نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار- الجزء 5
التجميع مكتبة العقائد
الکاتب السيد علي الحسيني الميلاني
لغة الکتاب عربی
سنة الطباعة 1404




اهداء

الى حامل لواء الامامة الكبرى والخلافة العظمى

ولى العصر المهدى المنتظر الحجّة ابن الحسن العسكري أرواحنا فداه

يا ايّها العزِيز مسّنا واهلنا الضّرّ

وجئنا بِبِضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل

وتصدّق علينا إن الله يجزِي المتصدّقين

علي



حديث النور

ومن ألفاظه:

« كنت أنا وعلي بن أبى طالب بين يدي الله عزّ وجل قبل انْ يخلق آدم بأربعة آلاف علام، فلمّا خلق آدم قسّم ذلك النور جزءين، فجزء أنا وجزء علي.

أخرجه أحمد



كلمة المؤلف

لم يفارق الامام علي رسول الله صلّى الله عليهما وآلهما قبل هذا العالم، وما فارقه في هذا العالم، ولن يفارقه بعده

أما قبل هذا العالم فقد خلق الامام عليه‌السلام من نور ومن النور الذي خلق منه النبي بالذات فهما مخلوقان من نور واحد

وكان ذلك النور بين يدي الله، مطيعا له، سيجد له ويركع، يقدّسه ويسبّحه وكانت الملائكة تسبّح بتسبيحه

وكان ذلك النور قبل أن يخلق آدم وسائر المخلوقات بآلاف السنين ثم خلق الله آدم حتى يسلكه فيه، فينتقل في الأصلاب والأرحام إلى هذا العالم ولأجله أمرت الملائكة بالسجود لأدم

ولم يفارق اسمه اسم النبي في موطن من مواطن ذاك العالم:

فعلى العرش مكتوب: « لا إله إلّا الله محمد رسول الله أيّدته بعلي ».

وعلى باب الجنة مكتوب: « محمد رسول الله، علي بن أبي طالب أخو رسول الله ».

وهكذا

وأما في هذا العالم فالكلّ يعلم أنه كان معه - بعد أن كان معه


في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة - منذ أن ولد، وتربى في حجره، وتعلّم منه كلّ شيء، وشهد معه المواطن ولازمه في الليل والنهار وفي السفر والحضر، وفي السهل والجبل بل كان نفسه

وأما بعد هذا العالم فهو معه في درجته، وأقرب الناس إليه، يحمل لوائه، ويسقي الواردين حوضه

وهذه كلها حقائق صدع بها الصادق الأمين، الذي ما ينطق عن الهوى إنْ هو إلّا وحي يوحى من رب العالمين

فهل يقاس به الذين خلقوا في ظلمة الشرك، وقضوا فيه شطراً من حياتهم، وماتوا في ظلمة الكفر والجهل منقلبين على أعقابهم، وهم في الآخرة يذادون عن الحوض ويساقون إلى النار؟!.

لقد أجاد القائل:

« أنّى ساووك بمن ناووك

وهل ساووا نعلي قنبر؟ ».

هذا الكتاب

وهذا الكتاب هو الجزء الخامس من كتابنا ( نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الانوار ) وموضوعه ( حديث النور )

وحديث النور وإنْ كان أقل شهرة واستدلالاً به من بعض الأحاديث الأْخرى، إلّا أنه لا يقل عنها شأناً ودلالة

بل إنّ هذا الحديث يمتاز عن تلك الأحاديث بدلالته على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام من كلتا الناحيتين:

١ - دلالته على الامامة بالنص

ففي بعض طرق حديث النور تصريح بخلافة أمير المؤمنين للرسول وإمامته من بعده يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعضها: « ففيّ النبوة


وفي علي الخلافة ».

وفي بعض طرقه يقول: « فأخرجني نبياً وأخرج علياً وصيّاً ».

٢ - دلالته على الامامة بالملازمة

فحديث النور يدل على أعلمية الامام عليه‌السلام بعد النبي، لأن الملائكة تعلّموا التقديس والتحميد والتهليل لله منهما كما في بعض ألفاظه، ولأن الأنبياء كلّهم استفادوا العلم من ذلك النور الذي خلقا منه، كما نص عليه بعض شراح قول البوصيري:

وكلّهم من رسول الله ملتمس

غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم

ويدل على أفضلية الامام عليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آدم وسائر الأنبياء، فمن كان الغاية من خلقهم والمصدر لعلومهم وأنوارهم وكراماتهم يكون أفضل منهم ومتقدماً عليهم.

ويدل على عصمة الامام عليه‌السلام ، ففي بعض ألفاظه: « سرّك سرّي، وعلانيتك علانيتي، وسريرة صدرك كسريرة صدري ». وفي بعضها: « فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي، ودمه دمي، فمن أحبّه فبحبي أحبّه، ومن أبغضه فببغضي أبغضه ».

هذا بالنسبة إلى دلالة هذا الحديث.

وأما السند فهو وارد من حديث عدّةٍ من الأصحاب، وعلى رأسهم سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام وأخرجه جمع غفير من أعلام القوم، وعلى رأسهم: عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، وابن مردويه، وأبو نعيم، والخطيب البغدادي، وابن عساكر، وابن حجر العسقلاني بأسانيد مختلفة وطرق معتبرة.

هذا بيان موجز لموضوع هذا الجزء من الكتاب، وسيرى القارئ الكريم تفصيل ذلك عن كثب، وسيجد ( حديث النور ) من أوضح الأدلة من السنة


النبوية الشريفة وأمتنها في الدلالة، ومن أقوى الأحاديث في باب الفضائل والمناقب من حيث السند، وبذلك يكون آخذاً بالحق ومتبعاً له ومعترفاً بما يقوله أهل الحق والصدق - أعني الشيعة الامامية - المستدلين بحديث النور على امامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وسيقول بالتالي كلمته في حق المكذّبين لهذا الحديث أو المنكرين دلالته

فهذا موضوع هذا الجزء وفي غضونه أبحاث علمية وتحقيقات ثمينة وفوائد عالية

والله أسأل أن يوفقنا لمعرفة الحق واتباعه، ويهدينا إلى سواء السبيل، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. إنه سميع مجيب.

علي الحسيني الميلاني


كلام الدهلوي في الجواب

عن حديث النور

« الحديث الثامن - ما رووا من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كنت أنا وعلي ابن أبي طالب نوراً بين يدي الله، قبل أنْ يخلق آدم بأربعة آلاف سنة، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزءين، فجزء أنا وجزء علي بن أبي طالب.

وهذا حديث موضوع بإجماع أهل السنة، وفي إسناده محمّد بن خلف المروزي، قال يحيى بن معين: هو كذّاب، وقال الدار قطني: متروك لم يختلف أحد في كذبه.

ويروى من طريق آخر وفيه: جعفر بن أحمد، وكان رافضيّاً غالياً كذّاباً وضّاعاً، وكان أكثر ما يضع في قدح الأصحاب وسبّهم.

وعلى تقدير صحته، فإنه معارض بما هو أحسن منه في الجملة وليس في إسناده من اتّهم بالكذب وهو: ما رواه الشافعي بإسناده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: كنت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلمّا خلق أسكننا ظهره، ولم نزل ننتقل في الأصلاب الطاهرة حتى نقلني الله تعالى إلى صلب عبد الله، ونقل أبا بكر إلى صلب أبي قحافة، ونقل


عمر إلى صلب الخطاب، ونقل عثمان إلى صلب عفان، ونقل علياً إلى صلب أبي طالب. ويؤيدهالحديث المشهور: إن الأرواح جنود مجنّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

وبعد اللتيا والتي، فلا دلالة لهذا الحديث على ما يدّعونه، لأن كون سيدنا الأمير شريكاً في النور النبوي لا يستلزم إمامته من بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا بدّ لمن يدّعي ذلك من إثبات الملازمة بين الأمرين وبيانها بحيث لا تقبل المنع، ودون ذلك خرط القتاد.

ولا كلام في قرب نسب حضرة الأمير من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما الكلام في استلزام القرب النسبي للامامة بلا فصل، ولو كانت القرابة بمجرّدها تستلزم الامامة لكان العباس أولى بها منه، لكونه عمه وصنو أبيه، والعم أقرب من ابن العم شرعاً وعرفاً.

ولو قيل: إن العباس إنما حرم منها لعدم نيله شيئاً من نور عبد المطلب، لانتقاله منه إلى عبد الله وأبي طالب دون غيرهما من أبنائه.

قلنا: إن كانت الامامة منوطة بشدّة النور وكثرته، فإن الحسنين أولى وأقدم من علي بالامامة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لاجتماع نوري عبد الله وأبي طالب فيهما، بينما لم ينتقل إلى علي سوى نور أبيه أبي طالب، كما أنّ من المعلوم أن نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقوى من نور علي، وهما مجتمعان في الحسنين »(١) .

أقول:

لقد نسب ( الدهلوي ) رواية حديث النور إلى الامامية فقط، وادّعى إجماع أهل السنة على كونه موضوعاً، ونحن نكشف النقاب عن كذب هذه الدعاوى، وعن مدى تعصب صاحبها وعناده للحق وأهله، كما فعلنا ذلك في المجلدات السابقة، وسيتجلّى ذلك لكلّ منصف يقف على ما تفوّه به الرجل في المقام كذلك،

____________________

(١). التحفة الاثنا عشرية: ٢١٥ - ٢١٦.


ولا بأس بأن نشير إلى ما في كلامه بايجاز ونقول:

أما نسبة رواية حديث النور إلى الامامية فقط كما هي ظاهر كلامه، فبرواية الحديث عن مشاهير علماء أهل السنة الثقات، وجهابذة أهل الحديث المعتمدين عندهم، ليعلم الملا العلمي أن في أهل السنة متعصبين لا يروقهمْ الإذعان حتى برواية علماء طائفتهم لشيء من فضائل أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليتمّ لنا الاستدلال بهذا الحديث وإلزام الخصم به وإلّا فإنّ الحديث مروي في كتب الامامية بطرق معتبرة مستفيضة، كسائر الأحاديث الواردة في شأن العترة الطاهرة.

وأما المناقشة في سنده، والقول بأنه موضوع بإجماع أهل السنة، فتتوقف على تمامية دعوى انحصار روايته في طريقين كما هو ظاهر كلامه، ثم تضعيفهما كما زعم فببطلان دعوى الانحصار المذكور، والردّ على تضعيف الطريقين على فرضه

وأما معارضته بما رواه عن الشافعي فيدفعها بطلان هذا الخبر رواية ودراية بل إن متنه ينادي بوضعه، فأين من مات على الكفر أو قضى فيه أكثر عمره أو شطره من عالم النور، ومن النور الذي خلق منه النبي الأطهر؟!

وأما دلالته فلا يشكك فيها إلّا من كان في قلبه مرض وفي عينه عمى لأن الحديث صريح في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلق من نور فأخرجه الله عز وجل نبياً، وخلق علياً عليه‌السلام من نفس ذاك النور فأخرجه وصياً، فكما تفرّع على خلق النبي من نورٍ نبوته تفرّع على خلق علي من نوره وصايته وخلافته له

ولأنه صريح في أفضليّته من جميع الخلائق بعد النبي الأنبياء والملائكة فمن سواهم ومن ذا الذي يشك في تعيّن الأفضل للامامة والخلافة بعد النبي ...؟!


نعم سنكشف النقاب عن كذب مزاعم ( الدهلوي ) وبطلان دعاويه واحدة تلو الأخرى بالتفصيل، وسيظهر للقراء أن الرجل قد أسس بنيانه على شفا جرف هار، فانهار به في نار جهنم والله المستعان.


سند حديث النور



وبحثنا حول سند حديث النور يتكفّل إثبات تواتره - فضلاً عن صحته - عن طريق بيان وصول رواته في كلّ طبقة حداً يوجب اليقين بصدوره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنذكر أولاً أسماء رواته من الصحابة، ثم نتبع ذلك بذكر رواته من التابعين، ثم العلماء في مختلف القرون فهذه أولاً:

أسماء رواة حديث النور من الصحابة

[١] سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام.

وقد رواه من حديثه العلماء التالية أسماؤهم:

١ - الصالحاني.

٢ - الكلاعي.

٣ - محمد بن جعفر.

٤ - الوصابي.

٥ - الواعظ الهروي.

٦ - محمد صدر عالم.


[ ٢] سيدنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقد رواه من حديثه العلماء التالية أسماؤهم:

١ - العاصمي.

٢ - الخوارزمي.

٣ - المطرزي.

٤ - شهاب الدين أحمد.

[٣] سيدنا سلمان، وقد رواه من حديثه العلماء التالية أسماؤهم:

١ - أحمد بن حنبل.

٢ - عبد الله بن أحمد.

٣ - ابن المغازلي.

٤ - شيرويه الديلمي.

٥ - النطنزي.

٦ - شهردار الديلمي.

٧ - الخطيب الخوارزمي.

٨ - إبن عساكر.

٩ - الحمويني.

١٠ - الطالبي.

١١ - الهمداني.

١٢ - الكنجي.

١٣ - الطبري.

١٤ - الوصابي.

١٥ - الهروي.

١٦ - محمد صدر عالم.

[٤] أبوذر الغفاري، وقد رواه من حديثه:


ابن المغازلي.

[٥] جابر بن عبد الله الأنصاري، وقد رواه من حديثه:

ابن المغازلي.

[٦] عبد الله بن العباس، وقد رواه من حديثه العلماء التالية أسماؤهم:

١ - إبن حبيب البغدادي.

٢ - النطنزي.

٣ - الكنجي.

٤ - الحمويني.

٥ - الزرندي.

٦ - شهاب الدين أحمد.

٧ - الجمال المحدّث.

[٧] أبو هريرة، وقد رواه من حديثه: الحمويني.

[٨] أنس بن مالك، وقد رواه من حديثه: العاصمي.

أسماء رواة حديث النور من التابعين

وقد روى هذا الحديث من التابعين:

(١) سيدنا الامام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام .

وإنما ذكرناه في التابعين حسب إصطلاح أهل السنة.

(٢) زاذان أبو عمر الكندي المتوفى سنة ٨٢.

(٣) أبو عثمان النهدي.

(٤) سالم بن أبي الجعد الأشجعي المتوفى سنة ٩٧، ٩٨، ١٠٠.

(٥) أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي المكي المتوفى سنة ١٢٦.

(٦) عكرمة بن عبد الله البربري مولى ابن عباس المتوفى سنة ١٠٧.


(٧) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني.

(٨) أبو عبيدة حميد بن أبي حميد الطويل البصري المتوفى سنة ٢٤، ٤٣.

أسماء رواة حديث النور من الحفاظ والأئمة

١ - أحمد بن حنبل الشيباني (٢٤١).

٢ - أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي (٢٧٧).

٣ - عبد الله بن أحمد بن حنبل (٢٩٠).

٤ - ابن مردويه أبو بكر أحمد بن موسى الاصبهاني (٤١٠).

٥ - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني (٤٣٠)(١) .

٦ - ابن عبد البر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي (٤٦٣).

٧ - الخطيب البغدادي أحمد بن علي بن ثابت (٤٦٣).

٨ - ابن المغازلي أبو الحسن علي بن محمّد بن الطيب الجلّابي (٤٨٣).

٩ - أبو شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي (٥٠٩).

١٠ - أبو محمد العاصمي صاحب زين الفتى في تفسير سورة هل أتى.

١١ - أبو الفتح محمد بن علي النطنزي ( حدود سنة ٥٥٠ ).

١٢ - أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي (٥٥٨).

١٣ - الخطيب الخوارزمي أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي (٥٦٨).

١٤ - إبن عساكر أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي (٥٧١).

١٥ - الصالحاني نور الدين أبو حامد محمود بن محمّد.

١٦ - المطرزي أبو الفتح ناصر بن عبد السيد (٦١٠).

١٧ - أبو محمد قاسم بن الحسين الخوارزمي (٦١٧).

____________________

(١). تعلم روايته من الخصائص العلوية للنطنزي كما سيأتي في محله.


١٨ - عبد الكريم الرافعي القزويني (٦٢٤).

١٩ - الكلاعي أبو الربيع سليمان بن موسى المعروف بابن سبع (٦٣٤).

٢٠ - الكنجي محمد بن يوسف الشافعي (٦٥٨).

٢١ - المحب الطبري أبو العباس أحمد بن عبد الله (٦٩٦).

٢٢ - الحمويني أبو المؤيد إبراهيم بن محمّد (٧٢٢).

٢٣ - شرف الدين الدركزيني الطالبي القرشي (٧٤٣).

٢٤ - الزرندي محمد بن يوسف ( بضع وخمسين وسبعمائة ).

٢٥ - محمد بن يوسف الحسيني المعروف بـ « گيسو دراز ».

٢٦ - السيد محمد بن جعفر المكي.

٢٧ - الجلال البخاري (٧٨٥).

٢٨ - السيد علي الهمداني.

٢٩ - جلال الدين أحمد الخجندي.

٣٠ - السيد شهاب الدين أحمد صاحب توضيح الدلائل.

٣١ - الشهاب الدولت آبادي الملقب بملك العلماء (٨٤٩).

٣٢ - شهاب الدين أحمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني (٨٥٢).

٣٣ - أحمد بن محمد الحافي الحسيني.

٣٤ - الوصابي ابراهيم بن عبد الله اليمني الشافعي.

٣٥ - جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي (١٠٠٠)(١) .

٣٦ - شيخ بن علي العلوي الجفري.

٣٧ - الواعظ الهروي الشيخ محمد.

٣٨ - أحمد بن ابراهيم.

٣٩ - السيد محمد ماه عالم.

____________________

(١). كذا والصحيح (٩٢٦).


٤٠ - محمد صدر العالم.

٤١ - حسان الهند غلام علي آزاد (١١٥٦).

حديث النور متواتر

وليعلم: أن رواية أمير المؤمنين عليه‌السلام وحدها خير دليل على صحة هذا الحديث وثبوته، لأنه معصوم - كما صرح بذلك ( الدهلوي ) ووالده - ولذا يجوز الاكتفاء بها في مقام البحث والاستدلال ومع هذا فإن هذا الحديث متواتر لرواية سبعة من الصحابة إياه غيره عليه الصلاة والسّلام، وقد قال ابن حجر بالنسبة إلى حديث « مروا أبابكر فليصلّ بالناس » ما نصه:

« واعلم أن هذا الحديث متواتر، فإنه ورد من حديث عائشة، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن زمعة، وأبي سعيد، وعلي بن أبي طالب، وحفصة »(١) .

بل ادعى ابن حزم التواتر في مسألة عدم جواز بيع الماء بنقل أربعة من الصحابة قائلاً:

« فهؤلاء أربعة من الصحابة، رضي الله عنهم، فهو نقل تواتر لا تحلُّ مخالفته »(٢) .

وقال ( الدهلوي ) عند الجواب عن مطاعن أبي بكر:

« وما قيل من أنه أجاب فاطمة بحديث لم يروه غيره، كذب محض، لأنه قد جاء في كتب أهل السنة مصححاً من حديث حذيفة بن اليمان، والزبير بن العوام، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، والعباس، وعلي، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وهؤلاء أجلة الصحابة وفيهم من بشّر بالجنّة، وقد

____________________

(١). الصواعق المحرقة - الفصل الثالث من الباب الأول - ١٣.

(٢). المحلى - كتاب البيوع.


روى الملّا عبد الله المشهدي في إظهار الحق عن النبي في حذيفة « ما حدّثكم به حذيفة فصدّقوه » وفيهم المرتضى علي المعصوم بإجماع الشيعة والثقة بإجماع أهل السنة، ولا اعتبار في هذا المقام برواية عائشة وأبي بكر وعمر.

أخرج البخاري عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري: أن عمر بن الخطاب قال بمحضر من الصحابة فيهم: علي والعباس وعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض: أتعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال: لا نورّث ما تركناه صدقة؟ قالوا: اللهم نعم، ثم أقبل على علي والعباس وقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله قال ذلك؟ قالا: اللهم نعم.

فثبت أن هذا الحديث قطعيّ الصدور كالآية من القرآن، فإن رواية الواحد من هؤلاء الذين ذكرت أسماؤهم تفيد اليقين فكيف بهذا الجمع؟ ولا سيما علي المرتضى المعصوم لدى الشيعة، ورواية المعصوم عندهم تساوي القرآن في إفادة اليقين »(١) .

ولنا أن نستدل بهذا الكلام ( الذي أُجيب عنه بالتفصيل في تشييد المطاعن ) على صحة حديث النّور من وجوه:

١ - لقد صرّح بأن رواية أحد هؤلاء الصحابة المذكورين - وفيهم أبو هريرة - تفيد اليقين كالآية من القرآن العظيم، وبما أن أبا هريرة من رواة هذا الحديث الشريف، فإنّ حديث النور كالآية القرآنية في إفادة اليقين.

٢ - إن جميع الوجوه التي استدل بها على إفادة خبر الزبير وعبد الرحمن وسعد وأبي الدرداء وأمثالهم للقطع واليقين، هي بنفسها بل الأقوى منها دليل على إفادة حديث النور - الذي رواه أولئك الصحابة - للقطع واليقين.

٣ - لقد روى حديث النور الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام . ومن المستفاد

____________________

(١). التحفة الباب العاشر: ٢٧٤.


من كلام ( الدهلوي ) أن روايته لأي حديث تفيد ثبوته وصحته، ويكون ذلك الحديث مساوياً للآية القرآنية، فحديث النور - إذن - مساو للقرآن العظيم.

٤ - كلام ( الدهلوي ) صريح في أن لأمير المؤمنين عليه‌السلام مزيةً على سائر الصحابة في إفادة روايته القطع، وأما قوله « المعصوم لدى الشيعة » فيردّه: أن جماعة من أهل السنة يصرّحون أيضاً بعصمته ومنهم والده كما يظهر من ( التحفة ) و ( التفسير ). فالاعتقاد بذلك ثابت لدى الفريقين.

٥ - ظاهر كلامه أن رواية أولئك الصحابة - وفيهم علي وأبو هريرة - أقوى من رواية أبي بكر وعمر وعائشة، وعليه: فإن حديث النور الذي رواه - فيمن رواه - علي وأبو هريرة أقوى مما يروونه.

* * *


نصوص روايات الحفّاظ والعلماء

هذا ولنذكر نصوص روايات الحفاظ والعلماء المذكورين بالتفصيل فنقول:

(١)

رواية أحمد بن حنبل

لقد جاء في ( تذكرة الخواص ) ما نصّه:

« حديث فيما خلق منه: قال أحمد في الفضائل: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن خالد بن معدان، عن زاذان عن سلمان، قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي بن أبي طالب نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بأربعة آلاف عام، فلمّا خلق آدم قسّم ذلك النور جزءين: فجزء أنا وجزء علي.

و في رواية: خلقت أنا وعلي من نور واحد »(١) .

____________________

(١). تذكرة خواص الأمة / ٤٦.


رجال الحديث

ورجال هذا السند كلهم ثقات ومن رجال الصحاح، فالطّعن في أحدهم يساوق الطعن في الصحاح ولا سيما الصحيحين، إلّا أن يقال: إن روايات هؤلاء معتبرة في كلّ بابٍ إلّا باب فضائل علي عليه‌السلام ، فتنقلب هناك المدائح مطاعن، والتوثيقات جروحاً، ولا حول ولا قوة إلّا بالله.

عبد الرزاق الصنعاني

أمّا ( عبد الرزاق ) فقد ذكرنا ترجمته وآيات عظمته وجلالته لدى أهل السنة وأرباب الصحاح في مجلّد ( حديث التشبيه )، فإنه الذي قالوا في حقه: « ما رحل الناس إلى أحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ما رحلوا إليه »(١) .

وذكر المقدسي عن يحيى بن معين: « لو ارتدّ عن الاسلام عبد الرزاق ما تركنا حديثه ».

وقال المقدسي: « وقال أحمد بن صالح: قلت لأحمد بن حنبل: أرأيت أحداً أحسن حديثاً من عبد الرزاق؟ قال: لا.

وقال أبو زرعة: عبد الرزاق أحد من ثبت حديثه »(٢) .

وقال السبكي عند توثيق « موسى بن هلال » رداً على « ابن تيمية » في كلام طويل: « وأحمد رحمه‌الله لم يكن يروي إلّا عن ثقة، وقد صرّح بذلك الخصم في الكتاب الذي صنفه في الردّ على البكري، بعد عشر كراريس منه، قال: إن

____________________

(١). جاء ذلك في مرآة الجنان - حوادث ٢١١، الأنساب - الصنعاني، الكمال - مخطوط.

(٢). الكمال - مخطوط.


القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم من لم يرو إلّا عن ثقة عنده، كمالك، وشعبة، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وكذلك البخاري وأمثاله.

وقد كفانا الخصم بهذا الكلام مؤنة تبيين أن أحمد لا يروي إلّا عن ثقة، وحينئذ لا يبقى له مطعن فيه »(١) .

معمر بن راشد

وأما ( معمر بن راشد ) فقد ذكرنا ترجمته هناك كذلك، ونكتفي في هذا المقام بما ذكره الذهبي، فإنه قال:

« معمر بن راشد أبو عروة الأزدي مولاهم، عالم اليمن، عن الزهري وهمام، وعنه غندر وابن المبارك وعبد الرزاق. قال معمر: طلبت العلم سنة. مات الحسن ولي أربع عشرة سنة. وقال أحمد لا تضم معمراً إلى أحد إلّا وجدته يتقدمه، كان من أطلب أهل زمانه للعلم. وقال عبد الرزاق سمعت منه عشرة آلاف حديث. توفي في رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائة باليمن »(٢) .

الزهري

وأما ( الزهري ) فقد ذكرناه هناك أيضاً، وهذه كلمة الحافظ ابن حجر في حقّه:

____________________

(١). شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام ١٠ - ١١.

(٢). الكاشف ٣ / ١٦٤، وانظر تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٤٣ - ٢٦٤. وقد أخرج له الترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود.


« محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، وكنيته أبو بكر، الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه، وهو من رؤس الطبقة الرابعة. مات سنة خمس وعشرين، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين. ع »(١) .

خالد بن معدان

وأما ( خالد بن معدان ) فإليك بعض الكلمات في حقّه:

١ - ابن حبان : « يروي عن أبي أمامة والمقدام بن معدي كرب. ولقي سبعين رجلاً من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكنيته أبو عبد الله، وكان من خيار عباد الله مات سنة ١٠٤ وقيل سنة ١٠٨ ويقال سنة ١٠٣ »(٢) .

٢ - الذهبي : « فقيه كبير، ثبت، مهيب، مخلص، يقال: كان يسبّح في اليوم أربعين ألف تسبيحة، توفي سنة ١٠٤. يرسل عن الكبار »(٣) .

٣ - ابن حجر : « يعدّ من الطبقة الثالثة من فقهاء الشامية بعد الصحابة، وقال العجلي: شامي تابعي، ثقة. وقال يعقوب بن شيبة ومحمّد بن سعد وابن جرير والنسائي: ثقة، وقال أبو مسهر عن إسماعيل بن عياش حدثنا عبدة بنت خالد بن معدان وأم الضحاك بنت راشد أن خالد بن معدان قال: أدركت سبعين رجلاً من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٤) .

زاذان الكندي

وأما ( زاذان ) فهو من مشاهير التابعين، أخرج عنه مسلم وأبو داود والترمذي

____________________

(١). تقريب التهذيب ٢ / ٢٠٧. « ع » رمز لرواية أصحاب الصحاح عنه.

(٢). الثقات ٥ / ٣٤٩.

(٣). الكاشف ١ / ٢٧٤.

(٤). تقريب التهذيب ١ / ٢١٨، تهذيب التهذيب ٣ / ١١٨.


والنسائي وابن ماجة في صحاحهم. وقال الذهبي في ( الكاشف ):

« ع - زاذان أبو عمرو الكندي مولاهم الضرير البزاز. عن علي وابن مسعود وابن عمر، ويقال: سمع عمر. وعنه: عمر بن مرة والمنهال بن عمر. ثقة. توفي ١٠٨ ».

وأورده ابن القيسراني المقدسي في ( أسماء رجال الصحيحين ) في بيان أفراد مسلم من التفاريق وقد ذكر ابن القيسراني في مقدمة كتابه المذكور اتفاق حفاظ الحديث كابن عدي والدار قطني وابن مندة والحاكم وغيرهم من السابقين واللاحقين على أن من أخرج عنه في الصحيحين فهو ثقة حجة فيكون ( زاذان ) ثقة حجة عند الحفّاظ والأئمة المذكورين وغيرهم.

سلمان

وأما ( سلمان ) هذا الصحابي العظيم فغني عن التعريف والترجمة، وقد ترجم له في جميع كتب تراجم الصحابة وغيرها راجع ( أسد الغابة ) و ( الاستيعاب ) وغيرهما.

وإليك طرفا مما ذكره ابن عبد البر بترجمته: « سلمان الفارسي أبو عبد الله يقال مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعرف بسلمان الخير

وكان خيّراً فاضلاً حبراً عدلاً زاهداً متقشفاً. وذكر هشام بن حسان عن الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان إذا خرج عطاؤه تصدّق به ويأكل من عمل يده، وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها.

ذكر ابن وهب بن نافع عن مالك قال: كان سلمان يعمل الخوص بيده فيعيش منه، ولا يقبل من أحد شيئاً. قال: ولم يكن له بيت إنما كان يستظل بالجدر والشجر، وإن رجلاً قال له: ألا أبني لك بيتاً تسكن فيه؟ فقال: مالي به حاجة، فما زال به الرجل وقال له: إني أعرف البيت الذي يوافقك. قال: فصفه لي. قال:


أبني لك بيتاً إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه، وإنْ أنت مررت فيه رجليك أصابهما الجدار. قال: نعم، فبنى له.

و روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وجوه أنه قال: لو كان الدين بالثريا لناله سلمان. و في رواية أخرى: لناله رجال من فارس. وروينا عن عائشة أم المؤمنين قالت: كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتفرد به بالليل، حتى كاد به يغلبنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و روي من حديث ابن بريدة عن أبيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: أمرني ربي بحبّ أربعة وأخبرني أنه يحبّهم: علي وأبوذر الغفاري والمقداد وسلمان. وروى قتادة عن خيثمة عن أبي هريرة قال: سلمان صاحب الكتابين. قال قتادة: يعني الفرقان والإِنجيل.

حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا ابن المفسر، حدثنا أحمد بن علي بن سعيد، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي: أنه سئل عن سلمان. فقال: علم علم الأول والآخر، هو بحر لا ينزف، هو منّا أهل البيت.

هذه رواية أبي البختري عن علي. و في رواية زاذان عن علي قال: سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم. ثم ذكر مثل أبي البختري. وقال كعب الأخبار: سلمان حشي علماً وحكمة.

و ذكر مسلم: حدثنا بهز، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن معاوية بن قرة، عن عائد بن عمرو: أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفرٍ فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فقال أبو بكر: تقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم! وأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك، فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ فقالوا: لا يا أبا بكر، يغفر الله لك(١) .

____________________

(١). لا يخفى أن في أصل صحيح مسلم في باب فضائل سلمان وبلال هذه الفقرة هكذا: « فقالوا: لا يغفر الله لك يا أخي » فترى ابن عبد البر قد زاد لفظة « يا أبا بكر » بعد « لا » حتى لا يتعلق « لا » =


وله أخبار حسان وفضائل جمة رضي‌الله‌عنه .

توفي سلمان في آخر خلافة عثمان، سنة خمس وثلاثين، وقيل بل توفي سنة ست وثلاثين في أولها، وقيل بل توفي في خلافة عمر. والأول أكثر والله أعلم. وقال الشعبي: توفي سلمان في علية لأبي قرة الكندي بالمدائن.

وروى عنه من الصحابة ابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل ».

فالحمد لله على ظهور بطلان خرافات أهل الزور، وثبوت صحة حديث النور كالنور على شاهق الطّور، ولكنْ من لم يجعل الله له نوراً فماله من نور. ولقد صدق الله تعالى حيث قال ( فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) .

ترجمة أحمد بن حنبل

وأما ( أحمد بن حنبل ) فهو الامام العظيم والركن الركين، وأحد شيوخ الإسلام عند أهل السنة من السابقين واللاحقين، وقد أوردنا شطراً من كلماتهم في حقه، ونبذة من الفضائل والمكارم التي ذكروها له، في قسم ( حديث التشبيه ) عن طائفة كبيرة من أمهات مصادرهم، ومن أشهر مؤلفاتهم ومصنفاتهم، أمثال:

١ - الثقات لابن حبان.

٢ - حلية الأولياء لأبي نعيم الاصبهاني.

٣ - الاكمال للأمير ابن ماكولا.

٤ - الأنساب لأبي سعد السمعاني.

____________________

= بلفظ « يغفر » وحذف « يا أخي » حتى لا يلزم التكرار المستبشع ولما ذا صدر منه هذا التحريف؟ لأن الحديث هذا صريح في أن أبا بكر أغضب الله تعالى بإغضاب سيدنا سلمان راجع: ٧ / ١٧٣


٥ - وفيات الأعيان لابن خلكان.

٦ - تهذيب الأسماء واللغات للنووي.

٧ - المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء الأيوبي.

٨ - تذكرة الحفاظ للذهبي.

٩ - العبر في خبر من غبر للذهبي.

١٠ - مرآة الجنان لليافعي.

١١ - تتمة المختصر في أخبار البشر لابن الوردي.

١٢ - رجال المشكاة للخطيب التبريزي.

١٣ - تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني.

١٤ - تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني.

١٥ - طبقات الشافعية للسبكي.

١٦ - طبقات الحفاظ لجلال الدين السيوطي.

١٧ - شرح المواهب اللدنية للزرقاني.

وغيرها من المعاجم الرجالية وكتب الحديث المعتبرة لدى القوم.

ولعلّ من أجلى مدائحه ما ذكره النووي عن إبراهيم بن الحارث - وهو من أولاد عبادة بن الصامت - أنه قيل لبشر الحافي: لو أنك قمت وقلت بما قال أحمد! فقال بشر: « لا أقدر على هذا الأمر، إن أحمد قام مقام الأنبياء »(١) .

وما ذكره عبد الحق الدهلوي عن الميموني قال: « قال لي ابن المديني بالبصرة بعد المحنة: يا ميموني، ما قام أحد في الإسلام ما قام أحمد. فعجبت من هذا وأبو بكر قد قام في الردة، قلت: بأي شيء؟ قال: إن أبا بكر وجد أنصاراً، وإن أحمد لم يجد ناصراً »(٢) .

____________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ١١٠.

(٢). رجال المشكاة - ترجمته.


ألا يستفاد من هذا تفضيل أحمد على أبي بكر؟.

وهذه مقتطفات مما جاء في ( سير أعلام النبلاء ) بترجمته:

« الامام أحمد بن حنبل، هو الامام حقاً وشيخ الاسلام صدقاً أحد الأئمة الأعلام أنبأ عبد الله بن أحمد سمعت سفيان بن وكيع يقول: أحفظ عن أبيك مسألة من نحو أربعين سنة، سئل عن الطلاق قبل النكاح فقال: يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن علي وابن عباس ونيف وعشرين من التابعين، لم يروا به باساً. فسألت أبي عن ذلك، فقال: صدق كذا قلت.

قال: وحفظت أني سمعت أبا بكر بن حماد يقول: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول: لا يقال لأحمد بن حنبل: من أين قلت؟

وسمعت: أبا إسماعيل الترمذي يذكر عن ابن نمير قال: كنت عند وكيع، فجاءه رجل - أو قال جماعة - من أصحاب أبي حنيفة فقالوا له: هاهنا رجل بغدادي يتكلم في بعض الكوفيين، فلم يعرفه وكيع، فبينا نحن إذْ طلع أحمد بن حنبل فقالوا: هذا هو. فقال وكيع: هاهنا يا أبا عبد الله، فأفرجوا فجعلوا يذكرون عن أبي عبد الله الذي ينكرون، وجعل أبو عبد الله يحتج بالأحاديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقالوا لوكيع: هذا بحضرتك ترى ما يقول. فقال: رجل يقول قام رسول الله أيش أقول له؟ ثم قال: ليس القول إلّا كما قلت يا أبا عبد الله، فقام القوم بوكيع: خدعك والله البغدادي.

وقال إبراهيم الحربي: رأيت أبا عبد الله كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين.

وعن رجل قال: ما رأيت أحداً أعلم بفقه الحديث ومعانيه من أحمد.

أحمد بن سلمة سمعت ابن راهويه يقول: كنت أجالس أحمد وابن معين ونتذاكر، فأقول: ما فقهه؟ ما تفسيره؟ فيسكتون إلّا أحمد.

قال أبو بكر الخلال: كان أحمد قد كتب الرأي وحفظها ثم لم يلتفت إليها.


قال إبراهيم بن شماس: سالنا وكيعا عن خارجة بن مصعب، فقال: نهاني أحمد أنْ أُحدّث عنه.

قال العباس بن محمّد الخلال: أنبأ إبراهيم بن شماس: سمعت وكيعاً وحفص بن غياث يقولان: ما قدم الكوفة مثل ذاك الفتى. يعنيان أحمد بن حنبل.

وقيل: إن أحمد أتى حسيناً الجعفي بكتاب كبير يشفع في أحمد، فقال حسين: يا أبا عبد الله لا تجعل بيني وبينك منعما، فليس تحمل عليّ بأحدٍ إلّا وأنت أكبر منه.

الخلال: أنبا المروزي، أنبأ خضر المروزي بطرسوس، سمعت ابن راهويه سمعت يحيى بن آدم يقول: أحمد بن حنبل إمامنا.

الخلال: أنبانا محمد بن علي، ثنا الأثرم، حدثني بعض من كان مع أبي عبد الله: أنهم كانوا يجتمعون عند يحيى بن آدم فيتشاغلون عن الحديث بمناظرة أحمد يحيى بن آدم، ويرتفع الصوت بينهما، وكان يحيى بن آدم واحد أهل زمانه في الفقه.

الخلال: أنبأ المروزي سمعت محمد بن يحيى القطان يقول: رأيت أبي مكرماً لأحمد بن حنبل، لقد بذل له كتبه - أو قال - حديثه.

وقال القواريري: قال يحيى القطان: ما قدم علينا مثل هذين، أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. وما قدم عليَّ من بغداد أحب إليّ من أحمد بن حنبل.

وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: شقّ على يحيى بن سعيد يوم خرجت من البصرة.

عمرو بن العباس: سمعت عبد الرحمن بن مهدي ذكر اصحاب الحديث فقال: أعلمهم بحديث الثوري أحمد بن حنبل. قال: فأقبل أحمد، فقال ابن مهدي: من أراد أن ينظر إلى ما بين كتفي الثوري فلينظر إلى هذا.

قال المروزي: قال أحمد: عنيت بحديث سفيان حتى كتبته عن رجلين،


حتى كلّمنا يحيى بن آدم فكلّم لنا الأشجعي، فكان يخرج إلينا الكتب فنكتب من غير أن نسمع.

وعن ابن مهدي قال: ما نظرت إلى أحمد إلّا ذكرت به سفيان.

قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: خالف وكيع ابن مهدي في نحو من ستين حديثاً من حديث سفيان، فذكرت ذلك لابن مهدي وكان يخفيه عني.

عباس الدوري: سمعت أبا عاصم يقول: الرجل بغدادي من تعدّون عندكم اليوم من أصحاب الحديث؟ قال: عندنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو خيثمة والعيطي والسويدي، حتى عدّله جماعة بالكوفة أيضاً وبالبصرة، فقال أبو عاصم: قد رأيت جميع من ذكرت، وجاؤا إلي، ولم أر مثل ذاك الفتى. يعني أحمد بن حنبل.

قال شجاع بن مخلد: سمعت أبا الوليد الطيالسي يقول: ما بالمصرين رجل أكرم عليّ من أحمد بن حنبل.

وعن سليمان بن حرب أنه قال لرجل: سل أحمد بن حنبل ما يقول في مسألة كذا، فإنه عندنا إمام.

وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحداً أفقه ولا أورع من أحمد بن حنبل.

( قال الذهبي ): قلت: قال هذا وقد رأى مثل الثوري ومالك وابن جريج.

وقال حفص بن غياث: ما قدم الكوفة مثل أحمد.

وقال الهيثم بن جميل الحافظ: إنْ عاش أحمد سيكون حجة على أهل زمانه.

