبس موسیٰ منه الهدیٰ، أنا صاحب الصور)(٦)
السابعة، وراجع شرح الاُصول الخمسة ص ٢٥٨
١ ـ قال الفاضل المقداد السيوري في شرحه للباب الحادي عشر، ص ٤١ : (إنّه لو كان قديماً لزم تعدّد القدماء وهو باطل، لأنّ القول بقدم غير الله كفرٌ بالإجماع ولهذا كفرت النصاریٰ لإثباتهم قدِم الاقنوم)
٢ ـ فقد روی الشيخ الصدوق قدسسره في توحيده الباب الثلاثون، الحديث ٤ : أنّه كتب علي بن محمّد بن علي بن موسی الرضا عليهالسلام إلی بعض شيعته ببغداد، وفيه : «وليس الخالق إلّا الله عزّوجلّ وما سواه مخلوق والقرآن كلام الله لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالّين»
٣ ـ راجع كشف المراد لنصير الدِّين الطوسي المتوفي سنة ٦٧٢ هـ الذي شرحه العلّامة الحلّي، ص ٣١٥، ط : قم، وحقّ اليقين للسيّد عبدالله شبّر ص ٥٥، ج ١، ط : قم أنوار الهدی
٤ ـ راجع مشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٣٠٦ ط : قم
٥ ـ إشارة إلی قوله تعالی في سورة الأعراف آية (١٤٣) : ( ... فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا )
٦ ـ مشارق أنوار اليقين ص ٣١٩ فصل (١٥٠)
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عِيسىٰ رُوحِ اللهِ
هذا هو عيسیٰ بن مريم الملقّب من عند الله بروح الله وكلمته(١) ، والإضافة تشريفيّة، كما في قولهم : ناقة الله، وبيت الله أي روحٌ خلقه الله فشرّفه وكرّمه علی سائر الأرواح
وقد روي عن [الإمام] الباقر عليهالسلام في قوله : ( وَرُوحٌ مِّنْهُ ) (٢) أنّه قال: روحٌ مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسیٰ(٣)
وعن الصادق عليهالسلام في قوله : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (٤) إنّه قال: إنّ الروح متحرّك كالريح، وإنّما سُمّي روحاً لأنّه اشتقّ اسمه من الريح وإنّما أخرجه علی لفظ الريح، لأنّ الروح مجانس للريح وإنّما أضافه إلی نفسه، لأنّه اصطفاه علی سائر الأرواح كما قال لبيتٍ من البيوت : بيتي، وقال لرسول من الرُّسل : خليلي وأشباه ذلك وكلّ ذلك مخلوق مصنوع محدث(٥)
والمراد بكونه عليهالسلام روح الله أنّه مظهر الروح الشريفة التي نفخها فيه، أو أنّه مظهر آثار قدرة الله وعجيب صنعه، لأنّ الصادق عليهالسلام قد فسَّر الروح في قوله :
________________________
١ ـ إشارة إلی قوله تعالی في سورة النساء آية (١٧١) : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ )
٢ ـ النساء : ١٧١
٣ ـ أخرجه الكليني في الكافي ج ١، ص ١٥٤، باب الروح، ح ٢، ط : دار الأُسوة قم، ولكن أخرجه عن الإمام الصادق عليهالسلام
٤ ـ الحجر : ٢٩ وص : ٧٢
٥ ـ الكافي ج ١، ص ١٥٤، ح ٣، باب الروح، وذيل الحديث ( مربوبٌ مُدَبَّرُ)
( وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ) (١) بالقدرة، قال أبو بصير في حديثٍ عنه عليهالسلام قلت : ونفخ فيه من روحه ؟ قال: من قدرته(٢) ويُحتمل أن يكون المراد كونه مظهراً للروح الأعظم الذي كان يتجلّی فيه أنبيائه بصورته، وفي محمّد وآله بحقيقته، وإليه الإشارة فيما رواه أبو أيّوب عن الصادق عليهالسلام قال ؛ سمعته يقول: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (٣) قال: ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممّن مضیٰ غير محمّد صلىاللهعليهوآله وهو مع الأئمّة، وليس كلّما طلبَ وجد(٤)
وقال الباقر عليهالسلام : (إنّ الله خلق الأنبياء والأئمّة علی خمسة أرواح : روح القوّة، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح الشهوة، وروح القدس فروح القدس من الله، وسائر الأرواح يُصيبها الحدثان، فروح القدس لا يلهو ولا يتغيّر ولا يلعب، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلی ما تحت الثری(٥)
________________________
١ ـ السجدة : ٩
٢ ـ أخرجها الصفّار في بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٦٢، الباب الثامن عشر، ح ٨، ط : مكتبة المرعشي النجفي، قم
٣ ـ الإسراء : ٨٥
٤ ـ بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٦١، الباب الثامن عشر، ح ٤
وأيضاً روی في نفس المصدر ح ٥ عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله عليهالسلام : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) قال: هو خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله يوفّقه وهو معنا أهل البيت وهناك الكثير من الروايات التي تذكر هذا المعنی، ولكن اكتفينا بهذا المقدار وعليك بمراجعة نفس المصدر
٥ ـ أخرجها الصفّار في بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٤٧ في الباب الرابع عشر، ح ٤،
وفي رواية أُخری عن الصادق عليهالسلام : (يا مفضّل أنّ الله جعل للنبيّ صلىاللهعليهوآله خمسة أرواح : روح الحياة فيه دبّ ودرج، وروح القوّة فيه نهض وجاهد، وروح الشهوة فيه أكل وشرب وأتی النساء من الحلال، وروح الإيمان فيه أمر وعدل، وروح القدس فيه حمل النبوّة فإذا قُبض النبيّ صلىاللهعليهوآله انتقل روح القدس فصار في الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو، والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو، وروح القدس ثابت يریٰ به ما في شرق الأرض وغربها وبرّها وبحرها قلت : جُعِلتُ فداك يتناول الإمام ما ببغداد بيده ؟ قال : نعم وما دون العرش)(١)
ولكن الشارح رحمهالله لم ينقل هذه الرواية بشكلٍ دقيق وإليك نصّها : «عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام قال: سألته عن علم العالم فقال : يا جابر إنّ في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح روح القدس، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح القوّة، وروح الشهوة، فبروح القدس يا جابر علمنا ما تحت العرش إلی ما تحت الثریٰ، ثمّ قال: يا جابر أنّ هذه الأرواح يصيبه الحدثان إلّا أنّ روح القدس لا يلهو ولا يلعب»
١ ـ بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٥٤، الباب الخامس عشر، ح ١٣ (والحديث عن المفضل بن عمر قال: قلتُ لأبي عبدالله عليهالسلام سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخیٰ عليه ستره) فأجابه عليهالسلام بهذه الرواية المذكورة في المتن، ولكن الشارح ما ذكر مقدّمة الرواية التي ذكرناها في الهامش
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ
اقتصر من ذكر الأنبياء والمرسلين علی هؤلاء الستّة ؛ إمّا لكونهم بأجمعهم أُولي العزم علی ما يراه بعضهم، وإن كان المشهور عدم عدّ آدم عليهالسلام منهم لقوله تعالیٰ : ( وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) (١) فأخرجه الله من عدادهم(٢) ، وأنت خبير بأنّ الظاهر من الآية العزم علی المعصية، لا علی إقامة أمر الله فلابعد في كونه منهم
وأمّا لكون الخمسة من أُولي العزم وآدم عليهالسلام أوّل إبداع البشر قد خلقه علی ________________________
١ ـ طه : ١١٥
٢ ـ روي الكليني في الكافي ج ٢، ص ٨، والاسترآبادي ص ٣١٣ في تأويل الآيات عن أبي جعفر عليهالسلام قال: أخذ الله المثياق علی النبيِّين فقال : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ) وأنّ هذا محمّد رسولي وأنّ عليّاً أمير المؤمنين ؟ قالوا : بلی فثبتت لهم النبوّة، ثمّ أخذ الميثاق علی أُولي العزم أنّي ربّكم ومحمّد رسولي وعليّ أمير المؤمنين والأوصياء من بعده ولاة أمري وخزّان علمي وأنّ المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأُعبد به طوعاً وكرهاً ؟ قالوا ؛ أقررنا يا ربّنا وشهدنا، ولم يجحد آدم ولم يقرّ، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهديّ عليهالسلام ولم يكن لآدم عزيمة علی الإقرار وهو قول الله تبارك وتعالی : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا )
وأيضاً روی الكليني في الكافي ج ١، ص ٤١٦ عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليهالسلام في قوله عزّوجلّ : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ ) كلمات في محمّد وعليّ والحسن والحسين والأئمّة من ذرّيتهم ( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) هكذا والله نزلت علی محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم
صورته، وجعله نسخة لملكه وملكوته وإنموذجاً للعالم الأكبر وخمَّر طينته بيده أربعين صباحاً، وأسجد له ملائكته وعلّمه الأسماء كلّها(١) إلی غير ذلك من المزايا والفضائل التي يطول المختصر بذكرها فهؤلاء الستّة جامعون لجميع الكمالات الروحانية متّصفون بجميع الصفات الربّانية، والباقون من فروعهم ورشحاتهم ورعاياهم، فهم عليهمالسلام أصول النبوّة وأركان الرسالة والباقون فروعها وأغصانها وأوراقها، وأنّ اشتراك الكلّ في أصل النبوّة كما قال: ( لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ) (٢)
قال بعض العارفين : اعلم أنّ الأنبياء في مرتبة النبوّة وذورتها علی درجة واحدة، غير أنّهم علی تفاوت في وقت قبولها، فمنهم تنبّأ في منامه ومنهم من تنبّأ في يقظته، وكلّهم في النبوّة سواء لأنّ النبوّة كمال علم حصل من وحي الله في نفس عبد كامل هو في وقته أعقل عصره، وتلك النبوّة التي هي نور العقل الأوّل ضوء كلمة الله العليا، خلقه من الله لجميع الأنبياء، ثمّ إنّ الأنبياء في مراتب الرسالة وكيفيّات الرسالات وكمّيات المقالات متفاوتة إذ لكلّ واحد منهم خاصّة يميّز بها عن غيره كما كان الكلام لموسیٰ، والخلّة لإبراهيم، والكلمة لعيسیٰ، والرؤية لمحمّد صلىاللهعليهوآله ، وأعني بذلك أنّ كلّ واحد منهم اشتهر بخاصّية انضافت تلك الخاصّية بذاته، حتّی سمّی الناس له باسم تلك الخاصّية كما قيل : موسیٰ كليم الله، وإبراهيم خليل الله، وقد كان إبراهيم كليم الله كموسیٰ، وموسیٰ خليل الله كإبراهيم، لكن صار الكلام لموسیٰ خاصّة ذاته وباقي المراتب منازل نال
________________________
١ ـ إشارة إلی قوله تعالی في سورة البقرة آية (٣١) : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )
٢ ـ البقرة : ٢٨٥
بتبع الكلام، وكذا إبراهيم وسائر الأنبياء فكلّهم في النبوّة لقبول الوحي، واستعداد النفوس لقبول ضوء الوحي في مرتبة واحدة، أمّا في الرسالة واختلاف الشريعة فكانوا بحسب الأوقات، لأنّ النبوّة فوق الزمان والمكان، فما اختلفت في موضع ولا وقت، أمّا الرسالة فوقعت تحت الفلك لمصالح الناس، ولا شكّ أنّ الطباع والأمزجة واللغات مختلفة، وهي متعلِّقة باختلاف الأوقات والأزمان والأمكنة والقرون والمواضع والأقاليم، فاختلفت الرسالة بحسب اختلافتها، وإنّما اختلفت الرسالة لتختلف الشريعة وتختلف الكتب باختلاف اللغات والاصطلاحات الجارية بين الناس وكان لنوح عليهالسلام في رسالته مرتبة ودرجة ودعوة ولغة بخلاف ما كانت لإبراهيم وإن كانا في النبوّة سواء وكان نوح في عصره علی مزاج وطباع مع قوم لم يجد منهم رشداً ولم يعلم فيهم خيراً فرأی هلاكهم خيراً من حياتهم فدعا الله وقال عليهالسلام : ( لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) (١)
وكان إبراهيم في عهدٍ غلب اللطافة علی طباع قومه وظهرت الإلفة في مزاج أهل عصره فأمره بالتلطّف والترأف، وقال : يا إبراهيم حسّن خلقك ولو مع الكفّار، وهكذا كان عهد موسی فإنّ الله أمره بالتلطّف في الكلام وتخفيف الدعوة مع فرعون، وقال له ولأخيه : ( اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ) (٢)
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله الضحوك القتال كان يضحك مع قوم، ويقتل لقومٍ كما رأی في مصالح رسالته، وأراه الله في كمال نبوّته، وكان لله أنبياء كثيرون
________________________
١ ـ نوح : ٢٦
٢ ـ طه : ٤٣ ـ ٤٤
بأشخاص معدودين بعددٍ معلوم
فيقال : كان مئة ألف وأربعة آلاف وعشرون شخصاً نبيّاً من الأصناف المختلفة، وكان أكثرهم في بني إسرائيل فهذا المبلغ هم الأنبياء واختار منهم ثلاثمئة وثلاثة عشر للرسالة، لأنّ النبوّة نور مفرد، والرسالة نورٌ مركّب بانعكاسه وللمركب فائدة لا توجد في الفرد، وكان عدد الرسل أقل من عدد الأنبياء لقلّة انعكاس نور النبوّة في بعض الأشخاص، فالشمس يقع ضوئها علی جميع المشففات واللطائف ولا ينعكس عليها إلّا إذا وقعت علی التراب يظهر الشعاع بانعكاس ضوئها وإنكاسها مثل الرسالة وشروقها مثل النبوّة ولا يكون النهار إلّا بالضوء المنعكس الظاهر، وكان لكلّ نبيّ قوّة خاصّة به من نور النبوّة، وكان لكلّ رسول نور زائد علی نور النبوّة من تكرار ضوء القدس، فنور الأنبياء أكثر من نور المؤمنين، ونور الرُّسل أكثر من نور الأنبياء، فإنّ للنبي نوراً واحداً، وللرسول نورين نور النبوّة، ونور الرسالة، وقد عرفت أنّ نور النبوّة من العقل، ونور الرسالة من النفس واجتماع النورين لا يكون كنورٍ واحد، فنور علی نور هو اجتماع نور النبوّة والرسالة، ولا شكّ أنّ اجتماع ثلاثة أنوار أكثر وأظهر من اجتماع نورين، والأنوار الثلاثة نور النبوّة، ونور الرسالة، ونور الظهور، وهو بمنزلة الوجود، وهذه الأنوار الثلاثة في أُولي العزم من الرسل، فالرسل مختارة من أُولي العزم، وأولوا العزم مختارة من الرسل، وكلّما ازداد نور الكمال قلَّ حجاب العدد، وأولوا العزم أقلّ عدداً من الرسل، والرسل أقلّ عدداً من الأنبياء، فالرُّسل ثلاثمئة وثلاث عشر، وأولوا العزم منهم ستّة كما أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : (أولو العزم منهم ستّة : آدم ونوح، وإبراهيم، وموسی، وعيسی،
ومحمّد صلىاللهعليهوآله (١)
وفي تحقيق الكلام لم يكن آدم من عدد أولي العزم، لإخراج الله له عن ذوي العزم في حقّه : ( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) (٢) ، وإن لم يطلق هذا علی عزم المعاصي كان آدم في جملتهم، وأنّ الرسول الذي هو ذو العزم يعني أنّه صاحب الدورة التامّة، وله الدائرة الكبری التي تشتمل علی الرسالة، والنبوّة، والكتاب، والعزيمة، والدعوة، والمدّة، والأمّة، والشريعة، والخليفة، والدورة وهي تلف سنة : ( وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) (٣) فهذه الخصال والكمالات العشرة إذا وجدت في شخصٍ من الأنبياء فهو من أُولي العزم ولم توجد إلّا في ستّة أشخاص منهم
وفي رواية أُخری في خمسة(٤) إلی آخر ما ذكره(٥) وإنّما نقلناه بطوله لاشتماله علی فوائد جليلة لا تخفی علی المتأمِّل فيه، ولكن ما ذكره من أنّ الأنبياء في مرتبة النبوّة علی درجة واحدة يكشف عن أنّ إطلاق النبوّة علی
________________________
١ ـ المناقب لابن شهرآشوب، ج ٤ ص ٢١٥
٢ ـ طه : ١١٥
٣ ـ الحج : ٤٧
٤ ـ روی ابن فتال النيسابوري في روضة الواعظين ص ٥١ عن الإمام الباقر عليهالسلام قال: أولوا العزم من الرسل خمسة : نوح، وإبراهيم، وموسی، وعيسی، ومحمّد صلوات الله عليهم وأولوا العزم هو مَن أتی بشريعة مستأنفة نسخت شريعة مَن تقدّم من الأنبياء
والكافي ج ١، طبقات الأنبياء والرسل
٥ ـ إلی هنا انتهی كلام العارف
جميع النبوّات من باب إطلاق المتواطئ علی أفراده(١) ، وفيه نظر إذ النبوّة هي طريقٌ بين النبيّ وبين الله، ولا ريب أنّ الطرق إليه كثيرة متفاوتة، فكيف يقال : بأنّ الطريق واحدة ؟ وقد روي أنّ الطرق إلی الله بعدد أنفاس الخلائق(٢)
أم كيف يجترئ المنصف علی أن يقول: إنّ موسیٰ مثلاً مع محمّد صلىاللهعليهوآله في درجة واحدة في مقام النبوّة مع أنّه قال: (لو أنّ موسی أدركني حيّاً ولم يؤمن بي لما نفعته نبوّته شيئاً)(٣) أو يقول: إنّه صلىاللهعليهوآله مع آدم عليهالسلام في درجة واحدة مع قول وصيّه عليهالسلام : (إنّي وإنْ كنت ابن آدم صورة ولي فيه معنیٰ شاهد بأبوتي كيف ولم ينل الأنبياء ما نالوا من المراتب إلّا بالإذعان لمحمّد وآله)(٤) ، قال [ صلىاللهعليهوآله ] : والكليم أُلبس حلّة الاصطفاء لما عاهدنا منه الوفاء(٥)
والأخبار الواردة من طرقنا الشاهدة علی هذا المقصد متواترة معنی كما لا يخفی، فالحقّ أنّ هذا الإطلاق من باب الإطلاق المشكك(٦) المتفاوت بالأولوية
________________________
١ ـ المتواطئ : هو الذي تتوافق أفراده بالتساوي، فإنّك لا تجد تفاوتاً بين الأفراد في صدق المفهوم، مثلاً (محمّد، وعلي، وحسين) إلی آخر أفراد الإنسان من ناحية الإنسانية سواء من دون أن تكون إنسانية أحدهم أولی من إنسانية الآخر، ولا أشدّ ولا أكثر، ولا أي تفاوت آخر في هذه الناحية (راجع المنطق للشيخ المظفر ج ١، ص ٧٠، ط ؛ قم)
٢ ـ بحار الأنوار، ج ٦٤ ص ١٣٧
٣ ـ بحار الأنوار، ج ١٦ ص ٢٦٦
٤ ـ لم نعثر عليه في المصادر التي اعتمدناها
٥ ـ بحار الأنوار، ج ٢٦ ص ٢٦٥
٦ ـ المشكك هو عكس المتواطئ
والأوّلية، لأنّه صلىاللهعليهوآله كان نبيّاً وآدم بين الماء والطين(١) ، وكان أحقّ بهذا النصب من غيره لما تقدّم من أن تجلّی الروح الأعظم فيه كان بالحقيقة وفي سائر الأنبياء بالظلّية بل الروح الأعظم في الحقيقة هو نفس الحقيقة المحمّدية فهذا من قبيل إطلاق الوجود علی الله تعالی، وعلی سائر الموجودات، وكذا ما ذكره من أنّ الرؤية كانت لمحمّد صلىاللهعليهوآله ، فإنّه فاسدٌ باطل قد دلّت البراهين العقلية والأدلّة النقلية علی استحالة الرؤية علی الله مطلقاً(٢) أللّهم إلّا أن يُراد بالرؤية رؤية أكبر الآيات كما قال: ( لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ) (٣) ، وسُئِلَ الكاظم عليهالسلام : هل رأی رسول الله ربّه ؟ فقال : نعم رآه بقلبه، أما سمعت الله يقول: ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) (٤) )(٥) لم يره بالبصر ولكن رآه بالفؤاد
وكيف كان فإذا اجتمعت في مولانا سيّد الشهداء أرواح العالمين فداه كمالات هؤلاء الستّة صدقَ أنّه جامع لجميع الكمالات الناسوتية والملكوتية سوی النبوّة فيخلفها فيه الولاية، لأنّها في الإمام عليهالسلام بمنزلة النبوّة في النبيّ صلىاللهعليهوآله
والمراد بالحبيب إمّا المحبّ أو المحبوب أو كلاهما علی القول بجواز استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنیٰ واحد، ولا ريبَ أنّ المحبّية لله مستلزمة للمحبوبيّة فمَن أحبّ الله أحبّه الله، ومَن أحبّه الله أحبّ الله، كما قال صلىاللهعليهوآله : (مَن
________________________
١ ـ العمدة لابن البطريق، ص ٨٨، ص ٩٠، مشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٢١٥، فصل (٩١)
٢ ـ عقد الشيخ الكليني رحمهالله في الكافي باباً أسماه (إبطال الرؤية) ج ١، ص ٧٤، ط : المكتبة الإسلامية، فراجع
٣ ـ النجم : ١٨
٤ ـ النجم : ١١
٥ ـ الكافي ج ١ ص ٩٦ باب إبطال الرؤية
أحبّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه)(١) وقال : (لا يحبّ الله إلّا مَن أحبّه)(٢) ، وقال الله : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) (٣) ، وأوصی الله إلی داود : (يا داود أبلغ أهل أرضي أنّي حبيب لمن أحبّني، وجليس لمَن جالسني، ومؤنس لمَن أنس بذكري، وصاحب لمن صاحبني، ومختار لمن اختارني، ومطيع لمَن أطاعني، ما أحبّني عبدٌ أعلم ذلك يقيناً من علمه إلّا قبلته لنفسي، وأحببته حبّاً لا يتقدّمه أحدٌ من خلقي ...)(٤) وهذا المقام منتهی المقامات وفوق جميع الكمالات يندرج تحته الصفوة، والخلّة وغيرها من الدرجات، ولذا قال صلىاللهعليهوآله : (آدم ومن دونه تحت لوائي)(٥) ، وقال : (أنا سيّد ولد آدم)(٦)
فاقَ النبيِّينَ في خلق وفي خُلقٍ |
ولم يدانوه في حلمٍ ولا كرمِ |
________________________
١ ـ الكافي ج ٣ ص ١٣٤ باب ما يصاب المؤمن والكافر
٢ ـ مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٢٢٠
٣ ـ المائدة : ٥٤، وإليك نص الآية : ( ... فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) وقال صاحب تأويل الآيات الظاهرة ص ١٥٤ : إنّ المعني بهذه الآية أمير المؤمنين عليهالسلام ويؤيّد هذا قول النبيّ صلىاللهعليهوآله يوم خيبر : (لأعطين الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله كرّاراً غير فرّار، لا يرجع حتّی يفتح الله علی يديه)
٤ ـ كلمة الله للسيّد حسن الشيرازي قدسسره ص ٥٩، ط بيروت
٥ ـ بحار الأنوار، ج ١٦ ص ٤٠٢ باب ١٢
٦ ـ روی البرسي في مشارقه ص ١٠٧، فصل (٥٠) ط الشريف الرضي عن سعيد بن جبير عن عائشة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يوماً لعلي : يا علي أنت سيّد العرب، فقلتُ : يارسول الله ألست سيّد العرب ؟ فقال : أنا سيّد ولد آدم وعليّ سيّد العرب، فقلتُ : وما السيّد ؟ فقال : مَنْ فرضت طاعته كما فرضت طاعتي)
وقد أحسن مَن قال: كان صلىاللهعليهوآله أطيب الناس ريحاً، وأحسنهم خُلقاً، وأملحهم خَلقاً، وأعذبهم قولاً، وألطفهم كلاماً، وأصدقهم فعلاً، وأعدلهم مزاجاً، وأحدّهم حسّاً، وأدقّهم نظراً، وأعلاهم درجةً، وأكملهم عقلاً، وأقواهم نفساً وأقربهم إلی الله، وأجذبهم نوراً، وأكثرهم صبوراً، وكان آدم عليهالسلام ظلّ ذاته، ونوح حامل راياته، وإبراهيم حاكي صفاته، وموسی نائب آياته، وعيسیٰ مبشِّر شرعه، وإدريس منجم دينه، وزكريا مؤذِّن مسجده، ويونس ساقي قومه
قال صلىاللهعليهوآله : (أنا أملح ويوسف أحسن، حمل النبوّة في الأزل، وقبل الرسالة عند الأول)
قمرٌ منيرٌ دائم الإشراقِ |
قامتْ عليه قيامةُ العشّاقِ |
|
بدرٌ تمنّیٰ الناظرون لوائه |
ما بينهم يمشي علی الأحداقِ |
وبالجملة هذا المقام فوق الإدراك وكفاك شاهداً حديث : (لولاك لما خلقت الأفلاك)(١) وبيان حقيقة المحبّة وعلاماتها، وسائر ما يتعلّق بها لا يسعه هذا المختصر، ومَن أراد الإطّلاع علی ذلك كلّه فليطالع كتاب إحياء العلوم للغزالي(٢)
________________________
١ ـ راجع عوالم العلوم ص ٢٦ عن مجمع النورين وملتقی البحرين ص ١٤، وفاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفی ص ٩، وهذا نصّ الحديث القدسي : عن جابر بن عبدالله الأنصاري، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله عن الله تبارك وتعالی أنّه قال: (يا أحمد لولاك لما خلقتُ الأفلاك، ولولا علي لما خلقتُكَ، ولولا فاطمة لما خلقتكما)
٢ ـ هو أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي، ولد في طوس عام ٤٥٠ هـ، وتوفي سنة ٥٠٥ هـ، وله مؤلّفات عديدة ولكن أشهرها وأهمّها كتاب (إحياء العلوم)، وهذا الكتاب ـ علی ما قاله المصنّف في المقدّمة ـ مرتّب علی أربعة أرباع وهي : ربع العبادات، وربع العادات، وربع المهلكات، وربع المنجيات وللاطّلاع راجع الجزء الثالث، ص ٦٩ ط، دار الجيل، بيروت
فلنقصر في المقام علی ما في كتاب مصباح الشريعة(١) قال الصادق عليهالسلام : (حبّ الله إذا أضاء علی سرّ عبدٍ أخلاه عن كلّ شاغل وكلّ ذكرٍ سوی الله، والمحبّ أخلص الناس سرّاً لله، وأصدقهم قولاً، وأوفاهم عهداً، وأزكاهم عملاً، وأصفاهم ذكراً، وأعبدهم نفساً تتباهی الملائكة عند مناجاته، وتفتخر برؤيته، وبه يعمر الله بلاده، وبكراماته يكرم عباده، يعطيهم إذا سألوا بحقّه، ويدفع عنهم البلايا برحمته، فلو علم الخلق ما محلّه عند الله ومنزلته لديه ما تقرّبوا إلی الله إلّا بتراب قدميه)(٢)
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «حبُّ الله نار (الله)(٣) ، لا تمرُّ علی شيءٍ إلّا احترق(٤) ، ونور الله لا يطّلع علی شيءٍ إلّا أضاء، وسحاب(٥) الله ما ظهر من تحته شيءٍ إلّا غطّاه، وريح الله ما تهب في شيء إلّا وحرّكته، وماء الله يُحيي به كلّ شيء، وأرض الله ينبت منها كلُّ شيءٍ، فمن أحبّ الله أعطاه كلّ شيء من الملك والملكوت»(٦)
وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : (إذا أحبّ اللهُ عبداً من أُمّتي قذف في قلوب أصفيائه وأرواح ملائكته، وسكّان عرشه محبّته ليحبّوه، فذلك المحبّ حقّاً طوبی له وله
________________________
١ ـ كتاب مصباح الشريعة من الكتب الأخلاقية التي تتألّف من مئة باب في الأخلاق، وينسب هذا الكتاب للإمام الصادق عليهالسلام
٢ ـ مصباح الشريعة ص ١٩٢، الباب الثاني والتسعون، ط : الأعلمي بيروت
٣ ـ بين القوسين في مصدر الرواية غير موجود
٤ ـ في مصدر الرواية هكذا : (لا يمرُّ علی شيءٍ إلّا احترقه)
٥ ـ في المصدر بدل (سحاب) (سماء)
٦ ـ مصباح الشريعة : ص ١٩٣
عند الله شفاعة يوم القيامة)(١)
وفيه أيضاً قال الصادق عليهالسلام : (الحبّ في الله، فحبٌّ لله، والمحبوب في الله، حبيب الله، لأنّهما لا يتحابّان إلّا في الله)(٢)
إلی أن قال(٣) : وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : (إنّ أطيب شيءٍ في الجنّة وألذّه حبّ الله، والحبّ في الله، والحمد لله، قال الله(٤) : ( وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (٥) ، وذلك أنّهم إذا عاينوا ما في الجنّة من النعيم، ماجت المحبّة في قلوبهم فينادون عند ذلك الحمدُ لله ربّ العالمين)(٦)
ولا بأس أيضاً بإيراد ما ذكره بعض العارفين في المقام وهو أنّ اسم المحبّة وإن كان واحداً عند الإطلاق فهو يختلف بتفاوت متعلقه، فمحبّة الله لعبده تُغاير محبّة العبد لربّه وإيضاح ذلك : إنّ حقيقة محبّة الله لعبده إرادته لانعام مخصوص يفيضه إلی ذلك العبد من تقريبه وإزلافه من محال الطهارة والقدس وقطع شواغله، وتطهير باطنه عن كدورات الدُّنيا ورفع الحجاب عن قلبه حتّی يشاهده كأنّه يراه، فإرادته بأنْ يخص عبده بهذه الأحوال الشريفة هي محبّته له، وأمّا محبّة العبد لله فهو ميله إلی نيل هذا الكمال وإرادته درك هذه الفضائل
________________________
١ ـ نفس المصدر
٢ ـ مصباح الشريعة، الباب الثالث والتسعون، ص ٦٩٤
٣ ـ أي الإمام الصادق عليهالسلام
٤ ـ في مصدر الرواية هكذا : (قال الله عزّوجل)
٥ ـ يونس : ١٠
٦ ـ مصباح الشريعة : ص ١٩٥
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلِیِّ اللهِ
هو عليّ بن أبي طالب المخصوص بهذا اللقب(١) ، وفي بعض الأخبار هو اسمٌ سمّاه الله به لم يسمّ به أحدٌ قبله، ولم يسم بعده(٢) ، وفي بعضها : (سلِّموا
________________________
ـ في المصباح للكفعمي (علي) غير موجودة
١ ـ قال الطبرسي في إعلام الوری ص ١٥٤، ط ١٩٧٠ م دار الكتب الإسلامية : (... ولقبه أمير المؤمنين، خصّه النبيّ صلىاللهعليهوآله به لـمّا قال: سلّموا علیٰ عليّ بإمرة المؤمنين، ولم يجوّز أصحابنا أن يطلق هذا اللفظ لغيره من الأئمّة، فقالوا : أنّه انفرد بهذا التلقيب فلا يجوز أن يشاركه في ذلك غيره)
٢ ـ روی السيّد نعمة الله الجزائري رحمهالله في شرح الصحيفة السجّادية ص ٧ ط، بيروت ١٤٢٠ عن العياشي في تفسيره حديثاً، عن الإمام الصادق عليهالسلام : (بأنّه لم يسم أحدٌ بهذا الاسم غير عليّ بن أبي طالب عليهالسلام إلّا مخنثاً)
وعلّق السيّد الجزائري علی هذا الحديث قائلاً : (وهو غير بعيد، لقول جلال الدِّين السيوطي وهو من أكابر علمائهم، في تعاليقه علی القاموس، عند تصحيح لغة الأبنة، وكانت في جماعة في زمن الجاهلية أحدهم سيّدنا عمر وقول ابن الأثير وهو من أعاظم فضلائهم : زعمت الروافض أنّ سيّدنا عمر كان مخنثاً، كذبوا لعنهم الله، ولكن كان به داءٌ دواؤه ماء الرجال)
وروی الطبري من أعلام القرن السادس الهجري في بشارة المصطفی لشيعة المرتضی عليهالسلام ص ٢٨٧، ج ٥، ح ٩، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوآله :
(لما أُسري بي إلی السماء كنتُ من ربّي كقاب قوسين أو أدنی، فأوحی إليّ ربّي ما أوحیٰ، ثمّ قال: يا محمّد اقرأ إنّ عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، فما سمّيت بهذا الاسم أحداً قبله ولا أُسمّي بهذا أحداً بعده)
عليه بإمرة المؤمنين)(١) والإمرة بكسر الهمزة الولاية أي قولوا له : السّلامُ عليك يا أمير المؤمنين
وفي بعضها سمّي به لأنّه عليهالسلام يميرهم العلم(٢) أي يحمل إليهم أقواتهم الروحانية من الميرة بالكسر، وهو طعام يجلبه الإنسان من بلدٍ إلی آخر، وأنت خبير أنّ الأمير من أمرَ يأمر، ويمير من مارَ فليس من الاشتقاق المشهور ولكنّه من الاشتقاق الكبير
________________________
١ ـ روی ابن شاذان المتوفّی سنة (٦٦٠) هـ في كتابه الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام ص ١٢٢، حديث (١٠٥)، ط ؛ مكتبة الأمين قم عن أبي ذر الغفاري قال : (أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله أنْ نسلِّم علیٰ عليّ عليهالسلام ، وقال : سلِّموا علی أخي، وخليفتي، ووارثي في قومي، ووليّ كلّ مؤمن ومؤمنة من بعدي سلِّموا عليه بإمرة المؤمنين، فإنّه وليّ كلّ مَن سكن الأرض إلی يوم العرض، ولو قدّمتموه لأخرجت الأرض بركاتها، فإنّه أكرم مَن عليها من كلّ أهلها
قال أبو ذر : فرأيت عمر قد تغيّر لونه، وقال : أحقّ من الله ؟ قال: نعم، أمرني به ربّي ثمّ تقدّم أبو بكر، وقال : أحقّ من الله ؟ قال: نعم أمرني به ربّي، وذلك حقّ من الله أمرتكم به
فقام وسلّم عليه بإمرة المؤمنين، ثمّ أقبل علی أصحابهما وقالوا ما قالاه)
أخرجه الطبرسي في إعلام الوری ص ١٥٤، ط : ١٩٧٠ م، والحاكم في مستدركه ج ٣، ص ١٤٠
٢ ـ روی شيخنا الصدوق في علل الشرائع ج ١، ص ١٩١، باب ١٢٩، ط بيروت الأعلمي، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي قال: (سألتُ أبا جعفر محمّد بن علي الباقر عليهالسلام : يابن رسول الله لِمَ سمّيَ عليّ عليهالسلام أمير المؤمنين وهم اسمٌ ما سُمّي به أحدٌ قبله ولا يحلّ لأحدٍ بعده ؟ قال: لأنّه ميرةُ العلم يُمتار منه ولا يمتار من أحدٍ غيره)
