نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار- الجزء 3
التجميع مكتبة العقائد
الکاتب السيد علي الحسيني الميلاني
لغة الکتاب عربی
سنة الطباعة 1404




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.



دحض المعارضة

بحديث: اهتدوا بهدى عمار



قوله: « و قوله واهتدوا بهدى عمار ».

أقول: وهذه المعارضة ساقطة لوجوه:

١ - احتجاج ( الدهلوي ) بهذا الحديث ينافي ما التزم به

ان الاحتجاج بهذا الحديث يتنافى مع التزامه بعدم النقل الا من كتبنا، على أنه لا طريق صحيح له عندهم أيضاً، ولو سلمنا صحته فانه ليس في مرتبة حديث الثقلين الثابت تواتره، بالاضافة الى أنه ليس مثله في الظهور والدلالة.

٢ - ان عماراً من شيعة على عليه‌السلام

ان عماراً رضي الله تعالى عنه من كبار المتمسكين بالثقلين وأتباع مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام .

فلو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمر بالاهتداء بهدى عمار فليس الا من جهة كونه آخذاً بالكتاب العزيز ومعتصماً بالائمة الطاهرين،


واتخاذه ذلك شعاراً له ودثاراً، فالمهتدي بهداه متبع للثقلين، والمتبع لخطاه متمسك بالحبلين.

ومما يدل على هذا بوضوح: أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عماراً باتباع أمير المؤمنين عليه‌السلام واقتفاء أثره، ولقد امتثل رضي الله تعالى عنه هذا الامر فاختص بأميرالمؤمنين ولازمه ولم يفارقه حتى استشهد.

والشواهد التاريخية على هذا الامر كثيرة جداً، فقد رووا: « عن علقمة بن قيس والاسود بن يزيد، قالا: أتينا أبا أيوب الانصاري، فقلنا: ان الله تبارك وتعالى أكرمك بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اذ أوحى الى راحلته فبركت على بابك، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضيفاً لك، فضيلة فضلك الله عزوجل بها، ثم خرجت تقاتل مع علي بن أبي طالب!!

قال: مرحباً بكما وأهلا، انني أقسم لكما بالله، لقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا البيت الذي أنتما فيه وما في البيت غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي جالس عن يمينه وأنا قائم بين يديه اذ حرك الباب فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس انظر من في الباب، فخرج ونظر ورجع، قال: هذا عمار بن ياسر، قال أبو أيوب: فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يا أنس افتح لعمار الطيب المطيب، ففتح أنس الباب، فدخل عمار فسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فردّ عليه‌السلام ورحب به وقال: يا عمار انه سيكون في أمتي بعدي هنات واختلاف حتى يختلف السيف بينهم حتى يقتل بعضهم بعضاً ويتبرأ بعضهم من بعض، فاذا رأيت ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني - يعني علياً - وان سلك كلهم وادياً وسلك عليّ وادياً فاسلك وادي علي وخل الناس طراً.

يا عمار، ان علياً لا يزيلك عن هدى، يا عمار، ان طاعة علي من طاعتي. وطاعتي من طاعة الله عز وجل ».

أنظر: ( الشريعة للاجري ) و ( فردوس الاخبار ) و ( فرائد السمطين - ١ / ١٧٨ ) و ( المودة في القربى ) و ( مناقب الخوارزمي ٥٧، ١٢٤ ) و ( ينابيع


المودة ١٢٨، ٢٥٠ ) و ( مفتاح النجا - مخطوط ) و ( كنز العمال ١٢ / ٢١٢ ).

و أخرج الحافظ الخطيب البغدادي عنهما « قالا: أتينا أبا أيوب الانصاري عند منصرفه من صفين، فقلنا له: يا أبا أيوب ان الله أكرمك بنزول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ في بيتك ] وبمجيء ناقته تفضلا من الله [ تعالى ] واكراماً لك حتى اناخت ببابك دون الناس [ جميعاً ] ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب [ به ] أهل لا اله الا الله؟ فقال: يا هذا ان الرائد لا يكذب أهله، ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي [ رضي‌الله‌عنه ] بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فأما الناكثون فقد قاتلناهم [ قابلناهم ] وهم أهل الجمل وطلحة والزبير، وأما القاسطون فهذا منصرفنا عنهم [ من عندهم ] - يعنى معاوية وعمراً [ وعمرو بن العاص ] - وأما المارقون منهم [ فهم ] أهل الطرفاوات وأهل السقيفات [ السعيفات ] وأهل النخيلات وأهل النهروان [ النهروانات ] والله ما أدري اين هم ولكن لا بد من قتالهم ان شاء الله [ تعالى ].

[ ثم ] قال: وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعمار: يا عمار تقتلك الفئة الباغية وأنت اذ ذاك مع الحق والحق معك، يا عمار [ بن ياسر ] ان رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس [ كلهم ] وادياً [ غيره ] فاسلك مع علي فانه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى، يا عمار من تقلد سيفاً [ و ] أعان به علياً [ رضي‌الله‌عنه ] على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحين من در ومن تقلد سيفاً أعان به عدو علي [ رضي‌الله‌عنه ] قلده [ الله ] يوم القيامة وشاحين من نار.

قلنا: يا هذا حسبك رحمك الله، حسبك رحمك الله »(١) .

وروى المتقي الهندي في فضائل عمار: « عن حذيفة، انه قيل له: ان عثمان قد قتل، فما تأمرنا؟

__________________

(١). تاريخ بغداد ١٣ / ١٨٦ - ١٨٧.


قال: الزموا عماراً.

قيل: ان عماراً لا يفارق علياً.

قال: ان الحسد هو أهلك للجسد، وانما ينفركم من عمار قربه من علي فو الله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وان عماراً من الاخيار. كر »(١) .

ورواه القندوزي في ( ينابيع المودة ١٢٨ )، وعبد الحق الدهلوي في ( رجال المشكاة ) بترجمة عمار ثم قال: « ذكر هذه الأحاديث السيوطي في جمع الجوامع ولها طرق عديدة كثيرة ».

٣ - تخلف عمار عن بيعة ابى بكر

والعجب من ( الدهلوي ) كيف يستند الى هذا الحديث ويحتج به؟! فان عماراً رضي الله تعالى عنه من المتخلفين عن بيعة أبي بكر والمنحازين الى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال اليعقوبي: « وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم العباس بن عبد المطلب والفضل بن عباس والزبير بن العوام وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب »(٢) .

وانظر ( المختصر في أخبار البشر ١ / ١٥٦ ) و ( تتمة المختصر ١ / ١٨٧ ) وغيرهما.

وقد أفصح عمار رضي‌الله‌عنه عن اعتقاده الراسخ وايمانه الثابت في مواقع، منها: حين بويع عثمان بن عفان، فقد قال المسعودي: « وقد كان عمار حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان صخر بن حرب في دار عثمان

__________________

(١). كنز العمال ١٦ / ١٤١.

(٢). تاريخ اليعقوبي ٢ / ١١٤.


عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان ودخل داره ومعه بنوأمية، فقال أبوسفيان أفيكم أحد من غيركم؟ وقد كان عمي، قالوا: لا، قال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن الى صبيانكم وراثة. فانتهره عثمان وسائه ما قال، ونمى هذا القول الى المهاجرين والأنصار وغير ذلك من الكلام.

فقام عمار في المسجد فقال: يا معشر قريش أما إذا صدفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم هاهنا مرة وهاهنا مرة، فما أنا بآمن من ان ينزعه الله فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله و وضعتموه في غير أهله »(١) .

٤ - اعراض عمر بن الخطاب عن هدى عمار

لقد كذب عمر بن الخطاب عماراً واعرض عن هداه واغلظ له الكلام حتى قال له « نوليك ما توليت »، أي جعله مصداق قوله تعالى: ( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ) .

وقد بحث هذا الموضوع في ( تشييد المطاعن ) بالتفصيل، وإليك رواية أخرجها:

أحمد في ( المسند ٤ / ٢٦٥ ).

و مسلم في ( الصحيح ١ / ١١٠ ).

و أبوداود في ( السنن ١ / ١٣٥ ).

و النسائي في ( السنن ١ / ١٦٥ بشرح السيوطي ).

و الطبري في ( التفسير ٥ / ١١٣ ).

و العيني في ( عمدة القاري ٤ / ١٩ ).

و ابن الاثير في ( جامع الاصول ٨ / ١٤٩، ١٥١ ).

__________________

(١). مروج الذهب ٢ / ٣٤٢.


والشيباني في ( تيسير الوصول ٣ / ١١٥ ).

و غيرهم، واللفظ لاحمد قال:

« ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن سلمة - يعني ابن كهيل - عن أبي ثابت عبد الله بن عبد الرحمن بن ابزى، قال: كنا عند عمر فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين انا نمكث الشهر والشهرين لا نجد الماء، فقال عمر: اما انا فلم أكن لاصلي حتى اجد الماء. فقال عمار: يا أمير المؤمنين تذكر حيث كنا بمكان كذا ونحن نرعى الإبل، فتعلم أنا أجنبنا؟ قال: نعم. قال: فاني تمرغت في التراب، فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحدثته فضحك وقال: كان الصعيد الطيب كافيك، وضرب بكفيه الأرض ثم نفخ فيها ثم مسح بهما وجهه وبعض ذراعيه. قال: اتق الله يا عمار! قال: يا أمير المؤمنين ان شئت لم اذكره ما عشت - أو ما حييت - قال: كلا والله، ولكن نوليك من ذلك ما توليت ».

وفي هذا الحديث نقاط:

الاولى: ان عمر بن الخطاب لم يأخذ بحديث عمار استكباراً، وهذا ينافي الاهتداء بهداه.

الثانية: انه طعن في حديثه، وقد اعترف بذلك الشيخ ولي الله ( والد الدهلوي ) عند الكلام على ضروب اختلاف الصحابة، حيث قال:

« منها: ان صحابياً سمع حكماً في قضية أو فتوى ولم يسمعه الآخر، فاجتهد برأيه في ذلك وهذا على وجوه ثالثها: ان يبلغه الحديث ولكن لا على الوجه الذي يقع به غالب الظن، فلم يترك اجتهاده بل طعن في الحديث روى الشيخان انه كان من مذهب عمر بن الخطاب ان التيمم لا يجزي الجنب الذي لا يجد ماءاً، فروى عنده عمار: انه كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر، فأصابته جنابة ولم يجد ماء، فتمعك في التراب، فذكر ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :


انما كان يكفيك ان تفعل هكذا - وضرب بيديه الأرض، فمسح بهما وجهه ويديه -.

فلم يقبل عمر، ولم ينهض عنده حجة، لقادح خفي رآه فيه، حتى استفاض الحديث في الطبقة الثانية من طرق كثيرة، واضمحل وهم القادح فأخذوا به »(١) .

ولنعم ما أفاد العلامة السيد محمد قلي أحله الله دار السلام في كتابه ( تشييد المطاعن ) حيث قال في هذا المقام: « ان عدم قبول عمر حديث عمار وعدم جعله حجة رد صريح للشريعة، لان عماراً صحابي ثقة عادل جليل الشأن فلما ذا لا تقبل روايته ولا تكون حجة؟ وإذا كان حديث عمار لا ينهض حجة، ولا يوجب إنكاره طعنا، فلما ذا يكون انكار أحاديث الصحابة موجبا للطعن؟ وذلك، لان عماراً من أجلة الصحابة وأعاظمهم وأكابرهم، وله فضائل ومناقب عظيمة لم تكن لكثير من كبار الاصحاب، فمتى جاز انكار حديثه جاز عدم قبول أحاديث غيره من الصحابة.

فالعجب، أن أهل السنة يقبحون عدم قبول الأحاديث التي ينسبونها الى عوام الصحابة وجهالهم - بل الى فجارهم - بل يحسبونه قدحاً في الدين، ولكن لا ينكرون على عمر رده حديث عمار، بل هو امامهم الأعظم ومقتداهم الأفخم؟!

قال العلامة فضل الله التوربشتي شارح المصابيح في كتاب المعتمد في المعتقد: لقد أراد الزنادقة أحداث دين في الشريعة، وجعلوا أساسه القدح في خلافة أبي بكر، وهذا يفضي الى الطعن في جميع الصحابة، والطعن فيهم يقتضي الطعن في الدين، لان القرآن والسنة والاحكام المستفادة منهما انما وصلتنا عن طريق الصحابة، فإذا كان ما يقولون في الصحابة حقاً لم يبق أي اعتماد على أخبارهم، فلا تثبت الشريعة، نعوذ بالله من الضلال.

__________________

(١). الانصاف في بيان سبب الاختلاف: ١٦


وليعلم الان، ان المحافظة على هذه المسألة على مصداق أهل السنة والجماعة محافظة على أبواب الشريعة، والتهاون بها اضاعة لها جميعاً، والله ناصر و ولي دينه.

وعلى ضوء هذا نقول: ان طعن عمر في رواية عمار - الذي بلغ من جلالة القدر وعظم الشأن ما لم يبلغه من الصحابة الا قليل كما صرح بذلك في كتبهم - يقتضي الطعن في الدين

ودعوى: ان سبب عدم قبول عمر حديث عمار هو « وجود قادح خفي فيه » مردودة: بأن هذا الاحتمال في هكذا حديث صحيح رواه صحابي ثقة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( مع ان دين أهل السنة يبتني على أحاديث الاصحاب، وان أصل أصولهم - أعني امامة أبي بكر - انما ثبتت بعناية الصحابة ) يفتح باباً للملاحدة والكفار في ردهم آيات الكتاب والسنة النبوية والدين، بدعوى ( وجود القادح الخفي )!!

وبالجملة: فان حسن ظن أهل السنة دعاهم الى هذه التكلفات الباردة في سبيل اصلاح ما لا يصلح، والا فبديهي انه لا وجه لانكار وردّ حديث عمار الا العناد وعدم الاعتداد بأحكام رب العباد.

والاعجب ان أهل السنة يقبلون الخبر الموضوع: « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » بل يحتجون به في مقابل أهل الحق - مع ما فيه وفي ناقله من وجوه القدح -، ولكن حديث عمار لا ينهض حجة عندهم، رغم كونه مقبولا بالإجماع، ورغم عجزهم عن بيان « القادح الخفي »!!

وعلى ضوء كلام المخاطب نفسه - في المطعن الثاني عشر من مطاعن أبي بكر -: ان رواية أبي هريرة وأبي الدرداء وأمثالهما يفيد القطع كالآيات الكريمة نقول: ان خبر عمار - وهو أفضل منهما اجماعاً - يفيد القطع كذلك، وهو كالاية الشريفة من القرآن العزيز، فعدم قبوله رد له قطعاً.

ولقد ثبت من كلام ( شاه ولي الله ): « حتى استفاض الحديث » ان دعوى « وجود القادح الخفي » فيه باطلة عاطلة، وان أهل السنة رأوا ظن عمر


لا طائل تحته فأعرضوا عن مذهبه، ولله الحمد ».

الثالثة : انه لم يتحرج عمر بن الخطاب من تكذيب عمار، وقد اعترف بذلك جماعة من أكابر العلماء، قال عبد العلي في مسألة انكار المروي عنه روايته:

« المانع للحجية استدل بما روى مسلم ان رجلا أتى عمر فقال: اني أجنبت فلم أجد ماءاً، فقال: لا تصل. فقال عمار لعمر رضي‌الله‌عنه : أما تذكر يا أمير المؤمنين اذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت أي تقلبت في الارض بحيث أصاب التراب جميع البدن فصليت، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه وسلم: انما يكفيك أن تمسح بيديك الارض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك، وقد وقع في سنن أبي داود انما يكفيك ضربتان، فلم يذكر أمير المؤمنين عمر، فما رجع عمر رضي‌الله‌عنه عن مذهبه، فانه لا يرى التيمم للجنب، وفي رواية مسلم، فقال عمر: اتق الله يا عمار.

وأنت لا يذهب عليك أن أمير المؤمنين عمر أنكر انكار التكذيب لا انكار السكوت، فليس هذا من الباب في شيء »(١) .

ومن الواضح: ان تكذيب آحاد المؤمنين الصادقين معصية يذم العقلاء فاعلها، فكيف بتكذيب هذا الصحابي؟! ».

الرابعة: لقد خاطب عمر عماراً بقوله: « اتق الله يا عمار ». وهذا الكلام لا يقال الا لمن ارتكب بدعة محرمة. نص على ذلك العيني في ( شرح كنز الدقائق ١ / ٢٣٣ ) والزيلعي في ( شرح كنز الدقائق ٣ / ٦٠ - ٦١ ) في الجواب عن حديث فاطمة بنت قيس في وجوب النفقة والسكنى للمطلقة البائن، قال العيني: « وحديث فاطمة لا يجوز الاحتجاج به لوجوه: أحدها ان كبار الصحابة أنكروا عليها كعمر - على ما تقدم - وابن مسعود وزيد بن

__________________

(١). فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت ٢ / ١٢٥.


ثابت واسامة بن زيد وعائشة رضي الله عنهم، حتى قالت لفاطمة - فيما رواه البخاري - ألا تتقي الله؟! وروي أنها قالت لها: لا خير لك فيه.

ومثل هذا الكلام لا يقال الا لمن ارتكب بدعة محرمة ».

فما ظنك يعمر القائل هذا الكلام لعمار؟ وهل هو مهتد بهداه؟.

الخامسة : لقد قال لعمار: « نوليك ما توليت » ولا ريب أنه قد آذاه بهذه الكلمة الغليظة الشديدة، فقد جعله - والعياذ بالله - مصداقاً لقوله تعالى: ( وَمَنْ يُشاقِقِ ) ، فهل هو مهتد بهدى عمار كما يقول الحديث؟!

* ومما يدل على ان عمر لم يكن مهتدياً بهدى عمار رضي‌الله‌عنه بل كان يعاديه: عزله إياه عن ولاية الكوفة من دون تقصير منه بعد استعماله من دون طلب منه، والأفظع قوله له بعد عزله - مستهزءاً به - « أساءك عزلنا اياك » فأجابه قائلا: « والله لقد ساءتني الولاية وساءني العزل ».

قال ابن سعد: « أخبرنا عفان بن مسلم، قال نا خالد بن عبد الله، قال نا داود عن عامر، قال قال عمر لعمار: أساءك عزلنا إياك؟ قال لئن قلت ذلك [ ذاك ] لقد ساءني حين استعملتني وساءني حين عزلتني »(١) .

وقال ابن الاثير: « ولما عزله عمر قال له: أساءك العزل؟ قال: والله لقد ساءتني الولاية وساءني العزل »(٢) .

٥ - اعتداء عثمان على عمار

لقد آذى عثمان بن عفان عماراً واعتدى عليه وظلمه قولا وفعلا مرة بعد أخرى، وذلك كله معروف، والشواهد عليه كثيرة جداً، وإليك بعضها:

قال ابن قتيبة: « ما أنكر الناس على عثمان رحمه‌الله . قال ذكروا أنه

__________________

(١). الطبقات الكبرى ٣ / ٢٥٦.

(٢). أسد الغابة ٤ / ٤٦.


اجتمع ناس من أصحاب النبي عليه‌السلام ، فكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وسنة صاحبيه ثم تعاهد القوم، ليدفعن الكتاب في يد عثمان، وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وكانوا عشرة، فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه الى عثمان - والكتاب في يد عمار - جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده، فمضى حتى جاء دار عثمان فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات، فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية، فدفع اليه الكتاب فقرأه فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: ومن كان معك؟ قال: كان معي نفر تفرقوا فرقاً منك قال: ومن هم؟ قال: لا أخبرك بهم، قال: فلم اجترأت عليّ من بينهم؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين، ان هذا العبد الأسود - يعني عماراً - قد جرأ عليك الناس وانك ان قتلته نكلت به من وراءه. قال عثمان: اضربوه، فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشي عليه، فجروه حتى طرحوه على باب الدار فأمرت به أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأدخل منزلها، وغضب فيه بنو المغيرة وكان حليفهم، فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة فقال: أما والله لئن مات عمار بن ضربه هذا لاقتلن به رجلا عظيماً من بني أمية، فقال عثمان: لست هناك »(١) .

وقال ابن عبد ربه: « ومن حديث الأعمش - يرويه ابو بكر بن أبي شيبة - قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه في صحيفة، فقالوا: من يذهب بها اليه؟ فقال عمار: انا، فذهب بها اليه، فلما قرأها قال ارغم الله انفك قال: وبأنف أبي بكر وعمر، قال: فقام اليه فوطئه حتى غشى عليه.

ثم ندم عثمان وبعث اليه طلحة والزبير يقولان: اختر إحدى ثلاث اما

__________________

(١). الامامة والسياسة ١ / ٣٢.


ان تعفو واما ان تأخذ الأرش واما ان تقتص، فقال والله لا قبلت واحدة منها حتى ألقى الله. قال أبو بكر: فذكرت هذا الحديث للحسن بن صالح فقال: ما كان على عثمان أكثر مما صنع »(١) .

وقال المسعودي: « وفي سنة خمس وثلاثين كثر الطعن على عثمان رضي‌الله‌عنه وظهر عليه النكير لاشياء ذكروها من فعله، منها: ما كان بينه وبين عبد الله بن مسعود وانحراف هذيل عن عثمان من أجله، ومن ذلك ما نال عمار بن ياسر من الفتق والضرب وانحراف بني مخزوم عن عثمان من أجله »(٢) .

وقال ابن عبد البر في ( الاستيعاب ٣ / ١٣٦ ): « وللحلف والولاء اللذين بين بني مخزوم وبين عمار وأبيه ياسر كان اجتماع بني مخزوم الى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه ورغموا وكسروا ضلعاً من اضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات لا قتلنا به أحداً غير عثمان »(٣) .

وقال اليعقوبي: « فأقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتى توفى، وصلى عليه عمار بن ياسر وكان غائباً، فستر أمره، فلما انصرف رأى القبر، فقال قبر من هذا؟ فقيل: قبر عبد الله بن مسعود، قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: ولي أمره عمار بن ياسر وذكر أنه أوصى أن لا يخبر به، ولم يلبث الا يسيراً حتى مات المقداد فصلى عليه عمار، وكان أوصى اليه ولم يؤذن عثمان به، فاشتد غضب عثمان على عمار وقال: ويلي على ابن السوداء، أما لقد كنت به عليماً »(٤) .

وروى الطبري وابن الاثير في قصة مسير الحسن عليه‌السلام وعمار

__________________

(١). العقد الفريد ٢ / ١٩٢.

(٢). مروج الذهب ٢ / ٣٣٨.

(٣). الاستيعاب ٣ / ١٣٦.

(٤). تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٠.


رضي‌الله‌عنه الى الكوفة - واللفظ للاول: « فأقبلا حتى دخلا المسجد، فكان أول من أتاهما مسروق بن الاجدع، فسلم عليهما وأقبل على عمار فقال: يا أبا اليقظان على ما قتلتم عثمان رضي‌الله‌عنه ؟ قال: على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا، فقال: والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لكان خيراً للصابرين »(١) .

وفي ( النهاية ) و ( تاج العروس ) و ( لسان العرب ) في مادة « صبر »: « وفي حديث عمار حين ضربه عثمان، فلما عوتب في ضربه إياه قال: هذي يدي لعمار فليصطبر. معناه: فليقتص».

رسول الله: من عادى عماراً عاداه الله

اذا عرفت ذلك واحطت خبراً بصنيع عثمان فلنورد طرفاً من الاحاديث الواردة في ذم بغض عماراً رضي‌الله‌عنه :

قال ابن عبد البر « ومن حديث خالد بن الوليد ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أبغض عماراً أبغضه الله تعالى. قال خالد: فما زلت أحبه من يومئذ »(٢) .

و قال الحافظ ابن حجر: « عن خالد بن الوليد قال: كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له، فشكاني الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء خالد فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه فقال: من عادى عماراً عاداه الله ومن ابغض عماراً أبغضه الله »(٣) .

و في ( اسد الغابة ٤ / ٤٥ ) عن أحمد بن حنبل و ( المشكاة ٥ / ٦٤١ هامش المرقاة ) واللفظ للاول: « عن علقمة عن خالد بن الوليد قال: كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له في القول، فانطلق عمار يشكوني الى النبي

__________________

(١). الطبري ٣ / ٤٩٧، الكامل ٣ / ١١٦.

(٢). الاستيعاب ٣ / ١١٣٨.

(٣). الاصابة ٢ / ٥٠٦.


صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء خالد وهو يشكوه الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فجعل يغلظ له ولا يزيده الا غلظة والنبي ساكت لا يتكلم فبكى عمار فقال: يا رسول الله ألا تراه؟ فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه وقال: من عادى عماراً عاداه الله ومن ابغض عماراً أبغضه الله.

قال خالد: فخرجت فما كان شيء أحب الي من رضى عمار فلقيته فرضي ».

وروى المتقي الهندي: « كف يا خالد عن عمار، فانه من يبغض عمارا يبغضه الله ومن يلعن عماراً يلعنه الله. ابن عساكر عن ابن عباس.

من يحقر عماراً يحقره الله، ومن يسب عماراً يسبه الله، ومن يبغض عماراً يبغضه الله. ع. وابن قانع. طب ض عن خالد بن الوليد.

يا خالد: لا تسب عماراً، انه من يعادي عماراً يعاديه الله، ومن يبغض عماراً يبغضه الله، ومن يسب عماراً يسبه الله ومن يسفه عماراً يسفهه الله، ومن يحقر عماراً يحقره الله. ظ وسمويه، طب. ك. عن خالد بن الوليد »(١) .

وانظر ايضاً ( كنز العمال ١٦ / ١٤٢ ).

و قال نورالدين الحلبي: « وفي الحديث: من عادى عماراً عاداه الله ومن ابغض عماراً ابغضه الله، عمار يزول مع الحق حيث يزول، [ عمار ] خلط الايمان بلحمه ودمه، عمار ما عرض عليه أمران الا اختار الأرشد منهما. وجاء: ان عماراً دخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: مرحباً بالطيب المطيب، ان عمار بن ياسر حشي ما بين اخمص قدميه الى شحمة اذنه ايماناً، وفي رواية: ان عماراً ملىء ايماناً من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه. وتخاصم عمار مع خالد بن الوليد في سرية كان فيها خالد اميراً، فلما جاء اليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استبا عنده، فقال خالد: يا رسول الله أيسرك ان

__________________

(١). كنز العمال ١٣ / ٢٩٨، ١٦ / ١٤٢.


هذا العبد الاجدع يشتمني؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا خالد لا تسب عماراً فان من سب عماراً فقد سب الله ومن ابغض عماراً أبغضه الله ومن لعن عمارا لعنه الله، ثم ان عمارا قام مغضباً، فقام خالد فتبعه حتى أخذ بثوبه واعتذر اليه فرضي عنه »(١) .

٦ - مخالفة عبد الرحمن بن عوف لعمار

لقد خالف عبد الرحمن بن عوف عماراً، ولم يهتد بهداه فضل وأضل

فقد روى الطبري ( التاريخ ٣ / ٢٩٧ ) وابن الاثير ( ٣ / ٣٧ ) وابن عبد ربه ( العقد الفريد ٢ / ١٨٢ ) في قصة الشورى واللفظ للأول ما نصه: « فلما صلوا الصبح جمع الرهط وبعث الى من حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار والى أمراء الاجناد، فاجتمعوا حتى التج المسجد بأهله فقال: ايها الناس، ان الناس قد أحبوا ان يلحق أهل الأمصار بأمصارهم، وقد علموا من أميرهم، فقال سعيد بن زيد: انا نراك لها أهلا فقال: أشيروا عليّ بغير هذا، فقال عمار: ان أردت ان لا يختلف المسلمون فبايع علياً، فقال المقداد بن الاسود: صدق عمار، ان بايعت علياً قلنا سمعنا واطعنا. قال ابن أبي سرح: ان أردت ان لا تختلف قريش فبايع عثمان، فقال عبد الله ابن أبي ربيعة: صدقت ان بايعت عثمان قلنا سمعنا واطعنا، فشتم عمار ابن أبي سرح وقال: متى كنت تنصح المسلمين، فتكلم بنو هاشم وبنو أمية فقال عمار: أيها الناس ان الله عز وجل أكرمنا بنبيّه واعزّنا بدينه، فأنى تصرفون هذا الامر عن أهل بيت نبيكم؟! ».

٧ - بغض سعد بن ابى وقاص لعمار

ان هذا الحديث دليل على ضلال سعد بن أبي وقاص، لما ذكروا من

__________________

(١). السيرة الحلبية ٢ / ٢٦٥.


أنه كان مهاجراً لعمار بن ياسر، وقد روى ابن قتيبة وابن عبد ربه انه: « قال له سعد: ان كنا لنعدك من افاضل أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى إذا لم يبق من عمرك الا - ظأم الحمار أخرجت ربقة الإسلام من عنقك، ثم قال له: أيما أحب إليك مودة على دخل أو مصارمة جميلة؟ بل مصارمة جميلة، فقال: عليّ ان لا اكلمك أبداً »(١) .

٨ - ترك المغيرة نصيحة عمار

ان هذا الحديث دليل ساطع على ضلال المغيرة بن شعبة، فقد روى ابن قتيبة ما هذا نصه: « ثم دخل المغيرة بن شعبة، فقال له علي: هل لك يا مغيرة في الله؟ قال: فأين هو يا أمير المؤمنين؟ قال: تأخذ سيفك فتدخل معنا في هذا الأمر فتدرك من سبقك وتسبق من معك، فاني أرى اموراً لا بد للسيوف ان تشحذ لها وتقطف الرءوس بها.

فقال المغيرة: فاني والله يا أميرالمؤمنين ما رأيت قاتل عثمان مصيباً ولا قتله صواباً، وانها لمظلمة تتلوها ظلمات فأربد يا أميرالمؤمنين ان اذنت لي ان اضع سيفي وأنا في بيتي حتى تنجلي الظلمة ويطلع قمرها فنسري مبصرين نقفوا آثار المهتدين ونتقي سبيل الجائرين، قال علي: قد أذنت لك فكن من أمرك على ما بدا لك.

فقام عمار فقال: معاذ الله يا مغيرة تقعد أعمى بعد ان كنت بصيراً يغلبك من غلبته ويسبقك من سبقته، انظر ما ترى وتفعل، وأما أنا فلا أكون الا في الرعيل الاول.

فقال له المغيرة: يا ابا اليقظان إياك أن تكون كقاطع السلسلة فر من الضحل فوقع في الرمضاء.

فقال علي لعمار: دعه فانه لن يأخذ من الآخرة الا ما خالطته الدنيا،

__________________

(١). المعارف ٥٥٠، العقد الفريد ٢ / ١٨٨.


وأما والله يا مغيرة انها للوثبة المودية تودي من قام فيها الى الجنة ولها اختان بعدها فإذا غشيتاك فنم في بيتك.

فقال المغيرة: أنت والله يا أميرالمؤمنين اعلم مني ولئن لم اقاتل معك لا أعين عليك، فان يكن ما فعلت صواباً فاياه اردت، وان خطأ فمنه نجوت، ولي ذنوب كثيرة لا قبل لي بها الا الاستغفار منها »(١) .

٩ - تخلف كبار الاصحاب عما دعاهم عمار اليه

ان هذا الحديث دليل واضح على ضلالة عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة، فإنهم لم يتبعوا عماراً ولم يهتدوا بهداه، فقد ذكر ابن قتيبة: « اعتزل عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة عن مشاهد علي وحروبه، قال: وذكروا ان عمار بن ياسر قام الى علي فقال يا أميرالمؤمنين ائذن لي آتي عبد الله بن عمر فأكلمه لعله يخف معنا في هذا الأمر، فقال علي: نعم، فأتاه فقال له: يا ابا عبد الرحمن انه قد بايع علياً المهاجرون والأنصار ومن ان فضلناه عليك لم يسخطك وان فضلناك عليه لم يرضك، وقد أنكرت السيف في أهل الصلاة، وقد علمت ان على القاتل القتل وعلى المحصن الرجم، وهذا يقتل بالسيف وهذا يقتل بالحجارة، وان علياً لم يقتل أحداً من اهل الصلاة فيلزم حكم القاتل.

فقال ابن عمر: يا ابا اليقظان ان أبي جمع اهل الشورى الذين قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنهم راض، فكان أحقهم بها علي، غير انه جاء معه امر فيه السيف ولا أعرفه، ولكن الله ما أحب ان لي الدنيا وما عليها واني اظهرت أو أضمرت عداوة علي.

قال: فانصرف عنه، فأخبر علياً بقوله، فقال لو أتيت محمد بن مسلمة الانصاري، فأتاه عمار فقال له محمد: مرحباً بك يا أبا اليقظان على فرقة ما

__________________

(١). . الامامة والسياسة ١ / ٥٠.


بيني وبينك، والله لولا ما في يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبايعت علياً ولو ان الناس كلهم عليه لكنت معه، ولكنه يا عمار كان من النبي أمر ذهب فيه الرأي.

فقال عمار: كيف؟ قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا رأيت المسلمين يقتتلون أو إذا رأيت أهل الصلاة، فقال عمار: فان كان قال لك: إذا رأيت المسلمين فو الله لا ترى مسلمين يقتتلان بسيفهما ابداً، وان كان قال لك أهل الصلاة فمن سمع هذا معك؟ انما أنت أحد الشاهدين، فتريد من رسول الله قولا بعد قوله يوم حجة الوداع: دماؤكم وأموالكم عليكم حرام الا بحدث فتقول يا محمد لا تقاتل المحدثين، قال: حسبك يا أبا اليقظان.

قال: ثم أتى سعد بن أبي وقاص فكلمه فأظهر سعد الكلام القبيح، فانصرف عمار الى علي.

فقال له علي: دع هؤلاء الرهط، أما ابن عمر فضعيف، وأما سعد فحسود وذنبي الى محمد بن مسلمة اني قتلت قاتل أخيه يوم خيبر مرحب اليهودي »(١) .

١٠ - مخالفة ابى موسى الأشعري لعمار

ويقتضى هذا الحديث ان يعتقد أهل السنة بضلالة أبي موسى الاشعري، فانه عوضاً عن الاهتداء بهدى عمار خالفه وعانده، فقد روى الطبري في ( التاريخ ٣ / ٤٩٧ ) وابن الأثير في ( الكامل ٣ / ١١٦ ) وابن خلدون في ( التاريخ ٢ / ١٥٩ ) في قصة مجيء الحسن وعمار سلام الله عليهما الى الكوفة وقد كان أبوموسى الوالي عليها ( واللفظ للأول ):

« فخرج أبو موسى فلقى الحسن فضمه اليه، وأقبل على عمار فقال: يا أبا اليقظان أعدوت فيمن عدا على أمير المؤمنين فأحللت نفسك مع الفجار؟

__________________

(١). الامامة والسياسة ١ / ٥٣.


فقال لم افعل ولم يسؤني ».

وروى البخاري في ( الصحيح ٩ / ٧٠ ) والحاكم في ( المستدرك ٣ / ١١٧ ) وابن الأثير في ( جامع الاصول ١٠ / ٤٣١ ) وسبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص ٦٩ ) وجماعة عن أبي وائل انه قال - واللفظ للبخاري -.

« دخل أبوموسى وأبومسعود على عمار حيث بعثه علي الى أهل الكوفة يستنفرهم فقالا: ما رأيناك أتيت أمراً اكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت، فقال عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً اكره عندي من ابطائكما عن هذا الأمر، وكساهما حلة حلة، ثم راحوا الى المسجد ».

١١ - مخالفة ابى مسعود الانصاري لعمار

ان هذا الحديث يبين ضلالة أبي مسعود الانصاري، فانه اقتفى اثر أبي موسى في التخلف عن هدى عمار وإنكاره الاستنفار لنصرة أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، كما علم مما تقدم في الوجه السابق.

وأخرج البخاري بعد الحديث المتقدم: « حدثنا عيدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن شقيق بن سلمة، قال: كنت جالساً مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار، فقال ابو مسعود: ما من أصحابك أحد الا لو شئت لقلت فيه غيرك وما رأيت منك شيئاً منذ صحبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر.

قال عمار: يا أبا مسعود وما رأيت منك ومن صاحبك هذا شيئاً منذ صحبتما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعيب عندي من ابطائكما في هذا الأمر.

فقال أبومسعود - كان موسراً - يا غلام هات حلتين، فاعطى إحداهما أباموسى والأخرى عماراً، وقال: روحا فيهما الى الجمعة »(١) .

والجدير بالذكر تستر اليافعي على الرجلين لفرط فظاعة معاملتهما مع

__________________

(١). صحيح البخاري ٩ / ٧٠.


عمار رضي‌الله‌عنه في تاريخه وقوله: « وعاتبه رجلان جليلان ممن توقف عن القتال لما التقى الفريقان في كلام معناه: ما رأينا منك قط شيئاً نكرهه سوى إسراعك في هذا الأمر، يعني في القتال مع علي، أو نحو ذلك من المقال »(١) .

ومثل هذا عندهم كثير، ولكن « لن يصلح العطار ما أفسده الدهر ».

١٢ - خروج طلحة والزبير على على وعمار معه

ويتضح من هذا الحديث ضلالة طلحة والزبير، إذ لم يهتديا بهدى عمار يوم الجمل، على ان الزبير كان يعلم وجوده في جيش اميرالمؤمنين عليه‌السلام .

قال الطبري: « قال قرة بن الحارث: كنت مع الأحنف بن قيس وكان جون بن قتادة ابن عمي مع الزبير بن العوام، فحدثني جون بن قتادة قال: كنت مع الزبير فجاء فارس يسير - وكانوا يسلمون على الزبير بالامرة - فقال: السلام عليك أيها الامير. قال: وعليك السلام، قال: هؤلاء القوم قد أتوا مكان كذا وكذا ولم أرقوماً أرث سلاحاً ولا أقل عدداً ولا أرعب قلوباً من قوم أتوك، ثم انصرف عنه. قال ثم جاء فارس فقال: السلام عليك أيها الامير، فقال: وعليك السلام، قال: جاء القوم حتى أتوا مكان كذا وكذا فسمعوا بما جمع الله عز وجل من العدد والعقدة والحد، فقذف في قلوبهم الرعب فولوا مدبرين. قال الزبير: أيهاً عنك الان، فو الله لو لم يجد ابن أبي طالب الا العرفج لدب إلينا فيه، ثم انصرف.

ثم جاء فارس وقد كادت الخيول أن تخرج من الرهج فقال: السلام عليك أيها الأمير. قال: وعليك السلام، قال: القوم قد أتوك، فلقيت عماراً فقلت له فقال لي: فقال الزبير: انه ليس فيهم، فقال: بلي والله انه لفيهم، قال: والله ما جعله الله فيهم، فقال: والله لقد جعله الله فيهم، قال: والله ما

__________________

(١). مرآة الجنان - حوادث ٨٧.


جعله الله فيهم، فلما رأى الرجل يحالفه قال لبعض أهله: اركب فانظر أحق ما يقول؟ فركب معه فانطلقا وأنا انظر إليهما حتى وقفا في جانب الخيل قليلا ثم رجعا إلينا، فقال الزبير لصاحبه ما عندك؟ قال: صدق الرجل. قال الزبير: يا جدع أنفاه، أو يا قطع ظهراه. قال محمد بن عمارة قال عبيد الله قال فضيل: لا ادري أيهما قال. قال: ثم أخذه أفكل فجعل السلاح ينتقض.

قال: فقال جون: ثكلتني أمي، هذا الذي كنت أريد ان أموت معه أو اعيش معه، والذي نفسي بيده ما أخذ هذا ما ارى الا لشيء قد سمعه أو رآه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلما تشاغل الناس انصرف فجلس على دابته، ثم ذهب، فانصرف جون فجلس على دابته فلحق بالأحنف، ثم جاء فارسان حتى أتيا الاحنف واصحابه فنزلا فأتيا فأكبا عليه فناجياه ساعة ثم انصرفا، ثم جاء عمرو بن جرموز الى الأحنف فقال: أدركته في وادي السباع فقتلته، فكان يقول: والذي نفسي بيده ان صاحب الزبير الأحنف »(١) .

١٣ - كلمات عائشة القارصة

ويدل الحديث على ضلال عائشة بنت أبي بكر، قال الطبري: « كتب الي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا: أمر علي نفراً بحمل الهودج من بين القتلى، وقد كان القعقاع وزفر بن الحارث انزلاه عن ظهر البعير، فوضعناه الى جنب البعير فأقبل محمد بن أبي بكر اليه ومعه نفر فادخل يده فيه، فقالت: من هذا؟ قال: أخوك البر، قالت: عقوق، قال عمار بن ياسر: كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أمه؟ قالت: من أنت؟ قال: انا ابنك البار عمار، قالت: لست لك بأم. قال: بلي وان كرهت، قالت:

فخرتم أن ظفرتم وأتيتم مثل ما نقمتم، هيهات والله لن يظفر من كان هذا

__________________

(١). الطبري ٣ / ٥٢٠.


دأبه »(١) .

وانظر ( مروج الذهب ٢ / ٣٦٢ ) وغيره من التواريخ.

١٤ - سرور معاوية بمقتل عمار

ان هذا الحديث من أوضح الادلة والبراهين على ضلالة معاوية بن أبي سفيان، رئيس الفئة الباغية فلقد اعرض عن هدى عمار ثم فرح بمقتله بصفين فلما ذكر بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له « ويحك يا ابن سمية، تقتلك الفئة الباغية » قال: « انما قتله الذين جاءوا به ».

راجع للوقوف على ذلك:

١ - الطبقات ٣ / ٢٥٣، ٢٥٩

٢ - المسند ٢ / ١٦٤، ٢٠٦

٣ - تاريخ الطبري ٤ / ٢ - ٣ و ٤ / ٢٨ - ٢٩

٤ - الكامل ٣ / ١٤٨، ١٥٧، ١٥٨

٥ - الامامة والسياسة ١ / ١٢٦

٦ - المستدرك ٣ / ٣٧٨

٧ - العقد الفريد ٢ / ٢٠٣، ٢٠٤

٨ - الروض الانف ٤ / ٢٦٤ - ٢٦٥.

٩ - تفسير ابن العربي ٢ / ٥١٩ بتفسير قوله تعالى: وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا

١٠ - فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣ / ٢٦

١١ - عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ٢٤ / ١٩٢

١٢ - شرح صحيح مسلم لابي عبد الله السنوسي

١٣ - الرياض المستطابة لعماد الدين العامري - ترجمة عمّار.

__________________

(١). الطبري ٣ / ٥٣٨.


١٤ - وفاء الوفاء ١ / ٣٢٩ - ٣٣٢

١٥ - المصنف لابن أبي شيبة ٥ / ٨١.

١٦ - كنز العمال ١٦ / ١٤٣

١٧ - المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٤٤٧

١٨ - الخميس في تاريخ النفس النفيس ٢ / ٢٧٧

١٩ - نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض ٣ / ١٦٦

٢٠ - الخصائص للنسائي ١٣٣ - ١٣٥

وغيرها من مصادر التاريخ والاخبار

رسول الله: عمار تقتله الفئة الباغية

وإليك نصوص بعض عبارات أعلام القوم في هذا الباب:

قال محمد بن سعد البصري المعروف بكاتب الواقدي بترجمة عمار عليه الرحمة: « أخبرنا أبو معاوية الضرير، عن الاعمش عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال: اني لاسير مع معاوية في منصرفه عن صفين بينه وبين عمرو بن العاص، قال: فقال عبد الله بن عمرو: يا أبة! سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعمار: ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية. قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا؟ قال: فقال معاوية: ما نزال تأتينا بهنة تدحض بها في بولك، أنحن قتلناه؟ انما قتله الذين جاءوا به.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب، قال: حدثني أسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد العنزي قال: بينا نحن عند معاوية إذ جاء رجلان يختصمان في رأس عمار، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحد كما نفساً لصاحبه فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. قال: فقال معاوية: ألا تغني عنا مجنونك يا عمرو فما بالك معنا؟ قال: ان أبي شكاني الى رسول الله


صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: أطع أباك حياً ولا تعصه، فأنا معكم ولست أقاتل ».

وقال أيضاً « أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الحارث بن الفضيل، عن أبيه، عن عمارة بن خزيمة بمن ثابت، قال: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسل سيفاً وشهد صفين وقال: أنا لا أسل ابداً حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله، فانى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. قال فلما قتل عمار بن ياسر قال خزيمة: قد بانت لي الضلالة واقترب، فقاتل حتى قتل، وكان الذي قتل عمار بن ياسر ابو غادية المزني طعنه برمح فسقط وكان يومئذ يقاتل في محضة فقتل يومئذ وهو ابن اربع وتسعين سنة، فلما وقع أكب عليه رجل آخر فاحتز رأسه فأقبلا يختصمان فيه كلاهما يقول: أنا قتلته.

فقال عمرو بن العاص والله ان يختصمان الا في النار، فسمعها منه معاوية فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيت مثل ما صنعت قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: انكما تختصمان في النار فقال عمرو: هو والله ذاك والله انك لتعلمه، ولوددت أني مت قبل هذه بعشرين سنة ».

و قال أبوبكر ابن أبي شيبة العبسي في مصنفه: « حدثنا يزيد بن هارون، قال أخبرنا العوام بن حوشب، قال: حدثني أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد العنزي، قال: اني الجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار، كل واحد منهما يقول: أنا قتلته قال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه، فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية فقال: معاوية: الا تغني عن مجنونك يا عمرو فما بالك معنا؟ قال: اني معكم ولست أقاتل، ان أبي شكاني الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطع أباك مادام حياً ولا تعصه، فأنا معكم ولست اقاتل ».


و قال احمد بن حنبل الشيباني في مسنده في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص « حدثنا أبو معاوية، ثنا: الاعمش، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال: اني لاسير مع معاوية في منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص، قال فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: يا أبت سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعمار: ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية. قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية: لا تزال تأتينا بهنة أنحن قتلناه؟ انما قتله الذين جاءوا به. حدثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد الرحمن بن أبي زياد مثله أو نحوه».

و قال أيضاً: « حدثنا يزيد. أنا: العوام، حدثني أسود بن مسعود، عن حنظلة ابن خويلد العنبري، قال: بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل منهما: أنا قتلته فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحد كما نفساً لصاحبه فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. قال معاوية: فما بالك معنا؟ قال: ان أبى شكاني الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: أطع أباك مادام حياً ولا تعصه فأنا معكم ولست اقاتل ».

و قال: « حدّثنا الفضل بن دكين، ثنا: سفيان، عن الأعمش، عن عبد الرحمن ابن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال: اني لا ساير عبد الله ابن عمرو بن العاص ومعاوية فقال عبد الله بن عمرو لعمرو: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول تقتله الفئة الباغية، يعني عماراً فقال عمرو لمعاوية: اسمع ما يقول هذا! فحدّثه فقال: أنحن قتلناه؟ انما قتله من جاء به. حدّثنا أبو معاوية، ثنا: الاعمش، عن عبد الرحمن بن أبي زياد، فذكر نحوه ».

و قال: « حدّثنا أسود بن عامر: ثنا يزيد بن هارون، أنا: العوام: حدثني أسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد العنبري، قال: بينما أنا عند


معاوية اذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال عبد الله: ليطب به أحد كما نفسا لصاحبه فانى سمعت، يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. فقال معاوية ألا تغني عنّا مجنونك يا عمرو فما بالك معنا؟! قال: ان أبي شكاني الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطع أباك ما دام حياً ولا تعصه. فأنا معكم ولست أقاتل ».

و قال أحمد في مسند عمرو بن العاص: « ثنا عبد الرزاق، قال ثنا: معمر، عن طاوس، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، قال لما قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال قتل عمار وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تقتله الفئة الباغية. فقام عمرو بن العاص فزعاً يرجع حتى دخل على معاوية، فقال له معاوية: ما شأنك؟ قال: قتل عمار! فقال معاوية: قد قتل عمار فما ذا؟ قال عمرو: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية فقال له معاوية: دحضت في بولك؟ أو نحن قتلناه؟! انما قتله علي وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا، أو قال: بين سيوفنا ».

و قال أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب ( الخصائص ) في مقام سياق طرق حديث الفئة الباغية: « أنبأنا أحمد بن سليمان، قال: ثنا: يزيد، قال: أنبأنا العوام عن الأسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد، قال: كنت عند معاوية فأتاه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما: أنا قتلته! فقال عبد الله ابن عمرو: ليطب به نفساً أحدكما لصاحبه فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتلك الفئة الباغية.

قال [ أبو عبد الرحمن ]: خالف شعبة فقال: عن العوام، عن رجل، عن حنظلة بن سويد، أخبرنا محمد بن المثنى، [ حدثنا محمد ]، أخبرنا شعبة، عن العوام بن حوشب، عن رجل من بني شيبان، عن حنظلة بن سويد، قال: جيء برأس عمار فقال عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم


يقول: تقتلك الفئة الباغية.

أخبرني محمد بن قدامة، قال: ثنا: جرير، عن الاعمش [ عن عبد الرحمن ] عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: يقتل عماراً الفئة الباغية [ قال أبو عبد الرحمن ]: خالفه أبو معاوية فرواه عن الاعمش عن عبد الرحمن بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، أخبرنا عبد الله بن محمد قال [ حدثنا ] أبو معاوية: حدثنا الاعمش، عن عبد الرحمن ابن أبي زياد وأخبرنا عمرو بن منصور الشيباني، أخبرنا [ أبو نعيم، عن سفيان ]، عن عن الأعمش، عن عبد الرحمن بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث: قال: اني لا ساير عبد الله بن عمرو بن العاص ومعاوية فقال عبد الله ابن عمر: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: عمار تقتله الفئة الباغية. قال عمرو: يا معاوية اسمع ما يقول هذا! فجذبه فقال: نحن قتلناه؟! انما قتله من جاء به، لا تزال داحضاً في بولك ».

و قال ابن قتيبة الدينوري « ثم حمل عمار وأصحابه فالتقى عليه رجلان فقتلاه وأقبلا برأسه الى معاوية يتنازعان فيه كل يقول: أنا قتلته. فقال لهما عمرو بن العاص: والله ان تتنازعان الا في النار، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتل عماراً الفئة الباغية. فقال معاوية قبّحك الله من شيخ! فما تزال تتزلق في بولك! أو نحن قتلناه؟! انما قتله الذين جاءوا به. ثم التفت الى أهل الشام فقال: انما نحن الفئة الباغية التي تبغي دم عثمان ».

وقال الطبري في خبر رسل الامام عليه‌السلام الى معاوية « وتكلم يزيد ابن قيس، فقال: انا لم نأنك الا لنبلغك ما بعثنا به اليك ولنؤدي عنك ما سمعنا منك، ونحن على ذلك لن ندع أن ننصح لك وأن نذكر ما ظننا أن لنا عليك به حجة، وانك راجع به الى الالفة والجماعة، ان صاحبنا من قد عرفت وعرف المسلمون فضله، ولا أظنه يخفى عليك أن أهل الدين والفضل لن يعدلوا بعلي ولن يمثلوا بينك وبينه، فاتق الله يا معاوية ولا تخالف علياً فانا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى ولا أزهد في الدنيا ولا أجمع


لخصال الخير كلها منه. فحمد الله معاوية وأثنى، ثم قال: أما بعد! فإنكم دعوتم الى الطاعة والجماعة، فأما الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا هي، وأما الطاعة لصاحبكم فانا لا نراها، ان صاحبكم قتل خليفتنا وفرّق جماعتنا وآوى ثارنا وقتلتنا وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه، أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون انهم اصحاب صاحبكم فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به. ثم نحن نجيبكم الى الطاعة والجماعة.

فقال له شبث: أيسرّك يا معاوية أنك أمكنت من عمار تقتله؟ فقال معاوية: وما يمنعني من ذلك والله لو أمكنت من ابن سمية ما قتلته بعثمان رضي‌الله‌عنه ولكن كنت قاتله بناتل مولى عثمان! فقال له شبث: واله الأرض واله السماء ما عدلت معتدلا، لا والذي لا اله الا هو لا تصل الى عمار حتى تندر الهام عن كواهل الأقوام وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها! فقال له معاوية: انه لو قد كان ذلك كان الأرض عليك أضيق ».

و قال في خبر عن عبد الرحمن السلمي في مقتل عمار: « فلما كان الليل قلت لا دخلن إليهم حتى أعلم هل بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منا؟ وكنا إذا توادعنا من القتال تحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم فركبت فرسي وقد هدأت الزجل ثم دخلت فإذا أنا بأربعة يتسايرون: معاوية وأبو الأعور السلمي وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمرو وهو خير الأربعة، فأدخلت فرسي بينهم مخافة ان يفوتني ما يقول احد الشقين فقال عبد الله لأبيه: يا أبة! قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا؟ وقد قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلّم ما قال؟ قال: وما قال؟ قال: ألم تكن معنا ونحن نبني المسجد والناس ينقلون حجراً حجراً ولبنة لبنة وعمار ينقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين، فغشي عليه فأتاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: ويحك يا ابن سمية الناس ينقلون حجرا حجرا ولبنة لبنة وأنت تنقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين رغبة منك في الأجر، وأنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية! فدفع عمر وصدر فرسه ثم جذب معاوية اليه فقال: يا معاوية!


أما تسمع ما يقول عبد الله؟ قال: وما يقول؟ فأخبره الخبر، فقال معاوية: انك شيخ أخرق ولا تزال تحدث بالحديث وأنت تدحض في بولك! أو نحن قتلنا عماراً؟! انما قتل عماراً من جاء به. فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون: انما قتل عمارا من جاء به، فلا أدري من كان أعجب هو أوهم ».

و قال أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي « مقتل عمار بن ياسر العتبى: قال لما التقى الناس بصفين نظر معاوية الى هاشم بن عتبة الذي يقال له المرقال لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرقل يا ميمون! وكان أعور والراية بيده وهو يقول: أعور يبغى نفسه محلا:

قد عالج الحياة حتى ملا

لا بدّ أن يفل أو يفلا

فقال معاوية لعمرو بن العاص: يا عمرو! هذا المرقال والله لئن زحف بالراية زحفاً انه ليوم أهل الشام الاطول ولكني أرى ابن السوداء الى جنبه، يعنى عماراً وفيه عجلة في الحرب وأرجو أن تقدمه الى الهلكة، وجعل عمار يقول: يا عتبة تقدم! فيقول: يا أبا اليقظان! أنا أعلم بالحرب منك، دعني أزحف بالراية زحفاً! فلما أضجره وتقدم أرسل معاوية خيلا فاختطفوا عماراً فكان يسمى أهل الشام قتل عمار « فتح الفتوح ».

و قال أيضاً: « أبوذر، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالت: لم بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب وما يحتاج اليه، ثم قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضع ردائه، فلما رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم وأكسيتهم يرتجزون ويقولون ويعلمون:

لئن قعدنا والنبي يعمل

ذاك اذاً لعمل مضلل

قالت: وكان عثمان بن عفان رجلا نظيفاً متنظفاً فكان يحمل اللبنة ويجافي بها عن ثوبه، فإذا وضعه نفض كفيه ونظر الى ثوبه فإذا أصابه شيء من التراب نفضه! فنظر اليه علي رضي‌الله‌عنه فأنشد:


لا يستوي من يعمر المساجدا

يدأب فيها راكعاً وساجداً

وقائماً طوراً وطوراً قاعدا

ومن يرى عن التراب حائداً

عثمان فقال: يا بن سمية! ما أعرفني بمن تعرض؟ ومعه جريدة، فقال: لتكفن أو لاعترضن بها وجهك! فسمعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو جالس في ظل حائط، فقال: عمار جلدة ما بين عيني وألفي، فمن بلغ ذلك منه فقد بلغ منى وأشار بيده فوضعها بين عينيه، فكف الناس عن ذلك وقالوا لعمار: ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد غضب فيك ونخاف أن ينزل فينا قرآن! فقال: أنا أرضيه كما غضب، فأقبل عليه فقال: يا رسول الله! ما لي ولأصحابك؟ قال ومالك ولهم؟ قال: يريدون قتلي يحملون لبنة ويحملون علي لبنتين، فأخذ به وطاف به في المسجد وجعل يمسح وجهه من التراب ويقول: يا بن سمية! لا يقتلك أصحابي ولكن تقتلك الفئة الباغية. فلما قتل بصفين وروى هذا الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال معاوية: هم قتلوه لأنهم أخرجوه الى القتل. فلما بلغ ذلك علياً قال: ونحن قتلنا أيضاً حمزة لأنا أخرجناه ».

وقال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري بترجمة عمار: « أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصنعاني. ثنا: اسحق بن ابراهيم بن عباد. أنبأ: عبد الرزاق عمر معمر، عن ابن طاوس، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، أخبره قال: لما قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتل عمار وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. فقام عمرو فزعاً حتى دخل على معاوية فقال له معاوية: ما شأنك؟ فقال: قتل عمار بن ياسر! فقال: قتل عمار فما ذا؟ فقال عمرو: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: يقتله الفئة الباغية. فقال له معاوية: أنحن قتلناه؟ انما قتله علي وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا، أو قال: سيوفنا. صحيح على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة.


أخبرنا أبوزكريا الغبري ثنا: محمد بن عبد السلام، ثنا: اسحق ثنا، عطاء ابن مسلم الحلبي، قال: سمعت! لاعمش بقول: قال أبو عبد الرحمن السلمى: شهدنا صفين فكنا إذا توادعنا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء في عسكر هؤلاء، فرأيت أربعة يسيرون معاوية بن أبي سفيان وابوالاعور السلمى وعمرو بن العاص وابنه، فسمعت عبد الله بن عمرو يقول لأبيه عمرو: وقد قتلنا هذا الرجل وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ما قال. قال. أي الرجل؟ قال عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسجد فكنا نحمل لبنة لبنة وعمار يحمل لبنتين لبنتين، فمر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: أتحمل لبنتين لبنتين وأنت ترحض؟! أما انك ستقتلك الفئة الباغية وأنت من أهل الجنة. فدخل عمرو على معاوية فقال: قتلنا هذا الرجل وقد قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال. فقال: أسكت فوالله ما تزل تدحض في بولك! أنحن قتلناه؟! انما قتله علي وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بيننا! ».

و قال أبو المؤيد الموفق بن احمد الخوارزمي: « وكان الذي قتل عمارا أبو غادية المزني طعنه برمح فسقط وكان يومئذ يقاتل وهو ابن أربع وتسعين، فلما وقع أكب عليه رجل آخر فاجتز رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول: أنا قتلته! فقال عمرو بن العاص: والله ان يختصمان الا في النار، فسمعها معاوية فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو: ما رأيت مثل ما صنعت! قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: انكما تختصمان في النار؟! فقال عمرو: هو والله ذلك انك لتعلمه ولوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة ».

قال: « في اليوم السادس والعشرين من حروب صفين قتل أبو اليقظان عمار ابن ياسر وأبو الهيثم بن التيهان نقيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورضي عنهما. روي أن الحرث بن باقور أخا ذي الكلاع برز الى عمار وضربه عمار فصرعه وكان من برز اليه قتله فينشد:

نحن ضربنا كم على تنزيله

واليوم نضربكم على تأويله


ضرباً يزيل الهام عن مقيله

وبذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق الى سبيله!

واستسقى عمار فأتى بلبن في قدح فلما رآه كبر ثم شربه وقال: ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي: آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن، ويقتلك الفئة الباغية! فهذا آخر أيامي من الدنيا ثم حمل وأحاط به أهل الشام واعترضه أبو الغادية الفزاري وابن جوفي السكسكي، فأما أبو الغادية فطعنه وأما ابن جوفي فاجتز رأسه الشريف، وقد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمار بن ياسر: يا بن سمية! تقتلك الفئة الباغية. قال ذو الكلاع، وتحت أمره ستون ألفاً من الفرسان يقول لعمرو بن العاص: ويحك أنحن الفئة الباغية؟! وكان في شك من ذلك، فيقول عمرو: انه سيرجع الينا، واتفق أنه أصيب ذو الكلاع يوم أصيب عمار، فقال عمرو: لو بقي ذو الكلاع لمال بعامة قومه ولا فسد علينا جندنا.

و قتل أبو الهيثم وجماعة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما رأى ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص قال لابيه: أشهد لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول لعمار: تقتلك الفئة الباغية فقال عمرو لمعاوية: صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنحن قتلنا عمارا؟ انما قتله الذي جاء به فألقاه تحت رماحنا وسيوفنا.

و فرح بقتل عمار أهل الشام، وقال معاوية: قتلنا عبد الله بن بديل وهاشم بن عتبة وعمار بن ياسر، فاسترجع النعمان بن بشير وقال: والله انا كنا نعبد اللات والعزّى، وعمار يعبد الله ولقد عذّبه المشركون بالرمضاء وغيرها من ألوان العذاب، فكان يوحد الله ويصبر على ذلك، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صبراً آل ياسر! موعدكم الجنة. وقال له: ان عماراً يدعو الناس الى الجنة ويدعونه الى النار، وقال ابن جوفي من أهل الشام: أنا قتلت عماراً. فقال عمرو بن العاص: ما ذا قال حين ضربته؟ قال: قال اليوم ألقى


الاحبّة محمداً وحزبه. فقال عمرو: صدقت، أنت صاحبه والله ما ظفرت يداك وقد أسخطت ربك.

وعن السدي، عن يعقوب بن أسباط، قال احتج رجلان بصفّين في سلب عمار وفي قتله، فأتيا عبد الله بن عمرو بن العاص يتحاكمان اليه، فقال: ويحكما أخرجا عني فانّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أولعت قريش بعمّار، عمار يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار، قاتله وسالبه في النار».

و قال السهيلي: « وفي « جامع معمر بن راشد » أن عماراً كان ينقل في بنيان المسجد لبنتين، لبنة عنه ولبنة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس ينقلون لبنة واحدة، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : للناس أجر ولك أجران، وآخر زادك من الدنيا شربة لبن، وتقتلك الفئة الباغية! فلما قتل يوم صفين دخل عمرو على معاوية فزعاً فقال: قتل عمار! فقال معاوية فما ذا؟ فقال عمرو: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتلك الفئة الباغية! فقال: دحضت في بولك، أنحن قلناه؟! انما قتله من أخرجه ».

وقال ابن الاثير الجزري في خبر رسل أمير المؤمنين الى معاوية: « وقال يزيد بن قيس: انا لم نأت الا لنبلغك ما أرسلنا به اليك ونؤدي عنك ما سمعنا منك، ولن ندع ان ننصح وأن نذكر ما يكون به الحجة عليك ويرجع الى الالفة والجماعة، ان صاحبنا من عرف المسلمون فضله ولا يخفى عليك، فاتق الله يا معاوية ولا تخالفه! فانا والله ما رأينا في الناس رجلا قط أعمل بالتقوى ولا أزهد في الدنيا ولا أجمع لخصال الخير كلها منه. فحمد الله معاوية ثم قال:

أما بعد، فانكم دعوتم الى الطاعة والجماعة، فأما الجماعة التي دعوتم اليها فمعنا هي، وأما الطاعة لصاحبكم فانا لا نراها، لان صاحبكم قتل خليفتنا وفرق جماعتنا وآوى ثارنا، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله، فنحن لا نرد عليه ذلك فليدفع الينا قتلة عثمان لنقتلهم ونحن نجيبكم الى الطاعة والجماعة! فقال شبث بن ربعي: أيسرك يا معاوية أن تقتل عماراً؟!


فقال: وما يمنعني من ذلك لو تمكنت من ابن سمية لقتلته بمولى عثمان! فقال شبث: والذي لا اله غيره لا تصل الى ذلك حتى تندر الهام عن الكواهل وتضيق الارض والفضاء عليك! فقال معاوية: لو كان ذلك لكانت عليك اضيق! وتفرق القوم عن معاوية ».

وقال في ذكر مقتل عمار عليه الرحمة: « وخرج عمار بن ياسر على الناس فقال: اللهم انك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته! اللهم انك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم أنحني عليه حتى تخرج من ظهري لفعلته! واني لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم عملا هو أرضى لك منه لفعلته، والله اني لارى قوماً ليضربنكم ضرباً يرتاب منه المبطلون، وأيم الله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، لعلمت أنا على الحق، وأنهم على الباطل.

ثم قال: من يبتغي رضوان الله ربه ولا يرجع الى مال ولا ولد؟ فأتاه عصابة فقال: اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون دم عثمان، والله ما أرادوا الطلب بدمه ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحبوها وعلموا أن الحق اذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه منها، ولم يكن لهم سابقة يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم، فخدعوا أتباعهم وقالوا: امامنا قتل مظلوماً، ليكونوا بذلك جبابرة ملوكاً فبلغوا ما ترون، فلولا هذا ما تبعهم من الناس رجلان. اللهم ان تنصرنا فطالما نصرت وان تجعل لهم الامر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الاليم.

ثم مضى ومعه تلك العصابة، فكان لا يمر بواد من أودية صفين الا تبعه من كان هناك من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم جاء الى هاشم بن عتبة ابن أبي وقاص، وهو المرقال وكان صاحب راية علي وكان أعور، فقال:

يا هاشم! أعورا وجبنا

لا خير في أعور لا يغشى البأس

اركب يا هاشم!

فركب ومضى معه وهو يقول:


أعور يبغي أهله محلّا

قد عالج الحياة حتى ملا

لا بدّ أن يفلّ أو يفلّا

يتلّهم بذي الكعوب تلا

وعمار يقول: تقدم يا هاشم الجنة تحت ضلال السيوف والموت تحت أطراف الاسل، وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين، اليوم ألقى الاحبة محمداً وحزبه، وتقدم حتى دنا من عمرو بن العاص، فقال له: يا عمرو، بعث دينك بمصر؟! تباً لك! فقال له: لا ولكن أطلب بدم عثمان! فقال: أنا أشهد على علمي فيك أنك لا تطلب بشيء من فعلك وجه الله وأنك ان لم تقتل اليوم تمت غداً، فانظر اذا أعطى الناس على قدر نياتهم ما نيتك؟ لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثاً مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذه الرابعة ما هي بأبر وأتقى! ثم قاتل عمار ولم يرجع وقتل ».

قال: « وقال عبد الرحمن السلمي: لما قتل عمار دخلت عسكر معاوية لانظر هل بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منا، وكنا اذا تركنا القتال تحدثوا الينا وتحدثنا اليهم، فاذا معاوية وعمرو وأبو الاعور وعبد الله بن عمرو يتسايرون، فأدخلت فرسي بينهم لئلا يفوتني ما يقولون. فقال عبد الله لابيه: يا أبّة! قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال! قال: وما قال؟ قال: ألم يكن المسلمون ينقلون في بناء مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فغشي عليه، فأتاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: ويحك يا ابن سمية! الناس ينقلون لبنة لبنة وأنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة في الاجر وأنت مع ذلك تقتلك الفئة الباغية؟؟ فقال عمرو لمعوية: أما تسمع ما يقول؟ قال: وما يقول؟ فأخبره فقال معاوية: أنحن قتلناه؟! انما قتله من جاء به! فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون: انما قتل عماراً من جاء به، فلا أدري من كان أعجب أهو أم هم؟! ».

وقال محيي الدين ابن عربي الاندلسي في تفسيره، ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) الى آخره، الاقتتال لا يكون الا للميل الى الدنيا والركون الى الهوى


والانجذاب الى الجهة السفلية والتوجه الى المطالب الجزئية، والاصلاح انما يكون من لزوم العدالة في النفس التي هي ظل المحبة التي هي ظل الوحدة، فلذلك امر المؤمنون الموحدون بالاصلاح بينهما على تقدير بغيهما، والقتال مع الباغية على تقدير بغي احداهما حتى ترجع لكون الباغية مضادة للحق دافعة له، كما خرج عمار رضي‌الله‌عنه مع كبره وشيخوخته في قتال أصحاب معاوية ليعلم بذلك أنهم الفئة الباغية ».