وقال قتيبة: خير أهل زماننا ابن المبارك ثم هذا الشاب - يعني أحمد بن حنبل - وإذا رأيت رجلاً يحب أحمد فاعلم أنه صاحب سنة، ولو أدرك عصر الثوري والأوزاعي والليث لكان هو المقدّم عليهم. فقيل لقتيبة: تضم أحمد إلى التابعين؟ قال: إلى كبار التابعين.

قال المزني: قال لي الشافعي: رأيت ببغداد شاباً إذا قال أنبأ قال الناس كلّهم: صدق. قلت: ومن هو؟ قال: أحمد بن حنبل.


وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد بن حنبل.

وقال الزعفراني: قال لي الشافعي: ما رأيت أعقل من احمد وسليمان بن داود الهاشمي.

وقال محمد بن إسحاق بن راهويه: حدثني أبي قال لي أحمد بن حنبل: تعال حتى أريك من لم تر مثله، فذهب بي إلى الشافعي. قال أبي: وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل، ولو لا أحمد وبذل نفسه لذهب الإسلام. يريد المحنة.

وروي عن إسحاق بن راهويه قال: أحمد حجة بين الله وبين خلقه.

وقال محمد بن عبدويه: سمعت علي بن المديني يقول: أحمد أفضل عندي من سعيد بن جبير في زمانه، لأن سعيداً كان له نظراء.

وعن ابن المديني قال: أعز الله الدين بالصّديق يوم الردة وبأحمد يوم المحنة.

وقال أبو عبيد: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل وهو أفقههم. وذكر الحكاية.

وقال أبو عبيد: إني لأتزيّن بذكر أحمد، وما رأيت رجلاً أعلم بالسنّة منه وقال الحسن بن الربيع: ما شبّهت أحمد بن حنبل إلّا بابن المبارك، في سمته وتقاه.

الطبراني: أنبأ محمد بن الحسين الأنماطي قال: كنا في مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل. فقال رجل: فبعض هذا! فقال يحيى: وكثرة الثناء على أحمد تستنكر! لو جلسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها.

وروى عباس عن ابن معين قال: ما رأيت مثل أحمد.

وقال النفيلي: كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين. وقال المروزي: حضرت أبا ثور سئل عن مسألة فقال: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيخنا وأمامنا فيها كذا وكذا.


وقال ابن معين: ما رأيت من يحدّث لله إلّا ثلاثة: يعلى بن عبيد والعيني وأحمد بن حنبل.

وقال ابن معين: أرادوا أن أكون مثل أحمد، والله لا أكون مثله أبداً.

وقال أبو خيثمة: ما رأيت مثل أحمد ولا أشدّ منه قلباً.

وقال علي بن خشرم: سمعت بشر بن الحارث يقول: أنا أسأل عن أحمد ابن حنبل! إن أحمد دخل الكير فخرج ذهباً أحمر.

وقال عبد الله بن أحمد: قال أصحاب بشر الحافي له حين ضرب أبي: لو أنك خرجت فقلت: إني على قول أحمد! فقال: أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء.

القاسم بن محمد الصائغ، سمعت المروزي يقول: دخلت على ذي النون السجن ونحن بالعسكر فقال: أيّ شيء حال سيدنا؟ يعني أحمد بن حنبل.

وقال محمد بن حماد الطهراني: سمعت أبا ثور الفقيه يقول: أحمد بن حنبل أعلم وأفقه من الثوري.

وقال نصر بن علي الجهضمي: أحمد أفضل أهل زمانه.

قال صالح بن علي الحلبي: سمعت أبا همام السكوني يقول: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ولا رأى هو مثله. وعن حجاج بن الشاعر قال: ما رأيت أفضل من أحمد بن حنبل، وما كنت أحب أن أقتل في سبيل الله ولم أصل على أحمد، بلغ والله في الإمامة أكثر من مبلغ سفيان ومالك.

وقال عمرو الناقد: اذا وافقني أحمد بن حنبل على حديثٍ لا أبالي من خالفني.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن علي بن المديني وأحمد بن حنبل أيّهما أحفظ؟ فقال: كانا في الحفظ متقاربين، وكان احمد أفقه، إذا رأيت من يجب أحمد فاعلم أنه صاحب سنّة.

وقال أبو زرعة: أحمد بن حنبل أكبر من إسحاق وأفقه، ما رأيت أحداً أكمل من أحمد.


وقال محمد بن يحيى الذهلي: جعلت أحمد إماماً فيما بيني وبين الله تعالى.

وقال محمد بن مهران الحمّال: ما بقي غير أحمد.

قال إمام الأئمة ابن خزيمة: سمعت محمّد بن سحنويه، سمعت أبا عمير ابن النحاس الرملي وذكر أحمد بن حنبل فقال: رحمه‌الله عن الدنيا، ما كان أصبره وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه، عرضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها.

قال أبو حاتم: كان أبو عمير من عباد المسلمين قال لي: إمل عليَّ شيئاً عن احمد بن حنبل.

وروي عن أبي عبد الله البوشنجي قال: ما رأيت أجمع في كلّ شيء من أحمد ابن حنبل ولا أعقل منه.

وقال ابن وارة: كان أحمد صاحب فقه، صاحب حفظ، صاحب معرفة.

وقال النسائي: جمع أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث والفقه والورع والزهد والصّبر.

و عن عبد الوهاب الورّاق قال: لما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فردّوه إلى عالمه. رددناه إلى أحمد بن حنبل، وكان أعلم أهل زمانه.

وقال أبو داود: كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا، ما رأيته ذكر الدنيا قط.

قال صالح بن محمّد جزرة: أفقه من أدركت في الحديث أحمد بن حنبل.

قال علي بن خلف: سمعت الحميدي يقول: ما دمت بالحجاز وأحمد بالعراق وابن راهويه بخراسان لا يغلبنا أحد.

الخلال: أنبأنا محمد بن ياسين البلدي، سمعت ابن أبي أويس وقيل له: ذهب أصحاب الحديث. فقال: ما أبقى الله أحمد بن حنبل فلم يذهب أصحاب الحديث.

وعن ابن المديني قال: أمرني سيّدي أحمد بن حنبل أن لا أحدّث إلّا من


كتاب الحسين بن الحسن.

أبو معين الرازي: سمعت ابن المديني يقول: ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد، وبلغني أنه لا يحدّث إلّا من كتاب، ولنا فيه أسوة.

وعنه قال: أحمد اليوم حجة الله تعالى على خلقه.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، عن أبي اليمن الكندي، أنبأنا عبد الملك بن أبي القاسم، أنبأنا أبو إسمعيل الأنصاري، أنبأنا أبو يعقوب القراب، أنبأنا محمّد ابن عبد الله الجوزقي، سمعت أبا حامد الشرقي، سمعت أحمد بن سلمة، سمعت أحمد بن عاصم، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلّام يقول: انتهى العلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه، وإلى ابن أبي شيبة وهو أحفظهم، وإلى علي بن المديني وهو أعلمهم به، وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له.

إسحاق المنجنيقي، أنبانا القاسم بن محمد المؤدب، عن محمّد بن أبي بشر، قال: أتيت أحمد بن حنبل في مسألة فقال: رأيت عبيد فإنّ له بياناً لا تسمعه من غيره، فأتيته فشفاني جوابه، فأخبرته بقول أحمد، فقال: ذاك رجل من عمّال الله، نشر الله تعالى رداء علمه وذخر له عنده الزلفى، أما تراه محبباً مألوفاً، ما رأت عيني بالعراق رجلاً اجتمعت فيه خصال هي فيه، فبارك الله تعالى له فيما أعطاه من الحلم والعلم والفهم

وبأسنادي إلى أبي إسماعيل الأنصاري، أنبأ إسماعيل بن إبراهيم، أنبأ نصر ابن أبي نصر الطوسي، سمعت علي بن أحمد بن حشيش، سمعت أبا الحديث الصوفي بمصر عن أبيه عن المزني يقول: أحمد بن حنبل يوم المحنة وأبو بكر يوم الردة وعمر يوم السقيفة وعثمان يوم الدار وعلي يوم صفين.

قال أحمد بن محمّد الرشديني، سمعت أحمد بن صالح المصري يقول: ما رأيت بالعراق مثل هذين: أحمد بن حنبل ومحمّد بن عبد الله بن نمير، رجلين جامعين لم أر مثلهما بالعراق.

وروى أحمد بن سلمة النيسابوري عن ابن وارة قال: أحمد بن حنبل


ببغداد، وأحمد بن صالح بمصر، وأبو جعفر النفيلي بحرّان، وابن نمير بالكوفة. هؤلاء أركان الدين.

وقال علي بن الجنيد الرازي: سمعت أبا جعفر النفيلي يقول: كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين.

وعن محمد بن مصعب العابد قال: لسوط ضرب به أحمد بن حنبل في الله تعالى أكبر من أيام بشر بن الحارث الحافي.

قال أبو عبد الرحمن النهاوندي: سمعت يعقوب الفسوي يقول: كتبت عن ألف شيخ، حجتي فيما بيني وبين الله رجلان: أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح.

وبالإسناد إلى الأنصاري شيخ الإسلام، أنبأ أبو يعقوب، أنبأ منصور بن عبد الله الذهلي، أنبأ محمّد بن الحسن بن علي البخاري، سمعت محمّد بن إبراهيم البوشنجي، وذكر أحمد بن حنبل فقال: هو عندي أفضل وأفقه من سفيان الثوري، وذلك أن سفيان لم يمتحن بمثل ما امتحن به أحمد، ولا علم سفيان ومن تقدّم من فقهاء الأمصار بعلم احمد بن حنبل، لأنه كان أجمع بها وأبصر بأغاليطهم وصدوقهم وكذوبهم.

قال: ولقد بلغني عن بشر بن الحارث أنه قال: قام أحمد مقام الأنبياء. وأحمد عندنا امتحن بالسرّاء والضرّاء فكان فيهما معتصماً بالله تعالى.

قال أبو يحيى الناقد: كنا عند ابراهيم بن عرعرة فذكروا علي بن عاصم فقال رجل: أحمد بن حنبل يضعّفه. فقال رجل: وما يضرّه إذا كان ثقة! فقال ابن عرعرة: والله لو تكلّم أحمد في علقمة والأسود لغيّرهما.

وقال الخشني: سمعت إسماعيل بن الخليل يقول: لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل لكان آية »(١) .

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١١ / ١٧٧.


رواية أحمد دليل على صحة الحديث

ثم إنّ مجرّد رواية أحمد لحديثٍ من الأحاديث دليل على ثبوته واعتباره عند المحققين من أهل السنة، فقد استشهد الخوارزمي المكي - عند الكلام على فضائل علي عليه‌السلام ، وأنها لا تحصى كثرة بعد رواية أحاديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دالة على هذا المعنى - بكلام رواه عن أحمد بن حنبل هذا نصه:

« ويدلّك على ذلك: ما روي عن الامام الحافظ أحمد بن حنبل - وهو كما عرف أصحاب الحديث: قريع أقرانه، وإمام زمانه، والفارس الذي يكب فرسان الحفاظ في ميدانه، وروايته فيه رضي‌الله‌عنه مقبولة، وعلى كاهل التصديق محمولة، لما علم أن الامام أحمد بن حنبل ومن احتذى على مثاله ونسج على منواله وحطب في حبله وانضوى إلى حفله، مالوا إلى تفضيل الشيخين رضوان الله عليهما، فجاءت روايته فيه كعمود الصباح لا يمكن ستره بالراح - وهو:

ما رواه الشيخ الامام الزاهد فخر الأئمة أبو الفضل بن عبد الرحمن الحفربندي الخوارزمي رحمه الله تعالى إجازة قال: أخبرنا الشيخ الامام أبو محمّد الحسن ابن أحمد السمرقندي قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن محمّد ابن عبدان العطار، وإسماعيل بن أبي نصر عبد الرحمن الصابوني، وأحمد بن الحسين البيهقي قالوا جميعاً: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت القاضي الامام أبا الحسن علي بن الحسين، وأبا الحسن محمّد بن المظفر الحافظ يقولان: سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول: سمعت محمّد بن منصور الطوسي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول:

ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما


جاء لعلي بن أبي طالب »(١) .

إذن كلّ ما روى أحمد في أمير المؤمنين عليه‌السلام مقبول وعلى كاهل التصديق محمول

وبمثله صرح الحافظ الكنجي الشافعي حيث قال: « قلت: ذكر فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من آيات القرآن لا يمكن جعله إلّا في كتاب واحد، وذكر جميعها يقصر عنه باع الإحصاء. ويدلّك على صدق ما ذهب إليه مؤلف هذا الكتاب محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي عفا الله عنه: ما أخبره الشيخ المقري أبو إسحاق إبراهيم بن بركة الكتبي بالموصل عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أن الغياض أقلام والبحر مداد والجنّ حسّاب والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب.

... ويدلّك على ذلك: ما روينا عن إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل - وهو أعرف أصحاب الحديث في علم الحديث قريع أقرانه وإمام زمانه »(٢) . وقال سبط ابن الجوزي: « وأحمد مقلَّد في الباب، متى روى حديثاً وجب المصير إلى روايته، لأنه إمام زمانه، وعالم أوانه، والمبرّز في علم النقل على أقرانه، والفارس الذي لا يجارى في ميدانه، وهذا هو الجواب عن جميع ما يرد في الباب في أحاديث الكتاب »(٣) .

جواب سبط ابن الجوزي عن تضعيف الحديث

« فإن قيل: قد ضعّفوا هذا الحديث. فالجواب: إن الحديث الذي ضعّفوه غير هذه الألفاظ وغير هذا الإسناد، أما اللّفظ: خلقت أنا وهارون بن عمران

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين / ٣.

(٢). كفاية الطالب / ٢٥٣.

(٣). تذكرة الخواص / ٢٢.


ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة. وفي رواية: خلقت أنا وعلي من نور كنا عن يمين العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، فجعلنا ننقلب في أصلاب الرجال إلى عبد المطلب.

وأما الإِسناد فقالوا: في إسناده محمّد بن خلف المروزي وكان مغفلاً، وفيه أيضاً جعفر بن أحمد بن بيان وكان شيعياً.

والحديث الذي رويته يخالف هذا اللفظ والاسناد، لأن رجاله ثقات.

فإنْ قيل: فعبد الرزاق كان يتشيع.

قلنا: هو أكبر شيوخ أحمد بن حنبل، ومشى إلى صنعاء من بغداد حتى سمع منه وقال: ما رأيت مثل عبد الرزاق، ولو كان فيه بدعة لما روى عنه، وما زال إلى أن مات يروي عنه، ومعظم الأحاديث التي في المسند رواها من طريقه، وقد أخرج عنه في الصحيحين »(١) .

ترجمة سبط ابن الجوزي

وسبط ابن الجوزي من كبار علماء أهل السنة ومحدّثيهم المعتمدين، فقد

ترجم له:

١ - أبو المؤيد الخوارزمي: « أما السند الأول - وهو مسند الأستاذ أبي محمّد الحارثي البخاري - فقد أخبرني به الأئمة بقراءتي عليهم: الامام أقضى قضاة الأنام، أخطب خطباء الشام جمال الدين أبو الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد ابن محمّد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني، والشيخ الثقة تقي الدين إسماعيل ابن إبراهيم بن يحيى والشيخ الامام شمس الدين يوسف بن عبد الله سبط

____________________

(١). تذكرة خواص الأمة ٤٦ - ٤٧.


الامام أبي الفرج ابن الجوزي بقراءتي عليه »(١) .

وقال في مقام الجواب عمّا ذكر من لحن أبي حنيفة: « والجواب الثاني: إنه ذكر الامام الحافظ سبط ابن الجوزي أنه افتراء على أبي حنيفة، وانما المنقول عنه: بأبي قبيس. كذا قاله الثقات من أرباب النقل »(٢) .

فترى أنه وصفه تارة بـ « الشيخ الامام » وأخرى بـ « الامام الحافظ ».

٢ - ابن خلكان قائلاً: « الواعظ المشهور، حنفي المذهب، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه، وقبول عند الملوك وعيرهم ».

كما أنه اعتمد على تاريخه المسمّى بـ « مرآة الزمان » في ترجمة الحلّاج(٣) .

ترجمة ابن خلكان

وابن خلكان المتوفى سنة ٦٨١ من أشهر مشاهير أهل السنة، فقد قال الذهبي بترجمته:

« ابن خلكان قاضي القضاة لقي كبار العلماء، وبرع في الفضائل والآداب وكان كريماً جواداً سرياً ذكياً أخبارياً عارفاً بأخبار الناس »(٤) .

وقال أبو الفداء: « القاضي الفاضل المحقق شمس الدين أحمد بن محمّد بن أبي بكر بن خلكان البرمكي، وكان فاضلاً عالماً، تولى القضاء بمصر والشام وله مصنفات جليلة مثل وفيات الأعيان وغيره في التاريخ »(٥) .

وكذا قال ابن الوردي(٦) .

____________________

(١). جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ٧٠.

(٢). المصدر ١ / ٥٤.

(٣). وفيات الأعيان ٣ / ١٤٢، وانظر ٢ / ١٥٣.

(٤). العبر في حوادث سنة ٦٨١.

(٥). المختصر، في حوادث السنة المذكورة.

(٦). تتمة المختصر في حوادث السنة المذكورة.


وقال الصفدي: « كان فاضلاً بارعاً متفقهاً، عارفاً بالمذاهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة، بصيراً بالعربية علامة بالأدب والشعر وأيام الناس، كثير الاطلاع حلو المذاكرة، وافر الحرمة، فيه رئاسة كثيرة، له كتاب وفيات الأعيان، وقد اشتهر كثيراً »(١) .

وقال السبكي: « كان أحنف وقته حلماً، وشافعي زمانه علماً، وحاتم عصره، إلا أنه لا يقاس به حاتم »(٢) .

وعن قطب الدين في تاريخ مصر: « كان إماماً، أديباً بارعاً، وحاكماً عادلاً، ومؤرخاً جامعاً، وله الباع الطويل في الفقه والنحو والأدب، غزير النقل، كامل العقل »(٣) .

وكذا ترجم له وأثنى عليه الأسدي والأسنوي في كتابيهما في ( طبقات الشافعية ) واليافعي في ( مرآة الجنان ) وابن تغري بردي في ( النجوم الزاهرة )، والسيوطي في ( حسن المحاضرة ) وغيرهم.

٣ - يوسف بن أحمد بن محمّد ترجم لسبط ابن الجوزي في ترجمة « وفيات الأعيان » الى الفارسية.

٤ - القطب اليونيني البعلبكي قائلاً: « وكان له القبول التام عند الخاص والعام من أبناء الدنيا وأبناء الآخرة »(٤) .

ترجمة اليونيني

واليونيني المتوفى سنة ٧٢٦ من أعاظم أهل السنة، فقد قال الذهبي

____________________

(١). الوافي بالوفيات ٧ / ٣٠٨.

(٢). طبقات الشافعية الوسطى - مخطوط -.

(٣). طبقات الشافعية ٣ / ٢٣.

(٤). ذيل مرآة الزمان - مقدّمة الكتاب.


بترجمته:

« موسى بن محمّد بن أبي الحسين، الامام المؤرخ، قطب الدين ابن الشيخ الفقيه، سمع من أبيه وبدمشق من ابن عبد الدائم وشيخ الشيوخ، وبمصر من ابن صارم، واختصر مرآة الزمان وذيّل عليه فأجاد، روى الكثير ببعلبك، ولد سنة أربعين وستمائة، وتوفي في شوال سنة ٧٢٦، وكان رئيساً محترماً »(١) .

وقال اليافعي « ومات ببعلبك شيخها الصدر الكبير قطب الدين

صاحب التاريخ »(٢) .

أما ذيله على ( مرآة الزمان ) فقد ذكره الجلبي، واستحسنه الذهبي - كما تقدم - وغيره.

٥ - أبو الفداء حيث قال: « وفيها توفي الشيخ الدين وكان من الوعاظ الفضلاء، ألّف تاريخاً جامعاً سمّاه ( مرآة الزمان ) »(٣) .

ترجمة أبي الفداء

وأبو الفداء المتوفى سنة ٧٣٢ من أكابر علمائهم، فقد قال ابن الوردي بترجمته:

« وكان سخياً محباً للعلم والعلماء، متفنناً، يعرف علوماً، وقد رأيت جماعة من ذوي الفضل يزعمون أنه ليس في الملوك بعد المأمون أفضل منه، رحمه الله تعالى »(٤) .

وقال ابن الشحنة: « وكان عالماً أديباً، له اليد الطولى في الرياضة

____________________

(١). المعجم المختص: ٢٨٥.

(٢). مرآة الجنان - حوادث سنة ٧٢٦.

(٣). المختصر - حوادث ٦٥٤.

(٤). تتمة المختصر - حوادث ٧٣٢.


والهندسة والهيئة »(١) .

وقال الكتبي: « الملك المؤيد صاحب حماة، إسماعيل بن علي، الامام العالم الفاضل السلطان فيه مكارم وفضيلة تامة من فقه وطب وحكمة وغير ذلك »(٢) .

وقال الاسدي: « العالم العلامة المتفنن المصنف، السلطان المؤيد، عماد الدين اشتغل في العلوم وتفنن منها، وصنف التصانيف المشهورة، منها التاريخ »(٣) .

وكذا ترجم له ابن حجر العسقلاني وابن تغري بردي.

٦ - ابن الوردي قائلاً : « فيها توفي الشيخ شمس الدين يوسف سبط جمال الدين ابن الجوزي، واعظ فاضل، له مرآة الزمان تاريخ جامع.

قلت: وله تذكرة الخواص من الأمة في ذكر مناقب الأئمة، والله أعلم »(٤) .

ترجمة ابن الوردي

وابن الوردي من كبار الفقهاء المشاهير، فقد قال ابن حجر العسقلاني بترجمته: « زين الدين ابن الوردي الفقيه الشافعي الشاعر المشهور، نشأ بحلب وتفقّه بها وفاق الأقران »(٥)

وكذا قال ابن قاضي شبهة بعد أن عنونه بـ « الامام العلامة الأديب المؤرّخ فقيه حلب ...»(٦)

____________________

(١). روضة المناظر - حوادث ٧٣٢.

(٢). فوات الوفيات ١ / ١٨٣.

(٣). طبقات الشافعية ٣ / ١٠٩.

(٤). تتمة المختصر - حوادث ٦٥٦.

(٥). الدرر الكامنة ٣ / ٢٧٢.

(٦). طبقات الشافعية ٣ / ١٩٧.


٧ - الذهبي حيث قال: « ابن الجوزي، العلامة الواعظ المؤرخ شمس الدين أسمعه جدّه منه ومن ابن كليب وجماعة، وقدم دمشق سنة بضع وستين فوعظ بها، وحصل له القبول للطف شمائله وعذوبة وعظه، وله تفسير في تسعة وعشرين مجلداً، وشرح الجامع الكبير، وجمع مجلداً في مناقب أبي حنيفة، ودرّس وأفتى، وكان في شبيبته حنبلياً، توفي في الخامس والعشرين من ذي الحجة، وكان وافر الحرمة عند الملوك »(١) .

٨ - الداودي : « يوسف بن قزغلي، الواعظ المؤرخ، شمس الدين أبو المظفر سبط الحافظ أبي الفرج، روى عن جدّه وطائفة، وألف كتاب مرآة الزمان، وله تفسير على القرآن العظيم في سبعة وعشرين مجلداً، وشرح الجامع الكبير، وكان في شبيبته حنبلياً ثم صار حنفياً، وكان بارعاً في الوعظ، وله القبول التام عند الخاص والعام من أبناء الدنيا وأبناء الآخرة، مات بدمشق سنة أربع وخمسين وستمائة »(٢) .

٩ - الكفوي « وكان إماماً عالماً فقيهاً واعظاً جيّداً مهيباً »(٣) .

١٠ - اليافعي : « العلّامة الواعظ المؤرخ درّس وأفتى »(٤) .

١١ - الفيروزآبادي : « أوحد زمانه في الوعظ »(٥) .

١٢ - القاري : « تفقه على الشيخ محمود الحصري، وأعطي القبول بين الملوك والأمراء والمشايخ والعلماء في الوعظ وغيره »(٦) .

وغيرهم وكلهم أثنوا عليه الثناء البالغ ومدحوه المدح العظيم.

____________________

(١). العبر - حوادث سنة ٦٥٤.

(٢). طبقات المفسرين ٢ / ٣٨٣.

(٣). كتائب أعلام الاخيار - مخطوط.

(٤). مرآة الجنان - حوادث ٦٥٤.

(٥). مختصر الجواهر المضية في طبقات الحنفية - مخطوط.

(٦). الأثمار الجنية في طبقات الحنفية - مخطوط.


طعن الذهبي والصفدي في السّبط

لكن الذهبي والصفدي قد انتقدا السبط وجرحاه - جرياً على عادتهما في التسرع في الطعن والجرح - فقد قال الكفوي ما نصه:

« قال الشيخ صلاح الدين الصفدي - بعد أن أثنى على أبي المظفر يوسف ابن قزغلي -: وهو صاحب مرآة الزمان، وأنا ممّن حسده على هذه التسمية، فإنها لائقة بالتاريخ، كأن الناظر في التاريخ يعاين من ذكر فيه في مرآة، إلّا أن المرآة فيه صدأ المجازفة منه رحمه‌الله ، في أماكن معروفة.

وقال الذهبي في كتابه المسمى بالميزان: إن يوسف بن قزغلي ألّف مرآة الزمان، فتراه يأتي بمناكير الحكايات وما أظنه بثقة، بل يحيف ويجازف، ثم إنه يترفض. وقال في موضع آخر: كان حنبلياً وتحوّل حنفياً للدنيا ».

الدفاع عن السبط

قال الكفوي بعد أن نقل هذا عنهما: « واعلم أن صاحب مرآة الزمان قد كان ناقلاً عمّن تقدّمه في التاريخ، ووظيفته الرواية والعهدة على الراوي، ونسبته إلى المجازفة جور عليه، فإنّ التاريخ لا يشترط فيه الأسانيد التي لا غبار عليها، على أن صلاح الدين الصفدي والشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي ومن بعدهما تطفلوا على تاريخه ونقلوا من مرآة الزمان شيئاً كثيراً، فإن لم يكن ثقة فهم ليسوا بثقات »(١) .

كما استبعد القاري ما ادعاه الذهبي فقال - بعد أن نقل كلامه في الميزان -: « وهو بعيد جدّاً كما لا يخفى »(٢) .

____________________

(١). كتائب أعلام الأخيار - مخطوط.

(٢). الأثمار الجنية - مخطوط.


وقال الجلبي ما نصه: « قال في الذيل: وهذا من الحسد، فإنه في غاية التحرير، ومن أرخ بعده فقد تطفل عليه، لا سيّما الذهبي والصفدي، فإنّ نقولهما منه في تاريخهما »(١) .

استناد القوم إلى أقواله في القضايا الخلافية

أضف إلى ذلك كلّه: أنا نثبت جلالة سبط ابن الجوزي وعظمته من كلام:

الخواجة الكابلي صاحب ( الصواقع ) وهو الذي طالما اقتدى به ( الدهلوي ) ونسج على منواله.

والقاضي ثناء الله العثماني.

ورشيد الدين خان.

وصاحب إزالة الغين.

ومن كلام ( الدهلوي ).

أما الكابلي فقد قال عند الجواب عن مطعن درء الحد عن المغيرة بن شعبة ما نصه:

« ودعوى أهل البصرة على مغيرة كما ذكره ابن جرير الطبري، والامام البخاري، والحافظ عماد الدين ابن كثير، والحافظ جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي، والشيخ شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي، في تواريخهم: إن المغيرة كان أمير البصرة ».

إذن ( الكابلي ) يعتمد على ( السبط ) ويثق به على حدّ اعتماده ووثوقه بـ ( البخاري ) و ( ابن جرير ) و ( ابن الجوزي ) وغيرهم.

وأما ( القاضي ) و ( الدّهلوي ) فقد قالا بمثل كلام الكابلي عند الجواب عن المطعن المذكور، وقد صرح الثاني بوثاقة هؤلاء المؤرّخين المذكورين.

وأما ( رشيد الدين خان ) فقد قال: « قال الحافظ أبو المؤيد الخوارزمي - في

____________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١٦٤٨.


أوائل مسند الامام الاعظم عند الجواب عن اشكالات الخطيب البغدادي: - وأمّا قوله: إن أبا حنيفة لحن حيث قال في مسألة القتل بالقتل: ولو رماه بأبا قبيس فيجاب عنه بوجوه: الأول: إنه ذكر الامام الحافظ سبط ابن الجوزي أنه افتراء على أبي حنيفة »(١) .

كما أنه عدّ ( سبط ابن الجوزي ) من أئمة الدين المعتمدين، كأحمد وابن الجوزي وغيرهم(٢) .

وأما صاحب ( إزالة الغين ) فقد نقل عن ( السبط ) كلامه في الدفاع عن أبي حنيفة معبّراً عنه بـ « الامام الحافظ »(٣) .

مؤلفات السبط

ولسبط ابن الجوزي مؤلفات مشهورة. وقد ذكر الجلبي منها الكتب التالية:

١ - الإنتصار لإمام أئمة الأمصار.

٢ - اللوامع في أحاديث المختصر والجامع.

٣ - التفسير.

٤ - منتهى السؤل في سيرة الرسول.

٥ - إيثار الإنصاف.

وذكر أنه ألّف كتاباً في ترجيح مذهب أبي حنيفة على غيره من المذاهب، عدا كتاب الانتصار الذي ألّفه في الموضوع، وأن له شرحاً على الجامع الكبير لأبي عبد الله الشيباني.

أما مرآة الزمان فقد ذكره السندي أيضاً في مروياته في ( حصر الشارد )

____________________

(١). شوكت عمريه ١٢٠.

(٢). إيضاح لطافة المقال ٢٧٩.

(٣). إزالة الغين. في مبحث الجواب عما طعن في أبي حنيفة.


قائلاً:

« وأما مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي فأرويه بالسند المتقدم إلى الحافظ ابن حجر، عن أحمد بن أبي بكر المقدسي، عن سليمان عن يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي ».

اعتماد العلماء على كتبه

ولقد اعتمد كبار العلماء على كتبه ونقلوا عنها، مثل ابن خلكان في ( تاريخه ) والصفدي في ( الوافي بالوفيات ) في ترجمة « محمّد بن كرام السجستاني » والبدخشي في ( مفتاح النجا ) والسمهودي في مواضع من ( جواهر العقدين )(١) والحلبي في ( سيرته ) والحصكفي في ( الدر المختار ) وابن عابدين في ( رد المحتار في شرح الدر المختار ) وغيرهم.

٢

رواية أبي حاتم الرازي

لقد جاء في كتاب ( زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ) ما نصه:

« أخبرنا الحسين بن محمّد قال: حدثنا عبد الله بن أبي منصور قال: حدثنا محمّد بن بشر قال: حدثنا محمد بن إدريس الرازي قال: حدثنا محمّد بن عبد الله

____________________

(١) منها: ما ذكره في الروايات والآثار الدالة على أن من أعان أهل البيتعليهم‌السلام وأحسن إليهم يجازى بعمله الجزاء الحسن فقال: « ومن ذلك: ما رواه سبط ابن الجوزي بسنده إلى عبد الله بن المبارك - وكان يحج سنة ويغزو سنة، فلما كان السنة التي حج فيها - خرجت بخمسمائة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة لأشتري جمالا، فرأيت امرأة على بعض المزابل تنتف ريش بطة منتنة، =


ابن المثنى قال: حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد نسبّح الله عز وجل في يمنة العرش قبل خلق الدنيا، ولقد سكن آدم الجنة ونحن في صلبه، ولقد ركب نوح السفينة ونحن في صلبه، ولقد قذف إبراهيم في النار ونحن في صلبه، فلم نزل يقلّبنا الله عز وجل من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة، حتى انتهى بنا إلى عبد المطلب، فجعل ذلك النور بنصفين، فجعلني في صلب عبد الله، وجعل عليا في صلب أبي طالب، وجعل فيّ النبوة والرسالة وجعل في علي الفروسية والفصاحة، واشتق لنا اسمين من أسمائه، فرب العرش محمود وأنا محمّد، وهو الأعلى وهذا علي »(١) .

ترجمته:

وأبو حاتم محمّد بن إدريس الرازي المتوفى سنة ٢٧٧ غني عن التعريف، فلا حاجة إلى الإطناب في ذكر فضائله، ونقل الكلمات في حقه، بل نكتفي بنبذة

____________________

فتقدّمت إليها فقلت: لم تفعلين هذا؟ فقالت: يا عبد الله لا تسأل عما يعنيك، قال: فوقع في خاطري من كلامها شيء، فألححت عليها، فقالت: يا عبد الله قد ألجأتني إلى كشف سرّي إليك. أنا امرأة علوية ولي أربع بنات يتامى، مات أبوهن من قريب وهذا اليوم الرابع ما أكلنا شيئا، وقد حلّت لنا الميتة، فأخذت هذه البطة أصلحها وأحملها إلى بناتي فنأكلها. فقلت في نفسي: ويحك يا ابن المبارك أين أنت من هذه!! فقلت: إفتحي حجرك، ففتحته، فصببت الدنانير في طرف إزارها وهي مطرقة لا تلتفت. قال: ومضيت إلى المنزل ونزع الله من قلبي شهوة الحج ذلك العام، ثم تجهزت إلى بلادي وأقمت حتى حج الناس وعادوا، فخرجت أتلقى جيراني وأصحابي، فجعلت كل من أقول له « قبل الله حجك وشكر سعيك » يقول: وأنت قبل الله حجك وشكر سعيك، أما قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا، وأكثر عليّ الناس في القول. فبت متفكرا في ذلك فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وهو يقول: يا عبد الله لا تعجب، فإنك أغثت ملهوفة من ولدي، فسألت الله أن يخلق على صورتك ملكا يحج عنك في كلّ عام إلى يوم القيامة، فإن شئت أن تحج وإن شئت أن لا تحج ».

(١). زين الفتى في تفسير سورة هل أتى - مخطوط.


منها فقط:

١ - السمعاني: « إمام عصره والمرجوع إليه في مشكلات الحديث كان من مشاهير العلماء المذكورين الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة »(١) .

٢ - ابن الأثير: « هو من أقران البخاري ومسلم »(٢) .

٣ - الذهبي: « حافظ المشرق بارع الحفظ، واسع الرحلة من أوعية العلم وكان جارياً في مضمار البخاري وأبي زرعة الرازي »(٣) .

(٣)

رواية عبد الله بن أحمد

لقد روى هذا الحديث في ( زوائد مناقب أمير المؤمنين ) قائلاً:

« حدثنا الحسن قال: حدثنا أحمد بن المقدام العجلي، حدثنا الفضيل بن عياض قال: حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن زاذان عن سلمان قال: سمعت حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر عام، فلما خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزئين، فجزء أنا وجزء علي ».

ترجمته:

وعبد الله بن أحمد المتوفى سنة ٢٩٠ من كبار محدّثي أهل السنة، وقد جاءت فضائله الباهرة في كافة معاجم الرجال، وإليك بعض الكلمات:

____________________

(١). الأنساب - الحنظلي.

(٢). الكامل ٦ / ٦٧.

(٣). العبر - حوادث ٢٧٧.


١ - المقدسي : « سمع أباه ويحيى بن معين وأبا بكر وعثمان ابني أبي شيبة وأبا خيثمة قال أبو بكر الخطيب: كان ثقة ثبتاً فهماً.

وقال بدر بن أبي بدر البغدادي: عبد الله بن أحمد جهبذ ابن جهبذ.

وقال أبو الحسين بن المنادي: لم يكن في الدنيا أروى عن أبيه منه، لأنه سمع المسند وهو ثلاثون ألفاً، والتفسير وهو مائة وعشرون ألفاً، سمع منها ثلاثين ألفاً والباقي وجادة، والناسخ والمنسوخ، والتاريخ، وحديث شعبة، والمقدّم والمؤخّر في كتاب الله تعالى، والجوابات في القرآن، والمناسك الكبير والصغير، وحديث الشيوخ وغير ذلك.

وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث والأسماء والكنى، والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها، ويذكرون عن أسلافهم الإِقرار له بذلك، حتى أن بعضهم ليسرف في تقريظه إيّاه بالمعرفة وزيادة السماع للحديث على أبيه »(١) .

٢ - الذهبي : « عبد الله بن أحمد بن محمّد بن حنبل، الامام الحافظ الحجة، أبو عبد الله، محدّث العراق، ولد إمام العلماء »(٢) .

وقال: « الحافظ أبو عبد الرحمن كان إماماً خبيراً بالحديث وعلله، مقدما فيه، وكان من أروى الناس عن أبيه »(٣) .

٣ - ابن حجر : « قال عباس الدوري: سمعت أحمد يقول: قد وعى عبد الله علماً كثيراً، وقال الخطيمي بلغني عن أبي زرعة قال قال أحمد: ابني عبد الله محفوظ، من علماء الحديث، لا يكاد يذاكر إسماعيل بن علي إلّا بما لا أحفظ. وقال أبو علي الصواف: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كل شيء أقول قال أبي فقد سمعته مرتين أو ثلاثة. وقال ابن أبي حاتم: كتب إليّ بمسائل أبيه وبعلل

____________________

(١). الكمال - مخطوط.

(٢). تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٦٥.

(٣). العبر - حوادث سنة ٢٩٠.


الحديث. وقال أبو الحسين ابن المنادي: لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه منه، لأنه سمع منه المسند وهو ثلاثون ألفا والتفسير قال: وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث والأسماء والكنى والمواظبة على الطلب، حتى أن بعضهم أسرف في تقريظه إيّاه بالمعرفة وزيادة السماع على أبيه قال النسائي ثقة. وقال السلمي: سألت الدار قطني عن عبد الله بن أحمد وحنبل بن إسحاق؟ فقال: ثقتان نبيلان. وقال أبو بكر الخلال: كان عبد الله رجلاً صالحاً صادق اللهجة كثير الحياء »(١) .

٤ - اليافعي : « الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني، كان إماماً خبيراً بالحديث وعلله مقدّماً فيه »(٢) .

(٤)

رواية ابن مردويه

لقد قال الخطيب الخوارزمي ما نصه:

« أخبرنا شهردار - هذا - إجازةً، أخبرنا عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة: حدثنا الشريف أبو طالب الجعفري، حدثنا ابن مردويه الحافظ، حدثنا إسحاق بن محمّد بن علي بن خالد، حدثنا أحمد بن زكريا، حدثنا أبو طهمان، حدثنا محمّد بن خالد الهاشمي، حدثنا الحسين بن إسماعيل بن حماد، عن أبيه، عن زياد بن المنذر، عن محمّد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٥ / ١٤١.

(٢). مرآة الجنان حوادث: ٢٩٠.


قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه، فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب حتى أقرّه في صلب عبد المطلب فقسمه نصفين: قسماً في صلب عبد الله وقسماً في صلب أبي طالب. فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي ودمه دمي، فمن أحبه فبحبّي أحبه ومن أبغضه فببغضي أبغضه »(١) .

ترجمته:

وأبو بكر ابن مردويه الحافظ المتوفى سنة ٤١٠ من أعاظم محدّثي أهل السنّة الموصوفين بالحفظ والوثاقة، وقد ترجم له وأثنى عليه الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) والسيوطي في ( طبقات الحفاظ ) وغيرهما في كتب الرجال والحديث.

(٥)

رواية ابن عبد البر

لقد روى هذا الحديث ضمن جملة من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام - كحديث الطير وغيره - فقال:

« وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي من نور واحد نسبح الله تعالى يمنة العرش، قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما انتهى النور إلى عبد المطلب جعله نصفين: نصف في عبد الله ونصف في صلب أبي طالب، وشق لنا من اسمه، فالله محمود وأنا محمّد، والله الأعلى وهذا علي »(٢) .

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين: ٨٨.

(٢). بهجة المجالس وأنس الجالس، ذكره في كشف الظنون وقال « من الكتب المعتبرة في المحاظرات ».


ترجمته:

وقد تقدّمت لإِبن عبد البر القرطبي ترجمة في قسم ( حديث الثقلين ) عن الذهبي الذي قال: « كان إماماً ديناً ثقة متقناً علّامة متبحراً صاحب سنة واتباع » ثم ذكرنا جملة من مصادر ترجمته.