قيل : ولك أن تقول قصده أنّ تسميته بأمير المؤمنين ليس لأجل أنّه مطاعهم بحسب الدُّنيا، بل لأجل أنّه مطاعهم بحسب العلم، وفي هذا الاسم إشارة إلی أنّهم لا يكونون مؤمنين إلّا بولايته وطاعته(١) ، وأنّه ركن الإيمان كما قال: (أنا صلاة المؤمنين، وصيامهم، وحجّهم، وزكاتهم)(٢)
فلا يدخل تحت لواءه الفاسقون الفجرة، والظالمون الكفرة، فإنّ أميرهم هو إبليس وجنوده وأتباعه من خلفاء الجور الذين نصبوا العداوة لعليّ عليهالسلام وأولاده
________________________
١ ـ روی عماد الدِّين الطبري في بشارة المصطفی لشيعة المرتضی ص ٤١، ج ١، ح ٣٠، ط : جامعة المدرسين، قم
عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوآله :
«المخالف علیٰ عليّ بن أبي طالب بعدي كافر، والمشرك به كافر، والمحبّ له مؤمن، والمبغض له منافق، والمقتفي لأثره لاحق، والمحارب له مارق، والرادّ عليه زاهق، عليّ نور الله في بلاده وحجّته علی عباده، عليّ سيف الله علی أعدائه، ووارث علم أنبيائه، عليّ كلمة الله العليا وكلمة أعدائه السفلیٰ، عليّ سيّد الأوصياء، ووصيّ سيّد الأنبياء، عليّ أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين وإمام المسلمين، لا يقبل الله الإيمان إلّا بولايته وطاعته»
٢ ـ روی الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ٢٠ ط قم عن داود بن كثير، قال: قلت لأبي عبدالله عليهالسلام : أنتم الصلاة في كتاب الله عزّوجلّ، وأنتم الزكاة، وأنتم الصيام، وأنتم الحجّ ؟ فقال : يا داود نحن الصلاة في كتاب الله عزوجل، ونحن الزكاة، ونحن الصيام، ونحن الحج، ونحن الشهر الحرام، ونحن البلد الحرام، ونحن قبلة الله، ونحن وجه الله، قال الله تعالی : ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ ) ، ونحن الآيات، ونحن البيِّنات، وعدوّنا في كتاب الله عزّوجلّ : الفحشاء، والمنكر، والبغي، والخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، والأصنام، والأوثان، والجبت والطاغوت، والميتة، والدم، ولحم الخنزير
المعصومين، وشيعته المخلصين، وبيانه أنّ كلّ قوم يوجبون طاعة أميرهم فيما يأمرهم به، وينهاهم عنه، وعليّ عليهالسلام لا يأمر إلّا بما أمر الله، ولا ينهی إلّا عمّا نهی الله، فكيف يكون أميراً للفسقة ولم يوجبوا طاعته ولم يدخلوا تحت رايته
اللّهم إلّا أن يقال : إنّ المؤمن هو المحبّ له عليهالسلام بقلبه المذعن بمقامه العارف بحقّه، وإن كان فاسقاً بجوارحه فإنّ (حبّ عليّ عليهالسلام حسنة لا يضرّ معها سيّئة، كما أنّ بغضه سيئة لا ينفع معها حسنة)(١) ، فلا يشترط في صدق الاسم متابعته حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، وإنّما يُشترط هذا في الشيعة كما دلّت عليه من الأخبار جملة كثيرة ولتحقيق هذا الكلام محلّ آخر
والولي : إمّا من الولي وهو القرب(٢) فهو ولي لكونه أقرب الخلق إلی الله بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وأمّا من الوَلاية بالفتح بمعنی المحبّة فهو وليّ الله لكونه محبّاً لله ومحبوباً له كما يدلُّ عليه حديث الراية(٣) ، والطير المشوي(٤) وغيرهما، أو
________________________
١ ـ راجع المناقب ج ٣، ص ١٩٧، فصل في محبّته، وإرشاد القلوب للديلمي ج ٢، ص ٢٣٤، كشف الغمّة ج ١، ص ١٠٥، نهج الحق للعلّامة الحلّي ص ٢٥٩، المطلب الثالث في محبّته، مشارق أنوار اليقين ص ١٢٣، فصل (٥٨)، وعوالي اللآلي ج ٤، ص ٧٦، حديث ١٠٣
٢ ـ المصباح المنير للفيومي : ص ٦٧٢، ط : دار الهجرة قم
٣ ـ حديث الراية من الأحاديث المشهورة في فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام وهذا الحديث كان في غزوة خيبر لـمّا طال الحصار علی اليهود خرجوا من حصونهم لقتال المسلمين ـ وكان أمير المؤمنين عليهالسلام أرمداً ـ فدعا رسول الله صلىاللهعليهوآله أبا بكر فقال له : خذ الراية، فأخذها في جمع من المهاجرين فلم يفعل شيئاً ورجع يؤنّب القوم ويؤنّبونه، وفي اليوم الثاني أعطاها رسول الله صلىاللهعليهوآله إلی عمر بن الخطّاب فسار بها غير
بعيد، ثمّ رجع يجبن أصحابه ويجبنونه فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : (لأعطين الراية غداً رجلاً كرّاراً غير فرّار، يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، لا يرجع حتّی يفتح الله عليه)
وفي الصباح اجتمع الناس إلی رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال صلىاللهعليهوآله : ادعوا لي عليّاً فصاح الناس من كلّ جانب أنّه أرمد رمداً لا يبصر موضع قدمه، فقال : ارسلوا إليه ادعوه فأُتي يُقاد، فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : ما تشتكي يا عليّ ؟ فقال : رمد، ما أبصر معه، وصداع برأسي، فقال له : اجلس وضع رأسك علی فخذي، ففعل عليهالسلام ذلك، فدعا له النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ثمّ تفل في يده فمسح بها علی عينيه ورأسه، فانفتحت عيناه وسكن صداعه، وقال صلىاللهعليهوآله في دعائه : (اللّهم قِه الحرّ والبردَ) وأعطاه الراية وقال له : خُذ الراية وامضِ بها، فجبرائيل معك والنصر أمامك والرعب مبثوث في صدور القوم، واعلم يا علي أنّهم يجدون في كتابهم أنّ الذي يدمّر عليهم اسمه إيليا فإذا لقيتهم فقل : أنا علي، فإنّهم يُخذلون إن شاء الله تعالی
وإليك بعض المصادر التي تروي حديث الراية :
الإرشاد للشيخ المفيد، ص ٦٦، نهج الحقّ وكشف الصدق للعلّامة الحلّي ص ٢١٦، ط : دار الهجرة، قم بشارة المصطفی لشيعة المرتضی للطبري ص ٢٩٦، ج ٥، ح ٣٥ وفضائل أمير المؤمنين لابن عقدة الكوفي المتوفیٰ سنة ٣٣٢ ص ٨٠، الفصل الثالث عشر، ح ٧٨، ط : قم، مسند أحمد ج ٣، ص ٣٨٤، فضائل الصحابة ج ٢، ص ٦٠٣، السيرة النبوية لابن هشام ج ٣، ص ٣٤٩، والسيرة النبوية لزيني دحلان ج ٢، ص ٢٠٠، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج ١، ص ١٧٧، ط : أُمّ القریٰ، جواهر المطالب للباعوني الشافعي ج ١، ص ١٧٧، الباب الخامس والعشرون، ط، ١٤١٥ هـ قم
٤ ـ روی العلّامة الحلّي قدسسره في نهج الحقّ وكشف الصدق ص ٢٢٠، عن أحمد بن حنبل
بمعنی النصرة(١) ، فهو عليهالسلام ولي الله لكونه ناصراً لدين الله بلسانه وسيفه، أو منصوراً من عنده بملائكته كما يشهد به مجاهداته في سبيل الله وغلباته علی أعداء الله، وأمّا من الوِلاية بالكسر بمعنی الإمارة(٢) ، لكونه أمير المؤمنين عليهالسلام ، أو بمعنی التولية والسلطنة كما في قوله : ( هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّـهِ ) (٣) ، فهو ولي الله لكونه يتولّی تدبير أُمور الخلق بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله من قبل الله ورسوله كما قال: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٤) فقد نزلت في عليّ عليهالسلام باتّفاق الفريقين حين سأله سائل وهو في الركوع فأعطاه الخاتم(٥) ، وعن أبي ذرّ أنّها نزلت بعد أنْ قال الرسول صلىاللهعليهوآله :
في مسنده، والجمع بين الصحاح عن أنس بن مالك، قال: (كان عند النبيّ صلىاللهعليهوآله طائر قد طُبخ له، فقال : أللّهم ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي، فجاء عليّ فأكل معه) حديث الطير ممّا تواتر في كتب الحديث والتاريخ وإليك بعض مصادره : أُسد الغابة ج ٤، ص ٣٠، مصابيح السنّة للبغوي ج ٢، ص ٢٠٠، حلية الأولياء ج ٦، ص ٣٢٩، البداية والنهاية ج ٧، ص ٣٥١، ينابيع المودّة للقندوزي ص ٦٢، الباب الثامن، وأخرجه ابن عقدة الكوفي في فضائل الأمير عليهالسلام ص ٧٣، ح ٧٠ الفصل العاشر، ط : قم
١ ـ المصباح المنير للفيومي : ص ٦٧٢
٢ ـ المصباح المنير : ص ٦٧٢
٣ ـ الكهف : ٤٤
٤ ـ المائدة : ٥٥
٥ ـ أمالي الصدوق المجلس السادس والعشرون ص ١٠٩ ط : ١٩٧٠ م، أصول الكافي ج ١، ص ٢٨٨، تفسير القمّي ج ١ ص ١٧١، ط بيروت الأعلمي، بشارة المصطفی
(أللّهم اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أخي أشدد به ظهري)(١)
فهذه الآية من أوضح الأدلّة علی إمامة [الإمام] علي عليهالسلام بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله بلا فصل(٢) ، والله تعالی أيضاً ولي الذين آمنوا، لأنّه ينصرهم أو يتولّی أمورهم ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) (٣) ، وقد يقال : إنّه من ولّاه إذا وجّهه فهو وليّ الله، لأنّه وجّهه إلی جهته التي خلق لها من مقامه من الله، ورتبته في الجنّة، أو جهات ما أراد منه من رفع الحجب عن قلبه حتّی يشاهد من ملكوت الله في خلقه ما كتب له في ألواح قدره فتدبّر
وقد يقال أيضاً أنّ الولي هو الحامل للواء الحمد وهو لواء الولاية المطلقة
للطبري ج ١٠، ص ٤٠٩، ح ٢، نهج الحق وكشف الصدق ص ١٧٢ ط : دار الهجرة، تأويل الآيات ص ١٥٦ ط : جامعة المدرّسين قم، والبرهان للبحراني ج ١، ص ٤٨٢ وأمّا الذين رووا هذه الحادثة من أبناء العامّة منهم :
السيوطي في الدرّ المنثور في تفسير الآية ج ٢، ص ٢٥٩، ط : مصر، والقرطبي في تفسيره ج ٦، ص ٢٢١، ص ٢٢٢، ط : مصر ١٩٥٠ م، والطبري في تفسيره ج ٦، ص ٢٨٨، ط : مصر، والرازي في تفسيره الكبير ج ١٢، ص ٢٦ ط : مصر، والخوارزمي ص ٢٦٤، الفصل السابع عشر، ح ٢٤٦، ط : قم، جواهر المطالب للباعوني الشافعي ج ١، ص ٢١٩، الباب الخامس والثلاثون، ط ١٤١٥ هـ، قم، والحسكاني في شواهد التنزيل ج ١، ص ١٦١، ط : الأولی، وغيرها من المصادر
١ ـ مجمع البيان للطبرسي : ج ٣، ص ٢١٠
٢ ـ إنّ العلّامة الحلّي في نهج الحقّ وكشف الصدق ص ١٧٢ جعل هذه الآية من الأدلّة النقلية علی إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام
٣ ـ الطلاق : ٣
العامّة يعني أنّه (عج) خلق هذا الولي له خاصّة وخلق له جميع خلقه فلمّا خلقه أشهده خلق نفسه وأنهیٰ إليه علمها فتأمّل
وكيف كان فالولاية إن كانت بمعنی القرب إلی الحقّ فالولي هو العبد الذي قرّبه الله إلی بساط ديمومته، فعرّفه حقائق القدس ودقائق الانس، وولّاه التدبير في أُمور الملك والملكوت، وأوقفه علی مقامات الجبروت والناسوت فيتصرّف في العوالم الإمكانية بما أراه ويدبّر الاُمور بإذنه معرضاً عمّن سواه، فالولاية بمنزلة النبوّة لما عرفت من أنّها طريق بين الله وبين نبيّه، فإنّ الولاية أيضاً طريق بينه وبين وليّه وهي خاصّة ومطلقة، فالأولی ماكان محمّد وآله صلىاللهعليهوآله لأنّ قربهم إلی الحقّ قرب خاصّ، لا يشاركهم فيه أحداً من الخلق كما قال في الزيارة الجامعة : (أتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين)(١) ، وقال أيضاً : (فبلغ الله بكم أشرف محلّ المكرمين وأعلی منازل المقرّبين وأرفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوته فائق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في إدراكه طامع)(٢)
والثانية ما كانت في سائر الأنبياء والأولياء علی تفاوت مراتبهم في هذا المقام، فالولاية الخاصّة بهذا المعنی أفضل من الولاية المطلقة، بل النبوّة المطلقة المشتركة بين سائر الأنبياء، وما قيل : من أنّ نهاية الأولياء بداية الأنبياء فهو في الولاية المطلقة والنبوّة المطلقة، إذ لا يكون العبد نبيّاً حتی يكون وليّاً،
________________________
١ ـ قال السيّد عبدالله شبّر رحمهالله في الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة ص ١٧٦ ط : الأمين، قم : (أتاكم الله) من العلوم الربّانية والمعارف الحقّانية والأسرار الإلهية والفضائل النفسانية والأخلاق الملكوتية
٢ ـ لبيان هذه الفقرة راجع الأنوار اللامعة ص ١٤٨
ولكن ربّما يكون وليّاً ولا يكون نبيّاً، فالنبوّة بهذا المعنی أشرف من الولاية بهذا المعنی ضرورة أفضلية الجامع للنورين من النور الواحد لاستلزام النبوّة للولاية دون العكس
ومن هنا ظهر أنّ نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله الخاصّة أشرف من ولايته الخاصّة بخلاف النبوّة المطلقة فإنّ ولايته الخاصّة أشرف منها وإليه الإشارة بقوله : (ولولا عليّ لما خلقتك)(١) أي ولولا مقام ولايتك الخاصّة لما خلقتك فإنّ عليّاً عليهالسلام كان مظهر تلك الولاية فمحمّد صلىاللهعليهوآله من حيث جامعيّته للنبوّة والولاية أفضل من عليّ عليهالسلام لكونه حاوياً لمرتبة الولاية الخاصّة خاصّة ويشهد لذلك ما روي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال: (إنّ جبرئيل أتیٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله برمّانتين فأكل رسول الله صلىاللهعليهوآله إحداهما، وكسر الاُخری بنصفين فأكل نصفاً وأطعم عليّاً نصفاً(٢) ثمّ قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أخي هل تدري ما هاتان الرمّانتان ؟ قال: لا، قال: أمّا الأولی فالنبوّة ليس لك فيها نصيب(٣) ، وأمّا الاُخری فالعلم فأنت شريكي فيه، فقلتُ : أصلحك الله كيف(٤) شريكه فيه ؟ قال: لم يُعلّم الله محمّداً علماً إلّا وأمره أنْ يعلّمه عليّاً)(٥)
وإن كانت بمعنی التصرّف والتدبير فالولي هو العبد الذي خصّه الله بالتولية
________________________
١ ـ تقدّم مصدر هذا الحديث القدسي
٢ ـ في مصدر الرواية هكذا (وأطعم رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّاً نصفها)
٣ ـ في المصدر (ليس لك فيها شيء)
٤ ـ في المصدر (كيف يكون شريكه ...)
٥ ـ أخرج هذه الرواية الصفّار في بصائر الدرجات ج ٦ ص ٢٩٢ في باب أمير المؤمنين عليهالسلام شارك الرسول صلىاللهعليهوآله في العلم ولم يشاركه في النبوّة
والسلطنة علی عباده في أمورهم، فإنّه مالك الملك وسلطان السلاطين، ( تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ) (١) (بيده الملك وهو علی كلّ شيءٍ قدير)(٢) ، فيكون بمعنی الإمامة التي هي الرياسة العامّة(٣) ، فيكون بمنزلة الرسالة التي هي طريق بين الرسول وسائر الناس فهي إمّا خاصّة كالولايات الجزئية المتعلِّقة بناحية خاصّة وصقعٍ خاصّ، أو(٤) عامّة كالرياسات العامّة المتعلِّقة بالملك والملكوت، ولا ريبَ أنّ الولاية العامّة المطلقة ببعض المعاني أشرف من النبوّة الخاصّة كذلك
والحاصل : أنّ الولاية الكلّية، والنبوّة الكلّية أفضل من الولاية الجزئية والنبوّة الجزئية، والاصطلاحات في المقام مختلفة فلا مشاحة فيها
________________________
١ ـ آل عمران : ٢٦، إنّ الشارح رحمهالله لم يذكر الآية الشريفة نصّاً كما هي في المصحف ولكنّنا أثبتناه نصّاً من القرآن
٢ ـ الملك : ١
٣ ـ العلّامة الحلّي قدسسره في الباب الحادي عشر في باب الإمامة عرفها : (بأنّها رئاسة عامّة في أُمور الدِّين والدُّنيا)
٤ ـ من اللازم أن يستخدم الشارح بدل (أو) (أمّا) لأنّه عطف أوّلاً بـ (أمّا)
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ مُحَمّد المُصْطفىٰ،
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ عَليِّ الْمُرْتَضىٰ، اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فَاطِمَةَ الزَّهْراءِ،
السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ خَدِيجَةَ الكُبْرىٰ
لا خفاء في كون سيّد الشهداء عليه آلاف التحيّة والثناء ابناً لأمير المؤمنين عليهالسلام وفاطمة الزهراء عليهاالسلام ظاهراً وباطناً جسداً وروحاً علی الإطلاق الحقيقي، وكذا لا خفاء في كونه عليهالسلام ابناً للرسول صلىاللهعليهوآله (١) بحسب الحقيقة الروحانية والتربية النفس الامرية، كيف وهو الوالد الروحاني بالنسبة إلی جميع مَن أجاب دعوته من الاُمّة كما قال: (أنا وعليّ أبوا هذه الاُمّة)(٢) ، ومن هنا قال عليّ عليهالسلام لمحمّد بن أبي بكر : (أنّه ابني من صلب أبي بكر)(٣) ، وأخرج الله ابن نوح لـمّا اعتزل عن أبيه عن أهله فقال تعالی : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) (٤) وإنّما الكلام في أنّ إطلاق الابن علی ابن الولد حقيقة مطلقاً أو مجاز كذلك، أو يفرق ما بين ابن الابن وابن البنت فالأوّل في الأوّل، والثاني في الثاني، وكذا الكلام في ولد الولد هل هو ولد حقيقة أو لا ؟
________________________
١ ـ قد تطرّقنا إلی كون الإمام الحسن والحسين عليهماالسلام أبناءً لرسول الله صلىاللهعليهوآله وذكرنا الآيات التي تدلّ علی هذا، وبعض الشواهد في تحقيقنا علی شرح زيارة عاشوراء ص ٣١، ط ؛ دار الأنصار قم
٢ ـ عيون أخبار الرضا للصدوق ج ٢، ص ٩١، ح ٢٩، باب (٣٢) ط : قم الشريف الرضي
٣ ـ شرح نهج البلاغة ج ٦ ص ٥٣
٤ ـ هود : ٤٦
وقد تعرّضوا لهذا الخلاف في كتاب الخمس في استحقاق مَن ينتسب إلی عبد المطّلب بالاُمّ وعدمه(١) ، وفي كتاب الوقف فيما لو وقف علی أولاده هل يدخل فيهم أولاد البنين والبنات أو لا(٢) ، واستدلّ مَن قال بأنّ هذا علی وجه الحقيقة بالاستعمال الشائع لغةً وعرفاً، كما في قوله تعالی : ( يَا بَنِي آدَمَ ) (٣) ، و ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) (٤) ، و ( يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ) (٥) ، وقول النبيّ صلىاللهعليهوآله لـمّا بال الحسن عليهالسلام في حجره : (لا تزرموا ابني)(٦) ، وقوله صلىاللهعليهوآله له عليهالسلام وللحسين عليهالسلام (إنّهما ابناي)(٧) ، والأصل في الاستعمال الحقيقة، وبالإجماع علی تحريم حليلة ولد الولد مطلقاً المستند إلی قوله تعالی : ( وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ ) (٨) (٩) واستدلّ المتجوّز بأنّ المتبادر من الولد هو الولد بلا واسطة،
________________________
١ ـ راجع الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني، ج ١، ص ٢٠٨، كتاب الخمس، ط : قم إسماعيليان
٢ ـ شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي ج ٢، ص ١٧٣، المسألة السادسة في اللواحق باب الوقف، واللمعة الدمشقية ج ١ ص ٤٠٦، باب الوقف المسألة الثالثة
٣ ـ الأعراف : ٣١
٤ ـ البقرة : ٤٠
٥ ـ النساء : ١١
٦ ـ أخرجه الشهيد الثاني في الروضة البهية في باب الوقف ص ٤٠٦، ج ١، وقال : (أي لا تقطعوا عليه بوله لـمّا بال في حجره)
٧ ـ البحار ج ٤٣ حياة السبطين
٨ ـ النساء : ٢٣
٩ ـ هذا ممّا استدلّ به الشهيد الثاني في شرحه علی اللمعة الدمشقية في باب الوقف ص ٤٠٦
وبصحّة السلب، والمفصّل بقول الشاعر :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا |
بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد(١) |
وفي جميع أدلّة الجميع نظر، ولكن روی أبو الجارود عن الباقر عليهالسلام قال: قال لي : يا أبا الجارود ما يقولون في الحسن والحسين عليهماالسلام ؟ قلتُ : يُنكرون علينا إنّهما ابنا رسول الله صلىاللهعليهوآله قال: فبأيّ شيءٍ احتججتم عليهم ؟ قلتُ : احتججنا عليهم بقول الله في عيسیٰ بن مريم : ( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ) (٢) فجعل عيسیٰ من ذريّة إبراهيم قال: فأيّ شيءٍ قالوا ؟ قال: قلتُ : قالوا : قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب قال: فبأيّ شيءٍ احتججتم عليهم ؟ قال: قلتُ : احتججنا عليهم بقول الله تعالیٰ : ( تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) (٣) ، قال: فأيّ شيءٍ قالوا لكم ؟ قلتُ : قالوا : قد يكون في كلام العرب ابن رجل واحد فيقول أبناؤنا وإنّما هو ابن واحد فقال عليهالسلام : والله يا أبا الجارود أن أعطيتم من كتاب الله مسمّی لصلب رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يردها قال: قلتُ : جعلتُ فداك وأين ؟ قال: قال حيث قال الله : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ) إلی قوله : ( وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ) (٤) فاسئلهم يا أبا الجارود هل يحرم لرسول الله شيء من حليلتهما ؟ فإن قالوا : نعم، فقد كذبوا والله وفجروا، وإن قالوا : لا، فهما والله أبناءه لصلبه، وما حرمت عليه إلّا الصلب(٥) ، فتدبّر
________________________
١ ـ راجع شرح ابن عقيل علی ألفية ابن مالك ج ١، ص ٢٣٣، ط : قم
٢ ـ الأنعام : ٨٤
٣ ـ آل عمران : ٦١
٤ ـ النساء : ٢٣
٥ ـ راجع تفسير القمي، ج ١، ص ٢٠٩ ؛ والروضة من الكافي للكليني، ج ٨، ص ٣١٧
وبالجملة ففي هذه الفقرات(١) إشارة إلی شرافته النسبية وأصالته ونجابته بحسب الآباء والاُمّهات، كما أنّ الفقرات السابقة كانت إشارة إلی شرافته الذاتية، وكمالاته المعنوية، ومقاماته الروحانية
والمرتضیٰ من ألقاب أمير المؤمنين(٢) مشتقّ من ارتضيته إذا اخترته كرضيته، لأنّ الله ارتضاه من خلقه لمقام الولاية الكلّية، فكان خاتم الأولياء كما كان المصطفی صلىاللهعليهوآله خاتم الأنبياء، فالمصطفیٰ والمرتضیٰ بحسب التفسير واحد كما كانا بحسب الحقيقة متّحدين كما قال: (أنا وعليٌّ من نور واحد)(٣) ، ويشهد به أيضاً ما في حديث النورانية(٤)
والزهراء من ألقاب فاطمة عليهاالسلام ، وقد وردت في وجه تسميتها بذلك أخبار، ففي بعضها : (لأنّها إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض)(٥)
ح ٥٠١ ؛ والاحتجاج للطبرسي، ج ٢، ص ٣٢٤
١ ـ أي في نصّ الزيارة الشريفة
٢ ـ راجع مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج ١، ص ٥٩، ط : أُمّ القریٰ
٣ ـ بحار الأنوار، ج ١٥، ص ١١
٤ ـ مرّ مصدره، ولكن سوف يأتي نصّ الحديث لاحقاً إن شاء الله تعالیٰ
٥ ـ أخرج هذه الرواية الشيخ الصدوق قدسسره في علل الشرائع ج ١، ص ٢١٥، ح ٣، ط بيروت وهذه الرواية عن جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه قال: سألتُ أبا عبدالله عليهالسلام عن فاطمة لِمَ سُمّيت الزهراء ؟ فقال عليهالسلام : (لأنّها إذا قامت إلی آخر الرواية ...)، وأيضاً أخرج الصدوق رواية طويلة في العلل عن علّة تسميتها بالزهراء عليهاالسلام ج ١، ص ٢١٤، فراجع
وفي بعضها : (إنّ الله خلقها من نور عظمته)(١) ، وفي بعضها : إنّه تعالی خلق نور فاطمة عليهاالسلام بعد أن أحاطت الظلمة بالملائكة فرفعها به والحديث طويل وفيه «ثمّ أظلمت المشارق والمغارب فشكت الملائكة إلی الله أن يكشف عنهم تلك الظلمة فتكلّم الله بكلمة، فخلق منها روحاً، ثمّ تكلّم بكلمةٍ فخلق من ذلك الروح نوراً فأضاف النور إلی تلك الروح وأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة الزهراء فلذلك سمّيت الزهراء»(٢)
وأيضاً روی المجلسي في البحار ج ٤٣، ص ١٧ عن أبي هاشم العسكري، قال: سألت صاحب العسكر ـ الإمام علي الهادي عليهالسلام ـ لِمَ سمّيت فاطمة الزهراء ؟ فقال : (كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين من أوّل النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّي)
وممّا يؤكّد أنّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام كانت تزهر وتشرق ما رواه القرماني صاحب كتاب أخبار الدول وآثار الأول ص ٨٧ الطبعة الحجرية عن عائشة قالت : (كنّا نخيط ونغزل وننظم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة)
وهذا أقصی درجة في النور والإزدهار إلی غاية تبلغ حدّ الإعجاب
١ ـ راجع علل الشرائع ج ١، ص ٢١٣ باب ١٤٣، ط الأعلمي بيروت وهذا نصّ الرواية : «عن عبدالله بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قلتُ له : لِمَ سمّيت فاطمة الزهراء زهراء ؟ فقال : لأنّ الله عزّوجلّ خلقها من نور عظمته فلمّا أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرّت الملائكة لله ساجدين وقالوا : إلٰهنا وسيّدنا ما لهذا النور ؟ فأوحی الله إليهم هذا نور من نوري أسكنته في سمائي وخلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبيّ من أنبيائي أفضّله علی جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمّةً يقومون بأمري يهدون إلی حقّي وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي»
٢ ـ روی السيّد هاشم البحراني في حلية الأبرار ج ١، ص ٤٩٢، عن زيد بن عبدالله
وورد في تسميتها بفاطمة (أنّها تفطم محبّيها من النار، وتفطم أعداءها من الجنّة)(١) أي تقطع
بن مسعود عن أبيه قال: دخلتُ يوماً علی رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فقلتُ : يارسول الله أرني الحقّ حتّی أتبعه فقال صلىاللهعليهوآله
: يا ابن مسعود لج إلی المخدع فولجتُ فرأيتُ أمير المؤمنين عليهالسلام
راكعاً وساجداً وهو يقول عقيب صلاته : أللّهم بحرمة عبدك ورسولك اغفر للخاطئين من شيعتي
قال ابن مسعود : فخرجتُ لأخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله بذلك فوجدته راكعاً وساجداً وهو يقول : أللّهم بحرمة عبدك عليّ عليهالسلام اغفر للعاصين من أُمّتي
قال ابن مسعود : فأخذني الهلع حتّی غشیٰ عليَّ فرفع النبيّ صلىاللهعليهوآله رأسه وقال : ياابن مسعود أكفرٌ بعد الإيمان ؟ فقلتُ : معاذ الله ولكنّي رأيت عليّاً يسأل الله تعالی بك وأنت تسأل الله تعالیٰ به
فقال : يا ابن مسعود إنّ الله تعالی خلقني وعليّاً والحسن والحسين من نور عظمته قبل الخلق بألفي عام حين لا تسبيح ولا تقديس وفتق نوري فخلق منه السماوات والأرض وأنا أفضل من السماوات والأرض، وفتق نور عليّ فخلق منه العرش والكرسي وعليّ أفضل من العرش والكرسي
وفتق نور الحسن فخلق منه اللوح والقلم، والحسن أجلّ من اللوح والقلم، وفتق نور الحسين فخلق منه الجنان والحور العين والحسين أفضل منهما، فأظلمت المشارق والمغارب فشكت الملائكة إلی الله عزّوجلّ الظلمة وقالت : أللّهم بحقّ هؤلاء الأشباح الذي خلقت إلّا ما فرّجتَ عنّا من هذه الظلمة ! فخلق الله عزّوجلّ روحاً وقرنها بأُخری فخلق منها نوراً ثمّ أضاف النور إلی الروح فخلق منها الزهراء عليهاالسلام فمن ذلك سمّيت الزهراء، فأضاء منها المشرق والمغرب
١ ـ روی الشيخ الصدوق في علله ج ١، ص ٢١١، ح ١ باب ١٤٢ عن أبي هريرة قال:
وخديجة هذه أُمّها بنت خويلد بن أسد(١) ، وهي أوّل مَنْ آمن بالله ورسوله من النساء(٢) تزوّجها رسول الله صلىاللهعليهوآله وهي بنت أربعين سنة وستّة أشهر، وكان صلىاللهعليهوآله حينئذٍ ابن إحدی وعشرين سنة(٣) ، وولدت منه زينب وفاطمة ورقية
(إنّما سمّيت فاطمة فاطمة لأنّ الله تعالیٰ فطم مَن أحبّها من النار)
وروي أيضاً الصدوق في عيون أخبار الرضا ج ٢، ص ٢٣٤، ح ٤ : (سمّيت فاطمة لأنّها فَصمت شيعتها عن النار)
وروی في العلل ص ٢١٣ ح ٦ عن محمّد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول :
لفاطمة عليهاالسلام وقفة علی باب جهنّم، فإذا كان يوم القيامة كُتب بين عينيّ كلّ رجل مؤمن أو كافر فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه إلی النار فتقرأ فاطمة بين عينيه محبّاً فتقول : إلٰهي وسيّدي سمّيتني فاطمة وفطمتَ بي مَنْ تولّاني وتولّی ذرّيتي من النار ووعدك الحقّ وأنتَ لا تخلف الميعاد، فيقول الله عزّوجلّ : صدقتِ يا فاطمة إنّي سمّيتك فاطمة وفطمتُ بكِ مَن أحبّكِ وتولّاك، وأحبّ ذرّيتكِ وتولّاهم من النار، ووعدي الحقّ وأنا لا أخلف الميعاد، وإنّما أمرتُ بعبدي هذا إلی النار لتشفعي فيه فأشفعك، وليتبيّن لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفكِ منّي ومكانتكِ عندي فمَن قرأتِ بين عينيه مؤمناً فخذي بيده وأدخليه الجنّة)
١ ـ قال العلّامة المجلسي في البحار ج ١٦، ص ١٢ : هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزی بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، وأُمّها فاطمة بنت زائدة بن الأصم، وينتهي نسبها إلی لؤي بن فهر بن غالب، وكنيتها أُمّ هند
٢ ـ راجع مستدرك الوسائل ج ٤ ص ٤٥٥، ط : آل البيت بيروت، وغاية المرام للسيّد هاشم البحراني ص ٥٠١، ط : دار القاموس
٣ ـ قال الشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد ص ٥٥٠ ط : الأعلمي بيروت : (تزوّج النبيّ صلىاللهعليهوآله بخديجة بنت خويلد وله يومئذٍ خمسة وعشرين سنة)
وأُمّ كلثوم والقاسم وزاد بعضهم الطيّب والطاهر(١) ، وماتت قبل الهجرة بسنة(٢) ،
وأيضاً قال الطبرسي في إعلام الوری ج ١، ص ٢٧٤، ط : مؤسسة آل البيت : (أوّل امرأة تزوّجها رسول الله صلىاللهعليهوآله خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّی بن قصيّ، تزوّجها وهو ابن خمس وعشرين سنة)
١ ـ راجع الأنوار الساطعة من الغرّاء الطاهرة خديجة للشيخ غالب السيلاوي ص ١٣٩ ط قم حيث ذكر بحثاً مفصّلاً عن أولادها عليهاالسلام
٢ ـ قال الحرّ العاملي صاحب الوسائل في الجواهر السنية في الأحاديث القدسية ص ٢١٨ ط : النعمان النجف : (إنّه لـمّا ماتت خديجة قبل الهجرة بسنة ومات أبو طالب بعد موتها بسنة حزن رسول الله صلىاللهعليهوآله حزناً شديداً وخاف علی نفسه من كفّار قريش)
وقال شيخنا الكليني في أصول الكافي ج ١، ص ٤٤٠، دار الأضواء بيروت : (وماتت خديجة عليهاالسلام حين خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله من الشعب وكان ذلك قبل الهجرة بسنة)
ولكن صاحب كشف الغمّة الإربلي ج ١، ص ٥١٣ قال: (توفّيت قبل الهجرة بسنوات ثلاث أو نحوها)
وقال العلّامة المجلسي في مرآة العقول ج ٥، ص ١٨٢ ط دار الكتب الإسلامية طهران (إنّها ماتت قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بأربع وقيل بثلاث وهو أشهر ...)