و قال سبط ابن الجوزي: « وحكى ابن سعد في ( الطبقات ) عن عبد الله ابن عمرو بن العاص أنه قال لابيه: قتلتم عماراً وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له: تقتلك الفئة الباغية!؟ فسمعه معاوية فقال: لانك شيخ أخرق ما تزال تأتينا بهنة تدحض بها في بولك! أنحن قتلناه؟! انما قتله الذي أخرجه و في رواية: فبلغ ذلك عليا فقال: ونحن قتلنا حمزة لأنا أخرجناه الى احد. وذكر ابن سعد أيضاً أن ذا الكلاع لما بلغه هذا قال لعمرو: نحن الفئة الباغية وهم بالرجوع الى عسكر علي وكان تحت يده ستون ألفاً فقتل ذو الكلاع فقال معاوية: لو بقي ذو الكلاع لافسد علينا جندنا بميله الى ابن أبي طالب! ».

وقال أيضاً: « وقال الواقدي: لما طعن أبو الغادية عماراً بالرمح وسقط أكب عليه آخر فاجتز رأسه ثم أقبلا الى معاوية يختصمان فيه، كل منهما يقول: أنا قتلته، فقال لهما عمرو: والله ان تختصمان الا في النار! فقال معاوية: ما صنعت؟ قوم بذلوا نفوسهم دوننا تقول لهم هذا؟! فقال عمرو: هو والله كذلك وأنت تعلمه واني والله وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة! ».

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: « فائدة - روى حديث تقتل عماراً الفئة الباغية » جماعة من الصحابة منهم قتادة ( أبو قتادة. ظ ) بن النعمان كما تقدم وام سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع


وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه، وكلها عند الطبراني وغيره طرقها صحيحة أو حسنة. وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم. وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار ورد على النواصب الزاعمين أن علياً لم يكن مصيباً في حروبه ».

وقال بدر الدين العيني في شرح حديث « اذا تواجه المسلمان فكلاهما من أهل النار »: « وقال الكرماني: علي رضي‌الله‌عنه ومعاوية كلاهما كانا مجتهدين غاية ما في الباب أن معاوية كان مخطئاً في اجتهاده له أجر واحد وكان لعلي رضي‌الله‌عنه أجران. قلت: المراد ( فالمراد. ظ ) بما في الحديث المتواجهان بلا دليل من الاجتهاد ونحوه، انتهى.

قلت: كيف يقال كان معاوية مخطئاً في اجتهاده، فما كان الدليل في اجتهاده!! و قد بلغه الحديث الذي قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية! وابن سمية هو عمار ابن ياسر، وقد قتله فئة معاوية، أفلا يرضى معاوية سواء بسواء حتى يكون له أجر واحد ».

وقال محمد بن خلفة الوشتاني الابي في شرح حديث قتل عمار: « والحديث حجة بينة للقول بأن الحق مع علي وحزبه وانما عذر الآخرون بالاجتهاد، وأصل البغي الحسد، ثم استعمل في الظلم، وعلى هذا حمل الحديث عبد الله ابن عمرو العاص يوم قتل عمار، وغيره تأوله فتأوله معاوية وكان أولا يقول: انما قتله من أخرجه لينفي عن نفسه صفة البغي ثم رجع فتأوله على الطلب وقال: نحن الفئة الباغية، اي الطالبة لدم عثمان، من البغاء بضم الباء والمد وهو الطلب.

قلت: البغي عرفاً الخروج عن طاعة الامام مغالبة له، ولا يخفى عليك بعد التأويلين او خطؤهما، فأما الاول فواضح وكذا الثاني لان ترك علي القصاص من قتلة عثمان للذين قاموا بطلبه ورأوه مستنداً في اجتهادهم ليس لانه تركه جملة واحدة وانما تركه لما تقدم، وفيه ان عدم القصاص منكر قاموا بتغييره والقيام بتغيير المنكر انما هو ما لم يؤد الى مفسدة أشد. وايضاً المجتهد انما


يحسن به الظن اذا لم يبين مستند اجتهاده، اما اذا بينه فكان خطأ فكيف؟. ولله در الشيخ حيث كان يقول الصحبة حصنت على من حارب علياً! ».

وقال ابو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف السنوسي في شرح حديث قتل عمار: « والحديث حجة بينة للقول بأن الحق مع علي وحزبه وانما عذر الاخرون بالاجتهاد، واصل البغي الحسد ثم استعمل في الظلم، وغير تأويله معاوية رضي‌الله‌عنه فكان يقول: انما قتله من أخرجه لينفي عن نفسه صفة البغي ثم رجع فتأوله على الطالب وقال: نحن الفئة الباغية، اي الطالبة لدم عثمان، من البغاء بضم الباء والمد وهو الطلب ( ب(١) ): البغي عرفاً الخروج عن طاعة الامام مغالبة له، ولا يخفى بعد التأويلين او خطؤهما، ولله در الشيخ حيث كان يقول: الصحبة حصنت على من حارب علياً رضي‌الله‌عنه ».

و قال عماد الدين يحيى بن ابي بكر العامري في ترجمة سيدنا عمار: « قتل رضي‌الله‌عنه بصفين سنة سبع وثلثين عن ثلث وخمسين سنة وكان من اصحاب علي وقتله اصحاب معاوية، وبقتله استدل اهل السنة على تصحيح جانب علي لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد قال له: ويح ابن سمية! تقتلك الفئة الباغية، وقال: ويح عمار يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار، وقال قبل ان يقتل: ائتوني بشربة لبن فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن. وكان آدم طوالا لا يغيّر شيبة، رضي ‌الله‌ عنه ورحمه ».

و قال نور الدين السمهودي: « وأسند(٢) أيضاً أن علي بن أبي طالب كان يرتجز وهو يعمل فيه ويقول:

لا يستوي من يعمر المساجدا

يدأب فيها قائماً وقاعدا

ومن يرى عن الغبار حائدا

__________________

(١). أى: قال الابى.

(٢). أى: ابن زبالة.


و أسند هو أيضاً ويحيى من طريقه والمجد ولم يخرجه عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجده فقرب اللبن وما يحتاجون اليه، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضع ردائه، فلما رأى ذلك المهاجرون الاولون والانصار ألقوا أرديتهم وأكسيتهم وجعلوا يرتجزون ويعملون ويقولون:

لئن قعدنا والنبي يعمل. ألبيت

وكان عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه رجلا نظيفاً متنظفاً وكان يحمل اللبنة فيجافى بها عن ثوبه، فاذا وضعها نفض كمه ونظر الى ثوبه فان أصابه شيء من التراب نفضه، فنظر اليه علي بن أبي طالب فأنشأ يقول:

لا يستوي من يعمر المساجدا

الابيات المتقدمة، فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها وهو لا يدري من يعني بها فمر بعثمان فقال: يا ابن سمية! ما أعرفني بمن تعرّض ومعه جريدة فقال: لتكفن أو لاعترضن بها وجهك! فسمعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو جالس في ظل بيتي تعنى ام سلمة. وفي كتاب يحيى: في ظل بيته، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم قال: ان عمار بن ياسر جلدة ما بين عيني وأنفي فاذا بلغ ذلك من المرء فقد بلغ ووضع يده بين عينيه، فكف الناس عن ذلك ثم قالوا لعمار: ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد غضب فيك ونخاف أن ينزل فينا القرآن! فقال: أنا أرضيه كما غضب، فقال: يا رسول الله! ما لي ولا لاصحابك؟ قال: مالك وما لهم؟ قال: يريدون قتلي يحملون لبنة لبنة ويحملون علي اللبنتين والثلاث فأخذ بيده فطاف به في المسجد وجعل يمسح وفرته بيده من التراب ويقول: يا ابن سمية لا يقتلك أصحابي ولكن تقتلك الفئة الباغية.

وقد ذكر ابن اسحاق القصة بنحوه كما في ( تهذيب ) ابن هشام، قال: وسألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز فقالوا: بلغنا أن علي ابن أبي طالب ارتجز به، فلا ندري أهو قائله أم غيره، وانما قال ذلك علي رضي‌الله‌عنه مطائبة ومباسطة كما هو عادة الجماعة، اذا اجتمعوا على عمل


وليس ذلك طعناً. وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل أبي جعفر الخطمي، قال: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبني المسجد وعبد الله بن رواحة يقول: أفلح من يعالج المساجدا فيقولها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول ابن رواحة: يتلوا القرآن قائماً وقاعداً، فيقولها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وفي « الصحيح » في ذكر بناء المسجد: وكنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل ينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار! تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار، وقال: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن. وأسند ابن زبالة ويحيى، عن مجاهد، قال: رآهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يحملون الحجارة على عمار وهو يبني المسجد فقال: ما لهم ولعمار، ويدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار وذلك فعل الاشقياء الاشرار! وأسند الثاني أيضاً عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه يبنون المسجد فجعل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحمل كل رجل منهم لبنة لبنة وعمار بن ياسر لبنتين، لبنة عنه ولبنة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام اليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمسح ظهره وقال: يا ابن سمية! لك أجران وللناس أجر، وآخر زادك من الدنيا شربة من لبن وتقتلك الفئة الباغية.

و في ( الروض ) للسهيلي أن معمر بن راشد روى ذلك في جامعه بزيادة في آخره وهي: فلما قتل يوم صفين دخل عمرو على معاوية رضي الله عنهما فزعاً فقال: قتل عمار! فقال معاوية: فما ذا؟ فقال عمرو: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. فقال معاوية: دحضت في بولك، أنحن قتلناه؟ انما قتله من أخرجه.

و روى البيهقي في ( الدلائل ) عن عبد الرحمن ( أبي عبد الرحمن. ظ ) السلمي أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول لابيه عمرو: قد قتلنا هذا الرجل وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ما قال قال: أي رجل؟ قال: عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسجد، فكنا


نحمل لبنة لبنة وعمار يحمل لبنتين لبنتين، فمر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: تحمل لبنتين وأنت ترحض! أما انك ستقتلك الفئة الباغية وأنت من أهل الجنة. فدخل عمرو على معاوية فقال: قتلنا هذا الرجل وقد قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال فقال: اسكت، فو الله ما تزال تدحض في بولك! أنحن قتلناه؟! انما قتله علي وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بيننا.

قلت: وهو يقتضي أن هذا القول لعمار كان في البناء الثاني للمسجد، لان اسلام عمرو كان في الخامسة كما سبق.

و قال السمهودي في ( خلاصة الوفاء ): « ولاحمد عن أبي هريرة: كانوا يحملون اللّبن الى بناء المسجد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معهم، ثم قال: فاستقبلت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عارض لبنة على بطنه فظننت انها ثقلت عليه فقلت: ناولنيها يا رسول الله! فقال: خذ غيرها يا أبا هريرة فانه لا عيش الا عيش الآخرة. وهذا في البناء الثاني لان اسلام أبي هريرة متأخر.

و كذا ما في الصحيح في ذكر بناء المسجد: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل ينفض التراب ويقول: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار ، لان البيهقي روى في ( الدلائل ) عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه سمع عبد الله بن العاص يقول لابيه عمرو: قد قتلنا هذا الرجل وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ما قال! قال: أى رجل؟ قال قال: عمار بن ياسر، اما تذكره يوم بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسجد، فكنا نحمل لبنة لبنة وعمار يحمل لبنتين لبنتين، فمر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر نحو رواية الصحيح.

ثم قال: فدخل عمرو على معاوية فقال: قتلنا هذا الرجل وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال! فقال: اسكت فو الله ما تزال تدحض في بولك، أنحن قتلناه؟ انما قتله على وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بيننا. واسلام عمرو رضي‌الله‌عنه كان في السنة الخامسة فلم يحضر الا البناء الثاني ».


و قال الملا على المتقي: « عن خالد بن الوليد عن ابنة هشام بن الوليد ابن المغيرة وكانت تمرض عماراً قالت: جاء معاوية الى عمار يعوده فلما خرج من عنده قال: أللهم لا تجعل منيته بأيدينا، فانى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتل عماراً الفئة الباغية ( ع. كر ) ».

وقال في ( شرح الفقه الاكبر ) في ذكر خلافة امير المؤمنين عليه‌السلام : « ومما يدل على صحة خلافته دون خلافة غيره الحديث المشهور « الخلافة بعدي ثلثون سنة ثم يصير ملكا عضوضاً » وقد استشهد علي (رض) على رأس ثلاثين سنة عن وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ومما يدل على صحة اجتهاده وخطأ معاوية في مراده ما صح عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية. وأما ما نقل أن معاوية أو أحداً من أشياعه قال: ما قتله الا علي (رض) حيث حمله على المقاتلة فروي عن عليّ كرّمه الله وجهه انه قال في المقابلة: فيلزم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل عمه حمزة! فتبين أن معاوية ومن بعده لم يكونوا خلفاء بل ملوكا وأمراء ».

و قال في ( شرح الشفاء ) في فصل الاخبار بالغيوب: « وان عماراً وهو ابن ياسر تقتله الفئة الباغية. رواه الشيخان، ولفظ مسلم: قال النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم لعمار: تقتلك الفئة الباغية. وزاد: وقاتله في النار.

فقتله، أي عماراً، أصحاب معاوية، أى بصفين، ودفنه علي رضي الله تعالى عنه في ثيابه وقد نيف على سبعين سنة، فكانوا هم البغاة على علي بدلالة هذا الحديث ونحوه، وقد ورد: اذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق، وقد كان مع علي رضي الله تعالى عنهما، وأما تأويل معاوية أو ابن العاص بأن الباغي علي وهو قتله حيث حمله على ما أدى الى قتله، فجوابه ما نقل عن علي كرم الله وجهه أنه يلزم منه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاتل حمزة عمه.

والحاصل أنه لا يعدل عن حقيقة العبارة الى مجاز الاشارة الا بدليل ظاهر من عقل أو نقل يصرفه عن ظاهره، نعم، غاية العذر عنهم أنهم اجتهدوا وأخطئوا فالمراد بالباغية الخارجة المتجاوزة لا الطالبة كما ظنه بعض


الطائفة ».

وقال في ( المرقاة - شرح المشكوة ): « ( وعن أبي قتادة ) صحابي مشهور ( أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمار ) أى ابن ياسر ( حين يحفر الخندق ) حكاية حال ماضية ( فجعل يمسح رأسه ) أي رأسه عمار عن الغبار ترحماً عليه من الاغيار ( ويقول بؤس ) بضم موحدة وسكون همز، ويبدل، وبفتح السين مضافاً الى ( ابن سمية ) وهي بضم السين وفتح الميم وتشديد التحتية ام عمار وهي قد أسلمت بمكة وعذبت لترجع عن دينها فلم ترجع وطعنها أبو جهل فماتت، ذكره ابن الملك.

وقال غيره: كانت امه ابنة أبي حذيفة المخزومي زوجها ياسراً وكان حليفه فولدت له عماراً فأعتقه أبو حذيفة أي: يا شدة عمار احضرى فهذا أوانك، واتسع في حذف حرف النداء من أسماء الاجناس وانما يحذف من أسماء الاعلام، وروى بوس بالرفع على ما في بعض النسخ، أى: عليك بؤس أو يصيبك بوس، وعلى هذا ابن سمية منادى مضاف، أى: يا ابن سمية! وقال شارح « المغني »: يا شدة ما يلقاه ابن سمية من الفئة الباغية، نادى بؤسه وأراد نداءه وخاطبه بقوله: ( تقتلك الفئة الباغية ) أى الجماعة الخارجة على امام الوقت وخليفة الزمان.

قال الطيبي: ترحم عليه بسبب الشدة التي يقع فيها عمار من قبل الفئة الباغية يريد به معاوية وقومه فانه قتل يوم صفين. وقال ابن الملك: اعلم أن عماراً قتله معاوية وفئته فكانوا طاغين باغين بهذا الحديث، لان عمار كان في عسكر علي وهو المستحق للامامة فامتنعوا عن بيعته.

وحكي أن معاوية كان يتأول معنى الحديث ويقول: نحن فئة باغية طالبة لدم عثمان، وهذا كما ترى تحريف، اذ معنى طلب الدم غير مناسب هنا لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر الحديث في اظهار فضيلة عمار وذم قاتله لانه جاء في طريق: ويح! قلت: ويح، كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها فيترحم عليه ويرثى له، بخلاف ويل، فانها كلمة عقوبة تقال للذي


يستحقها ولا يترحم عليه هذا.

و في ( الجامع الصغير ) برواية الامام أحمد والبخاري عن أبي سعيد مرفوعاً: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم الى الجنة يدعونه الى النار. وهذا كالنص الصريح في المعنى الصحيح المتبادر من البغي المطلق في الكتاب كما في قوله تعالى: ( وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ) ، وقوله سبحانه: ( فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى ) فاطلاق اللفظ الشرعي على ارادة المعنى اللغوي عدول من العدل وميل الى الظلم الذي هو وضع الشيء في غير موضعه.

والحاصل ان البغي بحسب المعنى الشرعي والاطلاق العرفي خص عموم معنى الطلب اللغوي الى طلب الشر الخاص بالخروج المنهي، فلا يصح أن يراد به طلب دم خليفة الزمان وهو عثمان رضي‌الله‌عنه . وقد حكي عن معاوية تأويل أقبح من هذا حيث قال: انما قتله علي وفئته حيث حمله على القتال وصار سبباً لقتله في المال، فقيل له في الجواب: فاذن قاتل حمزة هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث كان باعثاً له على ذلك والله سبحانه وتعالى حيث أمر المؤمنين بقتال المشركين!

والحاصل أن هذا الحديث فيه معجزات ثلث: احديها انه سيقتل، وثانيها أنه مظلوم، وثالثها أن قاتله باغ من البغاة، والكل صدق وحق. ثم رأيت الشيخ أكمل الدين قال: الظاهر أن هذا أي التأويل السابق عن معاوية وما حكي عنه أيضاً من أنه « قتله من أخرجه للقتل وحرضه عليه » كل منهما افتراء عليه! أما الاول فتحريف للحديث، وأما الثاني فلانه ما أخرجه أحد بل هو خرج بنفسه وما له مجاهداً في سبيل الله قاصداً لاقامة الفرض، وانما كان كل منهما افتراء على معاوية لانه رضي‌الله‌عنه أعقل من أن يقع في شيء ظاهر الفساد على الخاص والعام.

قلت: فاذاً كان الواجب عليه أن يرجع عن بغيه باطاعته الخليفة ويترك المخالفة وطلب الخلافة المنيفة، فتبين بهذا أنه كان في الباطن باغياً


وفي الظاهر متستراً بدم عثمان مراعياً مرائياً، فجاء هذا الحديث عليه ناعياً، وعن عمله ناهياً، لكن كان ذلك في الكتاب مسطوراً، فصار عنده كل من القرآن والحديث مهجوراً! فرحم الله من أنصف ولم يتعصب ولم يتعسف وتولى الاقتصاد في الاعتقاد لئلا يقع في جانبي سبيل الرشاد من الرفض والنصب بأن: يحب الال والصحب. ( رواه مسلم ) ».

و قال نور الدين الحلبي: « ولما قتل عمار دخل عمرو بن العاص على معاوية فزعاً وقال: قتل عمار! فقال معاوية: قتل عمار فما ذا؟ قال عمرو: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تقتل عمارا الفئة الباغية. فقال له معاوية: دحضت، أى زلقت في بولك! أنحن قتلناه؟ انما قتله من أخرجه.

و في رواية قال له: أسكت فو الله ما تزال تدحض، أي تزلق في بولك، انما قتله على واصحابه جاءوا به حتى ألقوه بيننا. وذكر أن علياً رضي الله تعالى عنه لما احتج على معاوية رضي الله تعالى عنه بهذا الحديث ولم يسع معاوية انكاره قال: انما قتله من أخرجه من داره، يعني بذلك علياً. فقال علي رضي الله تعالى عنه: فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذن قتل حمزة حين أخرجه ».

قال: « وكان ذو الكلاع رضي الله تعالى عنه مع معاوية وقال له يوماً ولعمرو ابن العاص: كيف نقاتل علياً وعمار بن ياسر؟! فقالا له: ان عماراً يعود الينا ويقتل معنا. فقتل ذو الكلاع قبل قتل عمار، ولما قتل عمار قال معاوية: لو كان ذو الكلاع حياً لمال بنصف الناس الى على، أي لان ذا الكلاع ذووه اربعة الاف اهلبيت، وقيل: عشرة آلاف ».

و قال شهاب الدين الخفاجي في ( نسيم الرياض ): « ومما اخبر به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المغيبات ان عمار بن ياسر الصحابي المشهور تقتله الفئة الباغية. من البغي وهو الخروج بغير حق على الامام.

و لفظ مسلم: قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية. و روي: وقاتله في النار. فقتله اصحاب معاوية وكان هو مع علي بصفين وهو صريح في ان الخليفة بحق هو عليّ رضي‌الله‌عنه وان معاوية مخطئ في اجتهاده


كما في حديث « اذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق » وابن سمية هو عمار رضي الله تعالى عنه كان مع على، وهذا هو الذي ندين الله به، وهو ان عليّاً كرم الله وجهه على الحق ومجتهد مصيب في عدم تسليم قتلة عثمان، ومعاوية رضي الله تعالى عنه مجتهد مخطي، فدع القيل والقال فما ذا بعد الحق الا الضلال؟!

وقد تأول معاوية حديث عمار لما لم يجد مجالا لانكاره فقال: انما قتله من أخرجه، ولذا قال عليّ كرم الله وجهه لما بلغه قوله: فرسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم قتل حمزة رضى الله تعالى عنه لما أخرجه لاحد ، كما نقله ابن دحية رحمه الله تعالى ، وقتل عمار بصفين وهو ابن سبعين سنة قتله ابن العمادية ( أبو الغادية. ظ ) واجتز رأسه ابن جزء ودفنه علىّ رضي الله تعالى عنه ».

و قال حسين بن محمد الديار بكرى: « وفي ( عقائد الشيخ أبي السحق الفيروزآبادي ) و ( خلاصة الوفاء ) أن عمرو بن العاص كان وزير معاوية فلما قتل عمار بن ياسر أمسك عن القتال وتابعه على ذلك خلق كثير فقال له معاوية لم لا تقاتل؟ قال قتلنا هذا الرجل وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية، فدل على أنا نحن بغاً. قال له معاوية: أسكت فو الله ما تزال تدحض في بولك! انحن قتلناه؟ انما قتله على وأصحابه جاءوا به حتى ألقوه بيننا.

و في رواية قال: قتله من أرسله الينا يقاتلنا ودفعنا عن أنفسنا فقتل فبلغ ذلك علياً فقال: ان كنت أنا قتلته فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل حمزة حين أرسله الى قتال الكفار ».

و قال محمد بن عبد الباقي الزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ) في بحث حديث « ويح عمار تقتله الفئة الباغية ». « وهذا الحديث متواتر، قال القرطبي: ولما لم يقدر معاوية على انكاره قال: انما قتله من اخرجه فأجابه علي بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذاً قتل حمزة حين اخرجه. قال ابن دحية: وهذا من الالزام المفحم الذي لا جواب عنه، وحجة لا اعتراض عليها. قال القرطبي: فرجع معاوية وتأوله على الطلب وقال: نحن الفئة الباغية أي


الطالبة لدم عثمان، من البغاء بضم الباء والمد هو الطلب. قال الابي: البغي عرفاً الخروج عن طاعة الامام مغالبة له.

ولا يخفى بعد التأويلين أو خطؤهما والاول واضح وكذا الثاني لان ترك علي القصاص من قتلة عثمان الذين قاموا بطلبه ورأوه مستند اجتهادهم ليس لانه تركه جملة واحدة، وانما تركه لما تقدم أي حتى يدخلوا في الطاعة ثم يدعوا علي من قتل. قال: وأيضاً عدم القصاص منكر قاموا لتغييره، والقيام لتغيير المنكر انما هو ما لم يؤد الى مفسدة أشد.

وأيضاً المجتهد انما يحسن به الظن اذا لم يبين مستند اجتهاده وأما اذا بينه وكان خطأ فلا، ولله در الشيخ، يعنى ابن عرفة حيث كان يقول: الصحبة حصنت من حارب علياً، انتهى ».

وقال محمد بن اسمعيل بن صلاح الامير اليماني الصنعاني في ( الروضة الندية ) بعد ذكر بعض أحاديث وأخبار قتال أمير المؤمنين مع الناكثين والقاسطين والمارقين: « تنبيه - قلت: اشتملت هذه القصص على معجزات نبوية وكرامات علوية وأخلاق عند الله مرضية، فنذكر شيئاً من ذلك. أما المعجزات فمنها: اخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن وصيه عليه‌السلام يقاتل الثلاث الطوائف وأمره له بذلك، فانه اخبار بالغيب الذي هو احدى المعجزات ووصف كل طائفة بوصفها التي قوتلت عليه من النكث والقسط والمروق، وقدمنا في قتاله الناكثين نكتاً من معجزات وكرامات، ومن المعجزات في قتاله القاسطين ما تواتر عند أئمة النقل من أن عماراً يقتله الفئة الباغية وأنه يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار.

وهذا الحديث متواتر متفق عليه بين الطوائف حتى أن رأس الفئة الباغية ورئيسها معاوية بن أبى سفيان مقر به، فانه تأوله بالتأويل الباطل ولم ينكره، بل قال: قتله من جاء به، فالزم بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو القاتل لحمزة. وهذا الحديث من أعلام النبوة فانه قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اول قدومه المدينة عند بناء مسجده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو معروف في كتب السير


والحديث ولم يحضرنا منه شيء فننقل لفظه، ومعناه أنه قال عمار رضي‌الله‌عنه وقد حملوه أحجاراً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسجد: قتلوني يا رسول الله يحملونني فوق ما أطيق، أو قال: كما يحمله رجلان. فنفض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الغبار عنه وقال: ليسوا بقاتليك، انما يقتلك الفئة الباغية. تكلم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا قبل وقعة بدر وقبل فتح مكة وقبل اسلام رأس الفئة الباغية وقبل أن يفتح من البلاد شبر واحد.

وتكرر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر أن عماراً (رض) يقتله الفئة الباغية في عدة مواقف، وقد كان عمار (رض) من أعيان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال العامري (رض): وكان مخصوصاً من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبشارة والترحيب والبشاشة والتطييب، أخبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أحد الاربعة الذين تشتاق اليهم الجنة وقال له: مرحباً بالطيب المطيب، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عمار جلدة ما بين عيني وأنفي، وقال: اهتدوا بهدى عمار، وقال: من عادى عماراً عاداه الله من أبغض عماراً أبغضه الله. ذكر هذه الاحاديث في فضائله الفقيه العلامة الشافعي المحدث يحيى بن أبى بكر العامري (رض) في كتاب ( الرياض المستطابة ) في ترجمة عمار رضي‌الله‌عنه .

قال العامري: وكان من اصحاب علي عليه‌السلام وقتله اصحاب معاوية وبقتله استدل اهل السنة على تصحيح امامة علي عليه‌السلام و ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كان قال: ويح ابن سمية يقتله الفئة الباغية ، و قال: ويح عمار يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار ، انتهى كلامه.

قلت: و أخرج ابن عساكر وابن سعد أن علياً عليه‌السلام قال حين قتل عمار: ان امرؤ من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار بن ياسر وتدخل عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد. رحم الله عماراً يوم اسلم، ورحم الله عماراً يوم قتل، ورحم الله عمارً يوم يبعث حياً، لقد رأيت عماراً وما يذكر من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اربعة الا كان رابعاً ولا خمسة الا كان خامساً ولا كان احد من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشك ان عماراً


قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا شك، فهنيئاً لعمار بالجنة، ولقد قيل: ان عماراً مع الحق والحق معه يدور عمار مع الحق حيث دار، وقاتل عمار في النار، انتهى.

قلت: وبقتله استدل على ان معاوية في حربه وقتاله باغ ظالم غير مجتهد كما يقوله بعض السنية انه مجتهد مخطئ وانه غير آثم، كما قال العامري ايضاً واما المخالفون له فكانوا متأولين وكان لهم شبهة اداهم اجتهادهم اليها، انتهى ذكره في ترجمة الزبير.

فنقول: انه لا يشك من يعرف حال معاوية انه ليس من الاجتهاد في ورد ولا صدر، وانما الرجل يتحيل على الملك فنفق شبهة الطلبة بدم عثمان ليضل اهل الشام بها واي اجتهاد مع النص انه باغ، واي اجتهاد مع اخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام بأنه يقاتل القاسطين، وسمعت صحة الحديث عند امام المتأخرين مع اهل السنة الحافظ ابن حجر، فانه قال: وثبت عند النسائي ونقله وفسره ولم يقدح فيه، وقد ثبت من طرق عدة، وأي اجتهاد مع نص عمار ونص القرآن ان الفئة الباغية تقاتل حتى تفيء الى امر الله، وحديث عمار نص ان فئة معاوية الفئة الباغية. واحسن من قال مشيراً الى الرد على من زعم اجتهاد معاوية:

قال النواصب قد أخطا معاوية

في الاجتهاد وأخطا فيه صاحبه

والعفو في ذاك من حق لفاعله

وفي أعالي جنان الخلد راكبه

قلنا كذبتم فلم قال النبي لنا

في النار قاتل عمار وسالبه

وما دعوى الاجتهاد لمعاوية في قتاله الا كدعوى ابن حزم أن ابن ملجم أشقى الاخرين مجتهد في قتله لعلي عليه‌السلام كما حكاه عنه الحافظ ابن حجر في ( تلخيصه ) واذا كان من ارتكب هواه ولفق باطلا يروج به ما يراه اجتهاداً لم يبق في الدنيا مبطل، اذ لا يأتي أحد منكراً الا وقد أهب له عذراً، وهؤلاء


عبدة الاوثان قالوا: ما يعبدونهم الا ليقربوهم الى الله زلفى! وكم من محتج حجته داحضة عند ربه وعليه غضب ».

وقال المولوي عبد العلي بن الملا نظام الدين السهالوي في ( فواتح الرحموت - شرح مسلم الثبوت ): « بقي أمر بغي معاوية، والذي عليه جمهور أهل السنة أن هذا أيضاً خطأ في الاجتهاد ولا يلزم منه بطلان العدالة، لكن يخدشه عدم اظهار الحجة في مقابلة أمير المؤمنين علي وكان هو ألين للحق واستمراره على الصنع الذي صنع، مع أن قتل عمار كان من أبين الحجج على حقية رأي أمير المؤمنين علي، ولم ينقل في الدفع الا أمر بعيد هو أن الجائي برجل شيخ في المعركة قاتل إياه! وهو كما ترى ».

وقال: « وقال بعضهم: في كون مخالفة معاوية بالاجتهاد نظر، لانه لو كانت بالاجتهاد لناظر بالحجة وأمير المؤمنين علي كان ألين للحق، وقصد مناظرته بالحجة واقامة الحجة عليه ولم يصغ اليه، وعند شهادة عمار قال: انما قتله علي حيث جاء به شيخاً كبيراً، وليس هذا من الحجة في شيء، ولذا قال أمير المؤمنين في الجواب: فاذاً قتل حمزة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم، بل الكلام في كونه مجتهداً، كيف وقد عده صاحب ( الهداية ) من السلاطين الجائرة مقابل العادلين، ولو كان بالاجتهاد لما كان جوراً، ولم ينقل عنه فتوى على طريقة الاصول الشرعية ».

و قال سليمان بن ابراهيم البلخي في ( ينابيع المودة ) في الباب الثالث والاربعين: « وفي ( جمع الفوائد ) عن عبد الله بن الحارث أن عمرو بن العاص قال لمعوية: أما سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول حين كان يبني المسجد لعمار: انك لحريص على الجهاد وانك لمن أهل الجنة ولتقتلنك الفئة الباغية. قال: بلى! قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال: والله ما تزال تدحض في بولك! أنحن قتلناه؟ انما قتله الذي جاء به، وهو علي - لاحمد.

عبد الله بن عمرو بن العاص رأى رجلين يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال عبد الله: سمعت النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله‌


وسلّم يقول: تقتله الفئة الباغية. فقال معاوية: فما بالك أنت معنا؟ قال: شكاني ابي الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لي: اطع اباك ما دام حياً ولا تعصيه ( تعصه. ظ ) فأنا معكم ولست اقاتل - لاحمد ».

١٥ - خروج عمرو بن العاص لقتل عمار

وهذا الحديث دليل مبين على ضلالة عمرو بن العاص، فانه الذي أعان معاوية ونصره وأيده وشاركه في سيئات أعماله.

اخرج احمد وابن سعد واللفظ للثاني: « قيل لعمرو بن العاص: قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبك ويستعملك، قال: قد كان والله يفعل فلا أدري أحب أم تألف يتألفنى، ولكني أشهد على رجلين توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يحبهما: عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر.

قالوا: فذاك والله قتيلكم يوم صفين.

قال: صدقتم والله، لقد قتلناه »(١) .

وفي ( الطبري ): « وخرج اليوم الثالث عمار بن ياسر، وخرج اليه عمرو بن العاص، فاقتتل الناس كأشد القتال وشد عمار في الرجال فأزال عمرو بن العاص عن موقفه »(٢) .

و في ( الكامل ): « وقد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية، وآخر شربة تشربها ضياح من لبن. فكان ذو الكلاع يقول لعمرو: ما هذا ويحك يا عمرو! فيقول عمرو: انه سيرجع إلينا، فقتل ذو الكلاع قبل عمار مع معاوية وأصيب عمار بعده مع علي، فقال عمرو لمعاوية: ما ادري بقتل أيهما أنا أشد فرحاً؟ بقتل عمار أو بقتل ذي الا كلاع، والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمار

__________________

(١). الطبقات ٢ / ٢٦٣.

(٢). الطبري ٤ / ٧ - ٨.


لمال بعامة اهل الشام الى علي.

فأتى جماعة الى معاوية كلهم يقول: أنا قتلت عماراً، فيقول عمرو: وما سمعته يقول؟ فيخلطون، فاتاه ابن جزء فقال: أنا قتلته وسمعته يقول: اليوم ألقى الاحبة، محمداً وحزبه، فقال عمرو: أنت صاحبه، ثم قال: رويداً والله ما ظفرت يداك، ولقد اسخطت ربك »(١) .

وروى المتقى: « قاتل ابن سمية في النار. كر عن عمرو بن العاص ».

وانظر ١٦ / ١٤١، ١٤٥ من ( كنز العمال ).

وانظر أيضاً:

المستدرك ٣ / ٣٨٦، ٣٨٧

مروج الذهب ٣ / ٣١

اسد الغابة ٤ / ٤٧

تذكرة الخواص ٩١، ٩٢

تاريخ ابن خلدون ٢ / ١٧٣. وغيرها

١٦ - ابو غادية قاتل عمار

وابو الغادية قاتل عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه.

قال ابن سعد بترجمة عمار: « شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسل سيفاً، وشهد صفين وقال: انا لا أسل أبداً حتى يقتل عمار، فانظر من يقتله، فانى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية.

قال: فلما قتل عمار بن ياسر قال خزيمة: قد بانت لي الضلالة واقترب فقاتل حتى قتل.

وكان الذي قتل عمار بن ياسر ابو غادية المزني، طعنه برمح فسقط، وكان يومئذ يقاتل في محفة، فقتل يومئذ وهو ابن أربع وتسعين سنة، فلما وقع

__________________

(١). الكامل لابن الاثير ٣ / ١٥٧.


اكب عليه رجل آخر فاجتز رأسه، فاقبلا يختصمان فيه كلاهما يقول: أنا قتلته، فقال عمرو بن العاص: والله ان يختصمان الا في النار، فسمعها منه معاوية، فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيت مثل ما صنعت، قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: انكما تختصمان في النار؟ فقال عمرو: هو والله ذاك، والله انك لتعلمه، ولوددت أني مت قبل هذه بعشرين سنة»(١) .

و روى المتقى: « عن زيد بن وهب قال: كان عمار بن ياسر قد ولع بقريش وولعت به فغدوا عليه فضربوه فجلس في بيته، فجاء عثمان بن عفان يعوده، فخرج عثمان وصعد المنبر فقال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تقتلك الفئة الباغية، قاتل عمار في النار. حل. كر »(٢) .

وفي ( الاستيعاب ): « ابو الغادية الجهني كان محباً في عثمان، وهو قاتل عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه ، وكان اذا استأذن على معاوية وغيره يقول قاتل عمار بالباب.

وكان يصف قتله له اذا سئل عنه لا يباليه.

وفي قصته عجب عند أهل العلم، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ذكرنا انه سمعه منه، ثم قتل عماراً رضي‌الله‌عنه روى عنه كلثوم بن جبير »(٣) .

أشار بقوله « روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ذكرنا » الى ان ابا الغادية من رواة حديث « عمار تقتله الفئة الباغية » وقد صرح الحلبي بذلك في ( سيرته ) متعجبا منه.

وقال الزبيدي في ( تاج العروس ): « وأبو الغادية هو قاتل عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه ، مذكور في تاريخ دمشق ».

وفي ( شرح الشفاء للقاري ): « قتله ابو الغادية ».

__________________

(١). الطبقات ٣ / ٣٥٩.

(٢). كنز العمال ١٦ / ١٣٩. وانظر ١٦ / ١٤٥، ١٤٦.

(٣). الاستيعاب ٤ / ١٧٢٥.


وفي ( تذكرة الخواص ٩٤ ): « وقال الواقدي: لما طعن ابو الغادية عماراً بالرمح وسقط اكب عليه آخر فاحتز رأسه ».

وفي ( الروض الانف ٧ / ٢٨ ): « قتله ابو الغادية الفزاري وابن جزء، اشتركا في قتله ».

وفي ( اسد الغابة ٥ / ٢٦٧ ): « ابو الغادية الجهني، بايع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وكان من شيعة عثمان رضي‌الله‌عنه ، وهو قاتل عمار بن ياسر، وكان إذا استأذن على معاوية وغيره يقول: قاتل عمار بالباب، روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النهى عن القتل ثم يقتل مثل عمار، نسأل الله السلامة.

روى ابن أبي الدنيا عن محمد بن ابي معشر عن أبيه قال: بينا الحجاج جالساً اذ أقبل رجل مقارب الخطو، فلما رآه الحجاج قال: مرحباً بأبي غادية وأجلسه على سريره وقال: أنت قتلت ابن سمية؟ قال: نعم، قال: وكيف صنعت؟ قال: صنعت كذا حتى قتلته. فقال الحجاج لأهل الشام: من سره ان ينظر الى الرجل عظيم الباع اليوم القيامة فلينظر الى هذا، ثم سار أبو غادية يسأله شيئاً فأبى عليه، وقال ابو غادية: نوطئ لهم الدنيا ثم نسألهم فلا يعطوننا ويزعم اننى عظيم الباع يوم القيامة، اجل والله ان من ضرسه مثل احد وفخذه مثل ورقان ومجلسه مثل ما بين المدينة والربذة لعظيم الباع يوم القيامة، والله لو ان عماراً قتله اهل الأرض لدخلوا النار ».

وراجع:

التاريخ الصغير للبخاري ١ / ١٨٨.

المعارف لابن قتيبة ٢٥٦.

مروج الذهب ٢ / ٣٨١.

المستدرك ٣ / ٣٨٦.

وغيرها.


دحض المعارضة

بحديث: تمسّكوا بعهد ابن أم عبد



قوله: « وتمسكوا بعهد ابن ام عبد ».

أقول: تمسك ( الدهلوي ) بهذا الحديث باطل لوجوه:

١ - انه مما تفرد به اهل السنة

انه حديث من متفردات العامة، وحديث الثقلين متفق عليه.

٢ - انه مما اعرض عنه الشيخان

انه حديث اعرض عنه الشيخان، واعراضهما دليل على الضعف عندهم.

٣ - انه ضعيف سندا ً

انه حديث ضعيف سنداً، قال ابن الاثير بترجمة ابن مسعود: « أخبرنا ابو البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدمشقي، اخبرنا ابو العشائر محمد بن خليل بن فارس القيسي، أخبرنا ابو القاسم على بن محمد


ابن على المصيصي، اخبرنا ابو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن قاسم ابن ابى نصر، أخبرنا ابو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الاطرابلسى، حدثنا ابو عبيدة السري بن يحيى بالكوفة، حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير عن مولى لربعى عن ربعي عن حذيفة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وتمسكوا بعهد ابن أم عبد.

و قد رواه سلمة بن كهيل عن ابى الزعراء عن ابن مسعود »(١) .

و فيه قبيصة بن عقبة

قال الذهبي: « قال ابن معين هو ثقة الا في حديث الثوري ».

قال: وقال ابن معين ليس بذلك القوي، وقال: ثقة في كل شيء الا في سفيان »(٢) .

وقد علمت انه روى هذا الحديث عن سفيان الثوري.

وفيه: سفيان الثوري

وقد ذكرنا مساويه بالتفصيل في القسم الثاني من مجلد ( حديث مدينة العلم ).

وفيه: عبد الملك بن عمير

وقد ذكرنا وجوه ضعفه والقدح فيه في مجلد ( حديث الطير ) بالتفصيل.

__________________

(١). اسد الغابة ٣ / ٢٥٨.

(٢). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٨٣.


وفيه: مولى ربعي

وهو مجهول.

* وأما طريقه الاخر الذي ذكره ابن الاثير معلقاً ففيه:

ابو الزعراء

وقد ترجمه بقوله: « عبد الله بن هاني، ابو الزعراء صاحب ابن مسعود، قال البخاري: لا يتابع على حديثه، سمع منه سلمة بن كهيل حديثه عن ابن مسعود في الشفاعة: ثم يقول نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رابعاً، والمعروف انه عليه‌السلام اول شافع، قال البخاري.

وقد أخرج النسائي الحديث مختصراً »(١) .

وفي ( تهذيب التهذيب ٦ / ٦١ ): قال البخاري: « لا يتابع في حديثه ».

هذا، ولو راجعت ( جامع الترمذي ) باب مناقب ابن مسعود لرأيت ان راوي هذا الحديث عن سلمة بن كهيل هو: يحيى بن سلمة بن كهيل وعنه ابنه اسماعيل وعنه ابنه ابراهيم.

وهؤلاء بأجمعهم مجروحون حسب تصريحات الائمة من اهل السنة كما فصل ذلك في مجلد ( حديث الطير ) وستقف على ذلك قريباً أيضاً، وبالاخص: يحيى بن سلمة فانه الاشد ضعفاً فيهم، فلقد قال الترمذي بعد ان خرجه: « هذا حديث غريب من حديث ابن مسعود، لا نعرفه الا من يحيى بن سلمة بن كهيل، ويحيى بن سلمة يضعف في الحديث »(٢) .

وبهذه الوجوه يقف المنصف على تعسف ( الدهلوي ) ومكابرته والله الموفق.

__________________

(١). ميزان الاعتدال ٢ / ٥١٦.

(٢). صحيح الترمذي ٢ / ٢٢١.



دحض المعارضة

بحديث: رضيت لكم ما رضي به ابن أم عبد



قوله : « ورضيت لكم ما رضي به ابن ام عبد ».

اقول : هذا الحديث لا يجوز الاستدلال به للوجوه الآتية:

١ - انه من الآحاد

ان هذا الحديث من الآحاد، وحديث الثقلين من المتواترات.

على انه مما تفرد به اهل السنة، كما انه مما لا يقبله اهل الحق.

٢ - انه مما اعرض منه الشيخان

لقد أعرض الشيخان عن روايته، وقد ذكرنا ان كلما لم يذكراه فهو عندهم موهون.

بل لم يخرجه أحد من أصحاب الصحاح الستة.

٣ - انه لا يدل على منزلة لابن مسعود

ولو فرض صحة هذا الحديث وسلمنا ذلك، فانه لا يعارض حديث


الثقلين، لان حديث الثقلين يدل على خلافة اهل البيت عليهم‌السلام وامامتهم وعصمتهم وطهارتهم وافضليتهم من غيرهم كما مر بالتفصيل.

وأما هذا الحديث فلا يثبت شيئاً مما ذكر لابن مسعود، بل لا يدل على علمية أو مقام، بل لو تأمل أحد في شأن صدوره لعلم انه لا يدل الا على ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد ان ابن مسعود يرضى بما رضي الله به ورسوله، ويشهد بما ذكرنا ما جاء في ( المستدرك ) باسناده عن جعفر ابن عمرو ابن حريث عن ابيه قال: « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبد الله بن مسعود: اقرأ، قال: أقرأ وعليك أنزل؟ قال: انى احب ان اسمع من غيري، قال: فافتتح سورة النساء حتى بلغ ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) فاستعبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكف عبد الله، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكلم، فحمد الله في اول كلامه واثنى على الله وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشهد شهادة الحق وقال: رضينا بالله رباً وبالاسلام دينا ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رضيت لكم ما رضي لكم ابن ام عبد.

هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه »(١) .

فحاصل الحديث: انى رضيت لكم ما رضى به ابن مسعود لكم، وهو قوله: رضينا بالله رباً

٤ - ما كان بين عمرو ابن مسعود.

من العجيب تمسك ( الدهلوي ) بهذا الحديث وسابقه في مقابلة حديث الثقلين وقد رووا ان عمر بن الخطاب قد منع ابن مسعود من الإفتاء، قال الدارمي: « أخبرنا محمد بن الصلت، ثنا ابن المبارك، عن ابن عون عن محمد قال قال عمر لابن مسعود: ألم أنبأ، أو أنبئت أنك تفتي ولست بأمير؟

__________________

(١). المستدرك ٣ / ٣١٩.


ول حارها من تولى قارها »(١) .

وهذا ينافي حديث « تمسكوا بعهد ابن ام عبد » وعلى أهل السنة حينئذ اما أن يتركوا الحديث من أصله، واما أن يحكموا بمعصية عمر لامر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

* بل ان عمراتهم ابن مسعود في الرواية ونهاه عنها، قال ابن سعد في ذكر من كان يفتي بالمدينة: « اخبرنا حجاج بن محمد عن شعبة عن سعد بن ابراهيم عن أبيه قال قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن مسعود ولابي الدرداء ولابي ذر: ما هذا الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: احسبه قال: ولم يدعهم يخرجون من المدينة حتى مات »(٢) .

وقال الذهبي بترجمة عمر: « ان عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الانصاري فقال: قد اكثرتم الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٣) .

٥ - ما كان بين عثمان وابن مسعود

وأما صنائع عثمان بن عفان مع ابن مسعود فقد اشتهرت في التاريخ اشتهار الشمس في رابعة النهار، ونحن نكتفي هنا ببعض الاخبار:

قال اليعقوبي في قصة المصاحف بعد كلام له: « فأمر به عثمان فجر برجله حتى كسر له ضلعان، فتكلمت عائشة وقالت قولا كثيراً واعتل ابن مسعود، فأتاه عثمان يعوده فقال له: ما كلام بلغني عنك؟

قال: ذكرت الذي فعلته بى، انك امرت بي فوطئ جوفي، فلم أعقل صلاة الظهر ولا العصر، ومنعتني عطائي.

قال: فانى اقيدك من نفسي، فافعل بى مثل الذي فعل بك.

__________________

(١). مسند الدارمي ١ / ٦١.

(٢). الطبقات ٢ / ٣٣٦.

(٣). تذكرة الحفاظ ١ / ٥ - ٨.


قال: ما كنت بالذي أفتح القصاص على الخلفاء.

قال: هذا عطاؤك فخذه.

قال: منعتنيه وانا محتاج اليه، وتعطينيه وأنا غني عنه، لا حاجة لي به.

فانصرف، فأقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتى توفي، وصلى عليه عمار ابن ياسر، وكان عثمان غائباً فستر أمره، فلما انصرف رأى عثمان القبر فقال: قبر من هذا؟ فقيل: قبر عبد الله بن مسعود.

قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟

فقالوا: ولي أمره عمار بن ياسر، وذكر أنه أوصى ألا يخبره به.

ولم يلبث الا يسيراً حتى مات المقداد، فصلى عليه عمار وكان أوصى اليه ولم يؤذن عثمان به، فاشتد غضب عثمان على عمار وقال: ويلي على ابن السوداء أما لقد كنت به عليماً »(١) .

وفي ( المعارف ) في خلافة عثمان: « وكان مما نقموا على عثمان: أنه طلب اليه عبد الله بن خالد بن أسيد صلة فأعطاه أربعمائة ألف درهم من بيت مال المسلمين. فقال عبد الله بن مسعود في ذلك، فضربه الى ان دق له ضلعين »(٢) .

وفي ( الرياض النضرة ٢ / ١٦٣ ) و ( الخميس ٢ / ٢٦١ ) و ( تاريخ الخلفاء للسيوطي ١٥٨ ) واللفظ للاول: « فلم يبق أحد من أهل المدينة الا حنق على عثمان، وزاد ذلك غضب من غضب لاجل ابن مسعود وأبي ذر وعمار ».

وانظر:

تاريخ الطبري ٣ / ٣١١، ٣٢٥، ٣٢٦

__________________

(١). تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٩.

(٢). المعارف ١٩٤.


العقد الفريد ٢ / ١٨٦، ١٩٢

الاوائل لابي هلال ١٥٢

الكامل ٣ / ٤٢

اسد الغابة ٣ / ٢٥٩

وغيرها.

ولقد اعترف ( الدهلوي ) ايضاً بذلك كله في ( التحفة ).



دحض المعارضة

بحديث: اعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل



قوله : « وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ».

أقول : والجواب عنه وجوه:

١ - انه من متفردات العامة

ان هذا الحديث ليس من أحاديث الامامية، وقد كان ( الدهلوي ) قد التزم بنقل الاحاديث التي يعترف الامامية بصحتها ويحتجون بها، على أن والده لم يجوز الاحتجاج معهم بأحاديث الصحيحين، مع أن هذا الحديث لا عين له ولا أثر فيهما كما لا يخفى.

٢ - انه واه

ان هذا الحديث سنده واه، فانه جزء من حديث: « أرحم أمتي أبو بكر » ولقد بسطنا الكلام حوله في مجلد ( حديث مدينة العلم ).

٣ - اعترف ابن تيمية بضعفه


لقد اعترف ابن تيمية - وهو من فتن أهل السنة بهفواته - بضعفه، اذ قال في الجواب عن حديث « أقضاكم علي » بعد أن ذكره: « مع أن الحديث الذي فيه ذكر معاذ وزيد بعضهم يضعفه وبعضهم يحسنه »(١) .

أقول: سيأتي تعقيب ابن عبد الهادي لتحسين بعضهم اياه.

٤ - قدح فيه ابن عبد الهادي

ان حديث أعلمية معاذ بن جبل - وان حسنه بعضهم بل صححه - باطل عند ابن عبد الهادي، فقد صرح في ( التذكرة ) بأن في متنه نكارة وبأن شيخه ضعفه بل رجح وضمه.

٥ - قدح فيه الذهبي

لقد عد الحافظ الذهبي - الذي استند ( الدهلوي ) الى كلامه في رد حديث الطير - هذا الحديث في الاحاديث المقدوحة، وصرح بذلك في ( الميزان ) بترجمة سلام بن سليم، كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى.

٦ - قدح فيه المناوى

لقد قدح المناوي في هذا الحديث لكون « ابن البيلماني » في سنده، ونقل في ذلك كلام ابن عبد الهادي، فقال في شرح الحديث الطويل المشار اليه سابقاً »: « ع. من طريق ابن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر بن الخطاب. وابن البيلماني حاله معروف. لكن في الباب أيضاً عن أنس وجابر وغيرهما عن الترمذي وابن ماجة والحاكم وغيرهم، لكن قالوا في روايتهم بدل « أرأف »: « أرحم ». وقال ت: حسن صحيح، وقال ك‍: على شرطهما.

وتعقبهم ابن عبد الهادي في تذكرته بأن في متنه نكارة، وبأن شيخه

__________________

(١). منهاج السنة ٢ / ١٣٨.


ضعفه، بل رجح وضعه »(١) .

بعض كلماتهم في راويه: ابن البيلمانى

لقد اكتفى المناوى بقوله: « وابن البيلماني حاله معروف » ولا بأس بايراد كلمات اساطين الجرح والتعديل فيه وفي أبيه:

قال البخاري: محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه. منكر الحديث، كان الحميدي يتكلم فيه»(٢) .

وقال النسائي: « محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه. منكر الحديث »(٣) .

وقال المقدسي: « اذا كان آخر الزمان واختلف الاهواء فعليكم بدين البادية والنساء. فيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني قال ابن معين: ليس بشيء »(٤) .

وقال عنه في مواضع عديدة بعد احاديث رواها « لا شيء في الحديث » و « لا شيء » و « ليس بشيء » و « كان يتهم » ( أنظر: ص ٢٦، ٤٢، ٤٦، ٤٩، ٨٢، ١١٢، ١٢٢، ١٢٣، ١٣٦، ١٤١ ).

وقال ابن الجوزي بعد الحديث المذكور: « قال المصنف: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يحيى بن معين: محمد بن الحارث ومحمد بن عبد الرحمن ليسا بشيء، قال أبو حاتم: حدث محمد بن عبد الرحمن عن أبيه بنسخه شبيه بمائتي حديث كلها موضوعة، لا يحل الاحتجاج به ولا ذكره في الكتب الا تعجباً »(٥) .

__________________

(١). فيض القدير ١ / ٤٦٠.

(٢). الضعفاء والمتروكين للبخاري ١٠٣.

(٣). الضعفاء والمتروكين للنسائى ٩٣.

(٤). تذكرة الموضوعات للحافظ المقدسي ٢٥.

(٥). الموضوعات ١ / ٢٧١.


وهكذا قال فيه في حديث في « باب فضل جدة ».

وفي ( ميزان الاعتدال ): « د. ق محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه: ضعفوه، وقال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال الدارقطني وغيره: ضعيف، وقال ابن حبان: يحدث عن أبيه بنسخه شبيه بمائتي حديث كلها موضوعة قال ابن عدي: كلما يرويه ابن البيلماني البلاء فيه منه »(١) .

وفي [ المغني ]: « ضعفوه وقال ابن حبان: روى عن أبيه نسخة موضوعة »(٢) .

وقال الزين العراقي بعد حديث « اذا كان آخر الزمان »: « وابن البيلماني له عن ابيه عن ابن عمر نسخة كان يتهم بوضعها، وهذا اللفظ عن هذا الوجه رواه حب في الضعفاء في ترجمة ابن البيلماني والله اعلم »(٣) .

وقال الهيثمي في باب صلاة الخوف بعد حديث « رواه البزار وفيه محمد بن عبد الرحمن البيلماني، وهو ضعيف جداً »(٤) .

وقال سبط ابن العجمي: « ضعفه غير واحد، وقال خ وابو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: حدث عن أبيه بنسخة شبيه بمائتي حديث كلها موضوعة، وقد ذكر الذهبي عدة أحاديث في ميزانه وفي آخرها: قال ابن عدي: كلما يرويه ابن البيلماني فالبلاء منه، ومحمد بن الحرث أيضاً ضعيف. انتهى، يعني: راوي غالب الاحاديث التي ذكرها والله اعلم. وفي ثقات ابن حبان في ترجمة أبيه: يضع على ابيه العجائب »(٥) .

__________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٦١٧.

(٢). المغني في الضعفاء ٢ / ٦٠٣.

(٣). المغني عن حمل الاسفار في الاسفار ١ / ٢٦٢.

(٤). مجمع الزوائد ٢ / ١٩٦.

(٥). الكشف الحثيث عمن رمى بوضع الحديث - مخطوط.


وقال ابن حجر بعد حديث: « ورواه الدارقطني من طريق ابن البيلماني عن أبيه عن عثمان، وابن البيلماني ضعيف جداً وأبوه ضعيف أيضاً »(١) .

ونقل في ( تهذيب التهذيب ) كلمات البخاري وأبى حاتم والنسائي وابن معين وابن عدى. ثم قال: « قلت وقال ابن حبان: حدث عن أبيه نسخة شبيه بمائتي حديث كلها موضوعة لا يجوز الاحتجاج به ولا ذكره الا على وجه التعجب وقال الساجي: منكر الحديث، وقال العقيلي: روى عنه صالح بن عبد الجبار ومحمد بن الحارث مناكير، وقال الحاكم: روى عن أبيه عن ابن عمر المعضلات »(٢) .

وفي ( لسان الميزان ): « قال البخاري: منكر الحديث »(٣) .

وفي ( تقريب التهذيب ): « ضعيف وقد اتهمه ابن عدي وابن حبان، من السابعة »(٤) .

وقال ابن الهمام في مسألة تقدير المهر: « وحديث العلائق معلول بمحمد ابن عبد الرحمن ابن البيلماني، قال ابن القطان قال البخاري منكر الحديث »(٥) .

وقال السخاوي بعد حديث « اذا كان »: « وابن البيلماني ضعيف جداً »(٦) .

وقال الخزرجي: « قال البخاري منكر الحديث »(٧) .

وقال السندي: « محمد بن عبد الرحمن البيلماني، روى عن أبيه نسخة

__________________

(١). التلخيص الحبير ١ / ٨٤.

(٢). تهذيب التهذيب ٩ / ٢٩٤.

(٣). لسان الميزان ٦ / ٦٩٧.

(٤). تقريب التهذيب ٢ / ١٨٢.

(٥). فتح القدير ٢ / ٤٣٦.

(٦). المقاصد الحسنة ٢٩٠.

(٧). خلاصة التذهيب ٢ / ٤٢٩.


كلها موضوعة »(١) .

ونقل القاري عن ابن القيم كلمات القوم المتقدمة(٢) .

وقال المناوي بعد حديث: « اذا كان آخر الزمان »: « وابن البيلماني ضعيف جداً، واورده السخاوي في المقاصد »(٣) .

وبمثله قال الزبيدي في ( شرح الاحياء ) بعد الحديث المذكور.

وقال الشوكاني: « وفيه ابن البيلماني وهو ضعيف جداً، عن أبيه وهو أيضاً ضعيف »(٤) .

و أما ابوه عبد الرحمن ابن البيلمانى

فقد ضعفه الدارقطني في ( المجتنى - مخطوط ).

والحاكم في ( المستدرك ٤ / ٤٨٥ ).

والذهبي في ( الميزان ٢ / ٥٥١ ) و ( المغني ٢ / ٣٧٧ ) و ( الكاشف ٢ / ١٥٨ ) و ( تلخيص المستدرك ٤ / ١٠٢ و ٤٨٥ ).

وابن حجر العسقلاني في ( تهذيب التهذيب ٦ / ١٥٠ ) و ( تقريب التهذيب ١ / ٤٧٤ ).

والخزرجي في ( خلاصة التذهيب ٢ / ١٢٧ ).

وابن امير الحاج في ( التقرير والتحبير ١ / ٢٢٤ ).

والمتقي في ( كنز العمال ٦ / ١٤٦ ).

والشوكاني في ( نيل الاوطار ١ / ١٩٧ ).

والمناوي في ( فيض القدير ١ / ١٦٣ ).

والزبيدي في ( تاج العروس - بلم ).

__________________

(١). مختصر تنزيه الشريعة عن الاحاديث الموضوعة - مخطوط.

(٢). الموضوعات ٤١٩.

(٣). فيض القدير ١ / ٤٢٤.

(٤). نيل الاوطار ١ / ١٩٧، ٦ / ٨٧.


٧ - قدح المناوى أيضا ً

لقد قال المناوي في ( فيض القدير ) بشرح حديث « معاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه »: « حل - عن أبي سعيد الخدري، وفيه زيد العمي وقد مر ضعفه، وسلام بن سليم قال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه ».

أقول: واليك بعض أقوال أساطين علمائهم في كل من الرجلين:

اما زيد العمى

فقد قال النسائي: « زيد العمي ضعيف »(١) .

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه في حديث: « زيد العمي ضعيف الحديث »(٢) .

وقال ابن الجوزي بعد أحاديث: « هذه أحاديث ليس فيها صحيح

والثاني والثالث: فيهما زيد العمي، قال ابن حبان، يروي أشياء موضوعة لا أصل لها حتى يسبق الى القلب انه المتعمد لها »(٣) .

وقال الذهبي: « فيه ضعف، قال ابن عدي: لعل شعبة لم يرو عن اضعف منه »(٤) .

وقال العراقي في ( المغني ) بعد حديث: « وفيه زيد العمي وهو ضعيف ».

وقال ابن حجر: « ضعيف »(٥) .

__________________

(١). الضعفاء والمتروكين للنسائى: ١٨٠.

(٢). العلل ١ / ٤٥.

(٣). الموضوعات ٣ / ٢١٥.

(٤). الكاشف ١ / ٣٣٨.

(٥). تقريب التهذيب ١ / ٢٧٤.


وفي ( تهذيب التهذيب ): « وقال اسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح الحديث، وقال غير مرة: لا شيء، وقال أبو الوليد بن أبي الجارود عن ابن معين: زيد العمي وأبو المتوكل يكتب حديثهما وهما ضعيفان، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال أبو زرعة: ليس بقوي واه الحديث، ضعيف، وقال الجوزجاني: متماسك، وقال الاجري عن أبي داود حدث عن شعبة وليس بذلك ولكن ابنه عبد الرحيم لا يكتب حديثه، وقال الاجري أيضاً: سألت أبا داود عنه فقال: زيد بن مرة، قلت: كيف هو؟ قال: ما سمعت منه الا خيراً. وقال النسائي: ضعيف، وقال الدارقطني: صالح، وقال ابن عدى: عامة ما يرويه ضعيف، على ان شعبة قد روى عنه، ولعل شعبة لم يرو عن اضعف منه، وقال على بن مصعب: سمى العمي، لانه كان كلما سئل عن شيء، قال: حتى اسأل عمي.

قلت: وقال الرشاطي: هو منسوب الى بني العم من تميم، وقال ابن سعد: كان ضعيفاً في الحديث، وقال ابن المديني: كان ضعيفاً عندنا، وقال أبو حاتم: كان شعبة لا يحمد حفظه، وقال العجلي: بصرى ضعيف الحديث ليس بشيء، وقال ابن عدى: هو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم »(١) .

واما سلام بن سليم

فقد قال البخاري: « تركوه »(٢) .

وقال النسائي في ( الضعفاء والمتروكين ٤٧ ) وابن أبي حاتم في ( العلل ١ / ٦٣ ) عن أبيه: « متروك الحديث ».

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٣ / ٤٠٨.

(٢). الضعفاء للبخاري ٥٥.


وقال أبو نعيم بترجمة الشعبي بعد حديث: « متروك باتفاق »(١) .

وقال ابن الجوزي بعد حديث: « فيه سلام الطويل قال يحيى: ليس بشيء لا يكتب حديثه، وقال البخاري: تركوه، وقال النسائي والدار قطني: متروك وقال ابن حبان: يروى عن الثقات الموضوعات وكأنه كان المعتمد لها »(٢) .

وقال الذهبي: « تركوه » ثم نقل كلماتهم فيه(٣) .

وفي ( المغني ): « متروك، وقال ابو زرعة: ضعيف »(٤) .

وفي ( الكاشف ): « قال البخاري: تركوه »(٥) .

وقال ابن التركماني عن البيهقي: « متروك »(٦) .

وقال الهيثمي: « قد أجمعوا على ضعفه »(٧) .

وقال سبط ابن العجمي في ( الكشف الحثيث ): « جرحه جماعة ».

وقال ابن حجر: « متروك من السابعة »(٨) .

وقال أيضاً: « زيد وسلام ضعيفان »(٩) .

وهكذا ضعفه آخرون كالخزرجي ( خلاصة التذهيب ١ / ٤٣٣ ) والسندي في ( مختصر تنزيه الشريعة ) ومحمد بن طاهر في ( قانون الموضوعات ٢٥٩ ).

__________________

(١). حلية الاولياء ٤ / ٣٣٦.

(٢). الموضوعات ٢ / ٨٩.

(٣). ميزان الاعتدال ١ / ١٧٥.

(٤). المغني ١ / ٢٧٠.

(٥). الكاشف ١ / ٤١٣.

(٦). الجوهر النقي ١ / ٢١.

(٧). مجمع الزوائد ١ / ٢١٢.

(٨). تقريب التهذيب ١ / ٣٤٢.

(٩). تلخيص الحبير ١ / ٢٢٢.


٨ - قدح المناوى أيضا ً

قال المناوى: « حل - عن ابى سعيد. واسناده ضعيف »(١) .

٩ - قدح العزيزي فيه

قال العزيزي: « حل - عن أبى سعيد واسناده ضعيف »(٢) .

١٠ - تصرف معاذ في ما ليس له

ان من مبطلات احاديث اعلمية معاذ بن جبل تصرفه في ما ليس له من الاموال، واليك من ذلك روايتين:

الاولى:

ما اخرجه جماعة مهم ابن سعد بترجمة معاذ، قال: « أخبرنا عبيد الله بن موسى، أنا شيبان، عن الاعمش عن شقيق قال: استعمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاذاً على اليمن، فتوفى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستخلف ابو بكر وهو عليها، وكان عمر عامئذ على الحج، فجاء معاذ الى مكة ومعه رقيق ووصفاء على حدة، فقال له عمر: يا ابا عبد الرحمن لمن هؤلاء الوصفاء؟ قال: هم لي، قال: من أين هم لك؟ قال: أهدوا لي. قال: اطعني وأرسل بهم الى أبي بكر فان طيبهم لك فهم لك، قال: ما كنت لاطيعك في هذا، شيء أهدي لي ارسل بهم الى ابي بكر؟ قال: فبات ليلا [ ليلته ] ثم أصبح فقال: يا ابن الخطاب ما أراني الا مطيعك، اني رأيت الليلة في المنام كأنى أجر - او: أقاد او كلمة تشبهها - الى النار وأنت آخذ بحجزتي، فانطلق [ بى و ] بهم الى أبي بكر، فقال: أنت احق بهم، [ فانطلق بهم الى أبي بكر ] فقال ابو بكر: هم

__________________

(١). التيسير ٢ / ٣٧٦.

(٢). السراج المنير ٣ / ٢٨٢.


لك، فانطلق بهم الى أهله فصفوا خلفه يصلون قال: لمن تصلون؟ قالوا: لله تبارك وتعالى. قال: فانطلقوا فأنتم له »(١) .

و الثانية:

أخرجها جماعة منهم ابن عبد البر في ( الاستيعاب ٣ / ١٤٠٤ ) بترجمة معاذ والمتقى في ( كنز العمال ٥ / ٣٤٢ ) في كتاب الخلافة، وهذا لفظ المتقي: « أخبرنا معمر عن الزهري عن كعب بن عبد الرحمن [ ابن كعب ] بن مالك عن ابيه قال: كان معاذ بن جبل رجلا سمحاً شاباً جميلا من افضل شباب قومه، وكان لا يمسك شيئاً، فلم يزل يدان حتى اغلق ما له كله من الدين، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطلب له ان يسأل له غرماءه ان يضعوا له، فأبوا، فلو تركوا لاحد من اجل أحد تركوا لمعاذ من اجل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فباع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل ما له في دينه حتى قام معاذ بغير شيء، حتى اذا كان عام فتح مكة بعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على طائفة من اليمن أميراً ليجبره، فمكث معاذ باليمن أميراً وكان اول من اتجر في مال الله هو، ومكث حتى اصاب وحتى قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما قدم قال عمر لابي بكر: ارسل الى هذا الرجل فدع له ما يعيشه وخذ سائره، فقال ابو بكر: انما بعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليجبره ولست بآخذ منه شيئاً الا ان يعطيني، فانطلق عمر الى معاذ اذ لم يطعه ابو بكر، فذكر ذلك عمر لمعاذ، فقال [ معاذ ]: انما ارسلني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليجبرنى ولست بفاعل، ثم لقي معاذ عمر فقال: قد اطعتك وانا فاعل ما امرتني به، انى رأيت في المنام أنى في حومة ماء قد خشيت الغرق، فخلصتني منه يا عمر، فأتى معاذ أبا بكر فذكر ذلك له وحلف له انه لم يكتمه شيئاً حتى بين له سوطه، فقال ابو بكر: والله لا آخذه منك، قد وهبته لك، فقال عمر: هذا حين طاب لك وحل، فخرج معاذ

__________________

(١). الطبقات ٣ / ٥٨٥.