(٦)

رواية الخطيب البغدادي

لقد قال الكنجي ما نصه:

« الباب السابع والثمانون: في أن علياً خلق من نور النبي: أخبرنا إبراهيم ابن بركات الخشوعي بمسجد الربوة من غوطة دمشق، أخبرنا الحافظ علي بن الحسن، أخبرنا أبو القاسم هبة الله، أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب، أخبرنا علي ابن محمد بن عبد الله العدل، أخبرنا أبو علي الحسن بن صفوان، حدثنا محمد بن سهل العطار، حدثنا أبو ذكوان حدثني حرب بن بيان الضرير من أهل قيسارية، حدثني أحمد بن عمرو حدثنا أحمد بن عبد الله عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلق الله قضيباً من نور قبل أن يخلق الدنيا بأربعين ألف عام، فجعله أمام العرش حتى كان أول مبعثي، فشق منه نصفاً فخلق منه نبيّكم، والنصف الآخر علي بن أبي طالب.

قلت: هكذا أخرجه إمام أهل الشام عن إمام أهل العراق، كما سقناه، وهو في كتابيهما »(١) .

____________________

(١). كفاية الطالب / ٣١٤.


كلمة في تاريخ بغداد

قال ابن جزلة حول تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ما نصه:

« ولمـّا كان الحديث والعناية به ومعرفة الرجال الناقلين له من أجلّ العلوم الشرعية وأشرفها، إستحق من صرف إليه زمانه ووفّر عليه تعبه الثناء والمدح والترحم على السلف الماضين منهم.

وقد صنّف الناس في ذلك وأوغلوا وبالغوا، وميّزوا الثقة من المتهم والضعيف من القوي، وما أعظم فائدة ذلك وأجل موقعه، لكثرة ما دسَّ الملاحدة والزنادقة من الأحاديث الموضوعة البشعة المنفردة التي فسد بسماعها خلق من الناس، واعتقد الغر عند سماعها أنها من قول صاحب الشرع فهلك وتسرع إلى التكذيب ومال إلى الخلاعة، نعوذ بالله من الشقاء والبلاء.

وهذا الكتاب الذي صنّفه الشيخ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ البغدادي رحمه‌الله ، وسماه تاريخ بغداد، كتاب جليل في هذا العلم نفيس، قد تعب وسهر فيه، وأطال الزمان، والله تعالى يثيبه ويحسن إليه »(١) .

ترجمته:

وللنقل بعض كلمات كبار العلماء في حقه:

١ - السمعاني : « صنّف قريباً من مائة مصنف صارت عمدة لأصحاب الحديث، منها التاريخ الكبير لمدينة السّلام بغداد »(٢) .

٢ - ابن خلكان : « صاحب تاريخ بغداد وغيره من المصنفات المفيدة، كان من الحفاظ المتقنين والعلماء المتبحرين، ولو لم يكن له سوى التاريخ لكفاه، فإنه

____________________

(١). المختصر المختار من تاريخ بغداد / مقدمة المؤلف.

(٢). الأنساب / البغدادي.


يدل على اطلاع عظيم »(١) .

٣ - الذهبي : « قال الحافظ ابن عساكر: سمعت الحسين بن محمّد يحكى عن ابن خيرون أو غيره: أن الخطيب ذكر أنه لما حجّ شرب ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله تعالى ثلاث حاجات: أن يحدّث بتاريخ بغداد بها، وأن يملي الحديث بجامع المنصور، وأن يدفن عند بشر الحافي. فقضيت له الثلاث »(٢) .

وممن ترجم له كذلك السبكي و ( الدهلوي ) في ( بستان المحدثين ).

(٧)

رواية ابن المغازلي

روى هذا الحديث بطرقٍ عديدة حيث قال:

« قوله عليه‌السلام : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله.

أخبرنا أبو غالب محمّد بن أحمد بن سهل النحوي رحمه‌الله ، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن منصور الحلبي الأخباري، قال: حدثنا علي بن محمد العدوي الشمشاطي قال: حدثنا الحسن بن علي بن زكريا، قال: حدثنا أحمد بن المقدام العجلي، قال: حدثنا الفضيل بن عياض، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن زاذان عن سلمان الفارسي قال: سمعت حبيبي محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل، يسبح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيء واحداً حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففيّ النبوة وفي علي الخلافة.

____________________

(١). وفيات الاعيان ١ / ٩٢.

(٢). سير أعلام النبلاء ١٨ / ٢٧٠.


وأخبرنا أبو طالب محمّد بن أحمد بن عثمان قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن سليمان، قال: حدّثنا عبد الله بن محمد البكري، قال: حدّثنا عبد الله بن محمد ابن حسان الهروي، قال: حدّثنا جابر بن سهل بن عمر بن جعفر، حدّثني أبي عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن أبي ذر، قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً عن يمين العرش، يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام، فلم أزل أنا وعلي في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب.

و أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي نا: أبو عبد الله محمّد بن علي بن مهدي السقطي الواسطي إملاء قال: أخبرنا أحمد بن علي القواريري الواسطي، نا محمّد بن عبد الله بن ثابت، نا محمّد بن مصفا، نا بقية بن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز، عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن الله عز وجل؟؟؟ أول قطعة من نور فأسنها في صلب آدم، فساقها حتى قسمها جزءين: جزءاً في صلب عبد الله وجزءاً في صلب أبي أبي طالب، فأخرجني نبياً وأخرج علياً وصياً »(١) .

فائدة:

لقد جاء في آخر النسخة التي بأيدينا ما يلي بنصه: « قال في النسخة التي نقلت منها هذه: قال في الأم: قال في نسخة الفقيه بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع: فرغ من نسختها أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن بن أبي نزار ابن الشرفية بواسط العراق، في ثاني عشر من شوال من سنة خمس وثمانين وخمسمائة، والله ولي التوفيق.

ثم قال في أم الأم: وفرغت من نسخها في جمادى الآخرة من سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وكتب عمر بن الحسن بن ناصر بن يعقوب. ختم الله له بخير.

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ٨٧ - ٨٩.


وقال في أم هذه النسخة: فرغت أنا من هذه النسخة، يوم تاسع عشر من شهر المحرم الحرام من سنة إحدى وتسعين وتسعمائة سنة بمدينة ثلا حماه الله بالصالحين من عباده، وكتب مالكه مملوك آل محمد سعيد بن عبد الله بن صالح عفا الله عنه وحشره في زمرتهم.

وفرغت أنا من تحصيل هذه النسخة المباركة - وأنا الفقير إلى مغفرة الله وكرمه، والعائذ به من أليم عذابه ونقمه: الحسين بن عبد الهادي بن أحمد صلاح، ثبته الله بالقول الثابت في الدنيا والآخرة - آخر نهار الخميس خامس شهر جمادى الآخرة، سنة سبع وثلاثين وألف سنة بمدينة ثلا حرسها الله تعالى بصالحين من عباده، والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين، وأنا أسال من اطلع على هذا الكتاب واستوصيه أن يدعو لي بما أمكن من الدعاء لا سيما لحسن الخاتمة والعقبي، وبالله التوفيق والاعانة وهو حسبي ونعم الوكيل ».

وجاء في آخر النسخة أيضاً:

« قال في آخر النسخة التي نقلت منها هذه ما لفظه: حكاية حسنة من المناقب مسموعة في فضائل أهل البيت: قال أبو الحسن علي بن محمّد بن الشرفية: حضر عندي في دكاني بالوراقين بواسط يوم الجمعة خامس ذي القعدة من سنة ثمانين وخمسمائة: القاضي العدل جمال الدين نعمة الله بن علي بن أحمد العطار، وحضر أيضاً عندي الأمير شرف الدين أبو شجاع بن العبري الشاعر، فسأل شرف الدين القاضي جمال الدين أن يسمعه المناقب، فابتدأ بالقراءة عليه من نسختي التي بخطّي في دكاني يومئذ، وهو يرويها عن جدّه العلّامة المعمّر محمّد بن علي المغازلي عن أبيه المصنف، فهمّا في القراءة وقد اجتمع عليهما جماعة، إذ اجتاز أبو مصر قاضي العراق وأبو العباس ربيعة وهما ينبزان بالعدالة، فوقفا يغوغيان وينكران عليه قراءة المناقب، وأطنب قاضي العراق في التهزء والمجون، وقال في جملة مقالته على طريق الاستهزاء: أي قاضي اجعل لنا وظيفة كلّ يوم جمعة بعد الصلاة تسمعنا شيئاً من هذه المناقب في المسجد الجامع، فقال لهما القاضي نعمة


الله بن العطار: ما أنتما من أهلها، أنتما قد حضرتما في درب الخطيب وذكرتما أن علياً ما كان يحفظ سورة واحدة من كتاب الله تعالى، والمناقب تتضمّن أنه ما كان في الصحابة أقرأ من علي بن أبي طالب، فما أنتما من أهلها، فأكثرا الغوغاء والتهزّء، فضجر القاضي نعمة الله بن العطار، وقال بمحضر جماعة كانوا وقوفاً:

أللهم إنْ كان لأهل بيت نبيّك عندك حرمة ومنزلة فاخسف به داره وعجّل نكايته، فبات في ليلته تلك وفي صبيحة يوم السبت من سنة ثمانين وخمسمائة خسف الله تعالى بداره، فوقعت هي والقنطرة وجميع المسنّاة إلى دجلة، وتلف منه فيها جميع ما كان يملك من مال وأثاث وقماش، فكانت هذه المنقبة من أطرف ما شوهد يومئذ من مناقب آل محمّد صلوات الله عليهم.

فقال علي بن محمد بن الشرفية في ذلك اليوم في هذا المعنى:

يا أيّها العدل الذي

هو عن طريق الحق عادل

متجنباً سبل الهدى

وإلى سبيل الغيّ مائل

أبمثل أهل البيت يا

مغرور ويحك أنت هازل

دع عنك أسباب الخلا

عة واستمع مني الدلائل

بالأمس حين جحدت

من أفضالهم بعض الفضائل

وجريت في سنن السخر

ولست تسمع عذل عاذل

نزل القضاء على ديار

ك في صباحك شرّ نازل

أضحت ديارك سابحات في

الثرى خسف الزلازل

وبقيت يا مغرور في الد

ارين لم تحظ بطائل

هذا الجزاء بهذه الدنيا فعد

لهم غداً ما أنت قائل

قال علي بن محمّد الشرفية: وقرأت المناقب التي صنّفها ابن المغازلي بمسجد الجامع بواسط، الذي بناه الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله ولقّاه ما عمل، في مجالس ستة، أوّلها الأحد رابع صفر وآخرهنّ عاشر صفر سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، في أممٍ لا يحصى عديدهم، وكتب قاريها بالمسجد الجامع علي بن محمّد


ابن الشرفية ».

ترجمته:

وأبو الحسن علي بن محمّد المعروف بابن المغازلي، من أعلام الفقهاء والمحدّثين من أهل السنة. قال السمعاني: « كان فاضلاً عارفاً برجالات واسط وحديثهم، وكان حريصاً على سماع الحديث وطلبه، رأيت له ذيل التاريخ بواسط وطالعته وانتخبت منه روى لنا عنه ابنه بواسط ».

(٨)

رواية شيرويه الديلمي

لقد روى هذا الحديث في ( فردوس الأخبار ) حيث قال:

« سلمان: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاً يسبّح الله ويقدس قبل أن يخلق آدم بأربع عشر ألف سنة، فلما خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه، ولم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي بن أبي طالب ».

و قال: « سلمان: قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بخلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بأربعة آلاف عام، فلما خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففيّ النبوة وفي علي الخلافة ».

ترجمته:

وقد أثنى على شيرويه الديلمي وأطراه كل من ترجم له، كالذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) وغيره والرافعي في ( التدوين ) واليافعي في ( مرآة الجنان ) والأسنوي


في ( طبقات الشافعية ) وغيرهم من أعلام أهل السنة أصحاب السير والتواريخ وسنورد نصوص عبائرهم في قسم ( حديث التشبيه ) إنْ شاء الله تعالى.

(٩)

رواية العاصمي

لقد رواه بطرق عديدة مستدلاً به على شبه أمير المؤمنين عليه‌السلام لآدم عليه‌السلام في الخلق، ثم أيّده بأحاديث أخر، قال:

« ذكر مشابه نبينا آدم عليه‌السلام ، فإنه قد وقعت المشابهة بين المرتضى وبينه عليه‌السلام بعشرة أشياء: أوّلها الخلق والطينة، والثاني بالمكث والمدة، والثالث بالصاحبة والزوجة، والرابع بالتزويج والخلعة، والخامس بالعلم والحكمة، والسادس بالذهن والفطنة، والسابع بالأمر والخلافة، والثامن بالأعداء والمخالفة، والتاسع بالعرفاء والوصية، والعاشر بالأولاد والعترة.

أما الخلق والطينة فإن آدم عليه‌السلام خلق من الطين وخلط طينه بنور الثقلين، فكان طيناً دينيّاً، وكذلك المرتضى خلق من الطينة الطاهرة والتربة الزكية الزاهرة، ولذلك قال المصطفى: خلقت من أطيب الطين وخلق محبي من أسفلها ثم خلطت العليا بالسفلى، فلو لا النبوة والرسالة لكنت رجلاً من أمتي.

والذي يؤيد ما قلنا: ما أخبرني به محمّد بن أبي زكريا الثقة قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا إسحاق بن محمّد بن علي بن خالد الهاشمي بالكوفة قال: حدّثنا أحمد بن زكريا بن طهمان، قال: حدّثنا محمّد بن خالد الهاشمي قال: حدّثنا الحسن بن إسماعيل بن حماد بن أبي خليفة، عن أبيه عن زياد بن المنذر، عن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله


عز وجل من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله آدم نقل ذلك النور من صلبه، فلم يزل ينقله من صلب إلى صلب حتى أقرّه في صلب عبد المطلب فقسّمه قسمين، فصيّر قسمي في صلب عبد الله وقسم علي في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي ودمه من دمي، فمن أحبه فبحبي أحبه ومن أبغضه فببغضي أبغضه ».

ثم روى أربعة أحاديث أخرى، وهذه ألفاظ ثلاثة منها:

« عن أبي الحمراء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لمـّا اسري بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش الأيمن، فاذا عليه مكتوب: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أيّدته بعلي ونصرته به ».

« عن نافع عن ابن عمر قال: بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس ذات يوم ببطحاء مكة، إذ هبط عليه جبرئيل الروح الأمين قال: يا محمد إنّ رب العرش يقرأ عليك السلام ويقول: لما أخذ ميثاق النبيين أخذ ميثاقك في صلب آدم، فجعلك سيّد الأنبياء وجعل وصيك سيّد الأوصياء علي بن أبي طالب ويقول: يا محمد وعزتي لو سألتني أن أزيل السماوات والأرض لأزلتها لكرامتك عليّ ».

« عن أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كل مولود يولد فهو في سرته من التربة التي خلق منها، وأنا وعلي بن أبي طالب خلقنا من تربة واحدة ».

وهذا لفظ رابعها بسنده: « أخبرنا الحسين بن محمّد قال: حدّثنا عبد الله بن أبي منصور قال: حدّثنا محمّد بن بشر قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن المثنى قال: حدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد يسبح الله عز وجل في يمنة العرش قبل خلق الدنيا، ولقد سكن آدم الجنة ونحن في صلبه، ولقد ركب نوح السفينة ونحن في صلبه، ولقد قذف إبراهيم في النار ونحن في صلبه، فلم يزل يقلبنا الله عز وجل في أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة، حتى انتهى بنا إلى عبد


المطلب، فجعل ذلك النور بنصفين، فجعلني في صلب عبد الله وجعل علياً في صلب أبي طالب، وجعل فيَّ النبوة والرسالة وجعل في علي الفروسية والفصاحة، واشتق لنا اسمين من أسمائه، فربّ العرش محمود وأنا محمّد، وهو الأعلى وهذا علي ».

قال العاصمي: « فهذه الأحاديث تدلّ على صحّة ما أشرنا إليه ورجحان ما دلّلنا عليه »(١) .

(١٠)

رواية أبي الفتح النطنزي

لقد روى هذا الحديث قائلاً: « أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد قال: حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ قال: حدثنا أحمد ابن يوسف بن خلاد النصيبي ببغداد، قال: حدثنا الحارث بن أبي أُسامة التميمي قال: حدّثنا داود بن المحبر بن محمد قال: حدّثنا قيس بن الربيع، عن عباد بن كثير عن أبي عثمان الرازي عن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور عن يمين العرش، نسبّح الله ونقدّسه من قبل أن يخلق الله عز وجل آدم بأربع عشرة آلاف سنة، فلما خلق الله آدم نقلنا إلى أصلاب الرجال وأرحام النساء الطاهرات، ثم نقلنا إلى صلب عبد المطلب وقسمنا بنصفين، فجعل النصف في صلب أبي عبد الله وجعل النصف في صلب أبي طالب، فخلقت من ذلك النصف وخلق علي من النصف الآخر، واشتق الله لنا من أسمائه اسما، والله محمود وأنا محمّد، والله الأعلى وأخي علي، والله فاطر وابنتي فاطمة، والله محسن وابناي الحسن والحسين. فكان اسمي

____________________

(١). زين الفتى في تفسير هل أتى - مخطوط.


في الرسالة والنبوة، وكان اسمه في الخلافة والشجاعة، فأنا رسول الله وعلي سيف الله »(١) .

و روى النطنزي حديث الأشباح بسنده عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال: « لما خلق الله عز وجل آدم ونفخ فيه من روحه عطس فألهمه الله « الحمد لله رب العالمين »، فقال له ربّه: يرحمك الله، فلما سجد له الملائكة تداخله العجب فقال: يا رب خلقت خلقا هو أحب إليك منّي؟ فلم يجب، ثم قال الثانية، فلم يجب.ثم قال الثالثة، فلم يجب. ثم قال الرابعة فقال الله عز وجل له: نعم ولولاهم ما خلقتك. فقال: فأرنيهم، فأوحى الله عز وجل إلى ملائكة الحجب أنه ارفعوا الحجب، فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدّام العرش، فقال يا رب من هؤلاء؟ قال: يا آدم هذا نبيي، وهذا علي أمير المؤمنين ابن عم النبي، وهذه فاطمة بنت نبيي، وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولدا نبيي. ثم قال: يا آدم هم الأول. ففرح بذلك. فلما اقترف الخطيئة قال: يا رب أسألك بمحمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي فغفر الله له، فهذا الذي قال الله عز وجل: ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ ) . فلما أهبط إلى الأرض صاغ خاتماً نقش عليه: محمّد رسول الله. ويكنى آدم بأبي محمد »(٢) .

ترجمته:

وسنورد ترجمة النطنزي مفصّلة في قسم ( حديث التشبيه ) ونذكر كلمة تلميذه السمعاني في حقه، ومدح ابن النجار له، وإطراء الصفدي في الوافي بالوفيات فانتظر.

____________________

[ ١ - ٢ ] الخصائص العلوية - مخطوط.


(١١)

رواية شهردار الديلمي

قال الحمويني ما نصه: « أنبأني أبو طالب بن أنجب الخازن، عن ناصر بن أبي المكارم إجازة قال: أنبأنا أبو المؤيد الموفق بن أحمد إجازة إنْ لم يكن سماعاً.

( ح ) وأنبأني العزيز محمد بن أبي القاسم، عن والده أبي القاسم بن أبي الفضل بن عبد الكريم إجازة قالا: أخبرنا شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي إجازة، أنبأنا عبدوس بن عبد الله الهمداني كتابة، حدّثنا أبو الحسن علي ابن عبد الله، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد العطشي، حدثنا أبو سعيد العدوي الحسن بن علي، حدثنا أحمد بن المقدام العجلي أبو الأشعث، حدثنا الفضيل بن عياض عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان عن زاذان عن سلمان قال: سمعت حبيبي المصطفى محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل مطيعاً، يسبّح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي »(١) .

كما ويستفاد رواية شهردار الديلمي من سند رواية الخوارزمي الآتية أيضاً.

ترجمته:

وشهردار الديلمي من أعلام حفاظ أهل السنة كأبيه، فقد قال الذهبي نقلاً عن السمعاني: « كان حافظاً عارفاً بالحديث فهماً عارفاً بالأدب ظريفاً. سمع أباه وعبدوس بن عبد الله ومكي السلّار وطائفة. وأجاز له أبو بكر ابن خلف

____________________

(١). فرائد السمطين - ١ / ٤٢.


الشيرازي، وعاش خمساً وسبعين سنة »(١) .

وكذا ترجم له كلّ من السبكي والأسنوي وابن قاضي شهبة الأسدي في كتبهم في ( طبقات الشافعية ).

(١٢)

رواية الخوارزمي

روى هذا الحديث بقوله: « أخبرني شهردار هذا إجازة، أخبرنا عبدوس بن عبد الله الهمداني كتابة، حدّثنا أبو الحسن علي بن عبد الله، حدثنا أبو علي محمّد ابن أحمد العطشي

و أخبرني شهردار هذا إجازة، أخبرنا عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة، حدثنا الشريف أبو طالب الجعفري، حدثنا ابن مردويه الحافظ، حدثنا إسحاق بن محمد بن علي بن خالد، حدثنا أحمد بن زكريا، حدثنا ابن طهمان، حدثنا محمد بن خالد الهاشمي، حدثنا الحسين بن إسماعيل بن حماد، عن أبيه عن زياد بن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم سلك النور في صلبه، فلم يزل الله يقلبه من صلب إلى صلب، حتى أقره في صلب عبد المطلب، فقسّمه نصفين قسماً في صلب عبد الله وقسماً في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي، ودمه دمي، فمن أحبه فبحبي أحبه ومن أبغضه فببغضي أبغضه »(٢) .

وقال الخوارزمي: « أخبرني سيد الحافظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن

____________________

(١). العبر في خبر من ٣ / ٢٩.

(٢). مناقب امير المؤمنين - ٨٨.


شهردار الديلمي الهمداني - فيما كتب الي من همدان - أخبرني أبو الفتح عبدوس ابن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة، أخبرني الشيخ الخطيب أبو الحسن صاعد ابن محمّد بن الغياث الدامغاني بدامغان، حدثني أبو يحيى محمّد بن عبد العزيز البسطامي، حدّثنا أبو بكر القرشي، حدّثني أبو سعيد الحسن بن علي بن زكريا، حدّثني هدبة بن خالد القيسي، عن حماد بن ثابت البناني عن عبيد بن عمير الليثي عن عثمان بن عفان قال قال عمر بن الخطاب: إن الله تعالى خلق ملائكة من نور وجه علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمته:

وللخوارزمي تراجم في عدةٍ من المصادر المعتبرة، ومن ذلك ما جاء في ( العقد الثمين في تاريخ بلد الله الأمين ) للحافظ تقي الدين الفاسي حيث عنونه بقوله: « الموفق بن أحمد بن محمّد المكي، أبو المؤيد، العلامة خطيب خوارزم، كان أديباً فصيحاً مفوهاً، خطب بخوارزم دهرا وأنشأ الخطب وأقرأ الناس وتخرّج به جماعة، وتوفي بخوارزم في صفر سنة ٥٦٨. ذكره هكذا الذهبي في ( تاريخ الإسلام ). وذكره الشيخ محيي الدين عبد القادر الحنفي في ( طبقات الحنفية ) وقال: ذكره القفطي في ( أخبار النحاة ) ».

(١٣)

رواية ابن عساكر

لقد قال الحافظ الكنجي ما نصه: « وأخبرنا أبو إسحاق الدمشقي، أخبرنا أبو القاسم الحافظ، أخبرنا ابو غالب بن البنا، أخبرنا أبو محمّد الجوهري، أخبرنا

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين ٢٣٦.


أبو علي بن محمد بن أحمد بن يحيى، حدثنا أبو سعيد العدوي، حدثنا أبو الأشعث، حدثنا الفضيل بن عياض، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن زاذان عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاً، يسبح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي.

قلت: هكذا أخرجه محدّث الشام في تاريخه في الجزء الخمسين بعد الثلاث مائة قبل نصفه، ولم يطعن في سنده، ولم يتكلّم عليه، وهذا يدل على ثبوته »(١) .

ترجمته:

وقد ذكرنا في قسم ( حديث الثقلين ) عدةً من مصادر ترجمة الحافظ ابن عساكر الدمشقي، مثل ( وفيات الاعيان ٢ / ٤٧١ ) و ( طبقات السبكي ٧ / ٢١٥ ) و ( طبقات الحفاظ ٤٧٤ ) وغيرها.

وفي ( تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٨ ) ما ملخصه: « ابن عساكر - الامام الحافظ الكبير، محدّث الشام، فخر الأئمة، ثقة الدين، أبو القاسم، صاحب التصانيف عدد شيوخه ١٣٠٠ ونيف شيخ و٨٠ امرأة. قال السمعاني: أبو القاسم حافظ ثقة متقن ديّن خيّر حسن السمت. قال ابن النجار: أبو القاسم إمام المحدثين في وقته، إنتهت إليه الرياسة في الحفظ والاتقان والنقل والمعرفة التامة، وبه ختم هذا الشأن ».

(١٤)

رواية النور الصالحاني

لقد روى الشهاب أحمد: « عن علي بن حسين عن أبيه عن جدّه قال: قال

____________________

(١). كفاية الطالب ٣١٥.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى من قبل أن يخلق الله تعالى آدم بأربعة آلاف عام، فلما خلق الله تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه، فلم يزل الله ينقله من صلب إلى صلب، حتى أقرّه في صلب عبد المطلب فقسم قسمين: قسماً في صلب عبد الله وقسماً في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي، ودمه دمي، ومن أحبه فبحبي أحبه ».

ثم إنه روى حديث ( الشجرة ) ثم قال: « روى الحديث الأول الامام الصالحاني نور الدين أبو الرجاء محمود بن محمّد، الذي سافر ورحل وأدرك المشايخ وسمع وأسمع، وصنّف في كلّ فن، وروى عنه خلق كثير، وصحب بالعراق أبا موسى المديني الامام ومن في طبقته، باسناده إلى الامام الحافظ ابن مردويه، باسناده مسلسلاً مرفوعاً »(١) .

ومن هذه العبارة يظهر جانب من عظمة الصالحاني ومناقبه الشامخة.

(١٥)

رواية أبي الفتح ناصر المطرزي

لقد قال الحمويني: « أنبأني أبو طالب ابن أنجب الخازن عن ناصر بن أبي المكارم إجازة ».

كما قال أيضاً: « أنبأني الشيخ أبو طالب ابن أنجب بن عبيد الله، عن محب الدين محمد بن محمود بن الحسن بن النجار إجازة، عن برهان الدين أبي الفتح ناصر بن أبي المكارم المطرزي إجازة عن محمد بن علي بن الحسين بن أبيه عن جده ( صلوات الله عليهم ) قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما

____________________

(١). توضيح الدلائل - مخطوط.


خلق الله تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه، فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب حتى أقرّه في صلب عبد المطلب، ثم أخرجه من صلب عبد المطلب فقسمه قسمين: قسماً في صلب عبد الله وقسماً في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي، ودمه دمي، فمن أحبه فبحبي أحبه، ومن أبغضه فببغضي أبغضه »(١) .

١٦

رواية صدر الأفاضل الخوارزمي

لقد رواه في شرح قول المعري:

[ له الجوهر الساري يوهم شخصه

يجوب إليه محتداً بعد محتد ]

قائلاً ما نصه: « هذا من قوله عليه‌السلام : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله آدم نقل ذلك النور إلى صلبه، فلم يزل ينقله من صلب إلى صلب حتى أقرّه في صلب عبد المطلب فقسمه قسمين: فصير قسمي في صلب عبد الله، وقسم علي في صلب أبي طالب فعلي مني وأنا منه »(٢) .

ترجمته:

وفضائل صدر الأفاضل لا تخفى على من راجع المعاجم الرجالية وكتب

____________________

(١). فرائد السمطين ١ / ٤٤.

(٢). أنظر: شروح سقط الزند ١ / ٣٥٣ - القصيدة الثامنة.


الأدب، فقد ترجم له:

١ - ياقوت الحموي : « القاسم بن الحسين بن محمّد بن محمّد الخوارزمي، صدر الأفاضل حقاً وواحد الدهر في علم العربية صدقاً، ذو الخاطر الوقّاد والطبع النقّاد والقريحة الحاذقة والنحيرة الصادقة، برع في علم الأدب وفاق في نظم الشعر ونثر الخطب، فهو إنسان عين الزمان وغرة جبهة هذا الأوان، سألته عن مولده فقال: مولدي في الليلة التاسعة من شعبان سنة خمس وخمسين وخمسمائة

وقلت له ما مذهبك؟ فقال: حنفي، ولكن لست خوارزمياً لست خوارزمياً يكررها، إنما اشتغلت ببخارا فأرى رأي أهلها. نفى عن نفسه أن يكون معتزلياً »(١) .

٢ - عبد القادر القرشي : « تفقّه على أبي الفتح ناصر بن عبد السيد المطرزي وأخذ عنه العربية، وله تصانيف: شرح المفصل سماه التحبير ثلاث مجلدات، وشرح سقط الزند قتلته التتار سنة عشرة وستمائة »(٢) .

٣ - السيوطي ، وأورد كلمة ياقوت المتقدمة أيضاً(٣) .

٤ - الكفوي : « الشيخ الكامل الفاضل »(٤) .

٥ - علي بن سلطان القاري المكي كذلك(٥) .

(١٧)

رواية أبي القاسم عبد الكريم الرافعي القزويني

قال العلّامة الحمويني ما نصه: « وأخبرني الشيخ الصالح جمال الدين أحمد

____________________

(١). معجم الأدباء ١٦ / ٢٣٨.

(٢). الجواهر المضية في طبقات الحنفية ١ / ٤١٠.

(٣). بغية الوعاة ٣٧٦.

(٤). كتائب أعلام الأخيار - مخطوط.

(٥). الأثمار الجنية - مخطوط.


ابن محمد بن محمد المعروف بمذكويه القزويني وغيره إجازة، بروايتهم عن الشيخ الامام إمام الدين أبي القاسم عبد الكريم بن محمّد بن عبد الكريم الرافعي القزويني إجازة، أنبأنا الشيخ العالم عبد القادر بن أبي صالح الجيلي قال: أنبأنا أبو البركات هبة الله بن موسى السقطي قال: أنبأ القاضي أبو المظفر هناد بن إبراهيم النسفي قال: أنبأنا الحسن محمد بن موسى بتكريت قال: أنبأنا محمّد بن فرحان، حدّثنا محمّد بن يزيد القاضي، حدّثنا قتيبة، حدّثنا الليث بن سعد، عن العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

لما خلق الله تعالى أبا البشر ونفخ فيه من روحه، إلتفت آدم يمنة العرش، فإذا في النور خمسة أشباح سجّداً وركّعاً، قال آدم: يا رب هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإِنس ولا الجن، فأنا المحمود وهذا محمد وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإِحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين.

آليت بعزتي أنّه لا يأتيني أحد بمثقال حبّة من خردل من بغض أحدهم إلّا أدخلته ناري ولا اُبالي. يا آدم هؤلاء صفوتي بهم أنجيهم وبهم أهلكهم، فإذا كان لك إليَّ حاجة فبهؤلاء توسل.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نحن سفينة النجاة من تعلّق بها نجا ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت »(١) .

ترجمته:

والرافعي القزويني من أعلام محدّثي أهل السنة ومؤرخيهم، وكتابه ( التدوين ) من أشهر الكتب المعتمدة وقد ترجم للرافعي وأثنى عليه علماؤهم

____________________

(١). فرائد السمطين ١ / ٣٦.


كالسبكي في ( طبقاته ٥ / ١١٩ ) وابن شاكر الكتبي في ( فوات الوفيات ٢ / ٣ ) وابن الوردي في ( تاريخه ٢ / ١٨٤ ).

(١٨)

إثبات الشيخ فريد الدين العطّار

لقد أثبت هذا الحديث بقوله:

« تو نور أحمد وحيدر يكى دان

كه تا گردد بتو أسرار آسان »(١)

ترجمته:

وتوجد ترجمته في ( نفحات الأنس ) وغيره من تراجم العرفاء. وقد نصّ ( الدهلوي ) في كتابه على أنه من الأكابر المقبولين عند أهل السنة.

(١٩)

رواية أبي الربيع ابن سبع الكلاعي

لقد قال الوصابي: « وعنه - أي عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه - قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي من نور واحد، يسبح الله على متن العرش من قبل أن يخلق أبونا آدم بألفي عام، فلمّا خلق آدم صرنا في صلبه، ثم نقلنا من كرام الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام، حتّى صرنا في صلب عبد المطلب، ثم قسّمنا نصفين، فصيّرني في صلب عبد الله، وصار علي في صلب أبي طالب، فاختارني للنبوّة، واختار علياً للشجاعة والعلم والفصاحة، وشق لنا أسماء من أسمائه، فالله محمود وأنا محمد، والله الأعلى وهذا علي.

____________________

(١). أسرار نامه.


أخرجه إبن الاسبوع الأندلسي في كتابه الشفا »(١) .

ترجمته:

وابن سبع صاحب كتاب ( شفاء الصدور ) من أجلّة حفاظ أهل السنة، وأعاظم علمائهم، كما يظهر من ترجمته، وإليك بعض الكلمات الواردة في حقّه:

١ - الذهبي: « الكلاعي - الامام العالم الحافظ البارع، محدّث الأندلس وبليغها أبو الربيع عني أتم عناية بالتقييد والرواية، وكان إماماً في صناعة الحديث، بصيراً به حافظاً حافلاً عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، يتقدّم أهل زمانه في ذلك وفي حفظه اسماء الرجال، خصوصاً من تأخر زمانه وعاصره، كتب الكثير، وكان خطّه لا نظير له في الاتقان والضبط، مع الاستبحار في الأدب والاستهتار بالبلاغة، فرداً في إنشاء الرسائل، مجيداً في النظم خطيباً فصيحاً مفوهاً مدركاً، حسن السرد والمساق لما ينقله، مع الشارة الأنيقة والزيّ الحسن، وهو كان المتكلّم عن الملوك في زمانه في المجالس، المبيّن عنهم لما يرومونه في المحافل على المنابر، ولي خطابة بلنسة في أوقات، وله تصانيف مفيدة في فنون عديدة وإليه كانت الرحلة للأخذ عنه، إنتفعت به في الحديث كلّ الانتفاع وأخذت عنه كثيراً.

قلت: حدّث عنه أبو العباس أحمد بن العماد قاضي تونس، وطائفة، قال ابن مندي: لم ألق مثله جلالة ونبلاً ورياسة وفضلاً، وكان إماماً مبرّزاً في فنون من منقول ومعقول وموزون ومنثور، جامعاً للفضائل، برع في علوم القرآن والتجويد، أما الأدب فكان ابن بجدته، وهو ختام الحفاظ

قال الأبّار وهو آخر الحفاظ والبلغاء بالأندلس، استشهد بكابية تنسيه على ثلاث فراسخ من مرسية مقبلاً غير مدبر، في العشر من ذي الحجة سنة ٦٣٤.

قال الحافظ المنذري: توفي شهيداً بيد العدو، وكان مولده بظاهر مرسية في

____________________

(١). الاكتفاء في فضائل الأربعة الخلفاء - مخطوط، وقد ذكر في كشف الظنون ٢ / ١٠٥٠ « كتاب شفاء الصدور ».


مستهل رمضان سنة ٦٥ جمع مجالس تدل على غزارة علمه وكثرة حفظه ومعرفته بهذه الشأن، كتب إلينا بالإِجازة سنة أربع عشرة »(١) .

وقال الذهبي أيضاً بترجمته: « وأبو الربيع الكلاعي، سليمان بن موسى بن سالم البلنسي الحافظ الكبير، صاحب التصانيف بقية أعلام الأثر بالأندلس قال الأبار: كان بصيراً بالحديث حافظاً عاقلاً عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، يتقدم أهل زمانه في ذلك خصوصاً من تأخّر عنه »(٢) .

٢ - اليافعي : « الحافظ أبو الربيع الكلاعي، سليمان بن موسى البلنسي صاحب التصانيف وبقية أعلام الأثر » ثم أورد كلمة الأبار المذكورة سابقاً(٣) .

٣ - السيوطي : « أبو الربيع الامام الحافظ البارع محدّث الأندلس وبليغها »(٤) .

٤ - الشامي صاحب السيرة : « أبا الربيع فالثقة الثبت سليمان بن سالم الكلاعي »(٥) .

٥ - المقري : « كان رحمه الله تعالى حافظاً للحديث، مبرزاً في نقده، تام المعرفة بطرقه، ضابطاً لأحكام أسانيده، ذاكراً لرجاله »(٦) .

(٢٠)

رواية الكنجي

لقد روى هذا الحديث في باب خصّه به حيث قال:

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤١٧.

(٢). العبر حوادث ٦٤٣.

(٣). مرآة الجنان حوادث ٦٤٣.

(٤). طبقات الحفاظ / ٤٩٧.

(٥). سبل الهدى والرشاد / مقدمة الكتاب.

(٦). نفح الطيب - في ذكر وقعة اينجة ٢ / ٥٨٦.


« الباب السابع والثمانون: في أن علياً خلق من نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أخبرنا ابراهيم بن بركات الخشوعي بمسجد الربوة من غوطة دمشق، أخبرنا الحافظ علي بن الحسن، أخبرنا أبو القاسم هبة الله، أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب، أخبرنا علي بن محمّد بن عبد الله المعدل، أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان، حدّثنا محمّد بن سهل العطار، حدثني أبو ذكوان، حدثني حرب بن بيان الضرير من أهل قيسارية، حدثني أحمد بن عمرو، حدّثنا أحمد بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو، عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلق الله قضيباً من نور قبل أن يخلق الدنيا بأربعين ألف عام، فجعله أمام العرش حتى كان أوّل مبعثي، فشق منه نصفا، فخلق منه نبيكم، والنصف الآخر علي بن أبي طالب.

أخرجه إمام أهل الشام عن إمام أهل العراق كما سقناه، وهو في كتابيهما.

و أخبرنا أبو إسحاق الدمشقي، أخبرنا أبو القاسم الحافظ، أخبرنا أبو غالب ابن البنا، أخبرنا أبو محمّد الجوهري، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن يحيى، حدثنا أبو سعيد العدوي، حدثنا أبو الأشعث، حدثنا الفضيل بن عياض، عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان، عن زاذان عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله مطيعا يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق آدم بأربع عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم ركّز ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي.

قلت: هكذا أخرجه محدّث الشام في تاريخه في الجزء الخمسين بعد الثلاثمائة قبل نصفه، ولم يطعن في سنده ولم يتكلّم عليه، وهذا يدل على ثبوته [ عنده ] ».

أخبرنا علي بن أبي عبد الله المعروف بابن المقيّر البغدادي بدمشق، عن أبي الفضل محمّد الحافظ، أخبرنا أبو نصر بن علي، حدّثنا ابو الحسن علي بن محمّد


المؤدب، حدثنا أبو الحسن الفارسي، حدثنا أحمد بن سلمة النمري، حدّثنا أبو الفرج غلام فرج الواسطي، حدثنا الحسن بن علي، عن مالك عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال:

سأل أبو عقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله من سيد المسلمين؟ ( وساق الكنجي الرواية بطولها إلى أن سأل أبو عقال ):

فأيّهم أحبّ إليك؟

قال: علي بن أبي طالب.

فقلت: ولم ذلك؟

فقال: لأني خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد.

قال: فقلت: فلم جعلته آخر القوم؟

قال: ويحك يا أبا عقال، أليس قد أخبرتك أنّي خير النبيين، وقد سبقوني بالرسالة وبشّروا بي من قبلي، فهل ضرّني شيء إذ كنت آخر القوم؟! أنا محمّد رسول الله، وكذلك لا يضرّ علياً إذا كان آخر القوم، ولكن يا أبا عقال فضل علي على سائر الناس كفضل جبرئيل على سائر الملائكة.

قلت: هذا حديث حسن عال وفيه طول أنا اختصرته، ما كتبنا إلّا من هذا الوجه.