وقال العلّامة الرجالي المامقاني : (إنّ أهل السير ذكروا أنّ خديجة توفّت في شهر رمضان قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بأربع وقيل بثلاث) راجع تنقيح المقال ج ٣ ص ٧٧
وقال المسعودي في مروجه ج ٢، ص ٣٠٦ دار الكتب العلمية : (وكانت وفاتها في شوّال بعد مبعثه صلىاللهعليهوآله بثلاث سنين) ومثله قال أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين ص ٥٩ ط الشريف الرضي
وهي أفضل نساء أهل الجنّة، وقد وردت في فضلها أخبار كثيرة(١)
________________________
١ ـ ذكر الشيخ الصدوق في الخصال باب الأربعة ص ٢٠٥ عن ابن عبّاس قال: خطّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أربع خطط في الأرض وقال :
أتدرون ما هذا ؟
قلنا : الله ورسوله أعلم
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أفضل نساء أهل الجنّة أربع خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون)
وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩، ص ٤٧ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : (خديجة خير نساء عالمها ومريم خير نساء عالمها وفاطمة خير نساء عالمها)
وذكر مسلم في صحيحه ج ١٥، ص ٢٠٠ دار الفكر، عن عائشة قالت : (بشّر رسول الله صلىاللهعليهوآله خديجة بنت خويلد ببيت في الجنّة)
وأيضاً ذكر في نفس المصدر ص ١٩٩ عن أبي زراعة قال: سمعتُ أبا هريرة قال: أتیٰ جبرئيل النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : يارسول الله صلىاللهعليهوآله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها عزّوجلّ ومنّي وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب)
وللتفصيل راجع الدرّ المنثور للسيوطي في تفسير قوله تعالی من سورة آل عمران : ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ )
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابْنَ ثَارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ
الثأْر بسكون الهمز، ويجوز تخفيفه بقلبه ألفاً، كالرأس والفأس، والكأس في الرأس والفأس، والكأس، وغير ذلك ممّا كان قبل الهمز فيه مفتوحاً كما يُقلب ياء قي المسكور، والواو في المضمون كالبير في البئر، والسور في السؤر الذّحل(١) بالذال المعجمة والحاء المهملة الساكنة، وقد تفتح ؛ الحقد والعداوة وبمعناه الثؤرة بالضمّ أيضاً، قال الشاعر :
شفيتُ به نفسي وأدركتُ ثؤرتي |
بني مالك هل كنتُ في ثؤرتي نكسا(٢) |
يقال : أدركتُ ثأره أي حقده بقتل قاتله ويقال : ثأرتُ القتيل بالقتيل إذا قتلتُ قاتله، ويقال : ثأرتكَ بكذا أي أدركتُ به ثأري منكَ، ويقال : اثأرتُ من فلان أي أدركتُ ثأري منه، وكثيراً ما يُستعمل في طلب الثأر(٣) والذحل والوتر في المطالبة بالدم والانتقام من القاتل، وفي بعض الدعوات : (اللّهم اطلب بذحلهم ووترهم ودمائهم)(٤)
قال الطريحي(٥) : يُقال طلب بذحله أي بثأره والذحل الثأر، وكذا الوتر
________________________
١ ـ المصباح المنير للفيومي ص ٨٨، ط دار الهجرة قم
٢ ـ لسان العرب لابن منظور ج ٢، ص ٧٧، ط دار إحياء التراث العربي بيروت
٣ ـ نفس المصدر
٤ ـ روضة الواعظين، ج ٢، ص ٣٢٤، مجلس في ذكر الصلاة علی النبي ؛ والبلد الأمين ص ٢٣٠
٥ ـ مجمع البحرين ج ٥ ص ٣٧٥
بالفتح وكرّر للتأكيد، والمراد بكونه ثأر الله : إنّ الله هو الذي يطلب بثأره وينتقم من أعدائه كما قال: ( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ) (١) ، فيكون إشارة إلی ما يعطی أولياؤه في زمن الرجعة من القوّة والسلطنة والغلبة علی أعداء آل محمّد صلىاللهعليهوآله فيقتلونهم من آخرهم بأشدّ قتلة وينكّلون بهم بأشدّ تنكيل
وفي مجمع البحرين ولعلّه مصحّف من يا ثار الله وابن ثائره(٢)
والثائر علی صيغة اسم الفاعل : هو الذي لا يبقی علیٰ شيء حتّی يدرك ثاره، فالمعنی أنّه الذي يطلب ثاره بإذن الله فيكون ثائر الله والوتر عطف علی المنادی فيكون منصوباً، وهو بالكسر الفرد، وبالفتح الذحل والثار علی لغة أهل العالية، وأمّا أهل الحجاز فيفتحونه في الأوّل ويكسرونه في الثاني(٣) ، وتميم يكسرونه في المعنيين
والموتور هو الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه(٤) ، ويحتمل أن يكون
________________________
١ ـ الإسراء : ٣٣ روی الكليني في روضة الكافي ص ٢٥٥، الرقم ٣٦٤ عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال: سألته عن قول الله عزّوجلّ : ( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ ) قال: نزلت في الحسين عليهالسلام ، لو قتل وليّه أهل الأرض به ما كان مسرفاً، ووليُّه القائم عليهالسلام )
وروی الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ٢٧٣ عن جابر، عن أبي جعفر عليهالسلام في قول الله عزّوجلّ : ( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ ) قال: نزلت في قتل الحسين عليهالسلام أي ولي الحسين كان منصوراً
٢ ـ مجمع البحرين ج ٣ ص ٢٣٤
٣ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ج ٢، ص ٦٤٧ دار الهجرة
٤ ـ المنجد في اللغة ص ٨٨٥ ط، بيروت ١٩٩٦ م
بمعنی المقطوع عن الأهل والأعوان، والغريب عن الأوطان والمعنی أنّه الفريد الوحيد الذي لا ناصر له ولا معين، القتيل الذي لم يدرك بثأره أحدٌ كما هو حقّه، وإنّما الطالب بثاره هو الله المنتقم فإنّه قتيل الله وابن قتيله كما في زيارته أيضاً : «السلامُ عليك يا حجّة الله وابن حجّته، السلامُ عليك يا قتيل الله وابن قتيله، السلامُ عليك يا ثأر الله وابن ثأره، السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض، أشهد أنّ دمكَ سكن في الخلد إلی قوله : أشهد أنّك حجّة الله وابن حجّته وأشهد أنّك قتيل الله وابن قتيله، وأشهد أنّك ثأر الله وابن ثأره، وأشهد أنّك وتر الله الموتور في السماوات والأرض، وأشهد أنّك قد بلّغتَ ونصحت)(١)
________________________
١ ـ راجع مفاتيح الجنان للشيخ عبّاس القمّي ص ٥١٦، وراجع كتابنا جامع الزيارات والمراقد ص ٨٦ قسم كربلاء، ط قم (والذي طبع في بيروت تحت عنوان : الأماكن المقدسة في العالم) وهذه الزيارة الشريفة من زيارات الإمام الحسين عليهالسلام المطلقة
أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ وأَطَعْتَ اللهَ وَرَسُولهُ حَتّىٰ أَتَاكَ الْيَقِينُ
أشهد أي أقرُّ بلساني مذعناً بصميم جناني وفيه إشارة إلی كماله عليهالسلام في مقام الخضوع والعبودية والخشوع والطاعة، وبلوغه بساط العبادة إلی منتهی الكمال، ووصوله إلی مقام مرضاة ربّه ذي الجلال، فإنّ العبودية شرف فاضل للعبد، وأدبٌ كامل للمخلوق، بها ينال نهاية المقامات، ويفوز بأسنی الكرامات كما قال : (إنّ العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتّیٰ كنتُ سمعه وبصره ويده ...)(١) ، وقال الصادق عليهالسلام : (العبودية جوهرة كنهها الربوبية، فما فقد في العبودية وجد في الربوبيّة، وما خفي عن الربوبية أُصيب في العبودية، قال الله : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا ) (٢) أي موجود في غيبتك وحضرتك، وتفسير العبودية بذل الكلّية(٣) ،
________________________
ـ في المصباح للكفعمي (رسوله) غير موجودة
١ ـ عوالي اللآلي ج ٤ ص ١٠٣، وهذا نصّ الحديث القدسي : (لا يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل والعبادات حتّی أحبّه فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)
٢ ـ فصّلت : ٥٣ روی الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ٥٢٧ عن الإمام الصادق عليهالسلام في قوله عزّوجلّ : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) قال : (حتّی يتبيّن لهم أنّه الحقّ) أنّه القائم عليهالسلام
٣ ـ في المصدر (الكلّ) بدل (الكلّية)
وسبب ذلك منع النفس عمّا تهویٰ، وحملها علی ما تكره، ومفتاح ذلك ترك الراحة، وحبّ العزلة، وطريقة الافتقار إلی الله تعالیٰ
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : (اُعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، وحروف العبد ثلاثة (العين والباء والدال)(١) ، فالعين علمه بالله، والباء بونه عمّن سواه، والدال دنوّه من الله بلا كيف ولا حجاب)(٢)
والمراد بإقامة الصلاة أداؤها علی الوجه المأمور به من رعاية آدابها وشرائطها الظاهرية والباطنية من الخضوع والخشوع، والإقبال الكلّي بالقلب علی باب المعبود، والتوجّه بالكامل إلی جناب الرب الودود(٣) ، وقد صلّی
________________________
١ ـ في المصدر (ع، ب، د)
٢ ـ راجع مصباح الشريعة للإمام الصادق عليهالسلام ، الباب الثاني، ص ٧ ط : بيروت
٣ ـ قال الإمام الصادق عليهالسلام في مصباح الشريعة ص ٨٧، الباب التاسع والثلاثون : (إذا استقبل القبلة فأيس من الدُّنيا وما فيها والخلق وما هم فيه، وفرّغ قلبك عن كلّ شاغل يشغلك عن الله تعالیٰ وعاين بسرّك عظمة الله عزّوجلّ، واذكر وقوفك بين يديه، وقف علی قدم الخوف والرجاء، فإذا كبّرتَ فاستصغر ما بين السماوات العُلی والثریٰ دون كبريائه، فإنّ الله تعالی إذا اطّلع علی قلب العبد وهو يكبِّر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره، فقال : يا كذّاب أتخدعني وعزّتي وجلالي لأحرمنّك حلاوة ذكري ولأحجبنّك عن قربي والمسرّة بمناجاتي واعلم أنّه تعالی غير محتاج إلی خدمتك وهو غني عنك وعن عبادتك ودعائك، وإنّما دعاك بفضله ليرحمك ويبعّدك عن عقوبته وينشر عليك من بركات حنانيّته ويهديك إلی سبيل رضاه ويفتح عليك باب مغفرته، فلو خلق الله عزّوجلّ علی ضعف ما خلق من العوالم أضعافاً مضاعفة علی سرمد الأبد لكان عند الله سواء أكفروا به بأجمعهم أو
الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء بأصحابه صلاةً باهیٰ الله بها ملائكته المقرّبين(١) ، وقبل بشرافتها صلاة الأنبياء والمرسلين لانقطاعه عن التعلّق بما سوی الحقّ وبذله جميع ما كان له في سبيل الحقّ قائلاً بلسان الحال بل القال :
تركتُ الناس طرّاً في هواكا |
وأيتمتُ العيال لكي تراكا |
|
ولو قطّعتني إرباً فإرباً |
لما حنّ الفؤاد إلی سواكا(٢) |
ويحتمل أن يُراد بإقامة الصلاة هو الإقرار بولاية أمير المؤمنين عليهالسلام ، كما أنّ المراد بإيتاء الزكاة يُحتمل أن يكون هو الإقرار بولاية سائر الأئمّة عليهالسلام ، ويؤيّد ذلك ما في حديث النورانية من قوله عليهالسلام : يا سلمان ويا جندب : «إنّ معرفتي بالنورانيّة معرفة الله، ومعرفة الله معرفتي، وهو الدِّين الخالص يقول الله : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا ) بالتوحيد، وهو الإخلاص وقوله : ( حُنَفَاءَ ) وهو الإقرار بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ، وهو الدِّين الحنيف قوله : ( وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ) وهي ولايتي، فمَن والاني فقد أقام الصلاة، وهو صعبٌ مستصعب ( وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ) (٣) وهو الإقرار بالأئمّة، ( ذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) )(٤)
وحّدوه فليس له من عبادة الخلق إلّا إظهار الكرام والقدرة، فاجعل الحياء رداءً والعجز إزاراً وادخل تحت سرير سلطان الله تعالی تغتنم فوائد ربوبيّته مستعيناً به مستغيثاً إليه)
١ ـ راجع مقتل الحسين للسيّد المقرم ص ٢٤٥، ط قم الشريف الرضي
٢ ـ أسرار الشهادة ص ٤٢٣
٣ ـ البيّنة : ٥
٤ ـ أخرجها الحافظ رجب البرسي في مشارق أنوار اليقين ص ٣٠٣ ط : قم الشريف الرضي ١٤٢٢ هـ، ورواها سلمان وأبو ذر عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال: (ياسلمان لا
يكمل المؤمن إيمانه حتّی يعرفني بالنورانيّة، وإذا عرفني بذلك فهو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان، وشرح صدره للإسلام، وصار عارفاً بدينه مستبصراً، ومَن قصّر عن ذاك فهو شاكٌّ مرتاب
يا سلمان ويا جندب، إنّ معرفتي بالنورانيّة معرفة الله تعالی، ومعرفة الله تعالی معرفتي، وهو الدِّين الخالص، بقول الله سبحانه : ( وَمَا أُمِرُوا ) إلّا بالتوحيد، وهو الإخلاص، وقوله : ( حُنَفَاءَ ) وهو الإقرار بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله وهو الدِّين الحنيف، وقوله تعالیٰ : ( وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ) وهي ولايتي، فمن والاني فقد أقام الصلاة، وهو صعبٌ مستصعب، ( وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ) وهو الإقرار بالأئمّة، ( وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) ، شهد القرآن أنّ الدِّين القيّم الإخلاص بالتوحيد، والإقرار بالنبوّة والولاية، فمَن جاء بهذا فقد أتی بالدِّين
يا سلمان ويا جندب، المؤمن الممتحن الذي لم يرد عليه شيءٍ من أمرنا إلّا شرح الله صدره لقبوله، ولم يشك ولا يرتاب، ومَن قال: لِمَ ؟ وكيف ؟ فقد كفر، فسلّموا الله أمره، فنحن أمرُ الله
يا سلمان ويا جندب، إنّ الله جعلني أمينه علی خلقه، وخليفته في أرضه وبلاده وعباده، وأعطاني ما لم يصفه الواصفون، ولا يعرفه العارفون، فإذا عرفتموني هكذا فأنتم مؤمنون
يا سلمان، قال الله تعالی : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) فالصبر محمّد، والصلاة ولايتي، ولذلك قال: ( وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ ) ، ولم يقل : ( وإنّهما ) ثمّ قال: ( إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) فاستثنیٰ أهل ولايتي الذين استبصروا بنور هدايتي
يا سلمان، نحن سرّ الله الذي لا يخفیٰ، ونوره الذي لا يطفیٰ، ونعمته التي لا تجزیٰ، أوّلنا محمّد، وأوسطنا محمّد، وآخرنا محمّد، فمَن عرفنا فقد أكمل الدِّين
القيّم
يا سلمان ويا جندب : كنتُ ومحمّد نوراً نسبِّح قبل المسبّحات، ونشرق قبل المخلوقات، فقسم ذلك النور نصفين : نبيّ مصطفیٰ، ووصيٌّ مرتضیٰ، فقال الله عزّوجلّ لذلك النصف : كُن محمّداً، وللآخر : كُن عليّاً، ولذلك قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : أنا من عليّ وعليّ منّي، ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ
وإليه الإشارة بقوله : ( أَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) ، وهو إشارة إلی اتّحادهما في عالم الأرواح والأنوار
ومثله قوله : ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ) والمراد منها مات النبي أو قُتل الوصي، لأنّهما شيء واحد، ومعنیٰ واحد، ونور واحد، اتّحدا بالمعنی والصفة، وافترقا بالجسد والتسمية، فهما شيء واحد في عالم الأرواح (أنت روحي التي بين جنبيّ) وكذا في عالم الأجساد، أنت منّي وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت منّي بمنزلة الروح من الجسد، وإليه الإشارة بقوله : ( صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ومعناه : صلّوا علی محمّد، وسلّموا إلی عليّ أمره، فجمعهما في حدٍّ واحد جوهري، وفرّق بينهما بالتسمية والصفات في الأمر، فقال : ( صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) فقال : صلّوا علی النبيّ، وسلِّموا علی الوصيّ، ولا تنفعكم صلاتكم علی النبيّ بالرسالة إلّا بتسليمكم علیٰ عليّ بالولاية
يا سلمان ويا جندب، وكان محمّد الناطق، وأنا الصامت، ولابدّ في كلّ زمان من صامت وناطق، فمحمّد صاحب الجمع، وأنا صاحب الحشر، ومحمّد المنذر، وأنا الهادي، ومحمّد صاحب الجنّة، وأنا صاحب الرجعة، محمّد صاحب الحوض، وأنا صاحب اللواء، محمّد صاحب المفاتيح، وأنا صاحب الجنّة والنار، محمّد صاحب الوحي، وأنا صاحب الإلهام، محمّد صاحب الدلالات، وأنا صاحب
المعجزات، محمّد خاتم النبيّين، وأنا خاتم الوصيّين، محمّد صاحب الدعوة، وأنا صاحب السيف والسطوة، محمّد النبيّ الكريم، وأنا الصراط المستقيم، محمّد الرؤوف الرحيم، وأنا العليّ العظيم
يا سلمان قال الله سبحانه : ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) ولا يعطي هذا الروح إلّا مَن فوّض إليه الأمر والقدر، وأنا أُحيي الموتی، وأعلم ما في السماوات والأرض، وأنا الكتاب المبين
يا سلمان : محمّد مقيم حجّة الحقّ، وأنا حجّة الحقّ علی الخلق، وبذلك الروح عرج به إلی السماء، أنا حملتُ نوحاً في السفينة، أنا صاحب يونس في بطن الحوت، وأنا الذي جاوزتُ موسیٰ في البحر، وأهلكت القرون الأولیٰ، أعطيتُ علم الأنبياء والأوصياء وفصل الخطاب، ووليتُ نبوّة محمّد، أنا أجريتُ الأنهار والبحار وفجّرت الأرض عيوناً، أنا كاب الدُّنيا لوجهها، أنا عذاب يوم الظلّة، أنا الخضر معلِّم موسیٰ، أنا معلِّم داود وسليمان، أنا ذو القرنين، أنا الذي رفعتُ سمكها بإذنه ـ عزّوجلّ ـ أنا دحوت أرضها، أنا المنادي من مكانٍ بعيد، أنا دابّة الأرض، أنا كما قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنت يا عليّ ذو قرنيها، وكلا طرفيها، ولك الآخرة والأُولی
يا سلمان : إنّ ميّتنا إذا مات لم يمت، ومقتولنا لم يُقتل، وغائبنا إذا غاب لم يغب، ولا نلد ولا نولد في البطون، ولا يُقاس بنا أحدٌ من الناس، أنا تكلّمتُ علی لسان عيسیٰ في المهد، أنا نوح، أنا إبراهيم، أنا صاحب الناقة، أنا صاحب الراجفة، أنا صاحب الزلزلة، أنا اللوح المحفوظ، إليّ انتهی علم ما فيه، أنا أنقلب في الصور كيف شاء الله، مَن رآهم فقد رآني، ومَن رآني فقد رآهم، ونحن في الحقيقة نور الله الذي لا يزول ولا يتغيّر
والأولی حمل الفقرة علی الظاهر والباطن معاً فقد ورد عن جوده وكرمه وإعانته للفقراء، ورعايته للضعفاء ومواساته مع المساكين سرّاً وعلانيةً ما هو أبين من الشمس، وأشهر من أنْ يُذكر، فقد حكیٰ في مناقب الجوزي : أنّه قال عمر بن سعد : من يُوطئ الخيل صدره ؟ فأوطئوا الخيل صدره وظهره، ووجدوا في ظهره آثاراً سوداً، فسألوا عنها فقيل : كان ينقل الطعام علی ظهره في الليل إلی مساكين(١) أهل المدينة(٢)
يا سلمان : بنا شرّف كلّ مبعوث، فلا تدعونا أرباباً، وقولوا فينا ماشئتم، ففينا هلك مَن هلك، وبنا نجیٰ مَن نجیٰ
يا سلمان، مَن آمن بما قلتُ وشرحتُ فهو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ورضي عنه ومَن شكّ وارتاب فهو ناصب، وإن ادّعی ولايتي فهو كاذب
يا سلمان : أنا والهداة من أهل بيتي سرّ الله المكنون، وأولياؤه المقرّبون، كلنّا واحد، وأمرنا واحد وسرّنا واحد، فلا تفرّقوا فينا فتهلكوا، فإنّا نظهر في كلّ زمان بما شاء الرحمن، فالويل كلّ الويل كلّ الويل لمن أنكرنا
قلت : ولا ينكره إلّا أهل الغباوة، ومن خُتِم علی قلبه وسمعه وجعل علی بصره غشاوة، يا سلمان، أنا أبو كلّ مؤمن ومؤمنة
يا سلمان، أنا الطامّة الكبری، أنا الأزفة إذا أزفت، أنا الحاقّة، أنا القارعة، أنا الغاشية، أنا الصاخة، أنا المحنة النازلة، ونحن الآيات والدلالات والحجب ووجه الله، أنا كُتب اسمي علی العرش فاستقرّ، وعلی السماوات فقامت، وعلی الأرض فرست، وعلی الريح فدرأت، وعلی البرق فلمع، وعلی الوادي فهمع، وعلی النور فسطع، وعلی السحاب فدمع، وعلی الرعد فخشع، وعلی الليل فدجیٰ وأظلم، وعلی النهار فأنار وتبسّم)
١ ـ في المصدر (مساكن) بدل (مساكين)
٢ ـ تذكرة الخواص للعلّامة السبط ابن الجوزي (ت ٦٥٤ هـ)، ط قم، الشريف الرضي
وفي كتاب مطالب السؤول أنّه عليهالسلام كان يُكرم الضيف ويمنح الطالب ويصِل الرحم، وينيل الفقير، ويسعف السائل، ويكسو العاري، ويشبع الجائع، ويُعطي الغارم، ويشدّ الضعيف، ويشفق علی اليتيم، ويعين ذا الحاجة، وقلَّ أنْ وصله مالٌ إلّا فرّقه(١) ونقل : أنّ معاوية لـمّا قدم مكّة وصله بمالٍ كثير، وثيابٍ وافرة، وكسوة وافية فردَّ الجميع عليه ولم يقبله منه، وهذه سجيّة الجواد، وشنشنة الكريم، وسمة ذي السماحة، وصفة مَن قد حوی مكارم الأخلاق، فأفعاله المتلوة شاهدة له بصفة الكرم ناطقة بأنّه متّصف بمحاسن الشيم، وقد كان في العبادة مقتدياً بمَن تقدّم حتّی نقل عنه عليهالسلام : أنّه حجّ خمساً وعشرين حجّة إلی الحرم وجنائبه تُقاد معه وهو ماشٍ علی القدم(٢)
والأمر بالمعروف : هو الحمل علی الطاعة قولاً أو فعلاً(٣) ، والنهي عن المنكر : هو المنع عن المعاصي كذلك(٤) ، والمعروف : هو الفعل الحسن المشتمل علی وصف زائد علی حسنه سُمّيَ به لأنّ العقل يعرفه ويحسنه(٥) ، والمنكر : هو الفعل القبيح الذي عرف فاعله قبحه، سمّي به لأنّ العقل ينكره وينكر علی فاعله، ولا إشكال في وجوبها شرعاً لورود الآيات والأخبار الكثيرة
________________________
١ ـ مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي المتوفیٰ ٦٥٢ هـ ح ٢، ص ٦٣، الفصل السابع في كرمه ط : أُمّ القریٰ
٢ ـ إلی هنا انتهی كلام ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول ج ٢، ص ٦٣، وراجع ترجمة الإمام الحسين عليهالسلام من تاريخ دمشق لابن عساكر ص ١٩٤ ـ ١٩٧
٣ ـ هذا التعريف ذكره الشهيد الثاني في الروضة البهية علی شرح اللمعة الدمشقية ج ١، ص ٣٤٢
٤ ـ نفس المصدر
٥ ـ راجع شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي قدسسره ج ١، ص ٣١٠ ط قم إسماعيليان
به(١) وإنْ اختلف في الكفائية والعينيّة(٢) ، وكذا في الوجوب العقلي، فذهب جماعة إليه نظراً إلی أنّ ذلك لطف وهو واجب(٣) وتفاصيل تلك المباحث تُطلب من الفقه كشرائط الوجوب(٤)
ويحتمل أن يُراد بالأمر بالمعروف دعوة الناس إلی محبّة أمير المؤمنين عليهالسلام
________________________
١ ـ من الآيات الدالّة عليه قوله تعالی : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ )
ومن الأخبار قوله صلىاللهعليهوآله : (لتأمُرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطنّ الله شراركم علی خياركم فيدعوا خياركم فلا يُستجاب لهم)
وقوله صلىاللهعليهوآله : (إذا أُمّتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله)
وللتفصيل راجع وسائل الشيعة للحرّ العاملي ج ١١، ص ٣٩٤، ح ٥، من أبواب الأمر والنهي، ط : بيروت دار إحياء التراث العربي
٢ ـ ذهب شيخ الطائفة الطوسي قدسسره إلی الوجوب العيني، أي لا يسقط عن الآخرين بقيام جماعة به
وذهب السيّد المرتضی رحمهالله والشهيد الأوّل في اللمعة إلی الوجوب الكفائي، أي يسقط عن الآخرين بقيام جماعةٍ له
٣ ـ إنّ الشيخ الطوسي قدسسره ذهب إلی وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عقلي واحتجّ واستدلّ بأنّهما لطفان في فعل الواجب وترك القبيح، فيجبان عقلاً
وأمّا السيّد المرتضی فقال : إنّ وجوبهما سمعي أي نقلي، ووافقه العلّامة الحلّي قدسسره ، وللتفصيل راجع الباب الحادي عشر للعلّامة الحلّي ص ١١٤ ط : قم
٤ ـ راجع شرائع الإسلام للمحقّق الحلي، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ج ١ في باب الأمر بالمعروف، وباقي الكتب الفقهية
وطريقته، ومنهاجه، وبالنهي عن المنكر منعهم عن الضلالات التي دعا إليها خلفاء الجور من أبي بكر وعمر وأحزابهما، وربما يُفسّر قوله تعالی : ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) (١) بأنّ عليّاً عليهالسلام ينهیٰ عن طريقة أبي بكر
________________________
١ ـ العنكبوت : ٤٥، ويؤيّد هذا التفسير أو التأويل جملة من الآيات التي فسّرت بهذه الطريقة منها :
قوله تعالی في سورة النحل : ( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ )
قال عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره ج ١، ص ٣٩٠ ط بيروت : العدل : شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله صلىاللهعليهوآله والإحسان : أمير المؤمنين، والفحشاء والمنكر والبغي، فلان، وفلان، وفلان)
ويؤيّده ما رواه الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ٢٦٤ ط : إيران، عن الإمام الباقر عليهالسلام في قوله عزّوجلّ : ( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ) قال: العدل شهادة الإخلاص وأنّ محمّداً رسول الله، والإحسان ولاية أمير المؤمنين والإتيان بطاعتهما ـ صلوات الله عليهما ـ، وإيتاء ذي القربیٰ : الحسن والحسين والأئمّة من ولده عليهمالسلام ، وينهی عن الفحشاء والمنكر والبغي وهو مَن ظلمهم وقتلهم ومنع حقوقهم، وموالاة أعدائهم فهي المنكر الشنيع والأمر الفضيع
ويؤيّده ما رواه الشيخ الكليني في الكافي ج ١، ص ٣٧٤، عن محمّد بن منصور قال: سألتُ العبد الصالح ـ الإمام الكاظم عليهالسلام ـ عن قول الله عزّوجلّ : ( إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) فقال : إنّ القرآن له بطن وظهر، فجميع ما حرّم الله في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمّة الجور، وجميع ما أحلَّ الله في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمّة الحقّ
وعمر، ويؤيّده مطابقة عدد المنكر مع عمر، والإطاعة هو الامتثال بالائتمار بالأوامر والانتهاء عن النواهي
واليقين هنا الموت كما في قوله تعالی : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (١) أقيم السبب مقام المسبّب فإنّ بالموت يزول الشكّ ويحصل العلم بما أخبر به النبيّ صلىاللهعليهوآله من أحوال النشأة الأخریٰ وهذا بالنسبة إلی عامّة الناس، وأمّا الخصيصون من العباد فهم علی يقين وعلم في جميع أحوالهم فكأنّهم يعاينون الجنّة والنار والصراط والميزان وسائر ما أخبر به الصادق الأمين، ومن
ويؤيّده ما رواه الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ٢٢، عن داود بن كثير عن الإمام الصادق عليهالسلام : (يا داود : إنّ الله خلقنا فأكرم خلقنا، وفضّلنا وجعلنا أُمناءه وحفظته وخزّانه علی ما في السماوات وما في الأرض، وجعل لنا أضداداً وأعداءً، فسمّانا في كتابه وكنّیٰ عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبّها إليه تكنيةً عن العدو، وسمّی أضدادنا وأعداءنا في كتابه وكنّی عن أسمائهم، وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأسماء إليه وإلی عباده المتّقين)
ويؤيّد هذا ما رواه في نفس المصدر عن الفضل بن شاذان بإسناده عن الصادق عليهالسلام : إنّه قال: (نحن أصل كلّ خير، ومن فروعنا كلُّ برٍّ، ومن البرّ التوحيد، والصلاة، والصيام، وكظم الغيظ، والعفو عن المسيء، ورحمة الفقير، وتعاهد الجار، والإقرار بالفضل لأهله، وعدوّنا أصل كلّ شرٍّ، ومن فروعهم كلُّ قبيح وفاحشة، فمنهم الكذب، والنميمة، والبخل، والقطيعة، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم بغير حقّه، وتعدّي الحدود التي أمر الله عزّوجلّ، وركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الزنا والسرقة، وكلُّ ما وافق ذلك من القبيح، وكذب مَن قال إنّه معنا وهو متعلِّق بفرع غيرنا)
١ ـ الحجر : ٩٩
هنا قال [الإمام] عليّ عليهالسلام : (لو كُشِفَ لي الغطاء لما ازددتُ يقيناً)(١)
وحمل الصوفية هذه الآية علی ظاهرها فزعموا أنّ لا تكليف علی أولياء الله فإنّهم بلغوا معارج اليقين وفساد زعمهم ظاهر مستبين
________________________
١ ـ راجع مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الاخبار للسيّد الجليل عبدالله شبّر المتوفیٰ ١٢٤٢ هـ، ج ١، ص ٣٠، الحديث الرابع، ط مؤسسة النور بيروت وذكر قدسسره تسعة احتمالات لهذا الحديث الشريف فراجع
فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً ظَلَمَتْكَ