عند ذلك الى الشام.

قال معمر: فأخبرنى رجل من قريش قال: سمعت الزهري يقول: لما باع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مال معاذ أوقفه للناس فقال: من باع هذا شيئاً فهو باطل. عب وابن راهويه ».

أقول: فمن كان هذا حاله من الجهل بحكم الله والتصرف في مال الله ولم يؤده حتى رأى في منامه ما رأى لا يكون أعلم بحلال الله وحرامه من غيره!.

قوله : وأمثال ذلك كثيرة.

اقوال : نعم أمثال هذه الموضوعات في كتبهم كثيرة، وعلى ألسنتهم شهيرة، والوقوف على حال ما ذكر منها كاف لمعرفة حال تلك عند من له ادنى بصيرة، والحمد لله الذي وفقنا لاحقاق الحق واعلانه، ودحض الباطل وازهاقه، وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير.


دحض المعارضة

بحديث: اقتدوا باللّذين من بعدي



قوله : خصوصاً قوله « اقتدوا باللذين من بعدي ابى بكر وعمر » حيث بلغ درجة الشهرة والتواتر بالمعنى.

اقول : ان دعوى صحة هذا الحديث كاذبة، لما ذكرنا في مجلد ( حديث الطير ) من الوجوه الرصينة والبراهين المتينة على وهنه وسقوطه عن درجة الاعتبار، بحيث لو ركن أهل السنة الى انواع التلبيس، واعتمدوا على اشكال التدليس، وتشبثوا بمختلف طرق التسويل لما تمكنوا من اثبات صحته فضلا عن تواتره ونحن ذاكرون هنا وجوهاً على فساد هذا الحديث وبطلانه لاقتضاء المقام ذلك، فنقول:

١ - لقد أعله أبو حاتم

لقد كشف أبو حاتم الرازي النقاب عن سقم هذا الحديث، فقد قال المناوي: « وأعله ابو حاتم، وقال البزار كابن حزم: لا يصح، لان عبد الملك لم يسمعه من ربعي، وربعي لم يسمعه من حذيفة، لكن له شاهد »(١) .

__________________

(١). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٢ / ٥٦.


أقول: قد ذكرنا ما في سند الشاهد في مجلد ( حديث الطير ).

ترجمة أبى حاتم

قال السمعاني: « وأبو حاتم، كان اماماً حافظاً فهماً من مشاهير العلماء توفي سنة سبع وسبعين ومائتين »(١) .

وقال: « امام عصره والمرجوع اليه في مشكلات الحديث كان من مشاهير العلماء المذكورين الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة وكان اول من كتب الحديث وكان احمد بن سلمة يقول: ما رأيت بعد اسحاق - يعني ابن راهويه - ومحمد بن يحيى أحفظ للحديث ولا اعلم بمعانيه من ابي حاتم محمد بن ادريس.

قال أبو حاتم: قال لي هشام بن عمار يوماً: أي شيء تحفظ من الاذواء؟ قلت له: ذو الاصبع وذو الجوشن وذو الزوائد وذو اليدين وذو اللحية الكلابي وعددت له ستة، فضحك وقال: حفظنا نحن ثلاثة وزدت أنت ثلاثة مات أبو حاتم بالري في شعبان سنة سبع وسبعين ومائتين »(٢) .

وذكره ابن الاثير وقال: « وهو من أقران البخاري ومسلم »(٣) .

وقال الذهبي: « ابو حاتم الرازي الامام الحافظ الكبير محمد بن ادريس ابن المنذر الحنظلي أحد الاعلام، ولد سنة خمس وتسعين ومائة، قال: كتبت الحديث سنة تسع ومائتين.

قلت: رحل وهو أمرد فسمع عبيد الله بن موسى ومحمد بن عبد الله الانصاري والاصمعي وابا نعيم وهوذة بن خليفة وعفان وابا مسهر وأمماً سواهم، وبقي في الرحلة زماناً، فقال: أول ما رحلت أقمت سبع سنين

__________________

(١). الانساب - الجزى.

(٢). المصدر - الحنظلي.

(٣). الكامل في التاريخ ٦ / ٦٧.


أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد، وخرجت من البحرين الى مصر ماشياً ثم الى الرملة ماشياً ثم الى طرسوس ولي عشرون سنة قلت ألحق عبيد الله فأتيته قبل موته بشهرين، قال: وكتبت عن النفيلى نحو أربعة عشر ألفاً، وسمع مني محمد بن المصفى أحاديث.

قلت: وحدث عنه يونس بن عبد الاعلى ومحمد بن عون الطاعي وابو داود والنسائي وابو عوانة الاسفرايني وابو الحسن علي بن ابراهيم القطان وابو عمر واحمد بن محمد بن حكيم وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب وعبد المؤمن بن خلف النسفي وخلق كثير.

قال محمد بن اسحاق الانصاري القاضي: ما رأيت احفظ من ابي حاتم، وقال محمد بن سلمة الحافظ: ما رأيت بعد محمد بن يحيى أحفظ للحديث ولا أعلم بمعانيه من ابي حاتم، وقال النسائي ثقة، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: من اغرب علي حديثاً صحيحاً فله درهم - وكان ثم خلق ابو زرعة فمن دونه، وانما كان مرادي ان يلقى علي ما لم اسمع به لا ذهب به الى راويه فأسمعه - فلم يتهيأ لاحد أن يغرب علي »(١) .

وترجم له الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٤٧ ) و ( الكاشف ٣ / ١٨ ) و ( دول الاسلام ١ / ١٣٢ ) و ( العبر ٢ / ٥٨ ) قال في الاخير حوادث ٢٧٧ -:

« فيها توفي حافظ المشرق أبو حاتم محمد بن ادريس الحنظلي الرازي في شعبان وهو في عشر التسعين، وكان بارع الحفظ، واسع الرحلة، من أوعية العلم، سمع محمد بن عبد الله الانصاري وابا مسهر وخلقاً لا يحصون، وكان جارياً في مضمار البخاري وابي زرعة الرازي ».

وكذا جاء في ( مرآة الجنان ) في حوادث السنة المذكورة.

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٢ / ٥٦٧.


وقال الحافظ ابن حجر: « أحد الحفاظ، من الحادية عشر »(١) .

وقال السيوطي: « أحد الائمة الحفاظ، روى عن احمد وآدم بن أبي أياس وأبي خيثمة وقتيبة وخلق، وعنه أبو داود والنسائي وابن ماجة وآخرون، قال الخطيب: كان أحد الائمة الحفاظ الاثبات، مشهوراً بالعلم مذكوراً بالفضل، وثقه النسائي وغيره، وقال ابن يونس: قدم مصر قديماً وكتب بها وكتب عنه. مات بالري سنة خمس وقيل سبع وسبعين ومائتين »(٢) .

٢ - طعن الترمذي فيه

لقد طعن أبو عيسى الترمذي في سند هذا الحديث برواية ابن مسعود - وان رواه عن حذيفة وحسن رجاله - وذلك حيث قال: « حدثنا ابراهيم ابن اسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، ثنى ابي عن أبيه سلمة بن كهيل عن ابي الزعراء عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي من اصحابي ابي بكر وعمر، واهتدوا بهدى عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود.

هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود، لا نعرفه الا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل، ويحيى بن سلمة يضعف في الحديث، وأبو الزعراء اسمه عبد الله بن هاني، وابو الزعراء الذي روى عنه شعبة والثوري وابن عيينة اسمه عمرو بن عمرو، وهو ابن أخي أبي الاحوص صاحب ابن مسعود »(٣) .

أقول: لقد اكتفى الترمذي بهذا المقدار في تضعيفه، ونحن نضيف الى كلامه بعض كلماتهم في رجاله:

__________________

(١). تقريب التهذيب ٢ / ١٤٢.

(٢). طبقات الحفاظ ٢٥٥.

(٣). صحيح الترمذي ٥ / ٦٧٢.


أما ابراهيم بن اسماعيل

فقد قال الذهبي: « لينه أبو زرعة وتركه أبو حاتم، يروي عن أبيه، تأخر »(١) .

وفي ( المغني ): « غمزه أبو زرعة وتركه أبو حاتم »(٢) .

وأضاف ابن حجر العسقلاني: « وقال العقيلي عن مطين: كان ابن نمير لا يرضاه ويضعفه، وقال: روى أحاديث مناكير. قال العقيلي ولم يكن ابراهيم هذا بقيم الحديث وذكره ابن حبان في الثقات فقال: في روايته عن ابيه بعض المناكير »(٣) .

وقال الخزرجي: « اتهمه أبو زرعة »(٤) .

و أما اسماعيل بن يحيى

فقد قال الذهبي: « قال الدار قطني متروك »(٥) .

وقال ابن حجر: « قال الدارقطني متروك، وتقدم الكلام عليه في ترجمة ابنه. قلت: ونقل ابن الجوزي عن الازدي انه قال: متروك »(٦) .

و أما يحيى بن سلمة بن كهيل

فقد قال البخاري: « منكر الحديث »(٧) .

وقال أيضاً: « في حديثه مناكير »(٨) .

__________________

(١). ميزان الاعتدال ١ / ٢٠.

(٢). المغني في الضعفاء ١ / ١٠.

(٣). تهذيب التهذيب ١ / ١٠٦.

(٤). خلاصة تهذيب الكمال ١ / ١٤.

(٥). ميزان الاعتدال ١ / ٢٥٤، المغني في الضعفاء ٨٩.

(٦). تهذيب التهذيب ١ / ٣٣٦.

(٧). التاريخ الصغير للبخاري ١ / ٣٤٧.

(٨). الضعفاء للبخاري ١١٩.


وقال النسائي: « متروك الحديث »(١) .

وقال المقدسي: « ضعفه ابن معين، وقال ابو حاتم: ليس بالقوى، وقال البخاري: في حديثه مناكير، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الترمذي: ضعيف، أما ابن حبان فذكره في الثقات »(٢) .

وقال الذهبي: « ضعيف، مات سنة ١٧٢ »(٣) .

وقال ابن حجر بعد الاقوال المتقدمة:

« قلت: وذكره ابن حبان أيضاً في الضعفاء فقال منكر الحديث جداً لا يحتج به، وقال النسائي في الكنى: متروك الحديث، وقال ابن نمير ليس ممن يكتب حديثه، وقال الدارقطني: متروك، وقال مرة: ضعيف وقال العجلي: ضعيف الحديث وكان يغلو في التشيع، وقال ابن سعد: كان ضعيفاً جداً، وقال البخاري في الاوسط: منكر الحديث، وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم، وكنت أسمع اصحابنا يضعفونه، وقال الاجري عن ابي داود: ليس بشيء»(٤) .

و أما أبو الزعراء

فقد مر قدحه عن البخاري في الكلام على حديث: وتمسكوا بعهد ابن ام عبد، فليكن منك على ذكر

٣ - ابطال البزار اياه

لقد أنصف البزار اذ قال « لا يصح » كما عرفته بنص المناوي في [ فيض القدير ] ومن العجيب: ان ( الدهلوي ) يستدل في حاشية ( التحفة )

__________________

(١). الضعفاء والمتروكين للنسائى ١٠٩.

(٢). الكمال في اسماء الرجال - مخطوط.

(٣). الكاشف ٣ / ٢٥١.

(٤). تهذيب التهذيب ١١ / ٢٢٥.


بحديث أخرجه البزار في ( مسنده ) على أن أبا بكر أشجع من أمير المؤمنين عليه‌السلام . ولكنه لا يلتفت في المقام الى طعن البزار في حديث الاقتداء فيدعى شهرته وتواتره على أنه قد وصفه في موضع آخر بـ « عمدة محدثي أهل السنة » فهل يجوز له الاستدلال بحديث ضعفه « عمدة المحدثين » فضلا عن دعوى شهرته وتواتره؟

ولا بأس بذكر كلمات لهم في الثناء على البزار:

ترجمة البزار

قال أبو نعيم: « أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري أبو بكر البزار الحافظ، قدم اصبهان مرتين »(١) .

وقال السيوطي: « البزار - الحافظ العلامة الشهير أبو بكر صاحب المسند الكبير المعلل، رحل بآخر عمره الى اصبهان ونشر علمه، مات بالرملة سنة ٢٩٢ »(٢) .

وقال الازهري في ( اسانيده ): « قال ابن أبي خيثمة، هو ركن من أركان الاسلام، وكان يشبه بابن حنبل في زهده وورعه ».

٤ - إبطال العقيلي إياه

لقد أورد العقيلي حديث الاقتداء في كتاب ( الضعفاء ) وأنكره كما ستعرف ذلك من عبارة ابن حجر العسقلاني.

ترجمة العقيلي

ولقد أثنى على العقيلي علماء الرجال ووصفوه بكل جميل راجع

__________________

(١). تاريخ اصبهان ١ / ١٠٤.

(٢). طبقات الحفاظ ٢٨٥.


( تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٣٣ ) و ( العبر في خبر من غبر ٢ / ١٩٨ ) و ( طبقات الحفاظ ٣٤٦ ).

وهذه خلاصة ما جاء في ( تذكرة الحفاظ ): « العقيلي، الحافظ الامام صاحب كتاب الضعفاء الكبير. قال سلمة بن القاسم: كان العقيلي جليل القدر عظيم الخطر ما رأيت مثله وكان كثير التصانيف، فكان من أتاه من المحدثين قال: اقرأ من كتابك ولا تخرج أصله، فتكلمنا في ذلك وقلنا اما ان يكون احفظ الناس واما أن يكون من أكذب الناس واجتمعنا عليه، فلما أتيت بالزيادة والنقص فطن لذلك، فأخذ مني الكتاب وأخذ القلم فأصلحها من حفظه، فانصرفنا من عنده وقد طابت أنفسنا وعلمنا انه من أحفظ الناس.

وقال الحافظ أبو الحسن بن سهل القطان: أبو جعفر ثقة جليل القدر، عالم بالحديث، مقدم في الحفظ، توفي سنة ٣٢٢ ».

٥ - تضعيف النقاش اياه

لقد نص النقاش على أن هذا الحديث « واه » فقد قال الذهبي بترجمة أحمد ابن محمد بن غالب الباهلي: « ومن مصائبه قال: حدثنا محمد بن عبد الله العمري حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ». فهذا ملصق بمالك. وقال ابو بكر النقاش وهو واه »(١) .

وكلام النقاش هذا دليل متين على سقم هذا الحديث، اذ النقاش كان ممن ولع بجمع الموضوعات والاعتماد عليها، وتفسيره ملئ بها كما لا يخفى على من راجع ( طبقات الحفاظ للحافظ السيوطي ٣٧١ ).

__________________

(١). ميزان الاعتدال ١ / ١٤٢.


٦ - تضعيف الدارقطني اياه

لقد صرح الدارقطني بعدم ثبوت هذا الحديث المنقول عن ابن عمر وضعف راويه، كما ستعرف ذلك ان شاء الله من عبارة ابن حجر العسقلاني.

ترجمة الدارقطني

وكتب الرجال والتاريخ مشحونة بالثناء على الدارقطني واطرائه، واليك بعض مصادر ترجمته:

الانساب - الدارقطني.

الكامل في التاريخ، حوادث ٣٨٥.

وفيات الاعيان ٢ / ٤٥٩.

تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٩١.

العبر ٣ / ٢٨.

طبقات السبكي ٣ / ٤٦٢.

طبقات الاسنوي ١ / ٥٠٨.

طبقات القراء ١ / ٥٥٩.

طبقات الحفاظ ٣٩٣.

وقد أوردنا طرفاً من كلماتهم في مجلد ( حديث الطير ).

٧ - ابطال ابن حزم إياه

لقد صرح ابن حزم بعدم صحة حديث الاقتداء، فقد قال في استخلاف أبي بكر: « وأيضاً: فان الرواية قد صحت بأن امرأة قالت يا رسول الله: أرأيت ان رجعت ولم أجدك؟ كأنها تريد الموت قال: فأتي أبا بكر. وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر. وأيضاً: فان الخبر قد جاء من الطرق الثابتة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعائشة رضي الله عنها في مرضه الذي توفي فيه عليه‌السلام : هممت أن أبعث الى أبيك وأخيك فأكتب


كتاباً وأعهد عهداً لكيلا يقول قائل: أنا أحق، أو يتمنى متمن ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر، و روي أيضاً ويأبى الله والنبيون الا أبا بكر. فهذا نص جلي على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الامة بعده.

قال أبو محمد: ولو أننا نستجير التدليس والامر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحاً أو أبلسوا أسفاً لاحتججنا بما روي: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. قال أبو محمد: ولكنه لم يصح، ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح »(١) .

أقول: وفي هذا الكلام فوائد لا تخفى عليه النبيه.

ولقد ظهر أيضاً قدحه في هذا الحديث من عبارة ( فيض القدير ) كما تقدم.

ترجمة ابن حزم

قال السمعاني ما ملخصه: « الحافظ المعروف بابن حزم من أفضل أهل عصره بالاندلس وبلاد المغرب، له التصانيف والكتب المفيدة، وكان حافظاً في الحديث، وكان يميل الى مذهب أهل الظاهر »(٢) .

وقال الذهبي ما ملخصه: « وكان اليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية والادب والمنطق والشعر، مع الصدق والامانة والديانة والحشمة والسؤدد والرياسة والثروة وكثرة الكتب »(٣) .

وقال السيوطي: « ابن حزم الامام العلامة الحافظ الفقيه أبو محمد علي ابن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف الفارسي الاصل الترمذي الاموي مولاهم القرطبي الظاهري. كان أولا شافعياً ثم تحول

__________________

(١). الفصل في الملل والنحل ٤ / ٨٨.

(٢). الانساب - اليزيدي.

(٣). العبر ٣ / ٢٣٩، دول الاسلام ١ / ٢٠٧.


ظاهرياً وكان صاحب فنون وورع وزهد، واليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم، أجمع أهل الاندلس قاطبة لعلوم الاسلام وأوسعهم معرفة مع توسعه في علوم اللسان والبلاغة والشعر والسير والاخبار، له ( المجلى ) على مذهبه واجتهاده، وشرحه ( المحلى ) و ( الملل والنحل ) و ( الايصال في فقه الحديث ) وغير ذلك. آخر من روى عنه بالاجازة أبو الحسن شريح بن محمد. مات في جمادى الاولى سنة سبع وخمسين وأربعمائة »(١) .

٨ - تنصيص العبرى على أنه موضوع

لقد صرح العبري الفرغاني بوضع حديث الاقتداء حيث قال: « وقيل: اجماع الشيخين حجة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، فالرسول أمرنا بالاقتداء بهما، والامر للوجوب وحينئذ يكون مخالفتهما حراماً، ولا نعني بحجية اجماعهما سوى ذلك.

الجواب: ان الحديث موضوع لما بينا في شرح الطوالع »(٢) .

ترجمة الفرغاني

ولقد قال الاسنوي بترجمة الفرغاني ما نصه: « الشريف برهان الدين عبيد الله الهاشمي الحسيني المعروف بالعبري - بعين مكسورة ثم باء موحدة ساكنة - كان أحد الاعلام في علم الكلام والمعقولات، ذا حظ وافر من باقي العلوم، وله التصانيف المشهورة »(٣) .

وقال ابن حجر العسقلاني: « كان عارفاً بالاصلين وشرح مصنفات ناصر الدين البيضاوي وذكره الذهبي في المشتبه في العبري فقال: عالم كبير في وقتنا وتصانيفه سائرة، ومات في شهر رجب سنة ٧٤٣.

__________________

(١). طبقات الحفاظ ٤٣٦.

(٢). شرح المنهاج - مخطوط.

(٣). طبقات الشافعية ٢ / ٢٣٦.


قلت: رأيت بخط بعض فضلاء العجم انه مات في غرة ذي الحجة منها وهو أثبت، ووصفه فقال: هو الشريف المرتضى قاضي القضاة، كان مطاعاً عند السلاطين، مشهوراً في الافاق مشاراً اليه في جميع الفنون، ملاذ الضعفاء كثير التواضع والانصاف »(١) .

وقال اليافعي: « الامام العلامة قاضي القضاة عبيد الله بن محمد العبري الفرغاني الحنفي البارع العلامة المناظر، يضرب بذكائه ومناظرته المثل، كان اماماً بارعاً متفنناً، تخرج به الاصحاب، يعرف المذهبين الحنفي والشافعي وأقرأهما وصنف فيهما، وأما الاصول والمعقول فتفرد فيهما بالامامة، وله تصانيف وكان استاذ الاستاذين في وقته »(٢) .

وبمثل ما تقدم ترجمه الشوكاني في ( البدر الطالع ١ / ٤١١ ) وتقي الدين ابن قاضي شهبة الاسدي في ( طبقات الشافعية - ٢ / ١٨٣ ).

٩ - تغليط الذهبي اياه

لقد غلط الذهبي حديث الاقتداء المروي عن ابن عمر، وأظهر بطلانه مرة بعد أخرى، فقال: « أحمد بن صليح عن ذي النون المصري عن مالك عن نافع عن ابن عمر بحديث اقتدوا باللذين من بعدي. وهذا غلط، وأحمد لا يعتمد عليه »(٣) .

وقال: « أحمد بن محمد بن غالب الباهلي غلام خليل عن اسماعيل بن أبي أويس وشيبان وقرة بن حبيب، وعنه ابن كامل وابن السماك وطائفة، وكان من كبار الزهاد ببغداد، قال ابن عدي سمعت أبا عبد الله النهاوندي يقول قلت لغلام خليل: ما هذه الرقائق التي تحدث بها؟ قال: وضعناها لنرقق بها قلوب العامة.

__________________

(١). الدرر الكامنة ٢ / ٤٣٣.

(٢). مرآة الجنان ٤ / ٣٠٦.

(٣). ميزان الاعتدال ١ / ١٠٥.


وقال أبو داود: أخشى أن يكون دجال بغداد، وقال الدارقطني متروك.

ومن مصائبه قال: حدثنا محمد بن عبد الله العمري حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. فهذا ملصق بمالك، وقال أبو بكر النقاش وهو واه.

قال أبو جعفر بن الشعيري: لما حدث غلام خليل عن بكر بن عيسى عن أبي عوانة قلت له: يا أبا عبد الله ما هذا الرجل؟ هذا حدث عنه أحمد بن حنبل وهو قديم لم تدركه، ففكر في هذا، فقلت: لعله آخر اسمه ذلك؟ فسكت، فلما كان من الغد قال لي يا أبا جعفر، علمت اني نظرت البارحة في من سمعت عليه بالبصرة ممن يقال له بكر بن عيسى، فوجدتهم ستين رجلا »(١) .

وقال: « محمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن عبيد الله ابن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري، ذكره العقيلي وقال لا يصح حديثه ولا يعرف بنقل الحديث.

حدثنا أحمد بن الخليل حدثنا ابراهيم بن محمد الحلبي حدثني محمد ابن عبد الله بن عمر بن القاسم أنا مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: اقتدوا باللذين من بعدي.

فهذا لا أصل له من حديث مالك، بل هو معروف من حديث حذيفة ابن اليمان وقال الدارقطني: البصري هذا يحدث عن مالك بأباطيل، وقال ابن مندة: له مناكير »(٢) .

فظهر أن هذا الحديث مصنوع موضوع.

و قال الذهبي: « عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الزعراء عن ابن مسعود مرفوعاً: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا

__________________

(١). ميزان الاعتدال ١ / ١٤١.

(٢). ميزان الاعتدال ٣ / ٦١٠.


بهدى عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود.

قلت: سنده واه جداً »(١) .

وقال المناوي بشرح الحديث برواية ابن مسعود: « ورواه ك‍ عن ابن مسعود باللفظ المذكور. قال الذهبي وسنده واه جدا »(٢) .

١٠ - ابطال ابن حجر اياه

لقد قال ابن حجر العسقلاني - مقتفياً أثر الذهبي - « أحمد بن صليح عن ذي النون المصري عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: بحديث « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » وهذا غلط، وأحمد لا يعتمد عليه »(٣) .

وقال بعد كلام الذهبي المتقدم حول غلام خليل:

« وقال الحاكم سمعت الشيخ أبا بكر بن اسحاق يقول: أحمد بن محمد بن غالب ممن لا أشك في كذبه، وقال أبو أحمد الحاكم: أحاديثه كثيرة لا تحصى كثرة وهو بيّن الامر في الضعف، وقال أبو داود: قد عرض علي من حديثه فنظرت في أربعمائة حديث أسانيدها ومتونها كذب كلها، وروى عن جماعة من الثقات أحاديث موضوعة على ما ذكره لنا القاضي أحمد بن كامل مع زهده وورعه، ونعوذ بالله من ورع يقين صاحبه ذلك المقام »(٤) .

وقال بعد كلام الذهبي في محمد بن عبد الله العمرى: « وقال العقيلي بعد تخريجه: هذا ديث منكر لا اصل له، وأخرجه الدارقطني من رواية أحمد الخليلي الضمري بسنده، وساق بسند كذلك ثم قال: لا يثبت، والعمري هذا

__________________

(١). تلخيص المستدرك ٣ / ٧٥.

(٢). فيض القدير ٢ / ٥٧.

(٣). لسان الميزان ١ / ١٨٨.

(٤). لسان الميزان ١ / ٢٧٢.


ضعيف »(١) .

١١ - ابطال الهروي إياه

لقد قال شيخ الاسلام الهروي ما نصه: « من موضوعات أحمد الجرجاني: اقتدوا باللذين من بعدي ابي بكر وعمر. باطل »(٢) .

والخلاصة: قد ثبت بطلان حديث « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » وبان وضعه، وظهر كذب ( الدهلوي ) في زعمه شهرته وتواتره، والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١). لسان الميزان ٥ / ٢٣٧.

(٢). الدر النضيد ٩٧.


ثم ان ( الدهلوي ) لم يكتف بايراد حديث الاقتداء في متن ( التحفة ) فأضاف في حاشيتها:

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر فانهما حبل الله الممدود، من تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها. أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء ، وله طرق أخرى.

أقول: وهذا أيضاً باطل لوجوه:

الاول: انه لم يعرف سنده حتى ينظر فيه، فلا يجوز الاستدلال به.

الثاني: انه غير مخرج في الكتب الملتزم فيها الصحة، فلا يصغى اليه.

الثالث: لقد أخرجه الطبراني في ( المعجم الكبير ) على ما في ( كنز العمال ١٢ / ١٧١ )، ولكن الطبراني لم يلتزم فيه الصحة كالبخاري ومسلم وأمثالهما، ولم يصرح بصحة هذا الحديث بالخصوص، كما لم يقل بصحته أحد من مشاهير حفاظهم الثقات، بل لم يدع ذلك حتى غير الثقات من علمائهم.

الرابع: لقد جعل ( الدهلوي ) في ( أصول الحديث ) - تبعا لوالده -


تصانيف الطبراني من جملة الكتب التي لم يلتزم فيها بالصحة، ونص على أنها لم تبلغ المرتبة الاولى ولا الثانية من مراتب الشهرة والقبول، واعترف بأنها تضم الاحاديث الضعيفة بل فيها ما رمي بالوضع، وأن في رواتها المستورين والمجاهيل، وذكر أن أكثر أحاديث معاجمه غير معمول بها لدى الفقهاء، بل فيها ما انعقد الاجماع على خلافه.

فاذا كان هذا حال كتب الطبراني حسب تصريحه، فان مجرد وجود حديث أبي الدرداء في كتاب منها لا يدل على اعتباره ولا يجوز الاعتماد عليه، والاستناد اليه(١) فما الذي دعاه الى أن يحتج بهذا السياق اذن؟

ان الذي دعاه الى ذلك وصف الشيخين فيه بـ « حبل الله الممدود » نعم هذا ما دعاه اليه، وانخدع به، فأتى به معارضاً لحديث « الثقلين ».

ثم قال ( الدهلوي ) قالت الشيعة هذا خبر واحد، فلا يجوز التمسك به فيما يطلب فيه اليقين.

قلنا: ليس أقل من خبر الطير ولا من خبر المنزلة، وهم يدعون فيما يوافق مذهبهم التواتر وفيما يخالفه الاحاد تحكماً، فلا يكون هذا الادعاء مقبولا شرح المواقف.

أقول: لا يخلو نقله عن تصرف ما، وهذا نص ما جاء في ( شرح المواقف ): « السادس: قوله عليه‌السلام اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، أقل مراتب الامر الجواز. قالت الشيعة: هذا خبر واحد فلا يجوز أن يتمسك به فيما يطلب فيه اليقين. قلنا: ليس أقل من خبر الطير الذي يعولون به على

__________________

(١). بل اعترف الحافظ الهيثمي بضعف هذا الحديث من هذا الوجه خاصة حيث قال ( مجمع الزوائد ٩ / ٥٣ ): وعن ابى الدرداء قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي ابى بكر وعمر، فانهما حبل الله المدود ومن تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها. رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم. وقد بحثنا عن هذا الحديث سنداً ودلالة في العدد الثاني من سلسلتنا في الاحاديث الموضوعة.

( الميلاني )


الافضلية كما سيأتي ان شاء الله تعالى، ولا من خبر المنزلة الذي مر، وهم يدعون فيما يوافق مذهبهم التواتر، وفيما يخالفه الاحاد تحكماً، فلا يكون ذلك الادعاء مقبولا.

أقول: وهذا فاسد.

فأما قوله: « قالت الشيعة: هذا خبر واحد فلا يجوز أن يتمسك به فيما يطلب فيه اليقين » فلا يخلو من تلبيس، لان من راجع كتب الشيعة علم أنهم يعتبرون هذا الحديث من موضوعات أهل السنة، ويثبتون فساده وبطلانه سنداً ومتناً كما في ( الشافي لعلم الهدى ) و ( منهاج الكرامة للعلامة الحلي ) وكيف لا يكون كذلك؟ وقد اعترف بوضعه كبار حفاظ أهل السنة، ولو جاء في كلام أحد منهم انه خبر واحد فانما كان على سبيل التنزل وعلى فرض تسليم الصحة.

وأما قوله: « ليس أقل من خبر الطير ولا من خبر المنزلة » فظاهر الفساد كما لا يخفى على من راجع المجلدين المختصين بهما، حيث أثبتنا هناك تواترهما على ضوء كلمات أئمة الحديث من أهل السنة.

وأما قوله: « وهم يدعون فيما يوافق مذهبهم التواتر، وفيما يخالفه الاحاد تحكماً » فباطل، لانهم لا يدعون تواتر حديث من الاحاديث في الامامة والكلام الا بالاستناد الى كلمات علماء الخصم كما لا يخفى على من راجع كتبهم الكلامية.

ويتجلى للمتتبع عكس ذلك لدى أهل السنة، فانهم يدعون التواتر فيما يذكرونه لمعارضة براهين أهل الحق، وهو لم يبلغ أدنى مراتب الثبوت فضلا عن التواتر.

فنسبة التحكم الى أهل الحق مكابرة ومصادمة للواقع والحقيقة.

وأما قوله: « فلا يكون ذلك الادعاء مقبولا » فمكابرة واضحة: لان الشيعة يبطلون حديث الاقتداء من أصله، وأما أهل السنة فمنهم من يصرح ببطلانه ووضعه ومنهم من يصرح بأنه من الاحاد، فليس ادعاء كونه من


الاحاد من علماء الشيعة، ونحن وان كنا في غنى عن ذكر كلمات القائلين بذلك منهم - بعد ثبوت وضعه من كلمات كبار أئمتهم وحفاظهم - لكنا ننقل في المقام بعض عباراتهم الزاماً لشارح المواقف و ( الدهلوي ) وتبييناً لكذبهما

قال الامدي في الجواب عن مطاعن عمر: « وقد ورد في حقه من النصوص والاخبار ما يدرء عنه ما قيل من الترهات، وهي وان كانت أخبار آحاد غير أن مجموعها ينزل منزلة التواتر، فمن ذلك قوله عليه‌السلام : ان في أمتي لمحدثين، وان عمر منهم، و قوله عليه‌السلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر »(١) .

وقال ابن الهمام في مبحث الاجماع بعد أن ذكر حديث الاقتداء و حديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء « أجيب: يفيدان أهلية الاقتداء لا منع الاجتهاد وعليه ان ذلك مع ايجابه، الا أن يدفع بأنه آحاد »(٢) .

وقرره ابن أمير الحاج(٣) .

وقال نظام الدين السهالوي في ( الصبح الصادق ) في المبحث المذكور بعد الحديثين المذكورين « والجواب: انهما من أخبار الاحاد فلا يثبت به حجية الاجماع القطعي الحجية ».

وفيه أيضاً: ويمكن أن يجاب أيضاً بأنهما من الاحاد، وأدلتنا الدالة على حجية الاجماع معممة وهي قطعية، فلا يعارضانها ».

وكذا قال عبد العلي(٤) .

هذا، ولم يجد الفخر الرازي بداً من الاعتراف بذلك، فقد قال في الجواب عن الاحاديث المستدل بها على امامة أمير المؤمنين عليه‌السلام :

__________________

(١). ابكار الافكار للامدي ٢ / ١١٢.

(٢). التحرير لابن الهمام بشرح ابن أمير الحاج ٣ / ٩٨.

(٣). التقرير والتحبير في شرح التحرير ٣ / ٩٨.

(٤). فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت ٢ / ٥٠٩.


« الطريقة الخامسة لهم: التمسك بأخبار آحاد رووها منها قوله عليه‌السلام سلموا على علي بامرة المؤمنين، ومنها قوله عليه‌السلام : انه سيد المسلمين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين، و قال عليه‌السلام : هذا ولي كل مؤمن ومؤمنة، وقال عليه‌السلام لعلي: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني.

والاعتراض: انها بأسرها معارضة بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: ايتوني بدواة وقلم أكتب لابي بكر كتاباً لا يختلف عليه اثنان، ثم قال يأبى الله والمسلمون الا أبا بكر. وأيضاً عيّنه للامامة في الصلاة وما عزله عنها فوجب أن يبقى اماماً على الصلاة، وكل من ثبت امامته في الصلاة بعد الرسول أثبت امامته مطلقاً، فوجب القول بامامته. وروي عن أنس بعد الرسول أثبت امامته مطلقاً، فوجب القول بامامته. وروي عن أنس رضي‌الله‌عنه : ان النبي أمره عند اقبال أبي بكر أن يبشره بالجنة وبالخلافة بعده وبما روي انه عليه‌السلام قال: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

والكلام على صحة هذه الاحاديث من الجانبين وفي دلالتها على المطلوب طويل، ولكنها عن افادة اليقين بمعزل، لكونها من أخبار الاحاد عند التحقيق وان كان كل واحد من الفريقين يدعي في خبره كونه متواتراً ويطعن فيما يرويه مخالفه ».

أقول: فمن القائل بكون هذا الحديث من أخبار الاحاد اذن؟!

وقد ثبت أن القائلين بوضعه منهم أكثر عدداً وأجل قدراً

قوله : « فاللازم أن يكون هؤلاء كلهم أئمة ».

أقول: انما يلزم ذلك لو كان قد صح ما استدل به شيء من الاحاديث، ولكن قد ظهر سقوط جميع ما زعمه معارضاً لحديث الثقلين سنداً ودلالة ومتناً فدعوى لزوم امامة الحميراء وعمار وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب باطلة.


دحض المعارضة

بحديث: أصحابى كالنّجوم



هذا وكأن ( الدهلوي ) يعلم بعدم نهوض تلك الاحاديث الموضوعة حجة في مقابلة حديث الثقلين، فاضاف اليها حديثاً آخر، وهو « حديث النجوم » فقال في حاشية [ التحفة ]: « وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به، لا عذر لاحد في تركه، فان لم يكن في كتاب الله فبسنة مني ماضية، فان لم يكن مني سنة ماضية فما قال أصحابي، ان أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فايما اخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة. أخرجه البيهقي بسنده في المدخل عن ابن عباس ».

حديث النجوم موضوع سنداً عند الائمة

أقول: لكنه أيضاً موضوع باطل كما نص على ذلك كبار الائمة والحفاظ:

١ - احمد بن حنبل

لقد كذب أحمد بن حنبل حديث النجوم وحكم بوضعه، قال ابن أمير


الحاج « قال أحمد: لا يصح »(١) .

وقال نظام الدين في ( الصبح الصادق في شرح المنار ) وعبد العلي في ( فواتح الرحموت ٢ / ٥١٠ ): « قال ابن حزم في رسالته الكبرى: مكذوب موضوع باطل، وبه قال أحمد والبزار ».

٢ - المزني

لم يصحح أبو ابراهيم المزني - صاحب الشافعي - هذا الحديث، وقد ذكر له - ان صح - معنى هو بعيد عن الصواب بكثير، قال ابن عبد البر: قال المزني رحمه‌الله في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابي كالنجوم، قال: ان صح هذا الخبر فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه: فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به، لا يجوز عندي غير هذا، وأما ما قالوا فيه برأيهم فلو كان عند أنفسهم كذلك ما خطأ بعضهم بعضاً ولا انكر بعضهم على بعض ولا رجع منهم احد الى قول صاحبه، فتدبر »(٢) .

ترجمة المزني

وترجم له ابن خلكان بما ملخصه: « أبو ابراهيم اسماعيل بن يحيى المزني صاحب الامام الشافعي هو من أهل مصر، كان زاهداً عالماً مجتهداً محجاجاً غواصاً على المعاني الدقيقة، وهو امام الشافعيين وأعرفهم بطرقه وفتاواه وما ينقله عنه، صنف كتباً كثيرة في مذهب الامام الشافعي، وقال الشافعي في حقه: المزني ناصر مذهبي.

وكان في غاية الورع، وبلغ من احتياطه انه كان يشرب في جميع فصول السنة من كوز نحاس، فقيل له في ذلك، فقال: بلغني انهم يستعملون

__________________

(١). التقرير والتحبير في شرح التحرير ٣ / ٩٩.

(٢). جامع بيان العلم ٢ / ٨٩ - ٩٠.


السرجين في النيران والنار لا تطهرها، وكان من الزهد على طريقة صعبة شديدة، وكان مجاب الدعوة، ولم يكن أحد من أصحاب الشافعي يحدث نفسه في شيء من الاشياء بالتقدم عليه، وهو الذي تولى غسل الامام الشافعي، وقيل: كان معه أيضاً حينئذ الربيع.

وذكره ابن يونس في تاريخه ثم قال: صاحب الشافعي، وقال: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث لا يختلف فيه، حاذق من أهل الفقه، وكان أحد الزهاد في الدنيا، وكان من خير خلق الله عز وجل.

ومناقبه كثيرة. وتوفي لست بقين من شهر رمضان سنة اربع وستين ومأتين بمصر، ودفن بالقرب من تربة الامام الشافعي »(١) .

وقال السبكي: « الامام الجليل أبو ابراهيم المزني ناصر المذهب وبدر سمائه كان جبل علم، مناظراً محجاجاً، قال الشافعي رضي‌الله‌عنه في وصفه: لو ناظر الشيطان لغلبه، وكان زاهداً ورعاً متقللا من الدنيا، مجاب الدعوة، وكان اذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمساً وعشرين مرة، ويغسّل الموتى تعبداً واحتساباً ويقول: افعله ليرق قلبي قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي. »(٢) .

وانظر: ( حسن المحاضرة ١ / ٣٠٧ ) و ( مرآة الجنان ٢ / ١٦٧ - ١٧٨ ) و ( العبر ٢ / ٢٨ ) وغيرها.

٣ - البزار

لقد طعن الحافظ البزار في حديث النجوم، فقد قال ابن عبد البر: « وعن محمد بن أيوب الرقى قال قال لنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: سألتم عما يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما في أيدي

__________________

(١). وفيات الاعيان ١ / ١٩٦.

(٢). طبقات الشافعية ٢ / ٩٣.


العامة يروونه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: أصحابي كمثل النجوم، أو أصحابي كالنجوم فبأيها اقتدوا اهتدوا. قال:

وهذا الكلام لا يصح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . رواه عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربما رواه عبد الرحيم عن ابيه عن ابن عمر. وانما أنى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم بن زيد، لان أهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه.

والكلام أيضاً منكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسناد صحيح: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي فعضوا عليها بالنواجذ ، وهذا الكلام يعارض حديث عبد الرحيم لو ثبت فكيف ولم يثبت، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يبيح الاختلاف بعده من اصحابه، والله أعلم. هذا آخر كلام البزار »(١) .

وفيه وجوه عديدة في قدح حديث النجوم تقدم بيانها في القسم الثاني من مجلد ( حديث مدينة العلم )

وقد نقل هذا الكلام عن البزار واعتمده جماعة كبيرة من علمائهم منهم: ابن حزم في ( رسالته ) وابن تيمية في ( منهاجه ) وأبو حيان في ( تفسيريه ) وابن مكتوم في ( الدر اللقيط ) وابن القيم في ( اعلام الموقعين ) والزين العراقي في ( تخريج المنهاج ) وابن حجر في ( تخريج المختصر ) و ( تخريج الرافعي الكبير ) وابن أمير الحاج في ( التقرير والتحبير ) والقاري في ( شرح الشفاء ) والمناوي في ( شرح الجامع الصغير ) ونظام الدين في ( الصبح الصادق ) وعبد العلي في ( فواتح الرحموت).

__________________

(١). جامع بيان العلم ٢ / ٩٠.


٤ - ابن القطان

لقد أورد الحافظ ابن عدي المعروف بابن القطان هذا الحديث في ( الكامل ) وموضوعه الضعفاء والمقدوحون وموضوعاتهم، بترجمة جعفر بن عبد الواحد، وحمزة النصيبي، كما ستعرف ذلك من كلام الزين العراقي.

ترجمة ابن عدى

وترجم له السمعاني بما ملخصه: « وأبو أحمد عبد الله ابن عدي بن عبد الله ابن محمد الجرجاني المعروف بابن القطان الحافظ، حافظ عصره، صنف في معرفة ضعفاء المحدثين كتاباً مقدار ستين جزءاً سماه ( الكامل ) وكان حافظاً متقناً لم يكن في زمانه مثله، تفرد بأحاديث، وقد كان وهب أحاديث تفرد بها لبنيه وأبي زرعة ومنصور، تفردوا بروايتها عن أبيهم.

قال حمزة بن يوسف السهمي: سألت الدارقطني أن يصنف كتاباً في ضعفاء المحدثين فقال: أليس عندك كتاب ابن عدي؟ قلت: نعم، قال: فيه كفاية، لا يزاد عليه.

وكانت وفاته يوم السبت غرة ذي القعدة سنة سبع وسبعين ومائتين »(١) .

وقال الذهبي: « قال الخليلي: « كان عديم النظير حفظاً وجلالة، سألت عبد الله بن محمد الحافظ: أيهما احفظ ابن عدي او ابن قانع؟ فقال: زر قميص ابن عدي احفظ من عبد الباقي بن قانع.

قال الخليلي: وسمعت احمد بن أبي مسلم الحافظ يقول: لم أر أحداً مثل أبي احمد ابن عدي، وكيف فوقه في الحفظ؟. وكان أحمد قد لقي الطبراني وأبا احمد الحاكم وقد قال لي: كان حفظ هؤلاء تكلفاً وحفظ ابن عدي طبعاً،

__________________

(١). الانساب - الجرجاني.


زاد معجمه على ألف شيخ »(١) .

وكذا ترجم له في ( العبر ٦ / ٣٣٧ ) واليافعي في ( مرآة الجنان ٢ / ٣٨١ ) وجلال الدين السيوطي في ( طبقات الحفاظ ).

٥ - الدارقطني

لقد قدح الدارقطني في حديث النجوم، فقد قال ابن حجر العسقلاني ما نصه: « جميل بن يزيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر رفعه: ما وجدتم في كتاب الله فالعمل به، ولا يسعكم تركه الى غيره، الحديث، وفيه: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. اخرجه الدارقطني في غرائب مالك، والخطيب في الرواة عن مالك من طريق الحسن بن مهدي عن عبدة المروزي عن محمد بن احمد السكوني عن بكر بن عيسى المروزي عن أبي يحيى عن جميل به.

قال الدارقطني: لا يثبت عن مالك، ورواته مجهولون »(٢) .

وسيأتي ذلك عن ( تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر ) أيضاً.

٦ - ابن حزم

لقد كذب ابن حزم هذا الحديث وأبطله وحكم بوضعه، فقد قال أبو حيان ما نصه: « قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم في رسالته في ابطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد ما نصه: وهذا خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط »(٣) .

وتجد كلام ابن حزم هذا في ( النهر الماد ) و ( الدر اللقيط ) و ( تخريج

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٤٠.

(٢). لسان الميزان ٢ / ١٣٧.

(٣). البحر المحيط ٥ / ٥٢٨.


أحاديث المنهاج ) و ( التلخيص الحبير ) و ( التقرير والتحبير ) و ( المرقاة ) و ( نسيم الرياض ) و ( الصبح الصادق ) و ( فواتح الرحموت ) كما ستعرف ذلك كله ان شاء الله تعالى.

هذا، وقد نقل ابن حزم في رسالته المذكورة كلام البزار المتقدم سابقاً وأيده كما سيأتي عن (البحر المحيط ) وغيره، كما قدح فيه في كتابه ( الاحكام في أصول الاحكام ) أيضاً.

٧ - البيهقي

لقد ضعف البيهقي حديث النجوم في ( المدخل )، فقد قال الحافظ العراقي ما نصه: « ورواه البيهقي في المدخل من حديث عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه، ومن وجه آخر مرسلا وقال: متنه مشهور وأسانيده ضعيفة، لم يثبت في هذا اسناد »(١) .

وسيأتي عن ( تخريج احاديث الكشاف ) أيضاً.

ومن هنا يظهر خيانة ( الدهلوي )، اذ نقل الحديث برواية ابن عباس عن ( المدخل ) وسكت عن تضعيف البيهقي اياه

على أن البيهقي قد طعن فيه في كتابه ( الاعتقاد ) أيضاً، حيث حكم في سنده الذي فيه عبد الرحيم بن زيد بأنه غير قوي، وفي سنده عن الضحاك بأنه حديث منقطع، كما سيأتي عن ابني حجر وأمير الحاج

٨ - ابن عبد البر

قال الحافظ أبو عمرو وابن عبد البر بعد كلام البزار والمزني المتقدمين: - « قال أبو عمرو: قد روى أبو شهاب الحناط عن حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما أصحابي مثل

__________________

(١). تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط.


النجوم، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم. وهذا اسناد لا يصح ولا يرويه عن نافع من يحتج به، وليس كلام البزار بصحيح على كل حال، لان الاقتداء بأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منفردين انما هو لمن جهل ما يسأل عنه، ومن كانت هذه حاله فالتقليد لازم له، ولم يأمر أصحابه أن يقتدي بعضهم ببعض اذا تأولوا تأويلا سائغاً جائزاً ممكناً في الاصول، وانما كل واحد منهم نجم جائز أن يقتدي به العامي الجاهل، بمعنى ما يحتاج اليه من دينه، وكذلك سائر العلماء من العامة، والله أعلم.

و قد روي في هذا الحديث اسناد غير ما ذكر البزار عن سلام بن سليم قال حدثنا الحارث بن غصين عن الاعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهديتم. قال أبو عمرو: هذا اسناد لا تقوم به حجة، لان الحارث بن غضين مجهول»(١) .

وقد ذكرنا فوائد هذا الكلام - مع الاعتراض على بعضه - في القسم الثاني من مجلد حديث (مدينة العلم ).

٩ - ابن عساكر

لقد صرح الحافظ ابن عساكر بضعف هذا الحديث، كما ستعرف ذلك من ( فيض القدير ) ان شاء الله.

ترجمة ابن عساكر

وقد ترجم لابن عساكر وأثنى عليه جماعة كبيرة من أصحاب المعاجم الرجالية وكتب التاريخ منهم:

ياقوت الحموي في ( معجم الادباء ١٣ / ٧٣ - ٨٧ ).

ابن خلكان في ( وفيات الاعيان ٢ / ٤٧١ ).

__________________

(١). جامع بيان العلم ٢ / ٩٠ - ٩١.


الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٨ ) و ( دول الاسلام ٢ / ٨٥ ).

اليافعي في ( مرآة الجنان ٣ / ٣٩٣ ).

السبكي في ( طبقات الشافعية ٤ / ٢٧٣ ).

ابو الفداء الايوبي في ( المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٩ ).

ابن الوردي في ( تتمة المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٢٤ ).

جلال الدين السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٤٧٤ ).

الاسنوي في ( طبقات الشافعية ٢ / ٢١٦ ).

الخوارزمي في ( جامع مسانيد أبي حنيفة ).

وقد ذكرنا ترجمته بالتفصيل في مجلد ( حديث الطير ).

١٠ - ابن الجوزي

لقد أورده الحافظ ابن الجوزي في ( العلل المتناهية ) قائلا: « روى نعيم بن حماد قال نا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر ابن الخطاب قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحى الي يا محمد ان أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء، بعضها أضوء من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو على هدى.

قال المؤلف: وهذا لا يصح، نعيم مجروح، وقال يحيى بن معين: عبد الرحيم كذاب »(١) .

١١ - ابن دحية

وقد قدحه الحافظ ابن دحية قال الحافظ العراقي: « وقال ابن دحية - وقد ذكر حديث أصحابي كالنجوم - حديث لا يصح »(٢) .

__________________

(١). العلل المتناهية في الاحاديث الواهية ١ / ٢٨٣.

(٢). تعليق تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط.


ترجمة ابن دحية

وترجم لابن دحية:

ابن خلكان في ( وفيات الاعيان ٣ / ١٢١ ).

والسيوطي في ( بغية الوعاة ٢ / ٢١٨ ) و ( حسن المحاضرة ١ / ٣٥٥ ).

والمقري في ( نفح الطيب ٢ / ٣٠١ ).

والزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ١ / ٧٩ - ٨٠ ).

وقد ذكرنا ترجمته في مجلد ( حديث الولاية ).

١٢ - أبو حيان

لقد قال الحافظ أبو حيان الاندلسي القول الفصل في حديث النجوم، وهذا نص كلامه:

« قال الزمخشري فان قلت: كيف كان القرآن تبياناً لكل شيء؟

قلت: المعنى انه بين كل شيء من أمور الدين حيث كان نصاً على بعضها، واحالة على السنة حيث امر باتباع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطاعته، وقيل « وما ينطق عن الهوى » وحثاً على الاجماع في قوله ( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وقد رضي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامته اتباع أصحابه والاقتداء بآثاره في قوله: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، وقد اجتهدوا وقاسوا ووطئوا طرق القياس والاجتهاد، فكانت السنة والاجماع والقياس مستنده الى تبيين الكتاب، فمن ثم كان تبياناً لكل شيء.

وقوله: وقد رضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « الى قوله » اهتديتم، لم يقل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو حديث موضوع لا يصح بوجه عن رسول الله، قال الحافظ أبو محمد على بن أحمد بن حزم في رسالته في ابطال الرأي والقياس والاستحسان والتعليل والتقليد ما نصه: وهذا خبر مكذوب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما في أيدي العامة ترويه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: انما مثل أصحابى كمثل النجوم - أو كالنجوم - بأيها اقتدوا


اهتدوا. وهذا كلام لم يصح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رواه عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وانما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم، لان أهل العلم سكتوا عن الرواية لحديثه، والكلام أيضاً منكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يثبت، والنبي لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه. هذا نص كلام البزار.

قال ابن معين: عبد الرحيم بن زيد كذاب ليس بشيء، وقال البخاري: هو متروك.

ورواه ايضاً حمزة الجزري. وحمزة هذا ساقط متروك »(١) .

ترجمة أبى حيان

وقد ترجم صلاح الدين الصفدي أبا حيان بما هذا ملخصه: « الشيخ الامام الحافظ العلامة فريد العصر وشيخ الزمان وامام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي، لم أر في أشياخي أكثر اشتغالا منه، لاني لم أره الا يسمع أو يشتغل أو يكتب، ولم أره على غير ذلك، وهو ثبت فيما ينقله، محرر لما يقوله، عارف باللغة، ضابط لالفاظها، وأما النحو والتصريف فهو امام الدنيا فيهما، لم يذكر معه في أقطار الارض غيره في العربية، وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم، وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت وانتثرت وقرئت ودرست ونسخت وما نسخت، أخملت كتب الاقدمين وألهت المقيمين بمصره والقادمين، وقرأ الناس عليه وصاروا أئمة وأشياخاً في حياته »(٢) .

وذكره الذهبي في ( المعجم المختص ) والكتبي في ( فوات الوفيات ٤ / ٧١ ).

__________________

(١). البحر المحيط ٥ / ٥٢٧ - ٥٢٨، النهر الماد من البحر المحيط.

(٢). الوافي بالوفيات ٥ / ٢٦٧.


والسبكي وقال: « شيخنا وأستاذنا أبو حيان شيخ النحاة، العلم الفرد والبحر الذي لا يعرف الجزر بل المد وكان الشيخ أبو حيان اماماً منتفعاً به اتفق أهل العصر على تقديمه وامامته ونشأت أولادهم على حفظ مختصراته وآباؤهم على النظر في مبسوطاته، وضربت الامثال باسمه مع صدق اللهجة وكثرة الاتقان والتحري، وسدد طرفاً صالحاً من الفقه »(١) .

وقال الاسنوي بترجمته: « امام زمانه في علم النحو، وصاحب التصانيف المشهورة فيه وفي التفسير شرقاً وغرباً والتلاميذ المنتشرة، كان أيضاً اماماً في اللغة، عارفاً بالقراءات السبع والحديث، شاعراً مجيداً، وكان صادق اللهجة كثير الاتقان والتحري، ملازماً على الاشتغال الى آخر وقت، كثير الاستحضار واشتغل بالفروع اشتغالا قليلا »(٢) .

وترجم له ابن الجزري فقال: « الامام الحافظ الاستاذ شيخ العربية والادب والقراءات مع العدالة والثقة. قال الذهبي: ومع براعته الكاملة في العربية له يد طولى في الفقه والآثار والقراءات واللغات، وله مصنفات وهو فخر أهل مصر في وقتنا في العلم، تخرج به جماعة »(٣) .

ذكره ابن حجر ونقل عن الكمال في ترجمته: « شيخ الدهر وعالمه، ومحيي الفن الاول بعد ما درست معالمه، وبحر اللسان العربي فلا يقار به أحد فيه ولا يقاومه، وذكر أنه لازمه من سنة ثماني عشرة الى أن مات، وذكر جملة كثيرة من شيوخه، وذكر تصانيفه وذكر أنه كان صدوقا حجة سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم، وجرى على مذهب أهل الادب في الميل الى محاسن الشباب ومال الى مذهب أهل الظاهر، والى محبة علي بن أبي طالب والتجافي عمن قاتله، وكان يتأول قوله « لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق » وكان كثير الخشوع، يبكي عند قراءة القرآن وعند

__________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٤٧٥.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ٤٥٧.

(٣). طبقات القراء ٢ / ٢٨٥.


الابيات الغزلية، وقال: وامتدحه الاعيان »(١) .

وبنحو ذلك ترجم له وذكره السيوطي في ( بغية الوعاة ١٢١ ) والاسدي في ( طبقات الشافعية - ٣ / ٢٢٠ ) والشوكاني في ( البدر الطالع ٢ / ٢٨٨ ) وغيرهم.

١٣ - الذهبي

لقد قدح الذهبي حديث النجوم في مواضع عديدة، منها بترجمة « جعفر ابن عبد الواحد الهاشمي » حيث قال بعد كلمات العلماء الاعيان في جرحه: « ومن بلاياه عن وهب بن جرير عن أبيه عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى »(٢) .

ومنها بترجمة « زيد العمي » حيث قال بعد ايراده: « فهذا باطل »(٣) .

ومنها بترجمة « عبد الرحيم بن زيد »(٤) .

١٤ - ابن مكتوم

وقدحه تاج الدين ابن مكتوم القيسي، حيث نقل كلمات شيخه أبي حيان المتقدمة سابقاً عن تفسيريه، في كتابه ( الدر اللقيط من البحر المحيط - المطبوع بهامش البحر المحيط ) بعين ألفاظها.

ترجمة ابن مكتوم

وقد أثنى على ابن مكتوم وترجم له الصفدي، والجزري في ( طبقات

__________________

(١). الدرر الكامنة ٥ / ٧٠.

(٢). ميزان الاعتدال ١ / ٤١٣.

(٣). ميزان الاعتدال ٢ / ١٠٢.

(٤). ميزان الاعتدال ٢ / ٦٠٥.


القراء ١ / ٧٠ ) وجلال الدين السيوطي في ( طبقات النحاة ) و ( حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة ١ / ٤٧ ).

وذكره ابن حجر العسقلاني فقال: « كان قد تقدم في الفقه والنحو واللغة ودرس وناب في الحكم، وجمع من تفسير أبي حيان مجلداً سماه ( الدر اللقيط من البحر المحيط ) قصره على مباحث مع ابن عطية والزمخشري »(١) .

وقد ذكرنا ترجمته في القسم الثاني من مجلد ( حديث الغدير ).

١٥ - ابن القيم

وطعن ابن قيم الجوزية في حديث النجوم، حيث قال في الرد على المقلدين: « الوجه الخامس والاربعون قولهم: يكفي في صحة التقليد الحديث المشهور: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

جوابه من وجوه: أحدها ان هذا الحديث قد روي من طريق الاعمش عن أبي سفيان عن جابر، ومن حديث سعيد بن المسيب عن ابن عمر، ومن طريق حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر.

ولا يثبت شيء منها.

قال ابن عبد البر: حدثنا محمد بن ابراهيم بن سعيد أن أبا عبد الله ابن مفرح حدثهم ثنا محمد بن أيوب الصموت قال قال لنا البزار: وأما ما يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، فهذا الكلام لا يصح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

١٦ - الزين العراقي

و قال الحافظ زين الدين العراقي ما نصه: « حديث أصحابي

__________________

(١). الدرر الكامنة ١ / ١٧٤.

(٢). اعلام الموقعين ٢ / ٢٢٣.


« كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » رواه الدار قطني في الفضائل وابن عبد البر في العلم من طريقه من حديث جابر وقال: هذا اسناد لا تقوم به حجة، لان الحارث بن غصين مجهول، ورواه عبد بن حميد في مسنده من رواية عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن ابن المسيب عن ابن عمر، قال البزار: منكر لا يصح.

و رواه ابن عدي في الكامل من رواية حمزة بن أبي حمزة النصيبي عن نافع عن ابن عمر بلفظ فأيهم أخذتم بقوله - بدل اقتديتم - واسناده ضعيف من أجل حمزة فقد اتهم بالكذب.

و رواه البيهقي في المدخل من حديث عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه ومن وجه آخر مرسلا وقال: متنه مشهور وأسانيده ضعيفة لم يثبت في هذا اسناد. وقال ابن حزم: مكذوب موضوع باطل، قال البيهقي: ويؤدي بعض معناه حديث أبي موسى: النجوم أمنة لاهل السماء، وفيه أصحابي أمنة لامتي، الحديث، رواه مسلم »(١) .

وقال الزين العراقي: « قال ابن دحية - وقد ذكر حديث أصحابي كالنجوم -: حديث لا يصح، و رواه القضاعي قال: أنبأنا أبو الفتح منصور ابن علي الانماطي، أنبأ أبو محمد الحسن بن رشيق، أنبأ محمد بن جعفر بن محمد، حدثنا جعفر - يعني ابن عبد الواحد - أنبأ وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: مثل أصحابي مثل النجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى.

قال الدارقطني: جعفر ابن عبد الواحد كان يضع الحديث، وقال أبو أحمد بن عدي: كان يتهم بوضع الحديث، لا يصح »(٢) . هذا وسيأتي عن ( نسيم الرياض ) اعتراض العراقي على القاضي

__________________

(١). تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط.

(٢). تعليق تخريج أحاديث المنهاج - مخطوط.


عياض ايراده حديث النجوم بصيغة الجزم.

ترجمة الزين العراقي

وقد ترجم للزين العراقي وأثنى عليه جماعة متهم:

١ - الجزري في ( طبقات القراء ١ / ٣٨٢ ).

٢ - السخاوي في ( الضوء اللامع ٤ / ١٧١ - ١٧٨ ).

٣ - الشوكاني في ( البدر الطالع ١ / ٣٥٤ - ٣٥٦ ).

١٧ - ابن حجر العسقلاني

قال ابن حجر العسقلاني ما نصه: « حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. عبد بن حميد في مسنده من طريق حمزة النصيبي عن نافع عن ابن عمر. وحمزة ضعيف جداً.

ورواه الدارقطني في غرائب مالك من طريق جميل بن يزيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر. وجميل لا يعرف ولا أصل له من حديث مالك ولا من فوقه.

وذكره البزار من رواية عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد ابن المسيب عن عمر، وعبد الرحيم كذاب، ومن حديث أنس أيضاً، واسناده واه.

ورواه القضاعي في مسند الشهاب له عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وفي اسناده جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وهو كذاب.

ورواه أبوذر الهروي في كتاب السنة من حديث مندل عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم منقطعاً. وهو في غاية الضعف.

قال أبوبكر البزار: هذا الكلام لم يصح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال ابن حزم: هذا خبر مكذوب باطل.

وقال البيهقي في الاعتقاد عقب حديث أبي موسى الاشعري الذي


أخرجه مسلم بلفظ: النجوم أمنة لاهل السماء، فاذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، أصحابي أمنة لامتي فاذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون. قال البيهقي: روى في حديث موصول باسناد غير قوي - يعني حديث عبد الرحيم العمى - وفي حديث منقطع - يعني حديث الضحاك بن مزاحم -: مثل أصحابي كمثل النجوم في أهل السماء من أخذ بنجم منها اهتدى، قال: والذي رويناه هاهنا من الحديث الصحيح يؤدي بعض معناه.

قلت: صدق البيهقي، هو يؤدي صحة التشبيه للصحابة بالنجوم خاصة، أما في الاقتداء فلا يظهر من حديث أبي موسى، نعم يمكن أن يتلمح ذلك من معنى الاهتداء »(١) .

و قال ابن حجر: « حديث أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم. الدارقطني في المؤتلف من رواية سلام بن سليم عن الحارث بن غصين عن الاعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعاً، وسلام ضعيف.

و أخرجه في غرائب مالك من طريق جميل بن يزيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في أثناء حديث - وفيه: فبأي قول أصحابي أخذتم اهتديتم، انما مثل أصحابي مثل النجوم من أخذ بنجم منها اهتدى، وقال: لا يثبت عن مالك، ورواته دون مالك مجهولون.

و رواه عبد بن حميد والدارقطني في الفضائل من حديث حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر، وحمزة اتهموه بالوضع.

و رواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث أبي هريرة وفيه: جعفر ابن عبد الواحد الهاشمي، وقد كذبوه.

و رواه ابن طاهر من رواية بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس وبشر كان متهماً أيضاً.

و أخرجه البيهقي في المدخل من رواية جويبر عن الضحاك عن

__________________

(١). تلخيص الحبير ٤ / ١٩٠ - ١٩١.


ابن عباس وجويبر متروك، ومن رواية جويبر عن جواب بن عبيد الله مرفوعاً ، وهو مرسل قال البيهقي: هذا المتن مشهور وأسانيد كلها ضعيفة.

و روى في المدخل أيضاً عن عمر: سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحى الي يا محمد أصحابك عندي بمنزلة النجوم من السماء، بعضها أضوء من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى. وفي اسناده عبد الرحيم بن زيد العمي وهو متروك»(١) .

أقول : وفي عبارتي ابن حجر هاتين وجوه ينبغي التدقيق والتدبر فيها، وكلها تهبط بحديث النجوم الى أقصى درجات الفساد، ويظهر منهما أيضاً قبح تمسك ( الدهلوي ) برواية البيهقي، اذ أنه بلغ من الهوان حداً لم يتمكن البيهقي من السكوت عنه حتى اعترف بضعفه.

تنبيهات

وبعد، فان هاهنا تنبيهات:

الاول: لقد اكتفى ابن حجر في ( سلام بن سليم ) بقوله « سلام ضعيف » وقد علم سابقاً - في الطعن في حديث أعلمية معاذ - كونه مجروحاً ومطعوناً فيه بمطاعن جسيمة.

الثاني: انه أعرض عن تضعيف ( الحارث بن غصين ) وقد علم من كلام الحافظين ابن عبد البر والعراقي كونه مجروحاً.

الثالث: انه لم يقل في ( حمزة ) الا « اتهموه بالوضع » وهذه بعض كلماتهم في جرحه:

ترجمة حمزة الجزري

قال البخاري: « منكر الحديث »(٢) وقال النسائي « متروك الحديث »(٣)

__________________

(١). الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف - هامش الكشاف ٢ / ٦٢٨.

(٢). الضعفاء للبخاري ٣٦.

(٣). الضعفاء للنسائى ٣٢.


وقال ابن الجوزي: « قال يحيى: ليس بشيء، وقال ابن عدي، يضع الحديث » وقال أيضاً: « قال أحمد: هو مطروح الحديث، وقال يحيى: ليس بشيء لا يساوي فلساً، وقال ابن عدي: يضع الحديث، وقال ابن حبان: لا يحل الرواية عنه »(١) .

وتقدم عن أبي حيان قوله: « وحمزة هذا ساقط متروك ».

وترجمه الذهبي وقال: « قال ابن معين: لا يساوي فلساً، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن عدي: عامة مروياته موضوعة »(٢) .

وذكره ابن حجر نفسه وقال بعد نقل الكلمات المذكورة: « قلت: وقال أبوحاتم أيضاً وأبوزرعة: ضعيف الحديث، وزاد أبوحاتم: أضعف من حمزة بن نجيح، وقال الآجري عن أبي داود: ليس بشيء، وقال الحاكم: يروي أحاديث موضوعة، وقال ابن عدي أيضا: يضع الحديث، وأورد له البخاري وابن حبان في موضوعاته »(٣) .

الرابع: انه قال في ( جعفر بن عبد الواحد ): « وقد كذبوه » وإليك بعض أقوالهم فيه:

ترجمة جعفر بن عبد الواحد

قال ابن الجوزي بعد حديث: « هذا حديث موضوع قال ابن حبان: لا أصل لهذا الحديث، قال: وجعفر كان يسرق الحديث ويقلب الاخبار حتى لا يشك انه يعملها، وقال أبو أحمد ابن عدي: كان جعفر يتهم بوضع

__________________

(١). الموضوعات ٣ / ٣٤.

(٢). ميزان الاعتدال ١ / ٦٠٦.

(٣). تهذيب التهذيب ٣ / ٢٩.


الحديث »(١) .

وقال بعد حديث: قال الدارقطني كذاب يضع الحديث »(٢) .

وذكره الذهبي في ( المغني في الضعفاء ) وقال « متروك » وفي ( الميزان ) وقال: « قال الدارقطني: يضع الحديث، وقال أبوزرعة: روى أحاديث لا أصل لها، وقال ابن عدي: يسرق الحديث ويأتي بالمناكير عن الثقات، ثم ساق له ابن عدي أحاديث وقال: كلها بواطيل وبعضها سرقة من قوم، وكان عليه يمين أن لا يحدث ولا يقول حدثنا وكان يقول قال لنا فلان »(٣) .

الخامس: انه قال في ( بشر بن الحسين ): « وبشر كان متهماً أيضاً » ولنورد بعض كلمات علمائهم فيه:

ترجمة بشر بن الحسين

قال الذهبي: « قال الدارقطني: متروك وقال أبوحاتم: يكذب على الزبير »(٤) وفي ( الميزان ): « قال البخاري: فيه نظر، وقال الدارقطني: متروك وقال ابن عدي: عامة حديثه ليس بمحفوظ، وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير قال ابن حبان: يروي بشر بن الحسين عن الزبير نسخة موضوعة شبيهاً بمائة وخمسين حديثاً »(٥) .

وقال العراقي: « هو ضعيف جداً » وقال الهيثمي: « هو كذاب ».

وقال ابن حجر العسقلاني ما ملخصه: « قال ابن حبان لا ينظر في شيء رواه عن الزبير الا على جهة التعجب، وقال أبونعيم: جاء الى أبي داود الطيالسي فقال: حدثني الزبير بن عدي، فكذبه أبو داود وقال ما نعرف

__________________

(١). الموضوعات ٢ / ٩٦.