ثم روى الكنجي بسنده عن أبي أمامة الباهلي « قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقني وعلياً من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمرها، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجى ومن زاغ عنها هوى، ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم لم يدرك صحبتنا [ محبتنا ] أكبه الله على منخريه في النار، ثم تلا ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) .

قلت: هذا حديث حسن عال رواه الطبري في معجمه كما أخرجناه سواء. ورواه محدّث الشام في كتابه بطرق شتى » ثم رواه بأسانيد عن ابن عساكر محدث


الشام بها(١) .

الكنجي وكتابه

١ - لقد صرح الحافظ الكنجي بأنّ ما في كتابه من الأحاديث هي: « أحاديث صحيحة من كتب الأئمة والحفاظ في مناقب أمير المؤمنين علي، الذي لم ينل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضيلة في آبائه وطهارة مولده إلّا هو قسيمه فيها ».

و قد ألّفه وأملاه « تأسياً بما رويناه عن شقيق عن عبد الله قال: قلت يا رسول الله المرء يحب القوم ولما يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المرء مع من أحب »(٢) .

٢ - لقد نقل الشيخ نور الدين ابن الصباغ في كتابه عن ( كفاية الطالب )، وهذا نص كلامه:

« ومن كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب، تأليف الامام الحافظ أبي عبد الله محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: إن سعيد بن جبير كان يقوده »(٣) .

وقد ذكر الجلبي هذا الكتاب معبّراً عن مؤلّفه بـ « الشيخ الحافظ »(٤) .

٣ - وللكنجي كتاب اسمه ( البيان في أخبار صاحب الزمان ) ذكره الجلبي قائلا: « للشيخ أبي عبد الله »(٥) .

____________________

(١). كفاية الطالب ٣١٤ - ٣١٩.

(٢). كفاية الطالب / المقدمة.

(٣). الفصول المهمة / ١١١.

(٤). كشف الظنون ٢ / ١٤٩٧.

(٥). المصدر ١ / ٢٦٣.


وممن نقل عن هذا الكتاب: عبد الله بن محمّد المطيري في كتابه ( الرياض الزاهرة ) فقد قال: « قال الشيخ أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي في كتابه ( البيان في أخبار صاحب الزمان ) من الدلالة على كون المهدي حياً باقياً »(١) .

إذن، عبّروا عن الكنجي بـ ( الحافظ ) و ( الشيخ ). ولنذكر بعض النصوص في المراد من الكلمتين في الإٍصطلاح:

كلمة « الحافظ » في الإِصطلاح:

إنّ هذه الكلمة تدل على عظمة شأن من لقب بها وعلو منزلة من أطلقت عليه كما تدل على ذلك كلمات أئمة الفن:

قال الذهبي: « والحافظ أعلى من المفيد في العرف، كما أن الحجة فوق الثقة »(٢) .

وقال القاري: « الحافظ المراد به حافظ الحديث لا القرآن، وكذا ذكره ميرك، ويحتمل أنه كان حافظاً للكتاب والسنة.

ثم الحافظ في اصطلاح المحدثين: من أحاط علمه بمائة ألف حديثاً متناً وإسناداً وقال ابن الجوزي: والحافظ من روى ما يصل إليه، ووعى ما يحتاج لديه »(٣) .

وقال الشعراني: « كان الحافظ ابن حجر يقول: الشروط التي إذا اجتمعت في الإِنسان سمي حافظاً هي: الشهرة بالطلب، والأخذ من أفواه الرجال، والمعرفة بالجرح والتعديل لطبقات الرواة ومراتبهم، وتمييز الصحيح من السقيم،

____________________

(١). الرياض الزاهرة - مخطوط.

(٢). تذكرة الحفاظ بترجمة: محمّد بن احمد محدث جرجرايا.

(٣). جمع الوسائل في شرح الشمائل: ٧٠.


حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره، مع استحفاظ الكثير من المتون، فهذه الشروط من جمعها فهو حافظ »(١) .

وقال البدخشاني: « الحافظ: يطلق هذا الاسم على من مهر في فن الحديث، بخلاف المحدّث»(٢) .

كلمة « الشيخ » في الاصطلاح:

وأما كلمة « الشيخ » في الاصطلاح فقد قال القاري:

« المحدث » و « الشيخ » و « الامام » هو « الْأُستاد الكامل »(٣) .

وكذا قال غيره.

(٢١)

رواية المحبّ الطبري

لقد روى هذا الحديث في ( الرياض النضرة في فضائل العشرة ) الذي طالما اعتمد عليه ( الدهلوي ) ووالده - من دون أن يتكلّم فيه كما فعل بالنسبة إلى بعض الأحاديث الصحيحة كحديث سد الأبواب - وهذا نص كلامه:

« ذكر اختصاصه بأنه قسيم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نور كانا عليه قبل خلق الخلق ) عن سلمان قال:

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم قسم ذلك

____________________

(١). لواقح الأنوار - ترجمة جلال الدين السيوطي.

(٢). تراجم الحفاظ - مخطوط.

(٣). جمع الوسائل في شرح الشمائل: ٧٠.


النور جزءين، فجزء أنا وجزء علي. أخرجه أحمد في المناقب »(١) .

ترجمته:

وقد أثنى على المحبّ الطبري كلّ من ترجم له كالذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) و ( المعجم المختص ) و ( العبر ) و ( دول الاسلام ) وابن الوردي في ( تتمة المختصر ) والسبكي في ( طبقات الشافعية ) والصفدي في ( الوافي بالوفيات ) والسيوطي في ( طبقات الحفاظ ) وغيرهم

(٢٢)

رواية الحمويني

لقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة - بعد أن روى حديث الأشباح المتقدم سابقاً من طريق الرافعي بسنده عن ابن عباس، وسلمان، والحسن بن إسماعيل ابن عباد عن أبيه عن جده، ومحمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده وهذا نص كلامه:

« أنبأني أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن عساكر الدمشقي بمكة شرفها الله [ تعالى ] قال: أنبأنا المؤيد بن محمد بن علي الطوسي كتابة، أنبأنا عبد الجبار بن محمّد الحواري البيهقي، أنبأنا الامام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، قال: أنبأنا أبو محمّد عبد الله بن يوسف، أنبأنا محمّد بن حامد بن الحرث التميمي، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا علي بن قدامة، عن ميسرة بن عبد الله، عن عبد الكريم الجزري، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي: خلقت أنا وأنت من نور الله تعالى.

____________________

(١). الرياض النضرة ٢ / ٢١٧.


أخبرني السيد النسّابة عبد الحميد بن فخار الموسوي رحمه‌الله كتابة، أخبرنا النقيب أبو طالب عبد الرحمن بن عبد السميع الواسطي إجازة، أنبأنا شاذان بن جبرئيل بن إسماعيل القمي بقراءتي عليه، أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن عبد العزيز القمي، أنبأنا [ الامام ] حاكم الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن علي بن أحمد، أنبأنا محمّد بن علي بن إبراهيم النطنزي، أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد قال: حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ، حدّثنا أحمد بن يوسف بن خلاد النصيبي ببغداد، قال: حدّثنا الحارث بن أبي أسامة التميمي قال: حدّثنا داود بن المحبر بن محمّد قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن عباد بن كثير عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه قال:

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور عن يمين العرش، نسبح الله ونقدسه [ من ] قبل أن يخلق الله عز وجل آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلمّا خلق الله آدم نقلنا إلى أصلاب الرجال وأرحام النساء الطاهرات، ثم نقلنا إلى صلب عبد المطلب، وقسّمنا نصفين فجعل النصف في صلب أبي عبد الّه وجعل النصف في صلب عمى أبي طالب، فخلقت من ذلك النصف وخلق علي من النصف الآخر، واشتق الله تعالى لنا من أسمائه أسماء، فالله عز وجل المحمود وأنا محمّد والله الأعلى وأخي علي والله الفاطر وابنتي فاطمة والله محسن وابناي الحسن والحسين، وكان اسمي في الرّسالة والنبوة وكان اسمه في الخلافة والشجاعة، فأنا رسول الله وعلي سيف الله.

أنبأني أبو طالب بن أنجب الخازن عن ناصر بن أبي المكارم إجازة قال: أنبأنا أبو المؤيّد الموفق بن أحمد إجازة ان لم يكن سماعا. ( ح ) أنبأني العزيز محمّد عن والده أبي القاسم بن أبي الفضل بن عبد الكريم إجازة قال: أخبرنا شهردار ابن شيرويه بن شهردار الديلمي إجازة، أنبأنا عبدوس ( إلى آخر ما تقدم في شهردار ابن شيرويه الديلمي ).

وبهذا الاسناد إلى شهردار إجازة ( إلى آخر ما تقدم في الخوارزمي ).


أنبأني الشيخ أبو طالب بن أنجب « إلى آخر ما تقدم في أبي الفتح المطرزي »(١) .

(٢٣)

رواية شرف الدين الدركزيني الطالبي القرشي

لقد قال علي بن إبراهيم في ( بحر المناقب ) ما ترجمته:

« في ( نزل السائرين ) و ( المناقب للخطيب ) عن سلمان الفارسي رحمه‌الله قال: سمعت حبيبي المصطفى محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل مطيعاً، يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله تعالى آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد، حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي بن أبي طالب »(٢) .

ترجمته:

قال الأسنوي الشافعي بترجمته ما نصه:

« شرف الدين محمود بن محمّد بن محمّد القرشي الطائي المعروف بالدركزيني: كان عالماً زاهداً، كثير العبادة شديد الاتباع للسنّة، صاحب كرامات أجمع عليها العامة والخاصة، الملوك والعلماء فمن دونهم، وكان طويلاً جداً، جهوري الصوت، حسن الخلق والخلق، جواداً، من بيت علم ودين، وله أولاد علماء صلحاء، صنّف في الحديث كتابا سماه ( نزل السائرين ) في مجلّد واحد،

____________________

(١). فرائد السمطين ١ / ٣٩ - ٤٤.

(٢). بحر المناقب - مخطوط.


و ( شرح منازل السائرين ) في جزءين.

توفي يوم الجمعة الحادي عشر من شعبان سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وله في عشر المائة ثلاث سنين، ودفن بـ ( دركزين ) وهي بدال مهملة مفتوحة ثم راء ساكنة ثم كاف مكسورة ثم زاء معجمة بعدها ياء ونون: بلد من همدان، بينهما اثنا عشر فرسخا »(١) .

(٢٤)

رواية جمال الدين المدني الزرندي

لقد روى هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حيث قال: « روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله عز وجل آدم سلك ذلك النور في صلبه، ولم يزل الله عز وجل ينقله من صلب إلى صلب حتى أقرّه في صلب عبد المطلب، ثم أخرجه من صلب عبد المطلب فقسمه قسمين قسماً في صلب عبد الله وقسماً في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن من بعدي ».

كما ضمّنه في أبيات له نظمها في مدح الامام أمير المؤمنين هذا مطلعها:

أخو أحمد المختار صفوة هاشم

أبو السادة الغر الميامين بالمنن

في قوله:

هما ظهرا شخصين والنور واحد

بنصّ حديث النفس والنور فاعلمنْ(٢)

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٥٥٥.

(٢). نظم درر السمطين: ٧٩ - ٧٨.


كتاب نظم درر السمطين:

وقد بيّن ( الزرندي ) قيمة كتابه هذا في خطبته فقال:

« جمعت فيه ما ورد في فضائلهم من أحاديث مما نقلها العلماء والأئمة، تنبيهاً على عظم قدرهم وشرفهم وموالاتهم الواجبة على جميع الأمة وأسأل الله تعالى أن يجعل سعيي فيما نظمت فيه من الدرر وجمعت فيه من الغرر خالصاً لوجهه الكريم ».

وقد روى الزرندي في هذا الحديث في كتابه الآخر ( معارج الوصول إلى فضل آل الرسول ) عن ابن عباس باللفظ المتقدم كذلك(١) .

كتاب معارج الوصول:

كما بيّن قيمة هذا الكتاب في خطبته قائلاً:

« جعلته لي عندهم سبباً متيناً، وبرهاناً مبيناً، واعتقاداً صافياً، ويقيناً وديدناً ودأباً وديناً كشفت فيه عن بعض ما خصّهم الله تعالى به من الفضائل المتلألأة الأنوار، والمناقب العالية المنار، والمقامات الظاهرة الأقدار، والكرامات الواسعة الأقطار، والمراتب الرفيعة الأخطار، والمنائح الفائحة الأزهار، والمكارم الفائضة التيار، والمآثر الكريمة الآثار ».

ترجمته:

والزرندي من كبار علماء أهل السنة، فقد أثنى عليه ابن حجر العسقلاني قائلاً: « محمّد بن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن الحسن الزرندي

____________________

(١). معارج الوصول الى فضل آل الرسول - مخطوط.


الحنفي، شمس الدين أخو نور الدين علي.

قرأت في مشيخة الجنيد البلباني تخريج الحافظ شمس الدين الجزري الدمشقي: نزل شيراز وأنه كان عالماً وأرخ مولده سنة ٦٩٣ ووفاته بشيراز سنة بضع وخمسين وسبعمائة، وذكر أنه صنّف السمطين في مناقب السبطين، وبغية المرتاح، جمع فيها أربعين حديثا بأسانيدها وشرحها. قال: وخرج له البرزالي مشيخة عن مائة شيخ »(١) .

وقال محمّد بن يوسف الشامي في ( سيرته ) ما نصه:

« مشروعية السفر لزيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد ألّف فيها الشيخ تقي الدين السبكي، والشيخ كمال الدين الزملكاني، والشيخ داود أبو سليمان كتاب الانتصار وابن جملة وغيرهم من الأئمة، وردّوا على الشيخ تقي الدين ابن تيميّة فإنه أتى في ذلك بشيء منكر لا تغسله البحار.

وممن ردّه عليه من أئمة عصره: العلاّمة محمّد بن يوسف الزرندي المدني المحدّث في ( بغية المرتاح إلى طلب الأرباح ) ».

كما نقل الحافظ الشريف السمهودي عن كتابه أحاديث، معبراً عنه بـ ( الحافظ )، وكذا أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير الحضرمي المكي، فراجع ( جواهر العقدين )(٢) .

____________________

(١). الدرر الكامنة ٥ / ٦٣.

(٢). من ذلك قوله: « وفي رواية ذكرها الحافظ جمال الدين محمّد الزرندي عن صدى قال: بينما أنا ألعب وأنا غلام عند أحجار الزيت، إذ أقبل رجل على بعير فوقف يسبّ عليارضي‌الله‌عنه فحفّ به الناس ينظرون إليه، فبينما هم كذلك إذ طلع سعد - يعني ابن أبي وقاص - فقال: ما هذا؟ قالوا: يشتم علياً. فقال: اللهم إن كان هذا يشتم عبداً صالحاً فأر المسلمين خزيه. قال: فما لبث أن تعثّر به بعيره فسقط واندقت عنقه وخبط بعيره فكسره وقتله.

ومن ذلك قوله في ذكر الاختلاف في الصلاة على آل النبي بعد كلام له: « قلت: ويشهد له قول الحافظ أبي عبد الله محمّد بن يوسف الزرندي المدني في أوائل كتاب معراج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول صلّى الله عليه وعليهم وسلم ما لفظه: وقد قال الامام الشافعي رحمه الله تعالى في هذا المعنى مشيراً إلى وصفهم، ومنبّهاً على ما خصهم الله تعالى به من رعاية فضلهم: =


و ( وسيلة المآل )(١) .

كما نقل عن كتبه جماعة من المحدثين ووصفوه بـ « الشيخ الامام العلامة المحدث بالحرم الشريف النبوي » ومنهم ابن الصباغ المالكي(٢) .

(٢٥)

رواية السيد محمّد الدهلوي المعروف بـ (كيسو دراز )

لقد قال ما معرّبه:

« ويدل حديث [ خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف سنة، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ] على أنّ جميع الكمالات التي كانت لآدم موجودة في محمد، وكذلك كمالات نوح وموسى

____________________

=

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

ومن ذلك قوله: « وقال الحافظ جمال الدين الزرندي عن ابن عباس رضي الله عنهما: لمـّا نزلت هذه الآية( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليرضي‌الله‌عنه : هو أنت وشيعتك، تأتي يوم القيامة أنت وشيعتك راضين مرضيّين ويأتي عدوك غضاباً مقمحين، فقال: من عدوي؟ قال: من تبرّأ منك ولعنك».

(١). ففيه: « قال الحافظ جمال الدين الزرندي عقبحديث من كنت مولاه فعلي مولاهالآتي: قال الامام الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسئول عنها يوم القيامة، أي عن ولاية علي وأهل البيت، لأن الله تعالى أمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعرّف الخلف أنه لم يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلّا المودة في القربى، والمعنى: إنهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة ».

(٢). الفصول المهمة ص ٣.


الكليم وخليل الله وروح الله كلّها موجودة في محمّد، ولم يخلق الله آدم ولا العالم إلّا من أجل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

كما رواه أيضاً في موضعين غيره من كتابه أحدهما بلفظ: « خلقت أنا وعلي من نور واحد، ففيّ النبوة وفيه الخلافة » ولفظ الآخر: « خلقت أنا وعلي من نور واحد »(٢) .

ترجمته:

ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( أخبار الأخيار ) وقال:

« جمع بين السيادة والعلم والولاية، له شأن رفيع ودرجة منيعة وكلام عال، وله مشرب خاص من بين مشايخ ( جشت ) وطريقة يختص وينفرد بها من بينهم في بيان أسرار الحقيقة كان بدهلي في أوائل أمره، وانتقل بعد وفاة شيخه إلى دكن، وحصل له القبول التام عند أهلها، وانقادت له الناس، وتوفي هناك ».

ثم ذكر سبب شهرته بهذا اللقب وقال: « من مصنفاته الشهيرة كتاب ( الأسمار ) الذي أورد فيه الحقائق بنحو الألغاز »(٣) .

(٢٦)

رواية السيد محمّد بن جعفر المكي

لقد رواه قائلاً:

« ع ل. علي كرم الله وجهه: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه

____________________

(١). الأسمار، السمر الرابع والسبعين.

(٢). الأسمار - السمر، ٧٧ والسمر. ١٠١.

(٣). أخبار الأخيار ١٢٧.


قال: أنا وعلي من نور واحد، فيكون واحداً إلى عبد المطلب، فنزل نوري في جبهة عبد الله، فهو أنا، ونزل نور الولاية في جبهة أبي طالب فهو علي، فأنا وعلي واحد في النبوة والولاية »(١) .

ترجمته:

ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي في كتاب ( أخبار الأخيار ) وقد أطراه وأثنى عليه الثناء البالغ، وذكر مؤلفاته ومن بينها ( بحر الأنساب )(٢) .

(٢٧)

رواية الجلال البخاري

قال ملك العلماء الدولت آبادي:

« وفي ( الخزانة الجلالية ) بهذه العبارة: فصار نصفين نصف إلى عبد الله ونصف إلى أبي طالب، فخلقت أنا من جزء وعلي من جزء، فالأنوار كلّها من نوري ونور علي، والمراد من الأنوار: أولاده، أو متابعوه »(٣) .

ترجمته:

ومخدوم جهانيان تجد مناقبه والثناء عليه في الكتب التالية:

١ - ( جامع السلاسل ) لمجد الدين علي البدخشاني.

٢ - ( أخبار الأخيار ) لعبد الحق الدهلوي.

____________________

(١). بحر الأنساب - مخطوط.

(٢). أخبار الأخيار ١٣٢.

(٣). هداية السعداء - مخطوط.


٣ - ( الانتباه في سلاسل أولياء الله ) لوالد ( الدهلوي ).

٤ - ( ايضاح لطافة المقال ) لرشيد الدين الدهلوي.

٥ - ( الفرع النامي ) لصديق حسن خان.

... وغيرها

(٢٨)

رواية السيد علي الهمداني

لقد روى أحاديث عديدة في الباب تحت عنوان ( المودة الثانية: إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلياً من نور واحد، وفيما أعطي علي من الخصال ما لم يعط أحد من العالمين ) عن سلمان، وابن عباس، وأبي ذر، وسيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام قائلاً:

« عن سلمان رضي‌الله‌عنه قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف عام، فلما خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففيّ النبوة وفي علي الخلافة.

و عنه رضي‌الله‌عنه قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله مطيعا، يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي.

و عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى.

و عنه رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلق الله الأنبياء من أشجار شتى وخلقني وعلياً من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها


والحسن والحسين أثمارها، وأشياعنا أوراقها، فمن تعلق بها نجى ومن زاغ عنها هوى.

عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إن الله تعالى أيّد هذا الدين بعلي، وإنه مني وأنا منه وفيه أنزل ( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ) الآية.

عن علي عليه‌السلام قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي من نور واحد »(١) .

ترجمته:

وقد ترجم للهمداني بكلّ إطراء وتبجيل في:

١ - ( خلاصة المناقب ) للبدخشاني.

٢ - ( نفحات الْأُنس ) لعبد الرحمن الجامي.

٣ - ( كتائب أعلام الأخيار ) للكفوي.

٤ - ( جامع السلاسل ) للبدخشاني.

٥ - ( توضيح الدلائل ) لشهاب الدين أحمد.

٦ - ( الفواتح ) للميبدي.

٧ - ( السمط المجيد ) للقشاشي.

٨ - ( الانتباه ) لولي الله والد ( الدهلوي ).

و روى هذا الحديث عن سلمان في كتابه ( روضة الفردوس ) حيث قال:

« الباب الثالث عشر: ما روي عن سلمان قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف عام، فلمّا خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب. ففيّ النبوة وفي علي الخلافة ».

____________________

(١). مودة القربى - المودة الثامنة.


و فيه: « وعنه قال قال عليه‌السلام : كنت أنا وعلي بين يدي الله نوراً مطيعاً يسبح الله ذلك النور ويقدسه »(١) .

كلمة الهمداني في روضة الفردوس:

وقد بيّن الهمداني قيمة مؤلَّفه ( روضة الفردوس ) بقوله في خطبته:

« لمـّا طالعت كتاب الفردوس، من مصنفات الشيخ الامام العلامة قدوة المحققين وحجة المحدثين شجاع الملة والدين ناصر السنة أبي المحامد شيرويه ابن شهردار الديلمي الهمداني، أفاض الله على روحه سجال الرحمة، وجدته بحراً من بحور الفرائد وكنزاً من كنوز اللطائف، مشحوناً بحقائق الألفاظ النبوية، ومخزوناً في حدائق فصوله دقائق الآثار المصطفوية، ومع كثرة فوائده وشمول موائده كاد أن تنطفئ أنواره وتندرس آثاره، لما فيه من التطويل والزيادات فدعتني بواعث خواطري إلى استخراج لبابه واستحضار أبوابه، تسهيلاً لضبط الألفاظ وتيسيراً لدرك الحفاظ، فاستخرجت من قعر تلك البحور أشرف جواهرها، وجنيت من أغصان رياضها أنفس زواهرها، وسمّيت كتابي ( روضة الفردوس ) مبوبة على عشرين باباً، كل باب منها ينفرد برواية صحابي لا غير ».

ورواه أيضاً في كتابه ( مشارب الأذواق في شرح ميمية ابن الفارض ) بشرح ( قوله ):

لها البدر كاس وهي شمس تديرها

هلال وكم يبدو إذا مزجت بنجم

وقد علّق عليه وأيّده بالأحاديث الْأُخرى.

____________________

(١). روضة الفردوس - مخطوط.


٢٩ رواية الجلال الخجندي

لقد قال الشهاب أحمد في معنى حديث ( أنا منه وهو مني ) ما نصّه:

« قال العلّامة مطلع الكشف والكرامة جلال الدين أحمد الخجندي ...: يجوز أن يكون المراد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم: أنا منه وهو مني: ما قيل أنه ورد في الحديث: أنا وعلي من نور واحد، أي: كلّ منا مما منه الآخر »(١) .

ترجمته:

وقد أكثر شهاب الدين أحمد من الاعتماد على الخجندي، مما يدل على عظمة الرجل وجلالته، وهو تارة يعبّر عنه بما مر، وأخرى بـ « الشيخ الامام العارف العلامة منبع الكشف والعرفان والكرامة، جامع علمي المعقول والمنقول، المشهود له بالصديقية العظمى من أهل اليقين والوصول، جلال الملة والشريعة والصدق والطريقة والحق والحقيقة والدين أحمد الخجندي، شيخ الحرم الشريف النبوي المحمدي قدس روحه، في بعض مصنفاته: اعلم أنه قد ورد في بعض الآثار الصديق الأكبر هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وقد ورد في بعض الآثار إطلاق الصديق الأكبر على المرتضى رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه، وما ورد اطلاق الصديق الأكبر على غيرهما ».

وثالثة بقوله: « قال الشيخ العارف أسوة ذوي بالمعارف جلال الدين أحمد الخجندي قدس الله سره - بعد رواية عائشة ومعاوية وأبي ذر رضي الله عنهم كما سبق -: وهذه الآثار عاضدة حديث الطير، إذ لا يكون أحد أحب إلى رسول

____________________

(١). توضيح الدلائل - مخطوط.


الله صلى ‌الله ‌عليه‌ و آله وبارك وسلّم إلّا أن يكون ذلك أحب إلى الله عز وجل ».

ورابعة بقوله: « قال الشيخ المرضي والامام الرضي جلال الدين الخجندي رحمه الله تعالى : وقد ثبت أنه صلى‌ الله‌ عليه ‌و آله وبارك وسلّم أمر بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلّا باب علي ».

وخامسة بقوله: « قال الشيخ الامام الفائق العالم بالشرائع والطرائق والحقائق جلال الملة والدين أحمد الخجندي ثم المدني روح الله روحه وأناله كل مقام سني: قد نشأ - يعني علياً كرم الله تعالى وجهه - وربي في حجر النبي صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم من الصغر ».

(٣٠ )

رواية السيد شهاب الدين أحمد

لقد روى هذا الحديث عن الصالحاني، بسنده عن محمّد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم روى حديث ( الشجرة ) عن جابر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا نص روايته:

« عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى من قبل أن يخلق الله سبحانه آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله تعالى آدم سلك ذلك النّور في صلبه، فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب حق أقرّه في صلب عبد المطلب، فقسّمه قسمين قسما في صلب عبد الله وقسماً في صلب أبي طالب. فعلي مني وأنا منه لحمه لحمي ودمه دمي، ومن أحبه فبحبي أحبه ومن


أبغضه فببغضي أبغضه.

وعن جابر رضي الله تعالى عنه: إن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم كان بعرفات وعلي كرّم الله وجهه تجاهه قال: يا علي أدن مني، ضع خمسك في خمسي، يا علي، خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها، من تعلّق بغصن منها أدخله الله الجنة.

روى الحديث الأول الإِمام الصالحاني - أبو حامد محمود بن محمّد الذي سافر ورحل وأدرك المشايخ وسمع وأسمع وصنف في كلّ فن، وروى عنه خلق كثير وصحب بالعراق أبا موسى المديني الامام ومن في طبقته - بإسناده إلى الامام الحافظ أبي بكر بن مردويه بإسناده مسلسلاً مرفوعاً. والحديث الثاني إلى الامام الحافظ الورع أبي نعيم الاصفهاني.

وروى الحديث الثاني الامام شمس الدين محمّد بن الحسن بن يوسف الأنصاري الزرندي، المحدّث بالحرم الشريف النبوي المحمدي، برواية ابن عباس رضي الله عنهم »(١) .

(٣١ )

رواية الشهاب الدولت آبادي

لقد روى هذا الحديث حيث قال ما ترجمته:

« الجلوة الثانية: في ما أعز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه بأخي، فإنّ أبناء عمّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا كثيرين، فاختار عليّاً من بينهم أخاً له دون غيره، وذلك لأنهما من نور واحد ولم يكن مثل علي أحد

____________________

(١). توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.


من بني هاشم، وسنذكر تمام حديث النور في الجلوة السابعة عشر من هذه الهداية. وفي المصابيح والمشارق والخزانة الجلاليّة والدرر قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي، أنت مني وأنا منك، أي: أنت من نوري وأنا من نورك. وفي التمهيد في فضائل الصحابة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي: مرحباً بأخي وابن عمّي والذي خلقت أنا وهو من نور واحد »(١) .

وقد أورد حديث النور في كتابه جاعلاً إيّاه من الأدلّة الدالة على سيادة علي وأهل البيت، وهذا كلامه بتعريبنا:

« الوجه الأول: هو الحديث المشهور: يا علي، أنا سيّد المرسلين وأنت سيّد المسلمين، من كنت مولاه فعلي مولاه، يا علي أنا سيّد ولد آدم وأنت سيد ولد هاشم. وفي الصحائف: قالت عائشة: كنت جالسة عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أتى علي فقال: هذا سيد العرب، فقالت: قلت: بأبي أنت وأمي ألست سيد العرب، فقال: أنا سيد العالمين وهو سيد العرب.

وهذا الحديث مشهور متواتر، فمن قال: إن علياً ليس بسيد فقد كذّب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتكذيبه كفر.

الثاني: إنّ علياً خلق من نفس النور الذي خلق منه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا ريب في أن محمّدا سيد.

والثالث: إن عليّاً ومحمّداً من شجرة واحدة كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا ريب أن محمّداً سيد »(٢) .

ترجمته:

والدولت آبادي من مشاهير علمائهم، فقد ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( أخبار الأخيار ) والصديق حسن في ( أبجد العلوم )، وعدّه وليّ الله

____________________

(١ - ٢) هداية السعداء - الجلوة الثانية. مخطوط.


والد ( الدهلوي ) في جملة علماء الهند وفقهائها في ( المقدمة السنية )، ورشيد الدين الدهلوي من أئمة الدين وقدماء أهل السنة المعتمدين، وأيضاً جعله في عداد رؤساء علماء أهل السنة مثل أحمد بن حنبل وابن الجوزي والتفتازاني، وأيضاً: ذكره ضمن علماء أهل السنة الذين ألّفوا الكتب في فضائل أهل البيت كما نقل عنه كثيراً في كتابيه ( إيضاح لطافة المقال ) و ( غرّة الرّاشدين )، كما ترجم له غلام علي آزاد في ( سبحة المرجان في علماء هندوستان ) بما هذا نصّه:

« مولانا القاضي شهاب الدين بن شمس الدين بن عمر الزاولي الدولت آبادي نوّر الله ضريحه، ولد القاضي بـ ( دولت آباد دهلي )، وتتلمذ على القاضي عبد المقتدر الدهلوي ومولانا خواجكي الدهلوي، وهو من تلامذة مولانا معين الدين العمراني - رحمهم الله تعالى - وفاق أقرانه وسبق إخوانه، وكان القاضي عبد المقتدر يقول في حقّه: يأتيني من الطلبة من جلده علم ولحمه وعظمه علم.

... وذهب القاضي إلى دار الخيورجونفور جونفور، فاغتنم السلطان إبراهيم الشرقي والي جونفور وروده، ونضر سقاه الله بسحائب الإِحسان وروده، وعظّمه بين الكبراء ولقّبه ملك العلماء، فزيّن القاضي مسند الإفادة وألّف كتباً سارت بها ركبان العرب والعجم، وأذكى سرجاً أهدى من النار موقدة على العلم، منها: البحر المواج في تفسير القرآن العظيم بالفارسية، والحواشي على كافية النحو وهي أشهر تصانيفه، والإرشاد وهو متن في النحو، التزم فيه تمثيل المسألة في ضمن تعريفها، وبديع الميزان وهو متن في فنّ البلاغة بعبارات مسجعة، وشرح البزدوي في أصول الفقه إلى بحث الأمر، وشرح بسيط على قصيدة بانت سعاد، ورسالة في تقسيم العلوم بالعبارة الفارسية، ومناقب السادات بتلك العبارة، وغيرها وتوفي لخمس بقين من رجب المرجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ودفن بـ ( جونفور ) في الجانب الجنوبي من مسجد السلطان إبراهيم الشرقي »(١) .

____________________

(١). سبحة المرجان في علماء هندوستان ٣٩.


(٣٢ )

رواية ابن حجر العسقلاني

لقد روى هذا الحديث عن سلمان رضي‌الله‌عنه بلفظ:

« خلقت أنا وعلي من نور واحد »(١) .

و عنه أيضاً بلفظ: « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله »(٢) .

ترجمته:

وقد ترجم للحافظ شهاب الدين احمد بن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢:

١ - السخاوي : « شيخي الأستاذ، إمام الأئمة اشتهر ذكره، وبعده صيته وارتحل الأئمة إليه، وتبجّج الأعيان بالوفود عليه، وكثرت طلبته حتى كان رءوس العلماء من كلّ مذهب من تلامذته وشهد له القدماء بالحفظ والثقة والأمانة والمعرفة التامّة، والذهن والوقّاد والذكاء المفرط وسعة العلم في فنون شتى »(٣) .

٢ - السيوطي ، ترجمة حافلة(٤) .

____________________

(١). تسديد القوس في مختصر مسند الفردوس - حرف الخاء.

(٢). المصدر - حرف الكاف.

(٣). الضوء اللامع ٢ / ٣٦ - ٤٠.

(٤). حسن المحاضرة ١ / ٣٦٣.


٣ - ابن العماد، مع الثناء والإِكبار(١) .

٤ - الفاسي، وقال: « ما رأينا مثله »(٢) .

(٣٣ )

رواية الحافي الحسيني الشافعي

لقد روى هذا الحديث قائلاً:

« روى - أي أحمد - أيضاً في الكتابين المذكورين - يعني المسند والمناقب - أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق آدم قسّم ذلك فيه وجعل ذلك جزءين فجزء أنا وجزء علي.

و زاد صاحب كتاب الفردوس: ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب، وكان لي النبوة ولعلي الوصية »(٣) .

(٣٤ )

رواية الوصابي اليمني الشافعي

لقد روى هذا الحديث في « الباب الخامس في ما جاء من قول النبي صلّى الله

____________________

(١). شذرات الذهب ٧ / ٢٧٠.

(٢). ذيل تذكرة الحفاظ - ٣٨٠.

(٣). التبر المذاب في بيان ترتيب الأصحاب - مخطوط.


عليه وسلّم في علي: أنه كنفسه، وأنه كرأسه من بدنه، وأنهما كانا نورين بين يدي الله تعالى قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام، وقوله: لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو علي »

وقد رواه عن المناقب لأحمد بسنده عن سلمان.

وأيضا عن الشفاء لابن أسبوع الأندلسي عنه رضي الله تعالى عنه(١) .

وقد تقدّم في الكتاب نص الحديثين المذكورين، كلّ في محلّه، فلا نعيد.

(٣٥)

رواية الجمال المحدث الشيرازي

لقد روى هذا الحديث في كتابه ( الأربعين ) عن ابن عباس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال:

« وهذا الحديث هو المشار إليه في البيت المتقدم ذكره في ديباجة الكتاب أعني ( قوله ):

« هما ظهرا شخصين والنور واحد

بنصّ حديث النفس والنور فاعلمنْ(٢)

كتاب الأربعين

ولقد صرّح مؤلّفه المحدّث في ديباجته بأن الأحاديث الواردة فيه من الأحاديث المعتبرة حيث قال بعد الخطبة: « وبعد، فيقول العبد الفقير إلى الله

____________________

(١). الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط.

(٢). الأربعين - مخطوط.


الغني عطاء الله بن فضل الله المشتهر بجمال الدين المحدث الحسيني أحسن الله أحواله وخص بجوده العميم آماله: هذه أربعون حديثاً في مناقب أمير المؤمنين وإمام المتقين، ويعسوب المسلمين ورأس الأولياء والصدّيقين، ومبيّن مناهج الحق واليقين، كاسر الأنصاب وهازم الأحزاب، المتصدق في المحراب، فارس ميدان الطعان والضراب، المخصوص بكرامة الأخوّة والانتخاب، المنصوص عليه بأنّه لدار الحكمة ومدينة العلم باب، وبفضله واصطفائه نزل الوحي ونطق الكتاب، المكنى بأبي الريحانتين وأبي تراب.

هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الخطاب

المشرّف بمزيّة من كنت مولاه فعلي مولاه، المدعوّ بدعوة أللهم وال من والاه وعاد من عاداه وإنْ كانت مناقبه كثيرة وفضائله جمة غزيرة بحيث لا تعد ولا تحصى ولا تحد ولا تستقصى، كما ورد عن ابن عباس مرفوعاً: لو أن الرياض أقلام لكنّي اقتصرت منها على أربعين حديثاً روماً للإِختصار ومراعاةً لما اشتهر من سيد الأبرار أنّه قال: من حفظ على أمتي أربعين حديثاً

جمعتها من الكتب المعتبرة على طريقة أهل البيت عليهم‌السلام ».

ترجمته:

والسيّد جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي الملقّب بالمحدّث: عالم محدّث مدقق، له مصنفات مقبولة ومعتمدة لدى العلماء، كروضة الأحباب في السيرة، والأربعين في فضائل أمير المؤمنين وممن نقل عنه القاري في المرقاة في شرح المشكاة. وهو من مشايخ ( الدهلوي ).


(٣٦ )

رواية الجفري

لقد روى هذا الحديث حيث قال:

« وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله تعالى آدم قسّم ذلك النور جزءين فجزء أنا وجزء علي »(١) .

ترجمته:

ترجم له المحبي قائلاً:

« شيخ بن علي بن محمّد بن عبد الله بن علوي بن أبي بكر بن جعفر بن محمّد ابن علي بن محمد بن أحمد.

الاستاذ الأعظم، الفقيه المقدّم، ويعرف كسلفه بـ ( الجفري ) بضم الجيم وسكون الفاء ثم بعده راء. المفضال الكامل الماجد، القاضي الأجل المحترم.

كان من رؤساء العلم، جليل المقدار، ذائع الذكر، مقبول السمعة، وافر الحرمة، ولد بقرية ( تديس ) بالسين المهملة، وحفظ القرآن، وأخذ عن جماعة من العارفين، ثم دخل بلاد الهند والسواحل، وأخذ عن وفاق في العلوم النقلية والعقلية وبالجملة: فقد كان من صدور العلماء الأعلام، وكانت وفاته بـ ( بندر الشحر ) في صفر سنة ثلاث وستين وألف »(٢) .

____________________

(١). كنز البراهين الكسبية والأسرار الوهبية الغيبية - مخطوط.

(٢). خلاصة الاثر في أعيان القرن الحادي عشر ٢ / ٢٣٥.


(٣٧ )

رواية الواعظ الهروي

لقد روى هذا الحديث في « الفصل الحادي عشر، في كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكونه كرّم الله وجهه من نور واحد وكونه خليفة » عن ( المناقب لابن المغازلي ) بسنده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى حديثي سلمان عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأورد بيت الشيخ العطار المذكور سابقاً.

وروى عن ابن أسبوع الأندلسي حديثه عن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعن ( الفوائد الجلالية للسيد جلال الدين البخاري ) عن علي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

وقد تقدمت نصوصها - كلّ في محله - فلا نعيد.

(٣٨ )

رواية أحمد بن إبراهيم

لقد روى هذا الحديث عن سلمان رضي الله تعالى عنه كما يلي:

« روى سلمان قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي

____________________

(١). رياض الفضائل - الفصل الحادي عشر من الكتاب.


من نور واحد قبل أن يخلق آدم بأربعة آلاف عام، فلمّا خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه، ولم نزل في شيء واحد، حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففيّ عادت النبوة وفي علي الخلافة »(١) .

(٣٩ )

رواية السيد محمد ماه عالم

لقد روى هذا الحديث ضمن جملةٍ من فضائل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، ونصّ على اعتباره، وهذا مجمل ترجمة كلامه في ترجمة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« لقد كان ظاهره المبارك مظهر الأسرار السبحانية وباطنه الكريم مهبط الأنوار الربانية، مراتبه العالية ومناقبه السامية تضيق عنها صحائف الليل والنهار، وبيان شرف ذاته وجلالة صفاته لا تحويه دفاتر السماوات والأرضين، فضائله لا تحصى وكمالاته لا يمكن الإحاطة بها، فإن نسبه المبارك يعلم من الخبر المعتبر عن خير الأنام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا وعلي من نور واحد، وعظمة حسبه من الكلمة الشريفة: أنت أخي في الدنيا والآخرة، ووفور علمه من الحديث الصحيح: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وسعة جوده من قوله تعالى ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) وشجاعته من فحوى: لا فتى إلّا علي لا سيف إلّا ذو الفقار، وتتجلى فضائله في: لمبارزة علي بن أبي طالب يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي »(٢) .