هذا تفريعٌ علی جميع ما تقدّم، وفيه إشارة إلی أنّ الجامع لهذه الشرافات والكمالات الداخلية والخارجية يستحقّ التعظيم والإطاعة، لا القتل والإهانة، فالقاتل والظالم له مستحقّ للعن من الله، وهو الطرد من رحمته والإبعاد عنها(١) ، والأُمّة : الجماعة وفي تأنيث الضمير الراجع إليها والعدول عن التعبير بفعل العقلاء لطيفة لا تخفیٰ علی الأذكياء، فأجراهم مجری السباع من الكلاب العادية، والذئاب الضارية التي لا تُفرّق في أذاها بين العالم والجاهل، والصالح والطالح، والبرّ والفاجر والمؤمن والكافر، بل هم أضلّ وأقسیٰ منها حيث لا تجترئ علی الأنبياء وذريّاتهم لما حرّم الله عليها لحومهم(٢) وهؤلاء قد هتكوا
________________________
١ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ج ٢، ص ٥٥٤، دار الهجرة
٢ ـ روی السيّد هاشم البحراني قدسسره في حلية الأبرار ج ٢، ص ٤٦٨، ط : الأعلمي بيروت : عن الراوندي في الخرائج عن أبي هاشم الجعفري قال: ظهرت في أيّام المتوكّل امرأة تدّعي أنّها زينب بنت فاطمة عليهاالسلام بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال لها المتوكّل : أنت امرأة شابّة وقد مضیٰ من وقت رسول الله صلىاللهعليهوآله ما مضیٰ من السنين ؟ فقالت : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله مسحَ علی رأسي وسأل الله عزّوجلّ أن يردّ عليَّ شبابي في كلّ أربعين سنة ولم أظهر للناس إلی هذه الغاية فلحقني الحاجب فصرتُ إليهم
فدعا المتوكّل مشايخ آل أبي طالب وولد أبي العبّاس وقريش فعرّفهم حالها فروی جماعة وفاة زينب بنت فاطمة عليهاالسلام في سنة كذا فقال لها : ما تقولين في هذه الرواية ؟ فقالت : كذب وزور فإنّ أمري كان مستوراً عن الناس فلم يعرف لي موت ولا حياة
فقال لهم المتوكّل : هل عندكم حجّة علی هذه المرأة غير هذه الرواية ؟ فقالوا : لا، فقال : هو بريء من العبّاس أن لا أتركها عمّا ادّعت إلّا بحجّة
قالوا : فأحضر عليّ بن محمّد ـ الهادي ـ عليهالسلام فلعلّ عنده شيئاً من الحجّة غير ما عندنا فبعث إليه فحضر فأخبره بخبر المرأة فقال : كذبت فإنّ زينب عليهاالسلام توفّيت في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا، قال: فإنّ هؤلاء قد رووا مثل هذه وقد حلفتُ أن لا أتركها عمّا ادّعت إلّا بحجّة تلزمها
قال : فهاهنا حجّة تلزمها وتلزم غيرها، قال: وما هي ؟ قال عليهالسلام : لحوم ولد فاطمة محرّمة علی السباع فأنزلها إلی السباع فإنْ كانت من ولد فاطمة فلا تضرّها فقال لها : ما تقولين ؟ قالت : إنّه يريد قتلي قال: فهاهنا جماعة من ولد الحسن والحسين عليهماالسلام فانزل مَن شئتَ منهم
قال : فوالله لقد تغيّرت وجوه الجميع فقال بعض المبغضين : هو يُحيل علی غيره ولِمَ لا يكون هو ؟
فمال المتوكّل إلی ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع فقال : يا أبا الحسن لِمَ لا تكون أنت ذلك ؟
قال عليهالسلام : ذلك إليك قال: فافعل قال: أفعل إنْ شاء الله وأُتيَ بسلّم وفُتِحَ عن السباع كانت ستّة من الأسد فنزل الإمام عليهالسلام ، فلمّا وصل وجلس صارت الأسود إليه ورمت بأنفسها بين يديه، ومدّت بأيديها ووضعت رؤوسها بين يده وجعل يمسح علی كلّ واحدٍ منها، بيده ثمّ يُشير بيده إليه بالاعتزال فيعتزل ناحية حتی اعتزلت كلّها ووقفت بإزائه
فقال له الوزير : ما هذا صواباً ؟ فبادر بإخراجه من هناك قبل أن ينتشر خبره فقال له : يا أبا الحسن ما أردنا بك سوءاً وإنّما أردنا نكون علی يقين ممّا قلتَ فأحبُّ أن تصعد
حرمة نبيّهم بقتل بنيه، وسبي ذراريه، وأساؤوا الصنع فيهم بما لم يسبقهم إليه أحدٌ من الملل السابقة مع ما أكّد النبيّ صلىاللهعليهوآله في حقّهم من الوصيّة بودادهم ومحبّتهم، حتّی جعل ذلك أجراً علی تعباته ومحنه في النبوّة كما قال: ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١)
فليت شعري ماذا كانوا يصنعون لو أمرهم ببغض العترة ونصب العداوة لهم أو يمكنهم الزيادة علی ما صنعوا ؟ كلّا ما قدروا علی أزيد ممّا صدر عنهم من الظلم والطغيان ومعصية الرحمان
ولنعم ما قيل :
قد أبدلوا الودَّ في القربیٰ ببغضهم |
||
كأنّما ودّهم في الذكرِ بغضاءُ |
||
وقيل أيضاً :
فقام وصار إلی السلّم وهم حوله تتمسّح بثيابه، فلمّا وضع رجله علی أوّل درجة ينقلب إليها وأشار بيده أن ترجع فرجعت وصعد ثمّ قال: كلّ مَن زعم أنّه من ولد فاطمة عليهاالسلام فليجلس في ذلك المجلس فقال لها المتوكّل : انزلي قالت : الله الله ادّعيتُ الباطل، وأنا بنت فلان حملني الضرُّ علی ما قلتُ
قال المتوكّل : القوها إلی السباع، فبعثت والدته فاستوهبتها منه فأحسن إليها
وللمزيد وللتفصيل راجع الخرائج للراوندي، ومدينة المعاجز للبحراني سوف تجد أمثال هذه الرواية بالعشرات
١ ـ الشوری : ٢٣، حيث أخرج السيوطي في الدرّ المنثور ج ٦، ص ٧، ط : مصر، عن ابن عبّاس قال: لـمّا نزلت هذه الآية ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) قالوا : يارسول الله مَن قرابتُكَ هؤلاء الذين وجبت مودّتهم ؟ قال صلىاللهعليهوآله : عليّ وفاطمة وولداها
هم أهلُ بيت رسول الله جدّهم |
أجر الرسالة عند الله ودّهمُ |
|
هم الأئمّة دان العالمون لهم |
حتّی أقرّ لهم بالفضل ضدّهم |
|
سعت أعاديهم في حطّ قدرهم |
فازداد شأناً ومنه ازداد حقدهم |
|
ونابذوهم علی علمٍ ومعرفةٍ |
منهم بأنّ رسول الله جدّهم |
|
كأنّ قربهم من جدّهم سببٌ |
للبُعد عنهم وإنّ القربَ بعدهمُ |
|
لو أنّهم أُمروا بالبغض ما صنعوا |
فوق الذي صنعوا والجدّ جدّهمُ(١) |
ولاشكّ عندنا في جواز اللعن، بل وجوبه علی قتلة العترة الطاهرة وظلمتهم، وقد دلّ عليه الكتاب والسنّة المتواترة، والإجماع من الإمامية(٢) والعقل المستقيم، والذوق السليم، والعجب ممّن أنكر هذا الحكم مع وضوحه
________________________
١ ـ وقال السيّد محمّد كاظم الكفائي في كتابه الزهراء في مقدّمة الجزء الثاني ص ٢٠٥ ط قم، الأمين، من قصيدة طويلة قال فيها :
تركوا الحقّ الذي أسّسته |
ومشوْا في مسلكٍ لن يُحمدا |
|
بدّلوا الحبَّ الذي أوجبه |
الله للآل عليهم بالعِدا |
|
تبعوا العجلَ الذي حذّرتهم |
منه أنْ يصبحَ فيهم مُقتدیٰ |
|
نبذوا الحقّ ومِن جهلهم |
أنْ يكونَ العبدُ فيهم سيّدا |
٢ ـ أحيل القارئ الكريم إلی كتاب (نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت) للمحقّق الكركي (أعلی الله مقامه الشريف) لأنّه كتابٌ علمي رصين مشبع بالأدلّة الدامغة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة علی جواز بل استحباب لعن الخلفاء الغاصبين للخلافة من أهلها الشرعيين حيث فصّل تفصيلاً يُثلج صدور المؤمنين، ويشفي قلوب الموقنين، ويُزيد حقد المنافقين فراجع لكي تقف علی شرعية لعنهم (لعنهم الله)
وهم شرذمة من مخالفينا فزعموا أنّ المسلم لا يجوز لعنه مطلقاً، وإنّ يزيد وأضرابه من ظالمي آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم كانوا مسلمين، وللغزالي قبل تشيّعه(١) في المقام كلمات واهية يشمّ منها رائحة الكفر يستحي القلم من تحريرها، واللسان
________________________
١ ـ راجع كتابه إحياء علوم الدِّين ج ٣، ص ١٢١، بحيث أفتیٰ فيه بحرمة لعن قاتل الإمام الحسين عليهالسلام سبط الرسول صلىاللهعليهوآله
وأمّا قصّة تشيّع الغزالي فقد ذكرها السيّد محمّد الشيرازي قدسسره في كتابه حقائق من تاريخ العلماء ص ١٣ ط : الكويت، قال: (بعدما قرّر الغزالي مغادرة بغداد لينتقل بين العواصم الإسلامية الأخری، فيشاء القدر أن يلتقي في إحدی رحلاته بالسيّد مرتضی الرازي ـ ليس شقيق السيد الرضي ـ فيطلب منه الغزالي المناظرة في مسألة الإمامة، فلم يمانع السيّد المرتضیٰ، لكنّه اشترط علی الغزالي ألا يقاطعه في الحديث قبل استيفاء كلامه، ووافق أبو حامد الغزالي علی هذا الشرط
ابتدأت المحاورة، وأنصت الغزالي إلی المرتضی، الذي جعل يُقيم الأدلّة والبراهين علی أحقّية أمير المؤمنين عليهالسلام بالخلافة
وبين الحين والآخر كانت محاولات الغزالي للمقاطعة تبوء بالفشل، لأنّ المرتضی لم يكن يعطي له الفرصة لذلك بل كان يستمرّ في سرد أدلّته، حسب الشرط الذي اتّفقا عليه وهكذا تكرّرت الجلسات بين العَلَمين، إلی أن أسفرت في النهاية عن انضمام الغزالي إلی مدرسة أهل البيت عليهمالسلام اعترض التلاميذ علی أستاذهم وتعجّبوا منه كيف استطاع المرتضی أن يدخله معه في مذهبه في تلك الفترة القصيرة
غير أنّ استاذهم أجابهم في تواضع وهدوء : لقد كان المرتضیٰ ثاقب البرهان، حاضر الدليل، حسن الاستدلال، أظهر ما عنده فأتمّ، وما كان لي إلّا الإذعان والاعتراف
وبعد تلك الواقعة ألّف الغزالي كتابه (سرُّ العالمين) ليعلن فيه أحقّية مذهب أهل البيت عليهمالسلام )
من تقريرها، فالإعراض عن ذكرها أولیٰ
وحكی ابن الجوزي عن جدّه عن القاضي أبي يعلي بإسناده إلی صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلتُ لأبي : إنّ قوماً ينسبوننا إلی توالي يزيد ؟ فقال : يابني وهل يتوالیٰ يزيد أحدٌ يؤمن بالله ؟
فقلتُ : فلِمَ لا تلعنه ؟ فقال : وما رأيتني لعنتُ شيئاً، يا بُني لِمَ تلعن مَن لعنه الله في كتابه ؟ فقلتُ : وأين لعن الله يزيد في كتابه ؟
فقال : في قوله تعالی : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ) (١) (٢)
وحكی أيضاً عن أبي يعلی أنّ الممتنع من جواز لعن يزيد أمّا أن يكون غير عالم بذلك، أو منافقاً يريد أن يوهم بذلك، وربما استفزّ الجهّال بقوله صلىاللهعليهوآله : (المؤمن لا يكون لعّاناً) وهذا محمول علی مَن لا يستحقّ اللعن(٣)
________________________
١ ـ محمّد صلىاللهعليهوآله : ٢٢ ـ ٢٣
٢ ـ ذكر السبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص ٢٥٧، ط قم الشريف الرضي
٣ ـ نفس المصدر ص ٢٥٨ وللتفصيل راجع نفس المصدر فصل (يزيد بن معاوية) وأيضاً ذهب بعض العلماء العامّة (السنّة) إلی لعنه وتوبيخه منهم :
العلّامة الآلوسي في تفسيره روح المعاني ج ٢٦ ص ٧٣ في تفسير آية ٢٢ من سورة محمّد : قال: «مَن يقول إنّ يزيد لم يعصِ بذلك ولا يجوز لعنه فيبتغي أنْ ينتظم في سلسلة أنصار يزيد وأنا أقول إنّ الخبيث لم يكن مصدّقاً بالرسالة للنبيّ صلىاللهعليهوآله وأنّ ما فعله مع أهل حرم الله وأهل حرم نبيّه صلىاللهعليهوآله وعترته الطيّبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات وما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة علی عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر ولا أظنّ أنّ أمره كان خافياً علی أجلّة
وروي أنّه قال رجلٌ للصادق عليهالسلام : يابن رسول الله انّي عاجز ببدني عن نصرتكم، ولستُ أملك إلّا البراءة من أعدائكم، واللعن عليهم فكيف حالي ؟
فقال له عليهالسلام : حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن رسول الله قال: مَن ضعف عن نصرتنا أهل البيت، ولعن في خلواته أعداءنا بلّغ الله صوته جميع الأملاك
المسلمين ولكن كانوا مغلوبين مقهورين، ولو سُلّم أنّ الخبيث كان مسلماً، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان، وأنا أذهب إلی جواز لعن مثله علی التعين، ولو لم يتصوّر أن يكون له مثل من الفاسقين، والظاهر أنّه لم يتب واحتمال توبته أضعف من إيمانه»
وقال الجاحظ في رسائله ص ٢٩٨ الرسالة الحادية عشرة في بني أمية : «المنكرات التي اقترفها يزيد من قتل الحسين وحمله بنات رسول الله صلىاللهعليهوآله سبايا وقرعه ثنايا الحسين بالعود وإخافته أهل المدينة وهدم الكعبة تدلّ علی القسوة والغلظة والنصب وسوء الرأي والحقد والبغضاء والنفاق والخروج عن الإيمان، فالفاسق ملعون ومَن نهیٰ عن شتم الملعون فملعون»
وقال ابن خلدون في مقدّمته ص ٢٥٤ عند ذكر ولاية العهد : «الإجماع علی فسق يزيد ومعه لا يكون صالحاً للإمامة، ومن أجله كان الحسين عليهالسلام يری من المتعيّن الخروج عليه وقعود الصحابة والتابعين عن نصرة الحسين لا لعدم تصويب فعله بل لأنّهم يرون عدم جواز إراقة الدماء فلا يجوز نصرة يزيد بقتال الحسين بل قتله من فعلات يزيد المؤكّدة لفسقه والحسين فيها شهيد»
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : «كان يزيد بن معاوية ناصبيّاً فظّاً غليظاً جلفاً يتناول المسكر ويفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين وختمها بوقعة الحرّة فمقته الناس ولم يبارك في عمره»
وهناك الكثير من الأعلام صرّحوا ونوّهوا بلعن يزيد بن معاوية ونكتفي بهذا القدر الممكن ومن أراد الاطّلاع فليراجع كتب التاريخ
من الثری إلی العرش، فكلّما لعن هذا الرجل أعداءنا لعناً ساعدوه فلعنوا مَن يلعنه، ثمّ ثنوه فقالوا : أللّهم صلِّ علی عبدك هذا الذي قد بذل ما في وسعه، ولو قدر علی أكثر منه لفعل، فإذا النداء من قبل الله قد أجبتُ دعاءكم، وسمعتُ نداءكم وصلّيتُ علی روحه في الأرواح وجعلته عندي من المصطفين الأخيار(١)
ثمّ هذا اللعن لا يختصّ بمَن صدر عنه القتل والظلم فعلاً بل يجري في كلّ مَن هيّأ أسباب ذلك وأسّس أساس الظلم والجور من أوّل الأمر، وهم الغاصبون لحقّ عليّ عليهالسلام في يوم السقيفة(٢)
ولذا ورد أنّه المقتول يوم الاثنين، وبيانه : أنّهم طرحوا في أراضي قلوب الجاهلين بذور الكفر والنفاق، وأثبتوا فيها عروق أشجار الضلالة والشقاق، فأثمرت المعاداة لأهل بين النبوّة والإعراض عن منهجهم وطريقتهم السنية، فصنعوا ماصنعوا فظلموا حقّ العترة ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٣)
________________________
١ ـ راجع تفسير الإمام العسكري عليهالسلام ص ٤٧، رقم ٢١، والبحار ج ٢٧، ص ٢٢٣، ح ١١، ومستدرك الوسائل ج ٤، ص ٤١٠، رقم ٣
٢ ـ ولذا قال الشاعر القاضي بن قريعة في أبياته :
لولا حدود صوارم |
أمضیٰ مضاربها الخليفة |
|
لنَشرتُ من أسرار آل |
محمّد جملاً ظريفة |
|
وأريتكم أنّ الحسين |
أُصيب في يوم السقيفة |
وللمزيد راجع كتاب عين العبرة في غبن العترة للسيّد أحمد بن طاووس سوف تقف علی مخازي اللصوص الثلاثة
٣ ـ الشعراء : ٢٢٧، وقال علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره ج ٢، ص ١٠١ : (وسيعلم الذين ظلموا ـ آل محمّد حقّهم ـ أي منقلبٍ ينقلبون)
(فلعن الله أُمّةً أسّست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت، ولعن الله أُمّةً دفعتكم عن مقامكم، وأزالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم الله فيها، ولعن الله أُمّةً قتلتكم، ولعن الله الممهِّدين لهم بالتمكين)(١)
وفي الكلام تصريح بما صار من الضروريات من كونه عليهالسلام مقتولاً فلا يلتفت إلی ما زعمه بعض الملاحدة من أنّه لم يُقتل ولكنّه شبّه به كما شُبّه بعيسیٰ عليهالسلام ، وفي العيون أنّ جميع الأئمّة الأحد عشر بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله قُتلوا منهم بالسيف، وهو أمير المؤمنين والحسين عليهماالسلام والباقون قُتلوا بالسمّ قتل كلّ واحد منهم طاغية زمانه وجریٰ ذلك عليهم علیٰ الحقيقة والصحّة لا كما تقوله الغُلاة والمفوّضة ـ لعنهم الله ـ فإنّهم يقولون إنّهم لم يُقتلوا علی الحقيقة وأنّه شبّه علی الناس أمرهم، فكذبوا ـ عليهم غضب الله ـ فإنّه ما شبّه أمر أحد من أنبياء الله وحججه للناس إلّا أمر عيسیٰ بن مريم وحده، لأنّه رُفع من الأرض حيّاً وقبض روحه بين السماء والأرض ثمّ رفع إلی السماء وردّ عليه روحه(٢) وقريب منه ما في الاحتجاج(٣)
________________________
١ ـ هذا مقطع من زيارة عاشوراء الشريفة
٢ ـ عيون أخبار الرضا عليهالسلام ج ١ ص ٢١٣
٣ ـ راجع الاحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ٤٣٧، ط بيروت
وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً سَمِعَتْ بِذٰلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ
والمشار إليه بذا هو القتل والظلم، و (الكاف) حرف الخطاب يُبيّن به حال المخاطب من الإفراد، والتثنية، والجمع، والتأنيث والتذكير، ولذا يختلف اسم الإشارة مع هذا الحرف، فيقال : ذالكم، وذالكما، وإنّما استحقّ الراضي اللعن مع عدم صدور الظلم منه، لأنّ رضاه كاشف عن سوء سريرته، وشقاوة باطنه بالنسبة إلی أهل البيت، فيكون عدوّاً لهم بحيث لو قدر علی الظلم لكان ظالماً لهم فلا يكون مسلماً كيف ؟
وشرط الإسلام محبّة الأئمّة الأعلام كما دلّ كثير من الأخبار(١) ، وشهد به سليم الذوق والاعتبار، وهذا السرّ في قتل القائم عليهالسلام من ذراري الأعداء ما لا يُحصیٰ لكونهم راضين بما فعل آباؤهم(٢)
________________________
١ ـ راجع كتاب بشارة المصطفی لشيعة المرتضی، للطبري
٢ ـ روی الشيخ الصدوق في علل الشرائع ج ١، ص ٢٦٨، باب ١٦٤، ط الأعلمي بيروت، عن عبدالسلام بن صالح الهروي قال: قلتُ لأبي الحسن الرضا عليهالسلام : يابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال: إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليهالسلام بفعال آبائها فقال عليهالسلام : هو كذلك فقلتُ : فقول الله عزّوجلّ : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) ما معناه ؟ فقال : صدق الله في جميع أقواله لكن ذراري قتلة الحسين يرضون أفعال آبائهم، ويفتخرون بها ومَن رضي شيئاً كان كمَن أتاه، ولو أنّ رجلاً قتل في المشرق فرضي بقتله رجلٌ في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل، وإنّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم،
وفي تفسير الإمام عند قوله تعالی : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا ) (١) إنّه سئل عليّ بن الحسين عليهالسلام كيف يُعاقب الله ويوبخ هؤلاء الاخلاف علی قبائح ما أتاه أسلافهم وهو يقول: ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) (٢) ؟
فقال عليهالسلام : إنّ القرآن نزل بلغة العرب فهو يخاطب فيه أهل هذا اللسان بلغتهم، يقول الرجل التميمي قد أغار قومهم علی بلد وقتلوا مَن فيه : أغرتم علی بلد كذا وقتلتم كذا، ويقول العربي أيضاً : نحن قتلنا بني فلان، ونحن سبينا آل فلان، ونحن خرّبنا بلد كذا، لا يُريد أنّهم باشروا ذلك، ولكن يريد هؤلاء بالعذل، وأولئك بالامتحان أنّ قومهم فعلوا ذلك فيقول الله في هذه الآيات، إنّما هو توبيخ لأسلافهم، وتوبيخ العذل علی هؤلاء المرجوفين، لأنّ ذلك هو اللغة التي نزل القرآن، فالآن هؤلاء الأخلاف أيضاً راضون بما فعل أسلافهم مصوّبون ذلك لهم فجاز أنْ يُقال : أنتم فعلتم أي إذا رضيتم قبيح فعلهم(٣)
وهذا صريح في أنّ الراضي بفعل الظالم ظالم مثله، فكم من داخل مع قومٍ وهو خارج منهم كالمؤمن من آل فرعون، وكم من خارج من قوم وهو معهم لرضاه بفعلهم، كابن عمر وأضرابه، وحكايته مع يزيد معروفة ككلامه بعد أنْ رأی العهد الذي كتبه أبوه إلی أبيه(٤) ، وفي بعض الأخبار مَن رضي بفعلٍ فقد
قال : فقلت له : بأيّ شيء يبدأ القائم فيهم إذا قام ؟ قال: يبدأ ببني شيبة ويقطع أيديهم لأنّهم سرّاق بيت الله عزّوجلّ
١ ـ البقرة : ٦٥
٢ ـ الأنعام : ١٦٤
٣ ـ راجع تفسير الإمام العسكري، ج ١ ص ٢٧٢
٤ ـ راجع البحار ج ٣٠، ص ٢٨٨، رقم ١٥١، وعوالم سيّدة النساء فاطمة عليهاالسلام ص ٥٩٩
لزمه وإن لم يفعل
وروی البلاذري قال: لـمّا قتل الحسين كتب عبدالله بن عمر إلی يزيد بن معاوية : أمّا بعد ؛ فقد عظمت الرزية وجلّت المصيبة، وحدث في الإسلام حدثٌ عظيم، ولا يوم كيوم قتل الحسين
فكتب إليه يزيد : أمّا بعد يا أحمق، فإنّا جئنا إلی بيوتٍ مجدّدة، وفرشٍ ممهّدة، ووسادة منضّدة، فقاتلنا عنها فإن يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا، وإن كان الحقّ لغيرنا، فأبوك أوّل مَن سنَّ هذا، واستأثر بالحقّ علی أهله
يَا مَوْلَايَ يَا أَبَا عَبْدِاللهِ
يُحتمل أنْ يكون من تمام ما تقدّم، وأن يكون استئنافاً لما يأتي، والمراد بـ (المولی) هو المراد به في قوله : (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه)(١) ، لأنّ ما ثبت له عليهالسلام من الفضائل والخواصّ فهو ثابت لسائر الأئمّة المعصومين(٢) عليهمالسلام إلّا ما استثنی(٣) ، فالمراد به هو أولیٰ بالمؤمنين من أنفسهم كما كان النبيّ صلىاللهعليهوآله كذلك بنصّ القرآن(٤) ، فإنّ ما ثبت للنبيّ صلىاللهعليهوآله فهو ثابت للوصي أيضاً إلّا ما استثنیٰ(٥) ،
________________________
١ ـ راجع إعلام الوری للطبرسي ص ١٦٥ ؛ وبشارة المصطفی لشيعة المرتضی للطبري ج ٢، ص ٩٢، ح ٢٤، ط قم جامعة المدرّسين
٢ ـ راجع إعلام الوری للطبرسي ص ٣٥٥، ودفع المناواة للكركي ص ١٩٠ تحت عنوان (أنّهم عليهمالسلام جری لهم ما جری لعليّ عليهالسلام ، وجری لعليّ ما جری لرسول الله صلىاللهعليهوآله )
٣ ـ ما انفرد به الإمام عليّ عليهالسلام بإمرة المؤمنين، وقد تقدّم أنّه لا يجوز لأحدٍ أن يُلقّب بهذا اللقب حتّی الأئمّة عليهمالسلام ، وإن كانوا أهلاً لهذا ولهذا صدر منهم ردعٌ وزجرٌ لمن لقّبهم بهذا اللقب
٤ ـ إشارة إلی قوله تعالی في سورة الأحزاب آية(٦) : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ )
قال عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره ج ٢، ص ١٥١ : ( فجعل الله تبارك وتعالی لنبيّه صلىاللهعليهوآله الولاية علی المؤمنين من أنفسهم، وقول رسول الله صلىاللهعليهوآله بغدير خمّ : (يا أيّها الناس ألستُ أولی بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلیٰ ثمّ أوجب لأمير المؤمنين عليهالسلام
ويُحتمل أن يُراد به السيّد ومالك الرقّ فإنّ الناس كلّهم عبيدٌ لهم عليهمالسلام ، عبيد طاعة أو رقّ علی الخلاف، وربّما يُقال في الحديث : إنّ المعنیٰ : مَنْ أحبّني وتولّاني فليحبّ عليّاً عليهالسلام فالمراد يا مَن يحبّ عليّ محبّته ومودّته، ويلزم عليّ موالاته وولايته، ويُحتمل أنْ يُراد به الناصر كما في قوله تعالی : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ) (٦) أي يا ناصري في الدُّنيا عند توسّلي إليك في قضاء حوائجي وفي الآخرة عند أحوالها وشدائدها، وعند الموت دفع سكراته عنّي
وكيف كان فهذه المرتبة أي المولويّة مرتبة سامية، ومنزلة سامقة، ودرجة عليّة، ومكانة رفيعة، ومقامة سنيّة جعلها الله لعليّ عليهالسلام اصالةً ولذرّيته وراثةً
وأبو عبدالله كنية الحسين عليهالسلام (٧) ، والمراد به في الأخبار علی الإطلاق هو جعفر الصادق عليهالسلام كما لا يخفیٰ علی المتتبّع، ولا كنية للحسين عليهالسلام سواه علی
ما أوجبه لنفسه عليهم من الولاية، فقال : ألا مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، فلمّا جعل الله النبيّ أباً للمؤمنين ألزمه مؤونتهم وتربية أيتامهم، فكذلك ألزم أمير المؤمنين عليهالسلام ما ألزم رسول الله صلىاللهعليهوآله من بعد ذلك وبعده الأئمّة عليهمالسلام واحداً واحداً، والدليل علی أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله وأمير المؤمنين عليهالسلام هما الوالدان قوله : ( وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) فالوالدان رسول الله وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما)
٥ ـ قد ثبت ما للرسول صلىاللهعليهوآله لأمير المؤمنين عليّ عليهالسلام إلّا مقام النبوّة
٦ ـ محمّد صلىاللهعليهوآله : ١١
٧ ـ مواليد الأئمّة للسيّد فضل الله الراوندي ص ١١، المطبوع مع كتاب الغيبة للشيخ المفيد قدسسره ، وتاريخ ابن الخشّاب ص ١٧٧، ومناقب ابن شهرآشوب ج ٤، ص ٨٦ ومطالب السؤول ج ٢، ص ٥١
ما قيل
ولكن ألقابه كثيرة كالرشيد، والطيّب، والوفي، والسيّد، والزكي، والمبارك، والسبط، والتابع لمرضاة الله(١)
والعرب يقصدون بالكنی التعظيم، لأنّ أكثر النفوس يتأنّفون من التصريح بأسمائهم
فلا يشترط أن يكون للمكنّی عنه ولد مسمّیٰ بهذا الاسم، فيجوز أن يكون، ويجوز أن لا يكون، ولكن يظهر من بعض الأخبار أنّه كان للحسين عليهالسلام ولد صغير مسمّیٰ بعبدالله، والظاهر أنّه هو عليّ الأصغر الذي قُتل في حجره يوم عاشوراء بالسهم المسموم(٢) لعن الله قاتله
وقد يقال : إنّ الحمرة التي ظهرت في السماء كانت من دمه، هذا بحسب ظاهر الأمر، والذي يقتضيه نظر التدقيق أنّ تكنيته بهذه الكنية في عالم الذر، فإنّه لمّا قبل الشهادة التفصيلية الكلّية التي أبیٰ عن حملها غيره كما أشار الله بقوله : ________________________
١ ـ راجع تاريخ ابن الخشّاب ص ١٧٧، ومطالب السؤول ج ٢، ص ٥١، ومواليد الأئمّة للسيّد فضل الله الراوندي ص ١١ ولكنّه زاد علی هذه اثنين (النافع، والدليل علی ذات الله)
٢ ـ رماه بالسهم حرملة بن كاهل الأسدي فذبحه فتلقّی الحسين الدم بكفّه ورمیٰ به نحو السماء قال الإمام الباقر عليهالسلام : (فلم تسقط من الدم قطرة إلی الأرض)
وللتفصيل راجع مثير الأحزان لابن نما الحلّي المتوفّیٰ (٦٤٥ هـ) ط قم مؤسسة الإمام المهدي، ص ٧٠، ومقتل الحسين للسيّد المقرم ص ٢٧٢، ط : الشريف الرضي، وراجع كتاب مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج ٢، ص ٦٦ وص ٦٩ ط : أُمّ القریٰ
( فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) (١) أي مظلوماً مجهول القدر انتظم عالم الإمكان واستراح الإنسان بانتظام أمور دينهم ودنياهم، فصار بالنسبة إلی جميعهم بمنزلة الوالد العطوف، والأب الرؤوف، فكلّ ما سوی الله بمنزلة عبد واحد لله وهو أبوه ويمكن أن يُقال : إنّ هذه الكنية من قبيل قولهم فلان أبو الخير إذا كان الخير منه كثير الصدور، وكذلك فلان أبو الحرب، أو أبو الجود، فلمّا كانت العبودية الكاملة التي حقيقتها الخضوع، والذلّة، والإنكسار مظهرها هو الحسين عليهالسلام سمّي بهذه الكنية فليتأمّل
وربما يُقال : إنّ العبد الحقيقي هو رسول الله صلىاللهعليهوآله ولذا قُدّم علی رسالته في التشهّد(٢) ، والحسين عليهالسلام كان والده للأمّة بالإضافة التشريفيّة فهو أبو عبدالله عليهالسلام ، ويؤيّده ما حكي عن تفسير القمّي قدسسره في قوله : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ) (٣) انّ الإنسان(٤) هو رسول الله صلىاللهعليهوآله والوالدين الحسن والحسين عليهماالسلام (٥)
________________________
١ ـ الأحزاب : ٧٢، روي الشيخ الكليني في أصول الكافي ج ١، ص ٤١٣، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله عليهالسلام في قوله عزّوجلّ : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ إلی آخر الآية ) قال: هي الولاية لأمير المؤمنين
وروی مثله الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ٤٦٠
٢ ـ أي قُدِّمت العبودية علی الرسالة في قولك : (أشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله)
٣ ـ الأحقاف : ١٥
٤ ـ في مصدر الرواية (الإحسان) بدل (الإنسان)
٥ ـ تفسير القمّي ج ٢، ص ٢٧٢، بيروت الأعلمي، وإليك تتمّة الرواية : (ثمّ عطف علی الحسين عليهالسلام فقال : «حملته أُمّه كرهاً ووضعته كرهاً» وذلك أنّ الله أخبر رسول
وكيف كان يندرج في هذا اللقب آثار جميع الألقاب المحمودة، ولذا لم يُكن بكنيةٍ أُخریٰ، وصار فريداً في هذه الكنية بالاصالة، والصادق عليهالسلام كُني بها تبعاً لما نشر الأحكام، وروّج شريعة سيِّد الأنام، وأرشد الناس إلی فضائل أجداده الكرام صلوات الله عليهم من الآن إلی يوم القيام
الله صلىاللهعليهوآله وبشّره بالحسين عليهالسلام قبل حمله وأنّ الإمامة تكون في ولده إلی يوم القيامة، ثمّ أخبره بما يصيبه من القتل والمصيبة في نفسه وولده، ثمّ عوّضه بأن جعل الإمامة في عقبه وأعلمه أنّه يُقتل، ثمّ يردّه إلی الدُّنيا وينصره حتّی يقتل أعداءه ويملّكه الأرض ...)