(٢). الموضوعات ٣ / ١٧٢.

(٣). ميزان الاعتدال ١ / ٤١٣.

(٤). المغني في الضعفاء ١ / ١٠٥.

(٥). ميزان الاعتدال ١ / ٣١٥.


للزبير بن عدي عن أنس رضي‌الله‌عنه الا حديثاً واحداً، وقال أبوأحمد الحاكم: ليس حديثه بالقائم، وقال ابن الجارود: ضعيف »(١) .

السادس: انه اختصر القدح في ( جويبر ) فقال « جويبر متروك » ولكن سيأتي ذكر بعض كلماتهم في جرحه.

السابع: انه سكت عن الطعن في ( الضحاك ) وستعرف أنه موهون لدى كبار العلماء

ترجمة جواب بن عبيد الله

الثامن: انه لم يذكر شيئاً حول ( جواب بن عبيد الله ) وقد ضعفه ابن نمير وقد رآه الثوري فلم يحمل عنه، وقال أبو خالد الأحمر: كان يقص ويذهب مذهب الارجاء، وقال ابن عدي: ليس لجواب من المسند الا القليل راجع: ( الميزان ١ / ٤٢٦ ) و ( تهذيب التهذيب ٢ / ١٢١ ) وغيرهما.

التاسع: انه لم يسم راوي الحديث عن ( جويبر ) وستعرف من كلام السخاوي انه ( سليمان بن أبي كريمة ) وستعرف ما فيه.

العاشر: انه لم يقل في ( عبد الرحيم بن زيد العمى ) الا انه « متروك »، وقد قال يحيى بن معين: ليس بشيء هو وأبوه، وقال مرة: عبد الرحيم كذاب خبيث، وقال الجوزجاني: غير ثقة، وقال أبوزرعة: واه ضعيف الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: تركوه الى غير ذلك من كلمات الطعن والذم تجدها في كتب الرجال وغيرها، وقد تقدم بعضها

١٨ - ابن الهمام

لقد طعن ابن الهمام في حديث النجوم حيث قال في مبحث الإجماع

__________________

(١). لسان الميزان ٢ / ١١٧.


في الجواب عن حديث الاقتداء وحديث عليكم بسنتي « وأجيب: يفيدان أهلية الاقتداء لا منع الاجتهاد، وعليه ان ذلك مع إيجابه، الا أن يدفع بأنه آحاد، وبمعارضته بأصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، وخذوا شطر دينكم عن الحميراء، الا أن الاول لم يعرف »(١) .

١٩ - ابن أمير الحاج

لقد أوضح ابن أمير الحاج في شرح التحرير وهن هذا الحديث قائلا: « [ وبمعارضته ] أي: وأجيب أيضاً بمعارضة كل منهما [ بأصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. وخذوا شطر دينكم عن الحميراء ] أي عائشة وان خالف قول الشيخين أو الأربعة [ الا ان الاول ] أي أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم [ لم يعرف ] بناءاً على قول ابن حزم في رسالته الكبرى مكذوب موضوع باطل، والا فله طرق من رواية عمر وابنه وجابر وابن عباس وأنس، بألفاظ مختلفة أقربها الى اللفظ المذكور ما أخرج ابن عدي في الكامل وابن عبد البر في كتاب بيان العلم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أصحابي مثل النجوم يهتدى بها فبأيهم أخذتم بقوله اهتديتم. وما أخرج الدارقطني وابن عبد البر عن جابر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل أصحابي في أمتي مثل النجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم.

نعم لم يصح منها شيء، ومن ثمة قال أحمد: حديث لا يصح، والبزار: لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الا أن البيهقي قال في كتاب الاعتقاد: رويناه في حديث موصول بإسناد غير قوي. وفي حديث آخر منقطع، والحديث الصحيح يؤدي بعض معناه وهو حديث أبي موسى المرفوع »(٢) .

__________________

(١). التحرير بشرح ابن أمير الحاج ٣ / ٩٩.

(٢). التقرير والتحبير ٣ / ٩٩.


ترجمة ابن أمير الحاج

ترجم له الحافظ السخاوي وأثنى عليه بما ملخصه: « ولد في ثامن عشر ربيع الاول سنة خمس وعشرين وثمانمائة بحلب ونشأ بها، وعرض على ابن خطيب الناصرية والبرهان الحافظ والشهاب ابن الرسام وغيرهم من أهل بلده وتفقه بالعلاء الملطي، وأخذ النحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق عن الزين عبد الرزاق أحد تلامذة العلاء البخاري، وكذا لازم ابن الهمام، وبرع في فنون، وأذن له ابن الهمام وغيره، وتصدى للإقراء، فانتفع به جماعة وأفتى وقد سمعت أبحاثه وفوائده وسمع مني بعض القول البديع وتناوله مني، وكان فاضلا مفنناً ديناً قوي النفس محباً في الرياسة والفخر »(١) .

٢٠ - ابوذر الحلبي

لقد قدح أبوذر الحلبي شارح الشفاء في حديث النجوم حيث قال معترضاً على القاضي عياض: « وكان ينبغي للقاضي أن لا يذكره بصيغة جزم لما عرف عند أهل الصناعة، وقد سبق له مثله مراراً ».

ترجمة موفق الدين أبى ذر احمد الحلبي

وترجم له الحافظ السخاوي في ( الضوء اللامع ) ترجمة مطولة نلخصها فيما يلي: « لزم الاعتناء بالحديث والفقه، وأفرد مبهمات البخاري، وكذا اعرابه بل جمع عليه تعليقاً لطيفاً لخصه من الكرماني والبرماوي وشيخنا، وآخر أخصر منه، وله التوضيح للأوهام الواقعة في الصحيح، ومبهمات مسلم أيضاً، وقرة العين في فضل الشيخين والصهرين والسبطين، وشرح الشفاء والمصابيح ولكنه لم يكمل، والذيل على تاريخ ابن خطيب الناصرية، وغير ذلك، وأدمن قراءة الصحيحين والشفاء، خصوصاً بعد وفاة والده،

__________________

(١). الضوء اللامع ٢ / ٢١٠.


وصار متقدماً في لغاتها ومبهماتها وضبط رجالها، لا يشذ عنه من ذلك الا النادر.

ولما كان شيخنا بحلب لازمه واغتبط شيخنا به وأحبه لذكائه وخفة روحه ووصفه بالإمام موفق الدين، ومرة « بالفاضل البارع المحدث الأصيل الباهر الذي ضاهى كنيه في صدق اللهجة، الماهر الذي ناجى سميه ففداه بالمهجة، الأخير الذي فاق الاول في البصارة والنضارة والبهجة، أمتع الله المسلمين ببقائه. وأذن له في تدريس الحديث وافادته في حياة والده.

كان خيراً شهماً مبجلا في ناحيته، منعزلا عن بني الدنيا، قانعاً باليسير محباً للانجماع، كثير التواضع والاستيناس بالغرباء والإكرام لهم، شديد التخيل، طارحاً للتكلف. ذا فضيلة تامة وذكاء مفرط. وقد تصدى للحديث والاقراء وانتفع به جماعة من أهل بلده والقادمين عليها، بل وكتب مع القدماء في الاستدعاءات من حياة أبيه وهلم جراً.

وترجمه ابن فهد وغيره من أصحابنا، وكذا وصفه ابن أبي غديبة في أبيه بالإمام العلامة، وسمى بعض تصانيفه ».

٢١ - السخاوي

قال الحافظ السخاوي: « حديث اختلاف أمتي رحمة. البيهقي في المدخل من حديث سليمان بن أبي كريمة عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لاحد في تركه، فان لم تكن في كتاب الله فسنة مني ماضية، فان لم تكن سنة مني فما قال أصحابي، ان أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أمتي رحمة، ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني والديلمي في مسنده: بلفظ سواء.

وجويبر ضعيف، والضحاك عن ابن عباس منقطع »(١) .

__________________

(١). المقاصد الحسنة ٢٦ - ٢٧.


أقول: ولنورد بعض كلماتهم في رجال هذا الحديث:

اما سليمان بن ابى كريمة

فقد قال ابن أبي حاتم في ( العلل ) بعد حديث: قال أبي هذا حديث باطل، وابن أبي كريمة ضعيف الحديث.

وقال ابن الجوزي بعد أحاديث أوردها: « هذه الأحاديث موضوعات على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أما الاول ففيه سليمان ابن أبي كريمة وأحمد ابن ابراهيم، قال ابن عدي: يرويان المناكير »(١) .

وقال الذهبي: « لين صاحب مناكير »(٢) وفي ( الميزان ): « ضعفه أبو حاتم، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً »(٣) وكذا قال ابن حجر(٤) وكذا ضعفه السيوطي والمتقى ومحمد بن طاهر في ( قانون الموضوعات ٢٦١ ).

و أما جويبر بن سعيد

البخلي، فقد ذكره البخاري بقوله: « جويبر بن سعيد البلخي عن الضحاك قال علي بن [ عن ] يحيى: كنت أعرف جويبراً بحديثين، ثمّ أخرج هذه الاحاديث [ بعد ] فضعف »(٥) .

وكذا النسائي وقال: « متروك الحديث »(٦) .

وفي ( الموضوعات ) - بعد حديث تحذير من بلغ الأربعين -: « أجمعوا

__________________

(١). الموضوعات ١ / ٢٧٧.

(٢). المغني في الضعفاء ١ / ٢٨٢.

(٣). ميزان الاعتدال ٢ / ٢٢١.

(٤). لسان الميزان ٣ / ١٠٢.

(٥). الضعفاء للبخاري ٢٧.

(٦). الضعفاء للنسائى ٢٨.


على تركه، قال أحمد: لا يشتغل بحديثه ». وفيه بعد حديث الاكتحال يوم عاشوراء: قال الحاكم أنا أبرء الى الله من عهدة جويبر. قال: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله فيه أثر، وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين. قال أحمد: لا يشتغل بحديث جويبر، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي والدارقطني: متروك ».

وقال ابن حجر: « قال عمرو بن علي: ما كان يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عنه، وكذا قال أبو موسى، وقال أبوطالب عن أحمد: ما كان عن الضحاك فهو أيسر، وما كان يسند عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو منكم، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان وكيع اذا أتى على حديث جويبر قال: سفيان عن رجل - لا يسميه استضعافاً له - وقال الدوري وغيره عن ابن معين: ليس بشيء، وزاد الدوري: ضعيف ما أقربه من جابر الجعفي وعبيدة الضبي وقال عبد الله بن علي بن المديني: سألته - يعني أباه - عن جويبر فضعفه جداً قال: وسمعت أبي يقول: جويبر أكثر عن الضحاك روى عنه أشياء مناكير وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم، وقال الدارقطني عن أبي داود: جويبر على ضعفه، وقال النسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني متروك، وقال النسائي في موضع آخر: ليس بثقة، وقال ابن عدي: والضعف على حديثه وروايته بيّن.

قلت: وقال أبوقدامة السرخسي قال يحيى القطان: تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث، ثم ذكر الضحاك وجويبراً ومحمد بن السائب وقال: هؤلاء لا يحمل حديثهم ويكتب التفسير عنهم، وقال أحمد بن سيار المروزي: جويبر بن سعيد كان من أهل بلخ وهو صاحب الضحاك وله رواية ومعرفة بأيام الناس، وحاله حسن في التفسير وهو لين في الرواية.

وقال ابن حبان: يروي عن الضحاك أشياء مقلوبة، وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث، وقال الحاكم أبوعبدالله: أنا أبرأ الى الله من عهدته، وذكره البخاري في التاريخ الأوسط في فصل من مات بين الاربعين


الى الخمسين ومائة »(١) .

و أما الضحاك بن مزاحم

فقد قال ابن الجوزي في ( الموضوعات ): « أما الضحاك فقال شعبة: لا يحدث عنه، وينكر أن يكون لقي ابن عباس، وقال يحيى بن سعيد: هو عندنا ضعيف ».

وقد ذكرنا انكار شعبة هذا: الذهبي في ( ميزان الاعتدال ٢ / ٣٢٦ ) وابن التركماني بعد أن قال: « لم يلق ابن عباس ». وكذا بمعناه في ( تهذيب التهذيب ٤ / ٤٥٣ - ٤٥٤ ) عنه وعن مشاش وعبد الملك.

وفي ( الميزان ): « قال ابن عدي: الضحاك بن مزاحم انما عرف بالتفسير، فأما رواياته عن ابن عباس وأبي هريرة وجميع من روى عنه ففي ذلك كله نظر »(٢) .

وفي ( المغني ): « ضعفه يحيى القطان وشعبة أيضاً »(٣) .

وقال محمد بن طاهر: « ضعيف مجروح ولم يسمع عن ابن عباس ».

وكذا في ( اللالي المصنوعة ) عن ابن الجوزي.

حول حديث اختلاف أصحابى لكم رحمة

ولا يخفى أن سياق حديث النجوم في كتاب ( المدخل ) للبيهقي - الذي استدل به ( الدهلوي ) - يشتمل على حديث « اختلاف أصحابي لامتي - او لكم - رحمة » وقد نص الحفاظ على ضعفه، فثبت ضعف الحديثين كليهما لضعف الاسناد المشتمل عليهما

ومن هنا كان على ( الدهلوي ) الاعراض عن هذا السياق بجملته، لا

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٢ / ١٢٣.

(٢). ميزان الاعتدال ٢ / ٣٢٦.

(٣). المغني في الضعفاء ١ / ٣١٢.


الاستناد اليه في مقابلة حديث الثقلين، ولكن « إذا لم تستح فاصنع ما شئت ».

واليك كلمات بعضهم في تضعيف هذا الحديث:

قال الحافظ العراقي: « حديث اختلاف أمتي رحمة. البيهقي في المدخل من حديث ابن عباس: بلفظ أصحابي، ورواه آدم بن أبي أياس في كتاب العلم والحلم بلفظ اختلاف أصحابي لامتي رحمة.

وهو مرسل ضعيف، ذكره البيهقي في رسالته الاشعرية بهذا اللفظ بغير اسناد »(١) .

وقال في ( المغني ): « حديث اختلاف أمتي رحمة، ذكره البيهقي في رسالته الاشعرية تعليقاً، واسنده في المدخل من حديث ابن عباس بلفظ: اختلاف أصحابي لكم رحمة. واسناده ضعيف»(٢) .

وقال ابن امام الكاملية: « الوجه [ الخامس ] لهم [ انه ] أي العمل بالقياس [ يؤدي الى الخلاف والمنازعة ] بين المجتهدين للاستقراء لانه تابع للأمارات وهي مختلفة، فكيف يجوز العمل به [ وقد قال الله تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا ] فوجب أن يكون ممنوعاً [ قلنا: الاية ] انما وردت [ في الآراء والحروب ] لقرينة قوله: فتفشلوا وتذهب ريحكم، فأما التنازع في الاحكام فجائز [ لقوله عليه الصلاة والسلام: اختلاف أمتي رحمة ] قال الخطابي والبيهقي: روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يدل على أنه له أصلا، قال الشيخ زين الدين العراقي: وأسنده في المدخل من حديث ابن عباس بلفظ اختلاف أصحابي لكم رحمة واسناده ضعيف »(٣) .

و قال محمد بن طاهر: « في المقاصد اختلاف أمتي رحمة للبيهقي عن الضحاك عن ابن عباس رفعه في حديث طويل بلفظ: واختلاف أصحابي

__________________

(١). تخريج احاديث المنهاج - مخطوط.

(٢). المغني عن حمل الاسفار. هامش احياء العلوم ١ / ٣٤.

(٣). شرح المنهاج - مخطوط.


لكم رحمة، وكذا الطبراني والديلمي، والضحاك عن ابن عباس منقطع، وقال العراقي: مرسل ضعيف »(١) .

و قال المناوي: « وأسنده البيهقي ( في المدخل ) وكذا الديلمي في مسند الفردوس كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ اختلاف أصحابي رحمة، واختلاف الصحابة في حكم اختلاف الامة كما مر.

لكن هذا الحديث قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف »(٢) .

وقال العزيزي: « أسنده البيهقي في المدخل وكذا الديلمي في الفردوس من حديث ابن عباس، لكن بلفظ اختلاف أصحابي رحمة. قال الشيخ: حديث ضعيف »(٣) .

ومن هنا تعرف: أنه ليس اسناده في المدخل ضعيفاً عند البيهقي فحسب، بل قد نصّ على ضعفه جمع من نقّاد الاخبار وصيارفة الحديث كالعراقي والسخاوي ومحمد بن طاهر والمناوي والحجازي - وهو المراد من الشيخ » في كلام العزيزي كما صرح في صدر كتابه - والعزيزي.

٢٢ - ابن ابى شريف

لقد طعن ابن أبي شريف في حديث النجوم تبعاً لشيخه الحافظ ابن حجر كما ستعرف ذلك من عبارة المناوى في ( فيض القدير ) إن شاء الله.

ترجمة ابن ابى شريف

وقد ترجم السخاوي لابن أبي شريف ترجمة مطولة، هذا ملخصها: « ارتحل الى القاهرة غير مرة، منها في سنة تسع وثلاثين، وأخذ في بعضها عن ابن الهمام والعز عبد السلام البغدادي والعلاء القلقشندي والقاياني وشيخنا

__________________

(١). تذكرة الموضوعات ٩٠ - ٩١.

(٢). فيض القدير ١ / ٢١٢.

(٣). السراج المنير ١ / ٦٦.


- ولازمه ( يعني شيخه وهو ابن حجر ) في أشياء رواية ودراية وسماعاً وقراءة - في آخرين بالقاهرة وببلده ممن أخذ عنهم العلم حتى تميز، واذن له كلهم أو جلهم في الاقراء وعظمه جداً، منهم ابن الهمام وعبد السلام وشيخنا حيث قال: انه شارك في المباحث الدالة على الاستعداد، وتأهل أن يفتي بما يعلمه ويتحققه من مذهب الامام الشافعي من أراد، ويفيد في العلوم الحديثية من المتن والاسناد علماً بأهليته لذلك وتولجه في مضائق تلك المسالك.

وترجم له البقاعي و وصفه بالذهن الثاقب والحافظة الضابطة والقريحة الوقادة والفكر القويم والنظر المستقيم، وسرعة الفهم وبديع الانتقال وكمال المروة، مع عقل وافر وأدب ظاهر وخفة روح ومجد على سمته يلوح، وانه شديد الانقباض عن الناس غير أصحابه، قال: وهو الآن صديقي، وبيننا من المودة ما يقصر الوصف فيه.

ودرس وأفتى وحدث ونظم ونثر وصنف، وبالجملة فهو علامة متين التحقيق حسن الفكر والتأمل فيما ينظره ويقرب عهده، وكتابه أمتن من تقريره ورويته أحسن من بديهته، مع وضاءته وتأنيه وضبطه وقلة كلامه وعدم ذكره للناس »(١) .

وقال القاضي مجير الدين العليمي الحنبلي - وهو من تلامذته - بترجمته: « هو شيخ الإسلام، ملك العلماء الاعلام، حافظ العصر والزمان، بركة الامة، علامة الأئمة، شيخنا الامام الحبر الهمام العالم العلامة الرحالة، القدوة المجتهد العمدة، مولده في ليلة يسفر صباحها عن يوم السبت خامس شهر ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بمدينة القدس ونشأ بها في عفة وصيانة وتقوى وديانة، لم يعلم له صبوة ولا ارتكاب محظور وجد ودأب ولازم الاشتغال والاشغال الى أن برع وتميز وأشير اليه في حياة شيخه الزين

__________________

(١). الضوء اللامع ٩ / ٦٤ - ٦٧.


ماهر، وكان يرشد الطلبة للقراءة عليه حين ترك هو الاقراء وكذلك المستفتين، ودرس وأفتى من سنة ست وأربعين وثمانمائة

ولم يزل حاله في ازدياد وعلمه في اجتهاد، فصار نادرة وقته وأعجوبة زمانه اماماً في العلوم، محققاً لما ينقله وصار قدوة بيت المقدس ومفتيه وعين أعيان المعيدين بالمدرسة الصلاحية ووقع له ما لم يقع لغيره ممن تقدمه من العلماء والأكابر، وبقي صدر المجالس وطراز المحافل، المرجع في القول اليه والتعويل في الأمور كلها عليه، وقلده أهل المذاهب كلها، وقبلت فتواه على مذهبه ومذهب غيره، ووردت الفتاوى اليه من مصر والشام وحلب وغيرها، وبعد صيته وانتشرت مصنفاته في سائر الأقطار، وصار حجة بين الأنام في سائر ممالك الإسلام

وأما سمته وهيبته فمن العجائب في الابهة والنورانية، رؤيته تذكر السلف الصالح، ومن رآه علم أنه من العلماء العاملين برؤية شكله وان لم يكن يعرفه، وأما خطه وعبارته في الفتوى فنهاية في الحسن.

وبالجملة فمحاسنه أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر، وهو أعظم من أن ينبه مثلي على فضله، ولو ذكرت حقه في الترجمة لطال الفصل، فان مناقبه وذكر مشايخه يحتمل الافراد بالتأليف، والمراد هنا الاختصار »(١) . وكذا ترجم له الشوكاني(٢) .

٢٣ - السيوطي

قال الحافظ جلال الدين السيوطي في ( إتمام الدراية ): « وليس قول صحابي حجة على غيره نعم لحديث: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. وأجيب بضعفه ».

__________________

(١). الانس الجليل بتاريخ القدس والخليل ٢ / ٢٨٨.

(٢). البدر الطالع ٢ / ٢٤٣ - ٢٤٤.


ووضع عليه « ض ». وهي علامة الضعف في ( الجامع الصغير )(١) .

و قال في ( جمع الجوامع ) ما نصه: « مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لاحد في تركه، فان لم يكن في كتاب الله فبسنة مني ماضية، فان لم تكن سنة مني فبما قال أصحابي، أن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فبأيها أخذتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة. ق في المدخل وأبو نصر السجزى في الابانة وقال: غريب، والخطيب وابن عساكر والديلمي عن سليمان بن أبي كريمة عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، وسليمان ضعيف وكذا جويبر ».

٢٤ - المتقى

لقد تبع المتقى شيخه السيوطي في الطعن في حديث النجوم حيث نقل عبارته السالفة بعين ألفاظها(٢) .

٢٥ - القاري

وقال القاري ما نصه: « قال ابن الديبع: اعلم ان حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم أخرجه ابن ماجة. كذا ذكره الجلال السيوطي في تخريج أحاديث الشفاء، ولم أجده في سنن ابن ماجة بعد البحث عنه، وقد ذكره ابن حجر العسقلاني في تخريج أحاديث الرافعي في باب ادب القضاء ، وأطال الكلام عليه وذكر أنه ضعيف واه، بل ذكر عن ابن حزم: انه موضوع باطل، لكن ذكر عن البيهقي انه قال: ان حديث مسلم يؤدي بعضه معناه، يعنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النجوم أمنة للسماء الحديث. قال ابن حجر: صدق البيهقي هو يؤدي صحة التشبيه للصاحبة بالنجوم، أما

__________________

(١). بشرح المناوى ٤ / ٧٦.

(٢). كنز العمال ٦ / ١٣٣.


في الاقتداء فلا يظهر، نعم يمكن ان يتلمح ذلك من معنى الاهتداء بالنجوم.

قلت: الظاهر ان الاهتداء فرع الاقتداء.

قال: وظاهر الحديث انما هو اشارة الى الفتن الحادثة بعد انقراض الصحابة من طمس السنن وظهور البدع وفشور الجور في أقطار الارض انتهى.

وتكلم على هذا الحديث ابن السبكى في شرح ابن الحاجب الاصلي في الكلام على عدالة الصحابة ولم بعزه لابن ماجة، و ذكره في جامع الأصول ولفظه عن ابن المسيب عن عمر بن الخطاب مرفوعاً: سألت ربي. الحديث الى قوله: اهتديتم. وكتب بعده: أخرجه. فهو من الأحاديث التي ذكرها رزين في تجريد الأصول ولم يقف عليها ابن الأثير في الأصول المذكورة، وذكره صاحب المشكاة وقال: أخرجه رزين »(١) .

أقول: وفي هذا الكلام فوائد لا تخفى.

و قال القاري في ( شرح الشفاء ) بشرح قول القاضي: « وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » قال: « ثم اعلم ان قوله وقال: أصحابي حديث آخر، وقد أخرجه الدار قطني في الفضائل وابن عبد البر من طريقه من حديث جابر وقال: هذا اسناد لا تقوم به حجة، ورواه عبد بن حميد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال البزار: منكر لا يصح ورواه ابن عدي في الكامل بإسناده عن نافع عن ابن عمر بلفظ: فأيهم أخذتم بقوله بدل اقتديتم واسناده ضعيف، ورواه البيهقي في المدخل من حديث عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه، ومن وجه آخر مرسلا وقال: متنه مشهور وأسانيده ضعيفة.

قال الحلبي: وكان ينبغي للقاضي أن لا يذكره بصيغة جزم لما عرف عند أهل الصناعة، وقد سبق له مثله مراراً.

أقول : يحتمل انه ثبت باسناده عنده أو حمل كثرة الطرق على ترقيه من

__________________

(١). المرقاة ٥ / ٥٢٣.


الضعيف الى الحسن بناءاً على حسن ظنه، مع أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الاعمال، والله أعلم بحقيقة الاحوال ».

تنبيه

ان ما احتمله القاري في هذا المقام سخيف، وذلك:

أولا : ان احتمال ثبوت الحديث بإسناد عند القاضي. - من دون أكابر الحفاظ - بعيد جداً، ومجرد الاحتمال لا يصغى اليه في مثل هذا الموضوع، إذ لو ثبت ذلك لا ورده فلم يتعرض للطعن من أبى ذر الحلبي وغيره.

ثانياً : لقد علم من الوجوه السابقة سقوط حديث النجوم لدى أحمد والمزني والبزار وابن عدي والدارقطني وابن حزم والبيهقي وابن عبد البر وكل هؤلاء متقدمون على القاضي، فلو كان عثر على اسناد مثبت له لذكره حتى يدفع كلماتهم فيه، ولا يجوز - والحالة هذه - أن يعرض عن ذكر السند رأساً، ويورده بصيغة الجزم حائداً عن طريق الاحتياط والحزم.

ثالثاً : انه لو كان لهذا الحديث سند مثبت - لم يذكره القاضي لسبب من الأسباب - لذكره شراح كتابه ( الشفاء ) ومخرجو أحاديثه وهم علماء أعلام عاشوا قبل القاري بكثير، ولكان لهم بذلك منة على القاضي، وقد رأيناهم يعترضون عليه ذكره بصيغة الجزم.

ولقد علم آنفا من عبارة ( المرقاة ) عزو السيوطي حديث النجوم الى ابن ماجة، ولا أثر له في سننه، وهذا أدل دليل على خيبة الامل وضلال السعي في هذا الباب.

رابعاً : ان دعوى كثرة طرقه مردودة لتنصيص كبار الحفاظ على خلافها، وأما طرقه المعدودة فمقدوحة كما تقدم.

هذا، ولم يدع أحد منهم ترقي هذا الحديث الى الحسن، فكيف جاز للقاضي ان يحسن الظن به؟

خامساً : ان دعوى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الاعمال


- على فرض التسليم بها - لا تجدي في المقام لوجوه:

١ - ان هذا الحديث موضوع وليس بضعيف، فلا يجوز العمل به مطلقاً.

٢ - انه ليس في فضل عمل من الاعمال، بل مفاده من أهم الأمور الدينية.

٣ - انه لو سلمنا ذلك كله فان أصل الاعتراض على ذكر القاضي إياه بصيغة الجزم باق على حاله.

وسيأتي مزيد كلام في بطلان تضليل القاري من كلام الخفاجي والشوكاني فانتظر.

٢٦ - المناوى

قال المناوي: « [ سألت ربي فيما تختلف فيه أصحابي ] أى: ما حكمه [ من بعدي ] أي: بعد موتي [ فأوحى الي يا محمد ان اصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوء من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى ] لأنهم كنفس واحدة في التوحيد ونصرة الدين واختلافهم انما نشأ عن اجتهاد ولهم محامل، ولذلك كان اختلافهم رحمة كما في حديث [ السجزي في الابانة ] عن أصول الديانة و [ ابن عساكر عن عمر ] قال ابن الجوزي: لا يصح والذهبي: باطل »(١) .

وقال بشرحه: « قال ابن الجوزي في العلل: هذا لا يصح، نعيم مجروح، وعبد الرحيم قال ابن معين كذاب، وفي الميزان هذا الحديث باطل، وقال ابن حجر في تخريج المختصر: حديث غريب سئل عنه البزار فقال: لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال الكمال ابن أبي شريف، كلام شيخنا - يعنى ابن حجر - يقتضى انه مضطرب، قال ابن عساكر: رواه عن

__________________

(١). التيسير في شرح الجامع الصغير ٢ / ٤٨.


سعيد زيد العمى أبو الحوارى وكان ضعيفاً في الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه ومن يروي عنه ضعفاء »(١) .

٢٧ - الخفاجي

وقال شهاب الدين الخفاجي: « وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث آخر رواه الدارقطني وابن عبد البر في العلم من طريق أسانيد كلها ضعيفة حتى جزم ابن حزم بأنه موضوع، وقال الحافظ العراقي: كان ينبغي للمصنف رحمه‌الله أن لا يورده بصيغة الجزم.

وما قيل: من انه ليس بوارد لان المصنف رحمه‌الله ساقه في فضل الصحابة وقد استقروا على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الاعمال فضلا عن فضائل الرجال، لا وجه له، لان قول أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم فيه العمل بما فعلوه وقالوه من الاحكام، وليس هذا من قبيل الفضائل التي يجوز العمل فيها بالضعيف »(٢) .

اقول:

هذا كلام الخفاجي، ثم جعل يدافع عن القاضي بوجه آخر فقال: فلو قال انه بمعنى الحديث الذي قبله - وهو حديث صحيح يعمل به - ولذا ساقه بعده كالمتابعة له، ولذا جزم به كان أقوى وأحسن.

الا أنه واه بل أوهن من بيت العنكبوت لوجوه:

الاول : ان حديث الاقتداء موضوع لغرض لم يوضع لأجله حديث النجوم، فان الاول وضع للشيخين والثاني لجميع الصحابة، ولذا ذهب جماعة من الأصوليين الى انهما متعارضان، كما لا يخفى على من راجع ( احكام

__________________

(١). فيض القدير - شرح الجامع الصغير ٤ / ٧٦.

(٢). نسيم الرياض - شرح الشفاء ٤ / ٤٢٣ - ٤٢٤.


الاحكام ) و ( مختصر الاصول ) و ( شرح المختصر ) و ( حاشية التفتازاني على شرح المختصر ) و ( شرح المنهاج للعبري ) و ( معراج الأصول للايكي ) و ( التحرير ) و ( شروح التحرير ) و ( مسلم الثبوت ) و ( شروح مسلم الثبوت ) وغيرها.

فجعل الثاني بمعنى الاول غير صحيح.

الثاني : دعوى صحة حديث الاقتداء وانه معمول به باطلة، لأنه حديث موضوع قطعاً، كما ذكرنا في هذا الكتاب وفي مجلد ( حديث الطير ).

الثالث : قوله « ولذا ساقه بعده كالمتابعة له » باطل، لان « المتابعة » تكون في الحديث الواحد بتعدد رواته، و « الشاهد » هو الحديث الذي يؤدي معنى حديث آخر. ( راجع كلمات: ابن الصلاح والنووي والعراقي وغيرهم في هذا الموضوع ).

ومن المعلوم: ان حديثي الاقتداء والنجوم متغايران، وليس معناهما واحداً - بل هما متعارضان كما أشرنا آنفاً - فلا يتحقق في المقام معنى « المتابعة » ولا « الشاهد ».

الرابع : ان دعوى « المتابعة » في هذا المقام ممنوعة من جهة أخرى: لان روايات الوضاعين والكذابين لا شأن لها حتى في المتابعات والشواهد. وقد نص على ذلك علماء الفن كما لا يخفى على من راجع كلماتهم. نعم قد تذكر روايات شر ذمة معينة من الضعفاء لغرض المتابعة والاستشهاد

ولقد ثبت وضع حديث النجوم، وان رواته وضاعون كذابون في جميع أسانيده، فلا يليق لان يساق متابعة أيضاً.

الخامس : لو سلم ذلك كله فانه لا يصح جزم القاضي بحديث النجوم.

وهنا نكتة يجب ذكرها: وهي انه لو كان القاضي يقصد المتابعة لذكر حديث الاقتداء بصيغة الجزم، ثم ذكر حديث النجوم مع الاعتراف بالضعف لتتم المتابعة، ولكنه فعل العكس فذكر حديث الاقتداء الصحيح


- بزعم الخفاجي - غير جازم به، وحديث النجوم - الذي اعترف الخفاجي بضعفه - بصيغة الجزم.

ولقد حاول الخفاجي الدفاع عن القاضي بوجه - زعم أنه أقوى وأحسن - وغفل عما يترتب عليه ويتوجه اليه - وعلى القاضي - من وجوه النقد والاشكال.

وبما ذكرنا ظهر: سقوط دفاع القاري والخفاجي عن القاضي، وبقاء اعتراض العراقي وغيره على حاله.

٢٨ - السندي

قال السندي بعد أن ذكر حديث الثقلين ودلالته: « فان قلت:

قد ورد أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، و ورد: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - و ورد: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين الحديث.

فقد ثبت الحث باقتداء غيرهم واهتداء من اقتدى بهم. قلت [ فلنا ]: الحديث الاول موضوع، والا لكان قوله « اهتديتم » فيه خاصة مما يدل على عدم خطئهم »(١) .

٢٩ - البهارى

وقال القاضي محب الله البهاري عند نفي حجية اجماع الشيخين او الخلفاء الأربعة: « قالوا: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، وعليكم بسنتي الحديث.

قلنا: خطاب للمقلدين وبيان لاهلية الاتباع، لان المجتهدين كانوا يخالفونهم والمقلدين قد يقلدون غيرهم، وأما المعارضة بأصحابي كالنجوم، وخذوا شطر دينكم عن الحميراء كما في المختصر فتدفع بأنهما ضعيفان »(٢) .

__________________

(١). دراسات اللبيب في الاسوة الحسنة بالحبيب ٢٤٠.

(٢). مسلم الثبوت بشرح عبد العلى ٢ / ٥١٠.


ترجمة البهارى

وقد ترجم غلام على آزاد القاضي البهاري بقوله: « هو بحر من العلوم وبدر بين النجوم، جاب ديار الفورب في عنفوان الشباب، وقرع في طلب العلم كثيراً من الابواب، وأخذ أوائل الكتب الدرسية من مواضع شتى، ثم انقطع برمته الى حوزة درس المولوي قطب الدين الشمس آبادي، وبدلالة هذا القطب قطع مسافة الاغتراب وانتهى الى أقصى حدود الاكتساب، وبعد ما تحلى بالفضائل، وبرع في الأماثل، قصد الديار الجنوبية من الهند المعبر عنها بالدكن، ولازم السلطان عالم گير، فولاه قضاء لكهنو من بلاد الفورب ومن مصنفاته سلم العلوم في المنطق، ومسلم الثبوت في اصول الفقه - وتاريخ تأليفه هذا الاسم - والجوهر الفرد، وهي رسالة في مسألة الجزء الذي لا يتجزأ والتصانيف الثلاثة مقبولة متداولة في مدارس العلماء »(١) .

٣٠ - السهالوي

وقال نظام الدين السهالوي في مبحث الإجماع، في الكلام على الاحتجاج بحديث الاقتداء وحديث عليكم بسنتي:

« وأجيب أيضاً بأنهما معارضان بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، و قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء. فتقاعد الاحتجاج.

وأجيب بأن الحديث الاول - وان روي عن المعتبرات - لم يعرف. قال ابن حزم في رسالته الكبرى: مكذوب موضوع باطل، وبه قال احمد والبزار »(٢) .

__________________

(١). سبحة المرجان بذكر آثار هندوستان ٧٧.

(٢). الصبح الصادق - شرح المنار.


٣١ - المولوى عبد العلى

وقال المولوى عبد العلي - بحر العلوم - في المبحث المذكور: « وأما المعارضة بأصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم، رواه ابن عدي وابن عبد البر وخذوا شطر دينكم عن الحميراء ، أي أم المؤمنين عائشة الصديقة، كما في المختصر، فتدفع بأنهما ضعيفان لا يصلحان للعمل فضلا عن معارضة الصحاح.

أما الحديث الاول فلم يعرف، قال ابن حزم في رسالته الكبرى: مكذوب موضوع باطل وبه قال أحمد والبزار »(١) .

٣٢ - الشوكانى

وقال الشوكانى في مبحث الاجماع: « وهكذا حديث اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهديتم، يفيد حجية قول كل واحد منهم وفيه مقال معروف، لان في رجاله عبد الرحيم العمي عن أبيه، وهما ضعيفان جداً بل قال ابن معين: ان عبد الرحيم كذاب، وقال البخاري: متروك، وكذا قال أبوحاتم، وله طريق أخرى فيها حمزة النصيبي وهو ضعيف جداً قال البخاري منكر الحديث، وقال ابن معين: لا يساوي فلساً، وقال ابن عدي: عامة مروياته موضوعة، وروى أيضاً من طريق جميل بن زيد وهو مجهول »(٢) .

وقال في مسألة عدم حجية قول الصحابي: « وأما تمسك بعض القائلين بحجية قول الصحابي بما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، فهذا مما لم يثبت قط، والكلام فيه معروف عند أهل الشأن بحيث لا يصح العمل بمثله في أدنى حكم من أحكام الشرع، فكيف مثل هذا الأمر العظيم والخطب الجليل ».

__________________

(١). فواتح الرحموت - شرح مسلم الثبوت ٢ / ٥١٠.

(٢). ارشاد الفحول ٨٣.


وقال الشوكاني في ( القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد ): « ومما استدلوا به حديث: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، والجواب: ان هذا الحديث قد روى من طرق عن جابر وابن عمر رضي الله عنهما، وصرح أئمة الجرح والتعديل بأنه لم يصح منها شيء، وان هذا الحديث لم يثبت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد تكلم عليه الحفاظ بما يشفي ويكفي، فمن رام البحث عن طرقه وعن تضعيفها فهو ممكن بالنظر في كتاب من كتب هذا الشأن وبالجملة: فالحديث لا تقوم به حجة ».

٣٣ - ولى الله اللكهنوى

قال ولي الله بن حبيب الله اللكهنوى في ( شرح مسلم الثبوت ) بعد كلام له: « وأما المعارضة للحديثين المذكورين بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم رواه ابن عدي وابن عبد البر ، و بقوله خذوا شطر دينكم عن الحميراء ، أي عائشة رضي الله عنها، فإنهما يدلان على جواز الأخذ بقول كل صحابي وقول عائشة وان خالف قول الشيخين أو الأربعة، فتقاعد احتجاجكم كما في المختصر لابن الحاجب.

فتدفع بأنهما ضعيفان. في الحاشية على أن الثاني يتبادر منه الرواية، أما ضعف الاول فلما قال أحمد لم يصح، والبزار: لا يصح مثل هذا الكلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ....

اعلم أن الحديث الاول وان روي في المعتبرات ولكن لم يصح منها شيء قاله احمد والبزار، قال ابن حزم في رسالته الكبرى: مكذوب موضوع باطل. نعم الحديث يؤدي بعض معناه، وهو حديث أبو موسى المرفوع ».

ترجمة ولى الله اللكهنوى

وقد ترجم ولي الله لنفسه في كتابه ( الاغصان الاربعة ) واستدرك عليه


ولده محمد انعام الله في ( ضميمة الاغصان الأربعة ) فليراجع.

٣٤ - صديق حسن خان

قال صديق حسن القنوجي في مسألة عدالة الصحابة، « والبحث عن عدالة الراوي انما هو في غير الصحابة وأما فيهم فلا، لان الأصل فيهم العدالة قال القاضي: هو قول السلف وجمهور الخلف، وقال الجويني: بالإجماع.

و وجه هذا القول ما ورد من العمومات المقتضية لتعديلهم كتاباً وسنة، كقوله سبحانه: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ) ، وقوله: ( جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) ، أى: عدلا، وقوله: ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وقوله: ( وَالسَّابِقُونَ ) ، وقوله: ( وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) .

و قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير القرون قرني، و قوله في حقهم: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وهما في الصحيح، وقوله: أصحابي كالنجوم على مقال فيه معروف »(١) .

حول ما زعموا أنه يفيد بعض معنى حديث النجوم

لقد أشير في بعض الكلمات الى حديث مسلم، والصحيح أنه ليس بمعنى حديث النجوم، وهذا لفظه: « حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة وإسحاق بن ابراهيم وعبد الله بن عمرو بن أبان كلهم عن حسين، قال أبوبكر: ثنا حسين بن علي الجعفي عن مجمع بن يحيى عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: صلينا المغرب مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلى معه العشاء، قال: فجلسنا، فخرج علينا فقال: ما زلتم هاهنا؟ قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلى معك العشاء، قال: أحسنتم - أو اصبتم - قال: فرفع رأسه الى السماء - وكان كثيراً ما يرفع رأسه الى

__________________

(١). حصول المأمول ٥٦.


السماء - فقال: النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لاصحابي فاذا ذهبت أتى أصحابى ما يوعدون، وأصحابي أمنة لامتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون »(١) .

أقول : ومع ذلك نتكلم عليه سنداً ودلالة.

١ - في سنده ابوموسى وهو متهم في الحديث

أما سنداً فان مداره على « أبي موسى الأشعري » وقد كان أبوموسى متهماً بالاضافة الى مخازيه ومساويه التي لا تحصى، وقد ورد بعضها في كتاب ( استقصاء الافحام في رد منتهى الكلام ).

أما حديث اتهامه في الرواية فقد أخرجه الشيخان - في أكثر من موضع - وأحمد بن حنبل كذلك وأبو داود والدارمي والطحاوي والبغوي وغيرهم، وإليك نصوص رواياتهم في ذلك:

قال أبوداود سليمان بن داود الطيالسي في ( مسنده ): « حدثنا وهب ابن خالد عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن الاشعري استأذن على عمر ثلاثا ولم يؤذن له فرجع فأرسل اليه فقال: اني استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إذا استأذن المستأذن فلم يؤذن له فليرجع. فقال: لتأتينّي بمن يعلم هنا ( هذا. ظ ) أو لافلعنّ بك ولا فعلن!. قال أبو سعيد: جاءني الاشعري يرعد قد اصفر لون وجهه فقام على حلقة من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: أنشد الله رجلا علم من هذا علماً الا قام به، فاني قد خفت هذا الرجل على نفسي! فقلت أنا معك فقال آخر: وأنا معك، فسرى عنه ».

و قال أحمد في ( مسنده ): « ثنا سفيان، ثنا يزيد بن خصيفة عن بسر ابن سعيد عن أبي سعيد الخدري، قال: كنت في حلقة من حلق الأنصار

__________________

(١). صحيح مسلم ٢ / ٢٧٠.


فجاءنا أبوموسى كأنه مذعور فقال: ان عمر أمرني أن آتيه فأتيته فاستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن فرجعت، وقد قال ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من استأذن ثلاثاً ولم يؤذن له فليرجع. فقال: لتجيئن ببيّنة على الذي تقول والا أوجعتك. قال أبو سعيد: فأتانا أبو موسى مذعورا - أو قال: فزعا - فقال: أستشهدكم، فقال ابيّ بن كعب: لا يقوم معك الا أصغر القوم. قال أبوسعيد: وكنت أصغرهم فقمت معه وشهدت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من استأذن ثلاثاً وفلم يؤذن له فليرجع»(١) .

و قال أيضاً: « ثنا يزيد: أنبأنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري، قال: استأذن أبو موسى على عمر ثلاثاً فلم يؤذن له فرجع فلقيه عمر فقال: ما شأنك رجعت؟ قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من استأذن ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع، قال: لتأتين على هذا ببيّنة أو لافعلنّ. ولأفعلن فأتى مجلس قومه فناشدهم الله عز وجل، فقلت: أنا معك فشهدا له بذلك فخلّى سبيلهم».

و قال أيضاً: « ثنا زيد بن هارون قال: أنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: استأذن أبو موسى على عمر (رض) ثلاثاً فلم يؤذن له فرجع فلقيه عمر (رض) فقال: ما شأنك رجعت؟ قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من استأذن ثلاثاً ولم يؤذن له فليرجع. فقال: لتأتينّ على هذه ببيّنة أو لافعلنّ ولافعلنّ فأتى مجلس قومه فناشدهم الله تعالى، فقلت: أنا معك، فشهدوا له فخلّى سبيله ».

و قال أبومحمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي السمرقندي في ( مسنده ): « أخبرنا أبو النعمان ثنا يزيد بن زريع ثنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن أباموسى الاشعري استأذن على عمر ثلث مرات فلم يؤذن له فرجع فقال: ما رجعك؟ قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١). مسند أحمد بن حنبل ٣ / ٦.


يقول: اذا استأذن المستأذن ثلث مرات فان أذن له والا فيرجع، فقال: لتأتينّ بمن يشهد معك أو لافعلنّ ولافعلنّ. قال أبوسعيد: وأتانا وأنا في قوم من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد وهو فزع من وعيد عمر إياه فقام علينا فقال: أنشد الله منكم رجلا سمع ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا شهد لي به، قال: فرفعت رأسي فقلت: أخبره أني معك على هذا، وقال ذاك آخرون فسرى عن أبي موسى ».

وقال البخاري في ( الصحيح ): « حدثنا محمد بن سلام: أخبرنا مخلد بن يزيد أخبرنا ابن جريح قال: أخبرني عطاء عن عبيد بن عمير أنّ أبا موسى الاشعري استأذن على عمر بن الخطاب فلم يؤذن وكأنه كان مشغولا فرجع أبو موسى ففرغ عمر فقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس، ائذنوا له، قيل: قد رجع فدعاه فقال: كنا نؤمر بذلك فقال تأتيني على ذلك بالبينة فانطلق الى مجلس الأنصار فسألهم فقالوا: لا يشهد لك على هذا الا أصغرنا أبو سعيد الخدري فذهب بأبي سعيد الخدري فقال عمر: أخفى هذا عليّ من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ألهاني الصفق بالأسواق. يعني الخروج الى التجارة ».

و قال أيضاً: « حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا يزيد بن خصيفة عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبوموسى كأنه مذعور فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت فقال: ما منعك؟ قلت استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع فقال: لتقيمنّ عليه بيّنة، أمنكم أحد سمعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال ابيّ بن كعب والله لا يقوم معك الا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه، فأخبرت عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك. وقال ابن المبارك: أخبرني ابن عيينة حدثني يزيد عن بسر بن سعيد قال: سمعت أبا سعيد بهذا. قال أبو عبد الله: أراد عمر التثبت لا أن لا يجيز خبر


الواحد ».

وقال: « حدثنا مسدّد حدثنا يحيى عن ابن جريح حدثني عطاء عن عبيد بن عمير قال: استأذن أبو موسى على عمر فكأنه وجده مشغولا فرجع فقال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له، فدعى له فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: انا كنا نؤمر بهذا قال: فأتني على هذا ببينة أو لأفعلن بك. فانطلق الى مجلس من الأنصار فقالوا: لا يشهد الا أصاغرنا ( أصغرنا. ظ ) فقام أبوسعيد الخدري فقال: قد كنا نؤمر بهذا، فقال عمر: خفي عليّ هذا من أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ألهاني الصفق بالأسواق ».

و قال مسلم في ( الصحيح ): « حدّثني أبو الطاهر أخبرني عبد الله بن وهب، ثني عمرو بن الحرث عن بكير بن الأشجع أن بسر بن سعيد حدّثه أنّه سمع أبا سعيد الخدري يقول: كنّا في مجلس عند أبي بن كعب فأتى أبو موسى الاشعري مغضبا حتى وقف فقال: أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الاستيذان ثلاث فان أذن لك والا فارجع، قال أبي: وما ذاك؟ قال: استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرّات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئت أمس فسلمت ثلاثاً ثم انصرفت. قال: قد سمعناك ونحن حينئذ على شغل فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك؟ قال: استأذنت كما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: فو الله لاوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا، فقال أبي بن كعب: فو الله لا يقوم معك الا أحدثنا سناً، قم يا أبا سعيد! فقمت حتى أتيت عمر فقلت: قد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول هذا ».

و قال: « حدّثنا حسين بن حريث أبوعمار ثنا الفضل بن موسى أخبرنا طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى الاشعري قال: جاء أبوموسى الى عمر بن الخطاب فقال: السلام عليكم، هذا عبد الله بن قيس، فلم يأذن له، فقال: السلام عليكم، هذا أبوموسى، السلام عليكم هذا


الاشعري. ثم انصرف فقال: ردوا على! ردوا على! فجاء فقال: يا أبا موسى! ما ردّك؟ كنّا في شغل، قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الاستيذان ثلاثاً فان اذن والا فارجع، قال: لتأتينى على هذا ببينة والا فعلت وفعلت!، فذهب أبو موسى. قال عمر: ان وجد بيّنة تجدوه عند المنبر عشية وان لم يجد بيّنة فلم تجدوه، فلما ان جاء بالعشي وجدوه قال: يا أبا موسى ما تقول؟ أقد وجدت؟ قال: نعم! أبي بن كعب، قال: عدل، قال: يا ابا الطفيل! ما يقول هذا؟ قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك يا ابن الخطاب، فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال سبحان الله! انما سمعت شيئاً. فأحببت أن أتثبت! ».

و قال أبوجعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي في كتاب ( مشكل الآثار ): « حدثنا يونس بن عبد الاعلى. ثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو ابن الحارث عن بكير بن الاشجّ أن بسر بن سعيد حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: كنا في مجلس عند أبي بن كعب فجاء ابو موسى الاشعري مغضباً حتى وقف فقال: أنشدكم الله! هل سمع منكم أحد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الاستيذان ثلاث فان أذن لك فادخل وإلا فارجع؟ فقال أبي: وما ذاك؟ فقال: استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئته أمس فسلمت ثلاثاً ثم انصرفت، فقال: قد سمعنا ونحن حينئذ على شغل فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك؟ قال: استأذنت كما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: فقال: والله لأضربن بطنك وظهرك أو لتأتينّي بمن يشهد لك على هذا! فقال أبيّ بن كعب: فو الله لا يقوم معك أحد الا أحدثنا سنّا الذي بجنبك، قم يا أبا سعيد! فقمت حتى أتيت عمر فقلت: قد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول هذا ».

وقال: « حدثنا ابراهيم بن مرزوق حدثنا أبو عاصم عن ابن جريح عن عطاء عن عبيد بن عمير أن أبا موسى استأذن على عمرو كان مشغولا في


بعض الامر فلما فرغ قال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس، قالوا: رجع، قال: ردوه! فجاء فقال: كنا نؤمر بمثل هذا في الاستيذان ثلاثاً، قال: لتأتينى على هذا ببينة أو لافعلن، فجاء الى مجلس الأنصار فأخبرهم فقالوا: لا يقوم معك الا أصغرنا فقام أبو سعيد الخدري، فجاء فقال: نعم! فقال عمر: خفى على هذا من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشغلني التسويف بالأسواق، قال ابراهيم: وجدت على ظهر كتابي: وشغلني شغلي بالأسواق ».

و قال: « حدثنا فهد بن سليمان ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ثنا عبد السلام ابن حرب عن طلحة بن يحيى القرشي عن ابى بردة عن أبي موسى قال: جئت باب عمر رضي‌الله‌عنه فقلت: السلام عليكم، يدخل عبد الله بن قيس؟ فلم يؤذن، فرجعت فأنتبه عمر فقال: علي بأبي موسى فأتيت قال: أنى ذهبت؟ فقلت استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ليستأذن الرجل المسلم على أخيه ثلاثاً، فان أذن له، والا رجع فقال: لتجيئني على ما قلت بشاهد أو لينالنك مني عقوبة، قال: فخرجت فلقيت أبي ابن كعب فأخبرته فقال: نعم! فجاء فأخبره، فقال له عمر: يا أبا الطفيل! سمعت ما قال أبو موسى من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: نعم! وأعوذ بالله عز وجل أن تكون عذاباً على أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال: وأعوذ بالله من ذلك».

و قال البغوي في ( معالم التنزيل ): « أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا: أبو الحسن على بن محمد بن عبد الله بن بشران، أن اسمعيل بن محمد الصفار، أنا أحمد بن منصور الرمادي، أنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن سعيد الحريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري: قال: سلم عبد الله بن قيس على عمر بن الخطاب ثلاث مرات فلم يأذن له فرجع، فأرسل عمر في أثره فقال: لم رجعت؟ قال: اني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إذا سلم أحدكم ثلاثاً فلم يجب فليرجع، قال: لتأتين على ما تقول ببينة والا لأفعلن بك كذا وكذا، غير أنه قد أوعده، قال: فجاء أبو موسى ممتقعاً لونه


وأنا في حلقة جالس فقلنا: ما شأنك؟ فقال: سلمت على عمر، فأخبرنا خبره، فهل سمع منكم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالوا كلنا قد سمعه. قال: فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره بذلك ».

وقال برهان الدين عبيد الله بن محمد الفرغاني العبري في ( شرح منهاج البيضاوي ):

« قال أبوعلي في بيان اشتراط العدد: ان الصحابة طلبوا العدد فان أبابكر (رض) لم يقبل خبر مغيرة بن شعبة في الجدة حتى رواه محمد بن مسلمة الانصاري، ولم يعمل عمر (رض) بخبر أبي موسى الاشعري في الاستيذان حتى رواه أبوسعيد الخدري، ورد أبوبكر وعمر خبر عثمان في رد الحكم بن العاص. وأمثال ( ذلك. صح. ظ ) كثيرة، وطلب العدد منهم في الروايات الكثيرة دليل اشتراطه. قلنا في الجواب عنه انهم انما طلبوا العدد عند التهمة لا مطلقاً، ونحن انما ندعى أن خبر العدل الواحد حيث لا تهمة في روايته مقبول، فلا يرد ما ذكرتم من الصور نقضاً ».

وقال ابن حجر العسقلاني في ( فتح الباري ): « واحتج من رد الخبر الواحد: بتوقفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قبول خبر ذي اليدين، ولا حجة فيه لأنه عارض علمه وكل خبر واحد إذا عارض العلم لم يقبل، وبتوقف أبي بكر وعمر في حديثي المغيرة في الجدة وفي ميراث الجنين حتى شهد بهما محمد ابن مسلمة، وبوقف عمر في خبر أبي موسى في الاستيذان حتى شهد له أبو سعيد، وبتوقف عائشة في خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء الحي، وأجيب بأن ذلك انما وقع منهم اما عند الارتياب كما في قصة أبي موسى فانه أورد الخبر عند انكار عمر عليه رجوعه بعد الثلاث وتوعده، فأراد عمر الاستثبات خشية أن يكون دفع بذلك عن نفسه، وقد أو ضحت ذلك بدلائله في كتاب الاستيذان، واما عند معارضة الدليل القطعي كما في انكار عائشة حيث استدلت بقوله تعالى: ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) .


نهى عمر أباموسى وأباهريرة عن الحديث

بل ان أبا موسى كان متهماً في حديثه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقاً، لا في حديث الاستيذان فحسب، ولذا نهاه وابا هريرة عمر بن الخطاب عن الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما نص عليه الغزالي حيث قال:

« ثم اعلم أن المخالف في المسأله له شبهتان: الشبهة الاولى قولهم: لا مستند في اثبات خبر الواحد الا الاجماع، فكيف يدعى ذلك؟ وما من أحد من الصحابة الا وقد رد الخبر الواحد، فمن ذلك توقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قبول خبر ذي اليدين حيث سلم عن اثنتين حتى سأل أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وشهدا بذلك وصدقاه، ثم قبل وسجد للسهو، ومن ذلك رد أبي بكر رضي‌الله‌عنه خبر المغيرة بن شعبة من ميراث الجد [ ة ] حتى أخبره معه محمد بن مسلمة، ومن ذلك: رد أبي بكر وعمر خبر عثمان رضي الله عنهم فيما رواه من استئذانه الرسول في الحكم بن أبي العاص وطالباه بمن يشهد معه بذلك. ومن ذلك: ما اشتهر من رد عمر رضي‌الله‌عنه خبر أبي موسى الاشعري في الاستيذان حتى شهد له أبو سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه ومن ذلك: رد علي رضي‌الله‌عنه خبر أبي سنان الأشجعي في قصة بروع بنت واشق وقد ظهر منه أنه كان يحلف على الحديث، ومن ذلك: رد عائشة رضي الله عنها خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه، وظهر من عمر نهيه لابي موسى وأبي هريرة عن الحديث عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! وأمثال ذلك مما يكثر، وأكثر هذه الاخبار تدل على مذهب من يشترط عدداً في الراوي، لا على مذهب من يشترط التواتر فإنهم لم يجتمعوا فينتظروا التواتر »(١) .

__________________

(١). المستصفى في علم الاصول ٢ / ١٣٥.


٢ - في سنده ابوبردة وهو فاسق

وفي رجال حديث مسلم « أبوبردة بن أبي موسى » وهو ممن عرف واشتهر بالجرائم الموبقة، فقد كان له يد في قتل الصحابي العظيم « حجر بن عدي » وأصحابه إذ شهد عليهم زوراً.

قال الطبري: « ثم بعث زياد الى أصحاب حجر، حتى جمع منهم اثنى عشر رجلا في السجن، ثم انه دعا رءوس الارباع فقال: اشهدوا على حجر بما رأيتم منه، وكان رؤوس الارباع يومئذ عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة، وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان، وقيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة على ربع ربيعة وكندة، وأبو بردة بن أبي موسى على مذحج وأسد، فشهد هؤلاء الأربعة أن حجرا جمع اليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا الى حرب أمير المؤمنين، وزعم أن هذا الأمر لا يصلح الا في آل أبي طالب ووثب بالمصر، وأخرج عامل أمير المؤمنين وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه والبراءة من عدوه وأهل حربه، وان هؤلاء النفر الذين معه هم رؤوس أصحابه وعلى مثل رأيه وأمره »(١) .

وهذا نص شهادة أبي بردة: « بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما شهد عليه أبوبردة بن أبي موسى لله رب العالمين: شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة ولعن الخليفة ودعا الى الحرب الفتنة، وجمع اليه الجموع يدعوهم الى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء.

فقال زياد: على مثل هذه الشهادة فاشهدوا، أنا [ أما ] والله لأجهدن على قطع خيط عنق الخائن الأحمق، فشهد رؤوس الارباع على مثل شهادته وكانوا أربعة، ثم ان زياداً دعا الناس فقال: اشهدوا على مثل شهادة رؤوس الارباع »(٢) .

__________________

(١). تاريخ الطبري ٤ / ١٩٩.

(٢). تاريخ الطبري ٤ / ٢٠٠.


ابو بردة من المنحرفين عن امير المؤمنين

وذكره ابن أبي الحديد في المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث قال: « ومن المبغضين القالين: أبوبردة بن أبي موسى الاشعري، يرث البغض [ البغضة ] له لا عن كلالة، [ و ] روى عبد الرحمن بن جندب قال: قال أبو بردة لزياد: اشهد ان حجر بن عدي قد كفر بالله كفرة صلعاء [ أصلع ]. قال عبد الرحمن: انما عنى بذلك نسبة الكفر الى علي بن أبي طالب عليه‌السلام لأنه كان أصلع.

قال: وقد روى عبد الرحمن المسعودي عن ابن عياش المنتوف قال: رأيت ابا بردة قال لابي الغادية الجهني قاتل عمار بن ياسر: أأنت قتلت عمار ابن ياسر؟ قال: نعم، قال: فناولني يدك، فقبلها وقال: لا تمسك النار أبداً!!

وروى أبو نعيم عن هشام بن المغيرة عن الغضبان بن يزيد قال: رأيت ابا بردة قال لابي الغادية قاتل عمار: مرحباً بأخي ههنا ههنا، فأجلسه الى جانبه »(١) .

دلالة حديث مسلم

وأما دلالة فان حديث مسلم هذا لا يفيد مطلوبهم - وهو جواز الاقتداء بالصحابة - لان معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون » هو: ان الاصحاب لا يبقون بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما كانوا عليه في عهده، فتقع بينهم الفتن والحروب، وتختلف آراؤهم وأهواؤهم وقلوبهم، ويتشاجرون فيما بينهم، مما يؤدي الى ارتداد بعض العرب فهذا معنى الحديث وهو يفيد الذم:

قال النووي بشرحه: « و قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أمنة لاصحابي فاذا

__________________

(١). شرح نهج البلاغة ٤ / ٩٩.


ذهبت اتى اصحابي ما يوعدون، أي: من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الاعراب واختلاف القلوب، ونحو ذلك مما انذر به صريحاً، وقد وقع كل ذلك »(١) .

وقال الطيبي: « والاشارة في الجملة الى مجيء الشر عند ذهاب اهل الخير فانه لما كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أظهرهم كان يبين ما يختلفون فيه، فلما توفي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حالت الآراء واختلفت الأهواء»(٢) .

وقال القاري: « فاذا ذهبت أنا اتى أصحابي ما يوعدون. أي من الفتن والمخالفات والمحن»(٣) .

هذا واذا دل هذا الحديث على ما سمعت فلا مجال لان يذكر بصدد تأييد حديث النجوم، وأن يعد من فضائل الصحابة.

التحريف في حديث النجوم

وبعد، فقد ظهر لدى التحقيق أن لأصحاب الخدع والضلال وأولى الأيدي الاثيمة تحريفاً عظيماً في هذا الحديث، وذلك لان أصله هكذا: « وأهل بيتي أمان لامتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون » فجعل « أصحابي » في مكان « أهل بيتي » وهذا نص الحديث: « حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن ابن الحسن القاضي بهمدان من أصل كتابه، ثنا محمد ابن المغيرة اليشكري، ثنا القاسم بن الحكيم [ الحكم ] العرني ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة، حدثني محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه خرج ذات ليلة وقد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد فقال: ما تنظرون؟ فقالوا: ننتظر الصلاة، فقال: انكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها. ثم قال: أما

__________________

(١). المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ٩ / ٤٢٤.

(٢). الكاشف - مخطوط.

(٣). المرقاة ٥ / ٥١٩.


انها صلاة لم يصلها احد ممن قبلكم من الأمم، ثم رفع رأسه الى السماء فقال: النجوم أمان لأهل السماء فان طمست النجوم أتى السماء ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي فإذا قبضت أتى أصحابي ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لامتي فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون »(١) .

فليلاحظ ممن هذا التحريف؟ أمن أبي موسى؟ من ولده أبي بردة؟ من غيرهما من المحرفين المنحرفين؟

سيأتي إن شاء الله تعالى ان اهل البيت عليهم‌السلام هم كالنجوم في هداية الامة، وهم الذين يمتنع الاختلاف والهلاك باتباعهم كل ذلك من أحاديث عديدة بطرق وسياقات متكاثرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي كل ذلك ما يرغم آناف أولي البغي والعناد، ويوضح للسالكين محجة الصواب والرشاد.

حديث النجوم باطل

وحديث النجوم باطل من جهة متنه ودلالته كذلك ولنوضح ذلك في وجوه:

١ - مخالفته للاجماع والضرورة

ان حديث النجوم يدل على صلاح جميع اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهذا باطل بالإجماع.

ويدل على أنهم جميعاً هادون للامة. وهذا باطل أيضاً، لان طائفة كبيرة منهم أضلت كثيراً من الناس.

ويدل على أهلية جميع الصحابة لاقتداء الامة بهم، وهذا ايضاً ظاهر البطلان إذ لا يصلح كثير منهم - بل أكثرهم - لذلك.

__________________

(١). المستدرك ٣ / ٤٥٧.


واذا ثبت بطلان ذلك كله ثبت بطلان الحديث من أصله.

٢ - اقتراف بعض الصحابة للكبائر

لقد اقترف جماعة كبيرة من الصحابة كبائر الذنوب، مثل الزنا وقتل النفس المحترمة وشهادة الزور ونحو ذلك مما هو مشهور ومعروف لمن نظر في أحوالهم، فهل يعقل أن يجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل واحد منهم قائداً للامة وهادياً للملة؟

٣ - مخالفته للكتاب

لقد وردت آيات في كتاب الله عز وجل صريحة في سوء حال جم غفير من الصحابة، ولا سيما الايات في سورة الانفال، وسورة البراءة، وسورة الأحزاب، وسورة الجمعة، وسورة المنافقين.

أفيصح ان ينصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميع الصحابة قادة للامة والحال هذه؟

٤ - مخالفته للاحاديث الاخرى

لقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث كثيرة تفيد ذم الصحابة والحط من شأنهم تجدها في الصحاح والمسانيد المعتبرة، ومنها:

حديث الحوض.

وحديث الارتداد.

و حديث: لا ترجعوا بعدي كفاراً.

و حديث: الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل.

و حديث: لا ادري ما تحدثون بعدي.

و حديث: اتباع سنن اليهود والنصارى.

وحديث: التنافس.


و حديث: ان من اصحابي من لا يراني بعدي ولا أراه.

و حديث: ان في اصحابي منافقين.

و حديث: قد كثرت علي الكذابة.

الى غير ذلك من الاحاديث التي وردت في ذم الصحابة مجتمعين وفرادى. وقد جاوزت حد الحصر، ويكفيك منها ما ذكر في كتاب ( تشييد المطاعن ).

وهذه الاحاديث تعارض حديث النجوم - ان صح - فلا يجوز العمل به.

٥ - نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الاقتداء بهم

لقد جاء في كتب القوم أحاديث تدل بصراحة على منع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الاقتداء بالصحابة، وفيها « ان من اقتداهم في النار ».

قال العاصمي: « وقال عليه‌السلام إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، يعني عن الوقيعة فيهم، عن ذكر زلاتهم وما كان منهم في مقاماتهم، وأي عبد من عباد الله لم يزل ولو بطرفة!!. فليحذر العاقل في هذا الموضوع عن الوقيعة فيهم وذكر زلاتهم ومساويهم.

و أخبرني جدي احمد بن المهاجر رحمه‌الله قال اخبر أبوعلى الهروي قال أخبرنا المأمون قال أخبرنا عطية عن ابن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب قال قال رسول الله صلّى الله عليه: يكون من أصحابي احداث بعدي، يعني الفتنة التي كانت بينهم، فيغفرها الله لهم لسابقتهم، ان اقتدى بهم قوم من بعدهم كبهم الله في نار جهنم.

قال ابن لهيعة: هذا رأيي منذ سمعت هذا الحديث »(١) .

و قال المتقي: « تكون بين أصحابي فتنة يغفر الله لهم لسابقتهم، ان

__________________

(١). زين الفتى في تفسير سورة هل أتى - مخطوط.


اقتدى بهم قوم من بعدهم كبهم الله تعالى في نار جهنم. نعيم عن [ ابن ] يزيد ابن أبي حبيب، مرسلا »(١) .

٦ - اعترافهم بعدم أهليتهم للاقتداء بهم

ان في كتب أهل السنة أحاديث كثيرة فيها اعتراف الصحابة أنفسهم بعدم أهليتهم للاقتداء بهم، ويكفي من أقوال أبي بكر بن أبي قحافة:

قوله: ان لي شيطاناً يعتريني.

- لست بخير من أحدكم فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني.

- أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.

- أفتظنون أنى أعمل بسنة رسول الله، اذاً لا أقوم بها؟.

ومن أقوال عمر بن الخطاب:

قوله: يا حذيفة بالله أنا من المنافقين.

- لولا علي لهلك عمر ( في قضايا كثيرة ).

- لولاك لافتضحنا ( قاله لعلي عليه‌السلام ).

- امرأة خاصمت عمر فخصمته ( في مسألة المهر ).

- امرأة أصابت ورجل أخطأ.

- ألا تعجبون من امام أخطأ ومن امرأة أصابت؟ ناضلت امامكم فنضلته.