____________________

(١). جواهر النفائس - مخطوط.

(٢). تذكرة الأبرار - مخطوط.


(٤٠ )

رواية محمد صدر العالم

لقد روى هذا الحديث عن ( الشفاء لابن أُسبوع ) عن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم بيّن معنى الحديث ودلالته ضمن تحقيق أنيق له.

ثم نقل كلام ابن عربي الآتي ذكره ان شاء الله.

وبالتالي أيّد الحديث برواية أحمد في المناقب عن سلمان رضي‌الله‌عنه ، و بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي كنت مع الأنبياء سراً ومعي جهراً(١) .

ترجمته:

والرجل من كبار علماء أهل السنة في بلاد الهند، عارف محدّث جليل، أثنى عليه شاه ولي الله في ( التفهيمات الإلهية )، وترجم له صاحب نزهة الخواطر بقوله: « الشيخ الفاضل، أحد العلماء العاملين وعباد الله الصالحين » وذكر ( معارج العلى ) في مصنفاته(٢) .

____________________

(١). معارج العلى - مخطوط.

(٢). نزهة الخواطر ٦ / ١١٣.


(٤١ )

رواية غلام علي آزاد البلكرامي

لقد روى هذا الحديث - محتجّاً به ومعتمداً عليه - عن ابن أُسبوع عن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم ترجمه إلى الفارسية(١) .

ترجمته:

ولقد ترجم له بالتفصيل وأثنى عليه الصديق حسن خان القنوجي في ( أبجد العلوم ) وفي ( إتحاف النبلاء ) فليراجع.

* * *

____________________

(١). شجره طيبه - مخطوط.


شواهد حديث النور ومؤيّداته



وبعد:

فإنّ من المناسب ذكر بعض الأحاديث المؤيّدة لحديث ( النور ) ليزداد المصنف بصيرة، وتتم الحجة على المخالفين والله ولي التوفيق:

( الحديث الأول )

حديث الشجرة(١)

وحاصله:

إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلياً عليه‌السلام مخلوقان من شجرة واحدة.

____________________

(١). النظر في أسانيد حديث الشجرة بألفاظه المختلفة يفيد أن رواته من ثقات المحدثين ومشاهير الحفاظ وكبار العلماء، وهم عدد كبير جداً، وهناك مصادر أخرى أخرجت هذا الحديث الشريف لم ينقل عنها في هذا الكتاب طلباً للاختصار.


وممّن رواه من الحفاظ والأئمة:

١ - الطبراني.

٢ - الحاكم النيسابوري.

٣ - ابن مردويه الاصبهاني.

٤ - ابن المغازلي الواسطي.

٥ - شيرويه الديلمي الهمداني.

٦ - الخطيب الخوارزمي.

٧ - الزرندي.

٨ - شهاب الدين أحمد.

٩ - النور البدخشاني.

١٠ - الميبدي اليزدي.

١١ - السيوطي.

١٢ - المتقي الهندي.

١٣ - الوصابي اليمني.

١٤ - الجمال المحدّث.

١٥ - المنّاوي.

١٦ - الجفري.

١٧ - ميرزا محمد البدخشاني.

١٨ - محمد صدر عالم.

١٩ - نظام الدين الدهلوي.

٢٠ - محمد مبين اللكهنوي.


(١ )

رواية الحاكم

قال الحاكم: « أخبرني الحسين بن علي التميمي، ثنا أبو العباس أحمد بن محمّد، ثنا هارون بن حاتم، أنبأ عبد الرحمن بن أبي حماد، حدثني إسحاق بن يوسف عن عبد الله بن محمّد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي: يا علي، الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة، ثم قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ) .

هذا حديث صحيح الاسناد »(١) .

(٢ )

رواية ابن المغازلي

قال ابن المغازلي: « أخبرنا عبد الله بن محمّد بن أبي نصر أبو زكريا، ثنا عبد الرحمن بن أحمد بن نصر الأزدي الحافظ، نا أبو محمّد عبد الغني بن سعيد الأزدي الحافظ، ثنا يوسف بن القاسم الميانجي، عن علي بن العباس المقانعي، عن محمّد ابن مروان عن إبراهيم بن الحاكم عن أبيه، عن أبي مالك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار

____________________

(١). المستدرك - كتاب التفسير ٢ / ٢٤١.


شتى »(١) .

(٣ )

رواية الديلمي

قال: « ابن عباس: - أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى »(٢) .

(٤ )

رواية الخوارزمي

رواه عن الديلمي من طريق ابن مردويه عن عبد الله بن محمّد بن عقيل عن جابر قال: « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى »(٣) .

(٥ )

رواية الزرندي

قال: « قال جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي: الناس من شجرة شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة. ثم قرأ النبي صلّى

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي ٤٠٠.

(٢). فردوس الاخبار ١ / ٧٧.

(٣). المناقب للخوارزمي ٨٧.


الله عليه وآله وسلّم: ( وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ ) حتى بلغ ( يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ) (١) .

(٦ )

رواية الشهاب أحمد

ذكره عن جابر كذلك ثم قال: « رواه الصالحاني بإسناده إلى الحافظ ابن مردويه، ورواه أيضاً الشيخ شمس الدين الزرندي »(٢) .

(٧ )

رواية النور البدخشي اللّاهيجي

أثبته ضمن أحاديث ذكرها في فضائل علي عليه‌السلام ( كحديث مدينة العلم ) و حديث: ( أنا منه وهو مني ) وحديث ( الولاية ) بقوله:

« وقال أيضاً: أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى »(٣) .

____________________

(١). نظم درر السمطين ٧٩.

(٢). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٣). شرح گلشن راز لشمس الدين محمد بن يحيى الجيلاني اللاهيجي النور بخشي - ٣٣١.


(٨ )

إثبات الميبدي

أثبته عن جابر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

(٩ )

رواية السيوطي

قال السيوطي: « الحديث الثالث عشر: عن جابر، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى. أخرجه الديلمي »(٢) .

(١٠ )

رواية المتقي

رواه عن الديلمي والحاكم عن جابر(٣) .

____________________

(١). الفواتح - شرح ديوان أمير المؤمنين - ١١١.

(٢). القول الجلي في فضائل علي الحديث: ١٣.

(٣). كنز العمال ١١ / ٦٠٨.


(١١ )

رواية الوصابي

رواه عن الديلمي عن جابر(١) .

و عن الخطيب في فضائل الصحابة عن علي عليه‌السلام : « قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أشبهت خلقي وخلقي وأنت من شجرتي التي أنا منها »(٢) .

(١٢ )

رواية جمال الدّين المحدّث

رواه عن جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهو الحديث الرابع من أحاديث كتابه(٣) .

____________________

(١ - ٢) الاكتفاء في فضائل الأربعة الخلفاء - مخطوط.

(٣). الأربعين - مخطوط.


(١٣ )

رواية المنّاوي

رواه عن فردوس الأخبار للديلمي(١) .

(١٤ )

رواية الجفري

رواه حيث قال:

« وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الناس من شجر شتى وأنا وعلي من شجرة واحدة »(٢) .

(١٥ )

رواية البدخشي

رواه عن الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن جابر. وعن الديلمي عن جابر وابن عباس(٣) .

____________________

(١). كنوز الحقائق، هامش الجامع الصغير ١ / ٨٠.

(٢). كنز البراهين - مخطوط.

(٣). مفتاح النجا - مخطوط. ومنه يعلم رواية الطبراني وابن مردويه.


(١٦ )

رواية صدر العالم

رواه عن الحاكم عن جابر قائلاً: « أخرج الحاكم عن جابر قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي الناس من شجر شتى، وأنا وأنت من شجرة واحدة »(١) .

(١٧ )

رواية الدهلوي

رواه عن الحاكم وابن مردويه عن جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « وهو صحيح على رأي الحاكم » ثم ترجمه إلى الفارسية.

قال: « وفي بعض الروايات: خلقت أنا وأنت من طينة إبراهيم » ثم ترجمه كذلك(٢) .

____________________

(١). معارج العلى - مخطوط.

(٢). تحفة المحبين - مخطوط.


(١٨ )

رواية اللكهنوي

رواه عن الحاكم وابن مردويه عن جابر ثم قال: « وهو صحيح على رأي الحاكم » ثم ترجمه إلى الفارسية(١) .

____________________

(١). وسيلة النجاة في مناقب الحضرات: ٦٩.


( الحديث الثاني )

حديث الشجرة

( بلفظ آخر )

وحاصله:

إنّ الله خلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شجرة، وهو أصلها، وعلي فرعها، والحسنان أغصانها.

وممن رواه من الحفاظ والعلماء:

١ - عبد الله بن أحمد بن حنبل.

٢ - الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة.

٣ - أبو نعيم الاصفهاني.

٤ - ابن المغازلي الشافعي.

٥ - ابن عساكر الدمشقي.

٦ - الكنجي الشافعي.

٧ - الدولت آبادي الهندي.

٨ - شهاب الدين أحمد.


(١ )

رواية عبد الله بن أحمد

روى هذا الحديث في ( زوائد المسند ) بقوله:

« أخبرنا علي بن إسحاق بن عيسى وثنا عثمان بن عبد الله، حدّثنا عبد الله ابن لهيعة عن أبي الزبير المكي قال:

سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعرفات وعلي تجاهه، فأومى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى علي وقال: أُدن مني يا علي، فدنا علي منه، فقال: ضع خمسك في خمسي - يعني كفّك في كفّي - يا علي: خلقت أنا وأنت من شجرة، أنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلّق بغصن منها أدخله الله الجنة، يا علي: لو أنّ أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا وصلّوا حتى يكونوا كالأوتار ثم أبغضوك لأكبّهم الله تبارك وتعالى على وجوههم في النار ».

(٢ )

رواية أبي نعيم

رواه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باللفظ المتقدم، إلّا أنه لم يذكر ذيل الحديث. وهو قوله: يا علي لو أن أُمتي(١) .

____________________

(١). منقبة المطهرين - مخطوط.


(٣ )

رواية ابن المغازلي

و قال ابن المغازلي الواسطي:

« قوله عليه‌السلام : خلقت أنا وأنت من شجرة. الحديث:

أخبرنا أبو نصر أحمد بن موسى بن عبد الوهاب بن الطحان إجازة، عن أبي الفرج أحمد بن علي الحنوطي القاضي، نا عبد الحميد، نا عبد الله بن محمّد بن ناجية، نا عثمان بن عبد الله القرشي بالبصرة، نا عبد الله بن لهيعة عن أبي الزبير - واسمه محمّد بن عبد الله بن تدرس - عن جابر بن عبد الله قال: بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم بعرفات وعلي تجاهه، إذ قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أُدن مني يا علي ضع خمسك في خمسي، خلقت أنا وأنت من شجرة، فأنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلّق بغصن منها أدخله الله الجنة »(١) .

و قال أيضاً:

« قوله عليه‌السلام لعلي: ضع خمسك في خمسي. الحديث.

أخبرنا أحمد بن المظفر العطّار، ثنا عبد الله بن محمد الملقب بابن السقاء الحافظ، ثنا أحمد بن محمّد بن زنجويه المخزومي ببغداد، ثنا عثمان بن عبد الله العثماني، ثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير، قال سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعرفات وعلي تجاهه، فأومى إلى علي فأقبلنا نحوه وهو يقول: أدن مني يا علي، فدنا منه فقال: ضع خمسك في خمسي، فجعل كفه

____________________

(١). المناقب ٩٠.


في كفه فقال:

يا علي، خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلّق بغصن منها أدخله الله الجنّة، يا علي لو أنّ أُمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا وصلّوا حتى يكونوا كالأوتار وأبغضوك لأكبّهم الله في النار »(١) .

(٤ )

رواية الكنجي

رواه حيث قال: « الباب الثامن والخمسون في تخصيص علي عليه‌السلام بقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

أخبرنا العلامة قاضي القضاة صدر الشام أبو الطفيل محمّد بن قاضي القضاة شيخ المذاهب أبي المعالي محمد بن علي القرشي، أخبرنا حجة العرب زيد ابن الحسن الكندي، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا زين الحفاظ وشيخ اهل الحديث على الإطلاق أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، أخبرنا عبد الله بن محمّد ابن عبد الله، حدّثنا محمّد بن المظفر، حدّثنا أبو جعفر الحسين بن حفص الخثعمي، حدّثنا عباد بن يعقوب، حدّثنا يحيى بن بشير الكندي، عن إسماعيل ابن إبراهيم الهمداني، عن أبي اسحق عن الحرث عن علي وعن عاصم بن ضمرة عن علي قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله خلقني وعلياً من شجرة أنا أصلها وعلي فرعها والحسن والحسين ثمرها والشيعة ورقها، فهل يخرج من الطّيب إلّا الطّيب؟ أنا مدينة العلم وعلي بابها من أراد المدينة فليأتها من بابها. قلت: هكذا روى الخطيب في تاريخه ».

____________________

(١). المناقب ٢٩٧.


وقال: « أخبرنا الحافظ يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي بحلب، أخبرنا محمد بن إسمعيل بن محمد الطرسوسي، أخبرنا أبو منصور محمد بن إسمعيل الصيرفي، أخبرنا أبو الحسين بن فاذشاه، أخبرنا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، أخبرني الحسن بن ادريس التستري، حدثنا أبو عثمان طالوت ابن عباد الصيرفي البصري، حدّثنا فضال بن جبير، حدّثنا أبو أمامة الباهلي قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله خلق الأنبياء من أشجارٍ شتى وخلقني وعلياً من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمرها، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجى ومن زاغ عنها هوى، ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام، ثم لم يدرك محبتنا أكبّه الله على منخريه في النار، ثم تلا ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) .

قلت: هذا حديث عال، رواه الطبراني في معجمه كما أخرجناه سواء.

و رواه محدّث الشام في كتابه بطرق شتى.

فمن ذلك: ما أخبرنا الشيخان محمّد بن سعيد بن الموفق الخازن النيسابوري ببغداد وابراهيم بن عثمان الكاشغري بنهر معلّى قالا: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي، أخبرنا أبو يعلى حمزة بن أحمد بن عبد الله بن علي المقري، أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم بن سعيد الزاهدي الفقيه، أخبرنا أبو بكر محمّد بن غريب البزار، حدّثنا أبو العباس أحمد بن موسى بن زنجويه القطان، حدّثنا عثمان بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، حدّثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعرفات وتجاهه علي، فأوميء إلى علي فأتينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول:

أدن مني يا علي فدنا منه علي فقال: ضع خمسك في خمسي - يعني كفك في كفي - يا علي، خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلّق بغصن منها دخل


الجنة.

يا علي، لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلّوا حتى يكونوا كالأوتار ثم ابغضوك لأكبّهم الله في النار. قلت هكذا رواه في ترجمة علي من كتابه ».

و قال: « أخبرنا المفتي أبو نصر هبة الله الشيرازي، أخبرنا الحافظ علي بن عساكر، أخبرنا أبو القسم السمرقندي، أخبرنا إسمعيل بن مسعدة، أخبرنا حمزة ابن يوسف، أخبرنا أبو احمد بن عدي، حدّثنا عمر بن سنا، حدّثنا الحسن بن علي أبو عبد الغني الأزدي، حدثنا عبد الرزاق عن أبيه عن مينا بن أبي مينا مولى عبد الرحمن بن عوف أنه قال: ألا تسألوني قبل أن يشوب الأحاديث الأباطيل! قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشجرة وفاطمة فرعها وعلي لقاحها والحسن والحسين ثمرها وشيعتنا ورقها، فالشجرة أصلها في جنة عدن، والأصل والفرع اللقاح والثمر والورق في الجنة. قلت: أخرجه محدّث دمشق في مناقبه بطرق.

وأنشدنا الشيخ أبو بكر بن فضل الله الحلبي الواعظ في المعنى لبعضهم:

يا حبذا دوحة في الخلد ثابتة

ما في الجنان لها شبه من الشجر

المصطفى أصلها والفرع فاطمة

ثم اللقاح علي سيد البشر

والهاشميان سبطان لها ثمر

والشيعة الورق الملتف بالثمر

هذا حديث رسول الله جاء به

أهل الرواية في العالي من الخبر

إني محبهم أرجو النجاة غداً

والفوز في زمرة من أحسن الزمر »(١)

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب ٢٢٠.


(٥ )

رواية ملك العلماء الهندي

روى هذا الحديث نقلاً عن ( الزاهدية ) و ( مجمع الأخبار ) حيث قال: « وفي الزاهدية، وفي مجمع الأخبار عند قوله تعالى: ( نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) : وإن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى وخلقني وعلياً من شجرة واحدة، أنا أصلها وعلي فرعها والحسنان ثمارها وأولادهما أغصانها وشيعتهم أوراقها، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجى، ومن زاغ عنها غوى وهوى.

و لو كان عبد عبد الله تعالى بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالي ولم يدرك محبتنا، فأكبّه الله على منخريه.

ثم تلا هذه الآية: ( قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ثم ترجمه إلى الفارسية»(١) .

(٦ )

رواية الشهاب أحمد

وقال شهاب الدين أحمد ما هذا نصّه: « وقال سلطان العلماء في عصره وبرهان العرفاء في دهره، الشيخ القدوة في الأجلة الأعلام، مفتي الأنام عز الدين عبد العزيز بن عبد السّلام، عن لسان حال أوّل الأصحاب بلا مقال وأفضل

____________________

(١). هداية السعداء - مخطوط. الجلوة الثانية من الهداية الرابعة. في ذم من لا يتمسك بهم.


الأتراب لدى عدّ الخصال، علي ولي الله في الأرض والسماء - رضي الله تعالى عنه ونفعنا به في كل حال -:

يا قوم، نحن أهل البيت عجنت طينتنا بيد العناية في معجن الحماية بعد أن رش علينا فيض الهداية، ثم خمرت بخميرة النبوة وسقيت بالوحي ونفخ فيها روح الأمر، فلا أقدامنا تزل ولا أبصارنا تضل ولا أنوارنا تقل، وإذا نحن ضللنا فمن بالقوم يدل! الناس من أشجار شتى وشجرة النبوة واحدة ومحمّد رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌و آله وبارك وسلّم أصلها وأنا فرعها وفاطمة الزهراء ثمرها والحسن والحسين أغصانها، أصلها نور وثمرها نور وفرعها ونور وغصنها نور، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور »(١) .

____________________

(١). توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.


( الحديث الثالث )

وحاصله:

إنّ الله خلق رسوله من نوره وخلق علياً من نور رسوله.

رواه الخطيب الخوارزمي باسناده عن عبد الله بن عمر حيث قال: « أنبأني مهذب الأئمة هذا قال: أخبرنا أبو القاسم نصر بن محمّد بن علي بن زيرك المقري قال: أخبرنان والدي أبو بكر محمد قال أبو علي عبد الرحمن بن محمد بن أحمد النيسابوري قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله النانيجي البغدادي - من حفظه بدينور - قال: حدثنا محمد بن جرير الطبري قال: حدثني محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا العلاء بن الحسين الهمداني قال: حدثنا أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي عن عبد الله بن عمر قال:

« سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وسئل بأيّ لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟ - فقال: خاطبني بلغة علي بن أبي طالب فألهمني أن قلت: يا رب خاطبتني أم علي؟ فقال: يا أحمد أناشيء لا كالأشياء، لا أقاس بالناس ولا أوصف بالشبهات. خلقتك من نوري وخلقت علياً من نورك، فاطّلعت على سرائر قلبك فلم أجد أحداً إلى قلبك أحب من علي بن أبي طالب، فخاطبت بلسانه كيما


يطمئن قلبك »(١) .

____________________

(١). المناقب ٣٦. رواه العلامة السيد علي بن أحمد بن معصوم المدني الشيرازي في كتاب التذكرة، بإسناد له من طريق أعلام الامامية عن أئمة أهل البيت: عن الحسين سيد الشهداء عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول - وقد سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج - قال: خاطبني بلسان علي الحديث.

ثم ذكر رواية الخوارزمي.

ثم قال: واللغة كاللسان كما يطلق على ما يعبّر به كلّ قوم عن أغراضهم كلغة العرب ولغة العجم، يطلق على ما يعبّر الانسان الواحد عن غرضه من النطق وتقطيع الصوت اللذين تمتاز بهما الاشخاص بعضها عن بعض، ويعبر عنها باللهجة. فقول السائل: بأيّ لغة خاطبك ربك يحتمل المعنيين، و قولهعليه‌السلام : خاطبني بلسان علي. أي بلغة علي كما في رواية الخوارزمي،يراد به المعنى الثاني وهو يتضمن الجواب عن المعنى الاول أيضاً إن كان مراداً، لأن لغة علي كانت عربية. وقاس الشيء بالشيء قدّره أي جعله على مقداره. والشبهات جمع شبهة كغرفة وغرفات، قال في القاموس: الشبهة بالضم الالتباس والمثل. انتهى. وإرادة المعنى الثاني هنا اظهر، أي لا يوصف بالأمثال وإنْ كان المعنى الأول ظاهراً ».


( الحديث الرابع )

وحاصله:

إنّ رسول الله وعلياً مخلوقان من نور الله تعالى.

رواه الحمويني باسناده عن ابن عباس قال:

« سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي: أنا وأنت من نور الله تعالى »(١) .

____________________

(١). فرائد السمطين. وقد تقدم.


( الحديث الخامس )

وحاصله:

إنّ الحسن والحسين نوران من نور الله.

رواه بهذا اللفظ الدولت آبادي(١) .

أقول: فأبوهما وجدهما نوران من نور الله بالأولوية القطعية.

____________________

(١). هداية السعداء - مخطوط.


( الحديث السادس )

وحاصله:

إنّ الله خلق الملائكة من نور علي.

رواه الخوارزمي باسناده عن أنس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « خلق الله تعالى من وجه علي بن أبي طالب سبعين ألف ملك يستغفرون له ولمحبّيه إلى يوم القيامة ».

و أيضاً باسناده عن عثمان بن عفان عن عمر بن الخطاب عنه. وقد تقدم نصه سابقاً.

أقول:

قد ذكرنا طرفاً من أسانيد حديث ( النور ) برواية أهل السنة، بألفاظه المختلفة المتكثرة، وثلّة من الأحاديث التي رووها في فضل أهل البيت وهي مؤيدة لمعنى حديث النور.

ويلاحظ القارئ الكريم أن رواة حديث النور ومؤيداته هم من أكابر أئمة أهل السنة ومن مشاهير علمائهم ومحدثيهم


فحديث النور صحيح ثابت سنداً، بل متواتر مقطوع بصدوره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يلتفت القارئ بعد الوقوف على ما ذكر إلى طعن متعصب أو ارتياب معاند

فإذا انضم إلى ذلك بحث الدّلالة بوجوهها كان هذا الحديث من الأحاديث الدالة على إمامة أمير المؤمنين بعد النبي بلا فصل والله الهادي.

* * *


حديث النور من طرق الإِماميّة



قوله:

« ما رووا من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب نوراً بين يدي الله ».

أقول:

قوله: « ما رووا » يشعر زعمه اختصاص رواية هذا الحديث بالشيعة وهذا ديدنه ودأبه عند رد كل فضيلة من فضائل علي أمير المؤمنين عليه‌السلام .

وأنت ان ألقيت نظرة على القسم المتقدم من الكتاب عرفت كذبه ومدى تعصبه وانكاره للحقائق الراهنة.

ثم لم لم ينقل لفظاً من ألفاظه من طريق الامامية حتى يتضح مورد الطعن في سنده ان كان؟! ولم لم يشر الى تعدد طرقه لديهم؟!

ان هذا الحديث الشريف من الاحاديث المتفق عليها بين الطرفين، وبما أنا نقلنا روايته عند أهل السنة بطرقهم ننقل هنا بعض أسانيده وألفاظه عن كبار علماء الامامية ومحدثيهم:


حديث النور

عند الامامية

لقد روى هذا الحديث جماعة كبيرة من كبار علماء هذه الطائفة نذكر فيما يلي بعضهم:

١ - أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني(١) ، فقد قال ما نصّه:

« أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبد الله الصغير، عن محمد بن إبراهيم الجعفري، عن أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال: إن الله كان إذ لا كائن، فخلق الكان والمكان، وخلق نور الأنوار الذي نورت منه الأنوار، وأجرى فيه من نوره الذي نوّرت منه الأنوار، وهو النور الذي خلق منه محمّداً وعلياً، فلم يزالا نورين أوّلين إذ لا شيء كون قبلهما، فلم يزالا يجريان طاهرين مطهّرين في الأصلاب الطاهرة، حتى افترقا في أطهر طاهرين عبد الله وأبي طالب »(٣) .

و روى بسنده عن جابر بن يزيد قال:

« قال لي أبو جعفر(٤) : يا جابر: إن الله أول ما خلق خلق محمّداً وعترته الهداة المهديين، كانوا أشباح نور بين يدي الله.

قلت: وما الأشباح؟

قال: ظل النور، أبدان نورانية بلا أرواح، وكان مؤيّداً بروح واحد، وهي

____________________

(١). الملقب « ثقة الاسلام » شيخ الامامية في وقته. توفي ببغداد سنة ٣٢٩.

(٢) « أبو عبد الله » كنية سيدنا الامام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام .

(٣). الكافي ١ / ٤٤١.

(٤) كنية سيدنا الامام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام .


روح القدس، فيه كان يعبد الله وعترته، ولذلك خلقهم حلماء، علماء، بررة أصفياء يعبدون الله بالصلاة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل، ويصلّون الصلاة ويحجون ويصومون »(١) .

وبسنده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال:

« قال الله تبارك وتعالى: يا محمد، إني خلقتك وعلياً نوراً - يعني روحاً بلا بدن - قبل أن أخلق سماواتي وأرضي وعرشي وبحري، فلم تزل تهللني وتمجّدني، ثم جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة، فكانت تمجدني وتقدسني وتهللني، ثم قسمتها اثنتين وقسمت الثنتين ثنتين فصارت أربعة، محمد واحد، وعلي واحد، والحسن والحسين ثنتان، ثم خلق الله فاطمة من نور ابتدأها روحاً بلا بدن، ثم مسحنا بيمينه فأضاء نوره فينا »(٢) .

وبسنده عن المفضل بن عمر قال:

« قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف كنتم حيث كنتم في الأظلة؟

فقال: يا مفضل، كنا عند ربنا ليس عنده أحد غيرنا، في ظلة خضراء، نسبحه ونقدسه ونهلله ونمجده، وما من ملك ولا ذي روح غيرنا حتّى بدا له في خلق الأشياء، فخلق ما شاء وكيف شاء من الملائكة وغيرهم، ثم أنهى علم ذلك الينا »(٣) .

وبسنده عن محمد بن سنان قال:

« كنت عند أبي جعفر الثاني(٤) فأجريت إختلاف الشيعة فقال: يا محمد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفرداً بوحدانيته، ثم خلق محمّداً وعلياً وفاطمة فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفرض أمورها إليهم، فهم يحلون ما يشاؤن ويحرّمون ما يشاؤن، ولن يشاؤا إلّا أن يشاء

____________________

(١). الكافي ١ / ٤٤٢.

(٢). المصدر ١ / ٤٤٠.

(٣). المصدر ١ / ٤٤١.

(٤) وهو سيدنا الامام محمّد بن علي التقي الجواد التاسع من الائمة الاثني عشرعليهم‌السلام .


الله تبارك وتعالى.

يا محمد، هذه الديانة التي من تقدمها مرق، ومن تخلّف عنها محق، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمّد »(١) .

٢ - أبو عبد الله محمد بن العباس بن ماهيار(٢) في كتابه ( ما نزل من القرآن في أهل البيت ) بسنده عن أشياخ من آل علي بن أبي طالب قالوا:

« قال علي عليه‌السلام في بعض خطبه: إنا آل محمد كنا أنواراً حول العرش، فأمرنا الله تعالى بالتسبيح فسبّحنا وسبّحته الملائكة بتسبيحنا، ثم أهبطنا إلى الأرض فأمرنا بالتسبيح فسبّحنا فسبّحته أهل الأرض بتسبيحنا، فإنا لنحن الصّافون وإنا لنحن المسبّحون »(٣) .

٣ - فرات بن إبراهيم(٤) بسنده عن ابن عباس يقول:

« كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وساق الحديث إلى أن قال - قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقني الله نوراً تحت العرش قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلمّا أنْ خلق الله آدم ألقى النور في صلب آدم، فأقبل ينتقل ذلك النور من صلب إلى صلب حتى افترقنا في صلب عبد الله بن عبد المطلب وأبي طالب، فخلقني ربي من ذلك النور، لكنه لا نبي بعدي »(٥) .

كما روى حديث الأشباح في حديث يصف فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عروجه إلى السماء لأبي ذر رضي‌الله‌عنه (٦) .

٤ - أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي(٧) ، فقد رواه في كتابه

____________________

(١). الكافي ١ / ٤٤٠ - ٤٤١.

(٢). المعروف بابن حجام من أجلاء علماء الامامية.

(٣). أنظر: غاية المرام ص ١٢.

(٤). فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، من مشايخ الشيخ علي بن بابويه القمي ومن قدماء الطائفة.

(٥). تفسير فرات ١ / ١٩٠ وانظر ١ / ١٠٧.

(٦). تفسير فرات ١ / ١٣٤.

(٧). الملقب بـ « رئيس المحدثين الصدوق » له نحو من ٣٠٠ مصنف، توفي بالري سنة ٣٨١.


( الخصال ) بسنده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:

« كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله جل جلالته قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلم خلق الله آدم سلك ذلك النور في صلبه، فلم يزل الله عز وجل ينقله من صلب إلى صلب حتى أقره في صلب عبد المطلب، ثم أخرجه من صلب عبد المطلب، فقسّمه قسمين، فصير قسمي في صلب عبد الله، وقسم علي في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا من علي، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، فمن أحبه فبحبي أحبه، ومن أبغضه فببغضي أبغضه »(١) .

و فيه بسنده عن سيدنا الامام الرضا عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال: « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي من نور واحد »(٢) .

و رواه في كتابه ( علل الشرائع ) بسنده عن معاذ بن جبل:

« إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن الله خلقني وعلياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام.

قلت: فأين كنتم يا رسول الله؟

قال: قدام العرش نسبّح الله ونحمده ونقدّسه ونمجّده.

قلت: على أيّ مثال؟

قال: أشباح نور »(٣) .

و فيه بسنده عن الامام الصادق عليه‌السلام في حديث طويل:

« إن محمداً وعلياً عليهما‌السلام كانا نوراً بين يدي الله عز وجل قبل خلق الخلق بألفي عام، وإن الملائكة لما رأت ذلك النور رأت له أصلاً وقد انشعب منه شعاع لامع، فقالت: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله عز وجل إليهم: هذا

____________________

(١). الخصال ٦٤٠.

(٢). المصدر ٣١ وانظر عيون أخبار الرضا له ٢ / ٥٩.

(٣). علل الشرائع ١ / ٢٠٨ - ٢٠٩.


نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة، فأما النبوة فلمحمد عبدي ورسولي، وأما الامامة فلعلي حجتي ووليي، ولولاهما ما خلقت خلقي »(١) .

و رواه في كتابه ( كمال الدين وتمام النعمة ) بسنده عن مولانا الامام علي بن الحسين عليهما‌السلام :

« إن الله عز وجل خلق محمّداً وعلياً والأئمة الأحد عشر من نور عظمته أرواحاً في ضياء نوره، يعبدونه قبل خلق الخلق يسبّحون الله عز وجل ويقدّسونه، وهم الأئمة الهادية من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين »(٢) .

و فيه بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال:

« إنّ الله تعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا.

فقيل له: يا ابن رسول الله ومن الأربعة عشر؟

فقال: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ولد الحسين، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته، فيقتل الدجال، ويطهّر الأرض من كلّ جور وظلم »(٣) .

و رواه في كتابه ( النصوص على الائمة الاثني عشر ) بسنده عن أنس بن مالك قال:

« كنت أنا وأبو ذر وسلمان وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

خلفني الله تبارك وتعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بتسعة آلاف عام، ثم نقلنا إلى صلب آدم، ثم نقلنا من صلب آدم إلى أصلاب الطاهرين ومنها إلى أرحام الطاهرات »(٤) .

____________________

(١). علل الشرائع، وانظر معاني الأخبار له ص ٥٦.

(٢). كمال الدين ١ / ٣١٨.

(٣). كمال الدين ٢ / ٣٣٥ - ٣٣٦.

(٤). أنظر غاية المرام ص ١١ - ١٢.


٥ - السيد هاشم البحراني(١) .

روى حديث النور عن ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام . وعنه عن الرضا عليه‌السلام ، إلى غير ذلك(٢) .

٦ - الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي(٣) رواه بسنده عن سلمان رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث طويل: « خلقني الله من صفرة نوره ودعاني فأطعت، وخلق من نوري علياً فدعاه فأطاعه، وخلق من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته، وخلق مني ومن نور علي وفاطمة الحسن والحسين فدعاهما فأطاعاه، فسمّانا بالخمسة الأسماء من أسمائه: الله المحمود وأنا محمّد، والله العلي وهذا علي، والله الفاطر وهذه فاطمة، والله ذو الاحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين.

ثم خلق منا من صلب الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه، قبل أن يخلق الله سماء مبنية وأرضاً مدحيّة أو هواء أو ماء أو ملكاً أو بشراً، وكنا بعلمه نورا نسبّحه ونسمع ونطيع ».

٧ - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(٤) رواه بسنده عن أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وايضاً بسنده عن سيدنا ومولانا الامام علي بن محمّد الهادي عن آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) .

و روى بسنده عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه

____________________

(١). صاحب البرهان في تفسير القرآن وغيره، من ثقات محدثي الامامية، توفي سنة ١١٠٧.

(٢). غاية المرام - الباب الثاني ص ٨ - ١٣.

(٣). شيخ مشايخ الامامية في الفقه والحديث والكلام، توفي ببغداد سنة ٤١٣.

(٤). شيخ الطائفة صاحب التبيان في تفسير القرآن. وتهذيب الأحكام، والخلاف في الفقه وغيرها من المصنفات، توفي بالغري الشريف سنة ٤٦٠.

(٥). الامالي ١ / ١٨٦، ١ / ٣٠٠ - ٣٠١.


السلام: « إنه كان ذات يوم جالساً بالرحبة والناس حوله مجتمعون، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله عز وجل به وأبوك يعذب بالنار؟ فقال له: مه فض الله فاك، والذي بعث محمداً بالحق لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض شفّعه الله فيهم، أنى يعذب بالنار وابنه قسيم النار!

ثم قال: والذي بعث محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلّا خمسة أنوار: نور محمد، ونوري، ونور فاطمة، ونور الحسن والحسين، ومن ولدته من الائمة، لأن نوره من نورنا الذي خلقه الله تعالى من قبل أن يخلق آدم بألفي عام »(١) .

و فيه بسنده عن أنس بن مالك في حديث:

« فقلت: يا رسول الله صف لي كيف علي أخوك؟

قال: إن الله عز وجل خلق ماء تحت العرش قبل أن يخلق آدم بثلاثة آلاف عام، وأسكنه في لؤلؤة خضراء في غامض علمه، إلى أن خلق آدم، فلما أنْ خلق آدم نقل ذلك الماء من اللؤلؤة فأجراه في صلب آدم إلى أن قبضه الله ثم نقله إلى صلب شيث. فلم يزل ذلك الماء ينتقل من ظهر إلى ظهر حتى صار في صلب عبد المطلب، ثم شقّه الله عز وجل نصفين، فصار نصفه في أبي عبد الله بن عبد المطلب ونصفه الآخر في أبي طالب، فأنا من نصف الماء وعلي من النصف الآخر، فعلي أخي في الدنيا والآخرة، ثم قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً ) (٢) .

و فيه بسنده عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال:

« إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اختراعه من نور عظمته وجلاله فلما أراد أن يخلق محمّداً منه قسّم ذلك النور شطرين، فخلق من الشطر الأول محمداً ومن الشطر الآخر علي بن أبي طالب،

____________________

(١). الأمالي ١ / ٣١١ - ٣١٢.

(٢). المصدر ١ / ٣٢٠.


ولم يخلق من ذلك النور غيرهما »(١) .

و فيه بسنده عن سيدنا علي بن الحسين عن أبيه عن جده أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام قال:

« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي، خلق الله الناس من أشجار شتى وخلقني وأنت من شجرة واحدة، أنا أصلها وأنت فرعها »(٢) .

و فيه بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال:

« ألا إني عبد الله وأخو رسوله وصديقه الأول، قد صدّقت وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صدّيقه الأول في أمتكم حقاً، نحن الوارثون الأول ونحن الآخرون »(٣) .

و رواه في كتابه ( مصباح الأنوار ) باسناده: « عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن الله خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أنْ يخلق آدم »(٤) .

٨ - قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسين الراوندي(٥) بسنده عن سعدان قال:

« قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله قبل أن يخلق آدم بأربع عشرة آلاف سنة، فلما خلق آدم قسّم ذلك النور جزئين وركّبه في صلب آدم، وأهبطه إلى الأرض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح، ثم قذفه في الارض في صلب إبراهيم، فجزء أنا وجزء علي، والنور يزول معنا حيث زلنا »(٦) .

____________________

(١). بحار الأنوار عن الأمالي.

(٢). بحار الأنوار ٦ / ٥ الطبعة القديمة.

(٣). بحار الأنوار عن الأمالي.

(٤). بحار الأنوار ٦ / ٣ عن كنز جامع الفوائد عن مصباح الأنوار.

(٥). صاحب فقه القرآن ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة وغيرهما، من مشاهير فقهاء ومحدثي الإمامية، توفي سنة ٥٧٣.

(٦). البحار ٩ / ٧ عن الخرائج والجرائح.


٩ - حسين بن حمدان الحضيني(١) قال.

« روي عن مجاهد عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري قالا: كنّا جلوسا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذْ دخل سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبو الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، فجثوا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - والحزن ظاهر في وجوههم - فقالوا: فديناك بالآباء والأمهات يا رسول الله: إنا نسمع من قوم في أخيك وابن عمك ما يحزننا، وإنا نستأذنك في الردّ عليهم.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما عساهم يقولون في أخي وابن عمي علي ابن أبي طالب؟

فقالوا: يقولون أي فضلٍ لعلي في سبقه إلى الإسلام، وإنما أدركه الإسلام طفلاً، ونحو هذا القول.

فقال عليه‌السلام : فهذا يحزنكم؟

قالوا: أي والله.

فقال قد علمتم جميعاً إن الله عزّ وجلّ خلقني وعلياً من نور واحد ثم افترق نورنا فصار نصفه في عبد الله ونصفه في أبي طالب عمي »(٢) .

١٠ - جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر العلامة الحلي(٣) :

رواه في حديث طويل، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن جدّه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل قوله:

« يا محمد، إن الله جعلك سيد الأنبياء وعلياً سيد الأوصياء وخيرهم، وجعل الأئمة من ذريتكما إلى أنْ يرث الأرض ومن عليها.

____________________

(١). المتوفى سنة ٣٥٨، من رواة الامامية.

(٢). البحار ٩ / ٥ عن كتاب الروضة.

(٣) هو رئيس علماء الطائفة في عصره ومروج المذهب في وقته، صنف في كل علم، وأحاط من الفنون بما لم يحط به أحد من الناس، توفي سنة ٧٢٦ ودفن بجوار أمير المؤمنينعليه‌السلام .


فسجد علي صلوات الله عليه وجعل يقبّل الأرض شكراً لله تعالى.

و إن الله جلّ اسمه خلق محمّداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام أشباحا يسبّحونه ويمجّدونه ويهللون بين يدي عرشه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فجعلهم نورا ينقلهم في ظهور الأخيار من الرجال وأرحام الخيرات المطهرات المهذبات من النساء من عصر إلى عصر، فلما أراد الله عز وجل أن يبيّن لنا فضلهم ويعرّفنا منزلتهم ويوجب علينا حقهم أخذ ذلك النور فقسّمه قسمين، جعل قسماً في عبد الله بن عبد المطلب فكان منه سيد النبيين وخاتم المرسلين وجعل فيه النبوة، وجعل القسم الثاني في عبد مناف - وهو أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف - فكان منه علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين، وجعله رسول الله وليه ووصيه وخليفته وزوج ابنته وقاضي دينه وكاشف كربته ومنجز وعده وناصر دينه »(١) .