وللمزيد راجع تأويل الآيات الظاهرة ص ٥٦٢، ط : قم
أَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الْأَصْلَابِ الشَّامِخَةِ، وَالْأَرْحَامِ الْمُطَهَّرَةِ، لَمْ تُنَجِّسْكَ الْجَاهِلِيَّةُ بِأَنْجَاسِهَا، وَلَمْ تُلْبِسْكَ مِنْ مُدْلَهِمَّاتِ ثِيَابِهَا
فيه إشارة إلی مقام نورانيّته الذي يجب علی كلّ مؤمن الإقرار به كما قال مولانا عليّ عليهالسلام : (يا سلمان لا يكمل المؤمن إيمانه حتّی يعرفني بالنورانيّة، فإذا عرفني بذلك فهو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، وشرح صدره للإسلام، وصار عارفاً بدينه، ومَن قصّر عن ذلك فهو شاكٌّ مرتاب، يا سلمان ويا جندب : أنّ معرفتي بالنورانية معرفة الله ومعرفة الله معرفتي وهو الدِّين الخالص) إلی أن قال : (كنتُ ومحمّد نوراً نسبّح قبل المسبّحات ونشرق قبل المخلوقات فقسّم الله ذلك النور نصفين : نبيٌّ مصطفیٰ، وعليٌ مرتضیٰ، فقال الله لذلك النصف : كُن محمّداً، وللآخر عليّاً، ولذلك قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : أنا من عليّ وعليّ منّي)(١)
ولا ريب في كونهم أنوار مخلوقة من نور الله كما قال: (وأنتم نور الأنوار وهداة الأخيار)(٢)
________________________
١ ـ هذا مقطع من خطبة الإمام عليّ عليهالسلام المعروفة بالنورانية التي تقدّم ذكرها بالكامل
٢ ـ ظاهراً هذا مقطع من الزيارة الجامعة الشريفة المرويّة عن إمامنا الهادي عليهالسلام ولكن الشارح رحمه الله تعالی نقله للعبارة ليس نصّاً، وهذا هو نصّ الزيارة : (.. وأنتم نور الأخيار وهُداة الأبرار ...)
والأخبار الواردة في ذلك(١) فوق حدّ الإحصاء وبكونها متواترة صرّح بعض الأذكياء وفي بعضها : (يا محمّد أنّي خلقتك وخلقتُ عليّاً عليهالسلام وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نور من نوري، وفرضتُ ولايتكم علی أهل السماوات والأرض، فمَن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومَن جحدها كان عندي من الكافرين)(٢)
وفي بعضها فقال ـ يعني آدم ـ (ياربّ ما هذه الأنوار ؟ فقال : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلی ظهرك)(٣)
وفي بعضها : (أوّل ما خلق الله نوري أنا من الله والكلّ منّي)(٤)
وفي بعضها : (كنتُ وعليّاً نوراً بين يدي الرحمة قبل أنْ يخلق عرشه)(٥)
وفي بعضها (أنّ الله خلقني وعليّاً عليهالسلام نوراً واحداً قبل خلق آدم، ثمّ خلق الأشياء من نوري، ونور عليّ عليهالسلام )(٦)
________________________
١ ـ مَن أراد الوقوف علی الروايات التي تتكلّم عن نورانيّة الأئمّة عليهمالسلام فليراجع الجزء الأوّل من حلية الابرار للسيّد هاشم البحراني ص ٧ في الباب الأوّل
ـ في المصدر (عرضتُ) بدل (فرضتُ)
٢ ـ بحار الأنوار، ج ٢٧، ص ١٩٩
٣ ـ تقدّم نقل هذه الرواية تفصيلاً، وراجع تأويل الآيات ص ٥١، والبحار ج ٢٦، ص ٣٢٧، ح ١٠، باب توسّل الأنبياء بهم
٤ ـ مشارق أنوار اليقين ص ٦٠ فصل (٢٦) طبع قم الشريف الرضي
ـ في المصدر (الرحمان) بدل (الرحمة)
٥ ـ الخصال للصدوق ج ٢، ص ٦٤٠، ح ١٦، إرشاد القلوب للديلمي ج ٢، ص ٢١٠، ومشارق الأنوار ص ٦٠ فصل (٢٦)
٦ ـ بحار الأنوار ج ٢٥ ص ٢٤
وفي بعضها : «يا عليّ إنّ الله كان ولا شيء معه فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله فكنّا أمام عرش ربّ العالمين نسبّح الله، ونقدّسه، ونحمده، ونهلّله، وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض، فلمّا أراد أن يخلق آدم خلقني وإيّاك من طينة واحدة من طينة عليّين وعجنا بذلك النور وغمسنا في الأنوار»(١)
وفي بعضها عن الباقر عليهالسلام قال: (يا جابر كان الله ولا شيء غيره، ولا معلوم ولا مجهول، فأوّل ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمّداً صلىاللهعليهوآله وخلقنا معه من نور عظمته، فأوقفنا أظلّة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر يفصل نورنا من نور ربّنا كشعاع الشمس من الشمس)(٢)
وفي الزيارة الجامعة : (خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين)(٣)
والنور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره، وحقيقة نورانيّتهم غير معلومة لنا لكونها فوق إدراكات من دونهم فلا يعرفهم غيرهم كما قال: (يا عليّ ما عرفني إلّا الله وأنت، وما عرفك إلّا الله وأنا)(٤) ، فلا ندرك من مقامهم هذا سوی الإجمال كما لا ندرك في مقام الحقّ سوی ذلك، وبيانه أنّ العالي محيط بالسافل دون العكس
قوله : في الأصلاب، أي مودعاً مستقرّاً في أصلاب الآباء الموحِّدين، الشرفاء، النُجباء، وأرحام الاُمّهات الموحّدات المطهّرات عن الخنا والسفاح،
________________________
١ ـ بحار الأنوار، ج ٢٥، ص ٣
٢ ـ البحار ج ١٥، ص ٢٣، ح ٤١
٣ ـ راجع شرح هذا المقطع من الزيارة الشريفة : الأنوار اللامعة للسيّد عبدالله شبّر قدسسره
٤ ـ مشارق أنوار اليقين ص ٢٠١، ط الشريف الرضي، تأويل الآيات ص ٩٢، ط قم
العفيفات عن الزنا والفساد، والشامخة العالية، يُقال : شمخ بأنفه إذا ارتفع وتكبّر، وفي الفقرة إشارة إلی ما بُرهن عليه في محلّه من أنّ الأئمّة عليهمالسلام لا يكون آباؤهم وأُمّهاتهم مشركين من آدم عليهالسلام ولا يُخالط نسبهم فساد وعهرٌ وذمّ(١) ، كيف وهم
________________________
١ ـ لقد تقدّمت الإشارة منّا إلی أنّ آباء النبيّ صلىاللهعليهوآله كانوا موحِّدين وذكرنا بعض الروايات، والآن نذكر قسماً آخر
قالت الشيعة الإمامية ـ وقولهم الحقّ ـ : بإيمان آباء النبيّ صلىاللهعليهوآله إلی آدم بالرغم من أنّ بعضهم لم يُعلن الإسلام لظروف خاصّة به (راجع البحار ج ١٥، ص ١١٧)
وأعلن أبو حيّان الأندلسي : (ذهبت الرافضة إلی أنّ آباء النبيّ صلىاللهعليهوآله كانوا مؤمنين) راجع تفسير البحر المحيط ج ٧، ص ٤٧
وحاول غير الإمامية إعلان كفر آباء النبيّ صلىاللهعليهوآله إلّا بغضاً منهم
ومن دلائل إيمان أجداد النبيّ صلىاللهعليهوآله : أنّ عبد المطّلب كان يأمر أولاده بترك الظلم والبغي ويحثّهم علی مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيئات الأمور، وكان يقول: لن يخرج من الدُّنيا ظلوم حتی يُنتقم منه وتصيبه عقوبة إلی أن هلك رجل ظلوم من أهل الشام لم تصبه عقوبة فقيل لعبد المطّلب في ذلك فقال : والله إنّ وراء هذه الدار داراً أُخری يُجزیٰ فيها المحسن بإحسانه ويُعاقب المسيء بإساءته، أي أنّ العقوبة معدّة له في الآخرة
ورفض عبادة الأصنام ووحّد الله تعالی وتؤثر عنه سنن جاء القرآن بأكثرها، وجاءت السنّة بها، منها الوفاء بالنذر، والمنع من نكاح المحارم، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل الموءودة، وتحريم الخمر والزنا، وأن لا يطوف بالبيت عريان، وهذا أفضل دليل علی إيمان آباء النبيّ صلىاللهعليهوآله وردّ شبهات المنافقين
وجاء في كتاب البحار ج ١٥، ص ١١٧ : (إعتقادنا في آباء النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّهم مسلمون من آدم إلی أبيه عبدالله، وأنّ أبا طالب كان مسلماً، وآمنة بنت وهب كانت مسلمة،
ذرّية النبيّ صلىاللهعليهوآله وعترته ولا شكّ في طهارة عنصره وطيب مولده من لدن آدم إلی أبيه
قال الصادق عليهالسلام : انتخب لهم أحبّ أنبيائه إليه محمّد بن عبدالله صلىاللهعليهوآله في حومة العزّ مولده، وفي دومة الكرم محتده إلی أن قال: تبشّر به كلّ أُمّةٍ من بعدها، ويدفعه كلّ أبٍ إلی أب من ظهرٍ إلی ظهر، لم يخلطه في عنصره سفاح ولا ينجسه في ولادته نكاح من لدن آدم إلی أبيه عبدالله عليهالسلام في خير فرقة وأكرم سبط وأمنع رهط وأكلأ حمل، وأودع حجر اصطفاه الله وارتضاه، واجتباه)(١)
وفي بعض كتب العامّة : روی أنّه لـمّا أهبطه الله إلی ظهر آدم أهبطه إلی أرضه المكينة، وحمله مع نوح في السفينة وقذف به نار نمرود في صلب خليله المعروف بالكرم والجود ولم يزل ينقله في الأصلاب الكريمة الفاخرة إلی الأرحام الزكية الطاهرة حتّی أخرجه من بين أبويه للهدی والإصلاح لم يلتقيا قطّ
واتّفقت الإمامية علی أنّ والدي الرسول صلىاللهعليهوآله وكلّ أجداده إلی آدم عليهالسلام كانوا مسلمين، بل كانوا من الصدِّيقين، وقال فخر الدِّين الرازي : إنّ قوله تعالی : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) وجب أن لا يكون أحد من أجداده صلىاللهعليهوآله مشركاً)
وقوله صلىاللهعليهوآله : (ما افترق الناس فرقتين إلّا جعلني الله في خيرهما فأخرجتُ من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية وخرجتُ من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتّی انتهيت إلی أبي وأُمّي، فأنا خيركم نسباً وخيركم أباً) راجع مختصر تاريخ دمشق ج ١، ص ٣٤٩
هذا صريح بأنّ آباءه صلىاللهعليهوآله طاهرين ولم يدنسوا بأيّ دنسٍ جاهلي
وللتفصيل راجع طبقات ابن سعد الجزء الأوّل ذكر نسب النبيّ وآباءه وأُمّهاته بشكلٍ جيّد وموسّع
١ ـ الكافي ج ١ ص ٤٤٤ ؛ والبحار ج ١٦ ص ٣٦٩
علی سفاح
تنقلتُ في أصلاب قومٍ أعزّةٍ |
بكَ اجتمعوا في كلِّ وادٍ ومحفلِ |
|
وأشرقت الأنوار في كلّ بقعةٍ |
وفاح الشذا في كلّ وادٍ ومنزلِ |
|
وأضحی لسان الحال ينشد برهةً |
تنقل فلذات الهویٰ في التنقلِ |
وفي بعض الأخبار فرسول الله أوّل مَن عبد الله، وأوّل مَن أنكر أن يكون له ولد أو شريك، ثمّ نحن بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ثمّ أودعنا بذلك صلب آدم فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام من صلبٍ إلی صلب، ولا استقرّ في صلب إلّا تبيّن عن الذين انتقل منه شرف الذي استقرّ فيه حتی صار في عبد المطّلب فوقع بأمِّ عبدالله فافترق النور جزئين : جزء في عبدالله، وجزء في أبي طالب، وذلك قوله : ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (١) يعني في أصلاب النبيّين عليهمالسلام وأرحام نسائهم(٢)
وفي بعضها عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال: (خلقني الله وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام ثمّ نقلنا إلی صلب آدم ثمّ نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرين إلی أرحام الطاهرات)(٣)
وقوله : «لم تُنجسك» صفة ثانية لـ (نوراً) أو حال منه لمكان التخصيص، وأُقيم الحاضر مقام الغائب العائد إلی الموصوف، أو ذي الحال فيكون من قبيل قوله : (أنا الذي سمّتني)(٤)
________________________
١ ـ الشعراء : ٢١٩
٢ ـ بحار الأنوار، ج ٢٥، ص ٢٠
٣ ـ بحار الأنوار، ج ٣٦، ص ٣٠١
٤ ـ تذكرة الخواص ص ١٥، ط الشريف الرضي قم
والجاهلية علی ما في المجمع : الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من جهل بالله ورسوله، وشرائع الدِّين والمفاخرة بالآباء، والأنساب، والكبرة، والتجبر وغير ذلك، ومنه الحديث إذا رأيتم الشيخ يُحدّث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية فارموا رأسه بالحصیٰ، وقولهم : كان ذلك في الجاهلية الجهلاء، وهو توكيد للأوّل يشتقّ له من اسمه ما يؤكّده به(١) وأنجاس الجاهلية عبارة عن تلك الأحوال المخالفة للشرع المذمومة عند الشارع فالإضافة بيانيّة
والأنجاس جمع النجس بفتحتين وهو القذر(٢)
والمراد أنّه لم تتلوّث أذيال عصمته بأرجس الكفر وأنجاس المعاصي، المدلهمّات : المظلمات يُقال : ادلهمَّ الليل كاقشعر : أظلم، وليلة مدلهمة أي مظلمة، و (مِن) تبعيضيّة، والجار والمجرور في محلّ النصب، ليكون مفعولاً ثانياً لتلبسك، من ألبستُ زيداً جبّةً، وثياب الجاهلية عبارة عن الأخلاق والحالات الناشئة من الكفر والضلالة وفهي في مقابلة لباس التقویٰ المشار إليه بقوله تعالی : ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) (٣) ففي الكلام استعارة مكنية وترشيحيّة(٤) ، والمراد أنّ الله ألبسه حُلل العلم والمعرفة والسخاوة، والعلم
________________________
١ ـ مجمع البحرين ج ٥ ص ٣٤٦
٢ ـ المصباح المنير للفيومي ص ٥٩٤
٣ ـ الأعراف : ٢٦
٤ ـ الاستعارة تنقسم إلی عدّة أقسام منها :
الاستعارة المكنية : وهي ما حُذِفَ فيها المشبَّه به ورُمِزَ له بشيءٍ من لوازمه مثل قوله تعالی : ( وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ) شبّه الرأس بالوقود ثمّ حذف المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو (اشتعل)
وسائر الأخلاق الحميدة، والصفات الربّانية، فلم تلبسه الجاهلية لباس الجهل والضلالة، فإنّ الجهالات، والضلالات ظلمات بعضها فوق بعض، وهو عليهالسلام نورٌ علی نور، ونورٌ فوق كلّ نور، وهو نور الأنوار، والهادي للأخيار، وحجّة الجبّار، وكهف الأبرار
قال الرضا عليهالسلام : (الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الأُفق بحيث لا تناله الأيدي والأبصار، الإمام البدر المنير والسراج الظاهر(١) ، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجیٰ، والبلد(٢) القفار، ولجج البحار، الإمام الماء العذب علی الضماء، والدالّ علی الهدی، والمُنجي من الردیٰ إلی أن قال: الإمام المطهّر من الذنوب، المبرء من العيوب، مخصوص بالعلم موسوم بالحلم)(٣)
والاستعارة الترشيحيّة : وهي ما ذُكِر معها ملائم المشبَّه به
وللوقوف تفصيلاً علی الاستعارة وأقسامها، والتشبيه وأنواعه راجع كتب البلاغة مثل جواهر البلاغة، البلاغة الواضحة، دروس في البلاغة وغيرها
١ ـ في المصدر (الزاهر) بدل (الظاهر)
٢ ـ في المصدر (والبيد) بدل (البلد)
٣ ـ أخرج هذه الرواية الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليهالسلام ج ١، ص ١٩٥ في وصف الإمامة والإمام عليهالسلام وهي رواية طويلة ونحن نذكر بعضاً منها : قال (... والإمام يحلُّ حلال الله، ويحرّم حرام الله، ويُقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله ويدعو إلی سبيل ربِّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي بلأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار، الإمام البدر المنير والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجیٰ والبيد القفار
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال: أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون(١)
ولجج البحار، الإمام الماء العذب علی الضماء، والدالّ علی الهدیٰ والنجي من الردیٰ، الإمام النار علی اليفاع ـ يعني ما ارتفع من الأرض ـ الحار لمن اصطلیٰ به، والدليل في المهالك مَن فارقة فهالك، الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة، الإمام الأمين الرفيق، والوالد الرقيق، والأخ الشفيق، ومفزع العباد في الداهية، الإمام أمين الله في أرضه وحجّته علی عباده وخليفته في بلاده، الداعي إلی الله والذابّ عن حرم الله، الإمام المطهّر من الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم، نظام الدِّين، وعزّ المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين، الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحدٌ ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفعل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهّاب، فمَن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره ؟ هيهات هيهات ! ضلّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وحسرت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلّت الشعراء، وعجزت الاُدباء وعييت البلغاء عن وصف شأنٍ من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز والتقصير وكيف يُوصف له أو يُنعت بكنهه أو يُفهم شيء من أمره أو يوجد مَن يُقام مقامه ويُغني غناه، لا كيف وأنّیٰ وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟ أضنوا أن يوجد ذلك في غير آل محمّد الرسول صلىاللهعليهوآله ...)