- تسمعوننى أقول مثل هذا فلا تنكرونه، حتى تردّ علي امرأة ليست من أعلم النساء؟

- كل أحد أفقه مني.

- كل أحد أفقه من عمر.

__________________

(١). كنز العمال ٢٢ / ١٧٤.


- كل أحد أعلم من عمر.

- كل أحد أعلم وأفقه من عمر.

- كل أحد أعلم منك حتى النساء.

- كل أحد افقه من عمر حتى النساء.

- كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال.

- كل الناس أعلم من عمر حتى العجائز.

وهذه كلها موجودة في كتب أهل السنة كما لا يخفى على من راجع ( تشييد المطاعن ) وغيره.

فهل يصح تشبيه هكذا أناس بالنجوم؟!


تفنيد كلام الدّهلوى

في حاشية التّحفة



ومن الغريب قول ( الدهلوي ) في حاشية ( التحفة ) في هذا المقام:

فان قلت: اجتهاد بعض الصحابة خطأ بيقين، فكيف وعد الهداية في اتباعهم جميعاً؟.

قلنا: محل اتباعهم ما كان غير منصوص في الكتاب والسنة، ولا شبهة ان تيقن الخطأ انما يكون في المنصوصات، وهي ليست محلا لاتباعهم.

والحاصل: ان اتباعهم دليل الهداية ما لم يظهر خطؤهم بمقتضى الكتاب والسنة، فلا إشكال. شرح الارشاد.

أقول: وهذا الكلام مردود بوجوه:

١ - المخطىء لا يكون هاديا ً

من كان اجتهاده خاطئاً بيقين لا يجوز ان يكون هادياً.

٢ - الخطأ في غير المنصوصات أكثر

اذا كان بعضهم يخطأ في اجتهاده فيخالف منصوصات الكتاب، فانه


يكون خطؤه في غير المنصوصات أكبر وأكثر.

٣ - لا يجوز متابعة المخطىء مع وجود المعصوم

انه لا ريب في عصمة أئمة اهل البيت عليهم‌السلام عن الخطأ، لدلالة آية التطهير وحديث الثقلين وغيرهما من الآيات والروايات على ذلك - ومع وجود هؤلاء لا يعقل ان يجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخاطئين بمنزلة النجوم

على ان في اصحابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تتلو مرتبتهم مرتبة الأئمة عليهم‌السلام . امثال أبي ذر وسلمان والمقداد وعمار رضي الله عنهم أجمعين فترك هؤلاء واتباع الخاطئين ظلم عظيم. تعالى الله عن ذلك ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤ - الاختلاف بين الاصحاب في الاحكام

انه لا شك في وقوع الاختلاف بين الصحابة في الاحكام الشرعية - المنصوصة منها وغيرها - وهو موضوع كتاب ( الانصاف في بيان سبب الاختلاف لشاه ولى الله والد الدهلوي ) وجعل هؤلاء قادة للامة وتشبيههم بالنجوم من حيث الهداية قبيح في الغاية، يجل عنه كل عاقل فضلا عن خاتم النبيين واشرف الخلائق أجمعين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥ - تخطئة الاصحاب بعضهم لبعض

لقد كان باب التخطئة مفتوحاً لدى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل قد تجاوزت تخطئة بعضهم البعض حد الاعتدال وبلغت التكذيب والتجهيل التكفير، وتلك قضاياهم مدونة في كتب أهل السنة وأسفارهم، فكيف يصدق عاقل ان يكونوا جميعاً - والحالة هذه - أئمة في الدين وقادة المسلمين؟!


٦ - استعمالهم القياس

لقد كان في الاصحاب من يستعمل القياس ويتبع في ذلك سبيل أول من قاس ومن كان مخطئاً بيقين في المنصوصات ومستعملا للقياس في غيرها لا يستحق ان يكون نجم هداية.

٧ - جهلهم بالاحكام

لقد كان في الاصحاب - ومنهم المشايخ الثلاثة - من يرجع في الحوادث الواقعة الى غيره ملتمساً الحكم الشرعي فيها، بل كان فيهم من يعترف بأن « كل الناس أفقه منه حتى المخدرات في الحجال ».

ومن المستحيل ان ينصب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هؤلاء الجهال مراجع للامة في الاحكام وغيرها

بل كان فيهم من يحكم - لفرط جهله - احكاماً مختلفة متناقضة في الواقعة الواحدة

بل كان فيهم من لم يعرف معنى « الكلالة » رغم وجودها في القرآن الكريم وتفسير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها، وقد روي عن أبي بكر انه قال: « انى قد رأيت في الكلالة رأياً، فان كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له وان يكن خطأ فمني والشيطان، والله بريء منه »(١) .

وقد روي في هذا المقام عن عمر بن الخطاب عجائب، رواها الطبري في تفسيره، وقد ذكرت بالتفصيل في ( تشييد المطاعن ).

والأعجب أنه كان الخليفة متى قرأ قوله تعالى: ( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) قال: « اللهم من تبينت له الكلالة فلم تتبين لي ».

ولقد كان يقول « ما اراني أعلمها أبداً، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال » يشير الى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحفصة: « ما أرى أباك يعلمها

__________________

(١). راجع تفسير الطبري ٤ / ٢٨٣ - ٢٨٤.


أبداً ».

بل روي عنه أنه كان يقول « ثلاث لان يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهن لنا أحبّ الىّ من الدنيا وما فيها: الخلافة والكلالة والربا ».

٨ - اقدام بعضهم على معاملة محرمة

لقد أقدم بعض كبار الصحابة في بعض معاملاته على أمر محرّم باطل، سبب بطلان حجّه وجهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على حدّ تعبير عائشة بنت أبي بكر.

وقد روى هذا الاثر كبار المحدثين في كتب المحدثين، وأئمة الفقه في كتبهم ومشاهير العلماء في التفسير وعلم الاصول في مؤلفاتهم، وإليك نصوص عبارات طائفة من هؤلاء الاعلام:

قال عبد الرحمن بن القاسم المالكي في كتاب ( المدوّنة الكبرى ): « وأخبرني ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أم يونس أن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالت لها أم محبة أم ولد لزيد بن أرقم الانصاري: يا أم المؤمنين! أتعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم! قالت: فاني بعته عبداً الى العطاء بثمان مائة، فاحتاج الى ثمنه فاشتريته منه قبل الأجل بستمائة. فقالت بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب. قالت: فقلت: أفرأيت ان تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ قالت: فنعم! من جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ».

وقال عبد الرزاق بن همام الصنعاني في ( المصنف ) « أخبرنا معمر والثوري عن أبي اسحق السبيعي، عن امرأة دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين! كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمان مائة درهم ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدته الستمائة وكتب عليه ثمان مائة فقالت عائشة: بئس ما اشتريت وما بئس ما اشترى! أخبري زيد بن


أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم الا أن يتوب، فقالت المرأة لعائشة: أرأيت ان أخذت رأس مالي ورددت اليه الفضل! فقالت: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ».

وقال أحمد بن حنبل الشيباني في ( مسنده ) « حدّثنا محمد بن جعفر: حدّثنا شعبة، عن أبي اسحاق، عن امرأة ( امرأته. ظ ) أنها دخلت على عائشة - هي وأم ولد زيد بن أرقم - فقالت أم ولد زيد بن أرقم لعائشة: اني بعت من زيد غلاماً بثمان مائة درهم نسية واشتريت بستمائة نقداً، فقالت عائشة: أبلغي زيداً أنك قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا أن تتوب! بئس ما اشتريت وبئس ما شريت! ».

وقال أبو بكر أحمد بن محمد المعروف بالجصاص الرازي الحنفي في كتاب ( أحكام القرآن ) في شرح أحكام آية الربا: « ومن الربا المراد من الاية شرى ما يباع بأقل من ثمنه قبل نقد الثمن. والدليل على أن ذلك رباً حديث يونس ابن اسحاق ( أبى اسحق. ظ ) عن أبيه عن أبي العالية قال ( العالية، قالت. ظ ) كنت عند عائشة فقالت لها امرأة: اني بعت زيد بن أرقم جارية لي الى عطائه بثمان مائة درهم وأنه أراد أن يبيعها فاشتريتها منه بستمائة، فقالت: بئسما شريت وبئسما اشتريت أبلغى زيد بن أرقم أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب! فقالت: يا أم المؤمنين! أرأيت ان لم آخذ الا رأس مالي فقالت: ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ) ، فدلّت تلاوتها لاية الربا عند قولها « أرأيت ان لم آخذ الا رأس مالي » أن ذلك كان عندها من الربا، وهذه التسمية طريقها التوقيف ».

وقال أبوزيد عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي الحنفي في كتاب ( تأسيس النظر ) في مسائل مبحث تقديم قول الصحابي على القياس: « ومنها اذا اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن لا يجوز، أخذنا بحديث عائشة رضي الله عنها وحديث زيد بن أرقم فحكمنا بفساد البيع وتركنا القياس،


وعند الامام أبي عبد الله الشافعي: البيع جائز، وأخذ فيه بالقياس ».

وقال شمس الائمة أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي في كتاب ( المبسوط ): « واذا باع رجل شيئاً بنقد أو بنسية فلم يستوف ثمنه حتى اشتراه بمثل ذلك الثمن أو أكثر منه جاز، وان اشتراه بأقل من ذلك الثمن لم يجز ذلك في قول علمائنا رحمهم‌الله استحساناً، وفي القياس يجوز ذلك وهو قول الشافعي، لان ملك المشتري قد تأكد في المبيع بالقبض فيصح بيعه بعد ذلك بأي مقدار من الثمن باعه، كما لو باعه من غير البائع، ألا ترى أنه لو وهبه من البائع جاز ذلك، فكذلك اذا باعه منه بثمن يسير، ولأنه لو باعه من انسان آخر ثم باعه ذلك الرجل من البائع الاول بأقل من الثمن الاول جاز، فكذلك اذا باعه المشتري منه.

الا أنّا استحسنا لحديث عائشة، رضي الله عنها، فان امرأة دخلت عليها وقالت: اني بعت من زيد بن أرقم جارية لي بثمان مائة درهم الى العطاء ثم اشتريتها منه بستمائة درهم قبل محل الاجل. فقالت عايشة رضي الله عنها: بئسما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم شريت وبئس أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب فأتاها زيد بن أرقم معتذراً، فتلت قوله تعالى: ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) .

فهذا دليل على أن فساد هذا العقد كان معروفاً بينهم، وأنها سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لان أجزية الجرائم لا تعرف بالرأي، وقد جعلت جزاءه على مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد، فعرفنا من ذلك كالمسموع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعتذار زيد رضي‌الله‌عنه اليها دليل على ذلك لانّ في المجتهدات كان يخالف بعضهم بعضاً، وما كان يعتذر أحدهم الى صاحبه فيها ».

وقال ملك العلماء علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاشاني الحنفي في كتاب ( بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ) في مسألة « شراء ما باع بأقل من ثمنه قبل نقد الثمن »: « ولنا ما روي أن امرأة جاءت الى سيدتنا عائشة


رضي الله عنها وقالت: اني ابتعت خادماً من زيد بن أرقم بثمانمائة ثم بعتها بستمائة، فقالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيداً ان الله تعالى قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب.

ووجه الاستدلال به من وجهين:

أحدهما أنها ألحقت بزيد وعيداً لا يوقف عليه بالرأي، وهو بطلان الطاعة بما سوى الردة، فالظاهر أنها قالته سماعاً من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يلتحق الوعيد الّا بمباشرة المعصية، فدلّ على فساد البيع لان البيع الفاسد معصية.

والثاني: أنها رضي الله عنها سمّت ذلك بيع سوء وشراء سوء، والفاسد هو الذي يوصف بذلك لا الصحيح ».

وقال برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني في ( الهداية ) « قال: ومن اشترى جارية بألف درهم حالة أو نسية فقبضها، ثم باعها من البائع بخمس مائة درهم قبل أن ينقد الثمن، لا يجوز البيع الثاني، وقال الشافعي: يجوز لانّ الملك قد تم فيها بالقبض فصار البيع من البائع ومن غيره سواء، وصار كما لو باع بمثل ثمن الاول أو بالزيادة أو بالعوض. ولنا: قول عائشة (رض) لتلك المرأة وقد باعت بستمائة. بعد ما اشترت بثمان مائة: بئس ما شريت واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن الله قد أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب! ».

وقال مجد الدين مبارك بن محمد المعروف بابن الاثير الجزري الشافعي « أم يونس، قالت: جاءت أم ولد زيد بن أرقم الى عائشة فقالت: بعت جارية من زيد بثمانمائة درهم الى العطاء ثم اشتريها منه قبل حلول الاجل بستمائة، وكنت شرطت عليه أنك ان بعتها فأنا أشتريها منك، فقالت لها عائشة: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب منه. قالت: فما


نصنع؟ فتلت عائشة: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره الى الله ومن عاد فينتقم الله منه، فلم ينكل أحد على عائشة والصحابة متوفرون. ذكره رزين ولم أجده « في الاصول».

وقال مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله الحراني في كتاب ( المنتقى ) « باب ان من باع سلعة بنسية لا يشتريها بأقل مما باعها. عن أبى اسحاق السبيعي، عن امرأته انها دخلت على عائشة فدخلت معها ام ولد زيد بن أرقم، فقالت: يا ام المؤمنين! اني بعت غلاماً من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسية واني ابتعته منه بستمائة نقداً، فقالت لها عائشة: بئس ما اشتريت وبئس ما شريت، ان جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بطل الّا أن يتوب. رواه الدارقطني ».

وقال ابو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي في ( جامع مسانيد ابو حنيفة ) « ابو حنيفة، عن ابي اسحاق السبيعي عن امرأة أبى السفر أن امرأة قالت لعائشة (رض): ان زيد بن أرقم باعني جارية بثمان مائة درهم ثم استردّها مني بستمائة درهم، فقالت: أبلغيه عنّي أن الله أبطل جهاده مع رسول الله ان لم يتب ».

وقال أبو البركات عبد الله بن أحمد المعروف بحافظ الدين النسفي في ( كشف الاسرار - شرح المنار ): « وقد اتفق عمل أصحابنا بالتقليد فيما لا يعقل بالقياس كما في أقل الحيض، أخذاً بقول أنس، وشراء ما باع بأقل مما باع قبل بعد الثمن، عملا بقول عائشة رضي الله عنها في قصة زيد بن أرقم ».

وقال علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري في ( كشف الاسرار - شرح أصول البزدوي ): « وأفسدوا شراء ما باع بأقل مما باع، يعني قبل أخذ الثمن، مع أن القياس يقتضي جوازه كما قال الشافعي، لان الملك في المبيع قدتم بالقبض للمشتري فيجوز بيعه من البائع بما شاء كالبيع من غيره وكالبيع بمثل الثمن منه، عملا بقول عائشة رضي الله عنها، وهو ما روت أم يونس أن امرأة جاءت الى عائشة رضي الله عنها وقالت: اني بعت من زيد بن أرقم


خادماً بثمان مائة درهم الى العطاء فاحتاج الى ثمنه فاشتريته منه قبل محل الاجل بستمائة، فقالت عائشة رضي الله عنها: بئسما شريت واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل جهاده وحجه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب. فأتاها زيد ابن أرقم معتذراً، فتلت قوله تعالى: ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) . فتركنا القياس به لان القياس لما كان مخالفاً لقولها تعين جهة السماع فيه. والدليل عليه أنها جعلت جزاءه على مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد، وأجزئة الجرائم لا تعرف بالرأى، فعلم ان ذلك كالمسموع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واعتذار زيد اليها دليل على ذلك أيضاً، فان بعضهم كان يخالف بعضاً في المجتهدات وما كان يعتذر الى صاحبه ».

وقال حسن بن محمد الطيبي في ( كاشف - شرح مشكوة ) في باب الربا في شرح حديث « مح(١) »: احتج أصحابنا بهذا الحديث أن الحيلة التي يعملها بعض الناس توصلا الى مقصود الربا ليس بحرام، وذلك أن من أراد أن يعطى صاحبه مائة درهم بمائتين فيبيعه بمائتين ثم يشتري منه بمائة، لانه صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: بع هذا واشتر بثمنه من هذا، وهو ليس بحرام عند الشافعي.

وقال مالك وأحمد: هو حرام.

أقول: وينصره ما رواه رزين في كتابه عن أم يونس انها قالت: جاءت أم ولد زيد بن أرقم الى عائشة رضي الله عنها فقالت: بعت جارية من زيد بثماني مائة درهم الى العطاء ثم اشتريتها منه قبل حلول الاجل بستمائة، وكنت شرطت عليه أنك ان بعتها فأنا أشتريها منك، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: بئس ما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيد بن ارقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب منه. قالت: فما

__________________

(١). أى: قال محيي الدين النووي في « شرح مسلم ».


يصنع: فتلت عائشة رضي الله عنها: ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ) تعالى الآية. فلم ينكر أحد على عائشة، والصحابة متوفرون ».

وقال فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي في ( تبيين الحقائق - شرح كنز الدقائق ): « قال: وشراء ما بالاقل قبل النقد، ومعناه أنه لو باع شيئاً وقبضه المشتري ولم يقبض البائع الثمن فاشتراه بأقل من الثمن الاول لا يجوز، وقال الشافعي ( رح ) يجوز، وهو القياس، لان الملك قد تم بالقبض فيجوز بيعه بأي قدر كان من الثمن، كما اذا باعه من غير البائع أو منه بمثل الثمن الاول أو بأكثر أو بعرض أو بأقل بعد النقد.

ولنا: ما روى عن أبي اسحاق السبيعي، عن امرأة انها دخلت على عائشة رضي الله عنها فدخلت معها أم ولد زيد بن ارقم، فقالت: يا أم المؤمنين اني بعت غلاماً من زيد بن أرقم بثمان مائة درهم نسيئة واني ابتعته منه بستمائة نقداً، فقالت لها عائشة: بئسما شرى! ان جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بطل الا أن يتوب. رواه الدارقطني.

فهذا الوعيد دليل على أن هذا العقد فاسد، وهو لا يدرك بالرأي فدل على أنها قالته سماعا، ولا يقال: قد روى أنها قالت: اني بعته الى العطاء، فلعلها أنكرت عليها لذلك. لانا نقول: كانت عائشة رضي الله عنها ترى البيع الى العطاء ولان الثمن لم يدخل في ضمان البائع قبل قبضه، فاذا عاد اليه عين ما له بالصفة التي خرج من ملكه وصار بعض الثمن قصاصاً ببعض بقي له عليه فضل بلا عوض، فكان ذلك ربح ما لم يضمن، وهو حرام بالنص ».

وقال أبو الفدا اسمعيل بن عمر بن كثير الدمشقي في ( تفسيره ): « وقال ابن أبي حاتم: قرأ على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: أخبرنا ابن وهب، أخبرني جرير بن حازم، عن أبي اسحاق الهمداني، عن أم يونس - يعني امرأته العالية بنت أيفع - ان عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت لها أم بحنه ( محبة ظ ): ام ولد زيد بن أرقم: يا أم المؤمنين: أتعرفين زيد بن أرقم:


قالت نعم! قالت: فاني بعته عبداً الى العطاء بثمانمائة فاحتاج الى ثمنه فاشتريته قبل محل الاجل بستمائة، فقالت: بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بطل ان لم يتب. قالت: فقلت أرأيت تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ قالت: نعم! ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) .

وهذا الاثر مشهور وهو دليل لمن حرم مسئلة العينة، مع ما جاء فيها من الاحاديث المذكورة المقررة في كتاب الاحكام، ولله الحمد والمنة »(١) .

قال أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي في ( العناية ): « وحاصل ذلك أن شراء ما باع لا يخلو من أوجه، اما ان يكون من المشتري بلا واسطة أو بواسطة شخص آخر والثاني جائز بالاتفاق مطلقاً: أعنى سواء اشترى بالثمن الاول أو بأنقص أو بأكثر أو بالعرض، والاول اما أن يكون بأقل أو بغيره، والثاني بأقسامه جائز بالاتفاق، والاول هو المختلف فيه، الشافعي (ره) جوزه قياسا على الأقسام الباقية وبما إذا باع من غير البائع فانه جائز أيضاً بالاتفاق، ونحن لم نجوزه بالاثر والمعقول.

أما الاثر: فما قال محمد: حدثنا أبو حنيفة يرفعه الى عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألتها فقالت: اني اشتريت من زيد بن أرقم جارية بثمانية مائة درهم الى العطاء، ثم بعتها منه بستمائة درهم قبل محل الاجل فقالت عائشة رضي الله عنها: بئسما اشتريت! أبلغي زيد بن أرقم ان الله تعالى قد أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب، فأتاها زيد بن أرقم معتذراً، فتلت عليه قوله تعالى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ.

ووجه الاستدلال انها جعلت جزاء مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأجزية الافعال لا تعلم بالراي فكان مسموعاً من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعقد الصحيح لا يجازى بذلك

__________________

(١). تفسير ابن كثير ١ / ٣٢٧.


فكان فاسداً وان زيداً اعتذر اليها، وهو دليل على كونه مسموعاً لان في المجتهدات كان بعضهم يخالف بعضاً، وما كان أحدهما يعتذر الى صاحبه، وفيه بحث، لجواز أن يقال الحاق الوعيد لكون البيع الى العطاء هو أجل مجهول. والجواب أنه ثبت من مذهبها جواز البيع الى العطاء وهو أجل مجهول. والجواب أنه ثبت من مذهبها جواز البيع الى العطاء وهو مذهب علي رضي الله عنها فلا يكون كذلك، ولانها كرهت العقد الثاني حيث قالت: بئسما شريت، مع عرائه عن هذا المعنى، فلا يكون لذلك بل لانهما تطرقا به الى الثاني. فان قيل: القبض غير مذكور في الحديث فيمكن أن يكون الوعيد للتصرف في المبيع قبل قبضه. احبيب بأن تلاوتها آية الربا دليل على أنه للربا لا لعدم القبض ».

وقال جلال الدين الخوارزمي الكرماني في ( الكفاية ): « ولنا: قول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة، وهو أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله تعالى عنها وقالت: اني اشتريت من زيد بن أرقم جارية الى العطاء بثمان مائة درهم ثم بعتها منه بستمائة. فقالت عائشة: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت! أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب عن هذا. فأتاها زيد بن أرقم معتذراً، فتلت قوله تعالى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ.

فهذا الوعيد الشديد دليل على فساد هذا العقد، والحاق هذا الوعيد لهذا الصنع لا يهتدي اليه العقل، اذ شيء من المعاصي دون الكفر لا يبطل شيئاً من الطاعات الا أن يثبت شيء من ذلك بالوحي، فدل على أنها قالته سماعا، واعتذار زيد اليها دليل على ذلك، لان في المجتهدات كان يخالف بعضهم بعضا وما كان يعتذر أحد الى صاحبه فيها. ولا يقال: انما الحقت الوعيد بن للاجل الى العطاء. لانا نقول: ان مذهب عائشة رضي‌الله‌عنه جواز البيع الى العطاء ولانها قد كرهت العقد الثاني بقولها: بئس ما شريت. وليس فيه هذا المعنى وانما ذمت البيع الاول وان كان جائزاً عندها، لانه صار ذريعة الى البيع الثاني الذي هو موسوم بالفساد، وهذا كما يقول


لصاحبه: بئس البيع الذي أوقعك في هذا الفساد وان كان البيع جائزاً.

فان قيل: يحتمل أنها ذمت البيع الاول لفساده بجهالة الاجل وأنها رجعت عن تجويز البيع الى العطاء والبيع الثاني، لانه بيع المبيع قبل القبض اذ القبض لم يذكر في الحديث. قلنا: الرجوع لم يثبت وانما ذمت البيع الثاني لاجل الربا حتى تلت عليه آية الربا، وليس في بيع المبيع قبل القبض الربا ».

وقال أبو اسحق ابراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبى في كتاب ( الموافقات في أصول الاحكام ): « والثاني من الاطلاقين أن يراد بالبطلان عدم ترتب آثار العمل عليه في الاخوة وهو الثواب. ويتصور ذلك في العبادات والعادات فتكون العبادة باطلة بالاطلاق الاول فلا يترتب عليها جزاء لانها غير مطابقة لمقتضى الامر بها، وقد تكون صحيحة بالاطلاق الاول ولا يترتب عليها ثواب أيضاً، فالاول كالمتعبد رئاء الناس فان تلك العبادة غير مجزئة ولا يترتب عليها ثواب والثاني كالمتصدق بالصدقة يتبعها بالمن والاذى وقد قال تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ * وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ ) ، الاية. وقال ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) . و في الحديث: « أبلغى زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب، على تأويل من جعل الابطال حقيقة ».

وقال بدر الدين محمود بن أحمد العيني في ( شرح الهداية ): « (ص): ولنا قول عائشة رضي‌الله‌عنه لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعد ما اشترت بثمان مائة: بئسما شريت! أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى قد أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب.

( ش ): هذا أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: أخبرنا معمر والثوري عن أبي اسحاق عن امرأة أنها دخلت على عائشة في نسوة فسألت امرأة فقالت: يا ام المؤمنين! كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمان مائة الى العطاء ثم


ابتعتها منه بستمائة فنقدت له الستمائة. فقالت عائشة: بئسما شريت وبئسما اشتريت أخبرى زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا أن يتوب. فقالت المرأة لعائشة رضي الله عنها: أرأيت ان أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل؟ فقالت: من جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ. وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننيهما عن يونس بن أبي اسحاق الهمداني عن امه العالية، قالت: كنت قاعدة عند عائشة رضي الله عنها فأتتها ام محبة فقالت: انى بعت زيد بن أرقم جارية الى العطاء. فذكرا بنحوه.

وقال الدارقطني: ام محبة وام العالية مجهولتان لا يحتج بهما. ( قلت ): بل العالية امرأة معروفة جليلة القدر، ذكرها ابن سعد في ( الطبقات ) فقال: العالية بنت أيفع بن شرحبيل. امرأة أبي اسحاق السبيعي: سمعت من عائشة رضي الله عنها. وأم محبة بضم الميم وكسر الحاء. كذا ضبطه الدارقطني في كتاب ( المؤتلف والمختلف ).

ورواه أبو حنيفة في مسنده عن أبي اسحاق السبيعي عن امرأة أبي السفر أن امرأة سألت عن عائشة فقالت: ان زيد بن أرقم باعني جارية بثمان مائة واشتراها مني بستمائة فقالت: أبلغي عن زيد بن أرقم أن الله عز وجل قد أبطل جهاده ان لم يتب.

وجه الاستدلال أنها جعلت جزاء مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب، وأجزية الجرائم لا تعلم بالراي فكان مسموعاً من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعقد الصحيح لا يجازى بذلك فكان فاسداً وان زيداً اعتذر اليها، وهو دليل على كونه مسموعاً، وفي المجتهدات كان بعضهم يخالف بعضاً وما كان أحدهما يعتذر الى صاحبه. فان قلت: يجوز أن يكون الحاق الوعيد لكون البيع الى العطاء وهو أجل مجهول. ( قلت ): ثبت من مذهب عائشة رضي الله عنها جواز البيع الى العطاء وهو مذهب علي وابن أبي ليلى وآخرين ولم يكن كذلك. فان قلت: لم كرهت العقد الاول مع أن الفساد من الثاني؟ قلت لانها تطرق به الى


الثاني، كالسفر يكون محظوراً اذا كان لقطع الطريق وان كان السفر مباحاً في نفسه. فان قلت: القبض غير مذكور في الحديث فيمكن أن يكون الوعيد للتصرف في المبيع قبل القبض. قلت: تلاوتها آية الربا دليل على أنه للربا لا لعدم القبض ».

وقال ابن الهمام السيواسي في ( فتح القدير ): « ولنا: قول عائشة رضي الله عنها الى آخر ما نقله المصنف عن عائشة، يفيد أن المرأة هي التي باعت زيداً بعد أن اشترت منه وحصل له الربح لان « شريت » معناه « بعت »، قال تعالى: شروه بثمن بخس. أي: باعوه، وهو رواية أبي حنيفة فانه روى في مسنده عن أبي اسحاق السبيعي عن امرأة أبى السفر أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها ان زيد بن أرقم باعني جارية بثمانمائة درهم ثم اشتراها مني بستمائة. فقالت: أبلغيه أن الله أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب. ففي هذا أن الذي باع زيد ثم استرد وحصل الربح له، ولكن رواية غير أبي حنيفة من أئمة الحديث عكسه.

روى الامام أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي اسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وام ولد زيد بن أرقم فقالت ام ولد زيد لعائشة: اني بعت من زيد غلاماً بثمان مائة درهم نسية واشتريته بستمائة نقداً. فقالت أبلغي زيداً أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا أن تتوب بئسما شريت وبئسما اشتريت وهذا فيه أن الذي حصل له الربح هي المرأة قال ابن عبد الهادي في « التنقيح »: هذا اسناد جيد وان كان الشافعي قال: لا يثبت مثله عن عائشة. وقول الدارقطني في العالية « هي مجهولة لا يحتج بها » فيه نظر، فقد خالفه غير واحد، ولو لا أن عند ام المؤمنين علماً من رسول الله أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد. وقال غيره: هذا مما لا يدرك بالرأي. والمراد بالعالية امرأة أبي اسحاق السبيعي التي ذكر أنها دخلت مع ام ولد على عائشة.


قال ابن الجوزي: قالوا ان العالية امرأة مجهولة لا يحتج بنقل خبرها. قلنا: هي امرأة جليلة القدر، ذكرها ابن سعد في « الطبقات » فقال: العالية بنت أنفع بن شراحيل، امرأة أبي اسحاق السبيعي. سمعت من عائشة. وقولها: بئسما شريت، أي بعت. قال تعالى: وشروه بثمن بخس. أي باعوه. وانما ذمت العقد الاول لانه وسيلة، وذمت الثاني لانه مقصود بالفساد.

وروى هذا الحديث على هذا النحو عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر والثوري عن أبي اسحاق السبيعي عن امرأة أنها دخلت على عائشة في نسوة فسألتها أمرأة فقالت: كانت لي جارية فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة الى العطاء ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدته ستمائة وكتب لي عليه ثمانمائة. فقالت عائشة: - الى قولها - الا أن يتوب. وزاد: فقالت المرأة لعائشة: أرأيت ان أخذت راس مالي ورددت عليه الفضل؟ فقالت: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف. لا يقال: ان قول عائشة وردها لجهالة الاجل وهو البيع الى العطاء فان عائشة كانت ترى جواز الاجل الى العطاء، ذكره في ( الاسرار ) وغيره ».

وقال ابن أمير الحاج الحلبي في كتاب ( التقرير والتحبير ) في مسئلة الحاق قوله الصحابي بالسنة: « وفساد بيع ما اشترى قبل نقد الثمن لقول عائشة لام ولد زيد بن أرقم - لما قالت لها: اني بعت من زيد غلاماً بثمانمائة درهم نسيئة واشتريته بستمائة نقداً -: أبلغى زيداً أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا أن تتوب بئسما اشتريت وبئسما شريت. رواه أحمد. قال ابن عبد الهادي: اسناده جيد ».

وقال عبد اللطيف بن عبد العزيز الحنفي المعروف بابن الملك في ( شرح المنار ): « وكفساد شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن مع أن القياس يقتضى جوازه عملا بقول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة القائلة: اني بعت خادماً من زيد بن أرقم بثمان مائة درهم الى العطاء فاحتاج الى ثمنه فاشتريته منه بستمائة، قالت: بئسما شريت واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم


أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله عليه‌السلام ان لم يتب ».

وقال زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر المعروف بابن العيني في ( شرح المنار ): « وشراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن أفسدوه بقوله عائشة للتي قالت: اني بعت من زيد بن أرقم خادماً بثمانمائة درهم الى العطاء فاحتاج الى ثمنه فاشتريته قبل محل الاجل بستمائة: بئسما شريت واشتريت! أبلغى زيد ابن أرقم أن الله أبطل جهاده وحجه مع رسول الله عليه‌السلام ان لم يتب ».

وقال جلال الدين السيوطي في تفسيره ( الدر المنثور ): « وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عائشة أن امرأة قالت لها: اني بعت زيد بن أرقم عبداً الى العطاء بثمانمائة فاحتاج الى ثمنه فاشتريته قبل محل الاجل بستمائة: فقالت: بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغى زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب. قلت أفرأيت ان تركت المائتين وأخذت الستمائة! فقالت: نعم! من جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ».(١)

وقال في ( عين الاصابة ): « أخرج عبد الرزاق في ( المصنف ) والدارقطني والبيهقي في ( سننهما ) عن أبي اسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة في نسوة فسألتها امرأة فقالت: يا ام المؤمنين! كانت لنا جارية فبعتها من زيد ابن أرقم بثمانمائة الى العطاء ثم ابتعتها منه بستمائة فنقدته الستمائة وكتب عليه ثمانمائة: فقالت عائشة: بئسما اشتريت وبئسما شريت، أبلغى زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا أن يتوب. فقالت المرأة لعائشة: أرأيت ان أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل؟ قالت: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ».

وقال عبد الرحمن بن علي الشهير بابن الديبع الشيباني في ( تيسير الوصول ): « وعن ام يونس، قالت: جاءت ام ولد زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه

__________________

(١). الدر المنثور ١ / ٣٦٥.


الى عائشة رضي الله عنها فقالت: بعت جارية من زيد بثمانمائة درهم الى العطاء ثم اشتريتها منه قبل حلول الاجل بستمائة درهم وكنت شرطت عليه أنك ان بعتها فأنا اشتريتها منك. فقالت عائشة رضي الله عنها: بئس ما شريت، وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب منه. قالت فما يصنع؟ فتلت عائشة رضي الله عنها: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ. الاية. فلم ينكر أحد على عائشة رضي الله عنها، والصحابة رضي الله عنهم متوفرون ».

وقال زين الدين الشهير بابن نجيم المصري في ( البحر الرائق - شرح كنز الدقائق ):

« قوله: وشراء ما باع بالاقل قبل النقد. أي لم يجز شراء البائع ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن، فهو مرفوع عطفاً على البيع لا أنه مجرور عطفاً على المجرورات لانه لو كان كذلك لصار المعنى لم يجز بيع شراء، وهو فاسد وانما منعنا جوازه استدلالا بقول عائشة (رض) لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعد ما اشترت بثمانمائة: بئس ما شريت واشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب ».

وقال الملا علي القاري في ( المرقاة - شرح المشكاة ) في شرح حديث تمر جنيب بعد ذكر الاختلاف في مسئلة الاحتيال في الربا: « قال الطيبي رحمه‌الله : وينصر قول مالك وأحمد ما رواه رزين في كتابه عن ام يونس أنها قالت: جاءت ام ولد لزيد بن أرقم الى عائشة رضي الله عنها فقالت: بعت جارية من زيد بثمانمائة درهم الى العطاء ثم اشتريتها قبل حلول الاجل بستمائة وكنت شرطت عليه أنك ان بعتها فأنا أشتريها منك فقالت لها عائشة رضي الله عنها: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب. قالت: فما يصنع؟ قالت: فقالت عائشة: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ. فلم ينكر أحد على عائشة، والصحابة متوفرون ».


وقال محمد بن حسن بن أحمد الكواكبي مفتي حلب الشهباء في كتاب ( الفوائد السنية - شرح الفوائد السنية ):

ومن شرى ما باع بالاقل

من الذي باع به من قبل

والثمن الاول ما كان نقد

فذا شراؤه يقيناً قد فسد

أي: ان اشترى جارية مثلا بألف درهم حالة أو نسية فقبضها ثم باعها من البايع بخمسمائة قبل ان ينقد الثمن الاول لا يجوز البيع الثاني، لقول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة وقد باعت جارية من زيد بن أرقم بثمانمائة الى العطاء ثم ابتاعتها منه بستمائة وكتبت عليه ثمانمائة: بئس ما اشتريت وبئس ما اشترى اخبرى زيد بن أرقم ان الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب ».

وقال الملا أحمد بن أبى سعيد بن عبيد الله الحنفي في ( نور الانوار - شرح المنار ) « وشراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن الاول فان القياس يقتضى جوازه، ولكنا قلنا بحرمته جميعاً عملا بقول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعد ما شرت بثمانمائة من زيد بن أرقم: بئس ما شريت واشتريت أبلغي زيد بن أرقم بأن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يتب ».

وقال المولوي عبد العلى بن نظام الدين الانصاري في ( فواتح الرحموت ) في مسئلة « تقليد الصحابي فيما لا يدرك بالرأي » « مثال آخر: روى رزين عن ام يونس، قالت: جاءت ام ولد زيد بن أرقم الى ام المؤمنين عائشة فقالت: بعت جارية من زيد بثمانمائة درهم الى العطاء ثم اشتريتها قبل حلول الاجل بستمائة وكنت شرطت عليه ان بعتها فأنا اشتريتها منك. فقالت لها عائشة: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه وسلّم ان لم يتب منه. قالت: فما نصنع؟ قال: قالت عائشة: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره الى الله ومن عاد فينتقم الله منه. والحكم ببطلان الجهاد لا يكون بالرأي فلا بد من السماع ».


٩ - بيع بعضهم الخمر

لقد كان في الاصحاب من يقول بجواز بيع الخمر، وقد ارتكب هذا الذنب الكبير فعلا، وان ذلك - وان كان عن اجتهاد!! - قد أزعج عمر ابن الخطاب حتى قال: قاتل الله فلاناً باع الخمر؟!

وهذا أيضاً من الاثار المشهورة التي اتفق كافة الرواة والعلماء على نقله:

قال الشافعي في ( مسنده ): « اخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بلغ عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه أنّ رجلا باع خمراً فقال: قاتل الله فلاناً! باع الخمر؟ أما علم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: قاتل اليهود! حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها».

وقال ابو بكر بن ابى شيبة البغدادي: « حدثنا هشيم عن مطيع عن الشعبي عن مسروق، قال: قال عمر: لعن الله فلاناً فانه اول من اذن في بيع الخمر ».(١)

و قال احمد بن حنبل: « حدّثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس ذكر لعمر رضي‌الله‌عنه ان سمرة - وقال مرّة: بلغ عمران سمرة -، باع خمراً، قال: قاتل الله سمرة، ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها »(٢) .

و قال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في ( مسنده ): « حدثنا محمد بن احمد، ثنا سفيان عن عمرو - يعنى ابن دينار - عن طاوس عن ابن عباس قال بلغ عمر أن سمرة باع خمراً فقال: قاتل الله سمرة، أما علم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها. قال سفيان: جملوها أذابوها ».

و قال البخاري في ( الصحيح ) في باب « لا يذاب شحم الميتة ولا يباع

__________________

(١). المصنف ٨ / ١٩٥.

(٢). المسند لاحمد ١ / ٢٥.


ود كه »: « حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار، قال: أخبرني طاوس أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: بلغ عمر أن فلاناً باع خمراً فقال: قاتل الله فلاناً! ألم يعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: قاتل الله اليهود! حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها. حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن ابن شهاب، قال: سمعت سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا اثمانها. قال أبو عبد الله: قاتلهم الله: لعنهم قتل - لعن - الخراصون ».

و قال في باب « ما ذكر عن بني اسرائيل »: « حدثنا على بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس، قال: سمعت عمر رضي‌الله‌عنه يقول: قاتل الله فلاناً! ألم يعلم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها. تابعه جابر وأبو هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

و قال مسلم في ( الصحيح ): « حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب واسحاق بن ابراهيم - واللفظ لابي بكر - قالوا: نا: سفيان بن عيينة عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس، قال: بلغ عمر أن سمرة باع خمراً فقال: قاتل الله سمرة! ألم يعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها. حدثنا امية بن بسطام، نا: يزيد بن زريع، نا: روح - يعني ابن القاسم - عن عمرو بن دينار بهذا الاسناد مثله ».

و قال ابن ماجة في ( السنن ) في باب « التجارة في الخمر »: « حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس، قال: بلغ عمر أن سمرة باع خمراً فقال: قاتل الله سمرة! ألم يعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها ».


و قال النسائي في ( السنن ): « النهى عن الانتفاع بما حرم الله عز وجل. أخبرنا اسحق بن ابراهيم، قال: أخبرنا سفيان عم عمرو عن طاوس عن ابن عباس قال: أبلغ عمر أن سمرة باع خمراً، قال: قاتل الله سمرة! ألم يعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها. قال سفيان: أذابوها ».

وقال الغزالي في ( احياء العلوم ): « ومن الوقت الذي نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الربا فقال: أول ربا أضعفه ربا العباس، ما ترك الناس بأجمعهم كما لم يتركوا شرب الخمر وسائر المعاصي حتى روى أن بعض أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باع الخمر فقال عمر رضي‌الله‌عنه : لعن الله فلاناً، هو أول من سن بيع الخمر ».

و قال عبد الغني بن عبد الواحد بن على بن مسرور الجماعيلي المقدسي الحنبلي في ( عمدة الاحكام ): « عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: بلغ عمر أن فلاناً باع خمراً فقال: قاتل الله فلاناً، ألم يعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها. جملوها: أذابوها ».

و قال ابن الاثير الجزري: « [ خ م س ] ابن عباس، قال: بلغ عمر بن الخطاب أن فلاناً باع خمراً فقال: قاتل الله فلاناً، ألم يعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها. هذه رواية البخاري ومسلم، و أخرجه النسائي قال [ أ ] بلغ عمر أن سمرة بن جندب باع خمراً فقال: قاتل الله سمرة ألم يعلم؟ الحديث ».

وقال علاء الدين علي بن محمد بن ابراهيم البغدادي المعروف بالخازن في تفسيره ( لباب التأويل ) في تفسير الاية: ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ ) : « أجمعت الامة على تحريم بيع الخمر والانتفاع بها وتحريم ثمنها، ويدل على ذلك ما روى عن جابر، قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول عام فتح مكة ان الله تعالى حرم بيع الخمر والانتفاع بها والميتة والخنزير


والاصنام. أخرجاه في ( الصحيحين ) مع زيادة اللفظ ( ق ). عن عائشة، قالت: خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: حرمت التجارة في الخمر.

( ق ). عن ابن عباس، قال: بلغ عمر بن الخطاب أن فلاناً باع خمراً فقال: قاتل الله فلاناً: ألم يعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ».

وقال عماد الدين اسماعيل بن أحمد بن سعيد بن محمد بن الاثير الحلبي الشافعي في ( احكام الاحكام - شرح عمدة الاحكام ) في شرح حديث « قاتل الله فلاناً »: « وفلان الذي كنى عنه هو سمرة بن جندب ».

وقال ابن حجر العسقلاني في ( تلخيص الخبير ): « حديث نهي عن بيع العنب من عاصره. أخرجه الطبراني في الاوسط عن محمد بن أحمد بن أبي خثيمة باسناده عن بريدة، مرفوعاً: من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمراً فقد تقحم النار على بصيرة.

وفي ( الصحيحين ): بلغ عمر بن الخطاب ان فلاناً - يعنى سمرة بن جندب - باع خمراً فقال: قاتل الله فلاناً، الحديث وفي الباب الاحاديث الواردة في لعن بائع الخمر ومبتاعها وحاملها والمحمولة اليه ».

و قال الملا علي المتقى: « عن ابن عباس، قال: بلغ عمر أن سمرة باع خمراً فقال: قاتل لله سمرة! اما علم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: قاتل الله اليهود حرم الله عليهم الشحوم فجمّلوها فباعوها. عب. حم والدارمي والعدني خ. م: ن حب وابن الجارود: وابن جرير. ق »(١) .

وقال: « عن عمر، قال: لعن الله فلاناً أول من أذن في بيع الخمر وان التجارة لا تصح فيما لا يحل أكله وشربه. ش. ق. أي أخرجه ابن أبي شيبة في « المصنف » والبيهقي في « السنن ».

* ورووا ان سمرة قد خلط في فيء المسلمين ثمن الخمر والخنزير، فلما

__________________

(١). كنز العمال ٤ / ٩١.


بلغ ذلك عمر استنكره بشدة، قال المتقي: « عن ابن عباس قال: رأيت عمر يقلب كفيه وهو يقول: قاتل الله سمرة عويمل لنا بالعراق، خلط في فيء المسلمين ثمن الخمر والخنزير، فهي حرام وثمنها حرام عب. ق »(١) .

هذا وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فيما روى عنه الحفاظ - « من باع الخمر فليشقص الخنازير» قال الخازن: « أخرجه أبو داود. قال: والمعنى من استحل بيع الخمر فليستحل بيع الخنازير، فانهما في التحريم سواء ».

بل انه قد ارتقى في أمر الخمر حتى جعل يدلك جسده بدرديه، الامر الذي دعا عمر لان يلعنه على المنبر، وممن روى ذلك فقيه الحنفية فخر الاسلام السرخسي، حيث قال: « ويكره شرب دردي الخمر والانتفاع به، لان الدردي من كل شيء بمنزلة صافيه، والانتفاع بالخمر حرام فكذلك بدرديه، وهذا لان في الدردي اجزاء الخمر، ولو وقعت قطرة من خمر في ماء لم يجز شربه والانتفاع به، فالدردي أولى، والذي روي ان سمرة بن جندب رضي‌الله‌عنه كان يتدلك بدردي الخمر في الحمام، فقد أنكر عليه عمر رضي‌الله‌عنه ذلك حتى لعنه على المنبر لما بلغه ذلك عنه، وليس لاحد ان يأخذ بذلك بعد ما أنكره عمر رضي‌الله‌عنه »(٢) .

* أقول: وقد سبق سمرة بن جندب في هذا الاجتهاد!! خالد بن الوليد - وهو أحد كبار مجتهدي الصحابة؟! فقد كان مولعاً بالخمر غير مرتدع عنه، حتى لقد وبخه عمر فلم ينته فعزله عن الامارة، قال الطبري: « كتب الي السري عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان وأبي حارثة قالا: فما زال خالد على قنسرين حتى غزا غزوته التي اصاب فيها وقسم فيها ما اصاب لنفسه.

__________________

(١). كنز العمال ٤ / ٩١.

(٢). المبسوط ٢٤ / ٢٠.


كتب الي السري عن شعيب عن سيف عن أبي المجالد مثله.

قالوا: وبلغ عمر ان خالداً دخل الحمام فتدلك بعد النورة بثخين عصفر معجون بخمر. فكتب اليه: بلغني انك تدلكت بخمر وان الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه كما حرم ظاهر الاثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر الا ان تغسل كما حرم شربها، فلا تمسوها اجسادكم فانها رجس، وان فعلتم فلا تعودوا.

فكتب اليه خالد: انا قتلناها فعادت غسولا غير خمر. فكتب اليه عمر: اني اظن آل المغيرة قد ابتلوا بالجفاء فلا أماتكم الله عليه. فانتهى اليه ذلك »(١) .

وقال ابن الاثير: « وقيل ان خالد بن الوليد حضر فتح الجزيرة مع عياض ودخل حماماً بآمد فأطلى بشيء فيه خمر فعزله عمر »(٢) .

وقال ابن خلدون: « قيل ان خالداً حضر فتح الجزيرة مع عياض ودخل الحمام بآمد فاطلى بشيء فيه خمر »(٣) .

وقال: « وشاع في الناس ما أصاب خالد مع عياض بن غنم من الاموال، فانتجعه رجال منهم الاشعث بن قيس وأجازه بعشرة آلاف، وبلغ ذلك عمر مع ما بلغه من تدلّكه بالخمر، فكتب الى أبي عبيدة أن يقيمه في، المجلس وينزع عنه قلنسوته ويعقله بعمامته ويسأله من اين أجاز الاشعث فان كان من ما له فقد أسرف فاعزله واضمم اليك عمله ».

* قد باع معاوية بن أبي سفيان المجتهد الاعظم!! الخمر على عهد عثمان بن عفان قال أبو هلال العسكري: « أخبرنا أبو القاسم باسناده عن المدائني عن ابي معشر عن محمد بن كعب عن بريدة الاسلمي قال: مر بعبادة بن الصامت عير تحمل الخمر بالشام [ من الشام ]، فقال: أزيت هذا؟

__________________

(١). تاريخ الطبري ٣ / ١٦٦.

(٢). الكامل ٢ / ٣٧٥.

(٣). تاريخ ابن خلدون المجلد الثاني ٩٥٦.


قالوا: [ لا ] بل خمر تباع لمعاوية، فأخذ شفرة فشق الروايا، فشكاه معاوية الى ابي هريرة، فقال له ابو هريرة: مالك ولمعاوية؟ له ما تحمل ان الله تعالى يقول: ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ ) . فقال: يا ابا هريرة انك لم تكن معنا اذ بايعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بايعناه على السمع والطاعة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر [ وان ] نمنعه مما نمنع نساءنا وأبناءنا ولنا الجنة، فمن وفي بها لله [ الله ] وفي الله له، ومن نكث فانما ينكث على نفسه.

فكتب معاوية الى عثمان يشكوه، فحمله الى المدينة، فلما دخل عليه قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: سيلي أموركم رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله، وعبادة يشهد ان معاوية منهم. فلم يراجعه عثمان »(١) .

١٠ - الافتاء بغير علم

لقد كان في الاصحاب من يفتي بغير علم، فهل يكون هكذا شخص كالنجم يهتدى من يقتدي به؟

واليك بعض الشواهد على ذلك:

قال المتقي: « عن عاصم بن ضمرة قال: جاء نفر الى أبي موسى الاشعري فسألوه عن الوتر فقال: لا وتر في الاذان، فأتوا علياً فأخبروه فقال: لقد أغرق في النزع وأفرط في الفتيا، الوتر ما بينك وبين صلاة الغداة من أوترت فحسن. عبا. وابن جرير »(٢) .

وكلمة أمير المؤمنين عليه‌السلام هذه عن أبي موسى كافية لا ثبات جهله وغباوته، وكيف لا يكون ابو موسى كذلك؟ والحال ان النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله‌

__________________

(١). الاوائل لابي هلال ١٥٣.

(٢). كنز العمال ٨ / ٤٧.


وسلّم كان يوتر عند الاذان، قال أحمد: « ثنا أسود ثنا شريك عن ابي اسحاق عن الحرث عن علي رضي‌الله‌عنه : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يوتر عند الاذان، ويصلي الركعتين عند الاقامة »(١) .

ومن الغرائب: فتيا أبي موسى بعدم نقض النوم الوضوء، فقد قال السرخسي: « وكان أبو موسى الاشعري رضي‌الله‌عنه يقول: لا ينقض الوضوء بالنوم مضطجعاً حتى يعلم بخروج شيء منه، وكان اذا نام أجلس عنده من يحفظه، فاذا انتبه سأله فان أخبر بظهور شيء منه أعاد الوضوء »(٢) .

وقال الغزالي: « وأنكروا على أبي موسى الاشعري قوله: النوم لا ينقض الوضوء »(٣) .

ومن فتاواه الباطلة ما جاء في [ الموطأ ] وهذا نصه: « مالك عن يحيى ابن سعيد: ان رجلا سأل أبا موسى الاشعري فقال: اني مصصت عن امرأتي من ثديها لبناً فذهب في بطني، فقال أبو موسى [ الاشعري ]: لا أراها الّا قد حرمت عليك.

فقال عبد الله بن مسعود: أنظر ما يفتي [ ما ذا تفتي ] به الرجل!!

فقال أبو موسى: فما [ ذا ] تقول أنت؟

فقال عبد الله بن مسعود: لا رضاعة الا ما كان في الحولين.

فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم »(٤) .

وفي [ المبسوط ]: قام ابن مسعود « الى أبي موسى ثم أخذ بأذنه وهو يقول: أرضيع فيكم هذا اللحياني؟ فقال أبو موسى: لا تسألوني ».

__________________

(١). المسند ١ / ١١١.

(٢). المبسوط ١ / ٧٨.

(٣). المستصفى ١ / ١٨٦.

(٤). الموطأ ٢ / ٦٠٧.


حرمة الفتيا بغير علم

ولنذكر في هذا المقام بعض الاحاديث الواردة في ذم الفتيا بغير علم وحرمتها:

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: « من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والارض »(١) .

قال المناوي والعزيزي بشرحه - واللفظ للاول: « حيث نسب الى الله ان هذا حكمه وهو كاذب »(٢) .

و اخرج ابن الاثير: « ان عمرو بن العاص [ عبد الله بن عمرو بن العاص ] قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينزعه من الناس - و في رواية: من العباد - ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضّلوا وأضلوا. وزاد في رواية قال عروة: ثم لقيت عبد الله بن عمرو على رأس الحول فسألته فرد علي الحديث كما حدث وقال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول. أخرجه البخاري ومسلم »(٣) .

و قال: « وأخرجه الترمذي مختصراً، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العلماء، ولكن يقبض العلماء، حتى اذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا »(٤) .

و قال مجد الدين عبد السلام الحراني في [ المنتقى ]: « وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أفتى بفتيا غير ثبت فانما اثمه على الذي أفتاه. رواه أحمد وابن ماجة.

__________________

(١). الجامع الصغير.

(٢). التيسير في شرح الجامع الصغير ٢ / ٤٠٢.

(٣). جامع الاصول ٩ / ٢٣.

(٤). جامع الاصول ٩ / ٢٥.


و في لفظ: من أفتى بفتيا بغير علم كان اثم ذلك على الذي أفتاه. رواه أحمد وأبو داود ».

١١ - عدم الاطلاع على السنن

لقد كان في الصحابة من لم يبلغه كثير من أحكام الدين وسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلذا كانوا كثيراً ما يخالفون حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحكمون بخلافه، بل ربما خالفوا صريح الكتاب ونصه.

وبالرغم من اشتهار قضاياهم فاننا نكتفي هنا بايراد كلام الحافظ ابن حزم في هذا المورد حيث قال ما نصه:

« ووجدنا الصاحب من الصحابة رضي الله عنهم يبلغه الحديث فيتأول فيه تأويلا يخرجه به عن ظاهره، ووجدناهم رضي الله عنهم يقرون ويعترفون بأنهم لم يبلغهم كثير من السنن، وهكذا الحديث المشهور عن أبي هريرة: ان إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق، وان اخواني من الانصار كان يشغلهم القيام على أموالهم، وهكذا قال البراء قال: ما كل ما نحدثكموه سمعناه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ و ] لكن حدثنا صحابنا، وكانت تشغلنا رعية الابل.

وهكذا [ وهذا ] أبو بكر رضي‌الله‌عنه لم يعرف فرض ميراث الجدة وعرفه محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة، وقد سأل أبو بكر رضي‌الله‌عنه عائشة في كم كفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

وهذا عمر رضي‌الله‌عنه يقول في حديث الاستئذان: أخفي علي هذا من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ألهاني الصفق في الاسواق.

وقد جهل أيضاً أمر املاص المرأة وعرفه غيره، وغضب على عيينة بن حصن، حتى ذكّره الحر بن قيس بن حصن بقوله تعالى: وأعرض عن الجاهلين.

وخفي عليه أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باجلاء اليهود والنصارى من


جزيرة العرب الى آخر خلافته، وخفي على أبي بكر رضي‌الله‌عنه قبله أيضاً طول مدة خلافته، فلما بلغ عمر أمر باجلائهم فلم يترك بها منهم أحداً.

وخفي على عمر أيضاً أمره عليه‌السلام بترك الاقدام على الوباء، وعرف ذلك عبد الرحمن بن عوف.

وسأل عمر أبا واقد الليثي عما كان يقرأ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلاتي الفطر والاضحى، هذا وقد صلاهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعواماً كثيرة.

ولم يدر ما يصنع بالمجوس حتى ذكره عبد الرحمن بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم، ونسي قبوله عليه‌السلام الجزية من مجوس البحرين وهو أمر مشهور، ولعله رضي‌الله‌عنه قد أخذ من ذلك المال حظاً كما أخذ غيره منه.

ونسي أمره عليه‌السلام بأن يتيمم الجنب فقال: لا يتيمم أبداً ولا يصلي ما لم يجد الماء وذكره بذلك عمار.

وأراد قسمة مال الكعبة حتى احتج عليه أبي بن كعب بأن النبي عليه‌السلام لم يفعل ذلك فأمسك.

وكان يرد النساء اللواتي حضن ونفرن قبل أو يود عن البيت حتى أخبر بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أذن في ذلك، فأمسك عن ردهن.

وكان يفاضل بين ديات الاصابع حتى بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره بالمساواة بينها، فترك قوله وأخذ المساواة.

وكان يرى الدية للعصبة فقط حتى أخبره الضحاك بن سفيان بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورث المرأة من الدية فانصرف عمر الى ذلك.

ونهى عن المغالاة في مهور النساء استدلالا بمهور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى ذكرته امرأة بقول الله عز وجل: وآتيتم احداهن قنطاراً، فرجع عن نهيه.

وأراد رجم مجنونة حتى أعلم بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع القلم عن ثلاثة، فأمر أن لا ترجم.

وأمر برجم مولاة حاطب حتى ذكره عثمان بأن الجاهل لا حدّ عليه


فأمسك عن رجمها.

وأنكر على حسان الانشاد في المسجد فأخبر هو وأبو هريرة أنه قد أنشد فيه بحضرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسكت عمر.

وقد نهى عمر أن يسمى بأسماء الانبياء وهو يرى محمد بن مسلمة يغدو عليه وبروح وهو أحد الصحابة الجلة منهم، وبرى أبا أيوب الانصاري وأبا موسى الاشعري وهما لا يعرفان الا بكناهما من الصحابة، ويرى محمد بن أبي بكر الصديق وقد ولد بحضرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع، واستفتته أمه اذ ولدته ما ذا تصنع في احرامها وهي نفساء. وقد علم يقيناً أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم بأسماء من ذكرنا وبكناهم بلا شك وأقرهم عليها ودعاهم بها ولم يغير شيئاً من ذلك، فلما أخبره طلحة وصهيب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باباحة ذلك أمسك عن النهي عنه.

وهمّ بترك الرمي في الحج ثم ذكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله فقال: لا يجب لنا أن نتركه.

وهذا عثمان رضي‌الله‌عنه ، فقد رووا عنه أنه بعث الى الفريعة أخت أبي سعيد الخدري - يسألها عما أفتاها به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر عدتها وأنه أخذ بذلك.

وأمر برجم امرأة قد ولدت لستة أشهر فذكره علي بالقرآن وان الحمل قد يكون ستة أشهر، فرجع عن الامر برجمها.

وهذه عائشة وأبو هريرة رضي الله عنهما خفي عليهما المسح على الخفين وعلى ابن عمر معهما، وعلمه جرير ولم يسلم الا قبل موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأشهر وأقرت عائشة أنها لا علم لها به وأمرت بسؤال من يرجى عنده علم ذلك وهو علي رضي‌الله‌عنه .

وهذه حفصة أم المؤمنين سئلت عن الوطي يجنب فيه الواطي أفيه غسل أم لا؟ فقالت: لا علم لي.

وهذا ابن عمر توقع أن يكون حدث نهي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن


كراء الارض بعد أزيد من أربعين سنة من موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمسك عنها، وأقرأنهم كانوا يكرونها على عهد أبي بكر وعمر وعثمان ولم يقل انه لا يمكن أن يخفي على هؤلاء ما يعرف رافع وجابر وأبو هريرة، وهؤلاء أخواننا يقولون فيما اشتهوا لو كان هذا حقاً ما خفي على عمر.

وقد خفي على زيد بن ثابت وابن عمر وجمهور أهل المدينة اباحة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحائض أن تنفر حتى أعلمهم بذلك ابن عباس وام سليم فرجعوا عن قولهم.

وخفي علي ابن عمر الاقامة حتى يدفن الميت حتى أخبره بذلك أبو هريرة وعائشة فقال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.

وقيل لابن عمر في اختياره متعة الحج على الافراد: انك تخالف أباك، فقال: أكتاب الله أحق أن يتبع أم عمر؟ روينا ذلك عنه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.

وخفي على عبد الله بن عمر الوضوء من مس الذكر حتى أمرته بذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسرة بنت صفوان، فأخذ بذلك.

وقد تجد الرجل يحفظ الحديث ولا يحضره ذكره حتى يفتي بخلافه، وقد يعرض هذا في آي القرآن، وقد أمر عمر على المنبر بأن لا يزاد في مهور النساء على عدد ذكره، فذكرته امرأة بقول الله تعالى « وآتيتم احداهن قنطاراً » فترك قوله وقال: كل أحد أفقه منك يا عمر، وقال: امرأة أصابت وأمير المؤمنين أخطأ.

وأمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر، فذكره علي بقول الله تعالى: ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) مع قوله تعالى: ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ* أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) فرجع عن الامر برجمها.

وهمّ أن يسطو بعيينة بن حصن اذ قال له: يا عمر ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل، فذكره الحر بن قيس بن حصن بن حذيفة بقول الله تعالى: ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ) وقال له: يا أمير المؤمنين هذا من الجاهلين


فأمسك عمر.

وقال يوم مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والله ما مات رسول الله ولا يموت حتى يكون آخرنا، أو كلاماً هذا معناه، حتى قرئت عليه: ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) ، فسقط السيف من يده وخر الى الارض وقال: كأني والله لم أكن قرأتها قط.

قال الحافظ ابن حزم: فاذا أمكن هذا في القرآن فهو في الحديث أمكن وقد ينساه ألبتة، وقد لا ينساه بل يذكره ولكن يتأول فيه تأويلا، فيظن فيه خصوصاً أو نسخاً أو معنى ما، وكل هذا لا يجوز اتباعه الا بنص أو اجماع، لانه رأي من رأى ذلك ولا يحل تقليد أحد ولا قبول رأيه »(١) .

هذا، ولقد ذكر هذه الجهالات وغيرها ابن القيم في ( أعلام الموقعين ) وقال: « وهذا باب واسع لو تتبعناه لجاء سفراً كبيراً ».

وانظر أيضاً كتاب ( الانصاف في بيان سبب الاختلاف ) لولي الله الدهلوي.

١٢ - مخالفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفتوى

لقد كان في الاصحاب من يفتي بغير ما حكم به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاذا أخبره أحد بذلك ضربه بالدرة قال جلال الدين السيوطي في ( مفتاح الجنة ): « وأخرج البيهقي عن هشام بن يحيى المخزومي ان رجلا من ثقيف أتى عمر بن الخطاب فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت زارت البيت ألها أن تنفر قبل أن تطهر؟ فقال: لا، فقال له الثقفي: ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفتاني في مثل هذا المرأة بغير ما أفتيت، فقام اليه عمر فضربه بالدرة ويقول: لم تستفتوني في شيء أفتى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

__________________

(١). الاحكام في أصول الاحكام ٢ / ١٢.


١٣ - اباحة بعضهم شرب الشراب المثلث

لقد أباح عمر بن الخطاب شرب الشراب المثلث وان كان شديداً، ثم لما أشكل على عبادة بن الصامت ذلك قال له عمر: « يا أحمق » وهكذا شخص لا يليق لان يكون مرجعاً للامة حتى في غير المنصوصات

وقد روى هذه الواقعة فقيه الحنفية شمس الائمة السرخسي واستخرج منها أحكاماً عديدة حيث قال: « وعن محمد بن الزبير رضي‌الله‌عنه قال: استشار الناس عمر رضي‌الله‌عنه في شراب مرقق، فقال رجل من النصارى: انا نصنع شراباً في صومنا، فقال عمر رضي‌الله‌عنه : ايتني بشيء منه، قال: فأتاه بشيء منه، قال: ما أشبه هذا بطلاء الابل، كيف تصنعونه؟ قال: نطبخ العصير حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، فصب عليه عمر رضي‌الله‌عنه ماء وشرب منه، ثم ناوله عبادة بن الصامت رضي‌الله‌عنه وهو عن يمينه فقال عبادة: ما أرى النار تحل شيئاً، فقال عمر: يا أحمق أليس يكون خمر ثم يصير خلا فنأكله؟.

وفي هذا دليل اباحة شرب المثلث وان كان مشتداً، فان عمر رضي‌الله‌عنه استشارهم في المشتد دون الحلو، وهو مما يكون ممرياً للطعام مقوياً على الطاعة في ليالي الصيام، وكان عمر رضي‌الله‌عنه حسن النظر للمسلمين وكان أكثر الناس مشورة في أمور الدين خصوصاً فيما يتصل بعامة المسلمين »(١) .

١٤ - بدع بعضهم

لقد كان في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحاب محدثات وبدع، وقد كثر ذلك من معاوية بن أبي سفيان حتى أنكر عليه فيها سائر الاصحاب

قال محمد معين السندي ما نصه: « ثم ان الصحابة رضي الله عنهم اجمعين

__________________

(١). المبسوط ٢٤ / ٧.


تمالاوا على الانكار على من رأى رأياً بخلاف الحديث، وقد كثر ذلك على معاوية بن أبي سفيان في محدثاته.

فمنها: تقبيله لليمانين، أنكر عليه ذلك ابن عباس رضي الله عنهما لخلاف السنة.

ومنها: ترك التسمية في الصلوات جهراً لما قدم المدينة المطهرة، أنكرت عليه ذلك المهاجرون والانصار وقالوا: سرقت التسمية يا معاوية.

ومنها: انه نهى الناس عن متعة الحج، فقد روى الترمذي في جامعه من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: تمتع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وأول من نهى عنه معاوية. والجمع بين حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هذا والتي فيما نهى عمر وعثمان رضي الله عنهما أما رجوعهما بعد القول بالنهي الى حد ذلك أو بالعكس، وضبط ابن عباس أحد الامرين فأخبر به، وأما كون معاوية أول من نهى مع تقدم النهي بذلك عن عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما على ما وقع في حديث الضحاك عن عمر حيث قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه: ان عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قد نهى عن ذلك كما رواه الترمذي في الجامع، فباعتبار أن نهيهما معناه بيان أنه غير مباح، ونهى معاوية منع الناس جبراً من أن يأتوا به على مذهب علي رضي الله تعالى عنه وغيره من الصحابة، فهو أول من نهى بهذا المعنى، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومنها: قوله في زكاة الفطر اني أرى ان مدين من سمراء الشام يعدل صاعاً من تمر، أنكر عليه ذلك أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وقال: تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها، وذلك لما روى الائمة الستة عنه: كنا نخرج اذ كان فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر ومملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجاً أو معتمراً فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال: اني أرى مدين من


سمراء الشام. الحديث.

وفيه قال أبو سعيد: أما أنا فاني لا أزال أخرجه أبداً ما عشت، ولما بلغ ابن الزبير رأي معاوية قال: بئس الاسم الفسوق بعد الايمان، صدقة الفطر صاع صاع.

وأولياته المحدثة لا تخفى كثرتها على عاثر علم الحديث »(١) .

بل كان معاوية بن أبي سفيان - المجتهد! - يرتكب كبائر المحرمات الموبقة عالماً عامداً بمرأى من الناس غير متحرج، قال السندي بعد أن ذكر رواية معاوية حديث نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جلود النمر مع استعمال معاوية اياها، قال:

« وليس معاوية ممن يقال اذا عمل بخلاف مروية دل على النسخ، مع أن هذا القول باطلاقه في عمل الراوي باطل، ولو كان كذلك لما أخذ عليه المقدام في ذلك أخذة رابية، ولنورد القصة في تمام الحديث فان في ذلك عبرة لكل محب العترة الطاهرة - الى كثير مما يستخرج من ذلك الحديث وسكتنا عنه تأسياً بالائمة الطاهرة في السكوت عن كثير مثل ذلك، وهو حديث خالد قال:

وفد المقدام بن معد يكرب وعمرو بن الاسود - رجل من بني أسد - على معاوية بن أبي سفيان، فقال معاوية: أما علمت أن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما توفي؟ فترجع المقدام رضي الله تعالى عنه فقال له: يا فلان أتعدها مصيبة؟ فقال: هذا مني وحسين من علي رضي الله تعالى عنهما قال فقال الاسدي: جمرة أطفأها الله تعالى، قال فقال المقدام رضي الله تعالى عنه: أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره، ثم قال: يا معاوية ان صدقت فصدقني وان كذبت فكذبني، قال: أفعل، قال: فأنشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن لبس الذهب؟ قال: نعم قال: فأنشدك بالله

__________________

(١). دراسات اللبيب ٩٥ - ٩٦.