١١ - حسن بن محمد الديلمي(٢) .

روى هذا الحديث عن سلمان رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

و عن ابن مهران أنه:

« سئل عبد الله بن العباس عن تفسير قول الله تعالى: ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) قال: كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأقبل علي بن أبي طالب، فلمّا رآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبسم في وجهه وقال: مرحباً بمن خلقه الله تعالى قبل كلّ شيء، خلقني الله وخلق علياً قبل أن يخلق آدم بهذه المدّة، خلق نوراً فقسّمه نصفين فخلقني من نصفه وخلق علياً من النصف الآخر قبل الأشياء، فنوّرها من نوري ونور علي، ثم جعلنا من يمين العرش، ثم خلق الملائكة فسبّحنا فسبّحت الملائكة، وهلّلنا فهلّلت

____________________

(١) البحار ٩ / ٧ عن كشف اليقين في إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٢). من محدثي الإمامية.

(٣). إرشاد القلوب ٢ / ١٩٣.


الملائكة، وكبّرنا فكبّرت الملائكة، وكان ذلك من تعليمي وتعليم علي »(١) .

١٢ - محمّد بن علي بن أحمد الفاسي(٢) .

روى هذا الحديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

١٣ - شرف الدين بن علي النجفي(٤) .

رواه « عن محمد بن زياد قال: سأل ابن مهران عبد الله بن العباس عن تفسير قوله تعالى: ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) فقال ابن عباس: إنّا كنّا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٥) .

١٤ - الشيخ محمّد باقر المجلسي(٦) .

رواه بألفاظ عديدة وطرق مختلفة في كتابه العظيم ( بحار الأنوار ) وغيره من مصنفاته الشهيرة.

من فوائد الاستشهاد بأخبار الإِمامية:

ثم إن الاستشهاد بأحاديثنا - للحاجة إلى ذلك في أمثال المقام - يفيدنا من جهات أخرى منها:

(١) أنه قال ابن روزبهان في ردّ كلام العلامة قدس‌سره ما نصه:

« والعجب أن هذا الرجل لا ينقل حديثاً إلّا من جماعة أهل السنة، لأن الشيعة ليس لهم كتاب ولا رواية ولا علماء مجتهدون مستخرجون للأخبار، فهو في إثبات ما يدّعيه عيال على كتب أهل السنة ».

____________________

(١). إرشاد القلوب ٢ / ١٩٥.

(٢). من علماء الامامية في القرن الخامس فقيه، مفسر، محدّث.

(٣). روضة الواعظين ١ / ٧٧ وانظر ١ / ٧٧ والبحار ٩ / ٥.

(٤). من فضلاء محدثي الامامية.

(٥). تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: ٤٤٨.

(٦). مجدّد القرن الثاني عشر، صاحب بحار الأنوار، ومرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، وغيرهما من الكتب المشهورة، توفي بأصبهان سنة ١١١١.


وهذا منه عجيب جدّاً، لأنه خروج على قاعدة البحث وأصول المناظرة، ومع هذا، فلو اكتفى أهل الحق في البحث برواياتهم خاصة لقيل إنها ليست حجة علينا

(٢) أنه قد استند ابن روزبهان في كلامٍ له إلى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر بن الخطاب - في حديث رووه - ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط الا سلك غير فجك » وقال:

« هذا حديث نقله جمهور أرباب الصحاح، ولا شك في صحته لأحد، وهذا حجّة على الروافض، حيث يقولون: إن بيعة أبي بكر كان باختيار عمر بن الخطاب، فإنه لو صحّ ما ذكروا أنه كان باختياره فهو حق لا شك بدليل هذا الحديث، لأنه سلك فجاً يسلك الشيطان فجاً غيره، وكلّ فج يكون مقابلاً ومناقضاً لفج الشيطان فهو فج الحق لا شك، وهذا من الإلزاميات العجيبة التي ليس لهم جواب عن هذا ألبتة ».(١)

وإذا كان لابن روزبهان أن يجعل هذا الحديث من جملة الإِلزاميات التي ليس للشيعة جواب!! بالرغم من:

(١) أنه حديث موضوع كما ثبت في كتاب ( شوارق النصوص ).

و (٢) أنه حديث متفرد به أهل السنة.

و (٣) أنه اشتمل على قول النساء له « أنت أفظ وأغلظ ».

و (٤) أنه اشتمل على قول عمر لهنّ « أي عدوّات أنفسهن ».

و (٥) أنه يفيد أن النساء كنّ يهبن عمر ولا يهبن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و (٦) أنه يفيد رضى النبي بإعلائهنّ أصواتهنّ عنده واستنكار عمر ذلك.

فإن لنا إلزامهم بحديث ( النور ) الذي رويناه بطرق متكاثرة وألفاظ عديدة بالألوية، فضلاً عن أنه من الأحاديث المتفق عليها بين الفريقين.

والطّريف أن لأهل السنة في توجيه الحديث المذكور - لما فيه من الحط لمقام النبوة - تأويلات واهية وتوجيهات ركيكة، وقد تصدى ( الدهلوي ) أيضاً


لتصحيح معناه ببعض الأمثال ( الهندية ) الساقطة.

ولكن ثبت وتحقق وضع هذا الحديث في كتاب ( شوارق النصوص ) بالتفصيل.

فالعجب من هذا الرجل، كيف يستند إلى مثل هذا الحديث ويحتج به، جاعلاً إيّاه من الإِلزاميات العجيبة التي ليس للشيعة جواب عنها!!

(٣) أنه قال ( الدهلوي ):

« وذكر ابن يونس - وهو من كبار مجتهدي الشيعة - في ( الصراط المستقيم ) أن ابن جرير قد ألّف كتاباً في ( حديث الغدير ) وابن شاهين في ( المناقب ) وابن أبي شيبة في ( أخبار الامام وفضائله ) وأبو نعيم كتاب ( منقبة المطهرين ) وكتاب ( ما نزل من القرآن في فضل أمير المؤمنين ) وأبو المحاسن الروياني الشافعي كتاب ( الجعفريات ) والموفّق المكي كتاب ( الأربعين في فضائل أمير المؤمنين ) وابن مردويه كتاب ( رد الشمس في فضل علي ) والشيرازي ( نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين ) والامام أحمد بن حنبل ( كتاب مناقب أهل البيت ) والنسائي كتاب ( مناقب أمير المؤمنين ) والنطنزي كتاب ( الخصائص العلوية ) وابن المغازلي الشافعي كتاب ( مناقب أمير المؤمنين، ويسمى بـ - المراتب - أيضاً ) والبصري كتاب ( درجات أمير المؤمنين ) والخطيب كتاب ( الحدائق ).

وقال السيد المرتضى: سمعت عمر بن شاهين يقول: جمعت في فضائل علي ألف جزء. إنتهى نقلاً عن ترجمته(١) المسمى بأنوار العرفان للمعين القزويني الاثني عشري.

فالانصاف: أنه ليس للشيعة في الوجود تصانيف كهذه التصانيف المذكورة تتضمن فضائل أمير المؤمنين وأهل البيت، بل المتتبع لكتبهم يعلم أن علماء الشيعة في هذا الباب عيال على أهل السنة، فإنهم ينقلون عن تلكم الكتب. نعم لا يبعد أن يكون عندهم شيء في سائر الأئمة. يدل على ذلك كتاب ( كشف الغمة )

____________________

(١). طبع كتاب ( الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم ) في ايران في ثلاثة أجزاء.


و ( الفصول المهمة ) وغيرهما من كتب هذا الفن »(١) .

ويفهم من هذا الكلام صحة استدلال الشيعة برواياتهم الخاصة في فضائل أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم‌السلام ، وعلى هذا فإن احتجاج الشيعة بروايات حديث النور المنقولة آنفاً من طرقهم صحيح غير قابل للرد.

وأما زعم كون كتاب ( الفصول المهمة ) من كتب الشيعة - كما هو ظاهر عبارته - فبطلانه ظاهر، ويدل على ذلك تراجم أهل السنة لمؤلّفه ابن الصبّاغ المالكي، وسيأتي ذلك بالتفصيل في قسم ( حديث التشبيه ).

وأما نقل صاحب ( كشف الغمة ) عن كتبهم فليس إلّا إلزاماً لهم، وإلّا فإنّ تآليف علماء الشيعة في مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام أكثر من أن تذكر، ومن راجع كتاب ( غاية المرام ) وكتاب ( بحار الأنوار ) اطلع على أسماء بعض تلك الكتب.

(٤) أنه قال رشيد الدين خان تلميذ ( الدهلوي ) بعد كلامٍ له في كتابه ( شوكت عمريه ):

« إلّا أني لا يخالجني أيّ شك بالنسبة إلى الأحاديث التي يرويها الشيعة بطرقهم في مناقب الأئمة الأطهار ( إلّا إذا كان هناك قرينة ظاهرة على الوضع في حديث منها ) وإني لأضع هذه الأحاديث على الرأس والعين فضلاً عن نقلها ».

فحديث النور - إذن - من الأحاديث التي يسلّم بها ويضعها على الرأس والعين فليكن أتباعه ومقلّدوه كذلك

(٥) أنه قد أكثر ( الكابلي في الصواقع ) وهكذا ( الدهلوي ) وغيرهما من الاحتجاج بالأحاديث المروية من طرقهم خاصة، بل إنهم يستندون إلى ما اشتهر وضعه بحيث اعترف محققوهمٍ بذلك.

وإذا كان هذا صحيحاً فإن ( للشيعة ) أن يحتجوا برواياتهم أمام الخصم، وعليه أن يذعن بها ويخضع لمداليلها.

فهذا حديث النور ببعض أسانيده وألفاظه عند أهل السنة

____________________

(١). التحفة الاثنا عشرية - الباب الحادي عشر هامش التعصب الثالث عشر.


وهذا حديث النور ببعض أسانيده وألفاظه عند الشيعة الامامية

فهو حديث متفق عليه

فهل يسمع انكاره أو نسبة روايته إلى الإِمامية فحسب؟

وكما لا يسمع ذلك لا يسمع القدح في سنده بما أسّس على الباطل من أوّل يوم كما سترى

* * *


دحض القدح في سند

حديث النور



قوله:

« وهذا حديث موضوع بإجماع أهل السنة ».

أقول:

إنْ هذا إلّا إفك مبين، وإنكار للحقيقة الواضحة.

لقد اعتاد ( الدهلوي ) على الكذب والافتراء تقليداً لصاحب ( الصواقع ) وهذا يقبح من صغار أهل العلم فكيف بمثله وهو يدعي الامامة والزعامة الدينية!!

لقد ذكرنا - ولله الحمد - ما يبطل هذه الدعوى بالأدلة الواضحة والبراهين الجلية، وتبيّن ممّا تقدم أن هذا الحديث من روايات كبار علماء أهل السنة، فقد رووه كتبهم من غير تكلّم فيه أورد عليه

وهل يتلائم اتفاق هؤلاء الأئمة والحفّاظ على نقل هذا الحديث مع دعوى كونه موضوعاً بالاجماع منهم؟! أليس نقل الحديث الموضوع محرَّماً؟ و لقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من حدّث عني بحديثٍ يرى أنه كذب فهو


أحد الكاذبين »(١) .

فلو كانت دعواه هذه صحيحة لوجب الحكم بفسق هؤلاء الأئمة جميعاً، وانطباق الحديث الشريف عليهم، ولا يظن به الالتزام بذلك!!

( اضف إلى هذا إن جماعة من علمائهم احتجّوا بهذا الحديث الشريف ( حديث النور ) وآخرين نسبوه إلى الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جازمين بصدوره منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فهذه الدعوى باطلة قطعاً.

الأصل في هذه الدعوى

ثم إن الأصل في هذه الدعوى الكاذبة هو ( ابن الجوزي ) [ هذا الرجل الشهير بالتسرع في التضعيف، والإِفراط في الحكم، والمجازفة في الرأي، حتى أن بعضهم تكلّموا فيه وشنّعوا على كتابه كما لا يخفى على من راجع ( تذكرة الموضوعات ) ] فإنه الذي حكم بوضعه على دأبه، ثم اقتدى به ( ابن روزبهان ) واقتدى بهذا ( صاحب الصواقع ) وزاد عليه دعوى الإجماع، وقد تبعه ( الدهلوي ) في ذلك حسب عادته(٢) وسيأتي شرح ذلك.

ما هو ملاك التضعيف؟

وما هو ملاك تضعيف أيّ حديثٍ من الأحاديث؟ إنه لا يجوز الحكم بوضع حديث إلا إذا كان مخالفاً للكتاب والسنة ونحن نسأل: ما هي مخالفة حديث النور للكتاب أو السنة؟

____________________

(١). أخرجه مسلم ١ / ٥.

(٢). ولقد ثبت لدى المحققين ان كتاب ( التحفة الاثنا عشرية ) منحول من كتاب ( الصواقع ) لنصر الله الكابلي، غير أن هذا باللغة العربية و ( التحفة ) باللغة الفارسية.


ولقد كان على ( ابن الجوزي ) أن يقيم دليلاً على حكمه أو يذكر معارضاً لهذا الحديث - لو كان، كما فعل بالنسبة إلى حديث سد الأبواب مثلاً، حيث حاول ردّه وتضعيفه - ولو كان عنده هنا شيء لذكره.

كذب دعوى الاجماع مطلقا ً

فظهر بطلان دعوى الاجماع في المقام، بل عن الشافعي وأحمد بن حنبل وابن حزم الأندلسي وابن القيّم تكذيب دعوى الاجماع مطلقاً، قال الحافظ ابن حزم ما نصه:

« رحم الله أحمد بن حنبل فلقد صدق إذ يقول: من ادعى الاجماع فقد كذب. ما يدريه؟ لعل الناس اختلفوا، لكن ليقل: لا أعلم خلافاً هذه أخبار المرسي والأصم ».

ثم قال ابن حزم: « لا يحل دعوى الاجماع إلّا في موضعين: أحدهما: ما يتفق أن جميع الصحابة رضي الله عنهم عرفوه بنقل صحيح عنهم فأقرّوا به. والثاني: ما يكون من خالفه كافراً خارجاً عن الاسلام »(١) .

وقال ابن القيّم:

« وكذلك الشافعي أيضاً نصّ في رسالته الجديدة على أنّ ما لا يعلم فيه خلاف لا يقال له إجماع، ولفظه لا يعلم فيه خلاف، فليس إجماعاً.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما يدّعي فيه الرجل الاجماع فهو كذب »(٢) .

ترجمة ابن حزم:

ولنذكرها بعض الكلمات الواردة في ترجمة ابن حزم:

____________________

(١). المحلّى ٩ / ٦ مسألة الاقالة من كتاب البيوع، مسألة لا يحل الحكم بالقياس من كتاب الاقضية.

(٢). إعلام الموقعين ١ / ١١.


١ - قال صاحب ( المعجب ) ما ملخصه:

« كان أبو محمد الفقيه وزيراً لعبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر الملقب بالمستطهر بالله أخي المهدي المذكور آنفاً، ثم نبذ الوزارة وأطرحها اختياراً، وأقبل على قراءة العلوم وتقييد الأخبار والسنن، ونال من ذلك ما لم ينله أحد قبله بالأندلس، وكان على مذهب الامام أبي عبد الله الشافعي رحمه‌الله ، أقام على ذلك زماناً ثم انتقل إلى القول بالظاهر وأفرط في ذلك، وله مصنفات كثيرة جليلة القدر، شريفة المقصد في أصول الفقه وفروعه على مهيعة الذي يسلكه ومذهبه الذي يتقلده وهو مذهب داود بن علي، بلغني عن غير واحد من علماء الأندلس أن مبلغ تصانيفه في الفقه والحديث والأصول والملل والنحل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والرد على الخالفين له نحو من أربعمائة مجلد، وهذا شيء ما علمناه لأحدٍ ممن كان في مدة الاسلام قبله، إلّا لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري، وهذا لا يتهيأ لمخلوق إلّا بكرم عناية الباري تعالى وحسن تأييده له، ولأبي محمد ابن حزم بعد هذا نصيب وافر من علم النحو واللغة، وقسم صالح من قرض الشعر وصناعة الخطابة.

وإنما أوردت هذه النبذة من أخبار هذا الرجل لأنه أشهر علماء الأندلس اليوم، وأكثرهم ذكراً في مجالس الرؤساء وعلى ألسنة العلماء، وذلك لمخالفته مذهب مالك بالمغرب، وقد كثر أهل مذهبه وأتباعه عندنا بالأندلس اليوم ».

٢ - وذكره صديق حسن في المجتهدين قائلاً ما ملخصه:

« ومنهم الامام أبو محمّد ابن حزم الظاهري، قال: لو علمت أن أحداً على وجه الأرض أعلم مني قرآناً وحديثاً لرحلت إليه.

قال الشيخ الأكبر في الفتوحات في الباب الثالث والعشرين ومائتين: غاية الوصلة أن يكون الشيء عين ما ظهر ولا يعرف أنه هو، كما رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه وسلّم وقد عانق أبا محمد ابن حزم المحدّث، فغاب الواحد في الآخر فلم يزالا واحداً هو ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فهذه غاية الوصلة وهي المعبر عنها بالاتحاد - انتهى.


ولم تحصل تلك الوصلة لابن حزم إلّا من جهة اعتصامه بالسنّة وانتصارها وصلابته في التمسك بها »(١) .

قوله:

« وفي إسناده ( محمد بن خلف المروزي ) قال يحيى بن معين: هو كذاب وقال الدار قطني: متروك ولم يختلف أحد في كذبه.

ويروى من طريق آخر، وفيه: ( جعفر بن أحمد ) وكان رافضياً غالياً كذاباً، وضاعاً، وكان أكثر ما يضع في قدح الأصحاب وسبّهم ».

أقول:

لا يخفى على الباحث المحقق عدم وقوع ( محمّد بن خلف ) في شيء من أسانيد هذا الحديث أصلاً، كما سنوضحه إن شاء الله، كما أن ( جعفر بن محمّد ) ليس من رواته في طرق الشيعة.

وكأن ( الدهلوي ) وسلفه قصدوا من وراء هذه الدعوى الكاذبة حصر هذا الحديث المشهور بسندين، ثم أتوا على كلٍ منهما بطعن يسقطه عن الاعتبار، ليفقد - بالتالي - مكانته المرموقة في الأحاديث التي يستند اليها الشيعة في إثبات إمامة أمير المؤمنين وخلافته بعد رسول الله سلام الله عليهما.

إن من تتبع طرق هذا الحديث المستفيض المعتبر - والذي أثبت صحته الحافظ شمس الدين سبط ابن الجوزي - بل المقطوع بصدوره، يعلم أن الرجلين المذكورين ليسا من رجال هذا الحديث في أسانيد كبار أئمة الحفاظ والأئمة، كأحمد، وابنه عبد الله، وابن المغازلي، والخطيب الخوارزمي، والنطنزي، والعاصمي، والحمويني

____________________

(١). الجنة في الاسوة الحسنة بالسنة - في ذكر المجتهدين.


على أن من المسلّم بينهم أن ورود حديث صحيح بطريق آخر - فرض فيه شيء من الضعف - يفيده زيادة في القوة سنداً ودلالة.

فظهر أن القادح في حديث النور بظن وقوع أحد الرجلين فيه إما مكابر مختبط، أو أعفك سفيه.

منشأ الغلط

ثم إن منشأ هذا الغلط هو: أنّه لما نقل ( العلّامة الحلي ) هذا الحديث عن أحمد وابن المغازلي في كتابه ( نهج الحق وكشف الصدق ) وجد ابن روزبهان صاحب ( الباطل ) نفسه عاجزاً عن الجواب، فاحتال حيلة فاضحة وقال:

« ذكر ابن الجوزي هذا الحديث بمعناه في كتاب ( الموضوعات ) وقال: هذا الحديث موضوع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمتهم به في الطريق الأول: محمّد بن خلف المروزي. قال يحيى بن معين: كذّاب، وقال الدار قطني:

متروك. وفي الطريق الثاني المتّهم به: جعفر بن احمد، وكان رافضياً كذاباً يضع الحديث في سبّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إنتهى ».

ويتضح نتيجة المقارنة - بين كلام العلامة وكلام ابن روزبهان - أن ( ابن روزبهان ) لم يدّع وقوع أحد من الرجلين المذكورين في سند الحديث الذي نقله ( العلامة )، بل نقل كلام ( ابن الجوزي ) ليوهم الناظرين أن الحديث المذكور في ( نهج الحق ) موضوع كذلك.

هذا كلام ( ابن روزبهان )، وجاء بعده ( الكابلي )، الآخذ أكثر ما عنده منه، فقال:

« وهو باطل لأنه موضوع باجماع أهل الخبر، وفي إسناده محمد بن خلف المروزي، قال يحيى بن معين هو كذاب، وقال الدار قطني: متروك ولم يختلف أحد في كذبه.

ويروى من طريق آخر وفيه جعفر بن أحمد، وكان رافضياً غالياً كذاباً،


وضاعاً، وكان اكثر ما يضع في قدح الصحابة وسبّهم »(١) .

فزاد الكابلي كلمة « لأنه موضوع بإجماع أهل الخبر »، وغيّر العبارة ليوهم أن هذا الرجل قد وقع في هذا الحديث بعينه.

وجاء ( الدهلوي ) المنتحل لعبارات ( الكابلي )، فزعم ذلك مع تغيير يسير في دعوى الاجماع.

نص عبارة ابن الجوزي وبيان تصرفاتهم فيها

وبعد فالحديث الذي وقع في إسناده ( محمد بن خلف المروزي ) غير حديث النور الذي نبحث عنه، فإن لفظه: « خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى ابن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة » . وإنْ كنت في ريب من ذلك فإليك نص عبارة ابن الجوزي فإنه قال في فضائل علي عليه‌السلام من كتابه:

« الحديث الأول في ما خلق منه علي بن أبي طالب:

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني علي بن الحسن بن محمد الدقاق، قال: ثنا محمد بن إسماعيل الوراق قال: ثنا إبراهيم ابن الحسين بن داود القطان قال: ثنا محمّد بن خلف المروزي، ثنا موسى ابن ابراهيم، ثنا موسى بن جعفر عن أبيه عن جدّه قال: رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة.

هذا حديث موضوع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمتهم به: المروزي: قال يحيى بن معين هو كذاب، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن حبان: كان مغفلاً يلقن فيتلقن فاستحق الترك.

و قد روى جعفر بن أحمد بن بيان عن محمّد بن عمر الطائي، عن أبيه، عن

____________________

(١). الصواقع - المطلب الرابع.


سفيان عن داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن نمير الحضرمي، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وعلي من نور وكنا عن يمين العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، ثم خلق الله آدم، فانقلبنا في أصلاب الرجال، ثم جعلنا في صلب عبد المطلب، ثم اشتق أسماءنا من اسمه، فالله محمود وأنا محمّد، والله الأعلى وعلي علي.

قال المصنف: هذا وضعه جعفر بن أحمد، وكان رافضياً يضع الحديث، قال ابن عدي: كان يتيقن أنه يضع »(١) .

فعلم من هذا ما يلي:

١ - إن دعوى وقوع ( محمد بن خلف المروزي ) في طريق حديث النور كاذبة.

٢ - إنه نسب إلى ( جعفر بن أحمد ) وضع الحديث، وابن روزبهان أضاف جملة « في سبّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

٣ - إن ابن روزبهان أضاف كلمة: « كذاباً ».

٤ - إن الكابلي أضاف إلى ما تقدم: « غالياً وضاعاً ».

٥ - إن الكابلي أضاف كلمة: « وكان أكثر ما يضع في قدح الصحابة وسبّهم ».

٦ - إن الكابلي أضاف ذلك كلّه أيضاً كلمة: « ولم يختلف أحد في كذبه ».

فهذه زيادات: [ أربع ] من ( الكابلي ) و [ اثنتان ] من ( ابن روزبهان ) شاركه فيهما ( الكابلي ) وليس لها وجود في كلام ( ابن الجوزي ).

كما علم أيضاً:

١ - إن ( ابن روزبهان ) نقل عن ( ابن الجوزي ) حكمه بأن ( ابن خلف ) كان وضاعاً للحديث، ولكن ( الكابلي ) لم يذكر ( ابن الجوزي ) لئلّا يتعقّب عليه.

____________________

(١). الموضوعات ١ / ٣٣٩ - ٣٤٠.


٢ - إن ( الكابلي ) نسب الحكم بوضعه إلى « إجماع أهل الخبر » بدل أن ينسبه إلى ( ابن الجوزي ).

٣ - إن ( الدهلوي ) ذكر: « اجماع أهل السنة » بدل « إجماع أهل الخبر ».

نظرة في كلام ابن الجوزي:

لقد جاء في عبارة ( الموضوعات ) عن ( ابن حبان ) قوله في ( المروزي ) « إنه كان مغفلاً يلقن فليتلقّن فاستحق الترك ». وهذا صريح في أنه لم يكن يتعمّد الوضع والكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى هذا يبطل ما نقله عن ( ابن معين ) من أنه « كذاب »، إذ لا وجه لرميه بالكذب بالنظر لما قاله ( ابن حبان ).

على أن أئمة أهل السنة قد صنعوا وشنّعوا على ( ابن معين )، لكثرة تحامله على الناس، فيجب التوقف عند جرحه، كما جاء في كتاب ( مناقب الشافعي ) للفخر الرازي في الكلام على ما كان منه بالنسبة إلى ( الشافعي ).

السمعاني

المروزي صدوق عند السمعاني

ثم إنه قد نصّ السمعاني على أن ( المروزي ) كان صدوقاً وهذا كلامه:

« فأمّا ببغداد درب يقال له ( درب المروزي ) أو ( محلة المراوزة )، وظني أنها من الكرخ. ومن هذه المحلة: أبو عبد الله محمّد بن خلف بن عبد السّلام الأعور المروزي، لأنه كان يسكن هذه المحلة، روى عن: يحيى بن هاشم السمسار، وعاصم بن علي، وعلي بن الجعد.

روى عنه: أبو عمرو عثمان بن احمد بن السماك، وعبد الصمد بن علي الطيبي، وأبو بكر محمّد بن عبد الله الشافعي.

وكان صدوقاً. مات في سنة احدى وثمانين ومائتين »(١) .

____________________

(١). الأنساب - المروزي.


المروزي صدوق عند الخطيب، ولا بأس به عند الدار قطني

كما وثّقه الحافظ الخطيب البغدادي، ونصّ على أنه كان صدوقاً، وأضاف « ذكره الدار قطني وقال لا بأس به » وهذا كلامه:

« محمّد بن خلف بن عبد السلام الأعور، يعرف بالمروزي لأنه كان يسكن محلّة المراوزة، حدّث عن: عاصم بن علي، وعلي بن جعد، وموسى بن ابراهيم المروزي وغيرهم.

روى عنه: أبو عمرو ابن السماك، وأبو العباس بن نجيح، وعبد الصمد الطيبي، وأبو بكر الشافعي وغيرهم.

وكان صدوقاً، ذكره الدار قطني وقال: لا بأس به، ونقل عن ابن قانع أنه مات سنة ٢١٨ »(١) .

هذا بالإِضافة إلى أنه من شيوخ أبي بكر الشافعي، وابن السماك، وابن نجيح وعبد الصمد الطيبي وهم من كبار أئمة أهل السنة.

فالحق: أنه كان صدوقاً لا كما عن ( ابن معين ). وأن ( الدار قطني ) نفى عنه البأس، لا أنه تركه كما زعموا. بل لقد أضاف ( الكابلي ) و ( الدهلوي ) « عدم الاختلاف في كذبه »، فإنْ أرادا أنه قاله الدارقطني ففرية فاحشة، وإنْ قالاه من عند أنفسهما فبطلانه أوضح وأظهر.

حديث « المروزي » أخرجه الخطيب وابن عساكر وقال الكنجي:

« حديث حسن »

ومما يزيد في بطلان كلام هؤلاء وضوحاً نص الحافظ الكنجي - بعد رواية حديث المروزي عن الحافظين ابن عساكر والخطيب - على أنه « حديث حسن » وهذا كلامه:

____________________

(١). تاريخ بغداد ٥ / ٢٣٥.


« أخبرنا يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي بحلب، والحافظ محمد بن محمود بن الحسن النجار ببغداد، والحافظ خالد بن يوسف النابلسي بدمشق: قالوا: أخبرنا الإِمام أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي بدمشق، أخبرنا القزاز، أخبرنا الحافظ أحمد بن علي بن ثابت الخطب، أخبرني أبو القاسم علي بن عثمان الدقاق، حدثنا محمد بن اسماعيل الورّاق، حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين ابن داود القطان سنة ٣١١ احدى عشرة وثلاثمائة، حدثنا محمّد بن خلف المروزي، حدّثنا موسى بن إبراهيم المروزي، حدثنا موسى بن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جدّه قال:

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى ابن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة.

قلت: هذا حديث حسن. هكذا رواه حافظ العراق في كتابه، وتابعه محدّث الشام، كما أخرجنا سواء »(١) .

أقول: أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه بترجمة ابراهيم بن الحسين القطّان(٢) وتابعه ابن عساكر حيث أخرجه من طريقه فقال:

« أخبرنا أبو الحسن بن قبيس وأبو منصور بنخيرون، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أخبرني أبو القاسم علي بن ابي(٣) عثمان الدقاق، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين بن داود القطّان ...»(٤) .

* * *

____________________

(١). كفاية الطالب ٣١٩.

(٢). تاريخ بغداد ٦ / ٥٩.

(٣). كذا.

(٤). ترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق ١ / ١٢٥.



دحض المعارضة بحديث الشافعي

في فضل الخلفاء



قوله:

« وعلى تقدير صحته فإنّه معارض بما هو أحسن منه في الجملة، وليس في إسناده من اتّهم بالكذب، وهو: ما رواه الشافعي بإسناده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: كنت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلمّا خلق أسكناه ظهره، ولم نزل ننتقل في الأصلاب الطاهرة حتى نقلني الله إلى صلب عبد الله، ونقل أبا بكر إلى صلب أبي قحافة، ونقل عمر إلى صلب الخطاب، ونقل عثمان إلى صلب عفان، ونقل عليا إلى صلب أبي طالب ».

أقول:

هذه المعارضة باطلة لوجوه:

١ - قوله « في الجملة »

قوله: « في الجملة » ظاهر في أن هذا الحديث أحسن من حديث النور -


الذي زعم انحصار روايته في طريقين - في الجملة، لا من جميع الوجوه.

إذن هذا الحديث قاصر عن المعارضة سنداً، لو سلّم الانحصار المزعوم.

٢ - لا يعارض ما لا سند له ما رواه الائمة

إن رواية أكابر علماء أهل السنة ونصوصهم تثبت صحة حديث ( النور )، فلا يلتفت إلى دعوى معارضته بحديثٍ عار عن السند، ولم يعرف رواته لنرى هل هم ثقات أو لا

٣ - نصّ بعضهم على ضعفه

لقد نص القاضي ثناء الله ( وهو باعتراف الدهلوي كما في إتحاف النبلاء: بيهقي زمانه في الحديث ) بعد أن نقل حديث النور وعارضه بحديث الشافعي - على ضعف هذا الحديث فقال ما ترجمته:

« وهذا الحديث وإنْ كان ضعيفاً إلّا أنه ليس في إسناده من يتّهم بالكذب »(١) .

والجدير بالإِشارة هنا: أن ( الكابلي ) اكتفى بالقول: « ليس في إسناده من يتهم بالكذب » واكتفى ( الدهلوي ) بقوله « في الجملة » كلّ ذلك لئلّا يصرحا بضعفه ولا يعترفا بالحق

٤ - استدلال الدهلوي به يخالف ما التزم به

لقد قال ( الدهلوي ) ما ملخصه:

« إن القاعدة المقررة لدى أهل السنة هي: أن كلّ حديث ورد في كتاب لم

____________________

(١). سيف مسلول، الحديث الثامن.


يلتزم صاحبه فيه بالصحة - كما فعل البخاري ومسلم وسائر أرباب الصحاح - فإنه غير صالح للاحتجاج »(١) .

ورواية الشافعي - هذه - لم نجدها في كتاب هذا شأنه، كما أنه لم ينص الشافعي - ولا غيره - على صحته بالخصوص.

فلم هذا السهو والذهول والخروج على القاعدة المقررة؟ وهل أنها محكّمة في ردّ فضائل علي عليه‌السلام ومرفوضة عند البحث في الروايات المزعوم ورودها في حق غيره؟

٥ - ما لا سند له لا يصغى إليه

قال ( الدهلوي ) في الجواب عما طعن به أبو بكر من تخلّفه عن جيش أُسامة و قد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لعن الله من تخلّف عنه » ما ملخصه:

« إن الحديث المعتبر لدى أهل السنة هو ما روي في كتب المحدثين المسندة مع الحكم بالصحة، وأما الحديث العاري عن السند فلا يصغون إليه أبداً »(٢) .

وحديث الشافعي ليس في الكتب المسندة التي ذلك شأنها فهو غير قابل للاستناد إليه، كما أنه مرسل لا سند له فكلّ حديث لم يذكر سنده فلا يصغى إليه - على حد تعبيره - وحينئذ لا يكفي القول بأن الشافعي رواه بسنده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا سيما مع عدم معرفة الكتاب الذي رواه فيه.

٦ - لا يجوز الاحتجاج به

ذكر ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) بأنه « قد التزم فيه بالنقل عن كتب

____________________

(١). التحفة: ٢١٣.

(٢). التحفة: ٢٦٦.


الشيعة خاصة، مستنداً إلى رواياتهم الصحيحة في كتبهم المعتبرة »(١) و « إن روايات كلّ فرقة لا تكون حجة على الفرقة الأخرى »(٢) .

٧ - لا يصح إلزام الخصم به

لقد صرّح ( والد الدهلوي ) بما ملخصه:

« لا تصح المناظرة مع الامامية والزيدية بأحاديث الصحيحين فضلاً عن غيرها »(٣) .

وعلى هذا أيضاً يسقط احتجاج ( الدهلوي ) بالحديث المذكور.

٨ - جواز ردّه حتى لو كان مسندا ً

وذكر رشيد الدين الدهلوي ما ملخصه:

« إن كل فرقة تذعن بالروايات المروية من طرقها وتقدح في الروايات المروية من طرق الفرقة المخالفة لها »(٤) .

وعلى ضوء هذا، فإن للإِمامية ردّ هذا الحديث ولو تم سنده.

وأما الفوائد الأخرى المستفادة من هذه الكلمات، فلا تخفى على المتتبع الفطن.

٩ - النص الكامل لهذا الحديث

ثم إنّ الأصل في نقل هذا الحديث الموضوع هو ( الملا عمر ) المنهمك في

____________________

[ ١ - ٢ ] التحفة الاثنا عشرية: ٢.

(٣). قرة العينين - خاتمة الكتاب.

(٤). شوكت عمريه - مقدمة الكتاب.


فضائل الخلفاء، وأخذه عنه ( المحب الطبري ) و ( صاحب الاكتفاء ) و ( ابن حجر المكي ) وهذا نص عبارة المحب الطبري:

« ذكر أنهم - أي الخلفاء الاربعة - والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا قبل آدم، ووصف كل منهم بصفة، والتحذير من سبّهم:

عن محمد بن إدريس الشافعي، بسنده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كنت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أنواراً علي يمين العرش قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلمّا خلق أسكنا ظهره، ولم نزل ننقل في الأصلاب الطاهرة، إلى أن نقلني الله إلى صلب عبد الله، ونقل أبا بكر إلى صلب أبي قحافة، ونقل عمر إلى صلب الخطاب، ونقل عثمان إلى صلب عفان، ونقل علياً إلى صلب أبي طالب، ثم اختارهم لي أصحاباً، فجعل أبا بكر صديقاً وعمر فاروقاً وعثمان ذا النورين وعلياً وصياً، فمن سبّ أصحابي فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله، ومن سبّ الله أكبّه الله في النار على منخريه.

أخرج الحافظ عمر بن خضر في سيرته »(١) .

وتجده بهذا اللفظ في ( الاكتفاء ) و ( الصواعق المحرقة ).

تصرفات الجماعة في الحديث

لقد ذكرنا نص الحديث وكأن واضعه لم يقصد - من وضعه إيّاه - إلّا جعل فضيلة للمشايخ الثلاثة، لكنه - مع ذلك - لم ترك ذكر سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فذكره ووصفه بالوصاية، كما جعل لكلٍ من أولئك وصفاً.

لكن الجماعة كالكابلي و ( الدهلوي ) تصرّفوا فيه ونحن ننبه على ذلك بالتفصيل:

١ - لقد أسقط ( الكابلي ) جملة « أنواراً على يمين العرش » أما ( ابن حجر ) فقد أسقط كلمة « أنواراً » وترك الباقي وجعل خبر ( كان ) قوله: « قبل أن يخلق »،

____________________

(١). الرياض النضرة ١ / ٤٤.


لكنّ ( الدهلوي ) لما رأى بشاعة العبارة وتفككها جعل بدل ذلك لفظ « بين يدي الله تعالى »، وجاء ( القاضي ) فتركها على علتها فلا « أنوارا » ولا « بين يدي الله تعالى ».!.!

٢ - لقد وجد ( الكابلي ) الحديث يشتمل في ذيله على لفظة « وعلياً وصياً » الدالة على وصاية أمير المؤمنين عليه‌السلام وخلافته، فالتجأ - في سبيل إسقاطها - إلى إسقاط الذيل بكاملة طرداً للباب.

وعلى هذا التدليس مشى كل من ( القاضي ) و ( الدهلوي ).

ثم لما ذا لم يذكر ( الكابلي ) الملّا عند نقله للحديث؟

إنه لم يذكره لأمرين وهما:

أ - إنه لو ذكره وصرّح بنقله عنه لدل ذلك على اعتماده عليه والركون إلى رواياته، وهذا يضرّه من جهات أخرى، فإن ( الملّا ) ممن روى حديث ( الطير ) وحديث ( التشبيه ) في سيرته، و ( الكابلي ) يسعى في ردّهما وإبطالهما.

مع أنه ينقل عنه لدى الجواب عن الاستدلال بآية المودة أكاذيب غريبة في فضل ابي بكر.

ب - إنه يقصد بذلك إظهار طول باعه وسعة اطلاعه لأتباعه، حتى يظنوا أنه قد عثر على أصل ( كتاب الشافعي ) ونقل عنه رأساً وبدون واسطة ( الملّا ).

بالمناسبة

و لقد قال ( الدهلوي ): « المطعن السابع: حديث مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أيّ قومٍ أنتم؟

قال عبد الرحمن بن عوف: كما أمرنا الله تعالى.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلا بل تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون ».

قال: « والجواب عنه: إن للحديث ذيلاً قد حذف واقتصر منه على مورد


الطعن، مع أن الذيل يوضّح المراد ويدفع الطعن، لكنه قد أسقط، وهذا من قبيل تمسك الملحد بكلمة ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ ) .

وسرقة الأحاديث في مثل هذا الموضع في غاية القبح.

وهذا هو الذيل: ثم تنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض »(١) .

أقول: فكيف ارتكب ( هو ) نفسه و ( القاضي ) تبعاً ( للكابلي ) بالنسبة إلى بعض الأحاديث الأخرى كالحديث الذي روياه عن ( أمالي(٢) السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه ) فتصرّفا فيه، وذكره ( الدهلوي ) مبتوراً عند الجواب عن حديث القرطاس

وأما انتحاله ( الصواقع ) في ( التحفة ) و ( مقاليد الاسانيد للثعالبي ) في ( بستان المحدثين ) و ( تفسير المهائمي ) في تفسيره ( فتح العزيز ) فمعروف

ثم من الذي أسقط ذيل الحديث السابق؟!

أما علماء الشيعة فقد نقلوه بتمامه من غير أن ينقصوا منه شيئاً، ففي ( كشف الحق للعلامة الحلي ) و ( الطرائف للسيد ابن طاوس الحلي ) ما نصه:

« روى الحميدي في ( الجمع بين الصحيحين ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص في الحديث الحادي عشر من أفراد مسلم، قال: إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أيّ قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن ابن عوف: نكون كما أمرنا رسول الله، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلا، بل تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون. وفي رواية: ثم تنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض ».