فمن أراد المزيد فليراجع المصدر
١ ـ عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٦٥، ح ٣٠، ط : قم الشريف الرضي
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مِنْ دَعَائِمِ الدِّينِ، وَأَرْكَانِ الْمُؤْمِنِينَ
الدعائم جمع الدعامة بكسر الدال، وهي عماد البيت الذي يقوم عليه(١) ، وكثيراً ما يُستعار لكلّ ما لا يتمّ شيء إلّا به، وكلّ ما يتوقّف عليه شيء بعلاقة المشابهة، فإنّ البيت لا يستحكم بناءه إلّا بالدعامة والأساس، ومنه قوله عليهالسلام : (لكلّ شيءٍ دعامة، ودعامة الإسلام الشيعة)(٢) ، وقوله عليهالسلام : (دعامة الإنسان العقل)(٣) لتوقّف تحقّق الإنسانية علی العقل، والمراد بالدين هو الإسلام لقوله تعالی : ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ) (٤) ، قوله : ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ) (٥) و (مِن) تبعيضية أي من جملة الأئمّة الذين هم دعائم الدِّين والأركان جمع ركن، وهو لغةً جانب البيت، وكثيراً يُستعمل في معنی الاسطوانة والدعامة فيستعار أيضاً فيما أشرنا إليه
وفي الكلام إشارة إلی أنّ الدِّين لا يكمل إلّا بولاية الإمام، والإيمان لا يتحقّق إلّا بمحبّة ذرّية سيّد الأنام، وقد تواترت بذلك الأخبار من النبيّ صلىاللهعليهوآله وعترته المعصومين الكرام، ففي بعضها عن الرضا عليهالسلام : (أنّ الإمامة زمام الدِّين
________________________
١ ـ راجع المنجد في اللغة ص ٢١٦ مادّة (دعا) وقال : (دِعَامَةُ القوم : سيّدهم) وقال الفيومي في المصباح المنير ص ١٩٤ : (الدِعامَةُ بالكسر ما يُستندُ به الحائط إذا مالَ يمنعُهُ السقوط)
٢ ـ الكافي ج ٨ ص ٢١٢
٣ ـ الكافي ج ١ ص ٢٥
٤ ـ آل عمران : ١٩
٥ ـ آل عمران : ٨٥ وذيل الآية ( وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
ونظام المسلمين، وصلاح الدُّنيا وعزّ المؤمنين، أنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي وضرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام)(١)
وفي بعضها يامحمّد : (لو أنّ عبداً عبدني حتّی ينقطع ويصير كالشن البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم لم أدخله جنّتي ولا أظلّه تحت عرشي)(٢)
وفي بعضها : (دعائم الإسلام خمس : الصلاة، والصوم، والزكاة، والحجّ، والولاية)(٣)
وفي بعضها : (بُنيَ الإسلام علی خمس إلی قوله : ولم ينادِ بشيءٍ كما نودي بالولاية)(٤)
وفي بعضها : عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليهالسلام قال: قلتُ : أصلحك الله أيّ شيءٍ إذا عملته استكملتُ حقيقة الإيمان ؟
قال : (توالي أولياء الله محمّد صلىاللهعليهوآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين عليهمالسلام ثمّ انتهی الأمر إلينا ثمّ ابني جعفر وأومأ إلی جعفر وهو جالس
________________________
١ ـ هذا مقطع من الرواية السابقة التي أخرجها الصدوق قدسسره في العيون ج ١، ص ١٩٥ في وصف الإمام عليهالسلام وهذا المقطع في وصف الإمامة، فراجع
٢ ـ بحار الأنوار، ج ٨، ص ٣٥٧، باب ٢٧
٣ ـ الكافي ج ٢ ص ١٥ باب دعائم الإسلام وروی الصدوق في الخصال ج ١، ص ٢٧٨ عن الباقر عليهالسلام قال: (بُني الإسلام علی خمسة دعائم : إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت الحرام والولاية لنا أهل البيت)
ورواه المفيد في أماليه ص ٣٥٣، والطبري في بشارة المصطفیٰ ص ١١٧ ج ٢، ح ٥٨
٤ ـ أصول الكافي ج ٢، ص ١٥، باب (دعائم الإسلام) ح ٣
فمَن والی هؤلاء فقد والی أولياء الله، وكان مع الصادقين كما أمره الله)(١)
وفي بعضها : (هل الدِّين إلّا الحبّ)(٢)
وفي بعضها عن النبيّ صلىاللهعليهوآله في كلامه لعليّ عليهالسلام : (لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام ما قبل الله ذلك منه إلّا بولايتك وولاية الأئمّة من ولدك وأنّ ولايتك لا يقبلها
________________________
١ ـ إليك نصّ الرواية الشريفة في البحار ج ٢٧، ص ٥٧، ح ١٦، عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبو جعفر عليهالسلام : (يا أبا حمزة إنّما يعبد الله مَنْ عرف الله وأمّا مَن لا يعرف الله كأنّما يعبد غيره هكذا ضلالاً
قلتُ : أصلحك الله وما معرفة الله ؟
قال : يُصدّق الله ويُصدّق محمّداً رسول الله صلىاللهعليهوآله في موالاة عليّ والايتمام به وبأئمّة الهدیٰ من بعده، والبراءة إلی الله من عدوّهم وكذلك عرفان الله
قال : قلتُ : أصلحك الله أيّ شيءٍ إذا عملته أنا، استكملت حقيقة الإيمان ؟
قال : توالي أولياء الله وتعادي أعداء الله وتكون مع الصادقين كما أمرك الله
قال : قلتُ : ومَنْ أولياء الله ؟
فقال : أولياء الله محمّد رسوله وعليّ والحسن والحسين وعلي بن الحسين ثمّ انتهی الأمر إلينا ثمّ ابني جعفر، وأومأ إلی جعفر وهو جالس، فمن والی هؤلاء فقد والی أولياء الله وكان مع الصادقين كما أمره الله قلتُ : ومَن أعداء الله، أصلحك الله ؟
قال : الأوثان الأربعة قلتُ : مَن هم ؟ قال: أبو الفصيل، ورمع، ونعثل، ومعاوية، ومَن دان دينهم، فمَن عادیٰ هؤلاء فقد عادی أعداء الله)
قال العلّامة المجلسي في بيان هذه الرواية : (أبو الفصيل أبو بكر لأنّ الفصيل والبكر متقاربان في المعنیٰ، ورمع مقلوب عمر، ونعثل عثمان كما صرّح به في كتب اللغة)
٢ ـ الكافي ج ٨ ص ٧٩
الله إلّا بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمّة من ولدك)(١)
وفي الزيارة الجامعة : (... سَعَدَ مَن والاكم، وهَلَكَ مَن عاداكم، وخاب مَن جحدكم(٢) ، وضلَّ مَن فارقكم، وفازَ مَن تمسّك بكم، وأمِنَ مَن لجأ إليكم، وسَلِمَ مَن صدّقكم، وهُدِيَ مَن اعتصم بكم، مَن اتّبعكم فالجنّةُ مأواه، ومَن خالفكم فالنار مثواه)(٣)
________________________
١ ـ روی العلّامة المجلسي قدسسره في البحار ج ٢٧، ص ٦٣، ح ٢٢، عن سليمان الأعمش، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال: قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا علي أنت أمير المؤمنين، وإمام المتّقين
يا علي أنت سيّد الوصيّين، ووارث علم النبيِّين، وخير الصدِّيقين، وأفضل السابقين
يا عليّ أنت زوج سيّدة نساء العالمين، وخليفة خير المرسلين
يا عليّ أنت مولی المؤمنين، والحجّة بعدي علی الناس أجمعين، استوجب الجنّة مَن تولّاك، واستوجب دخول النار مَن عاداك
يا عليّ والذي بعثني بالنبوّة، واصطفاني علی جميع البريّة، لو أنّ عبداً عَبدَ الله ألف عام ما قبل ذلك منه إلّا بولايتك وولاية الأئمّة من ولدك، وإنّ ولايتك لا تُقبل إلّا بالبراءة من أعدائك، وأعداء الأئمّة من ولدك بذلك أخبرني جبرئيل عليهالسلام : ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )
٢ ـ أي لم يؤمن بإمامتكم، وقال صلىاللهعليهوآله : (والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلّا بمعرفة حقّنا) راجع إسعاف الراغبين ص ١٢٢، ط بيروت
٣ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ؛ (لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلّا أدخله الله النار) المصدر نفسه
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ الْإِمَامُ الْبَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الْهَادِي الْمَهْدِيُّ
شهادة له بالإمامة التي هي عهدُ الله الذي لا يناله الظالمين كما قال: ( وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) ، فهي الرياسة العامّة من الله علی عباده، والخلافة والنيابة من النبيّ صلىاللهعليهوآله علی أُمّته
قال الرضا عليهالسلام : (إنّ الإمامة خصَّ الله بها إبراهيم الخليل عليهالسلام بعد النبوّة، والخلّة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرّفه بها، وأشاد بها ذكره فقال : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) ، فقال الخليل سروراً بها : ( وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٢) فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلی يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثمّ أكرمه الله عزّوجلّ بأنْ جعلها في ذريّته أهل الصفوة والطهارة، فقال عزّوجلّ : ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (٣) فلم تزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتّی ورثها النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال الله عزّوجلّ : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) فكانت له خاصّة فقلّدها صلىاللهعليهوآله عليّاً
________________________
ـ هذه الفقرة غير موجودة في المصباح
١ ـ البقرة : ١٢٤
٢ ـ البقرة : ١٢٤
٣ ـ الأنبياء : ٧٢ و ٧٣
٤ ـ آل عمران : ٦٨
بأمر الله عزّوجلّ علی رسم ما فرضها الله عزّوجلّ : ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ) (١) فهي في ولد عليّ عليهالسلام خاصّة إلی يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد صلىاللهعليهوآله فمِن أين يختار هؤلاء الجهّال ؟ إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة الله عزّوجلّ وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين عليهماالسلام )(٢)
وهذا المقام ثابت له عليهالسلام بقول النبيّ صلىاللهعليهوآله المروي من طرقنا وطرق المخالفين : (إمامان قاما أو قعدا)(٣) ، وغير ذلك ممّا تواتر روايته في كتب الفريقين
ووصف الإمام بالبرّ بالفتح وهو البار العطوف المحسن، لأنّه كما يُطلق علی القدوة للناس المنصوب من قبل الله المفترض الطاعة علی العباد كذلك قد يُطلق علی الداعي إلی الباطل الذي يقتدي به الجاهل، كما في قول الصادق لـمّا سُئل عن الشيخين : (إمامان عادلان قاسطان كانا علی الحقّ ورحمة الله عليهما)(٤) ،
________________________
١ ـ الروم : ٥٦
٢ ـ راجع عيون أخبار الرضا ج ١، ص ١٩٦، باب ٢٠، ط ؛ قم الشريف الرضي
٣ ـ روضة الواعظين لابن فتّال النيسابوري ج ١، ص ١٥٦ ط : الشريف الرضي قم، وإعلام الوری للطبرسي ص ٢١٥، ط : دار الكتب الإسلامية طهران
٤ ـ روی المحقّق الكركي في نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت ص ١٢٨ عن ابن شهرآشوب في كتاب المثالب (إنّ الصادق عليهالسلام سُئِل عن أبي بكر وعمر فقال : كانا إمامين قاسطين كانا علی الحقّ وماتا عليه فرحمة الله عليهما يوم القيامة فلمّا خلی المجلس قال له بعض أصحابنا : كيف قلتَ يابن رسول الله ؟ فقال : نعم ؛ أمّا قولي كانا إمامين فهو مأخوذ من قوله تعالی : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) ، وأمّا قولي عادلين فهو مأخوذ من قوله تعالىٰ : ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ
وربما يُطلق علی الأعمّ كما قال تعالی : ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) (١)
والتقي والمتّقي هو الذي يخاف الله ويخشاه بالغيب، ويجتنب المعاصي ويتوقّی المحرمات من التقوی، والإتّقاء هو الامتناع من الردیٰ باجتناب ما يدعو إليه الهویٰ، ويقال : وقاه يقيه إذا حفظه وعصمه، والرضیٰ هو المرضي الذي ارتضاه الله من خلقه لإرشاد عباده، أو الذي رضی الله في سماءه، والرسول في أرضه، أو بمعنی الراضي وهو الذي لا يسخط بما قدر عليه، والزكي الطاهر من الأخلاق الذميمة، والصفات الرذيلة من قولهم زكیٰ عمله إذا طهُرَ، ومنه قوله : ( أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً ) (٢) أي طاهرة لم تجن ما يوجب قتلها، وهذا اللقب إذا أُطلِقَ فالمراد به هو الحسن بن عليّ عليهماالسلام (٣) ، والهادي هو الدليل علی الحقّ، والمرشد إلی سبيل الرشد، قال الله : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٤) ، وهذا اللقب عند
يَعْدِلُونَ ) ، وأمّا قولي : كانا علی الحقّ فالحقّ علي عليهالسلام ، وقولي ماتا عليه فالمراد به أنّهما لم يتوبا عن تظاهرهما عليه بل ماتا علی ظلمهما إيّاه، وأمّا قولي : فرحمة الله عليهما يوم القيامة فالمراد به أنّ رسول الله ينتصف له منهما أخذاً من قوله تعالی : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )
١ ـ الإسراء : ٧١
٢ ـ الكهف : ٧٤
٣ ـ ابن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤول ج ٢، ص ٥١ اعتبر الزكي من ألقاب الإمام الحسين عليهالسلام ولم يعتبره من ألقاب الإمام الحسين عليهالسلام
٤ ـ الرعد : ٧، روی السيوطي في الدر المنثور ج ٤، ص ٤٥، ط : مصر، عن ابن مردويه عن أبي بُرزة الأسلمي : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول: ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ) ووضع يده علی صدر نفسه، ثمّ وضعها علیٰ صدر عليّ ويقول : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )
الإطلاق ينصرف إلی عليّ بن محمّد الجواد عليهالسلام (١) ، والمهدي هو الذي هداه الله إلی معارج القرب، وأرشده إلی بساط الجذب، وعرّفه المعارف اللاهوتية، وعلّمه الأسرار الجبروتية ولا يكون الشخص هادياً حتّی يكون مهدياً مهتدياً، ففي الكلام تقديم وتأخير كما في قوله : واجعله هادياً مهدياً، فتأمّل وهذا اللقب إذا أُطلق فالمراد به القائم من آل محمّد صلىاللهعليهوآله المبشّر بمجيئه في آخر الزمان ـ أللّهم عجِّل فرجه ـ ولا ريب أنّ كلّ إمام من آل محمّد صلىاللهعليهوآله هادٍ يهدي العباد إلی طريق الرشاد
قال الباقر عليهالسلام في قوله تعالی : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٢) : إنّ رسول الله المنذر، وفي كلّ زمان منّا هادٍ يهديهم إلی ما جاء به نبيّ الله صلىاللهعليهوآله ثمّ الهداة من بعد عليّ ثمّ الأوصياء واحداً بعد واحد)(٣)
وقال الصادق عليهالسلام : (في هذه الآية كلّ إمام هادٍ للقرآن الذي هو فيهم)(٤)
وروی القمّي في تفسيره ج ١، ص ٢٦٠، ط : بيروت عن الإمام الصادق عليهالسلام : قال: المنذر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والهادي أمير المؤمنين عليهالسلام وبعده الأئمّة عليهمالسلام وهو قوله : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) أي في كلّ زمان إمام هادٍ مبين
وراجع مجمع البيان للطبرسي ج ٦، ص ٢٧٨، وتأويل الآيات ص ٢٣٦
١ ـ المشهور هذا ولكن السيّد فضل الله الراوندي في مواليد الأئمّة ص ١١ لم يجعل الهادي من ألقاب الإمام علي بن محمّد الجواد عليهالسلام ، وإنّما جعل هذا اللقب للإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف)
٢ ـ الرعد : ٧
٣ ـ الكافي ج ١، ص ١٩١
٤ ـ راجع فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة الكوفي المتوفیٰ ٣٣٢ هـ ص ١٩٥، ح ١٩٦، ط قم ١٤٢١ هـ
وعن أبي بصير عنه عليهالسلام قال: قلتُ له : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (١) فقال : رسول الله المنذر وعليّ عليهالسلام الهادي يا أبا محمّد فهل منّا هادٍ اليوم ؟ قلت : بلیٰ جُعلت فداك ما زال فيكم هادٍ من بعد هاد حتّی رُفِعت إليكَ
فقال : رحمك الله يا أبا محمّد لو كانت إذا نزلت آية علی رجل ماتَ ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنّه حيٌّ جریٰ فيمن بقیٰ كما جریٰ فيمن مضیٰ)(٢)
________________________
١ ـ الرعد : ٧
٢ ـ الكافي ج ١، ص ١٩٢
وَأَشْهَدُ أَنَّ الْأَئِّمَةَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوىٰ، وَأَعْلَامُ الْهُدىٰ، وَالْعُروَةُ الْوُثْقىٰ، [ وَالْحُجَّةُ عَلىٰ أَهْلِ الدُّنْيَا ]
هذا الكلام يُحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون قوله : (من ولدك) في محلّ الخبر فيكون كلمة التقویٰ خبراً بعد خبر، أو لمحذوف أي ؛ وهم كلمةُ التقویٰ، أو مفعولاً لفعل المدح المحذوف، ففيه إشارة إلی ما ورد في جملة من الأخبار من الله عوّض الحسين عليهالسلام من شهادته أنّ الأئمّة من ولده، والشفاء في تربته، وإجابة الدُّعاء تحت قبّته(١)
قال الباقر عليهالسلام : (نحن اثنا عشر إماماً منهم الحسن والحسين ثمّ الأئمّة من ولد الحسين عليهالسلام )(٢)
وعن سلمان الفارسي قال: (دخلتُ علی النبيّ صلىاللهعليهوآله فإذا الحسين علی فخذيه وهو يُقبّل عينه، ويلثم فاه، ويقول : أنت سيّد ابن سيّد، أنت إمام ابن إمام، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم)(٣)
وثانيهما : أن يكون في محلّ الحال فالخبر هو كلمة التقویٰ، وهذا أيضاً لا يُنافي ما تقدّم من كون الأئمّة عليهمالسلام من صلب الحسين عليهالسلام خاصّة
وفي المجمع وقد سُئِلَ عليهالسلام عن قوله تعالی : ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي ________________________
ـ بين المعقوفتين غير موجودة في المصباح
١ ـ عدة الداعي لابن فهد الحلي ص ٥٧ القسم الثاني ما يرجع إلی المكان
٢ ـ الكافي ج ١ ص ٥٣٣ باب ما جاء في الأئمة الاثني عشر والنص عليهم
٣ ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج ١، ص ١٤٦
عَقِبِهِ ) (١) قال: يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين عليهالسلام إلی يوم القيامة وليس لأحد أن يقول: لِمَ جعلها الله في صلب الحسين عليهالسلام دون الحسن عليهالسلام ، لأنّه هو الحكيم في أفعاله ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) (٢)
والمراد بكلمة التقویٰ يُحتمل وجوهاً :
منها : إنّها الإيمان فكونهم كلمة التقوی، لكون ولايتهم مشروطة في تحقّقه كما قال: (وبموالاتكم تمّت الكلمة وعظمت النعمة)(٣)
ومنها : إنّه كلمةُ لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، ولا شكّ أنّ ترتّب الآثار علی هذه الكلمة موقوف علی الإقرار بإمامتهم، والإذعان بولايتهم فهذا جارٍ مجریٰ
________________________
١ ـ الزخرف : ٢٨
٢ ـ هذه الرواية لم نعثر عليها في مجمع البيان للطبرسي في تفسير هذه الآية ولكن أخرجناها من معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص ١٣١ ح ١، ط : بيروت الأعلمي ١٤١٠ هـ وكتاب تأويل الآيات ص ٥٤١، وإليك نصّها :
(عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبدالله عليهالسلام : يابن رسول الله أخبرني عن قول الله : ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال: يعني بذلك الإمامة، وجعلها الله في عقب الحسين إلی يوم القيامة، فقلت : يابن رسول الله أخبرني كيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون الحسن وهما ولدا رسول الله صلىاللهعليهوآله سبطاه وسيّدا شباب أهل الجنّة ؟
فقال : يا مفضّل إنّ موسی وهارون نبيّان مرسلان اخوان فجعل الله النبوّة في صلب هارون دون صلب موسیٰ ولم يكن لأحد أن يقول: لِمَ فعل الله ذلك، وكذلك الإمامة وهي خلافة الله عزّوجلّ وليس لأحد أن يقول: لِمَ جعلها في صلب الحسين دون صلب الحسن، لأنّ الله عزّوجلّ حكيم في أفعاله : ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) والآية في سورة الأنبياء : ٢٣
٣ ـ هذا مقطع من الزيارة الجامعة الشريفة، فراجع شرح هذه الفقرة في الأنوار اللامعة للسيّد عبدالله شبّر قدسسره ص ١٨٧ ط : قم الأمين
قول أمير المؤمنين عليهالسلام : (أنا صلاة المؤمنين، وصيامهم، وزكاتهم، وحجّهم)(١) ، يعني أنّ هذه الأعمال لا تُقبل ولا تصحّ إلّا بولايتي(٢) ، وحديث الرضا عليهالسلام في نيسابور معروف وفي آخره (لا إله إلّا الله حصني ومَن دخله أمن من عذابي فقالوا : حسبنا يابن رسول الله، فلمّا رجعوا قال لهم : لكن بشروطها وأنا من شروطها)(٣)
ومنها : إنّه العهد الذي عهده الله في عليّ عليهالسلام وذرّيته، وفي الحديث في معنى كلمة التقوی عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال: (إنّ الله عهد إليَّ في عليّ عليهالسلام عهداً، قلتُ : ياربّ بيّنه لي قال: استمع قلتُ : سمعت، قال: إنّ عليّاً عليهالسلام راية الهُدی وإمام أوليائي ونور مَن أطاعني وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين، مَن أحبّه أحبّني، ومَن أطاعه أطاعني)(٤)
________________________
١ ـ تقدّم ذكر هذه الخطبة كاملاً التي رواها البرسي في مشارق أنوار اليقين
٢ ـ روی الطبري في بشارة المصطفی ص ١١٧ ج ٢، ح ٦٤ عن أبي حمزة الثمالي قال: «قال لنا عليّ بن الحسين زين العابدين عليهالسلام : أي البقاع أفضل ؟ فقلتُ : الله ورسوله وابن رسوله أعلم، فقال عليهالسلام : إنّ أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً، يصوم النهار، ويقوم الليل في ذلك الموضع، ثمّ لقي الله عزّوجلّ بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً»
وروی الشيخ المفيد في أماليه ص ١١٥ عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال: (يا أبا الجارود أما ترضون أن تصلّوا فيقبل منكم، وتصوموا فيقبل منكم، وتحجّوا فيقبل منكم، والله أنّه ليصلّي غيركم فما يُقبل منه، ويصوم غيركم فما يُقبل منه، ويحجّ غيركم فما يُقبل منه)
٣ ـ راجع التوحيد للشيخ الصدوق باب ثواب الموحّدين : ص ٢٥، ح ٢٣
٤ ـ أخرجها الصدوق في معاني الأخبار ص ١٢٦، ح ١، ط بيروت الأعلمي
ومنها : أنّها الدعوة إلی الإسلام كما قال: (وكلمةُ ربّك العليا)(١) فهم كلمة التقوی لكونهم الدُّعاة إلی شرائع الإسلام وجوامع الأحكام
ومنها : أنّها الحجّة كما في قوله تعالی : ( وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ) (٢) أي بحججه فإنّهم حجج الله علی الخلق وللمتّقين من عباده، قال عليّ عليهالسلام : (إنّ الله واحد تفرّد في وحدانيّته، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نوراً ثمّ خلق من ذلك النور محمّداً وخلقني وذرّيتي، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحاً فأسكن الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلمته، فبنا احتجَّ علی خلقه فما زلنا في ظلّةٍ خضراء)(٣)
ومنها : إنّها الخلق البديع ما يُقال لعيسیٰ عليهالسلام أنّه كلمة الله، لأنّه وجد بأمره من دون أب فشابه البدعيات، فهم عليهمالسلام لما عليهم من الصفات الإلهية، وفيهم من العجائب الربّانية مشابهون للبدعيات، فهم كلمات الله التامّات خلقهم الله لإرشاد المتّقين إلی طرق التقوی والصلاح وهدايتهم إلی سبيل الفلاح والنجاح، وكيف كان فلعلَّ الوجه في توحيد الكلمة أنّهم عليهمالسلام نور واحد، ونفسٍ واحدة كما يرشد إليه حديث النورانيّة(٤) وغيره
والأعلام : جمع العلم(٥) ، وهو لغة الجبل الذي يُعلم به الطريق وقريب منه المنار، وهو المرتفع الذي يُوقد في أعلاه النار لهداية الضلّال(٦) ، والأئمّة عليهمالسلام
________________________
١ ـ هذه الآية في سورة التوبة (٤٠) ولكن هكذا : ( وَكَلِمَةُ اللَّـهِ هِيَ الْعُلْيَا )
٢ ـ الشوریٰ : ٢٤
٣ ـ راجع بحار الأنوار ج ٢٦، ص ٢٩١، ح ٥١، باب تفضيلهم عليهمالسلام علی الأنبياء
٤ ـ تقدّم ذكره
٥ ـ المصباح المنير : ص ٤٢٧
٦ ـ ولهذا أشارت الخنساء في رثاء أخيها صخر فقالت :
أعلام للهدی، لأنّه يُهتدی بهم كما قال: (لولانا ما عُرِف الله، ولولانا ما عُبد الله)(١) وفي الجامعة : (وأعلاماً لعباده، ومناراً في بلاده، وأدلّاء علی صراطه)(٢)
وروي في قوله : ( وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (٣) أنّه قال: (نحن العلامات، والنجم رسول الله صلىاللهعليهوآله )(٤)
وقال الصادق عليهالسلام : (نحن ولاة أمر الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله وأهل دين الله وعلينا نزل كتاب الله، وبنا عُبد الله، ولولانا ما عُرِفَ الله، ونحن ورثة نبيّ الله وعترته)(٥)
وقال الباقر عليهالسلام : (نحن جنب الله ونحن صفوته، ونحن خيرته، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام ونحن من رحمة الله علی خلقه، ونحن الذين بنا يفتح، وبنا يختم، ونحن أئمّة الهدی، ونحن مصابيح الدُّجیٰ، ونحن منار الهدیٰ، ونحن السابقون، ونحن الآخرون، ونحن العَلم المرفوع للخلق، مَن تمسّك بنا لحق، ومَنْ تخلّف عنّا غرق، ونحن قادة الغرّ المحجّلين، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق، وصراط الله المستقيم إلی الله، ونحن من نعمه علی
«وإنّ صخراً لتأتم الهداةَ به |
كأنّه علمٌ في رأسه نارُ» |
١ ـ راجع الكافي ج ١، كتاب الحجّة، باب : إنّ الأئمّة ولاة أمر الله
وقال الصادق عليهالسلام : (وبعبادتنا عُبد الله عزّوجلّ ولولانا ما عُبد الله)
٢ ـ راجع شرح هذه الفقرة في الأنوار اللامعة ص ١١٥
٣ ـ النحل : ١٦
٤ ـ الكافي ج ١، كتاب الحجّة، باب : إنّ الأئمّة هم العلامات التي ذكرها الله في كتابه، ح ١ عن الرضا عليهالسلام وأيضاً روي عن الإمام الصادق عليهالسلام في المصدر نفسه ح ٢ قال: (إنّ النبي النجم، والعلامات الأئمّة عليهمالسلام )
٥ ـ راجع بصائر الدرجات ص ٦١، ج ٢، الباب الثالث، ح ٣
خلقه، ونحن المنهاج، ونحن معدن النبوّة، ونحن موضع الرسالة، ونحن الذين تختلف الملائكة، ونحن السراج لمَن استضاء بنا، ونحن السبيل لمَن اهتدی بنا، ونحن الهداة إلی الجنّة)(١)
والحاصل : إنّهم أدلّة الهدیٰ، والهادون بأمر الله المرشدون إلی مرضاة الله
والعروة لغةً : عروة الكوز(٢) معروفة، والوثقیٰ تأنيث الأوثق، والعروة الوثيقة : هي العروة المستحكمة التي يستمسك بها، شبّهوا عليهمالسلام بها، لأنّ المتمسّك بطريقتهم لا يضلُّ، ولا ينفصم عن رحمة الله، وربما تفسّر العروة الوثقیٰ بالإيمان كما قال: ( فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ) (٣)
وفي بعض الأخبار أنّها التسليم لأهل البيت عليهمالسلام
، وفي بعضها أنّ أوثق عریٰ الإيمان الحبّ في الله(٤)
، وعن الزمخشري في قوله : (
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
________________________
١ ـ المصدر نفسه ح ١٠، وإليك تكملة الرواية : (... ونحن عزّ الإسلام، ونحن الجسور والقناطر مَن مضیٰ عليها سبق، ومَن تخلّف عنها محق، ونحن السنام الأعظم ونحن الذين بنا تنزل الرحمة، وبنا تسقون الغيث، ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب فمَن عرفنا ونصرنا وعرف حقّنا وأخذ بأمرنا فهو منّا وإلينا)
٢ ـ المصباح المنير ص ٤٠٦، دار الهجرة
٣ ـ البقرة : ٢٥٦
٤ ـ روی الشيخ الصدوق قدسسره في معاني الأخبار ص ٣٦٨، ح ١، ط : بيروت، عن عبدالله بن عبّاس، قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : (مَن أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقیٰ التي لا انفصام لها فليتمسّك بولاية أخي ووصيي عليّ بن أبي طالب، فإنّه لا يهلك مَن أحبّه وتولّاه ولا ينجو مَن أبغضه وعاداه)
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ) وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتّی يتصوّره السامع كأنّه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقّن به(١)
والحجّة في اللغة البرهان، وكثيراً ما يُستعمل فيمَن يجب العمل بقوله، والاقتداء بفعله، وكونهم عليهمالسلام حجج الله علی خلقه ممّا لا ريب فيه لوجوب العمل بأوامرهم ونواهيهم
وعن المجلسي الأوّل قدسسره في شرحه علی قوله : (وحجج الله علی أهل الدُّنيا والآخرة والأولی)(٢) (احتجّ الله وأتمّ حجّته بهم علی أهل الدُّنيا بأنْ جعل لهم المعجزات الباهرات، والعلوم الدينية والأخلاق الإلهية، والعقول الربّانية، فهداهم بهم إليه، ويحتجّ بهم في الآخرة بعد الموت أو في القيامة)(٣)
وروی الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ١٠٢، ط قم : عن الإمام الرضا عليهالسلام قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : (مَن أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقیٰ فليتمسّك بحبّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام )
١ ـ راجع الكشّاف للزمخشري : ج ١ ص ٣٠٤ عند تفسيره لآية الكرسي
٢ ـ هذا مقطع من شرح الزيارة الجامعة
٣ ـ راجع البحار كتاب المزار، وهذا الشرح للعبارة الشريفة لوالد العلّامة محمّد باقر المجلسي صاحب البحار، ولكن يوجد بعض التفاوت بالألفاظ بين الموجود هنا الذي نقله الكاشاني رحمهالله والموجود هناك في البحار والذي نقله عبدالله شبّر في الأنوار اللامعة وإليك الموجود هناك : (... أي يحتجّ الله بهم ويتمّ حجّته (علی أهل الدُّنيا والآخرة) بالمعجزات الباهرات والدلائل الظاهرات، والعلامات الواضحات، والأخلاق النفسانية، والفضائل الملكوتية، والعلوم الربّانيّة، والأسرار الإلهية، ويحتجّ علی أهل الآخرة في عالم البرزخ عند السؤال أو في القيامة أو الأعمّ منهما)
والأخبار بكونهم عليهمالسلام حجج الله متواترة وقد تقدّم بعضها، وفي بعضها عن أبي خالد عن الصادق عليهالسلام قال: قلتُ له ؛ (يابن رسول الله ما منزلتكم من ربّكم ؟ قال: حجّته علی خلقه، وبابه الذي يؤتیٰ منه وأُمناؤه علی سرّه وتراجمة وحيه)(١)
________________________
١ ـ راجع بصائر الدرجات ص ٦٢، ج ٢، ح ٩
وروی الصفّار في المصدر نفسه ح ١١ عن بريد العجلي قال: سألتُ أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله تبارك وتعالی : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) قال: نحن أمّة الوسط، ونحن شهداء الله علی خلقه، وحجّته في أرضه)
وللمزيد راجع الكافي ج ١، كتاب الحجّة، باب أنّ الحجّة لا تقوم إلّا بإمام
وَأُشْهِدُ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ أَنّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ وَبِاِيَابِكُمْ مُوقِنٌ بِشَرَايِعِ دِيني وَخَوَاتِيمِ عَمَلي، وَقَلْبي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَأَمْري لِأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ
يُقال : أشهدته علی كذا إذا اتّخذته شاهداً عليه، وأُشهد الله، أي أجعلهم شهوداً علی إيماني بكم فإنّهم أشهاد عدول لا تُرد شهادتهم، ولا تخفیٰ عليهم السرائر، ولا تغيب عنهم مطويات القلوب والضمائر، وقد وصف الله تعالی نفسه بكونه شهيداً وشاهداً في مواضع من كتابه(١) ، وكذا الملائكة والأنبياء بقوله : ( وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ ) (٢) ، وروي في قوله : ( لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (٣) إنّ الاُمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء ويطلب الأنبياء بالبيِّنة علی أنّهم قد بلّغوا فيؤتیٰ بأُمّة محمّد صلىاللهعليهوآله فيشهدون لهم)(٤)