هل تعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم، قال: فو الله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية، فقال معاوية: قد علمت أني لن أنجو منك يا مقدام. قال خالد: فأمر له معاوية بما لم يأمر لصاحبه وفرض لابنه في المائتين، ففرقها المقدام على أصحابه ولم يعط الاسدي أحداً شيئاً مما أخذ، فبلغ ذلك معاوية فقال: أما المقدام فرجل كريم بسط يده، وأما الاسدي فرجل حسن الامساك لشيئه »(١) .

هذا، والجدير بالذكر هنا أن بعض أهل السنة من قصة وفود المقدام القسم التالي منها بغية تقليل الشناعة، فرواها في ترجمة الامام الحسن السبط عليه‌السلام الى قول المقدام « وقد وضعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجره وقال هذا مني وحسين من علي » ففي ( كفاية الطالب )(٢) للحافظ الكنجي بسنده عن خالد ابن معدان قال: « وفد مقدام بن معد يكرب وعمرو بن الاسود الى قنسرين فقال معاوية لمقدام: أعلمت أن الحسن بن علي توفي؟ فاسترجع مقدام، فقال له معاوية: أتراها مصيبة؟ قال: ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجره وقال هذا مني وحسين من علي.

قلت: رواه الطبراني في معجمه الكبير في ترجمته » -.

و انظر ( كنز العمال ) في باب فضائل الامام الحسن عليه‌السلام .

١٥ - مخالفة بعضهم للرسول

لقد كان في الاصحاب من خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصراحة فقد جاء في ( الموطأ ) ما نصه: « مالك عن زيد بن أسلم عن

__________________

(١). دراسات اللبيب ٩٨ - ٩٩.

(٢). كفاية الطالب ٤١٤.


عطاء ابن يسار: ان معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال [ له ] أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن مثل هذا الا مثلا بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا، فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر له ذلك. فكتب عمر بن الخطاب الى معاوية: ألا يبيع مثل ذلك الا مثلا بمثل ووزناً بوزن »(١) .

ومن عجائب الصنائع الشنيعة اسقاط بعض أسلاف القوم ذيل خبر مالك المتقدم، المشتمل على تجاسر معاوية، لغرض التستر على اقترافه ومخالفته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما درى أن مراجعة الموطأ وشروحه، وغيرها من كتب الحديث تكشف الواقع وتظهر حقيقة الحال.

قال النسائي في مسألة بيع الذهب بالذهب:

« حدثنا قتيبة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن مثل هذا الا مثلا بمثل»(٢) .

وقال أبو الوليد الباجي في ( شرح الموطأ ): « وفيما قاله أبو الدرداء تصريح بأن أخبار الاحاد مقدمة على القياس والرأي، وقوله: « لا اساكنك بأرض أنت فيها » مبالغة في الانكار على معاوية واظهار لهجره والبعد عنه حين لم يأخذ بما نقل اليه من نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويظهر الرجوع عما خالفه ».

و قال ابن الاثير الجزري: « عطاء بن يسار قال: ان معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء:

__________________

(١). سنن النسائي ٢ / ٢٢٣.

(٢). الموطأ ٢ / ٦٣٤.


سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن مثل هذا الا مثلا بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأساً، فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يخبرني برأيه! [ عن رأيه ] لا اساكنك بأرض أنت [ كنت ] بها ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر له ذلك، فكتب عمر بن الخطاب الى معاوية ألا يبيع [ أن لا تبع ] ذلك الا مثلا بمثل وزناً بوزن، أخرجه ( الموطأ ) وأخرج النسائي منه الى قوله مثلا بمثل »(١) .

وقال فخر الدين الرازي في كتاب ( المحصول ) في مقام عمل الصحابة على وفق الخبر الواحد « عن أبي الدرداء(٢) سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عنه فقال معاوية: لا أرى بأسا، فقال أبو الدرداء، من معذري عن معاوية أخبره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يخبرني عن رأيه! لا اساكنك بأرض أبداً ».

و قال أبو الحسن الامدي في كتاب ( الاحكام في اصول الاحكام ) في مبحث العمل بخبر الواحد: « ومن ذلك ما روى أنه لما باع معاوية شيئاً من أواني ذهب وورق بأكثر من وزنه أنه قال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن ذلك فقال له معاوية: لا أرى بذلك؟ بأسا! فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية أخبره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخبرني عن رأيه! لا اساكنك بأرض أبداً ».

و قال جلال الدين السيوطي في ( مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ) « وأخرج البيهقي عن عطاء بن يسار أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلّى الله

__________________

(١). جامع الاصول ١ / ٤٦٨.

(٢). حق العبارة في هذه الرواية أن تكون هكذا: لما باع معاوية شيئاً من أوانى ذهب أو ورق بأكثر من وزنه قال له أبو الدرداء: سمعت


عليه وسلّم نهى عن مثل هذا الا مثلا بمثل. فقال له معاوية: ما أرى بأساً! فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أخبره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخبرني عن رأيه! لا أساكنك بأرض أنت بها! قال الشافعي: فرأى أبو الدرداء الحجة تقوم على معاوية بخبره، فلما لم ير معاوية ذلك فارق أبو الدرداء الارض التي هو بها اعظاماً لانه ترك خبر ثقة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

وقال بشرح الحديث: « فقال أبو الدرداء من يعذرني من معاوية؟! أنا أخبره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخبرني عن رأيه، الى آخره. قال ابن عبد البر: كان ذلك منه أنفة من أن يرد عليه سنة علمها من سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برأيه، وصدور العلماء تضيق عند مثل هذا وهو عندهم عظيم ردّ السنن بالرأى، قال: وجائز للمرء أن يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه، وليس هذا من الهجرة المكروهة، ألا ترى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الناس ألا يكلّموا كعب بن مالك حين جلب عن تبوك قال: وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه، وقد رأى ابن مسعود رجلا يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبداً! انتهى »(١) .

و قال عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الديبع الشيباني: « وعن عطاء ابن يسار أن معاوية رضي‌الله‌عنه باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء رضي‌الله‌عنه : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن مثل هذا الا مثلاً بمثل، فقال معاوية: ما أرى بهذا بأساً! فقال له أبو الدرداء رضي‌الله‌عنه : من يعذرني من معاوية؟! أنا اخبره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يخبرني عن رأيه! لا اساكنك بأرض أنت بها! ثم قدم أبو الدرداء رضي‌الله‌عنه على عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه فذكر له ذلك فكتب عمر الى معاوية أن لا تبع ذلك الّا مثلا بمثل وزناً بوزن. أخرجه مالك والنسائي. السقاية: اناء

__________________

(١). تنوير الحوالك ٢ / ٥٩.


يشرب فيه.

و قال محمد بن محمد بن سليمان بن الفاسي الروداني المغربي المالكي في كتاب ( جمع الفوائد ): « عطاء بن يسار ان معاوية باع سقاية من ذهب - أو ورق - أكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن مثل هذا الّا مثلا بمثل. فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأساً! فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟! أنا أخبره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يخبرني عن رأيه، لا اساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم أبو الدرداء على عمر فذكر له ذلك فكتب عمر الى معاوية أن لا يبيع ذلك الّا مثلا بمثل وزناً بوزن، للموطّأ والنسائي ».

وقال الزرقاني في ( شرح الموطّأ ) بشرحه « فقال أبو الدرداء: من يعذرني بكسر الذال المعجمة من معاوية، أي من يلومه على فعله ولا يلومني عليه؟ أو من يقوم بعذري اذا جازيته بصنعه ولا يلومني على ما أفعله به، أو: من ينصرني يقال: عذرته: اذا نصرته. أنا أخبره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخبرني عن رأيه. أنف من ردّ السنّة بالرأى. وصدور العلماء تضيق عن مثل هذا وهو عندهم عظيم ردّ السنن بالرأى. لا اساكنك بأرض أنت بها وجائز للمرء ان يهجر من لم يسمع منه ولم يطعه، وليس هذا من الهجرة المكروهة ألا ترى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الناس أن لا يكلّموا كعب بن مالك حين تخلّف عن غزوة تبوك، وهذا اصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجره وقطع الكلام عنه، وقد رأى ابن مسعود رجلا يضحك في جنازة فقال: والله لا اكلمك ابداً! قاله ابو عمر. ثم قدم ابو الدرداء من الشام على عمر بن الخطاب المدينة فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب الى معاوية أن لا يبيع ذلك الّا مثلا بمثل وزناً بوزن. بيان للمثل.

قال ابو عمر: لا أعلم ان هذه القصة عرضت لمعاوية مع ابى الدرداء الّا من هذا الوجه، وانما هي محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت والطرق متواترة بذلك عنهما. والاسناد صحيح وان لم يرد من وجه آخر فهو من الافراد


الصحيحة، والجمع ممكن لانه عرض له ذلك مع عبادة وأبو الدرداء.

و قال شاه ولي الله الدهلوي في ( المسوّى من احاديث الموطّأ ): « مالك، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار انّ معاوية بن ابي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال له ابو الدرداء: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن مثل هذا الّا مثلا بمثل، فقال له معاوية: ما ارى بمثل هذا بأساً فقال ابو الدرداء من يعذرني من معاوية؟! انا أخبره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخبرني عن رأيه! لا اساكنك بأرض أنت بها! ثم قدم ابو الدرداء على عمر بن الخطاب - رض - فذكر له ذلك فكتب عمر بن الخطاب الى معاوية بن ابي سفيان ألّا تبع مثل ذلك الّا مثل بمثل وزناً بوزن. قوله، من يعذرني أي: من ينصرني، والعذير: النصير ».

١٦ - بيع بعضهم الاصنام

ورووا ان معاوية باع الاصنام في عهد سلطنته، ففي ( المبسوط ) ما نصه: « وذكر عن مسروق رحمه‌الله قال: بعث معاوية رحمه‌الله بتماثيل صفر تباع بأرض الهند، فمر بها على مسروق رحمه‌الله قال: والله لولا أني أعلم انه يقتلني لغرقتها، ولكني اخاف ان يعذبني فيفتنني، والله لا أدري اي الرجلين معاوية: رجل زين له سوء عمله، أو رجل قد يئس من الآخرة فهو يتمتع في الدنيا؟

وقيل: هذه تماثيل كانت أصيبت في الغنيمة، فأمر معاوية رضي‌الله‌عنه ببيعها بأرض الهند ليتخذ بها الاسلحة والكراع للغزاة، فيكون دليلا لابي حنيفة رحمه‌الله في جواز بيع الصنم والصليب ممن يعبده كما هو طريقة القياس، وقد استعظم ذلك مسروق رحمه‌الله كما هو طريق الاستحسان الذي ذهب اليه ابو يوسف ومحمد رحمهما الله في كراهة ذلك.

ومسروق من علماء التابعين، وكان يزاحم الصحابة رضي الله عنهم في الفتوى، وقد رجع ابن عباس الى قوله في مسألة النذر بذبح الولد، ولكن مع


هذا قول معاوية رضي‌الله‌عنه مقدم على قوله، وقد كانوا في المجتهدات يلحق بعضهم الوعيد بالبعض، كما قال علي رضي‌الله‌عنه : من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد - يعني بقول زيد رضي‌الله‌عنه -.

وانما قلنا هذا لانه لا يظن بمسروق رحمه‌الله انه قال في معاوية رضي‌الله‌عنه ما قال عن اعتقاد، وقد كان هو من كبار الصحابة رضي الله عنهم وكان كاتب الوحي وكان امير المؤمنين، وقد اخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالملك بعده، فقال له عليه‌السلام يوماً: اذا ملكت أمر أمتي فأحسن اليهم، الا أن نوبته كانت بعد انتهاء نوبة علي رضي‌الله‌عنه ومضي مدة الخلافة، فكان مخطئاً في مزاحمة علي رضي‌الله‌عنه تاركاً لما هو واجب عليه من الانقياد له، لا يجوز أن يقال فيه أكثر من هذا.

ويحكى أن أبا بكر محمد بن الفضل رحمه‌الله كان ينال منه في الابتداء، فرأى في منامه كأن شعرة تدلت من لسانه الى موضع قدمه فهو يطؤها ويتألم من ذلك، ويقطر الدم من لسانه، فسأل المعبر عن ذلك فقال: انك تنال من واحد من كبار الصحابة رضي‌الله‌عنه فاياك ثم اياك.

وقد قيل في تأويل الحديث أيضاً: ان تلك التماثيل كانت صغاراً لا تبدو للناظر من بعد، ولا بأس باتخاذ مثل ذلك على ما روي انه وجد خاتم دانيال عليه‌السلام في زمن عمر رضي‌الله‌عنه وكان عليه نقش رجل بين أسدين يلحسانه وكان على خاتم أبي هريرة ذبابتان، فعرفنا أنه لا بأس باتخاذ ما صغر من ذلك.

ولكن مسروقاً رحمه‌الله كان يبالغ في الاحتياط، فلا يجوز اتخاذ شيء من ذلك ولا بيعه، ثم كان تغريق ذلك من الامر بالمعروف عنده، وقد ترك ذلك مخافة على نفسه، وفيه تبيين أنه لا بأس باستعمال التقية وأنه يرخص له في ترك بعض ما هو فرض عند خوف التلف على نفسه، ومقصوده من ايراد الحديث أن يبين أن التعذيب بالسوط يتحقق فيه الاكراه كما يتحقق في القتل، لانه قال: لو علمت أنه يقتلني لغرقتها ولكن أخاف أن يعذبني


فيفتتني، فتبين بهذا أن فتنة السوط أشد من فتنة السيف »(١) .

أقول: ولا يخفى على النبيه ما في هذا الكلام من فوائد، ولا سيما قوله: « وفيه تبيين أنه لا بأس باستعمال التقية ».

وأما ما ذكره للذب عن معاوية فواضح الهوان.

١٧ - مخالفة بعضهم لصريح الكتاب

لقد كان في الاصحاب من يرد الحكم المنصوص في الكتاب، ومن كان هذا دأبه لا يكون الاقتداء به موجباً للهداية، ولا يجوز أن ترجع اليه الامة في المنصوصات وغيرها قال الغزالي في مبحث حجية خبر الواحد: « ثم اعلم أن المخالف في المسألة له شبهتان، الشبهة الاولى قولهم: لا مستند في اثبات خبر الواحد الا الاجماع فكيف يدعى ذلك وما من أحد من الصحابة الّا وقد رد خبر الواحد. ثم قال بعد ان ذكر طرفاً من شواهد ذلك: لكنا نقول في الجواب عما سألوا عنه الذي رويناه قاطع في عملهم وما ذكرتموه رد لاسباب عارضة تقتضي الرد ولا تدل على بطلان الاصل، كما ان ردهم بعض نصوص القرآن وتركهم بعض أنواع القياس ورد القاضي بعض انواع الشهادات لا يدل على بطلان الاصل »(٢) .

بل لقد ترك الاصحاب كتاب الله على عهد عمر بن الخطاب حتى ذمهم عليه، فقد قال الحافظ ابن حزم: « أخبرني أحمد بن عمر العذري، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى البلوي غندر، ثنا خلف بن قاسم ثنا ابو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي، ثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النظري الدمشقي ثنا أبو مسهر ثنا سعيد بن عبد العزيز عن اسماعيل بن عبيد الله عن السائب بن يزيد بن أخت نمر: انه سمع عمر بن الخطاب يقول:

__________________

(١). المبسوط فقه الحنفية - كتاب الاكراه: ٢٤ / ٤٦.

(٢). المستصفى ١ / ١٣٥ - ١٣٦.


ان حديثكم شر الحديث: [ و ] ان كلامكم شر الكلام، فانكم قد حدّثتم الناس حتى قيل: قال فلان، وقال فلان، ويترك كتاب الله، من كان فيكم [ منكم ] قائماً فليقم بكتاب الله والّا فليجلس. فهذا قول عمر لا فضل قرن على وجه الارض فكيف لو أدرك ما نحن فيه من ترك القرآن وكلام محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاقبال على ما قال مالك وأبو حنيفة والشافعي؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل، وانّا لله وانّا اليه راجعون »(١) .

وقد رواه ابن القيم عن أبي زرعة كذلك، وعلق عليه بمثل كلام ابن حزم المذكور(٢) .

١٨ - ابن عباس: ما سألوا النبي الا عن ثلاث عشرة مسألة

عن ابن عباس قال: « ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما سألوه الّا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلهن في القرآن، منهن: ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ ) و ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ) .

قال: ما كانوا يسألون الّا عما ينفعهم »(٣) .

أقول: وهذا يكشف عن عدم عنايتهم بالاحكام الشرعية، والا لسألوه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منتهزين فرصة وجوده بين أظهرهم. هذا شأن هؤلاء القوم، ومعه كيف يقال بأنهم متبعون فيما كان غير منصوص في الكتاب والسنة؟

١٩ - خفاء الامور والاحكام الواضحة عليهم

لقد خفي على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوضح أموره وهم

__________________

(١). الاحكام في أصول الاحكام ٦ / ٩٧.

(٢). اعلام الموقعين ٢ / ١٧٦.

(٣). الانصاف في بيان سبب الاختلاف: ١٣.


حواليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحاضرون عنده.

قال ولي الله: « ومنها اختلاف الوهم في التعبير، مثاله أن رسول الله حج، فرآه الناس، فذهب بعضهم الى انه كان متمتعاً، وبعضهم الى انه كان قارناً، وبعضهم الى انه كان مفرداً »(١) .

واذا كان هذا حالهم فلا يستحقون قطعاً لان يكونوا هداة الامة من بعده.

و قال الحافظ ابن عبد البر: « قرأت على أبي عبد الله محمد بن عبد الله ان محمد بن معاوية القرشي أخبرهم قال حدثنا اسحاق بن أبي حسان الانماطي قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد قال حدثنا الاوزاعي قال حدثنا عطاء بن أبي رباح قال سمعت ابن عباس يخبر ان رجلا أصابه جرح على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم اصابه احتلام، فأمر بالاغتسال فقر فمات، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: قتلوه قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال؟. »(٢) .

ومما يقطع به كل عاقل: ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأمر بالاقتداء بهكذا أناس مطلقاً

٢٠ - لا يجوز الاستنان بالرجال

قال الحافظ ابن عبد البر: « حدثنا عبد الوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد قالا حدثنا قاسم بن اصبع قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا بشر بن حجر قال حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي عن عطاء - يعنى ابن السائب - عن أبي البختري عن علي قال: اياكم والاستنان بالرجال، فان الرجل يعمل بعمل أهل الجنة ثم ينقلب - لعلم الله فيه - فيعمل بعمل أهل

__________________

(١). الانصاف في بيان سبب الاختلاف: ٢٨.

(٢). جامع بيان العلم ١١٥.


النار، فيموت وهو من أهل النار، وان الرجل ليعمل بعمل أهل النار فينقلب - لعلم الله - فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت وهو من أهل الجنة، فان كنتم لا بدّ فاعلين فبالاموات لا بالاحياء »(١) .

وظاهر أن المرتد لا يهتدى به، ولا ينجو من اقتدى به أبداً، ونحن ننزه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أن يأمر بالاقتداء بكل صحابي من صحابته

__________________

(١). جامع بيان العلم ٣٩٠.



تفنيد كلام المزني

حول حديث النُّجوم



واذ فرغنا من تفنيد الاستدلال ( الدهلوي ) بحديث النجوم بابطاله سنداً ودلالة، كان من المناسب أن نذكر كلام المزني في معنى الحديث المذكور، ونتكلم عليه بما يبيّن بطلانه وفساده:

قال ابن عبد البر: « قال المزني رحمه‌الله في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم قال: ان صح هذا الخبر فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه، فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به، لا يجوز عندي غير هذا، وأما ما قالوا فيه برأيهم فلو كان عند أنفسهم كذلك ما خطأ بعضهم بعضاً، ولا أنكر بعضهم على بعض ولا رجع منهم أحد الى قول صاحبه. فتدبر ».

نوادر من سير الاصحاب

أقول: هذا المعنى لا يصح، لانه لو كان كلهم ثقة مؤتمناً - على ما جاء به - لما طعن بعضهم في بعض ولما كذب بعضهم بعضاً ولو أردنا استقصاء ذلك لاحتجنا الى سفر كبير برأسه ولكننا نذكر هنا بعض الصحابة وما واجهوه من الذم والطعن، وما قيل فيهم من الاصحاب


وغيرهم:

١ - ابو بكر وعمر

لقد كذّب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وسيدنا العباس بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه أبا بكر وعمر في رواية حديث « لا نورث، ما تركناه صدقة » وأبطلا امتناعهما عن دفع ما تركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أهله، بالاستناد الى هذا الحديث المزعوم، ووصفا أبا بكر وعمر بالكذب والاثم والغدر والخيانة. أخرج ذلك مسلم في ( الصحيح )(١) وتجده في غيره من كتب الحديث، وقد فصّلنا البحث عن ذلك في مجلد حديث ( مدينة العلم ).

* ورووا ان عمراً قد أقسم بالله كاذباً في قضية الناقة، فقد ذكر الحافظ ابن حجر بترجمة عبد الله بن كيسبة: « وهو القائل لعمر بن الخطاب - واستحمله فلم يحمله:

أقسم بالله أبو حفص عمر

ما مسها من لقب ولا دبر

فاغفر له اللهم ان كان فجر

وكان عمر نظر الى راحلته لما ذكر انها وجعت فقال: والله ما بها من علة [ قلبة ] فرد عليه، فعلاه بالدرة وهرب وهو يقول ذلك، فلما سمع عمر آخر قوله حمله وأعطاه »(٢) .

وفي ( شرح النهج ) في سيرة عمر: « أتى أعرابي عمر فقال: ان ناقتي بها نقباً ودبراً فاحملني، فقال [ له ]: والله ما ببعيرك نقب ولا دبر، فقال: اقسم بالله

فقال عمر: اللهم اغفر لي، ثم دعاه فحمله »(٣) .

__________________

(١). صحيح مسلم ٢ / ٥٤.

(٢). الاصابة ٣ / ٩٤.

(٣). شرح نهج البلاغة ١٢ / ٦٢.


وروى القصة عبد القادر البغدادي(١) .

* وقال عمر لاهل الحبشة: « نحن أحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فكذبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... أخرجه الشيخان، و هذا لفظ مسلم: حيث قال:

« حدثنا عبد الله بن براد الاشعري ومحمد بن العلاء الهمداني قالا: نا أبو أسامة ثنى بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين اليه أنا واخوان لي أنا أصغرهما أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم. اما قال: بعضا واما قال ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي، قال: فركبنا في سفينة، فألقتنا سفينتنا الى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا بالاقامة فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً، قال، فوافقنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا - أو قال: أعطانا منها - وما قسم لاحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً الا لمن شهد معه الا لاصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم.

قال: فكان ناس من الناس يقول لنا - يعني لاهل السفينة - نحن سبقناكم بالهجرة، قال فدخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت الى النجاشي فيمن هاجر اليه، فدخلا عمر على حفصة - وأسماء عندها - فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منكم.

فغضبت وقالت كلمة: كذبت يا عمر، كلا والله كنتم مع رسول الله

__________________

(١). خزانة الادب ٢ / ٣٥١ - ٣٥٢.


صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار - أو في أرض - البعداء البغضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك.

قال: فلما جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت: يا نبي الله، ان عمر قال كذا وكذا، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بأحق بي منكم وله ولاصحابه هجرة واحدة ولكم - أنتم أهل السفينة - هجرتان.

قالت فلقد رأيت ابو موسى وأصحاب السفينة يأتونني ارسالا يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح وأعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال أبو بردة: فقالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وانه ليستعد هذا الحديث مني »(١) .

أقول: ولقد قال ذلك لاسماء جماعة من الاصحاب تبعاً لعمر بن الخطاب فكذبهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك، فقد روى المتقي: « عن الشعبي، قال: لما أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل جعفر بن أبي طالب، ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرأته أسماء بنت عميس حتى فاضت عبرتها، فذهب بعض حزنها، ثم أتاها فعزاها ودعا بنى جعفر فدعا لهم ودعا لعبد الله بن جعفر أن يبارك له في صفقة يده، فكان لا يشتري شيئاً الا ربح فيه.

فقالت له أسماء: يا رسول الله ان هؤلاء يزعمون أنا لسنا من المهاجرين، فقال: كذبوا، لكم الهجرة مرتين، هاجرتم الى النجاشي وهاجرتم الي [ ش ](٢) .

__________________

(١). صحيح مسلم ٢ / ٢٦٤.

(٢). كنز العمال ١٥ / ٢٩٤.


٢ - عثمان بن عفان

لم يصدق أبو بكر وعمر عثمان فيما زعم روايته من استئذانه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رد طريد الرسول الحكم بن أبي العاص الى المدينة. وقد ذكر ذلك كبار علماء أهل السنة في كتبهم كالغزالي في ( المستصفى ١ / ١٥٣ ) والعبري في ( شرح المنهاج ).

٣ - أبو موسى الاشعري

وكان أبو موسى الاشعري متهماً في الحديث لدى عمر بن الخطاب، كما تقدم في هذا الكتاب.

٤ - أبو هريرة

لقد كذب عمر بن الخطاب أبا هريرة واتهمه وانكر عليه، حتى ضربه بالدرة وهدده باخراجه من المدينة المنورة قال السرخسي: « ولما بلغ عمر ان أبا هريرة يروى [ بعض ] ما لا يعرف قال: لتكفن عن هذا أو لا لحقنك بجبال دوس »(١) .

وقال ابن عبد البر: « وعن أبي هريرة أنه قال: لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمر بالدرة »(٢) .

وفي ( كنز العمال ): « عن السائب بن يزيد قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لابي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لا لحقنك بأرض دوس. وقال لكعب: لتتركن أولا لحقنك بأرض القردة كر »(٣) .

ورواه ابن كثير وفيه أيضاً: « وقال صالح بن أبي الاخضر عن

__________________

(١). الاصول ١ / ٣٤١.

(٢). جامع بيان العلم ٣٩٩.

(٣). كنز العمال ١٠ / ١٧٩.


[ الزهري عن ] أبي سلمة سمعت أبا هريرة يقول: ما كنا نستطيع أن نقول « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قبض عمر »(١) .

وفي ( تذكرة الحفاظ ) بترجمة عمر: « عن أبي سلمة عن أبي هريرة قلت له: [ أ ] كنت تحدث في زمان عمر هكذا؟ فقال: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته »(٢) .

وقال ابن قتيبة: « وأما ما طعنه « يعني النظام » على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة له فان أبا هريرة صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحواً من ثلاث سنين وأكثر الرواية عنه، وعمّر بعده نحواً من خمسين سنة وكانت وفاته سنة تسع وخمسين - وفيها توفيت أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوفيت عائشة رضي الله عنها قبلها بسنة - فلما أتى من الرواية عنه ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة أصحابه والسابقين الاولين اليه اتهموه وانكروا عليه وقالوا: كيف سمعت هذا وحدك؟ ومن سمعه معك؟ وكانت عائشة رضي الله عنها أشدهم انكاراً عليه، لتطاول الايام بها وبه، وكان عمر أيضاً شديداً على من أكثر الرواية أو أتى بخبر في الحكم لا شاهد له عليه، وكان يأمرهم بأن يقلوا الرواية، يريد بذلك أن لا يتسع الناس فيها ويدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والاعرابي »(٣) .

وفي ( شرح نهج البلاغة ) عن الاسكافي: « وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية، ضربه عمر بالدرة وقال [ له ]: قد أكثرت الرواية وأحر بك أن تكون كاذباً على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٤) .

* وكان عثمان أيضاً يكذب أبا هريرة، وكذا سيدنا أمير المؤمنين

__________________

(١). البداية والنهاية ٨ / ١٠٦ - ١٠٧.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ٧.

(٣). تأويل مختلف الحديث ٣٨.

(٤). شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٧.


عليه‌السلام كما مضى في عبارة ابن قتيبة، و في ( شرح المنهج ) عن أبي جعفر الاسكافي: « وقد روي عن علي عليه‌السلام أنه قال: ألا ان أكذب الناس - أو اكذب الاحياء - على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو هريرة الدوسي »(١) .

* وكان عائشة « المجتهدة!! » اشد الناس انكاراً على ابي هريرة، كما نص عليه ابن قتيبة في عبارته الماضية، وقد اوردنا طرفاً من قضاياها معه في القسم الاول من مجلد ( حديث الغدير ).

* وقد كذبه الزبير بن العوام - وهو احد العشرة المبشرة كما يقولون - فقد ذكر ابن كثير: « قال ابن [ أبي ] خيثمة ثنا هارون بن معروف ثنا محمد بن [ ابي ] سلمة ثنا محمد بن اسحاق عن عمر - او عثمان - ابن عروة عن ابيه - يعني عروة بن الزبير بن العوام - قال: قال لي ابي الزبير: ادنني من هذا [ اليماني ] - يعني ابا هريرة - فانه يكثر الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: فأدنيته منه، فجعل ابو هريرة يحدث وجعل الزبير يقول صدق كذب صدق كذب. قال قلت: يا ابت ما قولك صدق كذب؟ قال: يا بني امّا ان يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا اشك، ولكن منها ما وضعه [ يضعه ] على مواضعه ومنها ما وضعه على غير مواضعه »(٢) .

من كلمات التابعين وكبار العلماء في ابى هريرة

ابراهيم بن يزيد التيمي

قال أبو جعفر الاسكافي على ما نقل عنه ابن أبي الحديد: « وروى سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم التيمي قال: كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة الا ما كان من ذكر جنة أو نار.

وروى أبو أسامة عن الاعمش قال: كان ابراهيم صحيح الحديث

__________________

(١). شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨.

(٢). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٨.


فكنت اذا سمعت [ من أحد ] الحديث أتيته فعرضته عليه، فأتيته يوماً بأحاديث من أحاديث [ حديث ] أبي صالح عن أبي هريرة فقال: دعني من أبي هريرة، انهم كانوا ينكرون [ يتركون ] كثيراً من أحاديثه [ حديثه ] »(١) .

ابراهيم بن يزيد النخعي

قال ابن كثير: « وقال شريك عن مغيرة عن ابراهيم قال: كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة، وروى الاعمش عن ابراهيم قال: ما كانوا يأخذون من كل [ بكل ] حديث أبي هريرة.

[ و ] قال الثوري عن منصور عن ابراهيم قال: كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة أشياء [ شيئاً ]، وما كانوا يأخذون من حديثه [ بكل حديث أبي هريرة ] الا ما كان من صفة جنة أو نار، أو حث على عمل صالح أو نهى عن شيء [ شر ] جاء القرآن به »(٢) .

بسر بن سعيد

قال ابن كثير: « وقال مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ثنا مروان الدمشقي عن الليث بن سعد حدثني بكير بن الاشج قال قال بسر بن سعيد: اتقوا الله وتحفظوا [ من ] الحديث فو الله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث حديث [ عن ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ ويحدثنا عن كعب الاحبار ثم يقوم فأسمع بعض ما كان معنا يجعل حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي رواية: يجعل ما قاله كعب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما قال [ قاله ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كعب، فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث »(٣) .

__________________

(١). شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨.

(٢). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩.

(٣). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩.


شعبة بن الحجاج

قال ابن كثير: « وقال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: كان أبو هريرة يدلس، أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يبين [ يميز ] هذا من هذا. ذكره ابن عساكر.

وكان شعبة بهذا يشير الى حديثه: من أصبح جنباً، فلا صيام له، فانه لما حوقق [ عليه ] قال أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

أبوحنيفة

قال الاسكافي على ما جاء في ( شرح النهج ): « وروى أبو يوسف قال قلت لابي حنيفة يجيء الخبر [ الخبر يجيء ] عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخالف قياسنا ما نصنع به؟ قال: إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي [ فـ ] قلت: ما تقول في رواية أبي بكر وعمر؟ فقال: ناهيك به [ بهما ]، فقلت: علي وعثمان؟ فقال: كذلك، فلما رآني أعد الصحابة قال: الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا، ثم عد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك »(٢) .

أقول : ولعمري ان أبا حنيفة النعمان وان سلك في تعديل قاطبة الاصحاب مسلك المجازفة والعدوان الا انه أحسن غاية الإحسان في استثناء أبي هريرة وغيره من أولي البغي والطغيان.

وقال أبو حنيفة - كما ذكر الكوفي نقلا عن الصدر الشهيد -: « أقلد جميع الصحابة ولا أستجيز خلافهم برأي الا ثلاثة نفر: أنس بن مالك وأبو هريرة وسمرة بن جندب، فقيل له في ذلك فقال أما أنس فقد بلغني أنه

__________________

(١). تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩.

(٢). شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨.


اختلط عقله في آخر عمره، وكان يستفتي من علقمة، وأنا لا أقلد علقمة فكيف أقلد من يستفتي من علقمة؟ وأما أبوهريرة فكان يروي كلما بلغه وسمع من غير تأمل في المعنى »(١) .

محمد بن الحسن الشيباني

قال ابن حزم في مسألة أحقية البائع بالمتاع إذا أفلس التي خالف فيها الحنفية -: « روينا من طريق أبي عبيد انه ناظر في هذه المسألة محمد بن الحسن، فلم يجد عنده أكثر من أن قال: هذا حديث أبي هريرة. قال أبو محمد: نعم والله من حديث أبي هريرة البر الصادق، لا من حديث مثل محمد بن الحسن الذي قيل لعبد الله بن المبارك: من أفقه، أبويوسف أو محمد بن الحسن؟ فقال: قل أيهما أكذب؟ »(٢) .

عيسى بن أبان البصري الحنفي

قال علي بن يحيى الزندويستي: « قال عيسى بن أبان أقلد جميع الصحابة الا ثلاثة منهم: أبو هريرة ووابصة بن معبد وأبو سنابل بن بعكك »(٣) .

ابو جعفر محمد بن عبد الله الهندواني

قال الزندويستي: « واختلفوا ان تقليد قول الصحابة حجة تقبل بغير معرفة المعنى ويعمل به، حتى روى عن أبي حنيفة رضي‌الله‌عنه انه سئل فقيل له: إذا قلت قولا وكتاب الله يخالف قولك؟ قال أترك قولي بكتاب الله، فقيل له: إذا كان قول الصحابي يخالف قولك؟ قال: أترك قولي بقول

__________________

(١). كتائب أعلام الاخيار من علماء مذهب النعمان المختار - مخطوط.

(٢). المحلى لابن حزم.

(٣). روضة العلماء.


الصحابي، فقيل له: اذا كان قول التابعي يخالف قولك؟ قال: لا يترك قولي بقوله، قال: إذا كان التابعي رجلا فأنا رجل، ثم قال: أترك قولي بجميع قول الصحابة الا ثلاثة منهم: أبوهريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب رضي الله عنهم.

قال الفقيه أبوجعفر الهندواني رحمه‌الله : انما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة لأنهم مطعونون، أما أبو هريرة فانه روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال من أصبح جنباً فلاصوم له، قالت عائشة رضي الله عنها: أخطأ أبو هريرة، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصبح جنباً من غير احتلام ثم يتم صومه وذلك في رمضان، قال أبو هريرة: هي أعلم، كنت سمعته من الفضل ابن العباس، والفضل كان يومئذ ميتاً، فقد أحال خبره الى ميت، فصار مطعوناً »(١) .

ابوبكر الجصاص

قال الجصاص ما نصه: « وقد روى أبوهريرة خبراً عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أصبح جنباً فلا يصومن يومه ذلك، الا أنه لما أخبر برواية عائشة وأم سلمة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا علم لي بهذا، أخبرني الفضل بن العباس، وهذا مما يوهن خبره لأنه قال بدياً ما أنت قلت - ورب الكعبة - من أصبح جنباً فقد أفطر، محمد قال ذلك ورب الكعبة، وأفتى السائل عن ذلك بالإفطار، فلما أخذ [ أخبر ] برواية عائشة وأم سلمة تبرأ من عهدته وقال: لا علم لي بهذا، انما أخبرني به الفضل »(٢) .

عمر بن عبد العزيز الصدر الشهيد

وقد تقدم ما يفيد طعنه في أبي هريرة عن كتاب ( كتائب أعلام

__________________

(١). روضة العلماء.

(٢). أحكام القرآن ١ / ١٩٥.


الاخيار ).

الحنفية

وأبوهريرة مطعون لدى فقهاء الحنفية، وذلك مشهور عنهم، قال ابن حجر العسقلاني في كتاب البيوع: « قال الحنابلة: واعتذر الحنفية عن الاخذ بحديث المصراة بأعذار [ شتى ]، فمنهم من طعن في الحديث لكونه من رواية أبي هريرة ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة، فلا يؤخذ بما رواه مخالفاً للقياس الجلي، وهو كلام آذى به قائله [ قائله به ] نفسه، وفي حكايته غنى عن تكلف الرد عليه، وقد ترك أبو حنفية القياس الجلي لرواية أبي هريرة وأمثاله كما في الوضوء بنبيذ التمر ومن القهقهة في الصلاة وغير ذلك.

وأظن [ أن ] لهذه النكتة أورد البخاري حديث ابن مسعود عقب حديث أبي هريرة، إشارة منه الى أن ابن مسعود قد أفتى بوفق حديث أبي هريرة، فلولا أن خبر أبي هريرة في ذلك ثابت لما خالف ابن مسعود القياس الجلي في ذلك.

وقال ابن السمعاني في الاصطلام: التعرض الى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله، بل هو بدعة وضلالة، وقد اختص أبو هريرة بمزيد الحفظ لدعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له، يعني المتقدم في كتاب العلم وفي أول البيوع »(١) .

شيوخ المعتزلة

وتقدم قول أبي جعفر الاسكافي: « وأبوهريرة مدخول عند شيوخنا، غير مرضي الرواية، ضربه عمر رضي‌الله‌عنه بالدرة وقال له: قد أكثرت الرواية

__________________

(١). فتح الباري ٤ / ٢٩٠.


وأخرتك [ وأحر بك - ظ ] أن تكون كاذباً على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

أبوجعفر الإسكافي

وقد طعن فيه أبوجعفر الاسكافي كما سمعت، وقال أيضاً ( شرح النهج ) « ان معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية قبيحة في علي رضي‌الله‌عنه تقتضي الطعن والبراءة منه، وجعل لهم جعلا يرغب في مثله، فاختلفوا ما أرضاه، منهم: أبوهريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: عروة بن الزبير.

قال: وأما أبوهريرة: فروي عنه الحديث الذي معناه ان علياً رضي‌الله‌عنه خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسخطه، فخطب على المنبر وقال: لاها الله، لا يجتمع ابنة ولي الله وابنة عدو الله، ان فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها، فان كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي وليفعل ما يريد ، أو كلاماً هذا معناه، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي ».

أقول: بل يتبين عدم اعتماد الصحابة والتابعين على حديثه من كلام أبي هريرة نفسه، فقد أخرج عنه الحميدي أنه قال: « ألا انكم تحدثون أني أكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... »(١) .

وفي ( المرقاة ): « وعنه » أي أبي هريرة قال: « انكم » أي معشر التابعين وقيل الخطاب مع الصحابة المتأخرين - « تقولون: أكثر أبو هريرة » أي الرواية « عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله الموعد » أي: موعدنا، فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب، لان الأسرار تنكشف هنالك.

وقال الطيبي: أي لقاء الموعد، ويعني به يوم القيامة فهو يحاسبني على ما أزيد وأنقص، لا سيما على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قال: من كذب

__________________

(١). الجمع بين الصحيحين - مخطوط.


عليّ معتمداً فليتبوأ مقعده من النار »(١) .

وقال الاسكافي على ما نقل عنه: « روى الأعمش قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء الى مسجد الكوفة، فلما كثر [ فلما رأى كثرة ] من استقبله من الناس جثى على ركبتيه ثم ضرب صلعته مراراً وقال: يا أهل العراق، أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار والله لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ان لكل نبي حرما و [ ان ] حرمي المدينة [ بالمدينة ] ما بين عير الى ثور، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد [ بالله ] ان علياً أحدث فيها، فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه امارة المدينة.

قال ابن أبي الحديد: قلت: [ أما قوله ] ما بين عير الى ثور [ فالظاهر انه ] غلط من الراوي لان ثوراً بمكة وهو جبل يقال له ثور أطحل، وفيه الغار الذي دخله رسول الله [ النبي ] صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوبكر [ رضي‌الله‌عنه ]

فأما قول أبي هريرة ان علياً عليه‌السلام أحدث [ في المدينة ]، فحاش لله، كان علي عليه‌السلام أتقى لله من ذلك، و [ والله ] لقد نصر عثمان نصراً لو كان المحصور جعفر بن أبي طالب لم يبذل له الا مثله »(٢) .

و قال العيدروس اليمني: « وقال أبو هريرة يوم دفن الحسن بن علي: قاتل الله مروان قال والله ما كنت لادع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد دفن عثمان بالبقيع، فقلت: يا مروان اتق الله ولا تقل لعلي الا خيراً، فأشهد لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم خيبر لأعطينّ الراية رجلا يحب الله ورسوله ليس بفرار، وأشهد لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في الحسن: اللهم اني أحبه فأحبه وأحب من يحبه.

قال مروان: انك والله لقد أكثرت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١). المرقاة - شرح المشكاة ٥ / ٤٥٨.

(٢). شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٧.


الحديث فلا نسمع منك ما تقول، فهلم غيرك يعلم ما تقول، قالت قلت: هذا أبو سعيد الخدري، فقال مروان: لقد ضاع حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين لا يرويه الا أنت وأبو سعيد الخدري، والله ما أبو سعيد الخدري يوم مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا غلام، ولقد جئت أنت من جبال دوس قبل وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيسير، فاتق الله يا أباهريرة.

قال قلت: نعما اوصيت به، وسكت عنه »(١) .

٥ - أبى بن كعب

لقداتهم عمر بن الخطاب أبي بن كعب وأهانه قولا وفعلا، قال السمهودي « وقال ابن سعد أنا يزيد بن هارون أنا أبو أمية بن يعلى عن سالم أبي النضر قال: لما كثر المسلمون في عهد عمر رضي‌الله‌عنه وضاق بهم المسجد فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور الا دار العباس بن عبد المطلب وحجر أمهات المؤمنين، فقال عمر للعباس يا أبا الفضل ان مسجد المسلمين قد ضاق بهم وقد ابتعت ما حوله من المنازل نوسع به على المسلمين في مسجدهم الا دارك وحجر أمهات المؤمنين، فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها وأما دارك فبعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين أوسع بها في مسجدهم فقال العباس: ما كنت لأفعل، قال فقال له عمر: اختر مني إحدى ثلاث أما أن تبيعنيها بما شئت من بيت المال، وأما أن أحظك [ أخطك ] حيث شئت من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المسلمين، وأما أن تصدق بها على المسلمين فتوسع في مسجدهم فقال: لا ولا واحدة منها، فقال عمر: اجعل بيني وبينك من شئت، فقال: أبي بن كعب.

فانطلقا الى أبي فقصا عليه القصة، فقال أبي: ان شئتما حدثتكم بحديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالا: حدثنا، فقال: سمعت

__________________

(١). العقد النبوي - مخطوط.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ان الله أوحى الى داود ان ابن لي بيتاً أذكر فيه، فخط لي [ له ] هذه الخطة خطة بيت المقدس، فإذا تربيعها بزاوية بيت رجل من بني إسرائيل، فسأله داود أن يبيعه إياها فأبى، فحدث داود نفسه أن يأخذه منه، فأوحى الله اليه يا داود أمرتك أن تبني لي بيتاً أذكر فيه، فأردت أن تدخل في بيتي الغصب؟ وليس من شأني الغصب، وان عقوبتك أن لا تبنيه، قال: يا رب فمن ولدي؟ قال: فمن ولدك.

فأخذ [ عمر ] بمجامع ابى بن كعب فقال: جئتك بشيء فجئت بما هو أشد منه؟ لتخرجن مما قلت، فجاء يقوده حتى دخل المسجد فأوقفه على حلقة من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم أبو ذر، فقال أبي: نشدت الله رجلا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكر حديث بيت المقدس حين امر الله داود ان يبنيه الا ذكره، فقال أبو ذر: انا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال آخر: انا سمعته يعني من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال فأرسل أبياً، قال فأقبل ابي على عمر فقال: يا عمر أتتهمني على حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال عمر: والله يا ابا المنذر ما اتهمتك عليه ولكن أردت ان يكون الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظاهراً. قال: وقال عمر للعباس: اذهب فلا أعرض لك في دارك، فقال العباس اما إذ [ ا ] قلت ذلك فاني قد تصدقت بها على المسلمين أوسع عليهم في مسجدهم فأمّا وأنت نخاصمني فلا، قال: فخط له عمر داره التي هي اليوم وبناها من بيت مال المسلمين »(١) .

٦ - أنس بن مالك

لقد كذب انس بن مالك في قضية الطير المشوي، كما هو ظاهر كل الظهور على من راجع مجلد ( حديث الطير ) من كتابنا.

__________________

(١). وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ١ / ٤٨٢.


كما أنه كتم الشهادة عند ما ناشده امير المؤمنين عليه‌السلام في جماعة عن حديث الغدير، فكتم الشهادة، معتذراً بالنسيان كاذباً، فدعا عليه الامام عليه‌السلام وسرعان ما ظهر عليه اثر دعوته.

و في كتاب ( الأربعين ) لا سعد بن ابراهيم الاربلي عن شيخه ابن دحية الكلبي، عن سالم بن أبي الجعد قال: « حضرت مجلس انس بن مالك - وهو مكفوف البصر وفيه وضح - فقام اليه رجل من القوم - وكأنه كان بينه وبين انس إحنة - وقال له: يا صاحب رسول الله، ما هذه السمة التي أراها بك؟ فو الذي بعث محمداً نبياً لقد حدّثني ابي عن النبي ان الله قد بين ان البرص والجذام ما يبتلى به مؤمناً ونرى بك وضحاً، فأطرق انس بن مالك الى الأرض وعيناه تذرفان بالدمع وقال: أما الوضح فإنها من دعوة دعاها امير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقام اليه جماعة فسألوه ان يحدثهم بالحديث قال:

لما أنزلت سورة الكهف سأل الصحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يريهم اصحاب الكهف فوعدهم ذلك، فبينما هو جالس في بعض الأيام وقد اهدي له بساط من قرية يقال لها هندف من قرى الشام وحضرت الصحابة وذكروه بوعدهم فقال: احضروا علياً، فلما حضر قال لي: يا انس أبسط البساط وأمر أصحابه ان يجلسوا عليه. فلما جلسوا رفع يديه الى السماء ساعة وسأل الله تعالى وأمر علياً ان يكنف القوم ويسأل الله معه كما يسأل ان يبعث له ملائكة أربعة يحملون البساط وعليه الصحابة لان ينظروا اهل الكهف، فما كان الّا ساعة وارتفع البساط قال انس: وانا معهم وسرنا في الهواء الى الظهر فوقف البساط ثم وقعنا على الأرض، فشاهدنا اهل الكهف.

و كان علي يأمر البساط ان يمضي كما يريد، فكأنه كان يعرف الكهف وقال انزلوا نصلي، فنزلنا وأم بنا وصلينا وتقدمنا إليهم فرأينا قوماً نياماً تضيء وجوههم كالقناديل وعليهم ثياب بيض وكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ فملئنا منهم رعباً فتقدم علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه فقال: السلام


عليكم، فردوا عليه‌السلام فتقدمت الجماعة فسلموا فلم يردوا عليهم‌السلام ، فقال لهم علي: لم لم تردوا على اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال أحدهم: سل ابن عمك ونبيك ثم قال علي للجماعة: خذوا مجالسكم، فلما أخذوا قال علي رضي‌الله‌عنه : يا ملائكة الله ارفعوا البساط، فرفع فسرنا في الهواء ما شاء الله، ثم قال: ضعونا لنصلي الظهر، فاذا بأرض ليس بها ماء يشرب ولا يتوضأ، فركض برجله الارض فنبع ماء عذب، فتوضأنا وصلينا وشربنا فقال: ستدركون صلاة العصر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسار بنا الى العصر فإذا نحن على باب مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما رآنا هنأنا بالسلم وأقبل يحدثنا كأنه كان معنا وقال: يا علي لـمّا سلمت عليهم ردّوا السلام وسلّم اصحابي فلم يردّوا، فسألتهم عن ذلك قالوا: سل ابن عمك ونبيك ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يردّون السلام الّا على نبي أو وصي نبي، ثم قال: اشهد لعلي يا انس.

فلما كان يوم السقيفة استشهدني علي وقال: يا أنس اشهد لي بيوم البساط قلت له: اني نسيت، قال: فان كنت كتمتها بعد وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرماك الله ببياض في عينك ووجهك ولظى في جوفك وأعمى بصرك فبصرت وعميت.

وكان أنس لا يطيق الصيام في شهر رمضان ولا في غيره من حرارة بطنه، ومات بالبصرة، وكان يطعم كل يوم مسكيناً ».

وفي ( شرح نهج البلاغة ): « وذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أنّ عدة من الصحابة والتابعين والمحدثين كانوا منحرفين عن علي عليه‌السلام قائلين فيه السوء، ومنهم من كتم مناقبه وأعان أعداءه ميلا مع الدنيا وايثاراً للعاجلة، فمنهم أنس بن مالك، ناشد علي عليه‌السلام الناس في رحبة القصر - أو قال: رحبة الجامع - بالكوفة من [ أيكم ] سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه [ فعلي مولاه ]؟ فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها وأنس بن مالك في القوم لم يقم فقال له: يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد


فلقد حضرتها؟! فقال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت، فقال: اللهم ان كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة. قال طلحة بن عمير: فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.

وروى عثمان بن مطرف: ان رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب فقال: [ اني ] آليت ان لا أكتم حديثاً سئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة، ذلك [ ذاك ] رأس المتقين يوم القيامة، سمعته والله من نبيكم »(١) .

ولقد علم فيما تقدم طعن أبي حنيفة في جماعة من الصحابة منهم أنس ابن مالك.

٧ - زيد بن ارقم

وزيد بن أرقم أيضاً ممن كتم الشهادة بحديث الغدير، قال ابن المغازلي « أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الله بن شوذب قال حدثني [ أبي قال حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني حدثني ] أحمد بن يحيى بن عبد الحميد حدثني [ أبو ] إسرائيل الملائي عن الحكم بن [ عن ] أبي سليمان المؤذن عن زيد بن أرقم قال: نشد علي الناس في المسجد [ قال ]: انشد [ الله ] رجلا سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فكنت [ وكنت ] انا فيمن كتم، فذهب بصري »(٢) .

و رواه الحلبي في ( السيرة ٣ / ٣٣٧ ).

و الجامي في ( شواهد النبوة ) في كرامات الامام عليه‌السلام .

__________________

(١). شرح النهج ٤ / ٧٤.

(٢). مناقب أميرالمؤمنين: ٢٣.


٨ - البراء بن عازب

وهو أيضاً ممن كتم الشهادة بذلك، قال المحدث الشيرازي في حديث الغدير: « ورواه زر بن حبيش فقال: خرج علي من القصر فاستقبله ركبان متقلدي السيوف عليهم العمائم حديثي عهد بسفر، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا مولانا.

فقال علي بعد ما رد السلام: من هاهنا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام اثنا عشر رجلا منهم خالد بن زيد أبوأيوب الانصاري وخزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين وثابت بن قيس بن شماس وعمار بن ياسر وأبو الهيثم ابن التيهان وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وحبيب بن بديل بن ورقاء، فشهدوا انهم سمعوا رسول الله يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه الحديث.

فقال علي لانس بن مالك والبراء بن عازب: ما منعكما أن تقوما فتشهدا، فقد سمعتما كما سمع القوم؟ فقال: اللهم ان كانا كتماها معاندة فأبلهما، فأما البراء فعمي، فكان يسأل عن منزله فيقول كيف يرشد من أدركته الدعوة، وأما أنس فقد برصت قدماه »(١) .

وسيأتي هذا عن البلاذري أيضاً.

٩ - جرير بن عبد الله

وهو أيضاً ممن كتمها، قال البلاذري: « قال علي على المنبر: أنشد الله رجلا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، إلا قام فشهد، وتحت المنبر أنس بن مالك والبراء بن عازب وجرير بن عبد الله [ البجلي ]، فأعادها فلم يجبه احد، فقال: اللهم من كتم هذه الشهادة - وهو يعرفها - فلا نخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية

__________________

(١). الاربعين للمحدث الشيرازي - مخطوط.


يعرف بها قال: فبرص أنس وعمي البراء ورجع جرير أعرابياً بعد هجرته، فأتى السراة فمات في بيت أمه [ بالسراة ] »(١) .

١٠ - سمرة بن جندب

وقد باع سمرة بن جندب دينه بدنياه وآثر العاجلة على الآخرة، إذ ارتكب الكذب الصريح وأتى بالبهتان العظيم، قال ابن أبي الحديد « قال أبو جعفر: وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي ان هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ * وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) وان الآية الثانية [ ا ] نزلت في ابن ملجم وهي [ قوله تعالى ] ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاةِ اللهِ ) فلم يقبل.

فبذل له مائتي ألف [ درهم ] فلم يقبل.

فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل.

فبذل له أربعمائة ألف فقبل وروى ذلك »(٢) .

و في ( شرح النهج ) أيضاً: « وروى شريك قال أخبرنا عبيد [ عبد ] الله ابن معد [ سعد ] عن حجر بن عدي قال: قدمت المدينة فجلست الى أبي هريرة فقال ممن أنت؟ قلت: من أهل البصرة، قال: فما فعل سمرة بن جندب؟ قلت: هو حي، قال: ما [ احد ] أحب الي طول حياة منه، قلت: ولم ذاك؟ قال: ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي وله ولحذيفة بن اليمان: آخركم موتاً في النار فسبقنا حذيفة، واني الآن اتمنى ان أسبقه، قال: فبقي سمرة بن جندب حتى شهد مقتل الحسين [ بن علي ].

__________________

(١). انساب الاشراف ٢ / ١٥٦.

(٢). شرح النهج ٤ / ٧٣.


وروى احمد بن بشير عن مسعر بن كدام قال: كان سمرة [ ابن جندب ] أيام مسير الحسين عليه‌السلام الى الكوفة على شرطة عبيد الله بن زياد، وكان يحرض الناس على الخروج الى الحسين عليه‌السلام وقتاله »(١) .

ولقد علم فيما تقدم طعن أبي حنيفة في سمرة بن جندب.

١١ - المغيرة بن شعبة

لقداتهم أبوبكر المغيرة بن شعبة إذ ردّ خبره في ميراث الجدة حتى أخبره معه محمد بن مسلمة، ذكر ذلك جماعة منهم الغزالي في ( المستصفى ١ / ١٥٣ ).

وتقدم عن أبي جعفر الاسكافي: ان المغيرة كان يضع الأحاديث القبيحة في أمير المؤمنين عليه‌السلام بترغيب من معاوية بن أبي سفيان.

واتهمه عمر بن الخطاب إذ رد خبره في دية الاملاص فقد جاء في [ تذكرة الحفاظ ]: « وروى هشام عن أبيه المغيرة بن شعبة: ان عمر استشارهم في املاص المرأة - يعني السقط - فقال له المغيرة: قضى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغرة، فقال له عمر: ان كنت صادقاً فآت أحداً يعلم ذلك. قال: فشهد محمد بن مسلمة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى به »(٢) .

١٢ - عمرو بن العاص

وكان عمرو بن العاص من الصحابة الذين حرضهم معاوية بن أبي سفيان على وضع الاحاديث القبيحة في مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما مر فيما سبق في عبارة الاسكافي.

__________________

(١). شرح النهج ٤ / ٨٧.

(٢). تذكرة الحفاظ - ترجمة عمر بن الخطاب.


وكان قد تعود الكذب، حتى أنه كذب في خطبة له على رؤوس الاشهاد، الامر الذي اضطر بعضهم الى تكذيبه علانية فيما رواه البخاري في ( التاريخ الصغير ) وأحمد في ( المسند ) والطبري في ( التاريخ ).

قال الطبري: « لما اشتعل الوجع قام ابو عبيدة في الناس خطيباً فقال: ايها الناس ان هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وموت الصالحين قبلكم، وان أباعبيدة يسأل الله ان يقسم له منه حظه، فطعن فمات.

واستخلف على الناس معاذ بن جبل قال: فقام خطيباً بعده فقال: اما أيها الناس ان هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم، وان معاذاً يسأل الله أن يقسم لان معاذ منه حظهم، فطعن ابنه عبد الرحمن بن معاذ فمات، ثم قام فدعا به لنفسه فطعن في راحته، فلقد رأيته ينظر اليها ثم يقبل ظهر كفه ثم يقول: ما أحب ان لي بما فيك شيئاً من الدنيا.

فلما مات استخلف [ على ] الناس عمرو بن العاصي، فقام خطيباً في الناس فقال: ايها الناس ان هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار فتجبّلوا منه في الجبال. فقال أبوواثلة الهذلي: كذبت والله لقد صحبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنت شر من حماري هذا، قال: والله ما أرد عليك ما تقول وأيم الله لا نقيم عليه »(١) .

١٣ - معاوية بن أبى سفيان

ولقد كان معاوية بن أبي سفيان يحمل أصحابه الذين باعوه دينهم بدنياه على الكذب والافتراء ووضع الاحاديث، وقد كتب نسخة الى عماله بعد ما يسمى بـ « عام الجماعة » يأمرهم بقتل شيعة أميرالمؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١). تاريخ الطبري ٣ / ١٦٢ - ١٦٣.


ورواة فضائله، وبلعنه على المنابر ووضع الأحاديث في ذمه والثناء على مناوئيه ذكر ذلك كافة المؤرخين.

على ان معاوية نفسه كان يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد أخرج أحمد وأبوداود باسنادهما عن أبي شيخ الهنائي - واللفظ للاول: « ان معاوية قال لنفر من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتعلمون ان رسول الله نهى عن لباس الذهب الا مقطعا؟ قالوا: اللهم نعم، قال: وتعلمون انه نهى عن جلود النمور أن يركب عليها؟ قالوا: اللهم نعم، قال وتعلمون انه نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة؟ قالوا: اللهم نعم، قال: وتعلمون انه نهى عن المتعة - يعني متعة الحج -؟ قالوا: اللهم لا »(١) .

وكذب معاوية على قيس بن سعد، روى ذلك المؤرخون كالطبري وابن الأثير وابن تغرى بردي، قال ابن الأثير:

« فلما قرأ قيس كتابه ورأى انه لا يفيد معه المدافعة والمماطلة أظهر له مات في نفسه، فكتب اليه: أما بعد فالعجب من اغترارك بي وطمعك في واستسقاطك إياي، أتسومني الخروج عن طاعة أولى الناس بالامارة، وأقولهم بالحق، وأهداهم سبيلا، وأقربهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيلة، وتأمرني بالدخول في طاعتك طاعة أبعد الناس من هذا الأمر، وأقولهم بالزور، وأضلهم سبيلا، وأبعدهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيلة، ولد ضالين مضلين، طاغوت من طواغيت إبليس؟!

وأمّا قولك « اني مالئ عليك مصر خيلا ورجالا » فو الله ان لم أشغلك بنفسك حتى تكون أهم اليك انك لذو جد. والسلام.

فلما رأى معاوية كتابه أيس منه وثقل عليه مكانه ولم تنجع حيلة فيه، فكاده من قبل علي فقال لأهل الشام: لا تسبوا قيس بن سعد ولا تدعوا الى غزوة فانه لنا شيعة، قد تأتينا كتبه ونصيحته سراً، ألا ترون ما يفعل

__________________

(١). المسند ٤ / ٩٥.


باخوانكم الذين عنده من أهل خربتا؟ يجري عليهم اعطياتهم وأرزاقهم ويحسن إليهم.

وافتعل كتاباً عن قيس اليه بالطلب بدم عثمان والدخول معه في ذلك وقرأ على أهل الشام.

فبلغ ذلك علياً - ابلغه ذلك محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر بن أبي طالب وأعلمته عيونه بالشام - فأعظمه وأكبره، فدعا ابنيه وعبد الله بن جعفر فأعلمهم ذلك، فقال ابن جعفر: يا أمير المؤمنين دع ما يريبك الى مالا يريبك، اعزل قيساً عن مصر. فقال علي: اني والله ما أصدق بهذا عنه »(١) .

* ولقد كذب على جماعة فيهم سيدنا الامام الحسين السبط عليه‌السلام وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وعائشة، في قضية إقامة يزيد ابنه مقامه وأخذ البيعة له، إذ وكل بكل رجل منهم رجلين - بعد أن سبهم وهدّدهم بالقتل - وقام خطيباً فقال: « ان عبد الله بن عمر وابن الزبير والحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر بايعوا له ».

فكذبوه قائلين « لا والله ما بايعنا ولكن فعل بنا معاوية ما فعل »(٢) .

* ولقد ذمه وطعن فيه جماعة من أصحاب علي عليه‌السلام في وجهه، روى المسعودي بإسناده قال: « حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبد الله ابن الكواء اليشكري ورجالا من أصحاب علي عليه‌السلام مع رجال من قريش فدخل عليهم معاوية يوماً فقال: نشدتكم بالله الا [ ما ] قلتم حقاً وصدقاً، أي الخلفاء رأيتموني؟

فقال ابن الكواء: لو لا انك عزمت علينا ما قلنا، لأنك جبار عنيد، لا تراقب الله في قتل الاخيار، ولكنا نقول: انك ما علمنا واسع الدنيا، ضيق الآخرة قريب الثرى، بعيد المرعى، تجعل الظلمات نوراً والنور

__________________

(١). الكامل ٣ / ١٣٨.

(٢). تاريخ الاسلام للذهبي ١ / ٣٦، تاريخ الخلفاء للسيوطي ١٩٧ وغيرهما.


ظلمات. فقال معاوية ان الله أكرم هذا الامر بأهل الشام الذابين عن بيضته التاركين لمحارمه، ولم يكونوا كأمثال اهل العراق المنتهكين لمحارم الله المحلين ما حرم الله والمحرمين ما أحل الله، فقال عبد الله بن الكواء: يا ابن أبي سفيان، ان لكل كلام جواباً، ونحن نخاف جبروتك، فان كنت تطلق ألسنتنا ذببنا عن أهل العراق بألسنة حداد لا يأخذها في الله لومة لائم، والا فانا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فرجه، قال: والله لا يطلق لك لسان.

ثم تكلم صعصعة فقال: تكلمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت، ولم تقصرعما اردت، وليس الامر على ما ذكرت، انى يكون الخيفة من ملك الناس قهراً ودانهم كبراً واستولى بأسلوب الباطل كذباً ومكراً، أما والله مالك في يوم بدر مضرب ولا مرمى، وما كنت فيه الا كما قال القائل: « لا حلي ولا سيرى » ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانما أنت طليق ابن طليق، اطلقكما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنى تصلح الخلافة لطليق؟ فقال معاوية: لولا اني أرجع الى قول أبي طالب حيث يقول:

قابلت جهلهم حلماً ومغفرة

والعفو عن قدرة ضرب من الكرم

لقتلكم »(١) .

* ولقد وصفه سيدنا امير المؤمنين عليه‌السلام - وهو الصديق الأكبر - بـ « الكذاب » بصراحة، فقد جاء في ( ينابيع المودة ) ما نصه: « وفي المناقب عن الحسن بن ابراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عن آبائه ان أمير المؤمنين عليه‌السلام كتب الى أهل مصر لما بعث محمد بن أبي بكر إليهم كتاباً فقال فيه: « وإياكم دعوة ابن هند الكذاب، واعملوا أنه لا سواء امام الهدى وامام الهوى و وصي النبي وعد والنبي »(٢) .

__________________

(١). مروج الذهب ٣ / ٤٠ - ٤١.

(٢). ينابيع المودة ٨٠.


ومن العجائب تكذيب معاوية بعض الاصحاب في خبر رواه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد أخرج مسلم والنسائي والطحاوي وابن الأثير وغيرهم عن عبادة بن الصامت انه قال: « انى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عيناً بعين فمن زاد او ازداد فقد أربى، فرد الناس ما أخذوا.

فبلغ ذلك معاوية فقام خطيباً فقال: [ ألا ] ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث؟ قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان كره معاوية - او قال وان رغم - ما أبالي ان لا أصحبه في جنده ليلة سوداء »(١) .

* وأخرج احمد في مسند معاوية والبخاري في « كتاب الاحكام » و « كتاب المناقب » عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث انه بلغ معاوية - وهو عنده في وفد من قريش - ان عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث انه سيكون ملك من قحطان - فغضب معاوية فقام فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله ثم قال: أما بعد فانه بلغني ان رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أولئك جهالكم، فإياكم والاماني التي تضل أهلها، فانى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ان هذا في قريش لا ينازعهم أحد الا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ».

١٤ - الذين جاؤا بالافك

قال الله تعالى: ( ان الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لاتحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم، لكل امرىء منهم ما اكتسب من الاثم والذبن

__________________

(١). صحيح مسلم ١ / ٤٦٥.


تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ * وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ * عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١) .

أليس « الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ » من الصحابة والصحابيات وتلك اسماؤهم مسجلة في الكتب؟ فهل كلهم ثقة مؤتمن؟.

١٥ - الوليد بن عقبة

لقد نص القرآن الكريم على فسق الوليد بن عقبة بن أبي معيط - أخي عثمان لامه - وعلى عدم جواز الاعتماد على خبره بقوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) (٢) .

قال ابن عبد البر بترجمته: « ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن - فيما علمت - ان قوله عز وجل: ( إِنْ جائَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأً ) نزلت في الوليد بن عقبة »(٣) .

كما يشهد قوله تعالى: ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (٤) على فسقه كذلك، قال ابن عبد البر: « ومن حديث الحكم عن

__________________

(١). سورة النور ١٢ - ١٨.

(٢). سورة الحجرات ٦.

(٣). الاستيعاب ٤ / ١٥٥٣.

(٤). سورة السجدة ١٨.


سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة في قصة ذكرها: افمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون »(١) .

وقد ذكر ابن طلحة الشافعي تلك القصة عن أبي الحسن الواحدي وأبي إسحاق الثعلبي، وأورد قصيدة حسان بن ثابت التي ضمنها اياها، وتكلم على القصة بالتفصيل، فليراجع(٢) .

ومن عجائب الأمور: ان يخرج له أبوداود في سننه، ويعدوه من رجال الصحاح ويروي جماعة عنه، كما لا يخفى على من راجع كتب رجال الحديث.

١٦ - بعض الاصحاب

لقد كذب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة من الاصحاب في قصة أهل هجرة الحبشة فيما رواه المتقى: « عن الشعبي قال: لما أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل جعفر بن أبي طالب ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرأته اسماء بنت عميس حتى فاضت عبرتها فذهب بعض حزنها، ثم أتاها فعزاها ودعا بني جعفر فدعا لهم ودعا لعبد الله بن جعفر ان يبارك له في صفقة يده، فكان لا يشتري شيئاً الا ربح فيه، فقالت له اسماء: يا رسول الله ان هؤلاء يزعمون أنا لسنا من المهاجرين، فقال: كذبوا، لكم الهجرة مرتين، هاجرتم الى النجاشي وهاجرتم الي. ش »(٣) .

* وكذب جماعة منهم في قصة عمل عامر بن الأكوع في حديث أخرجه الشيخان في غزوة خيبر عن سلمة بن الاكوع - واللفظ لمسلم - قال: « فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب ركبة عامر فمات منه، قال: فلما قفلوا قال سلمة

__________________

(١). الاستيعاب ٤ / ١٥٥٤.

(٢). مطالب السؤل ٥٧.

(٣). كنز العمال ١٥ / ٢٩٤.