ثم قال العلامة: « وهذا ذم منه عليه‌السلام لأصحابه »(٣) .

وقال السيد ابن طاوس بعد نقله الحديث:

____________________

(١). التحفة / ٣٤٢.

(٢). الامالي ١ / ٧٧.

(٣). نهج الحق وكشف الصدق: ٣٢١.


« أنظر رحمك الله عز وجل إلى ما قد شهدوا به من ذم نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه، فكيف يستبعدون من قوم يكونون بهذه الصفات أن يخالفوا نبيهم في الحياة وبعد الوفاة »(١) .

وكيف يحذفونه وهو لا ينافي مطلوبهم؟

هذا على أن هذه الزيادة جاءت في لفظ آخر عند مسلم، فإنه قد روى الحديث مرة بدونها، وأخرى معها، وعليه فلا مجال للطعن على السيد والعلامة لو لم يذكراها

كما أن ( الكابلي ) أضاف الذيل قائلاً: « وفي رواية »(٢) .

١٠ - من تحكّماتهم في المقام

زعمهم عدم وجود « من يتّهم بالكذب » في إسناده تحكم محض، نعم لو ذكروا رجاله ثمّ وثّقوهم بكلمات علماء الرجال لكان لما ذكروا وجه.

١١ - النظر في وثاقة الشافعي

ثم إن في وثاقة الشافعي وعدالته وجوهاً من النظر، ونحن نكتفي هنا بالاشارة إلى بعضها:

١ - إنه أثنى على شيخه ( مالك ) وقال: « إذا ذكر أهل الأثر فمالك النجم »(٣) . وقال: « كان مالك إذا شك في شيء من الحديث ترك كلّه » وقال: « لو لا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز » إلى غير ذلك.

وهو مع ذلك خالفه في كثير من المواضع، وردّ عليه، وانتقده وهذا

____________________

(١). الطرائف - مبحث ما خالف فيه الصحابة رسول الله «ص».

(٢). الصواقع - في ذكر مطاعن الصحابة.

(٣). مناقب الشافعي - الفصل الثالث من الكتاب.


الأمر يسبب ضعفه ويؤدي إلى جرحه، ولذا قال الفخر الرازي - بعد ما حاول الدفاع عنه بالأساليب المختلفة -:

« ولو كان الأمر كذلك فكيف جاز للشافعي أن يتمسك بروايات مالك رحمهما الله تعالى؟ وكيف يجوز أن يقول: إذا ذكر أهل الأثر فمالك النجم ».

وهذا نص كلام الرازي بطوله: « الفصل الثالث في ثناء الشافعي على أستاذيه ومشايخه: كان يقول: لو لا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز. وقال: إذا ذكر أهل الأثر فمالك النجم. وقال: كان مالك إذا شك في شيء من الحديث ترك كله. وحكى الشافعي أنه اجتمع مالك وأبو يوسف عند الرشيد فتكلّما في الوقوف وما يحبسه الناس فقال يعقوب: هذا باطل، لأن محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء بإطلاق الحبس، فقال مالك: إنّما جاء بإطلاق ما كانوا يحبسونه لآلهتهم من البحيرة والسّائبة، أمّا الوقوف فهذا وقف عمر بن الخطاب حين استأذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: احبس الاصل وسبّل الثمرة ولهذا وقف الزبير، فأعجب الخليفة هذا الكلام ونفى يعقوب.

وكان الشافعي يقول: ما أعلم بعد كتاب الله أصح من موطّأ مالك. وقيل للشافعي: هل رأيت أحدا ممن أدركت مثل مالك بن أنس؟ فقال: سمعت من تقدّمنا في السن والعلم يقولون: ما رأينا مثل مالك، فكيف نرى نحن مثله! قال الشافعي: إن مالكا كان مقدّماً عند أهل العلم بالمدينة والحجاز والعراق في الفضل، ومعروفا عندهم بالإِتقان في الحديث ومجالسة العلماء، وكان ابن عيينة إذا ذكره رفع ذكره وحدّث عنه، وكان مسلم بن خالد الزنجي - وهو مفتي أهل مكة وعالمهم في زمانه - يقول: جالست مالك بن أنس في حياة جماعة من التابعين.

فانْ قال قائل: لما كان حال مالك في العلم والدين ما ذكرتم، وكان تعظيم الاستاذ واجباً على كلّ مسلم فكيف أقدم الشافعي على مخالفته؟ وكيف جوّز من نفسه أن يضع الكتاب عليه؟

فالجواب قال البيهقي: قرأت في كتاب أبي يحيى زكريا بن يحيى الساجي: إن الشافعي إنما وضع الكتاب على مالك لأنه بلغه أن بالأندلس قلنسوة لمالك يستشفى بها، وكان يقال لهم: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقولون:


قال مالك، فقال الشافعي: إنما مالك آدمي قد يخطئ ويغلط، فصار ذلك داعياً للشافعي إلى أن وضع الكتاب على مالك، وكان يقول: كرهت أن أفعل ذلك، ولكني استخرت الله تعالى فيه سنة. وقال الربيع: سمعت الشافعي: يقول قدمت مصراً ولا أعرف أن مالكاً يخالف من أحاديثه إلّا ستة عشر حديثاً، فنظرت فإذا هو يقول بالأصل ويدع الفرع، ويقول بالفرع ويدع الأصل.

وأقول: إن أرسطاطاليس الحكيم تعلّم الحكمة من أفلاطون ثم خالفه، فقيل له: كيف فعلت ذلك؟ فقال: أستاذي صديقي والحق صديقي وإذا تنازعا فالحق أولى بالصداقة. فهذا المعنى بعينه هو الذي حمل الشافعي على إظهار مخالفة مالك.

والذي يدل على صحّة ما ذكرناه: إن الكتاب الذي وضع الشافعي على مالك قال في أوله: إذا قلت حدّث الثقة عن الثقة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو ثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يترك إلّا إذا وجد حديث يخالفه، وإذا اختلفت الأحاديث فللاختلاف فيها وجهان: أحدهما: أن يكون فيها ناسخ ومنسوخ، فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ. والآخر: أن لا يتميز الناسخ عن المنسوخ، فههنا نذهب إلى أثبت الروايتين، وإذا تكافأتا ذهبت إلى أشبه الحديث بكتاب الله أو أشبههما بحديث آخر، وإذا ثبت الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يخالفه حديث آخر، وكان يروى عن غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث يخالفه لم ألتفت إلى ما خالفه، فحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى أن يؤخذ به، وإن كان روى عن غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث يوافقه لم يزده قوة، وحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستغن عنه.

ولمـّا قرّر الشافعي هذه القاعدة ذكر أن مالكاً اعتبر هذه القاعدة في بعض المواضع دون بعض، ثم ذكر المسائل التي ترك الأخبار الصحيحة فيها بقول واحد من الصحابة، أو بقول واحد من التابعين، أو لرأي نفسه، ثم ذكر ما ترك فيه من أقاويل الصحابة لرأي بعض التابعين، أو لرأي نفسه، وذلك أنه ربما يدعي الاجماع وهو مختلف فيه. ثم بيّن الشافعي أنه ادعى أن إجماع أهل المدينة حجة،


وأنه قول ضعيف، وذكر في هذا الباب أمثلة.

منها: إن مالكاً قال: أجمع الناس على أن سجود القرآن إحدى عشرة سجدة وليس في المفصل منها شيء ثم قال الشافعي: قد روي عن أبي هريرة أنه سجد في ( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) وأن عمر بن الخطاب سجد في ( النَّجْمِ إِذا هَوى ) فقد نرى السجود في المفصل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن عمر، وعن أبي هريرة. فليت شعري أيّ الناس من الذين أجمعوا على أنْ لا سجدة في المفصل! ثم بيّن أن أكثر الفقهاء ذهبوا إلى أن في المفصل سجوداً.

ومنها: إن مالكا زعم أن الناس أجمعوا على أن لا سجدة في الحج إلّا مرة واحدة، وهو يروي عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في الحج سجدتين. ثم قال الشافعي: وليت شعري من هؤلاء المجمعون الذين لا يسمّون؟ فإنا لا نعرفهم ولا يكلّف الله أحداً أن يأخذ دينه عمّن لا يعرفه.

ومنها: ما أخبرنا مالك عن أبي الزبير، عن عطا بن أبي رباح، عن ابن عباس: أنه سئل عن رجل واقع أهله وهو بمنى قبل أن يفيض، فأمره أن ينحر بدنة. قال الشافعي: وبهذا نأخذ. وقال مالك: عليه عمرة وحجة تامة وبدنه. ورواه عن ربيعة وعن ثور ابن زيد عن عكرمة يظنه عن ابن عباس، فإنْ كان قد ترك قول ابن عباس لرأي ربيعة فهو خطأ، وإنْ تركه لرأي عكرمة فهو يسيء القول في عكرمة، لا يرى لأحد أن يقبل حديثه. وهو يروي عن سفيان عن عطا عن ابن عباس خلافه. وعطا ثقة عنده وعند الناس. قال الشافعي: والعجب أنه يقول في عكرمة ما يقول، ثم يحتاج إلى شيء من علمه يوافق قوله، فيسميه مرة ويسكت عنه أخرى، فيروى عن ثور بن زيد عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره، ويسكت عن ذكر عكرمة، وإنما يحدثه ثور عن عكرمة، وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا منها.

فهذه حكاية بعض ما ذكره الشافعي في كتابه الذي وضعه على مالك.

ولقائلٍ أن يقول: حاصل هذه الاعترافات ترجع إلى حرفين:

الأول: إن مالكاً يروي الحديث الصحيح ثم إنه يترك العمل به، لأن أهل المدينة تركوا العمل به، وهذا يقتضي عمل علماء المدينة على خلاف قول رسول


الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنه لا يجوز.

ولمالك أن يجيب عنه فيقول: هذه الأحاديث ما وصلت إلينا إلّا برواية علماء المدينة، فهؤلاء إما أن يكونوا عدولاً أو لا يكونوا.

فإن كانوا من العدول وجب أن يعتقد أنهم تركوا العمل بذلك الحديث لاطّلاعهم على ضعف فيه، إمّا لأجل الضعف في الرواية أو لأجل أنه وجد ناسخ أو مخصّص، وعلى جميع التقديرات فترك العمل به واجب. فإن قالوا: فلعلّهم اعتقدوا في ذلك الحديث تأويلاً خطأ، فلأجل ذلك التأويل الخطأ تركوا العمل به، وعلى هذا التقدير لا يلزم من تركهم العمل بالحديث حصول ضعف فيه. قلنا: إن علماء المدينة الذين كانوا قبل مالك كانوا أقرب الناس إلى زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأشدهم مخالطة للصحابة، وأقواهم رغبة في الدين، وأبعدهم عن الميل إلى الباطل، فيبعد اتفاق جمهور علماء المدينة على تأويل فاسد.

وأما إن قلنا ان علماء المدينة ليسوا بعدول، لكان الطعن فيهم يوجب الطعن في الحديث. فثبت بهذا الطريق أن الدليل الذي ذكرناه يقتضي ترجيح عمل علماء المدينة على ظاهر خبر الواحد، وليس هذا قولا بأن إجماعهم حجة، بل هو قول بأن عملهم إذا كان على خلاف ظاهر الحديث أورث ذلك قدحاً وضعفاً في الحديث.

ومما يؤيد ما ذكرناه ما روى البيهقي في كتاب مناقب الشافعي رضي‌الله‌عنه باسناده عن يونس بن عبد الأعلى قال: ناظرت الشافعي رضي‌الله‌عنه في شيء فقال: والله ما أقول لك إلّا نصحاً، إذا وجدت أهل المدينة على شيء فلا يدخلنّ، قلبك شك أنه الحق، وكلّ ما جال في صدرك وقوى كلّ القوة لكنك لم تجد له في المدينة أصلاً وإنْ ضعف فلا تعبأ به ولا تلتفت إليه.

وأقول: هذا الكلام صريح في تقرير مذهب مالك رحمه الله تعالى

وأما الاعتراض الثاني وهو أنّ مالكاً رحمه‌الله إذا احتاج إلى التمسك بقول عكرمة ذكره، وإذا لم يحتج إليه تركه، فهذا إنْ صحّ عن مالك أورث ذلك ضعفاً في روايته وفي ديانته، ولو كان الأمر كذلك فكيف جاز للشافعي أن يتمسك بروايات مالك رحمهما الله تعالى؟ وكيف يجوز أن يقول: إذا ذكر الأثر فمالك


النجم؟

هذا جملة ما يتعلق بهذا البحث ».

٢ - لقد كان الشافعي يقول بإمامة هارون الرشيد ويعتقد بها، ويخاطبه بـ ( أمير المؤمنين ) وهذا الأمر من قوادح الشافعي العظيمة، ولننقل ما ذكره الحافظ أبو نعيم في ( الحلية ) بترجمة الشافعي:

« حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد، ثنا أبو عمرو عثمان بن عبد الله المديني، ثنا أحمد بن موسى الجار قال قال أبو عبد الله محمد بن سهل الأموي: ثنا عبد الله ابن محمد البلوي قال: لما جيء بأبي عبد الله محمد بن إدريس إلى العراق، أدخل إليها ليلاً على بغل بلا قتب وعليه طيلسان مطبّق وفي رجليه حديد، وذلك أنه كان من أصحاب عبد الله بن الحسن بن الحسن، وأصبح الناس في يوم الاثنين لعشر خلون من شعبان من سنة أربع وثمانين ومائة، وكان قد اعتود على هارون الرشيد أبو يوسف القاضي وكان قاضي القضاة، وكان على المظالم محمّد بن الحسن، فكان الرشيد يصدر عن رأيهما ويتفقه بقراءتهما، فسارا في ذلك اليوم إلى الرشيد فأخبراه بمكان الشافعي وانبسطا جميعاً في الكلام فقال محمّد بن الحسن:

الحمد لله الذي مكّن لك في البلاد، وملكك رقاب العباد من كل باغ وعاد إلى يوم المعاد، لا زلت مسموعاً لك ومطاعاً، فقد علت الدعوة وظهر أمر الله وهم كارهون، وإنّ جماعة من أصحاب عبد الله بن الحسن اجتمعت وهم متفرقون، وقد أتاك عنق ينوب عن الجميع وهو على الباب يقال له: محمّد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، يزعم أنه أحق بهذا الأمر منك، حاش لله، ثم إنه يدّعي ما لم يبلغه ولا يشهد له بذلك قدمه، وله لسان ومنطق ورواء وسيخلبك بلسانه وأنا خائف منه، كفاك الله مهماتك وأقال عثراتك. ثم أمسك.

فأقبل الرشيد على أبي يوسف فقال: يا يعقوب، قال: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال: أنكرت من مقالة محمّد شيئاً؟ فقال له أبو يوسف: محمّد صادق فيما قال، والرجل كما حكى. فقال الرشيد: لا خير بعد شاهدين ولا اقرار أبلغ من المحنة. وكفى بالمرء إثماً أن يشهد بشهادة يخفيها عن خصمه، فعلى رسلكما لا تبرحان.


ثم أمر بالشافعي فأدخل، فوضع بين يديه بالحديد الذي كان في رجليه، فلمّا استقرّ به المجلس ورمى القوم إليه بأبصارهم رمى الشافعي بطرفه نحو أمير المؤمنين وأشار بكفه كلّه مسلّما فقال:

السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة وبركاته.

فقال الرشيد: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، بدأت بسنه لم تؤمر بإقامتها، ورددنا فريضة قامت بذاتها، ومن أعجب العجب أنك تكلّمت في مجلسي بغير إذني.

فقال الشافعي: يا أمير المؤمنين إنّ الله جل وعز قال: ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) وهو الذي إذا وعد وفى، فقد مكنني في أرضه وآمنني بعد خوفي يا أمير المؤمنين.

فقال له الرشيد: أجل قد آمنك الله إذْ أمنتك.

فقال الشافعي: قد حدّثتك أنك لا تقتل قومك صبراً، ولا تزدريهم بهجرتك غدراً، ولا تكذّبهم إذ أقاموا لديك عذراً.

فقال له الرشيد: هو كذلك، فما عذرك مع ما أرى من حالك وتسييرك من حجازك إلى عراقنا التي فتحها الله علينا، بعد أن بغى صاحبك ثم اتبعه الأرذال وأنت رئيسهم، فما ينفع لك القول مع إقامة الحجة، ولن يضرّ الشهادة مع إظهار التوبة.

فقال له الشافعي: يا أمير المؤمنين أما إذا استنطقتني الكلام فسأتكلّم على العدل والنصفة.

فقال الرشيد: ذلك لك.

فقال الشافعي: والله يا أمير المؤمنين لو اتسع الكلام على ما بي لما شكوت لك، الكلام مع ثقل الحديد يعذر، فإنْ جدت عليَّ بفكّه أفصحت عن نفسي، وإنْ كانت الأخرى فيدك العليا ويدي السفلى، والله غني حميد.

فقال الرشيد لغلامه: يا سراح، خلّ عنه. فأخذ ما في قدميه من الحديد فجثا على ركبته اليسرى ونصب اليمنى وابتدر الكلام فقال:


والله يا أمير المؤمنين، لأن يحشرني الله تحت راية عبد الله بن الحسن - وهو من قد علمت، وشيخ قرابة لا تنكر عند اختلاف الأهواء، وتفرّق الآراء - أحب إليّ وإلى كلّ مؤمن من أن يحشرني تحت راية قطري بن الفجأة المازني، وكان الرشيد متكئاً فاستوى جالساً وقال:

صدقت وبررت، لأن تكون تحت راية رجل من أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقاربه إذا اختلف الأهواء، خير من أن تحشر تحت راية خارجى حنفي يأخذه الله بغتة. وخبّرني يا شافعي: ما حجتك على أن قريشاً كلّها أئمة وأنت منهم؟.

قال الشافعي: قد افتريت على الله كذباً يا أمير المؤمنين إنْ نصبت نفسي لها، وهذه كلمة ما سبقت بها قط، والذين حكوها لأمير المؤمنين فاطلبهم معاينة، فإن الشهادة لا تجوز إلّا كذلك.

فنظر أمير المؤمنين إليهما، فلمّا رآهما لا يتكلّمان علم ما في ذلك، فأمسك عنهما ثم قال له الرشيد: قد صدقت يا ابن إدريس، فكيف بصرك بكتاب الله تعالى؟

فقال له الشافعي: عن أيّ كتاب الله تسألني؟ إن الله أنزل ثلاثاً وسبعين كتاباً على خمسة أنبياء، وأنزل كتاب موعظة النبي، فكان سادساً، أوّلهم آدم عليه‌السلام ، عليه أنزل ثلاثون صحيفة كلّها أمثال. وأنزل على أخنوخ وهو إدريس ستة عشر صحيفة كلّها حكم وعلم الملكوت الأعلى. وأنزل على إبراهيم ثمانية صحف كلّها حكم وعلم الملكوت الأعلى. وأنزل على إبراهيم ثمانية صحف كلّها حكم مفصلة فيها فرائض ونذر. وأنزل على موسى التوراة فيها تخويف وموعظة. وأنزل على عيسى الإِنجيل ليبيّن لبني إسرائيل ما اختلفوا فيه من التوراة. وأنزل على داود كتاباً كلّه دعاء وموعظة لنفسه حتى يخلصه به من خطيئته لا حكم لنا فيه وايقاظ لداود ولقاريه من بعد. وأنزل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن وجمع فيه سائر الكتب فقال ( تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ) .

فقال له الرشيد: فصّل لي كتاب الله المنزل على ابن عمي رسول الله صلّى


الله عليه وسلّم، الذي دعانا إلى قبوله وأمرنا بالعمل بمحكمه والايمان بمتشابهه.

فقال: عن أية آية تسألني، عن محكمه أو متشابهه، أم عن تقديمه أو تأخيره، أم عن ناسخه أم عن منسوخه، أم عمّا ثبت حكمه ونسخت تلاوته، أم عمّا ثبت تلاوته وارتفع حكمه، أم عمّا ضربه الله مثلاً أم عمّا ضربه الله اعتباراً، أم عمّا أمضى ما فيه فعال الأمم الماضية، أم عمّا قصدنا الله من فعلهم تحذيراً؟ قال:

فما زال حتى عدله الشافعي ثلاثا وسبعين حكما في القرآن.

فقال له الرشيد: ويحك يا شافعي، أفكل هذا يحيط به علمك؟

فقال يا أمير المؤمنين: المحنة على العالم كالنار على الفضة، تخرج جودتها من رداءتها، فها أنا ذا فامتحن.

فقال له الرشيد: ما أحسن أن أعيد ما قلت، فسأسألك بعد هذا المجلس إنْ شاء الله تعالى.

قال له: كيف بصرك بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فقال له الشافعي: إني لأعرف منها يا أمير المؤمنين ما خرج على وجه الإِيجاب لا يجوز تركه، كما لا يجوز ترك ما أوجبه الله في القرآن، وما خرج على وجه التأديب، وما خرج على وجه الخاص لا يشرك فيه العام، وما خرج على وجه العموم يدخل فيه الخصوص، وما خرج جوابا عن سؤال سائل ليس لغيره استعماله، وما خرج منه ابتداء لازدحام العلوم في صدره، وما جعله في خاصة نفسه وافتدى به الخاصة والعامة، وما خصّ به نفسه دون الناس كلهم مع ما لا ينبغي ذكره، لأنه أسقطه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكراً.

فقال: أجدت الترتيب يا شافعي لسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأحسنت موضعها بوصفها، فلما حاجتنا إلى التكرار عليك، ونحن نعلم ومن حضر أنك نصابها.

فقال له الشافعي: فلك من فضل الله علينا وعلى الناس، وإنما شرّفنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبك.


فقال: كيف بصرك بالعربية؟ قال: مبداتنا وطباعنا بها تقدمت، وألسنتنا بها جرت، فصارت كالحياة لا تتم إلّا بالسلامة، وكذلك العربية لا تسلم إلّا لأهلها، ولقد ولدت وما أعرف اللحن، فكنت كمن سلم من الداء ما سلم له الدواء وعاش متكاملا، وبذلك شهد لي القرآن فقال ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ) يعني قريشاً، وأنت وأنا منهم يا أمير المؤمنين، فالعنصر رصيف والجرثومة منيعة شامخة، أنت أصل ونحن فرع، وهو صلّى الله عليه مفسّر ومبيّن، به اجتمعت أحبائنا، فنحن بنو الإسلام بذلك ندعى وننسب.

فقال الرشيد: صدقت وبارك الله فيك ».

وقال الرازي: « الفصل الثالث في مناظرة جرت بينه وبين محمّد بن الحسن في هذه الواقعة، ذكروا: أن الشافعي رضي‌الله‌عنه لما حضر مع العلويين من اليمن وحضر باب الرشيد اتفق أن كان ذلك في وهن من الليل، فكانوا يدخلون عشرة عشرة منهم على الرشيد، فجعل يقيم واحداً واحداً منهم ويتكلّم من داخل الستر، ويأمر بضرب عنقه.

قال الشافعي رحمه الله تعالى : فلمّا انتهى الأمر إليّ قلت: يا أمير المؤمنين عبدك وخادمك محمد بن ادريس. قال: يا غلام، إضرب عنقه. قلت يا أمير المؤمنين كأنك اتهمتني بالانحراف عنك والميل إلى العلوية، وسأضرب مثلاً في هذا المعنى، ما تقول يا أمير المؤمنين في رجل له ابنا عم أحدهما خلطه بنفسه وأشركه في نسبه وزعم أن ماله حرام عليه إلّا باذنه، وأن ابنته حرام عليه إلّا بتزويجه. والآخر يزعم أنه دونه كالعبد له، فهذا الرجل إلى أيّهما يميل؟ فهذا مثلك ومثل هؤلاء العلويين. فاستعاد الرشيد هذا القول ثلاث مرات، وكنت أعبّر عن هذا المعنى بألفاظ مختلفة ».

هذا، ومن المعلوم أن ( هارون الرشيد ) إمام باطل، وأن جرائمه قد سوّدت وجه التاريخ، وموبقاته أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر. ولا شك في أن من رضي بهكذا إمام فهو كافر، صرّح به جماعة منهم: أبو شكور محمّد بن عبد السعيد السلمي الحنفي في ( التمهيد في بيان التوحيد ).


١٢ - أمارات الوضع على هذا الحديث لائحة

إن أمارات الوضع والاختلاق ظاهرة على هذا الحديث:

فمنها : إن تقدّم الثلاثة في الخلق على آدم عليه‌السلام يستلزم تفضيلهم عليه وعلى سائر الأنبياء ( عدا نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وهذا باطل بالاجماع.

ومنها : إن هؤلاء قد ثبت كفرهم وعبادتهم للأصنام قبل بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما ثبت - بالضرورة - محاربتهم له وقيامهم عليه، ولو أنهم نفوا هذا عن الأول منهم فزعموا إسلامه، فإنه بالنسبة إلى الآخرين من الضروريات التي لا كلام لأحد فيها، فمن كان هذا حاله كيف يصح أن يكون مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يمين العرش، ومخلوقا مما خلق صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه؟

ومنها: إن من المسلّم به الثابت عند الكلّ كفر آباء الثلاثة، ولو ثبت إسلام أبي قحافة في الظاهر فلا ريب في كفر والدي الثاني والثالث وموتهما على ذلك.

فكيف تكون هذه الاصلاب طاهرة كما يدّعي واضع الحديث؟ وكيف يصح صدور مثل هذا الكذب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!!.

فالعجب من هؤلاء كيف يعتمدون على مثل هذا، وهم يردّون الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل علي عليه‌السلام ، أمثال حديث ( الطير ) و ( الولاية ) و ( مدينة العلم ) ...؟!

إلا أنه لا مجال للتعجب من ( الدهلوي )، لأنه قد اعترف بضعفه « في الجملة »، ولأن تعصبه يبعثه على أن يحاول ردّ استدلالات الشيعة مهما أوتي من حول وقوة وإنما نتعجب من الشافعي كيف روى هذه الخرافة!!

١٣ - حديث موضوع آخر في فضل الشيخين

لقد روى بعضهم حديثاً في باب فضائل عمر عن أبي هريرة يفيد: أن الله


خلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نور، وخلق أبا بكر من نوره، وخلق عمر من نور أبي بكر. وهذا الحديث موضوع عند محققي أهل السنة.

وإليك نصه وما قيل فيه:

قال السيوطي: « أبو نعيم في أماليه حدثنا محمّد بن محمّد بن عمرو بن زيد إملاءً، حدثنا أحمد بن يوسف، حدثنا أبو شعيب صالح بن زياد، حدثنا أحمد بن يوسف المنبجي، حدثنا أبو شعيب السوسي عن الهيثم بن جميل عن المقبري عن أبي معشر عن أبي هريرة مرفوعا:

خلقني الله من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، فخلق أمتي من نور عمر، وعمر سراج أهل الجنة.

قال أبو نعيم: هذا باطل، أبو معشر وأبو شعيب متروكون.

وقال في الميزان: هذا خبر كذب، ما حدّث به واحد من الثلاثة، وإنما الآفة عندي فيه المنبجي لا يعرف »(١) .

و في ( تنزيه الشريعة ) ما نصه:

« خلقني الله من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، وخلق أمتي من نور عمر وعمر سراج أهل الجنة.

نع في أماليه عن أبي هريرة وقال: هذا باطل.

وقال الذهبي: هذا كذب »(٢) .

فإذا كان هذا الحديث موضوعاً باعتراف أبي نعيم والذهبي والسيوطي وابن عرّاق، فإن خبر خلق الثلاثة قبل آدم عليه‌السلام وكونهم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يمين العرش كذب بالأولوية.

ولا أدري لما ذا لم يحتج ( الدهلوي ) وغيره بهذا الحديث، ولم يعارض به حديث النور؟ لا يبعد عدم اطلاعه به، وإلّا لذكره على عادته في التمسك بالأحاديث الموضوعة، ألا ترى صاحب ( فصل الخطاب ) قائلاً:

____________________

(١). ذيل الموضوعات - مخطوط.

(٢). تنزيه الشريعة عن الأحاديث الموضوعة ١ / ٣٣٧.


« في فردوس الأخبار: ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن الله عز وجل خلقني من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، وخلق المؤمنين كلّهم من عمر رضي الله عنهم ».

* * *


دحض تأييد حديث الشافعي

بحديثٍ آخر



قوله:

« ويؤيده الحديث المشهور: إنّ الأرواح جنود مجنّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ».

أقول:

١ - لم يدّع الكابلي هذا التأييد

لقد اكتفى ( الكابلي ) بذكر الحديث المزعوم وقال: « وليس في إسناده من يتّهم بالكذب » وأضاف قائلاً « ولأن مثل هذه الأخبار لو ثبت لا يحتج به في مثل هذه الأمور، وذلك ظاهر ».

وأما مخاطبنا ( الدهلوي ) فقد أضاف تأييده بهذا الحديث، لكن من الواضح أنّه لا وجه لذلك، إذ لا مناسبة بين هذا الحديث وذاك لا منطوقاً ولا مفهوماً، ولا يدل عليه دليل بوجه من الوجوه أبداً ولعله لذا لم يتطرّق ( الكابلي ) إلى هذا.


٢ - معنى الحديث يوضّح بطلان الدّعوى

وإليك نص كلمة الشيخ عبد الحق الدهلوي في معنى الحديث، فإنه قال:

« قوله: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر اختلف. الجنود:

جمع جند، ومجنّدة: مجتمعة على نحو قناطير مقنطرة، وفيه دليل على أن الأرواح ليست بأعراض، وعلى أنها كانت موجودة قبل الأجساد، ولا يلزم من ذلك قدمها، لكن يبطل القول بخلقها بعد تمام البدن وتسويته، إلّا أن يراد بخلقها قبل البدن تقديرها كذلك، وهو مخالف لظاهر الحديث جدّاً، بل قد جاء في الحديث: خلقت الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، وعلى أنها خلقت في أول خلقتها على قسمين من ائتلاف واختلاف باعتبار موافقة في الصفات ومخالفة فيها، وإن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه، فالخيّر يحب الأخيار، والشرّير يحب الأشرار، وإنْ عرض عارض يقتضي خلاف ذلك فالمآل إليه، فما تعارف منها قبل التعلق بالأجساد ائتلف بعده، كمن فقد أليفه ثم اتصل به، وما تناكر قبله اختلف بعده، وهذا التعارف والتناكر إلهامات من الله من غير إشعار منهم بالسابقة »(١) .

وعلى هذا فأين وجه التأييد؟ ولما ذا لم يبيّنه ( الدهلوي ) ولو إجمالا؟

والظاهر: إنه يقصد من هذا أن الائتلاف في عالم الأجساد يدل على التعارف في عالم الأرواح، والتعارف يستلزم كونها في مكان واحد، وبما أن الخلفاء كانوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا العالم فإن أرواحهم كانت مع روحه هناك، وهذا معناه أن تكون أرواحهم كروحه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخلوقة قبل خلق آدم عليه‌السلام .

ولكنّ بطلان هذا واضح جداً، فإنه يستلزم أن يكون خلق جميع الصحابة

____________________

(١). اللمعات في شرح المشكاة - باب الحب في الله.


وحتى عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، وأمثالهم من المجرمين الذين يزعم ( الدهلوي ) وأسلافه ائتلافهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل خلق سائر المسلمين والمؤمنين به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقدّماً على خلق آدم وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، وأن تكون أرواح هؤلاء إلى جنب روحه على يمين العرش وهذا باطل اجماعاً.

٣ - كان عمر شديداً على رسول الله قبل إسلامه

وكيف يجوز أن تكون روح عمر بن الخطاب مؤتلفة مع روح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو لا يزال يحاول ويقصد اغتياله ويعاديه حتى ساعة تظاهره بالإسلام؟

لقد جاء في ( إزالة الخفا ) ما نصه:

« عن أنس قال: خرج عمر متقلّداً السيف، فلقيه رجل من بني زهرة فقال له: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمّداً، قال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة؟ فقال له عمر: ما أراك إلّا قد صبوت وتركت دينك؟ قال: أفلا أدلّك على العجب؟! إن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك، فمشى عمر ذامراً حتى أتاهما وعندهما حباب، فلما سمع حباب بحسّ عمر توارى في البيت فدخل عليهما، فقال: ما هذه الهيمنة التي سمعتها عنكم؟ وكانوا يقرؤن طه، فقالوا: ما عدا حديثاً تحدثنا به، قال: فلعلكما قد صبوتما؟ فقال له ختنه: يا عمر إنْ كان الحق في غير دينك، فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئاً شديدا، فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها، فنفحها بيده فدمى وجهها ».

وفيه أيضاً:

« عن الزهري: كان عمر بن الخطاب شديداً على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانطلق حتى دنا من رسول الله ».

وروى محمد بن حبيب باسناده عن زيد بن الخطاب قال:

« كان من حديث الحرب التي كانت بين عدي بن كعب في الإسلام: إن


أبا الجهم بن حذيفة بن غانم كان من رجال قريش في الجاهلية، وكان يوازن عمر ابن الخطاب قبل إسلامه على غيلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعاداته، فأكرم الله عمر بما أكرمه من الإسلام »(١) .

وفي ( سيرة ابن هشام ) ما ملخصه:

« قال ابن اسحاق: وكان إسلام عمر فيما بلغني: أن أخته فاطمة بنت الخطاب - وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل - وكانت قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد بن زيد، وهما مستخفيان بإسلامهما عن عمر، وكان نعيم بن عبد الله التحام رجل من قومه من بني عدي بن كعب قد أسلم، وكان أيضاً يستخفي باسلامه فرقاً من قومه، وكان حباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن.

فخرج عمر يوماً متوشحاً بسيفه يريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورهطاً من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا، وهم قريب من أربعين، ما بين رجاء ونساء، ومع رسول الله عمه حمزة بن عبد المطلب وأبو بكر ابن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب في رجال في المسلمين، ممن كان أقام مع رسول الله بمكة ولم يخرج فيمن خرج الى أرض الحبشة، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له: أين تريد يا عمر؟ قال: أريد محمداً هذا الصابي الذي فرّق أمر قريش وسفّه أحلامها وعاب دينها وسبّ آلهتها فأقتله، فقال له نعيم: والله لقد غرّتك نفسك من نفسك يا عمر! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمّداً؟ فلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ قال: فأيّ أهل بيتي؟ قال: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد والله أسلما وتابعا محمداً على دينه، فعليك بهما »(٢) .

وعلى أي حال، فإنّ هذا الحديث لا يؤيد ذاك الحديث الموضوع مطلقاً.

____________________

(١). المنمق: ٣٦٢.

(٢). سيرة ابن هشام ١ / ٣٤٣.


دلالة حديث النور



قوله :

« وبعد اللتيا والتي، فلا دلالة لهذا الحديث على ما يدّعونه ».

أقول :

لقد اكتفى ( الكابلي ) في ردّ حديث النور بمجرّد معارضته بالحديث الموضوع المذكور آنفاً وزعمه « أن مثل هذه الأخبار لو ثبت لا يحتج به في مثل هذه الأمور »، فلم يمنع دلالته على مطلوب الشيعة بصراحة. لكنّ ( الدهلوي ) منع الدلالة أيضاً جرياً على عادته في إنكار الحقائق ومخالفة الواقع.

ونحن هنا نذكر بعض الوجوه القائمة على دلالة هذا الحديث، ليزداد المنصف بصيرة، والمؤمن إيماناً، ولعل المكابّر يرجع بملاحظتها إلى رشده ويتبع سبيل المؤمنين، والله الموفق والمعين، فنقول:


١ - التصريح بخلافة علي في الحديث:

لقد جاء التصريح بخلافة علي عليه‌السلام في جملةٍ من ألفاظ الحديث، في رواية جماعة من علماء أهل السنة، وقد تقدّم ذلك في القسم الأول من الكتاب، ولذا نكتفي بالاشارة إليها فمن ذلك التصريح بالخلافة بلفظ:

« ففيّ النبوة وفي علي الخلافة » أو نحوه.

وجاء ذلك في رواية:

١ - أبي الحسن ابن المغازلي الواسطي في ( مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ).

٢ - شيرويه الديلمي في ( فردوس الأخبار ).

٣ - السيد علي الهمداني في ( المودة في القربى ) و ( روضة الفردوس ).

٤ - السيد محمد كيسو دراز في ( كتاب الأسمار ).

٥ - أحمد بن إبراهيم في ( جواهر النفائس ).

٦ - الواعظ الهروي في ( رياض الفضائل ).

وبلفظ:

« كان اسمي في الرسالة والنبوة وكان اسمه في الخلافة والشجاعة ».

وجاء ذلك في رواية:

الحمويني في ( فرائد السمطين ).

٢ - التصريح بوصاية علي في الحديث:

وجاء التصريح بوصايته عليه‌السلام : بلفظ:

« فأخرجني نبيّاً وأخرج علياً وصيّاً ».


ومن رواته:

الحافظ ابن المغازلي في ( مناقب أمير المؤمنين ).

وبلفظ:

« وكان لي النبوة ولعلي الوصية ».

ومن رواته:

أحمد بن محمد بن أحمد الحافي الحسيني الشافعي في ( التبر المذاب ).

٣ - تعلّم الملائكة وغيرها التسبيح من ذلك النور:

لقد دلّت جملة من ألفاظ حديث النور على أن ذلك النور كان يسبّح الله ويقدّسه مطيعاً له، ففي حديث ابن عبد البر في ( بهجة المجالس ): « خلقت أنا وعلي من نور واحد يسبّح الله تعالى يمنة العرش ».

و في حديث ابن المغازلي في ( المناقب ) عن سلمان: « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل يسبّح الله ذلك النور ».

و في آخر له عن أبي ذر: « كنت أنا وعلي نورا عن يمين العرش يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه».

و في حديث الديلمي في ( الفردوس ): « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاً يسبّح الله ويقدّسه ».

و في حديث ابن أُسبوع في كتاب ( الشفاء ): « خلقت أنا وعلي من نور واحد يسبّح الله على متن العرش ».

و في حديث الحمويني عن أبي هريرة: « لما خلق الله تعالى أبا البشر ونفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش، فإذا نور خمسة أشباح سجّداً وركّعاً ».

وعلى هذا، فإن كلّ تقديس وتسبيح كان من آدم عليه‌السلام وغيره من الأنبياء وسائر البشر، فإنه كان اقتداء بهما، وعملاً بسنّتهما، وقد دل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم


القيامة » على أنّ كلّ ما حصل لهم من الأجر كان مثله ثابتاً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام ، لأنهما اللّذان سنّا هذه السنّة الحسنة، وتلك فضيلة بالغة ومرتبة رفيعة لا ينالها أحد من العالمين.

قال السبكي في الباب التاسع من ( شفاء الأسقام ) - بعد أن ذكر أحاديث دالة على حياة الأنبياء - « والكتاب العزيز يدل على ذلك أيضاً، قال الله تعالى ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) وإذا ثبت ذلك في الشهيد يثبت في حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوجوه:

أحدها: إن هذه رتبة شريفة، أعطيت للشهيد كرامهً له، ولا رتبة أعلى من رتبة الأنبياء، ولا شك أن حال الأنبياء أعلى وأكمل من حال جميع الشهداء، فيستحيل أن يحصل كمال للشهداء ولا يحصل للأنبياء، لا سيما هذا الكمال الذي يوجب زيادة القرب والزلفى والنعم والأنس بالعلي الأعلى.

والثاني: إن هذه الرتبة حصلت للشهداء أجراً على جهادهم وبذلهم أنفسهم لله تعالى، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي سنّ لنا ذلك ودعانا إليه وهدانا له بإذن الله تعالى وتوفيقه، و قد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سنّ حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة و قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإِثم مثل آثام من يتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً. والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة.

فكلّ أجرٍ حصل للشهيد حصل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثله، والحياة أجر فيحصل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلها زيادة على ماله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأجر الخاص من نفسه على هدايته للمهتدي، وعلى ماله من الأجور على حسناته الخاصة من الأعمال والمعارف والأحوال التي لا تصل جميع الأمة إلى عرف نشرها، ولا يبلغون معاشر عشرها.