وروي عن عليّ عليهالسلام
أنّه قال: (إيّانا عنیٰ فرسول الله شاهد علينا، ونحن
________________________
١ ـ مثل قوله تعالی في سورة آل عمران : ١٨ ( شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ )
وقوله تعالی في سورة المنافقين : ١ ( وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) وغيرها من الآيات
٢ ـ هود : ١٨
٣ ـ البقرة : ١٤٣
٤ ـ راجع مجمع البيان للطبرسي قدسسره ج ١، ص ٢٨٨، ط : بيروت مؤسسة التاريخ العربي
شهداء الله علی خلقه وحجّته في أرضه)(١)
قوله : بكم مؤمن أي بحقيقة نورانيّتكم، ومراتب علومكم وأسراركم الخاصّة بكم، والإيمان التصديق والإذعان
وفي الجامعة : (أشهد الله وأُشهدكم أنّي مؤمن بكم وبما آمنتم به، كافرٌ بعدوّكم وبما كفرتم به)(٢)
قوله : (وبإيابكم) يُحتمل أن يتعلّق بمؤمن أي مؤمن بكم وبإيابكم إلی الدُّنيا في زمن الرجعة،(٣) ويؤيّده ما في زيارة العبّاس عليهالسلام «إنّي بكم وبإيابكم من المؤمنين»(٤)
________________________
١ ـ شواهد التنزيل للحسكاني من أعلام القرن الخامس الهجري، ج ١ ص ٩٢، ط بيروت الأعلمي، ومجمع البيان ج ١ ص ٢٨٨، وتأويل الآيات ص ٨٦، وتفسير البرهان ج ١، ص ١٦٠
٢ ـ قال السيّد عبدالله شبّر في الأنوار اللامعة ص ١٥٢ : (فيه إشارة إلی أنّ الإيمان بهم عليهمالسلام لا يتمّ إلّا مع الكفر بعدوّهم والبراءة منه وأنّ حبّهم لا يجتمع مع حبّ أعدائهم)
٣ ـ روی السيّد هاشم البحراني قدسسره في تفسير البرهان ج ٣، ص ٢١١، ح ١٥، عن الإمام الصادق عليهالسلام في قوله تعالی : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ) قال: ليؤمنن برسول الله صلىاللهعليهوآله ولينصرن عليّاً أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال: نعم والله من لدن آدم وهلّم جرّا فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلّا رُدَّ جميعهم إلی الدُّنيا حتّی يُقاتلوا بين يدي عليّ بن أبي طالب عليهالسلام
وروی القمّي في تفسيره ج ١، ص ١١٤، عن الإمام الصادق عليهالسلام قال: (ما بعثَ الله نبيّاً من لدن آدم فهلم جرا إلّا ويرجع إلی الدُّنيا وينصر أمير المؤمنين عليهالسلام وهو قوله : ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) يعني رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ( وَلَتَنصُرُنَّهُ ) يعني أمير المؤمنين عليهالسلام )
٤ ـ راجع زيارة أبي الفضل العبّاس عليهالسلام المطلقة في كتب الزيارات
ويُحتمل أن يتعلّق بقوله موقن أي مؤمن بكم وموقن بإيابكم، وهذا أظهر، وفي الكلام تصريح بثبوت رجعتهم عليهمالسلام إلی الدُّنيا لـمّا وعدهم الله من الدولة والنصرة، كيف وقد روي : «إنّ عمر الدُّنيا مئة ألف عام لهم عليهمالسلام منها ثمانون ألفاً يتمحض لهم الدولة والسلطة»(١)
وهذه أي الرجعة من ضروريّات مذهبنا معاشر الإمامية(٢) وقد دلّت عليها آيات كثيرة وأخبار متواترة(٣) تزيد علی مئتين بل عن بعضهم وقف علی ستّمئة
________________________
١ ـ أخرجه حسن بن سليمان الحلّي في مختصر بصائر الدرجات بتفاوتٍ يسير ص ٢١٢ ط : النجف ١٩٥٠ م
٢ ـ انفردت الإماميّة بالاعتقاد في الرجعة، واعتمدتها كضرورة من ضروريّات المذهب، ونظرية مسلّمة يجب الإقرار بها واعتقادها، وتجديد الاعتراف بها في الأدعية والزيارات، وفي كلّ وقتٍ كالإقرار في كثير من الأوقات بالتوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد
وفي نفس الوقت أنكروا ذلك أعلام العامّة منهم الفخر الرازي في تفسيره ج ٢٤، ص ٢١٧ ـ ٢١٨، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٧، ص ٥٩، والزمخشري، وابن خلدون، وابن الأثير
٣ ـ قال السيّد عبدالله شبّر في الأنوار اللامعة ص ١٥٧ : (وأمّا الأخبار التي وردت من طرقنا فهي قريبة التواتر بل لعلّها متواترة، وقد رواها جمٌّ غفير من ثقات علمائنا الأعلام وجمعٌ كثير من الثقات العظام قريباً من مئتي حديث ومنهم الكليني والصدوق والمفيد والطوسي والمرتضی والنجاشي والكشي والعيشاي وعليّ بن إبراهيم، وسُليم الهلالي، والكراجكي، والنعماني، والصفّار، وسعد بن عبدالله، وابن قولويه، وابن طاووس، وأمين الإسلام أبو الفضل الطبرسي، وأبو طالب الطبرسي، والبرقي، وابن شهرآشوب، والقطب الراوندي، والعلّامة، والفضل ابن
وعشرين حديثاً
وفي الجامعة : «معترفٌ بكم، مؤمن بإيابكم، مصدّق برجعتكم، منتظر لأمركم، مرتقبٌ لدولتكم»(١)
وفي الدعوات والزيارات(٢) المأثورة عن المعصومين ما لا يُحصیٰ ممّا يدلّ
شاذان والشهيد الأوّل وغيرهم)
من الآيات الدالّة علی الرجعة :
أ ـ قوله تعالی في سورة النمل : ٨٣ ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا )
ب ـ قوله تعالی في سورة النور : ٥٥ ( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )
ج ـ قوله تعالی في سورة القصص : ٥، ٦ ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ )
د ـ قوله تعالی في سورة البقرة : ٢٤٣ ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ )
وأمّا الأخبار الدالّة علی الرجعة نكتفي بما ذكره الشارح قدسسره في المتن
١ ـ راجع شرح هذه الفقرة في الأنوار اللامعة للسيّد عبدالله شبّر ص ١٥٤ ط : مكتبة الأمين، قم
٢ ـ راجع دعاء العهد فإنّ فيه فقرات صريحة بالرجعة
وأمّا من الزيارات التي فيها إشارة للرجعة منها :
علی هذا المدعیٰ صريحاً
وفي بعض الأخبار عن الصادق عليهالسلام : (أيّام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم، ويوم الكرّة، ويوم القيامة)(١)
وفي بعضها عنه عليهالسلام : (مَن يكرّ في رجعة الحسين بن عليّ عليهالسلام فيمكث في الأرض أربعين ألف سنة حتّی يسقط حاجباه علی عينيه)(٢)
وفي بعضها عن إبراهيم قال: قلتُ لأبي عبدالله عليهالسلام : (يقول الله : ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ) (٣) فقال : هي والله النصاب قلتُ : رأيناهم دهرهم أطول في الكفاية حتّی ماتوا فقال : والله ذاك في الرجعة يأكلون العذرة)(٤)
زيارة النبيّ صلىاللهعليهوآله من بعيد (راجع البحار ج ١٠٠ ص ١٨٩) وزيارة الإمام الحسين عليهالسلام في عيدي الفطر والأضحیٰ (راجع مفاتيح الجنان ص ٥٤٣) وزيارته عليهالسلام يوم عرفة
١ ـ أخرجه الصدوق في الخصال ص ١٠٨ ح ٧٥، وفي معاني الأخبار ص ٣٦٥، ح ١، ومختصر بصائر الدرجات للحلّي ص ٤١، والرجعة للميرزا محمّد مؤمن الاسترآبادي الشهيد بمكة سنة (١٠٨٨ هـ) ص ٧٥، ح ٤٦ ط : قم دار الاعتصام
٢ ـ أخرجه الحلّي في مختصر البصائر ص ١٨، وعنه البحار ج ٥٣، ص ٦٣، ح ٥٤، والرجعة للميرزا الاسترآبادي ص ٣٦، ح ٥، والبرهان ج ٢، ص ٤٠٨، ح ١٠، وحلية الأبرار ج ٢، ص ٦٥٠ ط : الأعلمي بيروت، وهذا نصّه :
(عن معلّی بن خنيس وزيد الشحّام، عن أبي عبدالله عليهالسلام قالا : سمعناه يقول: إنّ أوّل مَن يكرّ في الرجعة الحسين بن علي فيمكث في الأرض أربعين سنة حتّی يسقط حاجباه علی عينيه)
٣ ـ طه : ١٢٤
٤ ـ رواه القمّي في تفسيره ج ٢، ص ٦٥، ومختصر البصائر ص ١٨، والاسترآبادي في
وفي بعضها : عن جميل عنه عليهالسلام قال: قلتُ له : قول الله ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) (١) قال: ذلك والله في الرجعة، أما علمتَ أنّ أنبياء الله كثيرة لم يُنصروا في الدُّنيا وقتلوا، وأئمّة قتلوا ولم ينصروا، فذلك في الرجعة قلت : ( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) (٢)
قال : هي الرجعة)(٣)
وفي بعضها عنه عليهالسلام أيضاً قال: قال أمير المؤمنين عليهالسلام في قول الله : ( رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) (٤) قال: هو إذا خرجتُ أنا وشيعتي وخرج عثمان بن عفّان وشيعته ونقتل بني أميّة فعندها يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين)(٥)
الرجعة ص ٤٠، ح ٩، وعنه البرهان ج ٣، ص ٤٧، ح ٥، وهذا نصّه : «عن معاوية بن عمّار قال: قلتُ لأبي عبدالله عليهالسلام : يقول الله عزّوجلّ : ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ) فقال : هي والله للنصاب
قلتُ : فقد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتّی ماتوا ؟
فقال : والله ذاك في الرجعة، يأكلون العذرة
١ ـ غافر : ٥١
٢ ـ سورة قۤ : ٤١ و ٤٢
٣ ـ مختصر بصائر الدرجات ص ١٨، والبحار ج ٥٣، ص ٦٥، ح ٥٧، والرجعة للاسترآبادي ص ٤١، ح ١٠، والبرهان ج ٤، ص ١٠٠، ح ٢
٤ ـ الحجر : ٢
٥ ـ مختصر بصائر الدرجات ص ١٧، والرجعة ص ٣٨، ح ٦
وفي بعضها عنه عليهالسلام قال: (إنّ إبليس قال: ( أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (١) فأبیٰ الله ذلك عليه فقال : ( فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (٢) فإذا كان يوم المعلوم ظهر إبليس في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلی يوم الوقت المعلوم، وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين عليهالسلام قلتُ : وأنّها لكرّات ؟ قال : نعم لكرّات وكرّات ما مِن إمام في قرن إلّا ويكرُّ معه البرّ والفاجر في دهره حتّی يديل الله المؤمن علی الكافر)(٣)
________________________
١ ـ سورة الأعراف : ١٤
٢ ـ سورة الحجر : ٣٧ و ٣٨
٣ ـ مختصر بصائر الدرجات ص ٢٦، والبحار ج ٥٣، ص ٤٢، ح ١٢، والرجعة ص ٣٤، ح ٣، وإليك تكملة الرواية :
( فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في أصحابه، وجاء إبليس في أصحابه، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها : الروحاء، قريب من كوفتكم، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق الله ـ عزّوجلّ ـ العالمين، فكأنّي أنظر إلی أصحاب عليّ أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قد رجعوا إلی خلفهم القهقری مئة قدم، وكأنّي أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات
فعند ذلك يهبط الجبّار ـ عزّوجلّ ـ في ظللٍ من الغمام، والملائكة، وقضي الأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أمامه بيده حربة من نور، فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقری ناكصاً علی عقبيه، فيقول له أصحابه : أين تريد وقد ظفرت ؟ فيقول : (إنّي أری ما لا ترون) (إنّي أخاف الله ربّ العالمين)، فليحقه النبيّ صلىاللهعليهوآله فيطعنه طعنةً بين كتفيه، فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه فعند ذلك يعبد الله ـ عزّوجلّ ـ ولا يشرك به شيئاً، ويملك أمير المؤمنين عليهالسلام أربعاً وأربعين ألف سنة حتی يلد للرجل من شيعة
وفي بعضها عن أحدهما عليهمالسلام في قول الله : ( وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ ) (١)
قال : في الرجعة(٢)
وفي بعضها عن الصادق عليهالسلام : (ليس أحدٌ من المؤمنين قُتِلَ إلّا سيرجع حتّی يموت، ولا أحد من المؤمنين يموت إلّا سيرجع حتّی يُقتل)(٣)
وفي بعضها عن أبي إبراهيم عليهالسلام قال: (لترجعنّ نفوس ذهبت، وليقتصّن يوم يقوم، ومَن عذّب يقتصّ بعذابه، ومَن أُغيظ (يقتصّ) بغيظه ويرد لهم أعداءهم حتّی يأخذوا بثأرهم، ثمّ يعمرون بعدهم ثلاثين شهراً، ثمّ يموتون
علي عليهالسلام ألف ولد من صلبه ذكراً، وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله
١ ـ الإسراء : ٧٢
٢ ـ أوردها العيّاشي في تفسيره ج ٢، ص ٣٠٦، ح ١٣١، ورواه الحلّي في مختصر البصائر ص ٢٠، والبحار ج ٥٣، ص ٦٧، ح ٦١، والإيقاظ من الهجعة للعاملي ص ٢٧٤، ح ٨١
٣ ـ مختصر بصائر الدرجات ٢٥، والبحار ج ٥٣، ص ٤٠، ح ٥، والرجعة ص ٥٥، ح ٢٩، والبرهان ج ٣، ص ٢١١، ح ١٥ وإليك نصّها : (عن عمر بن أُذينة قال: حدّثنا محمّد بن الطيّار، عن أبي عبدالله عليهالسلام في قول الله : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) فقال : ليس أحد من المؤمنين قُتِلَ إلّا سيرجع حتّی يموت، ولا أحد من المؤمنين يموت إلّا سيرجع حتّی يُقتل)
ـ في المصدر (أغاظ) بدل (يقتصّ)
ـ في المصدر هكذا (ومَن قُتِلَ أُقتصّ بقتله) والظاهر سقطَ هذا الذي أثبتناه
ـ في البحار (معهم)
في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم، وشفوا أنفسهم ويصير عدوّهم إلی أشدّ النار عذاباً، ثمّ يوقفون بين يدي الجبّار فيؤخذ لهم بحقوقهم)(١)
وفي بعضها عن الصادق عليهالسلام في قول الله : ( كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (٢) قال: مرّة بالكرّة، وأُخریٰ يوم القيامة(٣)
وفي بعضها : (كأنّي بسيرٍ من نور قد وضع عليه قبّة من ياقوتة حمراء مكلّلة بالجوهر، وكأنّي بالحسين جالساً علی ذلك السرير، وحوله تسعون ألف قبّة خضراء، وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلِّمون عليه فيقول الله لهم : أوليائي سلوني فطالما أوذيتم وذللتم واضطهدتم، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدُّنيا والآخرة إلّا قضيتها لكم فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة)(٤)
وفي بعضها عن عليّ عليهالسلام قال: (وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول)(٥)
وفي بعضها عن الباقر عليهالسلام : (والله لُيملَكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمئة سنين وتزداد تسعاً، قلت : متی يكون ذلك ؟ قال: بعد القائم عليهالسلام ، قلتُ : وكم يقوم القائم عليهالسلام في عالمه ؟ قال: تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر إلی الدُّنيا وهو الحسين عليهالسلام فيطلب بدمه ودماء أصحابه فيقتل ويسبیٰ حتّی يخرج
________________________
١ ـ مختصر البصائر ص ٢٨، وعنه البحار ج ٥٣، ص ٤٤، ح ١٦، والرجعة ص ٥٩، ح ٣٧
٢ ـ التكاثر : ٣ و ٤
٣ ـ مختصر البصائر ص ٢٠٤، والبحار ج ٥٣، ص ١٠٧، ح ١٣٥، والإيقاظ من الهجعة ص ٢٨٢، ح ٩٩، ورواه الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ٨١٥
٤ ـ البحار ج ٥٣ ص ١١٦
٥ ـ الكافي ج ١ ص ٦٩٧
السفّاح وهو أمير المؤمنين عليهالسلام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام )(١)
وفي بعضها عن الصادق عليهالسلام : «أوّل مَنْ تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلی الدُّنيا الحسين بن عليّ عليهالسلام وإنّ الرجعة ليست بعامّة، وهي خاصّة لا يرجع إلّا مَن مُحض الإيمان محضاً، أو مُحض الشرك محضاً)(٢)
وفي بعضها عن الباقر عليهالسلام : (إنّ رسول الله وعليّاً عليهماالسلام سيرجعان)(٣)
وفي بعضها : (إنّ الصادق عليهالسلام سُئل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في القرآن ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٤) وهي كرّة رسول الله صلىاللهعليهوآله فيكون ملكه في كرّته خمسين ألف سنة، ويملك عليّ عليهالسلام في كرته أربعة وأربعين سنة)(٥)
وأنت خبيرٌ بأنّ الناظر فيما ذكرناه من الأخبار وغيره ممّا لا يسعه هذا المضمار لا يرتاب في حقيّة الرجعة وثبوتها في الجملة(٦) ، وفي بعض الأخبار
________________________
١ ـ أخرجه العيّاشي في تفسيره ج ٢، ص ٣٢٦، ح ٢٤، والنُعماني في الغيبة ص ٣٣١، ح ٣، ومختصر البصائر ص ٢١٣ ـ ٢١٤، والبحار ج ٥٢، ص ٢٩٨، ح ٦١، والبرهان ج ٢، ص ٤٦٥، ح ٢، وحلية الأبرار ج ٢، ص ٦٤٠
٢ ـ راجع مختصر البصائر ص ٢٤، البحار ج ٥٣، ص ٣٩، ح ١، والرجعة ص ٥٣، ح ٢٦، وحلية الأبرار للبحراني ص ٦٥٠، ج ٢
٣ ـ مختصر البصائر ص ٢٤، والبحار ج ٥٣، ص ٣٩، ح ٢، مدينة المعاجز ج ٣، ص ٩٩، ح ٧٦١، والإيقاظ من الهجعة : ص ٣٧٩، ح ١٤٣
٤ ـ المعارج : ٤
ـ في المصدر (أمير المؤمنين) بدل (علي)
٥ ـ الرجعة ص ٣٣، ح ٢، والبرهان ج ٤، ص ٣٨٣، ح ٦
٦ ـ مَن أراد المزيد من الأخبار فليراجع كتاب مختصر بصائر الدرجات للحلّي،
نسبة إنكارها إلی القدرية، وقد أجادَ مَن قال: إنّه إذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أيّ شيءٍ يمكن دعوی التواتر، مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف، وظنّي أنَّ مَن يشكّ في أمثالها فهو شاكٌ في أئمّة الدِّين(١) ، ولا يمكنه إظهار ذلك من بين المؤمنين فيحتال في تخريب الملّة القويمة بإلقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين من استبعاد المتفلسفين، وتشكيكات الملحدين : ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٢)
والحاصل : إنّ هذا أمرٌ ممكن يمكن تعلّق القدرة الإلهية به، وقد أخبر به الصادقون المعصومون قطعاً فيجب الاعتقاد به(٣) ، ولو من باب التسليم المأمور به بقوله تعالیٰ : ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) (٤)
وبجملة من الأخبار المعتبرة فلا تستمع إلی الملاحدة الذين يلقون الشبهات إلی الضعفاء باستبعاد هذا الأمر وإنكاره، وما هذا إلّا كاستبعاد المعاد ونحوه من الضروريات، وظاهر الأخبار بل صريح كثير منها أنّهم عليهمالسلام يرجعون إلی الدُّنيا بأشخاصهم وأجسادهم التي كانوا عليها، فلا تلفت إلی الجهلة الذين يؤولون هذه الأخبار إلی خلاف ظاهرها من غير برهان قاطع، متابعة لهوی
والرجعة للميرزا الاسترآبادي، والإيقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة للحرّ العاملي، وغيرها
١ ـ روی الصدوق في مَن لا يحضره الفقيه : ج ٣، ص ٤٥٨، ح ٤٥٨٣، عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال: (ليس منّا مَن لم يقل بمتعتنا، ويؤمن برجعتنا)
٢ ـ التوبة : ٣٢
٣ ـ راجع الاعتقادات لشيخنا الصدوق باب (١٨) الاعتقاد في الرجعة ص ٣٩، ط قم
٤ ـ النساء : ٥٩
أنفسهم وسوء آرائهم فيقولون : إنّ المراد رجعة حقائقهم وصفاتهم، في هياكل متجدّدة وأجساد غير ما كانوا عليه في الأزمنة السابقة، وقد بيّنا فساد هذه العقيدة في جملة من رسائلنا
نعم، اختلفت الأخبار ظاهراً في كيفيّة الرجعة، وترتيب مَن يرجع من الأئمّة عليهمالسلام ولا حاجة بنا مهمّة إلی الجمع بينهما بعد تسليم أصل الرجعة، وليعلم أنّ الرجعة لا تصدق علی ظهور القائم عليهالسلام فإنّه عليهالسلام : حيٌّ موجود الآن لا شكَ في حياته يظهر بعد ذلك متیٰ شاء الله فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً(١)
فإذا مضیٰ مِن أوّل ظهوره تسع وخمسون سنة خرج الحسين عليهالسلام وهو صامت إلی أن تمضي إحدی عشرة سنة فتقتله امرأة من بني تميم لها لحية كلحية الرجل تسمّی (سعيدة) وهي شقيّة، فيتولّیٰ الحسين عليهالسلام تجهيزه فيقوم بالأمر بعده(٢) ، فالرجعة من زمن خروج الحسين عليهالسلام إلی أن يرفع مع رسول الله صلىاللهعليهوآله وسائر الأئمّة عليهمالسلام إلی السماء، وذلك بعد كمال دينهم وسلطنتهم كما وعدهم الله
وقوله : (بشرايع ديني) أمّا متعلِّق بموقن كما تقدّم أو بمحذوف ليكون حالاً من المستتر في أشهد الله أو في موقن أي متلبّساً بشرائع ديني أي طرائقه وسبله، وفيه إشارة إلی أنّ مجرّد الإيمان بهم لا يكفي بل لابدّ في ذلك من الائتمار بأوامرهم، والانتهاء بنواهيهم، وإطاعتهم فيما شرعوه من الأحكام، والحدود، والانقياد لهم فيما يأمرون به، وينهون عنه فمَن لم يكن كذلك فهم عليهمالسلام منه براء
________________________
١ ـ روضة الواعظين ص ٢٦١، ج ٢ ط ؛ الشريف الرضي
٢ ـ حلية الأبرار ج ٢، ص ٦٤٣
كما يدلّ عليه أخبار كثيرة
قال الصادق عليهالسلام : (إنّما أصحابي مَن اشتدَّ ورعه، وعمل لخالقه ورجا ثوابه فهؤلاء أصحابي)(١)
وقال عليهالسلام : (ليس منّا ولا كرامة مَن كان في مِصر فيه مئة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه)(٢)
وقال الباقر عليهالسلام : (أيكفي مَن انتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت فوالله ما شيعتنا إلّا مَن اتّقی الله وأطاعه إلی أن قال: فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحدٍ قرابة، أحبُّ العباد إلی الله وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرّب إلی الله إلّا بالطاعة أمعنا براءة من النار ولا علی الله لأحد من حجّة، مَن كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَن كان الله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع، فلا تستمع إلی قومٍ سوّل الشيطان لهم أعمالهم فزعموا أنّ الدِّين هو مجرّد دعوی حبّ آل محمّد صلىاللهعليهوآله فارتكبوا الكبائر ونبذوا أحكام الله وراء ظهورهم وهم لا يشعرون)(٣)
ويُحتمل أن يكون بشرائع بدلاً من قوله : (بكم وبإيابكم) ففيه إشارة إلی أنّهم عليهمالسلام شرائع الدِّين، لكونهم الأئمّة الراشدين المظهرين لأمر الله ونهيه
________________________
١ ـ أصول الكافي : ج ٢، ص ٦٢، باب الورع، ح ٦
٢ ـ روی الشيخ الكليني قدسسره في الكافي ج ٢، ص ٦٤، باب الورع، ح ١٥، عن أبي الحسن الأوّل عليهالسلام قال: (كثيراً ما كنتُ أسمع أبي يقول: ليس من شيعتنا مَن لا تتحدّث المخدّرات بورعه في خدورهنّ، وليس من أوليائنا مَن هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم من خلق الله أورع منه)
٣ ـ أخرجه الكليني في الكافي ج ٢، ص ٦٠، ح ٣، باب (الطاعة والتقویٰ)
فتأمّل
والخواتيم : جمع الخاتمة، وخاتمة العمل آخره وعاقبته ممّا يختم به من خيرٍ أو شرٍّ أو ما يترتّب عليه من ثواب وعقاب، فإنّ ذلك نتائج الأعمال
قال عليهالسلام : (مَن خُتِم له بقيام ليلة ثمّ ماتَ فله الجنّة)(١)
ويُحتمل أن يُراد بالعمل هنا خصوص الزيارة، أو خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يُراد بالعمل هنا خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يُراد به في قوله : (اللّهم إنّي أستودعك خاتمة عملي)(٢)
خصوص الإيمان والتوحيد المشار إليه بقوله : (مَن كان آخر كلامه لا إله إلّا الله وجبت له الجنّة)(٣) فإنّه لا معنی لاستيداع الله الشرّ من الأعمال
وكيف كان لو علّقنا الجار والمجرور بموقن فلا إشكال إذ المعنی أنّي علی يقين بشرائع ديني وبنتائج عملي، لأنّ الله، ورسوله، والأئمّة أخبروني بذلك، ولم أشك في صدقهم، وأمّا علی غير ذلك فلابدّ من تقدير إذ المعنی متلبّساً بشرائع ديني وبالإذعان بخواتيم عملي
قوله : (وقلبي لقلبكم سلمٌ) أي صلح لا حرب قال الطريحي : والسلم كهمل : المسالم يقال : أنا سلمٌ لمَن سالمني وحربٌ لمن حاربني)(٤)
وفي حديث وصف الأئمّة : (يُطهّر الله قلب عبد حتّی يُسلّم لنا ويكون سلماً لنا أي يرضیٰ بحكمنا ولا يكون حرباً علينا)(٥)
________________________
١ ـ الفقيه ج ١ ص ٤٧ ؛ ووسائل الشيعة ج ٨ ص ١٥٤
٢ ـ الكافي ج ٤ ص ٢٨٣ ؛ والفقيه ج ٢ ص ٢٧١
٣ ـ راجع الكافي ج ٢، ص ٣٧٥، باب (مَن قال لا إله إلّا الله)
٤ ـ مجمع البحرين، ج ٢، ص ٣٨
٥ ـ الكافي ج ١ ص ٦٩٤ باب أن الأئمة نور الله عز وجل
(وقلبي لكم مسلّم ورأيي لكم متّبعٌ)(١) والمعنيان متقاربان إذ المراد أنّه لا اعتراض لقلبي علی أفعالكم ولا عداوة فيه لكم(٢) ، لأنّي أعلم أنّكم أولياء الله وعباده المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وفيه إشارة إلی ما أشرنا إليه من وجوب التسليم لهم عليهمالسلام كما قال تعالیٰ : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٣) وإلی أنّ التسليم لا يكون إلّا بالقلب فلا يجدي مجرّد الدعوی باللسان
كيف وقد روي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال: (بينا أمير المؤمنين عليهالسلام في مسجد الكوفة إذ أتاه رجلٌ فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنّي أحبّك، قال: ما تفعل قال: والله إنّي لأحبّك، قال: ما تفعل قال: بلی والذي لا إله إلّا هو قال: والله الذي لا إله إلّا هو ما تحبّني فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أحلف بالله إنّي أحبّك وأنت تحلف بالله ما أحبّك والله كأنّك تخبرني إنّك أعلم بما في نفسي فغضب أمير المؤمنين فرفع يده إلی السماء وقال : كيف يكون ذلك وهو ربنا خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثمّ عرض علينا المحبّ من المبغض فوالله ما رأيتك فيمن أحبّنا فأين كنتَ(٤)
وقريب منه أخبار أُخر مروية في بصائر الدرجات في باب أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام عرف ما رأی في الميثاق(٥)
________________________
١ ـ هذا مقطع من الزيارة الجامعة
٢ ـ روی الكليني في الكافي ج ١، ح ١، باب التسليم عن الإمام الباقر عليهالسلام : (إنّما كُلّف الناس ثلاثة : معرفة الأئمّة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه)
٣ ـ الأحزاب : ٥٦
٤ ـ أخرجه الصفّار في بصائر الدرجات ج ٢، ص ٨٧، ح ٤، باب (١٥)
٥ ـ بصائر الدرجات ٢ / ٨٦ باب ١٥ إذ ذكر عدّة روايات في هذا الخصوص فراجع
والمراد بالقلب هو اللمعة النورانية الملكوتية التي بها يدرك حقائق الأشياء، ويعرف لطائف الأسرار لا نفس الجسم الصنوبري المودع فيه هذه القوّة الملكوتية كالبصر المودع فيه القوّة الباصرة، وإن شئت قلت : إنّه العقل الذي يُعبد به الرحمٰن ويكتسب به الجنان ولذا قال: (لقلبكم)، فإنّ قلوبهم عليهمالسلام أوعية العلوم الإلهية وخزائن المعارف الربّانية فقلب الشيعة يسلّم كلّ ما يصدر من قلوبهم عليهمالسلام لإذعانه بأنّه من الله واعتقاده بأنّه من منبع الحقّ فلا ينكره ولا يعترض عليه بلِمَ ولا كيف، وقلوب الشيعة مخلوقة من قلوبهم كما أنّ أجسادهم مخلوقة من فاضل طينتهم
وفي بعض الأخبار : (إنّا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من دون ذلك النور فإذا كان يوم القيامة ألحقت السفلی بالعليا، وفيه يا مفضّل أتدري لِمَ سمّيت الشيعة شيعة ؟ يا مفضّل شيعتنا منّا، ونحن من شيعتنا، أما تریٰ هذه الشمس أين تبدو ؟ قلت : من مشرق، قال: وإلی أين تعود ؟ قلت : إلی مغرب، قال عليهالسلام : هكذا شيعتنا، منّا بدؤوا وإلينا يعودون)(١) ، وإنّما أفرد القلب مع إضافته إليهم عليهمالسلام للإشارة إلی اتّحادهم في الحقيقة النورية القدسية
قوله : (وأمري لأمركم) يُريد أنّه تابع لهم في جميع أحواله وأموره، فإنّ المفرد المضاف مفيد للعموم علی ما صرّح به جماعة، فالمراد أنّه شيعة لهم يفتخر بمتابعته لهم في الأوامر والنواهي، ويحذو حذوهم ويُطابق فعله فعلهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة كما هو شرط صدق هذا الاسم علی ما يقتضيه كثير من الأخبار
وأيضاً راجع مختصر بصائر الدرجات للحلي ص ١٦٦
١ ـ بحار الأنوار ج ٢٥ ص ٢١
صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَرْوَاحِكُمْ وَعَلىٰ أَجْسَادِكُمْ وَعَلىٰ [أَجْسَامِكُمْ] وَعَلىٰ شَاهِدِكُمْ وَعَلىٰ غَائِبِكُمْ وَعَلىٰ ظَاهِرِكُمْ وَعَلىٰ بَاطِنِكُمْ
أشار إلی أنّهم عليهمالسلام في جميع أحوالهم وأطوارهم ومراتبهم ومقاماتهم وشؤونهم وكيفيّاتهم وظهوراتهم وتجلّياتهم وتنقّلاتهم مستحقّون للصلوات والتحيّات مِن خالقهم وبارئهم فإنّهم في جميع هذه الحالات لا يزالون عارجين معارج القرب، سالكين مسالك الجذب، متقرِّبين إلی بساط الديموميّة، بوسائل العبودية الكاملة كما قال عليهالسلام في دعائه يوم عرفة : «وأنا أشهدُ يا إلٰهي بحقيقيّة إيماني وعقد عزمات يقيني، وخالص صريح توحيدي، وباطن مكنون ضميري وعلائق مجاري نور بصري ...»(١)
فأشار بقوله : (عليكم) إلی مقام حقيقتهم المقدّسة ومرتبة نورانيّتهم العالية التي لم تلد ولم تولد، ولم يعرفها غير الله أحد، لكونها أوّل ما خلق الله في عالم الإبداع كما قال: (نحن صنائع الله)(٢)
، وهذا هو المقام المشار إليه بقوله : (لولاك
________________________
ـ في المصباح (فصلوات الله ...)
ـ في المصباح بين المعقوفتين غير موجودة
١ ـ راجع مفاتيح الجنان للقمّي ص ٢٤٥ (دعاء الإمام الحسين عليهالسلام يوم عرفة)
٢ ـ أخرجه البرسي في مشارق أنوار اليقين ص ٧٧ فصل (٤٢) قم، الشريف الرضي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال: «أوّل ما خلق الله تعالی نوري، ثمّ فتق منه نور عليّ، فلم نزل نتردّد في النور حتی وصلنا إلی حجاب العظمة في ثمانين ألف سنة، ثمّ خلق الخلائق من نورنا فنحن صنايع الله والخلق من بعد صنايعٌ لنا»
لما خلقتُ الأفلاك)(١) ، وقد كان النبيّ صلىاللهعليهوآله يعنيه في صلاته بقوله : (أشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله) وبقوله : (السلامُ عليك أيّها النبيّ) وإلی هذا المقام أشار أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : (أنا ذات الذوات)(٢) وبقوله : (أنا المعنی الذي لا يقع عليه اسمٌ ولا شبه)(٣)
قوله : (وعلی أرواحكم) يُمكن أن يُراد بها نفوسهم القدسية، وأن يُراد بها عقولهم الشريفة وهم وإن اتّحدوا في هذا المقام أيضاً ولكن الجمع باعتبار تعدّد الهياكل البشرية واختلاف المظاهر الجسمانية، وذلك لا يوجب التعدّد في أصل الروح كالصورة المرئية في مرايا متعدِّدة
وما الوجه إلّا واحدٌ غير أنّه |
إذا أنتَ عدّدتَ المرايا تعدّدا |
ويُحتمل أن يُراد بالأرواح الأرواح الخمسة المشار إليها في جملة من الأخبار(٤) ، مثل ما رواه جابر عن الباقر عليهالسلام قال: «إنّ الله خلق الأنبياء والأئمّة علی خمسة أرواح : روح القوّة، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح الشهوة، وروح القدس، فروح القدس(٥) لا يلهو ولا يتغيّر ولا يلعب، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلی ما تحت الثریٰ»(٦)
________________________
١ ـ تقدّم هذا الحديث فراجع
٢ ـ راجع مشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٦٤ فصل (٢٨)
٣ ـ أخرجه البرسي في المشارق ص ٣١٨، فصل (١٥٠) وهي خطبة طويلة يُعرّف الإمام عليهالسلام نفسه
٤ ـ راجع بصائر الدرجات للصفّار ج ٩، ص ٤٤٥ حيث ذكر روايات كثيرة تدلّ علی هذا المطلب وبعضها قد تقدّم
٥ ـ في المصدر (وروح القدس من الله وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان ...)