- وهو آخذ بيدي - قال: فلما رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساكناً قال: مالك؟ قلت له: فداك أبي وأمي زعموا ان عامراً حبط عمله. قال: من قاله؟ قلت: فلان وفلان وأسيد بن حضير الأنصاري، فقال: كذب من قاله، ان له لاجرين - وجميع بين إصبعيه - انه لجاهد مجاهد قل عربي مشي بها مثله ».

* و قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة له بعد نزول: ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ... الآية ) - رواها شهاب الدين أحمد « قال: اتقوا الله ايها الناس حتى تقاته ولا نموتن الا وانتم مسلمون، واعلموا ان الله بكل شيء محيط، وانه سيكون من بعدي أقوام يكذبون علي فيقبل منهم، ومعاذ الله ان أقول على الله الا الحق، أو انطق بأمره الا الصدق وما آمركم الا ما أمرني به، ولا ادعوكم الا الى الله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

فقام اليه عبادة بن الصامت فقال: ومتى ذاك يا رسول الله؟ ومن هؤلاء؟ عرفناهم لنحذرهم.

قال: أقوام قد استعدوا لنا من يومهم وسيظهرون لكم إذا بلغت النفس مني هاهنا - وأومىء صلّى الله عليه وبارك وسلّم الى حلقه -.

فقال عبادة: اذا كان ذلك فإلى من يا رسول الله؟

فقال صلّى الله عليه وبارك وسلّم: عليكم بالسمع والطاعة للسابقين من عترتي والاخذين من نبوتي، فإنهم يصدونكم عن الغي ويدعونكم الى الخير وهم اهل الحق ومعادن الصدق، يحيون فيكم الكتاب والسنة يجنبونكم الإلحاد والبدعة ويقمعون الحق أهل الباطل، لا يميلون مع الجاهل »(١) .

فهل كلهم ثقة مؤتمن؟

* لقد صرح أميرالمؤمنين عليه‌السلام - في كلام له - بكذب بعض الاصحاب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، روى ذلك سبط ابن الجوزي

__________________

(١). توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل - مخطوط.


حيث قال: « ومن كلامه في أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وبه قال الشعبي: حدثني من سمع علياً عليه‌السلام وقد سئل عن سبب اختلاف الناس في الحديث، فقال عليه‌السلام : الناس أربعة، منافق مظهر للايمان [ و ] مضيع للإسلام [ وقلبه يأبى الايمان ] لا يتأثم ولا يتحرج، كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلو علم الناس [ حاله ] لما أخذوا عنه ولكنهم قالوا « صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! » فأخذوا بقوله، وقد أخبر الله عن المنافقين بما اخبر ووصفهم بما وصف، ثم انهم عاشوا بعده فتقربوا الى أئمة الضلالة والدعاة الى النار بالزور والبهتان فولوهم الاعمال وجعلوهم على رقاب الناس فأكلوا بهم الدنيا، وانما الناس تبع للملوك الا من عصمه الله عز وجل

هذه رواية الشعبي، وفي رواية كميل بن زياد عنه انه قال:

ان في أيدى الناس حقاً وباطلا وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً وعاماً وخاصاً ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً و وهماً، وقد كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهده حتى قام خطيباً فقال: من كذب على متعمداً فليتبوء مقعده من النار ، وانما يأتيك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس، وذكرهم.

قلت: وقد روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الحديث - وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كذب على متعمداً فليتبوء مقعده من النار - مائة وعشرون من الصحابة ذكرتهم في كتابي المترجم بـ « حق اليقين »، وأما طريق على عليه‌السلام فأخبرنا غير واحد عن عبد الاول الصوفي أنبا [ نا ] ابن المظفر الداودي، أنبأ [ نا ] ابن أعين السرخسي، أنبأ [ حدثنا ] الفربري ثنا البخاري ثنا علي بن الجعد ثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن خراش قال: سمعت علياً عليه‌السلام يقول سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار.

اخرجاه في الصحيحين واخرجه احمد في المسند، والجماعة »(١) .

__________________

(١). تذكرة خواص الامة ١٤٢.


فكيف يكون كلهم ثقة ..؟

* ولقد كان عمر بن الخطاب يخوف الناس في عهده في الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لذا لم يعتمد معاوية - مع كونه من أكذب الناس - على كثير من الأحاديث المروية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا ما كان منها في عهد عمر، قال الذهبي بترجمة عمر: « ابن علية عن رجاء ابن أبي سلمة: قال: بلغني ان معاوية كان يقول: عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر، فانه قد اخاف الناس في الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

وقال عمر لاصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فيما رواه ابن عبد البر باسناده -: « أقلوا الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا شريككم. قال ابن عبد البر: وهذا يدل على ان نهيه عن الإكثار وأمره بالاقلال من الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما كان خوف الكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

* وكذّب عوف بن مالك الصحابي قوماً من الصحابة فكذبهم عمر كذلك فقد روى ابن أبي الحديد في سيرة عمر: « حضر [ ت ] عند عمر قوم من الصحابة، فأثنوا عليه وقالوا: والله ما رأينا يا أمير المؤمنين رجلا أقضى منك بالقسط و [ لا ] أقول، ولا أشد على المنافقين منك، انك لخير الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال عوف بن مالك كذبتم والله، أبو بكر بعد رسول الله خير منه [ أمته ]، رأينا أبا بكر، فقال عمر صدق عوف والله وكذبتم، لقد كان أبو بكر والله أطيب من ريح المسك وأنا أضل من بعير أهلي »(٣) .

* وكذبت جماعة من الصحابيات في قضية زفاف عائشة، فقد أخرج

__________________

(١). تذكرة الحفاظ - ترجمة عمر.

(٢). جامع بيان العلم ٤٠٠.

(٣). شرح النهج ١٢ / ٣٦.


أحمد قائلا: « ثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن ابن أبي الحسين عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: كنا فيمن جهز عائشة وزفها، قالت: فعرض علينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبناً، فقلنا: لا نريده، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تجمعن جوعاً وكذباً »(١) .

* ومما استفاض نقله: ان بعض نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علمن إحدى زوجاته - حسداً منهن لها وعناداً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن تستعيذ بالله منه حين يدخل عليها، كي ينتهي ذلك الى تطليق النبي إياها.

وممن روى ذلك ابن سعد والحاكم والطبري، وجماعة من شراح البخاري، وابن عبد البر وابن الأثير ونحن نكتفي برواية ابن سعد حيث قال: « أخبرنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال: تزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسماء بنت النعمان وكانت من أجمل أهل زمانها وأشبّه ( أشبّهم. ظ )، قال: فلما جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتزوج الغرائب قالت عائشة قد وضع يده في الغرائب، يوشكن أن يصرفن وجهه عنا، وكان خطبها حين وفدت كندة عليه الى أبيها فلما رآها نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسدنها فقلن لها: ان أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه اذا دخل عليك، فلما دخل وألقى الستر مد يده اليها فقالت: أعوذ بالله منك، فقال: أمن عائذا لله، الحقي بأهلك.

أخبرنا هشام بن محمد، حدثني ابن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد الساعدي عن أبيه - وكان بدرياً - قال: تزوج رسول الله أسماء بنت النعمان الجونية، فأرسلني فجئت بها، فقالت حفصة لعائشة - أو عائشة لحفصة - اخضبيها أنت وأنا أمشطها، ففعلنا [ ففعلن ] ثم قالت لها إحداهما: ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ بالله منك، فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مديدة إليها، فقالت: أعوذ

__________________

(١). المسند ٦ / ٤٥٩.


بالله منك، فقال بكمه على وجهه فاستتر به وقال: عذت معاذاً - ثلاث مرات -.

قال أبو أسيد: ثم خرج علي فقال: يا أبا أسيد ألحقها بأهلها ومتعها برازقيتين - يعني كرباستين - فكانت تقول: ادعوني الشقية.

أخبرنا هشام بن محمد السائب، حدثني زهير بن معاوية الجعفي: انها ماتت كمداً »(١) .

١٧ - معقل بن سنان

لقد رد أميرالمؤمنين عليه‌السلام خبر معقل بن سنان الأشجعي في المفوضة فيما رواه جماعة كالغزالي والآمدي وأبي الوليد الباجي وعبد العزيز البخاري وابن الهمام وغيرهم، قال المتقى: « عن علي انه قال في المتوفى عنها ولم يفرض لها صداقاً: لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها ، و قال: لا يقبل قول اعرابي من أشجع على كتاب الله. ص ق »(٢) .

١٨ - هشام بن حكيم

وكذّب عمر بن الخطاب هشام بن حكيم على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد أخرج البخاري قائلا: « حدثنا سعيد بن عفير [ قال ] حدثني الليث [ قال ] حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير ان المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فكدت اساوره في الصلاة فتصبرت حتى

__________________

(١). الطبقات الكبرى ٨ / ١٤٥.

(٢). كنز العمال ١١ / ٢٩.


سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرئك هذه السورة التي [ سمعتك ] تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت كذبت، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت.

فانطلقت به أقوده الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: اني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرسله، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك أنزلت. ثم قال اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك أنزلت، ان هذا القرآن أنزل [ على ] سبعة أحرف، فاقرؤا ما تيسر منه »(١) .

١٩ - رجل من الصحابة

كذبه الشعبي - وهو من كبار التابعين - قال الذهبي: « قال الحاكم في ترجمة الشعبي: ثنا ابراهيم بن مضارب العمري [ القمري ] ثنا محمد بن اسماعيل ابن مهران نا عبد الواحد بن نجدة الحوطي نا بقية نا سعيد بن عبد العزيز حدثني ربيعة بن يزيد قال: قعدت الى الشعبي بدمشق في خلافة عبد الملك. فحدث رجل من الصحابة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: اعبدوا ربكم ولا تشركوا به شيئاً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الأمراء، فان كان خيراً فلكم، وان كان شراً فعليهم وأنتم منه براء.

فقال له الشعبي: « كذبت »(٢) .

٢٠ - طلحة والزبير وعبد الله بن الزبير

لقد كذب هؤلاء - وهم من مشاهير الصحابة - في حرب الجمل في

__________________

(١). صحيح البخاري ٦ / ٢٢٧.

(٢). تذكرة الحفاظ - ترجمة الشعبي -.


قضية « الحوأب » وحملوا الناس على أن يشهدوا زوراً في قصة معروفة رواها المؤرّخون بأجمعهم، كابن قتيبة والطّبري وأبناء الأثير وخلدون والوردي والشحنة، وأبي الفداء والمسعودي والسمعاني والحموي

قال الطبري: « شراء الجمل لعائشة رضي الله عنها وخبر كلاب الحوأب:

حدثني اسماعيل بن موسى الفزاري قال: نا علي بن عابس الأزرق قال: ثنا ابو الخطاب الهجري عن صفوان بن قبيصة الاحمسي قال: حدثني العرني صاحب الجمل قال: بينما أنا أسير على جمل اذ عرض لي راكب فقال: يا صاحب الجمل [ أ ] تبيع جملك؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت: بألف درهم. قال: مجنون أنت؟ جمل يباع بألف درهم؟ قال قلت: نعم جمل [ جملي ] هذا. قال: ومم ذلك؟ قلت: ما طلبت عليه أحداً قط الا أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد قط إلا فته. قال: لو تعلم لمن نريده لا حسنت بيعنا. قال قلت: ولمن تريده؟ قال: لامك. قلت: لقد تركت أمي في بيتها قاعدة ما تريد براحا. قال: انما أريده لام المؤمنين عائشة، قلت: فهو لك، خذه بغير ثمن، قال: لا ولكن ارجع معنا الى البرحل فلنعطك ناقة مهريّة، وزادوني أربعمائة أو ستمائة درهم.

فقال لي: يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق؟ قال قلت: نعم انا من ادرك [ أدل ] الناس قال: فسر معنا، فسرت معهم فلا امر على واد ولا ماء الا سألوني عنه حتى قرطنا ماء الحوأب، قال: فصرخت عائشة بأعلى صوتها ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، ثم قالت: وانا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقاً، ردوني، تقول ذلك ثلاثاً، فأناخت وأناخوا حولها وهم على ذلك، وهي تأبى حتى كانت الساعة التي أناخوا فيها من الغد. قال: فجاءها ابن الزبير فقال: النجاء فقد أدرككم والله علي بن بي طالب. قال: فارتحلوا. وشتموني فانصرفت »(١) .

__________________

(١). تاريخ الطبري ٣ / ٤٧٥.


وفي ( الكامل ): « فقال لها عبد الله بن الزبير: انه كذب، ولم يزل بها وهي تمتنع، فقال لها: النجاء النجاء! قد أدرككم علي بن أبي طالب، فارتحلوا نحو البصرة »(١) .

ولم يسم ابن خلدون القائل، فقال: « فقالت عائشة ردوني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول - وعنده نساؤه - ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب، ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وأقامت بهم يوماً وليلة الى ان قيل: النجا النجا قد أدرككم علي، فارتحلوا نحو البصرة »(٢) .

وفي ( مروج الذهب ) « فقال [ ابن ] الزبير: بالله ما هذا الحوأب ولقد غلط فيما اخبرك به، وكان طلحة في ساقة الناس فلحقها فأقسم ان ذلك ليس بالحوأب، وشهد معهما خمسون رجلا ممن كان معهم، فكان ذلك اول شهادة زور أقيمت في الإسلام »(٣) .

وقال ابن قتيبة « وأتى عبد الله بن الزبير فحلف لها بالله لقد خلفتيه اول الليل، وأتاها ببينة زور من الاعراب فشهدوا بذلك، فزعموا انها اول شهادة زور شهد بها في الإسلام »(٤) .

وفي ( شرح النهج ) « فقال لها الزبير: مهلا يرحمك الله، فانا قد جزنا ماء الحوأب بفراسخ كثيرة، فقالت: أعندك من يشهد بأن هذه الكلاب النابحة ليست على ماء الحوأب؟ فلفق لها الزبير وطلحة خمسين اعرابياً جعلالهم جعلا فحلفوا لها وشهدوا ان هذا الماء ليس [ بـ ] ماء الحوأب، فكانت هذه اول شهادة زور في الإسلام، فسارت عائشة لوجهها »(٥) .

__________________

(١). الكامل ٣ / ١٠٧.

(٢). تاريخ ابن خلدون المجلد ٢ / ١٠٦٥.

(٣). مروج الذهب ٢ / ٣٥٨.

(٤). الامامة والسياسة ١ / ٦٣.

(٥). شرح النهج ٩ / ٣١١.


٢١ - زوجة رفاعة

لقد كذبت هذه الصحابية على زوجها الثاني بحضرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيما أخرجه البخاري في كتاب اللباس باب الثياب الخضر من [ صحيحه ] ورواه البغوي والرازي والخازن والسيوطي والشربيني والزمخشري كلهم بتفسير قوله عز وجل « فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره »(١) .

قال الزمخشري: « روى عن عائشة رضي الله عنها: ان امرأة رفاعة جاءت الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: ان رفاعة طلقني فبت طلاقي وان عبد الرحمن ابن الزبير تزوجني، وانما معه مثل هدبة الثوب، وانه طلقني قبل ان يمسني، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتريدين ان ترجعى الى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.

وروى انها لبثت ما شاء الله ثم رجعت فقالت: انه كان قد مسني، فقال لها كذبت في قولك الاول فلن اصدقك في الاخر، فلبثت حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فأتت ابابكر رضي‌الله‌عنه فقالت: أأرجع الى زوجي الاول؟ فقال: قد عهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قال لك ما قال، فلا ترجعي اليه.

فلما بعض ابوبكر رضي‌الله‌عنه قالت مثله لعمر رضي‌الله‌عنه فقال: ان أتيتيني بعد مرتك هذه لأرجمنك، فمنعها »(٢) .

٢٢ - الغميصا - أو الرميصا

وقد كذبت هذه الصحابية على زوجها الثاني عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد اخرج النسائي ما نصه: « اخبرنا علي بن حجر قال أخبرنا

__________________

(١). سورة البقرة: ٢٣٠.

(٢). الكشاف ١ / ٢٧٥.


هشيم قال اخبرنا يحيى عن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس ان الغميصا - أو الرميصا - أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تشتكي زوجها انه لا يصل اليها، فلم تلبث ان جاء زوجها فقال: يا رسول الله هي كاذبة وهو يصل اليها، ولكنها تريد أن ترجع الى زوجها الاول، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس ذلك لها حتى تذوق عسيلته »(١) .

٢٣ - فاطمة بنت قيس

لقد كذّبها عمر بن الخطاب في حديثها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه لم يجعل للمطلقة ثلاثاً سكنى ولا نفقة، وقد روى ذلك من الفقهاء الطحاوي في ( معاني الآثار ) والسرخسي في ( المبسوط ) والكاساني في ( بدائع الصنائع ) والمرغيناني في ( الهداية ) في « كتاب الطلاق » ومن الأصوليين الآمدي في ( الاحكام ) والغزالي في ( المستصفى ) والبخاري في ( كشف الاسرار ) وعبد العلي في ( فواتح الرحموت ) وغيرهم.

بل لقد كذبها جماعة من الاصحاب فيما ذكروا. قال العيني: « وحديث فاطمة لا يجوز الاحتجاج به من وجوه، الاول: ان كبار الصحابة رضي الله عنهم أنكروا عليها كعمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد وعائشة رضي الله عنهم، حتى قالت لفاطمة فيما رواه البخاري الا تتقي الله. وروى انها قالت لها: لا خير لك فيه. ومثل هذا الكلام لا يقال الّا لمن ارتكب بدعة محرمة »(٢) .

٢٤ - بسرة بنت صفوان

ولقد كذّب جماعة من الصحابة والصحابيات هذه الصحابية المهاجرة

__________________

(١). السنن للنسائى ٢ / ٩٧.

(٢). شرح كنز الدقائق للعينى ١ / ٢٣٣.


في حديثها، فيما رواه الطحاوي في ( معاني الآثار ) والعيني في ( شرح الهداية ) في كتاب الطهارة، وعبد العزيز البخاري في ( كشف الأسرار ) في « تقسيم الراوي ».

قال عبد العزيز البخاري: « وكذلك حديث بسرة أي وكحديث فاطمة في المبتوتة حديث بسرة بنت صفوان الذي تمسك به الشافعي في ان مس الفرج نفسه او غيره بباطن الكف بلا حائل حدث، من هذا القسم وهو المستنكر، فان عمر وعلياً وابن مسعود وابن عباس وعماراً وابا الدرداء وسعد بن أبي وقاص وعمران بن الحصين رضي الله عنهم لم يعملوا به، حتى قال علي رضي‌الله‌عنه لا أبالي أمسسته ام ارنبة أنفي، وكذا نقل عن جماعة من الصحابة، وقال بعضهم: ان كان نجساً فاقطعه.

وتذاكر عروة ومروان الوضوء من مس الفرج، فقال مروان: حدثتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر بالوضوء من مس الفرج، فلم يرفع عروة بحديثها رأساً، وروى ابن زيد عن ربيعة انه كان يقول: هل يأخذ بحديث بسرة أحد، والله لو أن بسرة شهدت على هذه النعل لما أجزت شهادتها، انما قوام الدين الصلاة، وانما قوام الصلاة الطهور، فلم يكن في صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يقيم هذا الدين الا بسرة!! قال ابن زيد: على هذا أدركنا مشايخنا، ما منهم أحد يرى في مس الذكر وضوءاً.

وعن يحيى بن معين انه قال: ثلاثة من الاخبار لا يصح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها: خبر مس الذكر.

ووقعت هذه المسألة في زمن عبد الملك بن مروان، فشاور الصحابة، فأجمع من بقي منهم على انه لا وضوء فيه وقالوا: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت. يعنون بسرة بنت صفوان »(١) .

__________________

(١). كشف الاسرار ٢ / ٧١١.


٢٥ - عائشة وحفصة

لقد ادعتا باطلا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فردهما النبي فيما أخرجه الحاكم وابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر العسقلاني، وهذا نص ما جاء في ( المستدرك ) قال: « أخبرنا دعلج بن أحمد السجزي ثنا عبد العزيز ابن معاوية البصري ثنا شاذ بن فياض أبوعبيدة ثنا هاشم بن سعيد عن كنانة عن صفية رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أبكي، فقال: يا بنت حي ما يبكيك؟ قلت: بلغت [ بلغني ] ان حفصة وعائشة ينالان مني ويقولان نحن خير منها، نحن بنات عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأزواجه.

قال: ألا قلت: كيف تكونون [ تكونان ] خيراً مني وأبي هارون وعمي موسوى زوجي محمد »(١) .

* وقصة تواطئهما في أمر العسل مشهورة، وقد نزل بها القرآن ورويت في الصحاح والمسانيد، فأخرجها البخاري في كتاب التفسير، وكتاب الايمان والنذور، ومسلم في كتاب الطلاق. ورواه جلال الدين السيوطي في ( الدر المنثور ) بتفسير سورة التحريم عن ابن سعد وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن مردويه

قال البخاري في كتاب الطلاق: « حدثني الحسن بن محمد بن [ الـ ] صباح حدثنا حجاج عن ابن جريح قال: زعم عطاء انه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمكث عند زينب ابنة جحش ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة ان أيتنا دخل عليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلتقل: اني [ لـ ] أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على اظحداهما فقالت له ذلك، فقال: لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له، فنزلت ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما

__________________

(١). المستدرك ٤ / ٢٩.


أَحَلَّ اللهُ لَكَ ) الى: « أن تتوبا الى الله » لعائشة وحفصة « واذ اسر النبي الى بعض أزواجه حديثاً » لقوله: بل شربت عسلا »(١) .

* وكذبت عائشة عند ما أرسلها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتطلع على امرأة من كلب خطبها روى ذلك جماعة منهم ابن قتيبة والخطيب بترجمة ( محمد بن أحمد أبي بكر المؤدب ) من [ تاريخه ] وابن القيم في ( أخبار النساء ص ٩ )، وهذه رواية ابن قتيبة: « عن عائشة رضي الله عنها قالت خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرأة من كلب، فبعثني أنظر اليها، فقال لي: كيف رأيت؟ فقلت: ما رأيت طائلا، فقال: لقد رأيت خالا بخدها اقشعر كل شعرة منك على حدة، فقالت: ما دونك سر »(٢) .

* وكذبت عائشة في كلام لها رواه أحمد حيث قال: « ثنا محمد بن عبيد ثنا وائل [ حدثني وائل بن داود ] قال: سمعت البهي يحدث ان [ عن ] عائشة قال: ما بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زيد بن حارثة في جيش قط الا أمره عليهم، وان [ لو ] بقي بعده استخلفه »(٣) .

فقولها « وان بقي بعده استخلفه » كذب صريح لدى عامة المسلمين، لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن ليستخلف زيداً أبداً، لانه ليس من قريش، ولانه مفضول اجماعاً

* وكذبت عائشة حيث أنكرت « ان علياً كان وصياً » فيما رواه أحمد في [ المسند ] قائلا: « ثنا اسماعيل عن ابن عون عن ابراهيم عن الأسود قال: ذكروا عند عائشة ان علياً كان وصياً، فقالت: متى أوصى اليه؟ فقد كنت مسندته الى صدري، أو قالت في حجري، فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري وما شعرت انه مات، فمتى أوصى اليه؟ ».

__________________

(١). صحيح البخاري ٧ / ٥٦ - ٥٧.

(٢). عيون الاخبار لابن قتيبة. كتاب النساء: ١٩.

(٣). المسند ٦ / ٢٢٦ - ٢٢٧.


ولو أردنا ذكر وجوه فساد إنكارها وصاية أمير المؤمنين عليه‌السلام لطال بنا المقام، فلنكتف بكلمة موجزة لابن روزبهان اعترف فيها هذا المكابر العنيد بوصاية علي عليه‌السلام ، فانه قال في [ إبطال الباطل ] في الرد على العلامة الحلي رحمه‌الله « أقول: ما ذكره المصنف من علم أمير المؤمنين فلا شك في أنه من علماء الامة والناس محتاجون اليه فيه، كيف لا وهو وصي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إبلاغ العلم وبدائع حقائق المعارف، فلا نزاع فيه لاحد ».

وقولها: « فقد كنت مسندته الى صدري » كذب آخر، ومن العجيب اعترافها هي بذلك كما في بعض الأحاديث، فقد قال الحافظ الكنجي: « أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن الحسن الصالحي، أخبرنا الحافظ أبو القاسم الدمشقي، أخبرنا أبو غالب بن البنا، أخبرنا أبو الغنائم بن المأمون، أخبرنا امام أهل الحديث أبو الحسن الدارقطني، أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد ابن بشر الجبلي، حدثنا علي بن الحسين بن عبيد بن كعب حدثنا اسماعيل بن ريان، حدثنا عبد الله بن مسلم الملائي، عن أبيه عن ابراهيم عن علقمة والأسود عن عائشة قالت:

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهو في بيتها لما حضره الموت - ادعوا لي حبيبي، فدعوت له أبا بكر، فنظر اليه ثم وضع رأسه، ثم قال: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له عمر، فلما نظر اليه وضع رأسه، ثم قال: ادعوا لي حبيبي فقلت: ويلكم! ادعوا له عليا، فو الله ما يريد غيره، فلما رآه فرج [ أفرج ] الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه [ منه ]، فلم يزل محتضنه حتى قبض ويده عليه »(١) .

* ولقد خانت عائشة حين كتمت اسم علي عليه‌السلام في حديثها عن خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه متوكأ على رجلين، وذلك لأنها - كما قال ابن عباس - « لا تطيب له نفساً ».

__________________

(١). كفاية الطالب ٢٦٢.


وقد أخرج ذلك الشيخان وأحمد وهذا لفظه: « ثنا عبد الاعلى عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت: لما مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت ميمونة، فاستأذن نسائه أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معتمداً على العباس وعلى رجل آخر، ورجلاه تخطان في الأرض، وقال عبيد الله [ فـ ] قال ابن عباس: اتدري من ذلك رجل؟ هو علي بن أبي طالب ولكن عائشة لا تطيب له [ لها ] نفساً »(١) .

وأضاف شراح البخاري: العيني وابن حجر والقسطلاني في شرحه ما يلي بلفظ الاول: « قلت: وفي رواية الاسماعيلي من رواية عبد الرزاق عن معمر: ولكن عائشة لا تطيب نفساً له بخير. وفي رواية ابن إسحاق في المغازي عن الزهري: ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير، وقال بعضهم: وفي هذا رد على من زعم انها أبهمت الثاني لكونه لم يتعين في جميع المسافة ولا معظمها قلت: أشار بهذا الى الرد على النووي ولكنه ما صرح باسمه لاعتنائه به ومحاماته له »(٢) .

ثم قال ابن حجر: « ولم يقف الكرماني على هذه الزيادة فعبر عنها بعبارة شنيعة، وفي هذا رد على من تنطع فقال: لا يجوز أن يظن ذلك بعائشة، ورد على من زعم أنها أبهمت الثاني لكونه لم يتعين في جميع المسافة، إذ كان تارة يتوكأ على الفضل وتارة على أسامة وتارة على علي، وفي جميع ذلك الرجل الآخر هو العباس، واختص بذلك اكراماً له.

وهذا توهم ممن قاله، والواقع خلافه، لان ابن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأن المبهم علي فهو المعتمد والله أعلم »(٣) .

* ولقداتهم الزهري - وهو من مشاهير التابعين والمنحرفين عن

__________________

(١). المسند ٦ / ٣٤.

(٢). عمدة القاري في شرح البخاري ٥ / ١٩٢.

(٣). فتح الباري في شرح البخاري ٢ / ١٢٣ - ١٢٤.


أهل البيت عليهم‌السلام - عائشة في حديثين، فقد قال أبوجعفر الاسكافي في ( التفضيل ) على ما نقل عنه ابن أبي الحديد المعتزلي: « روى الزهري عن [ أن ] عروة بن الزبير حدثه قال: حدثتني عائشة، قالت: كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل العباس وعلي، فقال: يا عائشة ان هذين يموتان على غير ملتي، أو قال: ديني.

وروى عبد الرزاق عن معمر قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي عليه‌السلام ، فسألته عنهما يوماً فقال: ما نصنع بهما وبحديثهما؟ [ و ] الله أعلم بهما، انى لاتهمهما في بنى هاشم.

قال: فأما الحديث الاول فقد ذكرناه.

وأما الحديث الثاني فهو: ان عروة زعم ان عائشة حدثته قالت: كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل العباس وعلي فقال: يا عائشة ان سرك ان تنظري الى رجلين من أهل النار فانظري الى هذين قد طلعا، فنظرت فإذا العباس وعلى بن أبي طالب »(١) .

أقول: ولما كانت وجوه اثبات كذب وفسق كثير من الصحابة والصحابيات كثيرة لا تحصى، فاننا نقف هنا ونمسك عن ذكر البقية ونختم البحث بما ذكره أبو الفداء الايوبى عن الحسن البصري والشافعي وهذا نصه:

« قال القاضي جمال الدين ابن واصل: وروى ابن الجوزي بإسناده عن الحسن البصري انه قال: أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه الا واحدة لكانت موبقة وهي: اخذه الخلافة بالسيف من غير مشاورة وفي الناس بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه ابنه يزيد وكان سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زياداً و قد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقتله حجر بن عدي وأصحابه، فيا ويلا له من حجر واصحاب حجر.

__________________

(١). شرح النهج ٤ / ٦٣.


وروى عن الشافعي رحمة الله عليه أنه أسر الى الربيع: [ انه ] لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة وهم: معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد »(١) .

والشافعي شيخ المزني

فثبت بطلان قول المزني « كلهم ثقة مؤتمن » والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١). المختصر في اخبار البشر ١ / ١٨٦.


تفنيد كلام ابن عبد البر

حول حديث النجوم

في توجيه معناه



وأورد ابن عبد البر عن البزار قوله: « والكلام أيضاً منكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قد روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإسناد صحيح: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين [ المهديين ] بعدي، فعضوا عليها بالنواجذ وهذا الكلام يعارض حديث عبد الرحيم لو ثبت فكيف ولم يثبت؟

والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه.

ثم اعترض عليه بقوله:

« وليس كلام البزار بصحيح على كل حال، لان الاقتداء بأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منفردين، انما هو لمن جهل ما يسأل عنه، ومن كانت هذه حاله فالتقليد لازم له، ولم يأمر أصحابه أن يقتدي بعضهم ببعض إذا تأولوا تأويلا سائغاً جائزاً ممكناً في الاصول، وانما كل واحد منهم نجم جائز ان يقتدي به العامي الجاهل، بمعنى ما يحتاج اليه من دينه، وكذلك سائر العلماء من [ مع ] العامة. والله أعلم »(١) .

__________________

(١). جامع بيان العلم ٣٥٨.


أقول : واعتراضه على كلام البزار غير وارد، وقد نشأ من عدم فهمه مرامه، فان معنى كلامه هو: ان حديث النجوم يقتضي جواز اختلاف الصحابة في الاحكام الشرعية، وان الناس من أيهم أخذوا كانوا على الهدى، لكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يبيح الاختلاف من بعده منهم، فالحديث منكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذا اصل استدلال البزار على نكارة هذا الحديث من جهة معناه بعد ان أبطله من جهة سنده، واما كلام ابن عبد البر فغير متوجه عليه، إذ لو سلمنا قوله بأن الامر بالاقتداء في الحديث متوجه الى جهال الامة، وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمر باقتداء بعض الاصحاب ببعض فان الاشكال - وهو لزوم إباحة الاختلاف - باق على حاله.

وذلك: لان حديث النجوم يدل بوضوح على ان كل واحد من الصحابة اهل للاقتداء به، وان اختلافهم غير مانع عن ذلك، فيجوز الاقتداء بكل واحد من المختلفين، وهذا الأمر يجوّز الاختلاف والتفرق في الدين ويؤدي الى اختلاف الامة لا محالة.

وباختصار: امره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامة بالاقتداء بالاصحاب - وهم مختلفون فيما بينهم أشد الاختلاف - يستلزم:

١ - جواز اختلاف الاصحاب في المسائل الشرعية والاحكام الدينية.

٢ - اباحة وقوع الاختلاف في الامة.

ولكن الاختلاف منهي عنه كتاباً وسنة « فالحديث منكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

واليك بعض كلمات ابن عبد البر نفسه في هذا الشأن فانه قال ما نصه: « وقد ذكر المزني رحمه‌الله في هذا حججاً أنا أذكرها هنا ان شاء الله. قال المزني: قال الله تبارك وتعالى: ( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) فذم الاختلاف، وقال ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا )


الاية. وقال: ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) وعن مجاهد وعطاء وغيرهما في تأويل ذلك قال: الى الكتاب والسنة.

قال المزني: فذم الله الاختلاف وامر [ عنده ] بالرجوع الى الكتاب والسنة فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمه، ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع عنده الى الكتاب والسنة.

قال: وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: احذروا زلة العالم. وعن عمر ومعاذ وسلمان مثل ذلك في التخويف من زلة العالم.

قال: وقد اختلف اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخطأ بعضهم بعضاً، ونظر بعضهم في أقاويل بعض وتعقبها، ولو كان قولهم كله صواباً عندهم لما فعلوا ذلك، وقد جاء عن ابن مسعود في غير مسألة انه قال: أقول فيها برأيي فان يك صواباً فمن الله وان يك خطأ فمني [ و ] استغفر الله

وقال ابن عبد البر ايضاً: اخبرني قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعيد قال حدثنا محمد بن وطيس قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال سمعت اشهب يقول: سئل مالك عن اختلاف اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: خطأ وصواب، فانظر في ذلك.

وذكر يحيى بن ابراهيم بن حزين قال حدثني اصبغ قال قال ابو القاسم: سمعت مالكاً والليث يقولان في اختلاف اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس كما قال ناس فيه توسعة، ليس كذلك، انما هو خطأ وصواب.

قال يحيى: وبلغني ان الليث بن سعد قال: إذا جاء الاختلاف أخذنا فيه بالأحوط

قال اسماعيل القاضي: انما التوسعة في اختلاف اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توسعة في اجتهاد الرأي، فأما ان تكون توسعة لان يقول الإنسان بقول واحد منهم من غير ان يكون الحق عنده فيه فلا، ولكن


اختلافهم يدل على انهم اجتهدوا فاختلفوا.

قال ابو عمرو: كلام اسماعيل هذا حسن جداً.

وفي سماع اشهب: سئل مالك عمن اخذ بحديث حدثه ثقة عن اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتراه من ذلك في سعة؟ فقال: لا والله حتى يصيب الحق، ما الحق الا واحد، قولان يكونان صوابين جميعاً؟ ما الحق والصواب الا واحد.

وقال: وكذلك اختلاف اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتابعين ومن بعدهم من المتخالفين، وما رد فيه بعضهم على بعض لا يكاد يحيط به كتاب فضلا عن ان يجمع في باب، وفيما ذكرنا منه دليل على ما عنه سكتنا.

وفي رجوع اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضهم الى بعض دليل واضح على ان اختلافهم عندهم خطأ وصواب، ولولا ذلك كان يقول كل واحد منهم: جائز ما قلت انت وجائز ما قلت أنا، وكلانا نجم يهتدى به، فلا علينا شيء من اختلافنا.

قال ابو عمرو: والصواب مما اختلف فيه وتدافع وجه واحد، ولو كان الصواب في وجهين متدافعين ما خطأ السلف بعضهم بعضاً في اجتهادهم وقضائهم وفتواهم، والنظر يأبى ان يكون الشيء وضده صواباً، ولقد أحسن القائل: اثبات ضدين معاً في حال اقبح ما يأتي من المحال »(١) .

قلت: أليس هذا تصريحاً بنكارة حديث النجوم وهو ما ذكره الحفاظ البزار؟

ثم ذكر موارد من رجوع بعض الصحابة الى قول بعض ومع هذا كيف يكون كل واحد منهم نجماً؟!

__________________

(١). جامع بيان العلم ٣٤٨ - ٣٤٩.


دحض المعارضة بقول الأمير عليه‌السلام

انّما الشورى للمهاجرين والأنصار



قوله : واذا دلّ هذا الحديث على امامة العترة، فكيف يصح الحديث الصحيح المروي عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام بصورة متواترة عند الشيعة يقول فيه: انما الشورى للمهاجرين والانصار.؟

أقول: هذا مردود بوجوه.

الاول: لقد اثبتنا دلالة حديث الثقلين على امامة الائمة الاثني عشر من العترة الطاهرة، بالدلائل القاهرة والبراهين الساطعة التي لا تبقى ريباً ولا تذر شكاً في ذلك، فتشكيك ( الدهلوي) فيه واه.

الثاني: تعبيره عن « انما الشورى للمهاجرين والانصار » بـ « الحديث المروي » تخديع وتضليل، لانه انما ورد عنه ذلك في بعض كتب السير والتواريخ وفي ضمن كتاب له الى معاوية بن أبي سفيان، على سبيل الالزام له به.

الثالث: دعوى تواتره عند الشيعة باطلة.

الرابع: ان هذا الكلام لا ينافي دلالة حديث الثقلين على امامة الائمة عليهم‌السلام ، لان المهاجرين والانصار مأمورون بأجمعهم باتباع الثقلين، فلو


أجمعوا على رجل مع الاهتداء بهدى الكتاب والعترة صحت أمامته، ومن الواضح ان ذلك لن يتحقق الا بالنسبة الى رجل من أهل بيت العصمة، ومنه يظهر بطلان خلافة غيره.

الخامس: ان ما اجتمع عليه المهاجرون والانصار كلهم حق، لان أهل البيت عليهم‌السلام من « المهاجرين » بل هم سادتهم بلا نزاع.

وعلى هذا يكون التمسك بهكذا اجماع عين التمسك بالعترة المأمور به في حديث الثقلين، وعين التمسك بالكتاب بمقتضى الحديث المذكور، فلا تنافى.

السادس: ان هذا الكلام يدل على لزوم المشورة من جميع المهاجرين والانصار، ولا ريب في ان بيعة ابي بكر لم تكن عن مشورة، بل كانت - على حد تعبير عمر - « فلتة وقى الله شرها، فمن دعا الى مثلها فاقتلوه » ثم قال: « من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة ان يقتلا ».

قال البخاري: « حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني ابراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس، قال: كنت اقرىء رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها اذ رجع الى عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لي قد مات عمر لقد بايعت فلاناً فو الله ما كانت بيعة ابي بكر الا فلتة فتمت.

فغضب عمر ثم قال اني انشاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغضبوهم امورهم. قال عبد الرحمن: فقلت يا أمير المؤمنين! لا تفعل فان الموسم يجمع رعاء الناس وغوغاءهم، فانهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها،


فأمهل حتى تقدم المدينة فانها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكناً فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله انشاء الله لاقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.

قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً الى ركن المنبر فجلست حوله تمسّ ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلمّا رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف قط قبله، فأنكر عليّ وقال: ما عسيت ان يقول ما لم يقل قبله! فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال:

أما بعد، فاني قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها، لا ادري لعلها بين يدي اجلي، فمن عقلها و وعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا احل لاحد أن يكذب عليّ. ان الله بعث محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا بعده، فأخشى ان طال بالناس زمان أن يقول قائل « والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله! » فيضلوا بترك فضيلة انزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى اذا احصن من الرجال والنساء اذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. ثم انّا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا من آبائكم فانه كفر أن ترغبوا عن آبائكم أو أن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم الاثم، ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا تطروني كما اطري عيسى بن مريم وقولوا: عبد الله ورسوله.

ثم انه بلغني ان قائلا منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلاناً! فلا يغترنّ امرؤ ان يقول انما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وانها كانت


كذلك ولكن الله وقى شرها! وليس منكم من تقطع الاعناق اليه مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة ان يقتلا.

وانه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الانصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معها، واجتمع المهاجرون الى أبي بكر، فقلت لابي بكر: يا أبا بكر! انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الانصار، فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا رجلان صالحان فذكر ما تمامى عليه القوم، فقال: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا نريد اخواننا هؤلاء من الانصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم فقلت: والله لنأتينهم! فانطلقنا حتى اتيناهم في سقيفة بني ساعدة فاذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا يوعك. فلما جلسنا قليلا تشهّد خطيبهم فأثنى على الله. بما هو أهله ثم قال:

أمّا بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فاذا هم يريدون ان يختزلونا من أصلنا وان يحصنونا من الامر، فلما سكت أردت ان اتكلم وكنت زوّرت مقالة اعجبتني اريد أن اقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت اداري منه بعض الحدّ، فلما أردت ان اتكلّم قال ابو بكر: على رسلك! فكرهت أن أغضبه فتكلم ابو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري الّا قال بديهة مثلها أو أفضل حتى سكت! فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فانتم له اهل ولن يعرف هذا الامر الّا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم احد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجرّاح - وهو جالس بيننا - فلم أكره مما قال غيرها، كان والله ان أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من اثم أحب الي من ان أتامرّ على قوم فيهم ابو بكر! اللهم الا أن تسوّل لي نفسي عند الموت شيئاً


لا اجده الان.

فقال قائل من الانصار! انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجّب، منا امير ومنكم امير يا معشر قريش! فكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر! فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الانصار، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة فقلت: قتل الله سعد بن عبادة! قال عمر: وانّا والله ما وجدنا فيما حضر من أمر اقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فاما بايعناهم على ما لا نرضى(١) واما نخالفهم، فيكون فساد، فمن بايع رجل على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّه ان يقتلا »(٢) .

وقال ابن هشام « قال ابن اسحق: وكان من حديث السقيفة حين اجتمعت بها الانصار ان عبد الله بن ابي بكر حدثني عن ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس، قال اخبرني عبد الرحمن بن عوف قال: وكنت منزله بمنى أنتظره وهو عند عمر في آخر حجة حجها عمر، قال: فرجع عبد الرحمن بن عوف من عند عمر فوجدني في منزله في منى انتظره وكنت أقرئه القرآن، قال ابن عباس: فقال لي عبد الرحمن بن عوف: لو رأيت رجلا أتى امير المؤمنين فقال: يا امير المؤمنين! هل لك في فلان يقول: والله لو قد مات عمر ابن الخطاب لقد بايعت فلاناً والله ما كانت بيعة ابي بكر الا فلتة فتمت.

قال: فغضب عمر فقال: اني انشاء الله لقائم العشية في الناس فمحذّرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغضبوهم امرهم، قال عبد الرحمن فقلت: يا أمير المؤمنين! لا تفعل، فان الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وانهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس واني أخشى ان تقوم فتقول.

__________________

( ١، ٢ ). صحيح البخاري ٨ / ٢١٠.


مقالة يطير بها اولئك عنك كل مطير ولا يعوها ولا يضعوها على مواضعها، فامهل حتى تقدم المدينة فانها دار السنة وتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكناً فيعى أهل الفقه مقالتك ويضعوها على مواضعها.

قال: فقال عمر: أما والله انشاء الله لاقومن بذلك اول مقام أقومه بالمدينة قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زالت الشمس فأجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً الى ركن المنبر فجلست حذوه تمس ركبتي ركبته فلم أنشب ان خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد: ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف! قال: فأنكر عليّ سعيد بن زيد ذلك وقال: ما عسى ان يقول مما لم يقل قبله! فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذن قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال:

أما بعد! فاني قائل لكم مقالة قد قدر لي ان اقولها ولا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي ان لا يعيها فلا يحل لاحد ان يكذب علي. ان الله بعث محمداً وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها وعلمناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا بعده فأخشى ان طال بالناس زمان ان يقول قائل: والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وان الرجم في كتاب الله حق على من زنى اذا أحصن من الرجال والنساء اذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ثم انا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله، لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أو كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم الا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا تطروني كما اطري عيسى بن مريم وقولوا عبد الله ورسوله. ثم انه قد بلغني أن فلاناً قال: والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلاناً فلا يغرن امرؤ أن يقول ان بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت! وانها قد كانت كذلك الا أن الله قد وقى شرّها،


وليس فيكم من تنقطع الاعناق اليه مثل ابي بكر، فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فانه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا.

انه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان الانصار خالفونا فاجتمعوا بأشرافهم ( بأسرهم. ظ ) في سقيفة بني ساعدة، وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما. واجتمع المهاجرون الى أبي بكر فقلت لابي بكر: انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الانصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا لنا ما تمالا عليه القوم وقالا: أين تريدون؟ يا معشر المهاجرين! قلنا: نريد اخواننا هؤلاء من الانصار، قالا: فلا عليكم أن لا تقربوهم يا معشر المهاجرين! اقضوا أمركم! قال: قلت: والله لنأتينهم.

فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فاذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت: من هذا؟ فقالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ فقالوا: وجع، فلما جلسنا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت الله من قومكم، قال: واذا هم يريدون أن يجتازونا ( يختزلونا. ظ ) من أصلنا ويغتصبونا الامر. فلما سكت أردت أن أتكلم وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني اريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت اداري منه بعض الحد، فقال أبو بكر على رسلك يا عمر! فكرهت أن أغضبه، فتكلم وهو كان أعلم ( أحلم. ظ ) مني وأوفر. فو الله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري الا قالها في بديهة أو مثلها أو أفضل حتى سكت قال:

أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ولم أكره شيئاً مما قال غيرها، كان: والله ان أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك الى اثم أحب الي أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر.


قال: فقال قائل من الانصار، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش! قال: فكثر اللفظ وارتفعت الاصوات حتى تخوفت الاختلاف فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر! فبسط يده فبايعته ثم بايعه المهاجرون ثم بايعه الانصار، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة! قال: فقلت: قتل الله سعد بن عبادة! »(١) .

وقال أحمد بن اسحق بن جعفر المعروف باليعقوبي: « واستأذن قوم من قريش عمر في الخروج للجهاد، فقال: قد تقدم لكم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: اني آخذ بحلاقيم قريش على أفواه هذه الحرة، لا تخرجوا فتسللوا بالناس يميناً وشمالا، قال عبد الرحمن بن عوف: فقلت: نعم يا أمير المؤمنين! ولم تمنعنا من الجهاد؟ فقال: لئن أسكت عنك فلا أجيبك خير لك من أن اجيبك، ثم اندفع يحدث عن أبي بكر حتى قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد بمثلها فاقتلوه »(٢) .

وقال محمد بن جرير الطبري: « حدثني علي بن مسلم، قال: ثنا: عباد ابن عباد، قال: ثنا: عباد بن راشد قال: حدثنا عن الزهري عن عبيد الله بن [ عبد الله بن ] عتبة عن ابن عباس، قال: كنت اقرىء عبد الرحمن ابن عوف القرآن، قال: فحج عمر وحججنا معه، قال: فاني لفي منزل بمنى اذ جاءني عبد الرحمن بن عوف، فقال: شهدت أمير المؤمنين اليوم وقام اليه رجل فقال: اني سمعت فلاناً يقول: لو قد مات أمير المؤمنين لقد بايعت فلاناً، قال: فقال أمير المؤمنين: اني لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوا الناس أمرهم، قال فقلت: يا أمير المؤمنين ان الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وانهم الذين يغلبون على مجلسك واني لخائف ان قلت اليوم مقالة ألا يعوها ولا يحفظوها ولا يضعوها على مواضعها،

__________________

(١). سيرة ابن هشام ٢ / ٦٥٨.

(٢). تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٤٧ - ١٤٨.


وأن يطيروا بها كل مطير. ولكن أمهل حتى تقدم المدينة تقدم دار الهجرة والسنة وتخلص بأصحاب رسول الله من المهاجرين والانصار فتقول ما قلت متمكنا فيعوا مقالتك ويضعوها على مواضعها فقال:

والله لا قومن بها في أول مقام أقومه بالمدينة قال: فلما قدمنا المدينة وجاء يوم الجمعة هجرت للحديث الذي حدثنيه عبد الرحمن فوجدت سعيد ابن زيد قد سبقني بالتهجير، فجلست الى جنبه عند المنبر ركبتي الى ركبته، فلما زالت الشمس لم يلبث عمر أن خرج فقلت لسعيد وهو مقبل: ليقولن أمير المؤمنين اليوم على هذا المنبر مقالة لم يقل قبله، فغضب وقال: أي مقالة يقول لم يقل قبله!؟ فلما جلس عمر على المنبر أذن المؤذ [ نو ] ن فلما قضى المؤذن أذانه قام عمر فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد، فاني اريد أن أقول مقالة قد قدر أن أقولها من وعاها وعقلها وحفظها، فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته ومن لم يعها فاني لا أحل لاحد أن يكذب عليّ، ان الله عز وجل بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب وكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فرجم رسول الله ورجمنا بعده، واني قد خشيت أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وقد كنا نقول ( نقرأ. ظ ): لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم.

ثم انه بلغني أن قائلا منكم يقول: لو قد مات أمير المؤمنين بايعت فلاناً فلا يغرن أمراءاً أن يقول ان بيعة أبي بكر كانت فلتة، فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها، وليس منكم من تقطع اليه الاعناق مثل أبي بكر. وانه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن علياً والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الانصار بأسرها واجتمع المهاجرون الى أبي بكر، فقلت لابي بكر: انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الانصار، فانطلقنا نؤمهم فلقينا رجلان صالحان قد شهدا بدراً فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد اخواننا هؤلاء من الانصار، قالا: فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم فقلنا: والله لنأتينهم.


قال: فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة. قال: واذا بين أظهرهم رجل مزمل، قال: قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما شأنه؟ قالوا: وجع، فقام رجل منهم فحمد الله وقال: أما بعد، فنحن الانصار وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر قريش رهط نبينا وقد دفت الينا من قومكم دافة، قال: فلما رأيتم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويغصبونا الامر، وقد كنت زورت في نفسي مقالة اقدمها بين يدي أبي بكر وقد كنت اداري منه بعض الحد وكان هو أوقر مني وأحلم، فلما أردت أن أتكلم قال على رسلك فكرهت أن أعصيه فقام فحمد الله وأثنى عليه فما ترك شيئاً كنت زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت الا قد جاء به أو بأحسن منه وقال: أما بعد، يا معشر الانصار! فانكم لا تذكرون منكم فضلا الا وأنتم له أهل وان العرب لا تعرف هذا الامر الا لهذا الحي من قريش وهم أوسط داراً ونسباً، ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح واني والله ما كرهت من كلامه شيئاً غير هذه الكلمة ان كنت لا قدم فتضرب عنقي فيما لا يقربني الى اثم أحب الي من أو أؤمر على قوم فيهم أبو بكر، فلما قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب؟ منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش! قال: فارتفعت الاصوات واكثر اللغظ.

فلما أشفقت الاختلاف قلت لابي بكر: أبسط يدك أبايعك! فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الانصار، ثم نزونا على سعد حتى قال قائلهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت. قتل الله سعداً! وانا والله ما وجدنا أمرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فاما أن نتابعهم على ما لا نرضى أو نخالفهم فيكون فساد »(١) .

__________________

(١). تاريخ الطبري ٢ / ٤٤٥ - ٤٤٧.


وقال أيضاً: « ثنا عبيد الله بن سعيد، قال: ثنا عمي، قال: نا: سيف ابن عمر عن سهل وأبي عثمان عن الضحاك بن خليفة، قال: لما قام الحباب ابن المنذر انتضى سيفه وقال: أنا: جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، أنا أبو شبل في عرينة الاسد يعزى الى الاسد! فحامله عمر فضرب يده فندر السيف فأخذه ثم وثب على سعد ووثبوا على سعد، وتتابع القوم على البيعة وبايع ( تمانع. ظ ) سعد، وكانت فلتة كفلتات الجاهلية قام أبو بكر دونها، وقال قائل حين وطئ سعد: قتلتم سعدا! فقال عمر: قتله الله انه منافق واعترض عمر بالسيف صخرة فقطعه ».

وقال أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي: « أخبرنا محمد بن الحسن ابن قتيبة النحمي بعسقلان، ثنا: محمد بن المتوكل، ثنا: عبد الرزاق أنا: معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، قال:

كنت عند عبد الرحمن بن عوف في خلافة عمر بن الخطاب، فلما كان في آخر حجة حجها عمر أتاني عبد الرحمن بن عوف في منزلي عشاءاً، فقال: لو شهدت امير المؤمنين! اليوم وجاءه رجل وقال: يا امير المؤمنين! اني سمعت فلاناً يقول: لو قدمات امير المؤمنين لبايعت فلاناً! فقال عمر: اني لقائم العشية في الناس ومحذرهم - هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا المسلمين امرهم - فقلت: يا امير المؤمنين! ان الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاهم وانهم الذين يغلبون على مجلسك، واني اخشى ان تقول فيهم اليوم مقالة لا يعونها ولا يضعونها مواضعها وان يطيروا بها كل مطير، ولكن امهل يا أمير المؤمنين! حتى تقدم المدينة فانها دار السنة ودار الهجرة فتخلص بالمهاجرين والانصار وتقول ما قلت متمكناً فيعوا مقالتك ويضعونها مواضعها.

قال عمر: أما والله لاقومن به في اول مقام أقومه بالمدينة. قال ابن عباس: فلما قدمنا المدينة وجاء يوم الجمعة هجرت لما حدّثني عبد الرحمن بن عوف، فوجدت سعيد بن زيد بن نقيل قد سبقني بالتهجر جالساً الى جنب المنبر فجلست الى جنبه تمس ركبتي ركبته، فلما زالت الشمس خرج


علينا عمر فقلت وهو مقبل: أما والله ليقولن اليوم امير المؤمنين على هذا المنبر مقالة لم يقل قبله! قال فغضب سعيد بن زيد فقال: وأي مقالة يقول لم يقل قبله؟ فلما ارتقى عمر المنبر اخذ المؤذن في أذانه فلما فرغ من أذانه.

قام عمر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أمّا بعد، فاني اريد ان اقول مقالة قد قدر لي أن اقولها، فمن وعاها فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته ومن خشي ان لا يعيها فاني لا احل لاحد أن يكذب على: ان الله بعث محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزل عليه الكتاب، فكان مما انزل عليه آية الرجم، فرجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا بعده، واني خائف أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله! فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وان الرجم على من أحصن اذا زنا وقامت عليه البينة أو كان الحمل أو الاعتراف. ثم انّا قد كنّا نقرأ « ولا ترغبوا عن آبائكم » ثم ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فانما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله ».

ثم انه بلغني أن فلاناً منكم يقول: لو قد مات أمير المؤمنين لقد بايعت فلاناً، فلا يغرن امرأ أن يقول: ان بيعة أبي بكر كانت فلتة، فقد كانت كذلك الا أن الله وقى شرها ودفع عن الاسلام والمسلمين ضرها، وليس فيكم من تقطع اليه الاعناق مثل أبي بكر. وانه كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن علياً والزبير ومن تبعهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة، وتخلفت عنا الانصار في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون الى أبي بكر فقلت: با أبابكر! انطلق بنا الى اخواننا من الانصار، فانطلقنا نؤمهم فلقينا رجلين صالحين من الانصار شهدا بدراً فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلنا: نريد اخواننا هؤلاء الانصار قالا: فارجعوا مضوا الامر أمركم بينكم: فقلت والله لنأتينهم فأتيناهم فاذاهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة بين أظهرهم رجل مزمل قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، قال: قلت: ما شأنه؟ قالوا: وجع.


فقام خطيب الانصار فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد! فنحن الانصار وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر قريش رهط منا وقد دفت الينا دافة منكم. واذا هم يريدون أن يختزلون أصلنا ويختصلوا بأمر دوننا وقد كنت زورت في نفسي مقالة اريد ان أقوم بها بين يدي أبي بكر وكنت اداري من أبي بكر بعض الحد، وكان أوقر مني وأحلم، فلما أردت الكلام قال: على رسلك. فكرهت ان اغضبه، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه و والله ما ترك كلمة فد كنت زورتها الا جاء بها أو أحسن منها في بديهته، ثم قال:

أما بعد! وأما ما ذكرتم فيكم من خير يا معشر الانصار فأنتم له أهل ولن تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب داراً ونسباً، ولقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح، فو الله ما كرهت مما قال شيئاً غير هذه الكلمة، كنت لان أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك الى ثم أحب الي من أن أقدم على قوم فيهم أبو بكر! فلما قضى أبو بكر مقالته فقام رجل من الانصار فقال: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، والا أجلنا الحرب فيما بيننا وبينكم جذعة! قال معمر: فقال قتادة: قال عمر: فانه لا يصلح سيفان في غمد ولكن منا الامراء ومنكم الوزراء! قال معمر عن الزهري في حديثه فارتفعت الاصوات بيننا وكثر اللغظ حتى أشفقت الاختلاف، فقلت: يا أبا بكر! أبسط يدك أبايعك! فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الانصار. قال: ونزونا على سعد بن عبادة حتى قال قائل: قتلتم سعداً قال قلت: قتل الله سعداً، وانا والله ما رأينا فيما حضرنا امراً كان أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا ان فارقنا القوم أن يحدثوا بعدنا بيعة فاما أن نبايعهم على ما لا نرضى واما أن نخالفهم فيكون فساد. فلا يغرن امرأ يقول: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقد كانت كذلك الا أن الله وقى شرها! وليس فيكم من يقطع اليه الاعناق مثل أبي بكر فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فانه لا يبايع لا هو ولا الذي بايعه بعده. قال


الزهري وأخبرنى عروة أن الرجلين الذين لقياهم من الانصار عويم بن ساعدة ومعن بن عدي، والذي قال « انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب » خباب ابن المنذر »(١) .

وقال الشهرستاني في كتاب [ الملل والنحل ] « الخلاف الخامس في الامامة وأعظم خلاف بين الامة، اذ ما سل سيف في الاسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الامامة في كل زمان! وقد سهل الله تعالى ذلك في الصدر الاول، فاختلف المهاجرون والانصار فيها وقالت الانصار: منا أمير ومنكم أمير واتفقوا على رئيسهم سعد بن عبادة الانصارى فاستدركه أبو بكر وعمر في الحال بأن حضرا سقيفة بني ساعدة وقال عمر: كنت ازور في نفسي كلاماً في الطريق فلما وصلنا الى السقيفة أردت أن أتكلم فقال أبو بكر: مه يا عمر! فحمد الله وأثنى عليه وذكر ما كنت أقدره في نفسي كأنه يخبر عن غيب! فقبل أن يشتغل الانصار بالكلام مددت يدي اليه فبايعته وبايعه الناس وسكنت النائرة.

الا ان بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها، فمن عاد الى مثلها فاقتلوه. فأيما رجل بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فانهما تغرة أن يقتلا، وانما سكنت الانصار عن دعواهم لرواية أبي بكر عن النبي عليه‌السلام : الائمة من قريش!

وهذه البيعة هي التي جرت في السقيفة، ثم لما عاد الى المسجد انثال الناس عليه وبايعوه عن رغبة سوى جماعة من بنى هاشم وأبي سفيان من بني أمية وأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه كان مشغولا بما أمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تجهيزه ودفنه وملازمة قبره من غير منازعة ولا مدافعة ».

وقال السيوطي في ( تاريخ الخلفا ): « روى الشيخان أن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه خطب الناس مرجعه من الحج فقال في خطبته: قد بلغني

__________________

(١). الثقات لابن حبان -


أن فلاناً منكم يقول: لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترن امرأ أن يقول أن بيعة أبي بكر كانت فلتة، ألا وانها كذلك الا أن الله وقى شرها، وليس فيكم اليوم من قطع اليه الاعناق مثل أبي بكر.

وانه كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان علياً والزبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة وتخلف الانصار عنا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون الى أبي بكر فقلت له: يا أبا بكر! انطلق بنا الى اخواننا من الانصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم فقال: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلت: نريد اخواننا من الانصار فقالا: عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فاذا هم مجتمعون واذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت: من هذا؟ قالوا ابن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: وجع، فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله وقال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من اصلنا وتحصنوننا من الامر! فلما سكت أردت أن أتكلم، وقد كنت زورت مقالة اعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر، وقد كنت اداري منه بعض الحد، وهو كان أحلم منى وأوقر، فقال أبو بكر: على رسلك! فكرهت أن اغضبه وكان أعلم منى، والله ما ترك من كلمة اعجبتني في تزويري الا قالها في بداهته وأفضل حتى سكت.

فقال: أما بعد! فما ذكرتم من خير فانتم أهله ولم تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، وكان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من اثم أحب الي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر! فقال قائل من الانصار: أنا جذيلها المحك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش!


وكثر اللغظ وارتفعت الاصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر! فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الانصار، أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمراً هو أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فاما أن نتابعهم على ما لا نرضى واما أن نخالفهم فيكون فيه فساد ».

وقال ابن حجر المكي في ( الصواعق ): « روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب بعد القرآن باجماع من يعتد به: أنّ عمر رضي‌الله‌عنه خطب الناس مرجعه من الحج فقال في خطبته: قد بلغني أن فلاناً منكم يقول: لو مات عمر بايعت فلاناً! فلا يغترن ( يغرن. ظ ) امراً أن يقول ان بيعة أبي بكر كانت فلتة، ألا وانها كذلك الا أن الله وقى شرها، وليس فيكم اليوم من تقطع اليه الاعناق مثل أبي بكر.

وانه كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ عليّاً والزبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة وتخلفت الانصار عنا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون الى أبي بكر فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا الى اخواننا من الانصار، فانطلقنا نؤمهم - أي نقصدهم - حتى لقينا رجلان صالحان فذكر لنا الذي صنع القوم، قالا أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: تريد اخواننا من الانصار فقالا: لا عليكم أن تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين! فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فاذا هم مجتمعون فاذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: وجع.

فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله وقال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة منكم أي دبّ قوم منكم بالاستعلاء والترفّع علينا تريدون أن تخزلونا من أصلنا وتحصنونا من الامر أي تنحونا عنه وتستبدون به دوننا. فلما سكت أردت أن أتكلم وقد كنت زوّرت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي


أبي بكر، وقد كنت اداري منه بعض الحد وهو كان أحلم منّي وأوقر. فقال أبو بكر: على رسلك! فكرهت أن أغضبه وكان أعلم مني والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري الا قالها في بديهة وأفضل حتى سكت، فقال: أما بعد، فما ذكرتم من خير فأنتم أهله ولم تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم احد هذين الرجلين ايهما شئتم وأخذ بيدي وبيد ابي عبيدة بن الجراح فلم اكره ما قال غيرها ولان والله ان اقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من اثم احب الي من ان اتأمر على قوم فيهم ابو بكر.

فقال قائل من الانصار - أي هو الحباب بمهملة مضمومة فموحدة - ابن المنذر: انا جذيلها المحكك وعذيقها المرجّب اي انا يشتفى برأيي وتدبيري وأمنع بجلدتي ولحمتي كل نائبة تنوبهم، دل على ذلك ما في كلامه من الاستعارة بالكناية المخيل لها بذكر ما يلائم المشبه به، اذ موضوع الجذيل المحكّك - وهو بجيم فمعجمة - تصغير جذل عود ينصب في العطن لتحتك به الابل الجرباء، والتصغير للتعظيم، والعذق بفتح العين النخلة بجملها، فاستعارة لما ذكرناه، والمرجب بالجيم، وغلط من قال بالحاء، من قولهم، نخلة وجبة، وترجيبها ضم اعذاقها الى سعفاتها وشدها بالخوض لئلا ينفضّها الريح او يصل اليها اكل. منا امير ومنكم امير، يا معشر قريش.

وكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت: ابسط يدك يا ابا بكر! فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعه الانصار. اما والله ما وجدنا فيما حضرنا امرأ هو اوفق من مبايعة ابي بكر خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة ان يحدثوا بعدنا بيعة فاما ان نبايعهم على ما لا نرضى واما ان نخالفهم فيكون فيه فساد ».

وقال: « ولا يقدح في حكاية الاجماع تأخر علي والزبير والعباس وطلحة مدة لامور، منها انهم رأوا ان الامر تم بمن تيسّر حضوره حينئذ من اهل الحل والعقد، ومنها انهم لما جاءوا وبايعوا اعتذروا كما مر عن الاولين من طرق


بأنهم اخروا عن المشورة مع ان لهم فيها حقاً لا للقدح في خلافة الصديق، هذا مع الاحتياج في هذا الامر لخطره الى الشورى التامة، ولهذا مر عن عمر بسند صحيح ان تلك البيعة كانت فلتة ولكن وقى الله شرها! ».

السابع: لقد كان امير المؤمنين عليه‌السلام يرى بطلان خلافة ابي بكر لانها كانت من غير مشورة من المسلمين، ويشهد بما ذكرنا ما رواه الشريف الرضي رحمه‌الله في ( نهج البلاغة ) حيث قال:

« وقال عليه‌السلام : وا عجباً اتكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة.

وروي له شعر في هذا المعنى:

فان كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيّب

وان كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك اولى بالنبي أقرب ».

قال ابن ابي الحديد: « حديثه عليه‌السلام في النثر والنظم المذكورين مع ابي بكر وعمر، اما النثر فالى عمر توجيهه لان ابا بكر لما قال لعمر: امدد يدك، قال له عمر انت صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المواطن كلها، شدتها ورخائها فامدد انت يدك. فقال علي عليه‌السلام : اذا احتججت لاستحقاقه الامر بصحبته اياه في المواطن [ كلها ] فهلا سلمت الامر الى من قد شركه في ذلك وزاد عليه بالقرابة؟!

وأما النظم فموجه الى ابي بكر، لان ابا بكر حاج الانصار في السقيفة فقال نحن عشيرة [ عترة] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبيضته التي تفقأت عنه، فلمّا بويع احتج على الناس ببيعته [ بالبيعة ] وانها صدرت عن اهل الحل والعقد، فقال علي عليه‌السلام : امّا احتجاجك على الانصار بأنك من بيضة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن قومه فغيرك اقرب نسباً منك اليه، وامّا احتجاجك بالاختيار ورضا الجماعة بك فقد كان قوم من جملة الصحابة


غائبين لم يحضروا العقد فكيف يثبت »(١) .

الثامن: لقد استخلف ابو بكر عمر غير مشورة من المسلمين، بل لقد أمره عليهم بالرغم منهم، وتلك كتبهم تنطق بذلك، فقد روى القاضي أبو يوسف باسناده قال: « لما حضرت الوفاة أبا بكر رضي‌الله‌عنه ارسل الى عمر يستخلفه، فقال الناس: أتستخلف علينا فظاً غليظاً لو قد ملكنا كان أفظ وأغلظ؟ فماذا تقول لربك اذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟ قال: اتخوفونني ربي [ بربي ]؟ أقول: اللهم أمرت خير أهلك »(٢) .

وقال ابن سعد: « وسمع بعض اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدخول عبد الرحمن وعثمان على ابي بكر وخلوتهما به، فدخلوا على ابي بكر فقال [ له ] قائل منهم: ما أنت قائل لربك اذا سألك عن استخلافك لعمر علينا وقد ترى غلظته »(٣) .

وروى باسناده عن عائشة قالت: « لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما ذا تقول لربك اذا قدمت عليه غدا وقد استخلفت علينا ابن الخطاب؟ فقال اجلسوني، أبالله ترهبوني؟ اقول: استخلفت عليهم خيرهم.

... عن عائشة قالت: لما حضرت ابا بكر الوفاة استخلف عمر فدخل عليه علي وطلحة فقالا: من استخلفت؟ قال: عمر، قالا: فما ذا أنت قائل لربك؟ قال: أبالله تفرقاني؟ لانا أعلم بالله وبعمر منكما، أقول: استخلفت عليهم خير أهلك »(٤) .

__________________

(١). شرح نهج البلاغة ١٨ / ٤١٦.

(٢). الخراج: ١١.

(٣). طبقات ابن سعد ٣ / ١٩٩.

(٤). طبقات ابن سعد ٣ / ٢٧٤.


ورواه المحب الطبري(١) والمتقى(٢) والوصابي(٣) .

وروى ابن ابي شيبة في ( المصنف ): « ان ابا بكر حين حضره الموت أرسل الى عمر يستخلفه، فقال الناس: تستخلف علينا فظاً غليظاً؟ ولو قد ولينا كان أفظ وأغلظ، فما تقول لربك اذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر ».

ورواه شاه ولي الله ( والد الدهلوي )(٤) .

وقال محمد بن جرير الطبري « وعقد أبو بكر في مرضته التي توفى فيها لعمر بن الخطاب عقد الخلافة من بعده وذكر أنه لما أراد العقد له دعا عبد الرحمن بن عوف فيما ذكر ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: لما نزل بأبي بكر - رحمه‌الله - الوفاة دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر! فقال: يا خليفة رسول الله! هو والله أفضل من رأيك فيه من رجل ولكن فيه غلظة: فقال أبو بكر: ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو أفضى الامر اليه لترك كثيراً مما هو عليه، ويا أبا محمد! قد رمقته فرأيتني اذا غضبت على الرجل في الشيء أراني الرضى عنه واذا لنت له أراني الشدة عليه! لا تذكر يا أبا محمد مما قلت لك شيئاً. قال: نعم! ثم دعا عثمان بن عفان فقال: يا أبا عبد الله! أخبرني عن عمر، قال: أنت أخبر به، فقال أبو بكر على ذاك، يا أبا عبد الله! قال: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته وأن ليس فينا مثله! قال أبو بكر رحمه‌الله : رحمك الله يا أبا عبد الله! لا تذكر مما ذكرت لك شيئاً قال: أفعل. فقال له أبو بكر: لو تركته ما عدوتك! وما أدري لعله تاركه، والخيرة له ألا يلي من اموركم شيئاً ولوددت أني كنت خلوا من اموركم وأني كنت فيمن مضى من

__________________

(١). الرياض النضرة ١ / ٢٣٧.

(٢). كنز العمال ٥ / ٣٩٨.

(٣). الاكتفاء في فضل الاربعة الخلفاء - مخطوط.

(٤). قرة العينين ٢٧.


سلفكم، يا أبا عبد الله! لا تذكرن مما قلت لك من أمر عمر ولا مما دعوتك له شيئاً!

ثنا: ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن عمرو عن أبي السفر، قال: أشرف أبو بكر على الناس من كنفيه وأسماء ابنة عميس ممسكته موشومة اليدين وهو يقول: أترضون بمن أستخلف عليكم فاني والله ما ألوت من جهد الرأي ولا وليت ذا قرابة واني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له واطيعوا! فقالوا: سمعنا وأطعنا!

حدثني عثمان بن يحيى عن عثمان القرقساني قال: ثنا سفيان بن عيينة عن اسمعيل عن قيس، قال رأيت عمر بن الخطاب وهو يجلس والناس معه، وبيده جريدة وهو يقول: أيها الناس! اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انه يقول: اني لم آلكم نصحاً، قال: ومعه مولى لابي بكر يقال له: شديد، معه الصحيفة التي فيها استخلاف عمر.

قال أبو جعفر: وقال الواقدي: حدثني ابراهيم بن أبي النضر عن محمد ابن ابراهيم بن الحارث، قال: دعا أبو بكر عثمان خالياً فقال له: اكتب « بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة الى المسلمين: أما بعد » قال ثم اغمي عليه فذهب عنه فكتب عثمان: أما بعد، فاني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيراً [ منه ]. ثم أفاق أبو بكر فقال: اقرأ عليّ فقرأ عليه فكبر أبو بكر وقال: أراك خفت أن يختلف الناس ان افتلتت نفسي في غشيتي! قال: نعم! قال: جزاك الله خيراً عن الاسلام وأهله وأقرها أبو بكر رضي‌الله‌عنه من هذا الموضع.

ثنا: يونس بن عبد الاعلى، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا الليث بن سعد، قال: ثنا علوان عن صالح بن كيسان عم عمر بن عبد الرحمن ابن عوف عن أبيه أنه دخل على أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه في مرضه الذي توفي فيه، فأصابه مهتماً فقال له عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئاً فقال أبو بكر رضي‌الله‌عنه : أتراه؟ قال: نعم! قال: اني وليت أمركم


خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه من ذلك يريد أن يكون الامر له دونه ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولما تقبل وهي مقبلة، حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج وتألموا الاضطجاع على الصوف الاذري كما يألم أحدكم أن ينام على حسك، والله لان يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا، وأنتم أول ضال بالناس غداً فتصدونهم عن الطريق يميناً وشمالا! يا هادي الطريق انما هو الفجر أو البحر. فقلت، له خفض عليك رحمك الله فان هذا يهيضك في أمرك، انما الناس في أمرك بين رجلين: اما رجل رأى ما رأيت فهو معك، واما رجل خالفك فهو مشير عليك وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت الّا خيراً ولم تزل صالحاً مصلحاً وانك لا تأسى على شيء من الدنيا.

قال أبو بكر رضي‌الله‌عنه : أجل! اني لا آسي على شيء من الدنيا الّا على ثلث فعلتهن وددت أني تركتهن، وثلث تركتهن وددت أني فعلتهن، وثلث وددت أني سألت عنهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فأما الثلث اللاتي وددت أني تركتهن فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وان كانوا قد علقوا على الحرب، ووددت أني لم أكن حرقت الفجاءة السلمي وأني كنت قتلته سريحاً، أو خليته نجيحا، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الامر في عنق أحد الرجلين – يريد عمر وأبا عبيدة - فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً.

وأما اللاتي تركتهن فوددت أني يوم أتيت بالاشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه فانه يخيل الي أنه لا يرى شراً الا أعان عليه! ووددت أني سيرت خالد بن الوليد الى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، فان ظفر المسلمون ظفروا وان هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد، ووددت أني كنت اذ وجهت خالد ابن الوليد الى الشام كنت وجهت عمر بن الخطاب الى العراق فكنت قد بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله ومديديه! ووددت أني كنت سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن هذا الامر فلا ينازعه أحد! ووددت أني


كنت سألته هل للانصار في هذا الامر نصيب؟ ووددت أني كنت سألته عن ميراث ابنة الاخ والعمة فان في نفسي منها شيئاً.

قال لي يونس: قال لنا يحيى ثم قدم علينا علوان بعد وفاة الليث فسألته عن هذا الحديث فحدثني به كما حدثني الليث به سعد حرفاً حرفاً. وأخبرني أنه هو حدث به الليث بن سعد وسألته عن اسم أبيه وأخبرني أنه علوان بن داود. وحدثني محمد بن اسمعيل المرادي، قال: ثنا عبد الله بن صالح المصري قال: حدثني الليث عن علوان بن صالح عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا بكر الصديق رضي‌الله‌عنه قال: ثم ذكر نحوه ولم يقل فيه عن أبيه »(١) .

وقال أبو عمر أحمد بن عبد ربه القرطبي: « قال أبو صالح: أخبرنا محمد ابن وضاح، قال: حدثني محمد بن زمج بن مهاجر النجيبي، قال: حدثني الليث بن سعد عن علوان عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه أنه دخل على أبي بكر رضي‌الله‌عنه في مرضه الذي توفى فيه فأصابه مفيقاً فقال: أصبحت بحمد الله بارئاً، قال أبو بكر: أبرأه الله ( أتراه برءاً؟. ظ ) قال: نعم! قال: أما اني علي ذلك لشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي، اني وليت أمركم خيركم في نفسي فكلكم ورم من ذلك أنفه! يريد أن يكون له الامر، ورأيتم الدنيا مقبلة ولما تقبل وهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج، وتألمون الاضطجاع على الصوف الاذري كما يألم أحدكم الاضطجاع على شوك السعدان! والله لان يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا، ألا وانكم أول ضال بالناس غداً فتصدونهم عن الطريق يميناً وشمالا! يا هادي الطريق، انما هو الفجر والبحر.

قال: فقلت له خفض عليك يرحمك الله! فان هذا يهيضك على ما بك، انما الناس في أمرك بين رجلين: اما رجل رأى ما رأيت فهو معك،

__________________

(١). تاريخ الطبري ٢ / ٦١٧ - ٦٢٠.


واما رجل خالفك فهو يشير عليك برأيه، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت الا الخير ولم تزل صالحاً مصلحاً، مع أنك لا تأسى على شيء من الدنيا.

فقال أجل! اني لا آسى على شيء من الدنيا الا على ثلاث فعلتهن ووددت أني تركتهن، وثلاث تركتهن ووددت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهن. فأما الثلاث التي فعلتهن ووددت أني تركتهن: فوددت أني لم أكشف بين فاطمة عن شيء وان كانوا أغلقوه على الحرب! ووددت أني لم أكن حرقت النحام ( الفجاءة. ظ ) السلمي وأني قتلته شديخاً أو خليته نجيحاً! ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قدمت ( قلدت. ظ ) الامر في عنق أحد الرجلين، فكان أحدهما أميراً وكنت له وزيراً. يعني بالرجلين عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح.

وأما الثلاث التي تركتهن ووددت أني فعلتهن: فوددت أني يوم أتيت الاشعث بن قيس أسيراً ضربت عنقه فانه يخيل الي أنه لا يرى شراً الا أعان عليه! ووددت أني يوم سيرت خالد بن الوليد الى أهل الردة أقمت بذي القصة فان ظفر المسلمون ظفروا وان انهزموا كنت بصدد لقاء أو مدد! ووددت أني وجهت خالد بن الوليد الى الشام ووجهت عمر بن الخطاب الى العراق فأكون قد بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله.

وأما الثلاث التي وددت أني أسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهن فاني وددت أني سألته لمن هذا الامر من بعده؟ فلا ينازعه أحد! وأني سألته هل للانصار في هذا الامر نصيب؟ فلا يظلموا نصيبهم منه! ووددت أني سألته عن بنت الاخ والعمة فان في نفسي منهما شيئاً »(١) .

وقال أبو بكر الباقلاني: « وفي حديث عبد الرحمن بن عوف رحمة الله عليه، قال: دخلت على أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه في علته التي مات فيها، فقلت: أراك بارئاً يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! فقال: أما اني على ذلك

__________________

(١). العقد الفريد ٤ / ٢٦٧.


لشديد الوجع، وما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي! اني وليت اموركم خيركم في نفسي فكلكم ورم أنفه أن يكون له الامر من دونه! والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير ولتألمن النوم على الصوف الاذربي كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان. والذي نفسي بيده لان يقدم أحكم فتضرب رقبته في غير حد خير له من أن يخوض غمرات الدنيا يا هادي الطريق جرت انما هو وان الفجر أو البحر. قال: فقلت: خفّض عليك يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! فان هذا يهيضك الى ما بك فو الله ما زلت صالحاً مصلحاً لا تأسى على شيء فاتك من أمر الدنيا، ولقد تخليت بالامر وحدك فما رأيت الا خيراً »(١) .

وقال الزمخشري في كتاب ( الفائق ): « أبوبكر الصديق رضي‌الله‌عنه دخل عليه عبد الرحمن بن عوف في علته التي مات فيها فقال: أراك بارئاً يا خليفة رسول الله! فقال أما اني على ذلك لشديد الوجع ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي! وليّت اموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الامر من دونه، والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير ولتألمن النوم على الصوف الاذربي كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان! والذي نفسي بيده لان يقدم أحكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض غمرات الدنيا يا هادى الطريق جرت انما هو الفجر أو البحر. وروى البحر، قال له عبد الرحمن: خفّض عليك يا خليفة رسول الله! فان هذا يهيضك الى ما بك.

وروي أن فلاناً دخل عليه فنال من عمر وقال: لو استخلفت فلاناً ؟! فقال أبوبكر رضي‌الله‌عنه : لو فعلت ذلك لجعلت انفك في قفاك ولما أخذت من اهلك حقاً! ودخل عليه بعض المهاجرين وهو يشتكي في مرضه فقال له: أتستخلف علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له ولو ملكنا كان أعتى

__________________

(١). اعجاز القرآن - هامش الاتقان: ١٨٤.


وأعتى فكيف تقول لله اذا لقيته؟! فقال ابوبكر: اجلسوني! فأجلسوه فقال: ابالله تفرقني فانّي اقول له اذا لقيته: استعملت عليهم خير اهلك! ( بريء ) من المرض وبرأ فهو بارىء ومعناه مزايلة المرض والتباعد منه. ومنه برىء من كذا براءة. ورم الانف كناية عن افراط الغيظ لانه يردف الاغتياظ الشديد أن يتورم انف المغتاظ وينتفخ منخراه، قال:

ولا يهاج اذا ما أنفه و رما

النضائد: الوسائد والفرش ونحوها مما ينضد، الواحدة نضيدة. الاذربي منسوب الى أذربيجان وروى الاذري. البحر الامر العظيم. والمعنى: ان انتظرت حتى يضيء لك الفجر أبصرت الطريق وان خبطت الظلماء أفضت بك الى المكروه، وقال المبرد فيمن رواه البحر ضرب ذلك مثلا لغمرات الدنيا وتحييرها أهلها. خفّض عليك أي ابق على نفسك وهوّن الخطب عليها. بيض كسر العظم المجبور ثانية، والمعنى أنه ينكّسك الى مرضك. جعل الانف في القفا عبارة عن غاية الاعراض عن الشيء ولسّ الرأس عنه لان قصارى ذلك أن يقبل بأنفه على ما وراءه فكأنه جعل انفه في قفاه، ومنه قولهم للمنهزم عيناه في قفاه لنظره الى ما وراءه دائباً فرقاً من الطلب. والمراد لا فرطت في الاعراض عن الحق، أو لجعلت ديدنك الإقبال بوجهك الى من ورائك من أقاربك مختصاً لهم ببرك ومؤثراً اياهم على غيرهم. تفرقني: تخوفني أهلك، كان يقال لقريش « اهل الله » تفخيماً لشأنهم، وكذلك كل ما يضاف الى اسم الله كبيت الله وكقولهم لله أنت، وكقول امرء القيس:

فللّه عينا من رأى من تفرّق

اشتّ وأنأى من فراق المحصّب »(١) .

وقال في كتاب ( اساس البلاغة ): « ومن المجاز: ورم انفه اذا غضب. وفي حديث ابي بكر رضي‌الله‌عنه . كلّكم ورم انفه أن يكون له الامر من

__________________

(١). الفائق في غريب الحديث ١ / ٤٥.


دونه »(١) .

وقال ابن الاثير: « ومنه حديث أبي بكر: ولّيت اموركم خيركم فكلكم ورم انفه على أن يكون له من دونه. أي امتلاء وانتفخ من ذلك غضباً، وخص الانف بالذكر لانه موضع الانفة والكبر كما يقال: شمخ بأنفه، ومنه قول الشاعر « ولا يهاج اذا ما أنفه ورما »(٢) .

وقال محمد بن مكرم الانصاري: « ورم انفه، أي غضب، ومنه قول الشاعر: « ولا يهاج إذا ما انفه ورما » وفي حديث أبي بكر رضي‌الله‌عنه : ولّيت اموركم خيركم، فكلكم ورم انفه على ان يكون له الأمر من دونه، أي امتلاء وانتفخ من ذلك غضباً. وخص الأنف بالذكر لانه موضع الانفة والكبر كما يقال شمخ بأنفه »(٣) .

التاسع: لقد كان طائفة من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعتقدون بطلان خلافة أبي بكر واستخلافه لعمر بن الخطاب باعتبار وقوعهما بغير مشورة من المسلمين، فقد جاء في ( العقد الفريد ) ما نصه: « وقال المغيرة بن شعبة انى لعند عمر بن الخطاب ليس عنده احد غيرى، اذ [ ا ] اتاه آت فقال: هل لك يا أميرالمؤمنين في نفر من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يزعمون أن الذي فعل ابوبكر في نفسه وفيك لم يكن له، وانه كان بغير مشورة ولا مؤامرة، وقالوا: تعالوا نتعاهد ان لا نعود الى مثلها، قال عمر: وأين هم؟ قال: في دار طلحة.

فخرج نحوهم وخرجت معه وما اعلمه يبصرني من شدة الغضب، فلما رأوه كرهوه وظنوا الذي جاء له، فوقف عليهم وقال: انتم القائلون ما قلتم؟ والله لا [ لن ] تتحابوا حتى يتحاب الاربعة: الانسان والشيطان يغويه وهو يلعنه، والنار والماء يطفئها وهي تحرقه، ولم يأن لكم بعد وقد آن ميعادكم

__________________

(١). اساس البلاغة: ورم.

(٢). النهاية في غريب الحديث: ورم.

(٣). لسان العرب: ورم.


ميعاد المسيح متى هو خارج، قال: فتفرقوا فسلك كل واحد منهم طريقاً.

قال المغيرة قال لي: ادرك ابن ابى طالب فاحبسه علي، فقلت: لا تفعل يا أمير المؤمنين [ لا يفعل اميرالمؤمنين ] فو الله ما عدوت ابغضهم، فقال: أدركه والا قلت لك يا ابن الدباغة، فأدركته فقلت له: قف مكانك لامامك واحلم فانه سلطان ويندم [ سيندم ] وتندم.

قال: فأقبل عمر فقال: والله ما خرج هذا الأمر الا من تحت يدك، قال علي: اتق ان لا تكون الذي نطيعك فنفتنك، قال: وتحب ان تكون هو؟ قال: لا ولكننا نذكّرك الذي نسيت، فالتفت الي عمر فقال: انصرف فقد سمعت منا عند الغضب ما كفاك، فتنحيت قريباً وما وقفت الا خشية ان يكون بينهما شيء فأكون قريباً، فتكلّما كلاماً غير غضبانين ولا راضيين، ثمّ رأيتهما يضحكان وتفرقا، وجاءني عمر فمشيت معه وقلت: يغفر الله لك أغضبت؟ قال: فأشار الى علي وقال: اما والله لو لا دعابة فيه ما شككت في ولايته وان نزلت على رغم انف قريش »(١) .

العاشر: ان هذا الكلام ينص على لزوم المشورة من المهاجرين والأنصار. ولم تكن خلافة عثمان عن مشورة منهم، بل جعلها عمر بين ستة رجال من المهاجرين، وهم: أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف. وهل جاءت خلافة عثمان نتيجة الشورى حقيقة؟ كلا فلقد كان سعد من بنى عم عبد الرحمن، وكان يبغض عليا عليه‌السلام ، وعبد الرحمن كان صهراً لعثمان وكان طلحة يميل الى عثمان، وكان عمر قد أوصى أنه: ان اجتمع خمسة على رأي واحد وأبى واحد ضرب رأسه بالسيف، وان اجتمع أربعة وأبى الاثنان ضرب رأساهما، فان رضى ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين.

__________________

(١). العقد الفريد ٤ / ٢٨١ - ٢٨٢.


فانضم سعد في الرأي الى عبد الرحمن، وطلحة الى عثمان، ومال عبد الرحمن الى صهره وهكذا تمت البيعة لعثمان على يد عبد الرحمن طبق الخطة المدبرة فأين الشورى؟! هذا اجمال القصة وإليك بعض رواياتهم في ذلك:

قال ابن سعد: « أخبرنا عفان بن مسلم، نا: حماد بن سلمة عن علي ابن زيد بن جدعان عن أبي رافع أن عمر بن الخطاب كان مستنداً الى ابن عباس وعنده ابن عمر وسعيد بن زيد فقال: اعلموا اني لم أقل في الكلالة شيئاً ولم أستخلف بعدي أحداً، وانه من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حرّ من مال الله. قال سعيد بن زيد، انك لو أشرت برجل من المسلمين أئتمنك الناس.

فقال عمر: قد رأيت من أصحابي حرصاً سيئاً، واني جاعل هذا الامر الى هؤلاء النّفر الستة الذين مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنهم راض! ثم قال: لو أدركني أحد رجلين فجعلت هذا الامر اليه لوثقت به سالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح.

أخبرنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن ابراهيم قال: قال عمر: من استخلف لو كان ابو عبيدة فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! فأين أنت من عبد الله بن عمر؟ فقال: قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا. استخلف رجلا لم يحسن يطلق امرأته!؟ »(١) .

وروى ابن سعد عن عمرو بن ميمون في خبر طويل: « ثم قال: ادعوا لي علياً وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعداً فلم يكلم أحداً منهم غير علي وعثمان فقال يا علي! لعل هؤلاء القوم يعرفون لك قرابتك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصهرك وما آتاك الله من الفقه والعلم، فان وليت هذا الأمر فاتق الله فيه! ثم دعا عثمان فقال: يا عثمان! لعل هؤلاء القوم

__________________

(١). طبقات ابن سعد - ترجمة عمر.


يعرفون لك صهرك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسنّك وشرفك، فان وليت هذا الامر فاتق الله ولا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس ثم قال ادعوا لي صهيباً فدعى فقال: صل بالناس ثلاثاً ولتخل هؤلاء القوم في بيت فاذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه، فلما خرجوا من عند عمر قال عمر: لو ولوها الاجلح(١) سلك بهم الطريق فقال له ابن عمر: فما يمنعك يا أمير المؤمنين! قال اكره أتحملها حياً وميتاً »(٢) .

وروى في خبر عن سماك: « وقال للأنصار: أدخلوهم بيتاً ثلاثة أيام فان استقاموا والا فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم! ».

وقال ابن سعد أيضاً: « أخبرنا محمد بن عمر: حدثني محمد بن موسى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك، قال: أرسل عمر ابن الخطاب الى أبي طلحة الانصاري قبل أن يموت بساعة فقال: يا أبا طلحة! كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النّفر من أصحاب الشورى فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت أحدهم، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحداً يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم، اللهم أنت خليفتي عليهم ».

وجاء في ما رواه عن عمرو بن ميمون « وقالوا له حين حضره الموت:

استخلف! فقال: لا أجد أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الذين توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنهم راض فأيهم استخلف فهو الخليفة، فسمى علياً عليه‌السلام وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعداً، فان أصابت سعدا فذاك، والا فأيهم استخلف فليستعن به فاني لم أعزله عن عجز ولا خيانة، قال: وجعل عبد الله معهم يشاورونه وليس له من الأمر شيء، قال فلما اجتمعوا قال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم الى ثلثة نفر منكم، فجعل الزبير أمره

__________________

(١) يعنى علياًعليه‌السلام .

(٢). طبقات ابن سعد ٣ / ٣٣٨ - ٣٣٩.


الى علي وجعل طلحة أمره الى عثمان، وجعل سعد أمره الى عبد الرحمن فأتمروا اولئك الثلثة حين جعل الأمر إليهم فقال عبد الرحمن: أيكم يبرأ من الأمر ويجعل اليّ ولكم الله علي الا آلوكم عن أفضلكم وخيركم للمسلمين، فأسكت الشيخان علي وعثمان فقال عبد الرحمن: تجعلانه اليّ وانا اخرج منها! فو الله لا آلوكم عن افضلكم وخيركم للمسلمين، قالوا: نعم! فخلا بعلي عليه‌السلام فقال: ان لك من القرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقدم، والله عليك لئن استخلفت لتعدلن ولئن استخلف عثمان لتسمعن ولتطيعن فقال: نعم! قال: وخلا بعثمان فقال مثل ذلك، قال فقال عثمان: نعم! قال: فقال ابسط يدك يا عثمان! فبسط يده فبايعه! ».

و قال أبوبكر بن أبي شيبة في ( المصنف ) في ما رواه عن عمرو بن ميمون في خبر مقتل عمر « فقالوا له حين حضره الموت: استخلف! فقال: لا أجد أحداً أحق بهذا الامر من هؤلاء النفر الذين توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنهم راض، فأيهم استخلفوا فهو الخليفة بعدي، فسمى علياً وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعداً، فان أصابت سعداً فذلك والا فأيهم استخلف فليستعن به فاني لم أنزعه عن عجز ولا خيانة، قال: وجعل عبد الله بن عمر يشاور معهم وليس له من الأمر شيء، قال: فلما اجتمعوا قال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم يشاورونه ثلاثة نفر، قال، فجعل الزبير أمره الى علي وجعل طلحة أمره الى عثمان وجعل سعد أمره الى عبد الرحمن، قال: فأتمروا أولئك الثلاثة حين جعل الامر اليهم، قال: فقال عبد الرحمن، أياكم يتبرأ من الامر ويجعل الامر اليّ ولكم الله على أن لا آلو عن أفضلكم وخيركم للمسلمين؟ قالوا: نعم! فخلا بعلي فقال: ان لك من القرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقدم ولي الله عليك لئن استخلفت لتعدلن ولئن استخلف عثمان لتسمعن ولتطيعن، قال: فقال: نعم! قال: وخلا بعثمان فقال مثل ذلك، فقال له عثمان: نعم! ثم قال: يا عثمان ابسط يدك! فبسط يده وبايعه علي والناس ».


وفيه: « حدثنا وكيع عن اسرائيل عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون الاودي أن عمرو بن الخطاب لما حضر قال: ادعوا الي علياً وطلحة والزبير وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعداً، قال: فلم يكلم أحداً منهم الا علياً وعثمان فقال: يا علي! لعل هؤلاء القوم يعرفون لك قرابتك وما آتاك الله من العلم والفقه، فاتق الله وان وليت هذا الأمر فلا ترفعن بني فلان على رقاب الناس! وقال لعثمان يا عثمان: ان هؤلاء القوم لعلهم يعرفون لك صهرك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسنك وشرفك، فان أنت وليت هذا الأمر فاتق الله ولا ترفع بني فلان على رقاب الناس! فقال: ادعوا لي صهيباً فقال صل بالناس ثلاثاً وليجتمع هؤلاء الرهط فليخلوا فان أجمعوا على رجل فأضربوا رأس من خالفهم ».

وأخرج البخاري الخبر المذكور وهذا نصه « فقالوا: أوص يا أميرالمؤمنين! استخلف! قال: ما أجد أحق بهذا الامر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنهم راض، فسمى علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعد، وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الامر شيء كهيئة التعزية له، فان أصابت الامرة سعداً فهو ذاك والا فليستعن به أيكم ما أمر فاني لم أعزله عن عجز ولا خيانة ».

وفيه: « فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم الى ثلثة منكم فقال الزبير: قد جعلت أمري الى علي، فقال طلحة: قد جعلت أمري الى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري الى عبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الامر فنجعله اليه والله عليه والإسلام لينظرنّ أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه الي والله عليّ أن لا آلو عن أفضلكم، قالا: نعم! فأخذ بيد أحدهما فقال لك قرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال:


ارفع يدك يا عثمان! فبايعه وبايع له علي و ولج أهل الدار فبايعوه ».

وقال اليعقوبي: « وصير الامر شورى بين ستة نفر من أصحاب رسول الله علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير ابن العوام وطلحة بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص وقال: أخرجت سعيد بن زيد لقرابته مني فقيل له في ابنه عبد الله بن عمر، قال: حسب آل الخطاب ما تحملوا منها، ان عبد الله لم يحسن يطلق امرأته، وأمر صهيباً أن يصلي بالناس حتى يتراضوا من الستة بواحد واستعمل أبا طلحة زيد بن سهل الانصاري وقال ان رضى أربعة وخالف اثنان فاضرب عنق الاثنين! وان رضى ثلثة وخالف ثلثة فاضرب أعناق الثلثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن! وان جازت الثلثة الأيام ولم يتراضوا بأحد فاضرب أعناقهم جميعاً! وكانت الشورى بقية ذي الحجة سنة ٢٣ وصهيب يصلي بالناس وهو الذي صلى على عمر، وكان أبو طلحة يدخل رأسه اليهم ويقول: العجل! العجل! فقد قرب الوقت وانقضت المدة ».

قال: « وكان عبد الرحمن بن عوف الزهري لما توفي عمر واجتمعوا للشورى وسألهم أن يخرج نفسه منها على أن يختار منهم رجلا ففعلوا ذلك فأقام ثلثة أيام وخلى بعلي بن أبي طالب فقال: لنا الله عليك ان وليت هذا الامر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر، فقال: أسير فيكم بكتاب وسنة نبيه ما استطعت. فخلا بعثمان فقال له: لنا الله عليك ان وليت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر، فقال: لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر، ثم خلى بعلي فقال له مثل مقالته الاولى فأجابه مثل الجواب الاول، ثم خلى بعثمان فقال لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر، ثم خلى بعلي فقال له مثل مقالته الاولى فأجابه مثل الجواب الاول، ثم خلى بعثمان فقال له مثل المقالة الاولى فأجابه مثل ما كان أجابه ثم خلى بعلي فقال له مثل المقالة الاولى فقال: ان كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما الى إجيرى أحد، أنت مجتهد تزوي هذا الأمر عني. فخلا بعثمان فأعاد عليه القول فأجابه


بذلك الجواب وصفق على يده وخرج عثمان والناس يهنئونه »(١) .

قال « ومال قوم مع علي بن أبي طالب وتحاملوا في القول على عثمان، فروى بعضهم قال: دخلت مسجد رسول الله فرأيت رجلا جاثياً على ركبتيه يتلهف تلهف من كانّ الدنيا كانت له فسلبها وهو يقول: وا عجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر على ( عن. ظ ) أهل بيت نبيهم وفيهم اول المؤمنين وابن عم رسول الله، اعلم الناس وأفقههم في دين الله وأعظمهم غناءاً في الاسلام وأبصرهم بالطريق وأهداهم للصراط المستقيم، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي، وما أرادوا اصلاحاً للامة ولا صواباً في المذهب ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة، فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين! فدنوت منه فقلت: من أنت؟ يرحمك الله! ومن هذا الرجل فقال: أنا المقداد بن عمرو وهذا الرجل علي بن أبي طالب، قال فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال: يا ابن أخي! ان هذا الأمر لا يجزي فيه الرجل ولا الرجلان. ثم خرجت فلقيت أباذر فذكرت له ذلك فقال: صدق أخي المقداد ».

قال: « وروي أن عثمان اعتلّ علّة اشتدّت به فدعا حمران ابن أبان وكتب عهداً لمن بعده وترك موضع الاسم ثم كتب الى عبد الرحمن بن عوف وربطه وبعث به الى ام حبيبة بنت أبي سفيان فقرأه حمران في الطريق فأتى عبد الرحمن فأخبره، فقال عبد الرحمن وغضب غضباً شديداً: استعمله علانية ويستعملني سراً! ونمى الخبر وانتشر بذلك في المدينة وغضب بنو أمية، فدعا عثمان بحمران مولاه فضربه مائة سوط وسيّره الى البصرة، فكان سبب العداوة بينه وبين عبد الرحمن بن عوف و وجّه اليه عبد الرحمن بن عوف بابنه فقال له قل له: والله لقد بايعتك وان فيّ ثلث خصال أفضلك بهنّ: اني حضرت بدراً ولم تحضرها، وحضرت بيعة الرضوان ولم تحضرها، وثبتّ يوم احد وانهزمت! فلما أدّى ابنه الرسالة الى عثمان قال له قل له: أما غيبتي عن

__________________

(١). تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٢.


بدر فاني أقمت على بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضرب لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم سهمي وأجري.

وأمّا بيعة الرضوان فقد صفق لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيمينه على شماله فشمال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير من أيمانكم، وأما يوم أحد فقد كان ما ذكرت الّا أن الله قد عفا عني. ولقد فعلنا أفعالا لا ندري أغفرها الله أم لا؟! ».

وقال الطبري « حدّثني سلمة بن جنادة، قال: ثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، قال: ثنا أبي عن عبد الله ابن جعفر عن أبيه عن المسور بن محرمة، وكانت امّه عاتكة بن عوف، قال: خرج عمر بن الخطاب يوماً يطوف في السوق فلقيه أبو لؤلؤ غلام المغيرة بن شعبة وكان نصرانياً فقال: يا أميرالمؤمنين! اعدني على المغيرة بن شعبه فان علي خراجاً كثيراً، قال: وكم خراجك؟ قال: درهمان في كل يوم، قال وأيش صناعتك قال: نجار نقاش حداد قال: فما أرى خراجك بكثير على ما تصنع من الاعمال قد بلغني أنك تقول: لو أردت أن أعمل رحى تطحن بالريح فعلت، قال: نعم! قال: فاعمل لي رحى، قال: لئن سلمت لاعملن لك رحى يتحدث بها من في المشرق والمغرب، ثم انصرف عنه.

فقال عمر رضي‌الله‌عنه : لقد توعّدني العبد آنفاً! قال: ثم انصرف عمر الى منزله فلما كان من الغد جاءه كعب الأحبار فقال له يا أمير المؤمنين! اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام، قال: وما يدريك! قال: أجده في كتاب الله عز وجل التوراة، قال عمر: الله! انك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟! قال: اللهم لا ولكني أجد صفتك وحليتك وأنه قد فنى أجلك، قال: وعمر لا يحسّ وجعاً ولا ألماً، فلما كان من الغد جاءه كعب فقال: يا أميرالمؤمنين! ذهب يوم وبقي يومان، قال: ثم جاءه من غد الغد فقال: ذهب يومان وبقي يوم وليلة وهي لك الى صبيحتها.


قال: فلما كان الصبح خرج عمر الى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالا فإذا استوت جاء هو فكبر. قال: ودخل أبو لؤلؤة في الناس وفي يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فضرب عمرست ضربات احداهن تحت سرّته وهي التي قتلته، وقتل معه كليب بن أبي البكير الليثي وكان خلفه، فلما وجد عمر حر السلاح سقط وقال: أفي الناس عبد الرحمن بن عوف؟ قالوا: يا أميرالمؤمنين، هو ذا، قال تقدم فصلّ بالناس، قال: فصلى عبد الرحمن بن عوف وعمر طريح ثم احتمل فأدخل داره.

فدعا عبد الرحمن بن عوف فقال: اني اريد أن أعهد اليك، فقال: يا أميرالمؤمنين! نعم، ان أشرت الي قبلت منك، قال: وما تريد؟ قال: أنشدك الله أتشير عليّ بذلك؟ قال: اللهم لا! قال: والله لا أدخل فيه أبداً، قال: فهب لي صمتاً حتى أعهد الى النفر الذين توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنهم راض، ادع لي علياً وعثمان والزبير وسعداً، قال: وانتظروا أخاكم طلحة ثلاثاً فان جاء والا فاقضوا أمركم، أنشدك الله يا علي ان وليت من امور الناس شيئاً أن تحمل بني هاشم على رقاب الناس، أنشدك الله يا عثمان ان وليت من أمور الناس شيئاً أن تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس، أنشدك الله يا سعد ان وليت من امور الناس شيئا أن تحمل أقاربك على رقاب الناس، قوموا فتشاوروا ثم اقضوا أمركم وليصل بالناس صهيب.

ثم دعا أبا طلحة الانصاري فقال. قم على بابهم فلا تدع أحداً يدخل إليهم وأوص الخليفة من بعدي بالانصار الذين تبوؤا الدار والايمان أن يحسن الى محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم، وأوص الخليفة من بعدي بالعرب فإنها مادة الاسلام أن يؤخذ من صدقاتهم حقها فتوضع في فقرائهم، وأوص الخليفة من بعدي بذمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يوفى لهم بعهدهم، اللهم هل بلغت! تركت الخليفة من بعدي على أنقى من الراحة، يا عبد الله بن عمر! اخرج فانظر من قتلني، فقال: يا أمير المؤمنين! قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد لله سجدة


واحدة! يا عبد الله بن عمر! اذهب الى عائشة فسلها أن تأذن لي أن أدفن مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر. يا عبد الله بن عمر ان اختلف القوم فكن مع الأكثر، وان كانوا ثلاثة وثلاثة فاتبع الحزب الذي فيه عبد الرحمن. يا عبد الله ائذن للناس. قال: فجعل يدخل عليه المهاجرون والأنصار فيسلمون عليه ويقول لهم عن ملا منكم كان هذا فيقولون معاذ الله، قال ودخل في الناس كعب فلما نظر اليه عمر أنشأ يقول:

فأوعدني كعب ثلاثاً أعدّها

ولا شك ان القول ما قال لي كعب

وما بي حذار الموت اني لميت

ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب

قال: فقيل له يا أمير المؤمنين لو دعوت الطبيب؟ قال فدعى طبيب من بني الحارث بن كعب فسقاه نبيذاً فخرج النبيذ مشكلا، قال فاسقوه لبناً قال فخرج اللبن أبيض. فقيل له يا أميرالمؤمنين اعهد! قال: قد فرغت.

قال ثم توفى ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ٢٣ قال فخرجوا به بكرة يوم الاربعاء فدفن في بيت عائشة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر، قال وتقدم صهيب فصلى عليه وتقدم قبل ذلك رجلان من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي وعثمان، قال فتقدم واحد من عند رأسه والاخر من عند رجليه فقال عبد الرحمن: لا اله الا الله ما أحرصكما على الامرة! أما علمتما أن أميرالمؤمنين قال: ليصل بالناس صهيب!؟ فتقدم صهيب؟! فصلى عليه قال: ونزل في قبره الخمسة ».

و روى الطبري خبر عمرو بن ميمون وفيه: « ثم راحوا فقالوا: يا أميرالمؤمنين! لو عهدت عهداً. فقال: قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأولى رجلا أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحق، وأشار الى علي ورهقتني غشية فرأيت رجلا دخل جنة قد غرسها فجعل يقطف كل غصنة ويانعة فيضمه اليه ويصيره تحته، فعلمت ان الله غالب أمره ومتوف عمر. فما اريد أن أتحملها حياً وميتاً. عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انهم من أهل الجنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم


ولست مدخله ولكن الستة علي وعثمان ابنا عبد مناف وعبد الرحمن وسعد خلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والزبير بن العوام حواري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن عمته وطلحة الخير بن عبيد الله، فليختاروا رجلا منهم ».

و فيه « وقال لابي طلحة الانصاري: يا أبا طلحة! ان الله عز وجل طالما أعز الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم، وقال للمقداد بن الاسود: اذا وضعتموني في حفرتي فاجمع الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم، وقال لصهيب: صل بالناس ثلاثة أيام وأدخل علياً وعثمان والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوف وطلحة ان قدم وأحضر عبد الله بن عمر ولا شيء له من الأمر وقم على رءوسهم. فان اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف وان اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما.

فان رضي ثلاثة رجلا منهم والثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم، فان لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ان رغبوا عما اجتمع عليه الناس فخرجوا، فقال علي لقوم كانوا معه من بني هاشم: ان أطيع فيكم قومكم لم تؤمرا أبدا، وتلقاه العباس، فقال: عدلت عنا! فقال: وما علمك؟ قال: قرن بي عثمان وقال كونوا مع الأكثر فان رضي رجلان رجلا ورجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون فيوليها عبد الرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني بله اني لا أرجو الا أحدهما ».

و فيه: « فلقى علي سعداً فقال: اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيباً، أسألك برحم ابني هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرحم عمي حمزة منك أن لا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيراً عليّ فاني ادلى بما لا يدلى به عثمان ».


وفيه: « ودعا علياً فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده، قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ودعا عثمان فقال له بمثل ما قال لعلي، قال: نعم، فبايعه فقال علي: حبوته حبو دهر! ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان الا ليرد الامر اليك والله كل يوم هو في شأن ».

و فيه « فقال المقداد: ما رأيت مثل ما اوتي الى أهل هذا البيت بعد نبيهم اني لا عجب من قريش أنهم تركوا رجلا ما أقول ان أحدا أعلم ولا أقضى منه بالعدل، أما والله لو أجد عليه أعوانا، فقال عبد الرحمن: يا مقداد! اتق الله فاني خائف عليك الفتنة، فقال رجل للمقداد: رحمك الله من أهل هذا البيت ومن هذا الرجل؟ قال: أهل البيت بنو عبد المطلب والرجل علي بن أبي طالب فقال علي: ان الناس ينظرون الى قريش وقريش تنظر الى بينها فتقول ان ولى عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبدا وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم »(١) .

و قال أبو عمر ابن عبد ربه القرطبي في بيان قصة الشورى: « يونس بن الحسن وهشام بن عروة عن أبيه قال: لما طعن عمر بن الخطاب قيل له: يا أمير المؤمنين! لو استخلفت؟ قال: ان تركتكم فقد ترككم من هو خير مني وان استخلفت فقد استخلف عليكم من هو خير مني، ولو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته، فان سألني ربي قلت: سمعت لنبيك يقول انه أمين هذه الامة، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته، فأن سألني ربي قلت: سمعت نبيك يقول: ان سالما ليحب الله حبا لو لم يخفه ما عصاه قيل له: فلو أنك عهدت الى عبد الله فانه له أهل في دينه وفضله وقديم إسلامه، قال: بحسب آل الخطاب أن يحاسب منهم رجل واحد عن أمة محمد صلّى الله

__________________

(١). تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٧.


عليه وسلّم، ولوددت أني نجوت من هذا الامر كفافاً لا لي ولا عليّ.

ثم راحوا فقالوا: يا أميرالمؤمنين! لو عهدت؟ فقال: قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن اولى رجلا أمركم أرجو أن يحملكم على الحق وأشار الى علي، ثم رأيت لا أتحملها حياً ولا ميتاً، فعليكم بهؤلاء الرهط الذين قال فيهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انهم من أهل الجنة منهم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ولست مدخله فيهم، ولكن الستة علي وعثمان ابنا عبد مناف وسعد وعبد الرحمن بن عوف خال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والزبير حواري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن عمته وطلحة الخير، فليختاروا منهم رجلا، فإذا ولوكم والياً فأحسنوا موازرته.

فقال العباس لعلي: لا تدخل معهم! قال: أكره الخلاف، قال اذاً ترى ما تكره! فلما أصبح عمر دعا عليا وعثمان وسعدا والزبير وعبد الرحمن ثم قال: اني نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم ولا يكون هذا الأمر الا فيكم واني لا أخاف الناس عليكم، ولكني أخافكم على الناس وقد قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنكم راض فاجتمعوا الى حجرة عائشة بإذنها لتشاوروا واختاروا منكم رجلا، وليصل بالناس صهيب ثلاثة أيام ولا يأتي اليوم الرابع الا وعليكم أمير منكم ويحضركم عبد الله مشيراً ولا شيء له من الأمر وطلحة شريككم في الأمر فان قدم في الثلثة أيام فأحضروه أمركم وان مضت الثلاثة أيام قبل قدومه فامضوا أمركم، ومن لي بطلحة؟ فقال سعد: أنا لك به انشاء الله.

ثم قال لابي طلحة الانصاري: يا أبا طلحة! ان الله قد أعز بكم الإسلام فاختر خمسين رجلا من الانصار، كونوا مع ؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم. وقال للمقداد بن الأسود الكندي إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم، وقال الصهيب: صل بالناس ثلاثة أيام وادخل علياً وعثمان والزبير وسعداً وعبد الرحمن وطلحة ان حضر، وأحضر عبد الله بن عمر وليس له في الامر شيء وقم على رؤوسهم. فان


اجتمع خمسة على رأي واحد وأبي واحد فاشدخ رأسه بالسيف! وان اجتمع أربعة فرضوا وأبى الاثنان فاضرب رأسيهما، فان رضى ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا فحكموا عبد الله بن عمر فان لم يرضوا بعبد الله فكونوا مع الذين فبهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ان رغبوا عما اجتمع عليه الناس وخرجوا.

فقال علي لقوم معه من بني هاشم: ان أطيع فيكم قومكم فلن يؤمروكم أبداً، وتلقاه العباس فقال له: عدلت عنا! قال له: وما أعلمك؟ قال قرن بي عثمان ثم قال: ان رضى رجلان رجلا ورجلا ورجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فلو كان الآخران معى ما نفعانى، فقال العبّاس: لم أدفعك في شيء الا رجعت الي متأخراً بما أكره. أشرت عليك عند وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الأمر فأبيت. وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى أن لا تدخل معهم فأبيت، فاحفظ عنى واحدة: كلما عرض عليك القوم فأمسك الى أن يولوك واحذر هذا الرّهط فانهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم لنا فيه غيرنا.

فلما مات عمر واخرجت جنازته تصدى علي وعثمان أيهما يصلى عليه فقال عبد الرحمن: كلا كما يحب الامر! لستما من هذا في شيء! هذا صهب استخلفه عمر يصلى بالنّاس ثلاثاً حتى يجتمع النّاس على امام، فصلى عليه صهيب فلما دفن عمر جمع المقداد بن الاسود أهل الشورى في بيت عائشة بإذنها وهم خمسة معهم ابن عمر وطلحة غائب وأمروا أبا فروة فحجبهم، وجاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة فجلسا بالباب فحصبهما سعد وأقامهما وقال: تريدان أن تقولا حضرنا وكنّا في الشورى.

فتنافس القوم في الأمر وكثر بينهما الكلام كل يرى انه أحق بالامر، فقال أبو طلحة، لا تتدافعوا فاني أخاف أن تناقضوها، لا والذي ذهب بنفس محمد لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمر بها عمر وأجلس في بيتي، فقال


عبد الرحمن. أيكم تخرج منها نفسه ويتقلدها على أن وليها أفضلكم؟ فلم يجبه أحد، قال: فأنا أتخلع منها، قال عثمان: أنا أول من رضى فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: عبد الرحمن أمين في السماء امين في الارض، فقال القوم: رضينا وعلي ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن! قال: أعطني موثقاً لتوثرن الحق ولا تتّبع الهوى ولا تخص ذارحم ولا تألوا لامّة نصحاً، قال: أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معى على من نكل وأن ترضوا بما أخذت لكم.

فتوثق بعضهم من بعض وجعلوها الى عبد الرحمن فخلا بعلى فقال: انك أحق بالأمر لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك ولم تبعد فمن أحق بها بعدك من هؤلاء؟! قال: عثمان. ثم خلا بعثمان فسأله من مثل ذلك فقال: على. ثم خلا بسعد فقال على ثم خلا بالزبير فقال عثمان: فقال عمار ابن ياسر لعبد الرحمن: ان أردت أن لا يختلف عليك اثنان فولّ عليّاً، وقال ابن ابي سرح: ان أردت أن لا يختلف عليك قرشىّ فولّ عثمان، وقال عبد الرحمن: والله ما خلعت نفسي وأنا أرى فيه خيراً لاني علمت أنه لا يلي بعد أبي بكر وعمر أحد يرضى الناس أمره. فلما أحدث عثمان ما أحدث من تولية الاحداث من أهلبيته وتقديم قرابته قيل لعبد الرحمن: هذا كله فعلك؟ قال: لم ظن هذا به ولكن لله علي أن لا أكلمه أبداً؟ فمات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان. ودخل عليه عثمان عائداً فتحول عنه الى الحائط ولم يكلمه ».

وقال ابن عبد ربه « فلما أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الاحداث من أهلبيته على الجلة من أصحاب محمد قيل لعبد الرحمن: هذا عملك! قال: ما ظننت هذا! ثم مضى ودخل عليه وعاتبه وقال: انما قدمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتهما وحابيت أهلبيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين! فقال: ان عمر كان يقطع قرابته في الله، وأنا أصل قرابتي في الله! قال عبد الرحمن لله على أن لا أكلمك أبداً! فلم يكلمه أبداً حتى مات ودخل


عليه عثمان عائداً له في مرضه فتحول عنه الى الحائط ولم يكلمه »(١) .

وقال ابن الاثير الجزري في ( الكامل ): « قال المسور بن مخرمة: خرج عمر بن الخطاب يطوف يوماً في السوق، فلقيه أبو لؤلؤ غلام المغيرة بن شعبة وكان نصرانياً فقال: يا أميرالمؤمنين! أعدنى على المغيرة بن شعبة فان علي خراجاً كثيراً، قال: وكم خراجك؟ قال: درهمان كل يوم، قال، وأيش صناعتك؟ قال: نجار، نقاش، حداد. قال: فما أرى خراجك كثيراً على ما تصنع من الاعمال! قد بلغني أنك تقول: لو أردت أن أصنع رحى تطحن بالريح لفعلت؟! قال: فاعمل لي رحى، قال: لئن سلمت لا لأعملن لك رحى يتحدث بها من المشرق والمغرب! ثم انصرف عنه. فقال عمر؟ لقد أوعدني العبد الان.

ثم انصرف عمر الى منزله، فلما كان الغد جاءه كعب الأحبار فقال له يا أمير المؤمنين! اعهد فإنك ميت في ثلث ليال: قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب التورية، قال عمر: أتجد عمر بن الخطاب في التورية؟ قال: اللهم لا، ولكني أجد حليتك وصفتك وأنك قد فنى أجلك قال: وعمر لا يحس وجعاً فلما كان الغد جاءه كعب فقال: بقي يومان، فلما كان الغد جاء كعب فقال: مضى يومان وبقي يوم، فلما أصبح خرج عمر الى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالا فإذا استوت كبر ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه. فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته، وقتل معه كليب بن أبي بكير الليثي وهو حليفه ( خلفه. ظ ) وقتل جماعة غيره، فلما وجد عمر حر السلاح سقط وأمر عبد الرحمن بن عوف فصلى بالناس وعمر طريح فاحتمل فأدخل بيته.

ودعا عبد الرحمن فقال له: اني اريد أن أعهد اليك، قال: أتشير على بذلك؟! قال: أللهم لا! قال: والله لا أدخل فيه أبداً! قال: فهبني صمتاً

__________________

(١). العقد الفريد ٤ / ٢٧٩.


حتى أعهد الى النفر الذين توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنهم راض، ثم دعا علياً وعثمان والزبير وسعداً فقال: انتظروا أخاكم طلحة ثلاثاً فان جاء والا فاقضوا أمركم، أنشدك الله يا علي ان وليت من أمور الناس شيئاً أن تحمل بنى هاشم على رقاب الناس أنشدك الله يا عثمان ان وليت من امور الناس شيئاً أن تحمل بنى أبي معيط على رقاب الناس، أنشدك الله يا سعد ان وليت من أمور الناس شيئاً ان تحمل اقاربك على رقاب الناس، قوموا أمركم فتشاوروا ثم اقضوا وليصل بالناس صهيب.

ثم دعا ابا طلحة الانصاري فقال: قم على بابهم فلا تدع احداً يدخل إليهم، وأوص الخليفة من بعدي بالأنصار الذين تبوّؤ الدار والايمان ان يحسن الى محسنهم ويعفو عن مسيئهم، وأوص الخليفة بالعرب فإنهم مادة الاسلام ان يؤخذ من صدقاتهم حقها فتوضع في فقرائهم، وأوص الخليفة بذمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يوفى لهم بعهدهم، اللهم هل بلغت! لقد تركت الخليفة من بعدي على أتقى من الراحة. يا عبد الله بن عمر! اخرج فانظر من قتلني، قال: يا أمير المؤمنين قتلك ابو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة.

قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد لله سجدة واحدة، يا عبد الله بن عمر اذهب الى عائشة فسلها ان تأذن لي ان ادفن مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر. يا عبد الله ان اختلف القوم فكن مع الأكثر فان تساووا فكن مع الحزب الذي فيه عبد الرحمن بن عوف، يا عبد الله ائذن للناس، فجعل يدخل عليه المهاجرون والأنصار فيسلمون عليه ويقول لهم: أهذا عن ملامنكم؟! فيقولون: معاذ الله: قال: ودخل كعب الاحبار مع الناس فلما رآه عمر قال:

توعدني كعب ثلاثاً اعدّها

ولا شك ان القول ما قال لي كعب

وما بى حذار الموت انى لميت

ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب

ودخل عليه على يعود فقعد عنه رأسه وجاء ابن عباس فأثنى عليه فقال له عمر: انت لي بهذا يا ابن عباس! فأوما الى ( اليه ظ ) علي ان قل: نعم!


فقال ابن عباس: نعم! فقال عمر: لا تغرنى أنت وأصحابك! ثم قال: يا عبد الله! خذ رأسي عن الوسادة فضعه في التراب لعل الله جل ذكره ينظر الى فيرحمنى والله لو ان لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع، ودعى له طبيب من بنى الحرث بن كعب فسقاه نبيذاً فخرج غير متغير، فسقاه لبناً فخرج كذلك ايضاً، فقال له: اعهد يا امير المؤمنين! قال: قد فرغت ».

و قال في بيان قصة الشورى: « وقال لابي طلحة الانصاري: يا ابا طلحة! ان الله طالما اعز بكم الاسلام فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم، وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا، وقال لصهيب: صل بالناس ثلاثة ايام وادخل هؤلاء الرهط بيتاً وقم على رؤوسهم فان اجتمع خمسة وابى واحد فأشدخ راسه بالسيف، وان اتفق أربعة وابى اثنان فاضرب رؤوسهما، وان رضي ثلاثة رجلا فحكموا عبد الله بن عمر، فان لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ان رغبوا عما اجتمع فيه الناس، فخرجوا فقال على لقوم معه من بنى هاشم: ان أطيع فيكم قومكم لم تؤمروا ابداً وتلقاه عمه العباس فقال: عدلت عنا! فقال وما علمك؟! قال: قرن بي عثمان وقال كونوا مع الأكثر فان رضى رجلان رجلا ورجلان ورجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن، فسعد لا يخالف ابن عمه وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون فيوليها أحدهما الآخر، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني ».

و قال: « ودعا علياً وقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده، قال: ارجوا ان افعل فأعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي فقال نعم، نعمل، فرفع رأسه الى سقف المسجد ويده في يده عثمان، فقال: اللهم اسمع واشهد! اللهم انى قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان فبايعه.


فقال علي: ليس هذا اول يوم تظاهرتم فيه علينا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون والله ما وليت عثمان الا ليرد الامر اليك، والله كل يوم في شأن فقال عبد الرحمن: يا علي! لا تجعل على نفسك حجة وسبيلا، فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله.

فقال المقداد: يا عبد الرحمن! أما والله لقد تركته وانه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، فقال يا مقداد! والله لقد اجتهدت للمسلمين. قال: ان كنت أردت الله فأثابك الله ثواب المحسنين، فقال المقداد: ما رأيت مثل ما أتى الى اهل هذا البيت بعد نبيهم، اني لا عجب من قريش انهم تركوا رجلاً ما أقول ولا أعلم أن رجلا أقضى بالعدل ولا اعلم منه، أما والله لو أجد أعواناً عليه! فقال عبد الرحمن: يا مقداد: اتّق الله، فاني خائف عليك الفتنة، فقال رجل للمقداد رحمك من أهل هذا البيت ومن هذا الرجل؟ قال: اهل البيت بنو عبد المطلب والرجل علي بن أبي طالب. فقال علي: ان الناس ينظرون الى قريش وقريش تنظر بينها فتقول: ان ولي عليكم بني هاشم لم تخرج منهم أبداً وما كانت في غيرهم تتداولوها بينكم »(١) .

و قال ابو الفداء « ثم دخلت سنة أربع وعشرين فيها عقب موت عمر اجتمع أهل الشورى وهم علي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وكان قد شرط عمر أن يكون ابنه عبد الله شريكاً في الرأي ولا يكون له حظ في الخلافة، وطال الأمر بينهم وكان قد جعل لهم عمر مدة ثلاثة أيام وقال: لا يمضي اليوم الرابع الّا ولكم امير وان اختلفتم فكونوا مع الذي معه عبد الرحمن.

فمضى علي الى العباس رضي الله عنهما وقال له: عدل عنا لان سعداً لا يخالف عبد الرحمن لأنه ابن عمه وعبد الرحمن صهر عثمان، فلا يختلفون فيوليها أحدهم الاخر، فقال العباس: لم أدفعك عن شيء الا رجعت اليّ

__________________

(١). الكامل في التاريخ ٣ / ٣٥.


مستأخراً، أشرت عليك قبل وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تسأله فيمن يجعل هذا الامر فأبيت، وأشرت عليك حين سمّاك عمر في الشورى أن لا تدخل فيهم فأبيت، وهذا الرهط لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الامر حتى يقوم له غيرنا وأيم الله لا يناله الا بشر لا ينفع معه خير.

ثم جمع عبد الرحمن الناس بعد أن أخرج نفسه عن الخلافة فدعا علياً فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده، فقال: ارجو أن أفعل وأعمل مبلغ علمي وطاقتي، ودعا بعثمان وقال له مثل ما قال لعلي ( فقال: نعم. صح. ظ ) فرفع عبد الرحمن رأسه الى سقف المسجد ويده في يد عثمان وقال: اللهم اسمع واشهد، اللهم اني جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان وبايعه.

فقال علي: ليس هذا اول يوم تظاهرتم علينا فيه، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان الا ليردّ الامر اليك، والله كل يوم هو في شأن! فقال عبد الرحمن: يا علي: لا تجعل على نفسك حجة وسبيلا، فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله.

فقال المقداد بن الاسود لعبد الرحمن: والله لقد تركته - يعني علياً - وانه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، فقال: يا مقداد! لقد أجهدت ( اجتهدت: ظ ) للمسلمين، فقال المقداد: اني لا عجب من قريش انهم تركوا رجلا ما أقول ولا أعلم أن رجلا أقضى بالحق ولا أعلم منه، فقال عبد الرحمن: يا مقداد اتّق الله فاني اخاف عليك الفتنة.

ثم لما أحدث عثمان رضي‌الله‌عنه ما أحدث من تولية الامصار للاحداث من أقاربه روي انه قيل لعبد الرحمن بن عوف، هذا كله فعلك! فقال: لم أظن هذا به لكن لله عليّ أن لا اكلمه ابداً، ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان رضي الله عنهما ودخل عليه عثمان عائداً في مرضه فتحول الى الحائط ولم يكلمه »(١) .

__________________

(١). المختصر في أحوال البشر ١ / ١٦٦.


( قال الميلاني ):

الحمد لله حمد الشاكرين على أن وفّقنالا تمام مجلد ( حديث الثقلين ) من هذه الموسوعة، ونسأله تعالى أن يتقبل هذا العمل وسائر أعمالنا بفضله وكرمه، وأن يوفقنا للاعتصام بالثقلين والحشر معهما في الدنيا والآخرة. انه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الفهرس

دحض المعارضة بحديث: اهتدوا بهدى عمار ٧

١ - احتجاج ( الدهلوي ) بهذا الحديث ينافي ما التزم به ٢ - ان عماراً من شيعة على عليه‌السلام ٩

٣ - تخلف عمار عن بيعة ابى بكر ١٢

٤ - اعراض عمر بن الخطاب عن هدى عمار ١٣

٥ - اعتداء عثمان على عمار ١٨

رسول الله: من عادى عماراً عاداه الله ٢١

٦ - مخالفة عبد الرحمن بن عوف لعمار ٧ - بغض سعد بن ابى وقاص لعمار ٢٣

٨ - ترك المغيرة نصيحة عمار ٢٤

٩ - تخلف كبار الاصحاب عما دعاهم عمار اليه ٢٥

١٠ - مخالفة ابى موسى الأشعري لعمار ٢٦

١١ - مخالفة ابى مسعود الانصاري لعمار ٢٧

١٢ - خروج طلحة والزبير على على وعمار معه ٢٨

١٣ - كلمات عائشة القارصة ٢٩

١٤ - سرور معاوية بمقتل عمار ٣٠

رسول الله: عمار تقتله الفئة الباغية ٣١

١٥ - خروج عمرو بن العاص لقتل عمار ٥٩

١٦ - ابو غادية قاتل عمار ٦٠

دحض المعارضة بحديث: تمسّكوا بعهد ابن أم عبد ٦٣

١ - انه مما تفرد به اهل السنة ٢ - انه مما اعرض عنه الشيخان ٣ - انه ضعيف سنداً ٦٥

وفيه قبيصة بن عقبة ٦٦


دحض المعارضة بحديث: رضيت لكم ما رضي به ابن أم عبد ٦٩

١ - انه من الآحاد ٢ - انه مما اعرض منه الشيخان ٣ - انه لا يدل على منزلة لابن مسعود ٧١

٤ - ما كان بين عمرو ابن مسعود ٧٢

٥ - ما كان بين عثمان وابن مسعود ٧٣

دحض المعارضة بحديث: اعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ٧٧

١ - انه من متفردات العامة ٢ - انه واه ٣ - اعترف ابن تيمية بضعفه ٧٩

٤ - قدح فيه ابن عبد الهادي ٥ - قدح فيه الذهبي ٦ - قدح فيه المناوى ٨٠

بعض كلماتهم في راويه: ابن البيلمانى ٨١

وأما ابوه عبد الرحمن ابن البيلمانى ٨٤

٧ - قدح المناوى أيضاً اما زيد العمى ٨٥

٨ - قدح المناوى أيضاً ٩ - قدح العزيزي فيه ١٠ - تصرف معاذ في ما ليس له الاولى: ٨٨

والثانية: ٨٩

دحض المعارضة بحديث: اقتدوا باللّذين من بعدي ٩١

١ - لقد أعله أبو حاتم ٩٣

ترجمة أبى حاتم ٩٤

٢ - طعن الترمذي فيه ٩٦

أما ابراهيم بن اسماعيل وأما اسماعيل بن يحيى وأما يحيى بن سلمة بن كهيل ٩٧

وأما أبو الزعراء ٣ - ابطال البزار اياه ٩٨

ترجمة البزار ٤ - إبطال العقيلي إياه ترجمة العقيلي ٩٩

٥ - تضعيف النقاش اياه ١٠٠

٦ - تضعيف الدارقطني اياه ترجمة الدارقطني ٧ - ابطال ابن حزم إياه ١٠١

ترجمة ابن حزم ١٠٢

٨ - تنصيص العبرى على أنه موضوع ترجمة الفرغاني ١٠٣


٩ - تغليط الذهبي اياه ١٠٤

١٠ - ابطال ابن حجر اياه ١٠٦

١١ - ابطال الهروي إياه ١٠٧

دحض المعارضة بحديث: أصحابى كالنّجوم ١١٣

حديث النجوم موضوع سنداً عند الائمة ١ - احمد بن حنبل ١١٥

٢ - المزني ترجمة المزني ١١٦

٣ - البزار ١١٧

٤ - ابن القطان ترجمة ابن عدى ١١٩

٥ - الدارقطني ٦ - ابن حزم ١٢٠

٧ - البيهقي ٨ - ابن عبد البر ١٢١

٩ - ابن عساكر ترجمة ابن عساكر ١٢٢

١٠ - ابن الجوزي ١١ - ابن دحية ١٢٣

ترجمة ابن دحية ١٢ - أبو حيان ١٢٤

ترجمة أبى حيان ١٢٥

١٣ - الذهبي ١٤ - ابن مكتوم ترجمة ابن مكتوم ١٢٧

١٥ - ابن القيم ١٦ - الزين العراقي ١٢٨

ترجمة الزين العراقي ١٧ - ابن حجر العسقلاني ١٣٠

ترجمة حمزة الجزري ١٣٢

ترجمة جعفر بن عبد الواحد ١٣٣

ترجمة بشر بن الحسين ١٣٤

ترجمة جواب بن عبيد الله ١٨ - ابن الهمام ١٣٥

١٩ - ابن أمير الحاج ١٣٦

ترجمة ابن أمير الحاج ٢٠ - ابوذر الحلبي ترجمة موفق الدين أبى ذر احمد الحلبي ١٣٧

٢١ - السخاوي ١٣٨

اما سليمان بن ابى كريمة وأما جويبر بن سعيد ١٣٩


وأما الضحاك بن مزاحم حول حديث اختلاف أصحابى لكم رحمة ١٤١

٢٢ - ابن ابى شريف ترجمة ابن ابى شريف ١٤٣

٢٣ - السيوطي ١٤٥

٢٤ - المتقى ٢٥ - القاري ١٤٦

٢٦ - المناوى ١٤٩

٢٧ - الخفاجي ١٥٠

٢٨ - السندي ٢٩ - البهارى ١٥٢

ترجمة البهارى ٣٠ - السهالوي ١٥٣

٣١ - المولوى عبد العلى ٣٢ - الشوكانى ١٥٤

٣٣ - ولى الله اللكهنوى ترجمة ولى الله اللكهنوى ١٥٥

٣٤ - صديق حسن خان حول ما زعموا أنه يفيد بعض معنى حديث النجوم ١٥٦

١ - في سنده ابوموسى وهو متهم في الحديث ١٥٧

نهى عمر أباموسى وأباهريرة عن الحديث ١٦٤

٢ - في سنده ابوبردة وهو فاسق ١٦٥

ابو بردة من المنحرفين عن امير المؤمنين دلالة حديث مسلم ١٦٦

التحريف في حديث النجوم ١٦٧

١ - مخالفته للاجماع والضرورة ١٦٨

٢ - اقتراف بعض الصحابة للكبائر ٣ - مخالفته للكتاب ٤ - مخالفته للاحاديث الاخرى ١٦٩

٥ - نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الاقتداء بهم ١٧٠

٦ - اعترافهم بعدم أهليتهم للاقتداء بهم ١٧١

تفنيد كلام الدّهلوى في حاشية التّحفة ١٧٣

١ - المخطىء لا يكون هادياً ٢ - الخطأ في غير المنصوصات أكثر ١٧٥

٣ - لا يجوز متابعة المخطىء مع وجود المعصوم ٤ - الاختلاف بين الاصحاب في الاحكام ٥ - تخطئة الاصحاب بعضهم لبعض ١٧٦


٦ - استعمالهم القياس ٧ - جهلهم بالاحكام ١٧٧

٨ - اقدام بعضهم على معاملة محرمة ١٧٨

٩ - بيع بعضهم الخمر ١٩٤

١٠ - الافتاء بغير علم ٢٠٠

حرمة الفتيا بغير علم ٢٠٢

١١ - عدم الاطلاع على السنن ٢٠٣

١٢ - مخالفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفتوى ٢٠٧

١٣ - اباحة بعضهم شرب الشراب المثلث ١٤ - بدع بعضهم ٢٠٨

١٥ - مخالفة بعضهم للرسول ٢١١

١٦ - بيع بعضهم الاصنام ٢١٦

١٧ - مخالفة بعضهم لصريح الكتاب ٢١٨

١٨ - ابن عباس: ما سألوا النبي الا عن ثلاث عشرة مسألة ١٩ - خفاء الامور والاحكام الواضحة عليهم ٢١٩

٢٠ - لا يجوز الاستنان بالرجال ٢٢٠

تفنيد كلام المزني حول حديث النُّجوم ٢٢٣

١ - ابو بكر وعمر ٢٢٦

٢ - عثمان بن عفان ٣ - أبو موسى الاشعري ٤ - أبو هريرة ٢٢٩

من كلمات التابعين وكبار العلماء في ابى هريرة ابراهيم بن يزيد التيمي ٢٣١

بسر بن سعيد ٢٣٢

شعبة بن الحجاج أبوحنيفة ٢٣٣

محمد بن الحسن الشيباني عيسى بن أبان البصري الحنفي ابو جعفر محمد بن عبد الله الهندواني ٢٣٤

ابوبكر الجصاص عمر بن عبد العزيز الصدر الشهيد ٢٣٥

الحنفية شيوخ المعتزلة ٢٣٦

أبوجعفر الإسكافي ٢٣٧


٥ - أبى بن كعب ٢٣٩

٦ - أنس بن مالك ٢٤٠

٧ - زيد بن ارقم ٢٤٣

٨ - البراء بن عازب ٩ - جرير بن عبد الله ٢٤٤

١٠ - سمرة بن جندب ٢٤٥

١١ - المغيرة بن شعبة ١٢ - عمرو بن العاص ٢٤٦

١٣ - معاوية بن أبى سفيان ٢٤٧

١٤ - الذين جاؤا بالافك ٢٥١

١٥ - الوليد بن عقبة ٢٥٢

١٦ - بعض الاصحاب ٢٥٣

١٧ - معقل بن سنان ١٨ - هشام بن حكيم ٢٥٨

١٩ - رجل من الصحابة ٢٠ - طلحة والزبير وعبد الله بن الزبير ٢٥٩

٢١ - زوجة رفاعة ٢٢ - الغميصا - أو الرميصا ٢٦٢

٢٣ - فاطمة بنت قيس ٢٤ - بسرة بنت صفوان ٢٦٣

٢٥ - عائشة وحفصة ٢٦٥

تفنيد كلام ابن عبد البر حول حديث النجوم في توجيه معناه ٢٧١

دحض المعارضة بقول الأمير عليه‌السلام انّما الشورى للمهاجرين والأنصار ٢٧٧

الفهرس ٣٢٧