٦ ـ بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٥٤، ح ١٢
وسُئل الصادق عليهالسلام عن قول الله : ( كَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ) (١) فقال : (ذلك فينا منذ أهبطه الله إلی الأرض وما يخرج إلی السماء)(٢)
وفي جملة من الأخبار أنّ الروح خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع محمّد صلىاللهعليهوآله يوفّقه ويسدّده وهو مع الأئمّة من بعده وهو من الملكوت(٣)
وفي بعضها : أنّه لم يكن مع أحدٍ ممّن مضیٰ غير محمّد وهو مع الأئمّة(٤)
وفي بعضها : إنّه خلقٌ من خلقه له بصر وقوّة وتأييد يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين(٥)
وفي بعضها : (مثل المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا خرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم تتعب به، قال: إنّ الأرواح لا تُمازج البدن ولا تداخله
________________________
١ ـ الشوریٰ : ٥٢
٢ ـ أخرجها الصفّار في بصائر الدرجات ج ٩، ص ٤٥٨، ح ١٤، الباب السادس عشر
٣ ـ روی الصفّار في بصائر الدرجات ص ٤٥٦ ج ٩، ح ٤ عن سماعة بن مهران قال: سمعتُ أبا عبدالله عليهالسلام يقول: (إنّ الروح خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلىاللهعليهوآله يسدّده ويرشده وهو مع الأئمّة والأوصياء من بعده)
وهناك روايات أُخر فراجع
٤ ـ روی الصفّار في بصائر الدرجات ص ٤٦٠، ج ٩، ح ١، الباب الثامن عشر عن هاشم بن سالم قال: (سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) قال: خلقٌ أعظم من جبرائيل وميكائيل لم يكن مع أحدٍ ممّن مضیٰ غير محمّد صلىاللهعليهوآله وهو مع الأئمّة يوفّقهم ويسدّدهم وليس كلّما طلب وجد)
٥ ـ روی الصفّار في البصائر ج ٩، ص ٤٦٢، ح ١٢ عن أبي عبدالله عليهالسلام في قوله عزّوجلّ : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) قال: إنّ الله تبارك وتعالی أحدٌ صمد، والصمد الشيء الذي ليس له جوف وإنّما الروح خلقٌ من خلقه له بصر وقوّة وتأييد يجعله الله في قلوب الرُّسل والمؤمنين)
إنّما هو كالكلل للبدن محيط به)(١)
وفي بعضها : عن أبي بصير عن الباقر عليهالسلام قال: سألته عن قول الله : ( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (٢) فقال : جبرئيل الذي نزل علی الأنبياء، والروح تكون معهم ومع الأوصياء لا تفارقهم تفقّههم(٣) وتسدّدهم من عند الله وأنّه لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله وبهما عُبدَ الله واستعبد الخلق)(٤)
وجسم الإنسان وجسده وجثمانه هو مجموع أعضائه المؤلّفة من العناصر، وربما يُفرّق بين الجسم والجسد باختصاص الأوّل بما فيه روح أو تعميمه لذي الروح وغيره، واختصاص الثاني بما خلا عن الروح، ويُحتمل أن يُراد بأجسامهم أشباحهم النورانيّة، لأنّ من مراتبهم ومنازلهم مقام الأشباح، كما يدلُّ عليه جملة من الأخبار، ففي بعضها :
(إنّ آدم رأی علی العرش أشباحاً يلمع نورها)(٥) وفي بعضها : (ثمّ بعثهم في الظلال، قال: قلت : أي شيء الظلال ؟ قال: تلم تر إلی ظلّكَ في الشمس شيء وليس بشيء)(٦)
________________________
١ ـ أخرجه الصفّار في البصائر ج ٩، ص ٤٦٣، ح ١٣، عن المفضل بن عمر عن أبي عبدالله عليهالسلام
٢ ـ النحل : ٢
٣ ـ في بعض النسخ (توفّقهم) بدل (تفقّههم)
٤ ـ أخرجه الصفّار في البصائر ج ٩، ص ٤٦٣، ح ١، الباب التاسع عشر، وإليك تكملة الرواية : (... وعلی هذا الجنّ والإنس والملائكة ولم يعبد الله ملكٌ ولا نبيّ ولا إنسان ولا جانّ إلّا بشهادة ألّا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله وما خلق اللهُ خلقاً إلّا للعبادة)
٥ ـ البحار ج ٢٦، ص ٣٢٧
٦ ـ روی الصفّار في بصائر الدرجات ج ٢، ص ٨٠، ح ١، الباب الثاني عشر، عن أبي
قال الطريحي : (ثمّ بعثهم في الظلال أي في عالم الذرّ والتعبير بعالم الذر والمجرّدات واحد، وإنّما عبّر عنه بذلك، لأنّه شيء لا كالأشياء)(١)
وفي بعضها : (كيف كنتم حيثُ كنتم في الأظلّة، قال: يا مفضل كنّا عند ربنا في ظلّة خضراء)(٢)
ويُحتمل أنْ يُراد بالأجسام الأجساد الأصلية اللطيفة التي لا تتغيّر بمضيّ الدهور، وورود الآفات، وبالأجساد الأجساد العنصرية الزمانية التي تنقص وتزيد، ويُحتمل أن يُراد بأحدهما الأجساد المثالية البرزخية وبالآخر هذا الهيكل المحسوس في هذا العالم، وربما يفرّق بين الجسد والبدن، بأنّ الأوّل لا يُقال إلّا علی الحيوان العاقل بخلاف الثاني، وقد يُقال البدن هو الجسد ما سوی الرأس
قوله : (وعلی شاهدكم ...) فيه أيضاً إقرار بشاهدهم وغائبهم كما في الزيارة الجامعة : (مؤمن بسرّكم وعلانيّتكم وشاهدكم وغائبكم، أوّلكم وآخركم)(٣)
جعفر عليهالسلام قال: (إنّ الله خلق الخلق فخلق مَن أحبّ ممّا أحبّ وكان أحبّ أن يخلقه من طينة الجنّة وخلق مَن أبغض ممّا أبغض أن يخلقه من طينة النار ثمّ بعثهم في الظلال قال: قلتُ : أي شيء الظلال ؟ قال: ألم تر إذا ظلّل في الشمس شيء وليس بشيء ثمّ بعث فيهم النبيّين يدعونهم إلی الإقرار بالله وهو قوله : ولئن سألتهم مَن خلقهم ليقولنّ الله، ثمّ دعاهم إلی الإقرار بالنبيِّين فأقرّ بعضهم وأنكر بعضهم ثمّ دعاهم إلی ولايتنا فأقرَّ والله بها مَن أحبب وأنكرها مَن أبغض وهو قوله : ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ) ثمّ قال أبو جعفر عليهالسلام : كان التكذيب ثمّة)
١ ـ مجمع البحرين ج ٥، ص ٤١٧
٢ ـ الكافي، ج ١ ص ٤٤١ ؛ بحار الأنوار، ج ١٥ ص ٢٤
٣ ـ قال السيّد عبد الله شبّر قدسسره في شرحه علی هذه الفقرة في الأنوار اللامعة : ص ١٦٤ :
والمراد بشاهدهم يُحتمل أن يكون الأئمّة الأحد عشر الذين ظهروا علی الناس في أزمنتهم وعرفوهم ولو في الجملة، فالمراد بالغائب هو الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) وقد اختلف الناس في وجوده وعدمه علی أقوال متشتّتة ومذهب الإمامية إنّه حيٌّ موجود غاب عن أنظارنا لمصالح كثيرة
ويُحتمل أن يكون المراد بالشاهد هو الإمام الحيّ في كلّ زمان فينعكس الفرض في هذا الزمان فإنّ القائم مشاهد، وهم الغيب، لأنّهم مضوا وقضوا نحبهم فالقائم عليهالسلام قطب هذا الزمان، ونقطة دائرة الإمكان، وهو المدبّر في أمر الخلق المتصرّف في العالم بإذن الله تعالی، وقد يقال : إنّ المراد حال حضورهم مع الخلق حال غيبتهم عمّا سوی الله، ويُسمّی بحال الفناء والمراقبة، فإنّ لهم مع الله حالات كما في الحديث المعروف
قوله : (وعلی ظاهركم ...) أي وعلی سرّكم وعلانيّتكم، فالمراد بظاهرهم أعمالهم الظاهرة وبباطنهم عقائدهم ونيّاتهم الباطنية علی ما يظهر من بعضهم في تفسير قوله : (مؤمن بسرّكم وعلانيّتكم)(١) ، والظاهر أنّ المراد بالظاهر مقام بشريتهم المشار إليه بقوله : ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ) (٢) ، وبالباطن هو مقام قربهم إلی الحقّ واختصاصهم بمزايا الإمامة التي لا يدركها إلّا الخصيصون والعارفون،
«(وشاهدكم) من الأئمّة الأحد عشر، (وغائبكم) المهدي، (وأوّلكم) عليّ بن أبي طالب) (وآخركم) القائم لا كما تقول العامّة بإمامة أوّلكم دون الأخير أو الواقفة الذين وقفوا دون آخركم»
١ ـ قال السيّد عبدالله شبّر في أنواره اللامعة ص ١٦٤ : «أي بما استتر عن أكثر الخلق من غرائب أحوالكم وبما عُلن منها أو مؤمن باعتقاداتكم السرانية وبأعمالكم وأقوالكم العلانية»
٢ ـ فصّلت : ٦
ويُحتمل أن يُراد بظاهرهم ظهورهم في زمن محمّد صلىاللهعليهوآله في هذه الهياكل الشريفة، وبباطنهم كونهم في الأعصار السالفة مع الأنبياء السالفين(١) كما يدلُّ عليه حكاية أمير المؤمنين عليهالسلام مع الجنّي الذي كان في زمن نوح(٢) ، والجنّي الذي كان في زمن سُليمان(٣) ، وما ورد من أنّه عليهالسلام كان مع الأنبياء باطناً ومع محمّد صلىاللهعليهوآله ظاهراً وباطناً ويرشد إليه أيضاً قوله : «أنا حملتُ نوحاً في السفينة، أنا صاحب يونس في بطن الحوت، أنا الذي جاوزتُ موسی البحر، وأهلكت القرون الأولی، أعطيتُ علم الأنبياء والأوصياء وفصل الخطاب، وبي تمّت نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله »(٤)
وقوله عليهالسلام
: «أنا الذي جحد ولايتي ألف أمّة فمسخوا، أنا المذكور في
________________________
١ ـ قال أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبةٍ طويلة ذكرها البرسي في المشارق ص ٣٢٠ قال فيها : (أنا المذكور في سالف الأزمان، والخارج في آخر الزمان، أنا قاصم الجبّارين في الغابرين ...)
٢ ـ ذكر السيّد هاشم البحراني في حلية الأبرار ج ١، ص ٢٢٣، الباب الثاني ط بيروت الأعلمي : (إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان جالساً وعنده جنّي يسأله عن قضايا مشكلة فأقبل أمير المؤمنين عليهالسلام فتصاغر الجنّي حتی صار كالعصفور ثمّ قال: أجرني يارسول الله، فقال : ممّن ؟ فقال : من هذا الشاب المقبل فقال : وما ذاك ؟ فقال الجنّي : أتيتُ سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان فلمّا تناولتها ضربني هذا فقطع يدي، ثمّ أخرج يده مقطوعة فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : هو ذاك
٣ ـ وفي المصدر نفسه : (إنّ جنّياً كان جالساً عند رسول الله صلىاللهعليهوآله فأقبل أمير المؤمنين عليهالسلام فاستغاث الجنّي وقال : أجرني يارسول الله صلىاللهعليهوآله من هذا الشاب المقبل قال: وما فعل بكَ ؟ قال: تمرّدتُ علی سليمان فأرسل إليَّ نفراً من الجنّ وطلت عليهم فجاءني هذا الفارس فأسرني وجرحني وهذا مكان الضربة إلی الآن لم يندمل
٤ ـ هذا مقطع من خطبته عليهالسلام النورانية وقد تقدّم ذكرها
سالف الزمان والخارج في آخر الزمان»(١)
ويدلّ عليه أيضاً حكايته مع أمّه فاطمة بنت أسد ومع سلمان الفارسي حيث نجّاهما من الأسد(٢) وظهوره علی فرعون لـمّا همَّ بقتل موسیٰ بصورة شاب لابس لباس الذهب(٣) وغير ذلك من الغرائب المعروفة وكيف يُنكر أمثال ذلك وهم أوّليون أزليون كما قال: (كنّا في تكوينه بكينونته قبل خلق التكوين أوليين أزليين)(٤) ، وقال : (أنا والهداة من أهل بيتي سرّ الله المكنون، وأولياؤه
________________________
١ ـ أخرجه البرسي في مشارق الأنوار ص ٣٢٠، فصل (١٥٠)، ط : الشريف الرضي
٢ ـ روی السيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز ج ١، ص ٢٦٠، ح ٢٣٤ عن البرسي قال : (رويتُ حكاية سلمان وأنّه لـمّا خرج عليه الأسد قال: يافارس الحجاز أدركني فظهر إليه فارس وخلّصه منه وقال للأسد : أنت دابته من الآن فعاد يحمل له الحطب إلی باب المدينة امتثالاً لأمر عليّ عليهالسلام
٣ ـ روی السيّد هاشم البحراني في حلية الأبرار ج ١، ص ٢٢٤ : (إنّ فرعون لعنه الله لـمّا ألحق هارون بأخيه موسی عليهالسلام دخلا عليه يوماً وأوجسا خيفةً منه فإذا فارس يقدمهما، ولباسه من ذهب وبيده سيف من ذهب وكان فرعون يحبّ الذهب فقال لفرعون : أجب هذين الرجلين وإلّا قتلتك فانزعج فرعون لذلك وقال : عد عليَّ غداً
فلمّا خرجا دعا البوّابين وعاقبهم وقال : كيف دخل عليَّ هذا الفارس بغير إذن فحلفوا بعزّة فرعون أنّه ما دخل إلّا هذان الرجلان وكان الفارس عليّ عليهالسلام هذا الذي أيّد الله تعالی به النبيّين سرّاً وأيّد به محمّداً صلىاللهعليهوآله جهراً إلّا أنّه كلمة الله الكبری التي أظهرها لأوليائه فيما شاء من الصور فينصرهم بها وبتلك الكلمة يدعون فيجيبهم الله وينجيهم وإليه الإشارة بقوله : ( وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا ) ، قال ابن عبّاس : كانت الآية الكبری لهما هذا الفارس)
٤ ـ لم نعثر عليه في المصادر التي عندنا ولمعارضة ظاهره المقطوع من الأدلة يلزم
المقرّبون كلّنا واحد، وأمرنا واحد، وسرّنا واحد فلا تفرّقوا بيننا فتهلكوا، فإنّا نظهر في كلّ زمان بما شاء الله فالويل كلّ الويل لمَن أنكر ما قلتُ، ولا ينكره إلّا أهل الغباوة ومَن خُتِمَ علی قلبه وسمعه وجعل علی قلبه غشاوة)(١)
ويُحتمل أن يراد بظاهرهم علومهم الظاهرة من علوم الشريعة المتعلّقة بالحلال والحرام والحدود والأحكام، وبباطنهم الأسرار المكنونة التي لا يطّلع علی بعضها سوی أهل سرّهم كسلمان وكميل وغيرهما، وفي هذا المقام قال: (لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لكفّره أو لقتله)(٢)
وقال عليهالسلام :
(إنّي لأكتم من علمي جواهره |
كيلا يری الحقّ ذو جهلٍ فيفتننا)(٣) |
إلی آخر الأبيات
تأويله بأنهم عليهمالسلام كانوا الأوليين يعنی قبل بقية الخلق، الأزليين يعنی السابقين في خلق الله تعالی لهم قبل سائر المخلوقات
١ ـ أخرجه البرسي في مشارق أنوار اليقين ص ٣٠٦، وتقدّمت هذه الخطبة
٢ ـ ذكره السيّد المرحوم عبدالله شبّر في مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار ج ١، ص ٣٤٨، الحديث الثالث والخمسون نقلاً عن الكافي، واحتمل فيه ستّة احتمالات منها وهو الخامس : (أن يكون المعنی لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان من العلم لقتله، لأنّ أبا ذرّ يعلم أنّ في قلب سلمان علماً ويعلم أنّه لا يجوز له إظهاره تقيّةً فمع ذلك إذا أظهر سلمان ما في قلبه لأبي ذر ولم يتّق منه لقتله لعدم جواز إظهاره لذلك العلم ولا يخفیٰ بعده)
٣ ـ هذه الأبيات منسوبة للإمام زين العابدين عليهالسلام ، وإليك البقيّة :
وقد تقدّم في هذا أبو حسن |
إلی الحسين ووصّی قبله الحسنا |
|
ياربّ جوهر علم لو أبوح به |
لقيل لي أنت ممّن يعبد الوثنا |
|
ولاستحل رجال مسلمون دمي |
يرون أقبح ما يأتونه حسنا |
راجع مصابيح الأنوار ج ١ ص ٣٥٢ ط بيروت مؤسسة (النور)
وقال عليهالسلام : (إنّ هاهنا لعلماً جمّاً لو أصبت حملة)(١)
وقال عليهالسلام : (إنّ أمرنا صعبٌ مستصعب، لا يحتمله إلّا ملكٌ مقرّب، أو نبيٌّ مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان)(٢)
وقال : (أمرنا سرُّ مستتر، وسرٌّ لا يفيده إلّا سرّ، وسرّ علی سرّ، وسرٌّ مقنّع بالسرّ)(٣)
وأمثال هذه الكلمات منهم كثيرة لا تُحصیٰ، ويُحتمل أن يُراد بظاهرهم الإمامة والخلافة، وبباطنهم حقيقتهم النورانية المجرّدة التي لا ينال إلی إدراكها أيدي العقول كما قال: (ظاهري إمامة وباطني غيبٌ لا يُدرك)(٤) ، وقال : (نحن في الحقيقة نور الله الذي لا يزول ولا يتغيّر)(٥) ، ويُحتمل أن يُراد بظاهرهم الناطق منهم وبباطنهم الصامت، فإنّ الحسن والحسين عليهماالسلام كانا صامتين في زمن عليّ عليهالسلام ، كما أنّ الحسين كان صامتاً في زمن الحسن عليهالسلام ، وهكذا سائر الأئمّة وهذا لا يُنافي إمامة الصامت كما لا يخفی، وإليه الإشارة بقوله : (إمامان قاما أو قعدا)(٦) وسأل يعقوب السرّاج أبا عبدالله عليهالسلام فقال : «متی يمضي الإمام حتّی يؤدّي علمه إلی مَن يقوم مقامه من بعده ؟ قال: لا يمضي الإمام حتّی يفضي علمه إلی مَن انتجبه الله، ولكن يكون صامتاً معه فإذا مضیٰ ولي العلم
________________________
١ ـ أخرجه السيّد عبدالله شبّر في مصابيح الأنوار ج ١، ص ٣٥٢ عن الإمام عليّ عليهالسلام قال لكميل بن زياد رحمهالله : (إنّ لههنا لعلماً جمّاً وأشار إلی صدره الشريف لو وجدتُ له حَمَلَة)
٢ ـ أخرجه الصفّار في بصائر الدرجات ج ١، ص ٢٦، باب ١٢، ح ٢
٣ ـ المصدر نفسه ص ٢٨، ح ١
٤ ـ راجع البحار ج ٢٥ ص ١٧١ ح ٣٨ الباب الرابع
٥ ـ مشارق أنوار اليقين ص ٣٠٦ ط قم الشريف الرضي
٦ ـ تقدّم ذكره بحار الأنوار ج ١٦ ص ٣٠٦
نطق به من بعده»(١) وفسّر في الأخبار (البئر المعطّلة والقصر المشيد) في قوله : ( وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ) (٢) بالإمام الصامت والناطق(٣)
قال الشاعر :
بئرٌ معطّلة وقصرٌ مشرف |
مثل لآل محمّد مستطرف(٤) |
ويُحتمل أن يُراد بظاهرهم شاهدهم وبباطنهم غائبهم فيكون العطف للتفسير والتأكيد فيجري فيهما ما تقدّم فيهما، وكيف كان فلا ريب في أنّ لهم عليهمالسلام وراء عالم شهادتهم وحسّهم عالماً آخر وهو غُيّب عن أبصارنا يندرج تحته عوالم كثيرة لا يحصيها غيرهم، فالمؤمن المخلص مذعن بذلك كلّه ومعتقد بأنّهم الأسرار الإلهية المودوعة في الهياكل البشرية، والأنوار اللاهوتية الزاهرة في المظاهر الناسوتية، وهم نور لا يوصف، وبحرٌ لا يُنزف فحضورهم وغيبتهم إنّما هو بالنسبة إلينا، وأمّا بالنسبة إلی نفس الأمر فهم شهداء حاضرون دائماً لإحاطة علمهم بجميع العوالم الإمكانية، لا يغيب عنهم منها شيء لا في الأرض ولا في السماء، فلو رفع الحجب عنّا لرأيناهم علی ما هم عليه، ولذا
________________________
١ ـ بحار الأنوار ج ٢٦ ص ٩٥
٢ ـ الحج : ٤٥
٣ ـ أخرجه الصفّار في البصائر ج ١٠ ص ٥٠٥ باب ١٨ ح ٤، والكليني في الكافي ج ١ ص ٤٢٧، والصدوق في المعاني ص ١١١ ط بيروت، والاسترآبادي في تأويل الآيات ص ٣٣٩ (عن علي بن جعفر عن أخيه موسی عليهالسلام في قوله عزّوجلّ : ( وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ) قال: البئر المعطّلة الإمام الصامت، والقصر المشيد الإمام الناطق)
٤ ـ معاني الأخبار للصدوق ص ١١٢، ط بيروت، وذكر بيتاً آخر :
فالناطق القصرُ المشيدُ منهم |
والصامت البئر التي لا تنزف |
وهذان البيتان لمحمد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري الملقّب بشُنْبُوْلة
قال : (إنّ غائبنا إذا غاب لم يغب)(١) ومن هنا ينكشف سرُّ حديث (الضيافة، وغزوة الأحزاب(٢) والبصرة)
وما روي من أنّه (أتیٰ قومٌ من الشيعة الحسن بن علي عليهالسلام بعد قتل أمير المؤمنين فسألوه قال: تعرفون أمير المؤمنين عليهالسلام إذا رأيتموه ؟ قالوا : نعم قال: فارفعوا الستر فرفعوه فإذا هم بأمير المؤمنين عليهالسلام لا ينكرونه)(٣)
(وقد أری أمير المؤمنين أبا بكر رسول الله بعد وفاته في مسجد قبا)(٤) ،
________________________
١ ـ مرَّ ذكره في الخطبة المعروفة بالنورانية
٢ ـ روی السيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز ج ٢، ص ١٢، ح ٤٠٠، ط : بيروت مؤسسة النعمان، عن ابن شهرآشوب : (إنّ القوم لما انهزموا يوم الأحزاب انقسموا سبعين فرقة في كلِّ فرقة تری وراءها معها علي بن أبي طالب)
٣ ـ بصائر الدرجات ج ٦، ص ٢٧٥، ح ٤، باب (٥)، وعوالم الإمام الحسن للبحراني باب معاجزه ص ٨٥، ح ١٦ تحقيق مدرسة الإمام المهدي قم ولكن بتفاوت وهذا نصّه : (عن الإمام الصادق عليهالسلام قال: جاء الناس إلی الحسن بن علي فقالوا : أرنا عجائب أبيك التي كان يريناها ؟ فقال : أتؤمنون بذلك ؟ قالوا : نعم نؤمن بذلك
قال : أليس تعرفون أبي ؟ قالوا جميعاً : بلیٰ نعرفه، فرفع لهم جانب الستر فإذا أمير المؤمنين عليهالسلام قاعد فقال : تعرفونه ؟ قالوا بأجمعهم : هذا أمير المؤمنين عليهالسلام ونشهد أنّك وليّ الله حقّاً، والإمام من بعده، ولقد أريتنا أمير المؤمنين بعد موته، كما أری أبوك أبا بكرٍ رسول الله صلىاللهعليهوآله جدّك في مسجد قبا بعد موته
فقال عليهالسلام : ما تقولون فينا ؟ فقالوا : آمنّا وصدّقنا يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله
٤ ـ روی الصفّار في البصائر ج ٦، ص ٢٧٤، ح ٢ الباب الخامس، عن أبان بن تغلب عن أبي عبدالله عليهالسلام : (إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام لقي أبا بكر فاحتجَّ عليه ثمّ قال له : أما ترضیٰ برسول الله صلىاللهعليهوآله بيني وبينك ؟ قال: فكيف لي به ؟ فأخذ بيده وأتیٰ مسجد قبا فإذا
(والصادق سماعةَ الباقر عليهماالسلام بعد وفاته)(١) ، (والكاظم إياه أيضاً الصادق عليهالسلام )(٢) كذلك، وقد روي ذلك كلّه في كتاب بصائر الدرجات وغيره وروي في هذا الكتاب عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال: «يموت مَن مات منّا وليس بميّت ويبقیٰ مَن بقیٰ منّا حجّة عليكم»(٣)
ويصدقه قول الله : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٤)
والحمدُ لله أوّلاً وآخراً، ظاهراً وباطناً في شهر ربيع المولود(٥) سنة ١٣٠٠ هـ
قد تمّ الفراغ من تحقيق هذا الشرح الشريف في الحادي عشر من شعبان المعظّم من سنة (١٤٢٣) من الهجرة النبويّة
قم المقدّسة ـ نزار نعمة الحسن
________________________
رسول الله صلىاللهعليهوآله فيه فقضیٰ علی أبي بكر فرجع أبو بكر مذعوراً فلقيَ عمر فأخبره فقال : مالكَ أما علمتَ سحر بني هاشم)
١ ـ المصدر نفسه ح ٤، ص ٢٧٥، عن سماعة قال: (دخلتُ علی أبي عبدالله عليهالسلام وأنا أحدّث نفسي فرعاني فقال : ما لك تحدّث نفسك تشتهي أن تری أبا جعفر عليهالسلام قلت : نعم، قال: قم فادخل البيت فدخلتُ فإذا هو أبو جعفر عليهالسلام )
٢ ـ المصدر نفسه ح ٨، ص ٢٧٦، عن سماعة بن مهران قال: (كنتُ عند أبي الحسن عليهالسلام فأطلتُ الجلوس عنده فقال : أتحبّ أن تری أبا عبدالله عليهالسلام فقال : وددتُ والله فقال : قم وادخل ذلك البيت فدخلتُ البيت، فإذا هو أبو عبدالله صلوات الله عليه قاعد)
٣ ـ أخرجه الصفّار في بصائر الدرجات ج ٦، ص ٢٧٥، ح ٤ الباب الخامس
٤ ـ آل عمران : ١٦٩
٥ ـ المراد بـ (ربيع المولود) أي ربيع الأوّل لأنّ فيه ولادة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله
مصادر التحقيق
بعد كتاب الله المجيد
١ ـ اصول الكافي وفروعه للكليني
٢ ـ مجمع البيان للطبرسي
٣ ـ بصائر الدرجات لابن الصفّار القمّي
٤ ـ مشارق أنوار اليقين رجب البرسي
٥ ـ تفسير القمّي علي بن إبراهيم القمي
٦ ـ أمالي المفيد
٧ ـ تفسير العيّاشي
٨ ـ تفسير البرهان، السيّد هاشم البحراني
٩ ـ مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي
١٠ ـ بحار الأنوار للعلّامة المجلسي
١١ ـ الاحتجاج، للطبرسي
١٢ ـ خصائص أمير المؤمنين، للنسائي
١٣ ـ المستدرك، للحاكم
١٤ ـ مسند أحمد، أحمد بن حنبل
١٥ ـ إرشاد القلوب، للديلمي
١٦ ـ روضة الواعظين، لابن فتّال النيشابوري
١٧ ـ حلية الأبرار، السيّد هاشم البحراني
١٨ ـ دفع المناواة، للسيّد حسين الكركي
١٩ ـ مدينة المعاجز، السيّد هاشم البحراني
٢٠ ـ علل الشرائع، للشيخ الصدوق
٢١ ـ عيون أخبار الرضا، للشيخ الصدوق
٢٢ ـ تأويل الآيات الظاهرة، للاسترآبادي
٢٣ ـ فضائل الشيعة، للصدوق
٢٤ ـ قصص الأنبياء، السيّد نعمة الله الجزائري
٢٥ ـ شرح الصحيفة السجّادية، السيّد نعمة الله الجزائري
٢٦ ـ الباب الحادي عشر، للعلّامة الحلّي
٢٧ ـ نهج الحقّ وكشف الصدق، للعلّامة الحلّي
٢٨ ـ الأنوار النعمانية، السيّد نعمة الله الجزائري
٢٩ ـ تاريخ اليعقوبي، لأحمد بن واضح اليعقوبي
٣٠ ـ إعلام الوریٰ، للطبرسي
٣١ ـ مَن لا يحضره الفقيه، للصدوق
٣٢ ـ اعتقادات الصدوق
٣٣ ـ قصص الأنبياء، لأبي الفداء الدمشقي
٣٤ ـ شرح التجريد، للقوشجي
٣٥ ـ التوحيد، للشيخ الصدوق
٣٦ ـ كشف المراد، لنصير الدِّين الطوسي
٣٧ ـ حقّ اليقين، السيّد عبدالله شبّر
٣٨ ـ مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار، السيّد عبدالله شبّر
٣٩ ـ الأنوار اللامعة، السيّد عبدالله شبّر
٤٠ ـ العمدة، لابن البطريق
٤١ ـ عوالم العلوم قسم الإمام الحسن عليهالسلام ، للشيخ عبدالله البحراني
٤٢ ـ إحياء العلوم، لأبي حامد الغزالي
٤٣ ـ مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق عليهالسلام
٤٤ ـ بشارة المصطفی لشيعة المرتضیٰ، للطبري
٤٥ ـ الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام ، لابن شاذان القمّي
المناقب، للخوارزمي
٤٦ ـ مقتل الحسين عليهالسلام ، للخوارزمي
٤٧ ـ فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام ، لابن عقدة الكوفي
٤٨ ـ السيرة النبويّة، لابن هشام
٤٩ ـ السيرة النبويّة، لزيني دحلان
٥٠ ـ مطالب السؤول، لابن طلحة الشافعي
٥١ ـ جواهر المطالب، للباعوني الشافعي
٥٢ ـ أمالي الصدوق
٥٣ ـ ينابيع المودّة، للقندوزي
٥٤ ـ أُسد الغابة، لابن الأثير
٥٥ ـ مصابيح السنّة، للبغوي
٥٦ ـ حلية الأولياء، لأبي نعيم الاصفهاني
٥٧ ـ الدرّ المنثور، للسيوطي
٥٨ ـ تفسير القرطبي
٥٩ ـ تفسير الطبري
٦٠ ـ التفسير الكبير، للرازي
٦١ ـ شواهد التنزيل، للحسكاني
٦٢ ـ شرائع الإسلام، للمحقّق الحلّي
٦٣ ـ اللمعة الدمشقية، للشهيد الأوّل
٦٤ ـ شرح ابن عقيل علی ألفية ابن مالك
٦٥ ـ مصباح المتهجّد، للشيخ الطوسي
٦٦ ـ الجواهر السنية، للحرّ العاملي
٦٧ ـ وسائل الشيعة، للحرّ العاملي
٦٨ ـ الإيقاظ من الهجعة، للحرّ العاملي
٦٩ ـ تنقيح المقال، للشيخ عبدالله المامقاني
٧٠ ـ مرآة العقول، للعلّامة المجلسي
٧١ ـ مروج الذهب، للمسعودي
٧٢ ـ مقاتل الطالبيين، لأبي الفرج الاصفهاني
٧٣ ـ الخصال، للشيخ الصدوق
٧٤ ـ تذكرة الخواص، لسبط ابن الجوزي
٧٥ ـ تاريخ دمشق، لابن عساكر
٧٦ ـ نفحات اللاهوت، للمحقّق الكركي
٧٧ ـ تفسير روح المعاني، للآلوسي
٧٨ ـ مسائل الجاحظ
٧٩ ـ مقدّمة ابن خلدون
٨٠ ـ تفسير الإمام الحسن العسكري عليهالسلام
٨١ ـ مستدرك الوسائل، للنوري
٨٢ ـ عين العبرة في غبن العترة، للسيّد أحمد بن طاووس
٨٣ ـ أنساب الأشراف، للبلاذري
٨٤ ـ مواليد الأئمّة، للراوندي
٨٥ ـ الغيبة، للشيخ المفيد
٨٦ ـ مناقب ابن شهرآشوب
٨٧ ـ مثير الأحزان، لابن نما الحلّي
٨٨ ـ عدّة الداعي، لابن فهد الحلّي
٨٩ ـ معاني الأخبار، للشيخ الصدوق
٩٠ ـ مختصر بصائر الدرجات، لابن سليمان الحلّي
٩١ ـ شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي
٩٢ ـ الرجعة، لمحمّد مؤمن الاسترآبادي
٩٣ ـ تفسير الكشّاف، للزمخشري
٩٤ ـ لسان العرب، لابن منظور
٩٥ ـ مصباح المنير، للفيومي
٩٦ ـ المنجد في اللغة
٩٧ ـ مفاتيح الجنان، للمحدّث القمّي
٩٨ ـ النصّ والاجتهاد، للسيّد عبد الحسين شرف الدِّين العاملي
٩٩ ـ قصص الأنبياء، لعبد الوهاب النجّار
١٠٠ ـ الزهراء بهجة قلب المصطفیٰ، عبد الرحمان الهمداني
١٠١ ـ مقتل الحسين، للسيّد عبد الرزّاق المقرم
١٠٢ ـ المنطق، للشيخ محمّد رضا المظفر
١٠٣ ـ الزهراء، محمّد كاظم الكفائي
١٠٤ ـ الإمامة والقيادة، للسيّد كاظم الحائري
١٠٥ ـ أخبار الدول وآثار الأول، للقرماني
الفهرس
الإهداء ٢
مقدّمة المحقّق ٤
ترجمة الشارح ٦
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ آدَمَ صِفْوَةِ اللهِ ٢٢
الموضع الثاني في تفسير كونه عليه السّلام وارثاً للأنبياء والأوصياء٣٤
الموضع الثالث في تفسير صفوة الله ٥٣
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ ٦٠
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ اِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ ٦٤
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُوسىٰ كَلِيمِ اللهِ ٦٨
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عِيسىٰ رُوحِ اللهِ ٧٠
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ ٧٣
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلِیِّ اللهِ ٨٤
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ مُحَمّد المُصْطفىٰ،٩٤
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ عَليِّ الْمُرْتَضىٰ، اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فَاطِمَةَ الزَّهْراءِ،٩٤
السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ خَدِيجَةَ الكُبْرىٰ ٩٤
اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابْنَ ثَارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ ١٠٣
أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ وأَطَعْتَ اللهَ وَرَسُولهُ حَتّىٰ أَتَاكَ الْيَقِينُ ١٠٦
فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً ظَلَمَتْكَ ١١٨
وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً سَمِعَتْ بِذٰلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ ١٢٧
يَا مَوْلَايَ يَا أَبَا عَبْدِاللهِ ١٣٠
أَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الْأَصْلَابِ الشَّامِخَةِ ١٣٥
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مِنْ دَعَائِمِ الدِّينِ، وَأَرْكَانِ الْمُؤْمِنِينَ ١٤٤
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ الْإِمَامُ الْبَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الْهَادِي الْمَهْدِيُّ ١٤٨
وَأَشْهَدُ أَنَّ الْأَئِّمَةَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوىٰ، وَأَعْلَامُ الْهُدىٰ، وَالْعُروَةُ الْوُثْقىٰ، [ وَالْحُجَّةُ عَلىٰ أَهْلِ الدُّنْيَا ] ١٥٣
وَأُشْهِدُ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ أَنّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ وَبِاِيَابِكُمْ مُوقِنٌ بِشَرَايِعِ دِيني وَخَوَاتِيمِ عَمَلي، وَقَلْبي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَأَمْري لِأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ ١٦١
صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَرْوَاحِكُمْ وَعَلىٰ أَجْسَادِكُمْ وَعَلىٰ [أَجْسَامِكُمْ] وَعَلىٰ شَاهِدِكُمْ وَعَلىٰ غَائِبِكُمْ وَعَلىٰ ظَاهِرِكُمْ وَعَلىٰ بَاطِنِكُمْ ١٧٧
مصادر التحقيق ١٩٠
الفهرس ١٩٤