وهكذا نقول: إن جميع حسناتنا وأعمالنا الصالحة وعبادات كلّ مسلم مسطّر


في صحائف نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زيادة على ما له من الأجر، ويحصل له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأجور أضعاف مضاعفة لا يحصرها إلا الله تعالى ويقصر العقل عن إدراكها، فإن كلّ شهيد وعامل إلى يوم القيامة يحصل له أجر ويتجدّد لشيخه في الهداية مثل ذلك الأجر، ولشيخ شيخه مثلاه، وللشيخ الثالث أربعة وللرابع ثمانية، وهكذا يضعّف في كلّ مرتبة الأجور الحاصلة إلى أن تنتهي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا فرضت المراتب عشرة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان للنبي من الأجر ألف وأربعة وعشرون، فإذا اهتدى بالعاشر حادي عشر صار أجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألفين وثمانية وأربعين، وهكذا كلما ازداد واحد يتضاعف ما قبله أبداً إلى يوم القيمة، وهذا أمر لا يحصره إلّا الله تعالى ويقصر العقل عن كنه حقيقته، فكيف إذا أخذ مع كثرة الصحابة وكثرة التابعين وكثرة المسلمين في كل عصر، فكلّ واحد من الصحابة يحصل له بعدد الأجور التي يترتب على فعله إلى يوم القيامة، وكلّ ما يحصل لجميع الصحابة حاصل بجملته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبهذا يظهر رجحان السلف على الخلف، فإنه كلما ازداد الخلف ازداد أجر السلف ويتضاعف بالطريق الذي نبهنا عليه. ومن تأمل هذا المعنى ورزق التوفيق، انبعثت همته إلى التعليم ورغب في النشر ليتضاعف أجره في حياته وبعد موته على الدوام، ويكفّ عن إحداث البدع والمظالم من المكوس وغيرها، فإنها يضاعف عليه وزرها بالطريق التي ذكرناها ما دام يعمل بها، فيتأمل المسلم هذا المعنى وسعادة الهادي إلى الخير وشقاوة الداعي إلى الشر ».

وعلى هذا فلمّا كان علي عليه‌السلام مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك النور، فإنه يحصل له من الأجر ما يحصل له، وتلك منقبة عظيمة يقصر العقل عن إدراك شأنها.

ولقد جاء في بعض ألفاظ الحديث التصريح بتعلّم الملائكة التسبيح لله عز وجل من ذلك النور، وممن رواه سعيد الدين محمّد بن مسعود الكازروني حيث


روى: « عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: كنت نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق الله آدم عز وجل بألفي عام، يسبّح ذلك النور فتسبح الملائكة بتسبيحه، فلما خلق الله تعالى آدم ألقى ذلك النور في صلبه فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأهبطني الله تعالى إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح وقذفني في صلب إبراهيم، ثم لم يزل تعالى ينقلني من الأصلاب الكريمة والأرحام الطاهرة حتى أخرجني بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط »(١) .

و رواه الديار بكري باختلاف يسير، قال: « عن ابن عباس عن النبي أنه قال: « كنت نوراً بين يدي الله قبل أن يخلق الله عز وجل آدم بألفي عام، يسبّح الله ذلك النور وتسبّح الملائكة بتسبيحه، فلما خلق الله آدم ألقى ذلك النور في صلبه، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم، وجعلني في صلب نوح في السفينة، وقذف بي في النار في صلب إبراهيم، ثم لم يزل ينقلني من الأصلاب الكريمة والأرحام الطاهرة، حتى أخرجني من أبوي، لم يلتقيا على سفاح قط »(٢) .

ومع هذه الفضيلة الحاصلة لعلي كيف يقدم عليه من لم تحصل له، بل له سابقة كفر قبل إسلامه؟!

٤ - لولا الخمسة لما خلق آدم:

لقد جاء في حديث [ الأشباح ] الذي رواه الحمويني قوله تعالى لآدم:

« هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائى، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي، ولا السماء ولا الأرض، ولا الإِنس ولا الجن، فأنا المحمود وهذا محمّد، وأنا العالي

____________________

(١). المنتقى من سيرة المصطفى - مخطوط.

(٢). تاريخ الخميس ١ / ٢١.


وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا ذو الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين آليت بعزّتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال حبة من خردل من بغض أحدهم إلّا أدخلته ناري ولا أبالي. يا آدم هؤلاء صفوتي بهم أنجيهم وبهم أهلكهم، فإذا كان لك إليَّ حاجة فبهؤلاء توسّل »(١) .

وقد روى ابن المغازلي توسّل آدم بالخمسة عن سعيد بن جبير، والسيوطي عن ابن النجار، والبدخشاني عن ابن النجار والدار قطني، كلاهما عن ابن عباس في قوله تعالى: ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ ) (٢) ، وكذا الصفوري(٣) عن جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ، وأرسله النطنزي إرسال المسلم(٤) .

وإذا كان لعلي عليه‌السلام هذا الشأن كيف يقدّم عليه احد؟!.

٥ - علي أفضل من آدم:

إن حديث النور يفيد تقدم نور النبي وعلي عليهما الصلاة والسّلام على خلق آدم بزمن طويل، ففي بعض ألفاظه بأربعة عشر ألف عام، ورواه جماعة منهم:

عبد الله بن أحمد

وابن مردويه

وابن المغازلي

والديلمي

والعاصمي

____________________

(١). فرائد السمطين - وقد تقدم.

(٢). أنظر الدر المنثور ١ / ٦٠ ومفتاح النجا - مخطوط.

(٣). نزهة المجالس ٢ / ٢٣٠.

(٤). الخصائص العلوية - مخطوط، وقد تقدم نص الحديث عن ابن عباس.


والنطنزي

والديلمي

والخوارزمي

وابن عساكر

والمحب الطبري

وفي بعضها: أربعون ألف عام، كما في رواية الكنجي عن ابن عساكر والخطيب.

فعلي - اذن - أفضل من آدم وغيره من الأنبياء عدا النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو الامام بعد النبي.

ولنعم ما قال ابن بطريق هنا: « فهذه الأخبار الواردة عن ابن حنبل والثعلبي وابن المغازلي والديلمي تصرح بلفظ الخلافة بلا ارتياب، فلينظر في ذلك ففيه كفاية ومقنع لمن تأمله بعين الإنصاف، فما بعد بيان الخلافة بيان لملتمس ولا منار لمقتبس ولا دليل يستفاد ولا علم يستزاد.

ثم كونه معه عليه‌السلام نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق الله تعالى آدم بأربعة عشر ألف عام يسبحان الله تعالى، ما لا يقدر أحد أن يدعي فيه مماثلة أو مداخلة »(١) .

ولو لا دلالة هذا الحديث على أفضلية علي عليه‌السلام من الأنبياء فضلاً عن غيرهم - لما رماه ( ابن الجوزي ) و ( ابن روزبهان ) و ( الكابلي ) بالوضع

ولما ذا خلق الله تعالى نوره قبل غيره؟ أليس لأنه أفضل الخلائق كلهم أجمعين؟!.

وإذا دلّ تقدّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلق على أفضلية، دل على أن عليا كذلك أيضاً، لوحدة النور الذي خلقا منه.

____________________

(١). العمدة ٤٥.


وذلك كله يقتضي أن تكون جميع الكلمات المتحققة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متحققة لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام أيضاً، ولكي ندلل على هذا أكثر من ذي قبل ننقل كلمات بعض كبار علمائهم ضمن الوجوه الآتية.

٦ - تباهي العصور بالنبي وعلي

قال الامام الشيخ أبو عبد الله محمّد بن سعيد البوصيري في مدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في [ القصيدة الهمزية ]:

« أنت مصباح كلّ فضل فما

يصدر إلّا عن ضوئك الأضواء »

وقال الحافظ ابن حجر المكي في شرحه:

« [ أنت ] أيها العلم والمفرد الذي لا تساوى، بل ولا تدانى [ مصباح ] أي سراج فهو مقتبس من قوله تعالى ( وَسِراجاً مُنِيراً ) [ كل ] اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر المضاف اليه كما هنا والمعرّف المجموع، نحو: ( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً ) وأجزاء المفرد المعرف نحو ( يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ) بإضافة القلب إلى متكبر، أي على كل أجزائه، وقراءة التنوين لعموم أفراد القلوب، ثم إن لم يكن نعتا لنكرة ولا توكيدا لمعرفة بأن تلاها العامل كما هنا جازت الإضافة كما هنا وقطعها نحو: ( وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ ) .

واعلم أنها حيث أضيفت لمنكر وجب في ضميرها مراعاة معناها، نحو ( وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ) و ( عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ ) أو لمعرف جاز مراعاة لفظها في الافراد والتذكير، ومراعاة لمعناها، وكذا إذا قطعت نحو ( كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ ) وأنها حيث وقعت في حيّز النفي بأن سبقتها أداته أو فعل منفي نحو ما جاء كل القوم وكل الدراهم لم أجد، لم يتوجه النفي إلّا لسلب شمولها، فنفهم إثبات الفعل لبعض الأفراد ما لم يدل الدليل على خلافه،


نحو ( وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) مفهومه إثبات المحبة لأحد الوصفين لكن لا نظر إليه، للإجماع على تحريم الاحتيال والفخر مطلقاً، وحيث وقع النفي في حيّزهاكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر ذي اليدين: كلّ ذلك لم يكن، توجه النفي إلى كل فرد فرد.

كذا ذكره البيانيون وانما سقت هذا جميعه هنا لأنه لنفاسته وكثرة الاحتياج إليه مما ينبغي أن يستفاد ويحفظ [ فضل ] وكمال برز لغيرك في الوجود، لأنك الخليفة الأكبر الممدّ لكلّ موجود، وشاهده ما صح في خبر: آدم فمن دونه تحت لوائي. و خبر: لو كان موسى حياً ما وسعه إلّا اتباعي. و خبر: إن ابراهيم قال إنما كنت خليلاً من وراء وراء.

وآثر التشبيه بالسّراج على القمرين لأنه يقتبس منه الأنوار بسهولة وتخلفه فروعه فتبقى بعده، ووجه التشبيه أن نوره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يظهر الأشياء المعنوية كنور البصائر، ونور السراج يظهر المحسوسة كنور البصر، ولا ريب أن المحسوس أظهر من المعقول من حيث هو معقول، فلذا شبّه نوره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكونه معقولاً بنور السراج لكونه محسوساً، فلا ينافي ذلك أن السراج دونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل لا نسبة، ويمكن أن يكون من التشبيه المقلوب كما في قوله تعالى ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ ) .

وإذا تقرر أن كمالات غيره المشبهة بالأضواء مستمدة من كماله الذي هو الضوء الأعلى [ فـ ] بسبب ذلك [ ما يصدر ] أي يبرز في الوجود ضوء ينشأ عن ضوء أحد مطلقاً [ إلّا ] ضوئك، فأنت المخصوص بأنك الذي يبرز [ عن ضوئك ] الذي أكرمك الله [ الأضواء ] كلها من الآيات والمعجزات وسائر المزايا والكرامات، وانْ تأخر وجودك عن جميع الأنبياء عليهم‌السلام ، لأن نور نبوتك متقدم عليهم بل وعلى جميع المخلوقات.

وشاهده: حديث عبد الرزاق بسنده عن جابر رضي‌الله‌عنه يا رسول الله، أخبرني عن أول شيء خلق الله قبل الأشياء. قال: يا جابر، إن الله تعالى خلق


قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح، ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا إنسي، فلما أراد الله تعالى أن يخلق الخلق قسّم ذلك النور أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسّم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول السموات، ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسّم الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نوراً يشهد لهم وهو التوحيد لا إله إلّا الله محمد رسول الله الحديث.

وصحّ حديث: أول ما خلق الله القلم. وجاء بأسانيد متعددة: إن الماء لم يخلق قبله شيء.

ولا ينافيان ما في الأول في نور نبينا عليه‌السلام ، لأن الأولية في غيره نسبية وفيه حقيقية، فلا تعارض. و في حديث عن ابن القطان: كنت نوراً بين يدي ربي قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام. و في الخبر: لما خلق الله تعالى آدم جعل ذلك النور في ظهره وكان يلمع في جبينه فيغلب على سائر نوره. الحديث ».

وبمثله قال الشيخ سليمان جمل في ( الفتوحات الأحمدية في شرح الهمزية ).

قلت: وكذلك علي عليه‌السلام في كلّ ما ذكر فتقدم الآخرين عليه قبيح غير جائز.

وقال البوصيري:

« تتباهى بك العصور وتسمو

بك علياء بعدها علياء »

قال ابن حجر بشرحه:

« [ تتباهى ] أي تتفاخر [ بك ] أي بوجودك العصور، أي الأزمنة الطويلة من لدن آدم إلى يوم القيامة وما بعده، فكلّ عصر يفتخر على العصر الذي قبله


لوجودك فيه بكمال أعلى مما قبله ولو في ضمن آبائك، لكن أعظمها افتخاراً عصر بروزك إلى هذا العالم، ثم عصر نشأتك، ثم عصر رضاعك، فشق بطنك، فتعبدك بحراء وغيره، ثم عصر نبوّتك، ثم عصر رسالتك، ثم عصر هجرتك، ثم عصر جهادك، ثم عصر سراياك وبعوثك، ثم عصر فتوحك، ثم عصر دخول الناس في دين الله أفواجاً، ثم عصر حجك، ثم عصر أتباعك على تفاوتهم إلى يوم القيامة، كما دل عليهالحديث المشهور: لا تزال طائفة من أمتي إلخ.

فمزاياه تتزايد في كلّ عصر من أعصار حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما قبله، وبحسب ذلك يكون افتخار ذلك العصر على غيره، وكذلك عصور أتباعه يتفاوت مراتبهم ومزاياهم المستمدة من مزاياه وأعمالهم المتضاعفة له تضاعفاً يفوق الحصر، لأن كل عامل متضاعف له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسب عمله، وكذلك كلّ واسطة بينه وبينه، لأنه الدال للكل، ومن دلّ على خير فله مثل أجر فاعله، فكلّ فاعل بكل حال يتضاعف له بحسب تضاعف من بعده، ويتضاعف للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسب تضاعف الجميع، وهذا شيء يقصر عن إدراك كنهه العقل، ثم عصر مقامه المحمود وشفاعته العظمى في فصل القضاء، ثم بقية شفاعاته، ثم عصر حوضه، ثم عصر وسيلته التي يعطاها في الجنة، مما لا تدرك غايته ولا تحد نهايته.

فكلّ هذه العصور تفتخر به بحسب ما يقع فيها من كماله، لأن الأزمنة والأمكنة تتشرّف بشرف من كان فيها، وما يكون فيها من المزايا والكمالات، ولذا قال بعضهم: إن ليلة مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من ليلة القدر، وهو صحيح لو لا النص على خلافه، على أن ليلة القدر من خصوصياته فتفضيلها إنما هو لأجله أيضاً.

[ وتسمو ] أي تعلو وترتفع من سموت وسميت كعلوت وعليت [ بك ] أى بتلبسها بك مرتبة [ علياء ] تأنيث أعلى [ بعدها ] في الزمان والعلو مرتبة أخرى [ علياء ] أي أعلى منها.


أي: لك في كل عصر من العصور المذكورة مرتبة أعلى مما قبلها وأعلى منها ما بعدها وهكذا إلى ما لا نهاية له منها، ودليل تفاوت مراتبه كما ذكر قوله تعالى ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) ولا شك أن علومه ومعارفه متزايدة متفاوتة إلى ما لا نهاية له، و قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله.

قال العارف القطب أبو الحسن الشاذلي: هذا غين أنوار لا غين أغيار، أي لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان دائم الترقي، فكان كلما توالت أنوار العلوم والمعارف على قلبه ارتقى إلى مرتبة أعلى مما هو فيه، ورأى أن ما قبلها دونها، فيستغفر الله تواضعاً وطلباً لتزايد كماله.

وفي قول الناظم: وتسمو إلى آخره، من المدح ما لا يخفى عظيم وقعه، لأنه جعل تلك المراتب هي التي تسمو وترتفع بها ولم يجر على ما هو المتبادر أنه الذي يسمو ويرتفع بها، لما هو الحق أنه تعالى خلقه في عالم الأمر على أكمل كمال يمكن أن يوجد لمخلوق، ثم أبرزه في عالم الخلق متدرّجاً في تلك المراتب، فتتشرب به لا يتشرف هو بها لما علمت أنه كامل قبلها. فتأمل ذلك فإنه مهم دقيق غفل عنه الشارح ».

وبمثله قال صاحب ( الفتوحات الأحمدية ).

قلت: ولـمّا كان علي عليه‌السلام معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع مراحله فإن الأعصار مفتخرة بسيدنا أمير المؤمنين أيضاً، وكلّ ما ثبت للنبي ثبت له كذلك، وأين هذا الفضل لغيره من أصحاب رسول الله كفلان وفلان!

قال البوصيري:

« لك ذات العلوم من الغـ

ـيب ومنها لآدم الأسماء »

وقال ابن حجر في شرحه:

« [ الأسماء ] مبتدأ مؤخر جمع اسم، وهو هنا ما دل على معنى فيشمل الفعل


والحرف أيضاً، واحتاج الناظم إلى هذا التفضيل مع العلم به مما قبله، لأن آدم ميّزه الله تعالى عن الملائكة بالعلوم التي علمها الله تعالى له، وكانت سبباً لأمرهم بالسجود والخضوع له بعد استعلائهم عليه بذمه ومدحهم بقولهم ( أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ) إلى آخره، فربّما يتوهم أن هذه المرتبة الباهرة لم تحصل لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ قد يوجد في المفضول ما ليس ذلك في الفاضل.

فردّ ذلك التوهّم ببيان آدم عليه‌السلام لم يحصل له من العلوم إلّا مجرّد العلم بأسمائها، وأن الحاصل لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحقائقها ومسمياتها، ولا ريب أن العلم بهذا أعلى وأجلّ من العلم بمجرد أسمائها، لأنها إنما يؤتى بها لتبيين المسميات فهي المقصودة بالذات وتلك بالوسيلة وشتان ما بينهما، ونظير ذلك أن المقصود من خلق آدم عليه‌السلام إنما هو خلق نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صلبه.

فهو المقصود بطريق الذات وآدم بطريق الوسيلة، ومن ثم قال بعض المحققين: إنما سجد الملائكة لأجل نور محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جبينه ».

قلت: إنّ علياً عليه‌السلام كان مع محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك النور بمقتضى الأحاديث المذكورة، فالملائكة إذاً سجدت للنور الذي كانا معاً منه وهذا يستلزم أفضليّته من غيره، ما عدا النبي بلا ريب وشك.

البوصيري وقصيدته الهمزية

ومن المناسب أن ننقل هنا كلمة ابن حجر والشيخ سليمان بالنسبة إلى القصيدة الهمزية وناظمها قال ابن حجر ما ملخصه:

« وأجمع ما حوته قصيدة من مآثره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخصائصه ومعجزاته، وأفصح ما أشارت إليه منظومة من بدائع كمالاته ما صاغه [ صوغ التبر الأحمر، ونظمه نظم الدرر والجوهر، الشيخ الامام العارف الكامل الهمام المتفنن


المحقق البليغ الأديب المدقق، إمام الشعراء وأشعر العلماء وأبلغ الفصحاء وأفصح الحكماء، الشيخ شرف الدين أبو عبد الله محمّد بن سعيد بن حماد بن محسن بن عبد الله بن صهناج بن هلال الصهناجي، كان أحد أبويه من بوصير الصعيد، والآخر من دلاص، فركبت النسبة منهما فقيل: الدلاصيري، ثم اشتهر بالبوصيري.

أخذ عنه: الامام أبو حيان، والامام اليعمري، وأبو الفتح ابن سيد الناس، ومحقق عصره العز بن جماعة وغيرهم. وكان من عجائب الدهر في النظم والنثر، ولو لم يكن له إلّا قصيدته المشهورة بالبردة، التي تسبب نظمها عن وقوع فالج به أعيى الأطباء، ففكّر في إعمال قصيدة يتشفّع بها إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبه إلى ربه، فأنشأها فرآه ماسحاً بيده الكريمة فعوفي لوقته، لكفاه ذلك شرفاً وتقدماً، كيف؟ وقد ازدادت شهرتها إلى أنْ صارت الناس يتدارسونها في البيوت والمساجد كالقرآن ] من قصيدته الهمزية المشهورة الغذبة الألفاظ الجزلة المباني، العجيبة الأوضاع البديعة المعاني، العديمة النظير، البديعة التحرير، إذ لم ينسج أحد على منوالها، ولا وصل إلى حسنها وكمالها، حتى الامام البرهان القيراطي المولود سنة ٧٢٦ والمتوفى سنة ٧٨٢، فإنه مع جلالته وتضلّعه في العلوم النقلية والعقلية، وتقدّمه على أهل عصره في العلوم العربية والأديبة، لا سيما علم البلاغة ونقد الشعر واتقان الصنعة وتمييز حلوه من مرّه، ونهايته من بدايته، أراد أنْ يحاكيها ففاته السبب وانقطعت به الحيل عن أن يبلغ من معارضتها أدنى أرب، وذلك لطلاوة نظمها وحلاوة رسمها، وبلاغة جمعها، وبراعه صنعها، وامتلاء الخافقين بأنوار جمالها وإدحاض دعاوي أهل الكتابين ببراهين جلالها، فهي دون نظائرها الآخذة بأزمة العقول، والجامعة بين المعقول والمنقول والحاوية لأكثر المعجزات، والحاكية للشمائل الكريمة على سنن قطع أعناق أفكار الشعراء عن أن تشرئب إلى محاكات تلك المحكيات السالمة من عيوب الشعر.

لكنها - وإنْ شرحت وتعاورتها الأفكار وخدمت - تحتاج إلى شرح جامع،


فاستخرت الله تعالى في شرح ذلك ».

وقال الشيخ سليمان:

« ومن أبلغ ما مدح به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النظم الرائق البديع، وأحسن ما كشف عن كثير من شمائله من الوزن الفائق المنيع، ما صاغه صوغ التبر الأحمر ونظمه نظم الدر والجوهر: الشيخ الإِمام العارف الكامل الهمام المحقق البليغ الأديب المحقق، إمام الشعراء وأشعر العلماء، وبليغ الفصحاء وأفصح الحكماء، الشيخ شرف الدين أبو عبد الله محمّد بن سعيد البوصيري، من قصيدته الهمزية المشهورة، العذبة الألفاظ الجزلة المعاني، النجيبة الأوضاع، العديمة النظير، البديعة التحرير، إذ لم ينسج على منوالها، ولا وصل إلى حسنها وكمالها أحد.

وقد شرحت شروحاً كثيرة، فقد شرحها الامام الجوجري بشرحين، وشرحها ابن قطيع المالكي، والشمس الدلجي، والشيخ أبو الفضل المالكي، والشيخ أحمد بن عبد الحق السنباطي، والعارف بالله تعالى السيد مصطفى البكري الصديقي، والشيخ الفاضل فريد عصره الامام ابن حجر الهيتمي المكي، وشرحه أحسن شروحها وأنفعها، لكن رأيت فيه طولاً تتقاصر عنه الهمم القاصرة، فأحببت أن ألتقط منه بعض عباراتٍ من تقرير شيخنا الحنفي، وسميتها الفتوحات الأحمدية بالمنح المحمدية».

٧ - كلّ ما للنبي من الفضل فهو ثابت لعلي

وقال البوصيري في ( البردة ):

« وكلّ آيٍ أتى الرسل الكرام بها

فإنما اتّصلت من نوره بهم ».

قال بدر الدين محمود بن أحمد بن مصطفى الرومي في ( تاج الدرة في شرح البردة ):


« يقول: وكلّ معجزة من المعجزات التي جاء بها المرسلون عليهم‌السلام إلى أقوامهم، وسائر الآيات الدالة على كمال فضلهم وصدق مقالهم من العلم والحكمة فيهم، فإنهم ما اتصلت بهم وما وصلت إليهم إلّا من نوره الذي هو أول كل نور ومبدؤه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله عليه‌السلام : أول ما خلق الله نوري.

ولا شك أن الأنبياء والرسل عليهم‌السلام كلهم مخلوقون من نور واحد، وهو نور نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنوارهم شعب منه وفروع له، وهو نور الأنوار وشمس الأقمار ».

وقال عصام الدين إبراهيم بن محمّد الأسفراييني في شرحه:

« والحاصل: إن أنوار سائر الرسل أثر من آثار نوره، فمن نور محمّد نور العرش والكرسي، ونور الشمس والقمر، وأنوار جميع الأنبياء، وأنوار الصحابة والتابعين، وأنوار المسلمين والمسلمات ».

قلت: إن جميع هذه الأوصاف والمدائح الكريمة ثابتة لعلي عليه‌السلام ، لاتحاد نوره ونور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكونهما معاً في الخلق والتقدم، فهو - إذن - شريكه فيها ومثيله وبهذا يظهر بطلان تقدّم أحد عليه

وقال البوصيري:

« فإنه شمس فضل هم كواكبها

يظهرن أنوارها للناس في الظلم »

قال الرومي بشرحه ما ملخصه:

« يقول: إنما اتّصلت تلك الآيات الباهرات بهم من نوره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنه شمس فضل الله تعالى ورحمة للناس كافة، والرسل عليهم‌السلام كانوا مظاهر نوره وحملة سره على درجات استعداداتهم ومراتب قابلياتهم، يظهرون أنوار حقائقه وأسرار دقائقه لأقوامهم قرناً بعد قرن، بدعوتهم إياهم إلى تصديقه والإِقرار بمجيئه، كما أن القمر يظهر نور الشمس ويحكيه عند طلوعه في الليالي المظلمة ليكون نوره مستفاداً من الشمس، فإذا طلعت لم يبق له ظهور ولا أثر نوره. وفي هذا البيت من حسن الاستعارة ما لا يخفى ».


وقال العصام:

« والحاصل: إنه عليه‌السلام مثل الشمس وسائر الأنبياء مثل الكواكب، وكأن أنورهم يتلألأ حين كان العالم في الظلمات، فلما ظهر نوره عليه‌السلام تلاشت أنوارها.

والغرض من ذلك: إن الرسل إنما كان ينفع دينهم ما لم يظهر دينه، فلما أظهره الله نسخ هذا الدين سائر الأديان السالفة والملل الماضية كلها ».

وقال البوصيري:

« محمد سيد الكونين والثقلين

والفريقين من عربٍ ومن عجم ».

قال الرومي ما ملخصه:

« محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد على الاطلاق في الوجودين وأشرف العالمين، لاختصاصه بدينٍ هو أظهر الأديان الحقة، وكتابٍ هو أفضل الكتب المنزلة، وعترةٍ هم أطهر العتر، وأمة هم خير الأمم ».

وقال البوصيري:

« فاق النبيين في خلقٍ وفي خلقٍ

ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم »

قال الرومي بشرحه ما ملخصه:

« المعنى: إنه فاق جميع الأنبياء عليهم‌السلام بشرف طينته ونزاهة عنصره وكمال صفاته وفضائل ملكاته ».

وبمثله قال العصام.

وقال البوصيري:

« وكلّهم من رسول الله ملتمس

غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم »

قال العصام بشرحه ما ملخصه:

« فإن قلت: هم عليهم‌السلام سابقون على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف يلتمسون غرفاً من بحره؟ قلت: هم سألوا منه مسائل مشكلة في علم


التوحيد والصفات، فأجاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحلّ مشكلاتهم، وبين يديه جرت المحاجّة بين آدم صفي الله وبين موسى كليم الله ليلة المعراج، أو يقول الاعتبار لتقدم الروح العلوي على القالب السفلي، وروح نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقدّم على أرواح سائر الأنبياء. والحاصل: كلّ الأنبياء - من نبيّنا لا من غيره - استفادوا العلم وطلبوا الشفاعة، إذ هو بحر من العلم وسحاب من الجود، وكالأنهار والأشجار».

ومثل الأبيات المتقدمة في الدلالة على تقدّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على آدم، وتفوّقه على جميع الأنبياء في الصفات والكمالات قوله:

« منزّه عن شريك في محاسنه

فجوهر الحسن فيه غير منقسم »

قلت : وكلّ هذه الأبيات والكلمات التي جاءت في حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منطبقة على سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لاشتراكه معه في نوره، لأنهما من نور واحد قبل خلق آدم بمئات السنين.

فإذا كان علي أفضل من سائر الأنبياء فضلاً عن غيرهم، كانت الولاية العظمى والخلافة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثابتة له لا لغيره، ولوجود الاستعدادات والقابليات مجتمعة فيه لا في غيره يكون هو الإمام بعد النبي لا غيره.

٨ - علي أفضل الخلائق بعد النبي

قال الشيخ شهاب الدين القسطلاني في ( المواهب اللدنية )(١) :

____________________

(١) ذكر تاج الدين الدهان في ( كفاية المتطلع ) سند رواية الشيخ حسن العجيمي لكتاب ( المواهب اللدنية ) بقوله: « كتاب المواهب اللدنية - للإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن محمّد القسطلاني أبو الخطيبرحمه‌الله . أخذ به عالياً، عن الشيخ المسند العلامة إبراهيم بن محمّد الميموني، عن الشيخ الدين محمّد بن الشيخ أحمد الرملي، عن مؤلفه العلامة أحمد بن محمّد القسطلاني إجازة. هذا سند مسلسل بالمصريّين والشافعية ».


« إعلم يا ذا العقل السليم والمتصف بأوصاف الكمال والتتميم - وفقني الله وإيّاك بالهداية الى الصراط المستقيم - أنّه لما تعلّقت إرادة الحق تعالى بإيجاد خلقه وتقدير رزقه، أبرز الحقيقة المحمدية من الأنوار الصمدية في الحضرة الأحمدية، ثم سلخ منها العوالم كلّها علوها وسفلها على صور حكمه كما سبق في سابق إرادته وعلمه، ثم أعلمه الله تعالى بنبوته وبشره برسالته، هذا وآدم لم يكن إلّا كما قال: بين الروح والجسد، ثم انبجست منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيون الأرواح، فظهر بالملأ الأعلى وهو بالمنظر الأبلى، فكان لهم المورد الأحلى.

فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجنس العالي على جميع الأجناس، والأب الأكبر لجميع الموجودات والناس، ولما انتهى الزمان بالاسم الباطن في حقه إلى وجود جسمه وارتباط الروح به، انتقل حكم الزمان إلى الاسم الظاهر، فظهر محمّد بكليّته جسماً وروحاً، فهو وإنْ تأخرت طينته فقد عرفت قيمته، فهو خزانة السر وموضع نفوذ الأمر، فلا ينفذ أمر إلّا منه ولا ينقل خبر إلّا عنه.

ألا بأبي من كان ملكاً وسيداً

وآدم بين الماء والطين واقف

فذاك الرسول الأبطحي محمد

له في العلا مجد تليد وطارف

أتى بزمان السعد في آخر المدى

وكان له في كل عصر مواقف

أتى لانكسار الدهر يجبر صدعه

أتى لانكسار الدهر يجبر صدعه

إذا رام أمراً لا يكون خلافه

وليس لذاك الأمر في الكون صارف »

قلت: وكلّ هذه الفضائل - منثورها ومنظومها - متحققة لعلي عليه‌السلام أيضاً لاتحاد نورهما عليهما‌السلام وكلّ واحدة من هذه الفضائل تفيد أفضليته من جميع الخلائق، كما أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك، وهذا كاف لإِثبات قبح تقدّم غيره عليه.

٩ - كمالات الأنبياء مأخوذة من مشكاة النبي وعلي

قال الديار بكري:


« وفي فصوص الحكم وشرحه: وما كان من نبي يأخذ شيئاً من الكمالات إلّا من مشكاة خاتم النبيين، وإنْ تأخّر عنهم وجود طينته، إذ لا تعلق بمشكاته لوجوده الطيني، فإنه بحقيقته موجود قبلهم، لأنه أبو الأرواح، كما أن آدم أبو الأشباح »(١) .

قلت : ومن اتحاد نورهما عليهما‌السلام يعلم أن الأنبياء عليهم‌السلام أخذوا الكمالات من مشكاته أيضاً، وحينئذ كيف يفضل الآخذ على المأخوذ منه، وكيف يقدم من ليس له شيء منها على الحاوي لجميعها والمعطي لها؟!.

وقال القيصري شارحاً لكلام ابن عربي الذي نقله الديار بكري عن الفصوص: « إنما أعاد ذكره ليبين أنه وإنْ تأخر وجود طينته فإنه موجود بحقيقته في عالم الأرواح، وهو نبي قبل أن يوجد ويبعث للرسالة إلى الأمة، لأنه قطب الأقطاب كلها أزلاً وأبداً، وغيره من الأنبياء ليس لهم النبوة إلّا حين البعثة، لأنه عليه‌السلام هو المقصود من الكون وهو الموجود أولا في العلم، وبتفصيل ما يشتمل عليه مرتبته حصل أعيان العالم فيه.

وأيضاً: أعيان الأنبياء بحسب استعداداتهم وإنْ كانوا طالبين ظهور النبوة فيهم لكنهم لم يظهروا مع أنوار الحقيقة المحمدية، كاختفاء الكواكب وأنوارها عند طلوع الشمس ونورها، فلمّا تحققوا في مقام الطبيعة الجسمية وظلمة الليالي العنصرية ظهروا بأنوارهم المختفية كظهور القمر والكواكب في الليلة المظلمة ».

وقال ابن عربي في ( الفصوص ):

« فصّ، حكمة فردية في كلمة محمدية، إنما كانت حكمة فردية لأنه أكمل موجود في هذا النوع الانساني، ولهذا بدئ به الأمر وختم، فكان نبياً وآدم بين الماء والطين، ثم كان بنشأته العنصرية خاتم النبيين وأول الأفراد الثلاثة، وما زاد على هذه الأولية من الأفراد فإنه عنها، وكان عليه‌السلام أدلّ على ربه، فانه أوتي جوامع الكلم التي هي مسميات أسماء آدم ».

____________________

(١). تاريخ الخميس ١ / ١٩.


قال القيصري بشرح قوله « إنما كانت حكمة فردية إلخ » إنما كانت حكمة فردية لأنه أكمل موجود في هذا النوع وكل منهم مظهر لاسم كلي، وجميع الكلمات داخل تحت الاسم الإِلهي الذي هو مظهره، فهو أكمل أفراد النوع، ولكونه أكمل الافراد بدئ به أمر الوجود بإيجاد روحه أولاً، وختم به أمر الرسالة آخراً، بل هو الذي ظهر بالصورة الآدمية في المبتدئية وهو الذي يظهر بالصورة الخاتميّة للنوع، ويفهم هذا السر من يفهم سر الختميّة، فلنكتف بالتعريض عن التصريح، والله هو الولي الحميد ».

وقال بشرح قوله: « وما زاد على هذه الأولية إلخ ».

« أي: على هذه الفردية الأولوية هي الثلاث، وهذه الثلاثة المشار إليها في الوجود هي الذات الأحدية والمرتبة الإِلهية والحقيقة الروحانية المحمدية المسماة بالعقل الأول، وما زاد عليها فهو صادر منها، كما تقرر أيضاً عند أصحاب النظر أن أول ما وجد هو العقل الأول ».

وقال بشرح « وكان عليه‌السلام أدلّ دليل على ربه إلخ ».

« أي: وإذا كان الروح المحمدي أكمل هذا النوع كان أدل دليل على ربه، لأن الربّ لا يظهر إلا بمربوبه ومظهره، وكمالات الذات بأجمعها إنما يظهر بوجوده، لأنه أوتي جوامع الكلم التي هي أمهات الحقائق الإلهية والكونية الجامعة بجزئياتها، وهي المراد بمسميات أسماء آدم، فهو أدل دليل على الاسم الأعظم الإِلهي »(١) .

١٠ - التقدّم في الخلق من أدلة الأفضلية

: قال الديار بكري:

« في شرح المواقف قال بعضهم: إن المعلول الأول من حيث أنه مجرّد تعقل

____________________

(١). شرح فصوص الحكم للقيصري ٢٩٣.


ذاته ومبدؤه يسمى عقلاً، ومن حيث أنه واسطة في صدور سائر الموجودات ونقوش العلوم يسمى قلماً، ومن حيث توسطه في إفاضة أنوار النبوة ومن حيث أن الكمالات المحمدية من أثر نور سيد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حيث أنه سبب لحياته يسمى روحاً »(١) .

وقال أيضاً:

« وفي شواهد النبوة: إن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنْ كان آخر الأنبياء في عالم الشهادة لكنه أوّلهم في عالم الغيب، قال عليه الصلاة والسلام: كنت نبياً وآدم بين الماء والطين.

بيانه: إن الله تعالى في أزل الآزال كان الله ولا شيء معه، فجميع الشئون من غير امتياز من بعض، وصورة معلومية ذلك الشأن تسمى تعيناً أولاً وحقيقة محمّدية، وحقائق سائر الموجودات كلها أجزاء وتفاصيل، فتلك الحقيقة والتجليات التي وقعت بصورها في الغيب إنما نشأت وانبعثت من التجلي بصور تلك الحقيقة، والصورة الوجودية لتلك الحقيقة أولاً في مرتبة الأرواح كانت جوهراً مجرداً عبّر عنه الشارع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تارة بالعقل، وتارة بالقلم، وتارة بالنور، وتارة بالروح، حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أول ما خلق الله العقل، وأول ما خلق الله القلم، وأول ما خلق الله روحي أو نوري، ولا شك أن اختلاف العبارات رتبي، إذ مرتبة الأولية حقيقة لا تصلح لغير شيء واحد، والصورة الوجودية لتلك الحقيقة مرتبة بعد مرتبة، حتى انتقلت إلى الصورة الجسمانية العنصرية الإِنسانية التي أول أفرادها آدم، فهو وسائر الأنبياء ما لم يظهروا بصورة جسمانية عنصرية في الشهادة لم يوصفوا بالنبوة، بخلاف نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه لما وجد بوجود روحاني بشره وأعلمه بالنبوة بالفعل، وفي كلّ الشرائع أعطي الحكم له، لكن بأيدي الأنبياء والرسل الذين كانوا نوابه، كما أن علياً ومعاذ بن

____________________

(١). الخميس ١ / ١٩.


جبل في عالم الشهادة ذهبا بنيابته إلى اليمن وبلّغا الأحكام، فإن ثبوت النبوة ليس إلّا باعتبار شرع مقرر من عند الله، فجميع الشرائع شريعته إلى الخلق بأيدي نوابه، ولما ظهر بالوجود الجسماني العنصري نسخ تلك الشرائع التي كان اقتضاها بحسب الباطن، فإن اختلاف الأمم في الاستعدادات والقابليات مقتض لاختلاف الشرائع »(١) .

وبمثله قال الملّا معين في ( معارج النبوة )(٢) .

وصريح كلام الجامي في ( شواهد النبوة ) أن تقدمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلق دليل على أفضليّته.

أقول : وكذلك علي عليه‌السلام لاتحاد نورهما، فلا يجوز تقدم أحد عليه.

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي ما ترجمته ملخصاً:

« إعلم أن أول المخلوقات والواسطة في خلق الكائنات ومن لأجله خلق آدم عليه‌السلام والعالم هو: محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد جاء في الصحيح: أول ما خلق الله نوري »(٣) .

وفي ( حبيب السير ):

« وأول ما خلق هو نور محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد روي عن أسد الله الغالب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : أنه سأل خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أول شيء خلقه الله، فقال: نور نبيك. وروى هذا عن جابر ابن عبد الله الأنصاري أيضاً. ومن ذلك يظهر أن أفضل المخلوقات وأقدمها رسول الله، لأن كل ما سوى الله مخلوق لأجله »(٤) .

____________________

(١). تاريخ الخميس ١ / ١٩، عن شواهد النبوة لعبد الرحمن الجامي، وما في تاريخ الخميس غير مطابق تماماً لما في الشواهد.

(٢). معارج النبوة ١ / ٢.

(٣). مدارج النبوة ٢.

(٤). حبيب السير ١ / ١٠ - ١١.


١١ - الأحاديث الواضحة الدلالة على أفضليّته بسبب تقدّمه في الخلق

لقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنص على أفضليته من آدم وجميع الخلائق، بسبب تقدمه في الخلق عليهم.

وبما أن علياً عليه‌السلام كان معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانا عليهما‌السلام من نور واحد، فإنه كالنبي أفضل من غيره، وجميع الخلائق مخلوقون لأجله أيضاً وهكذا تثبت له جميع الفضائل الثابتة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحينئذ فمن الغلط الفضيع والقبيح الشنيع تقدّم غيره عليه في الخلافة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولنذكر بعض تلك الأحاديث:

الحديث الأول

ما رواه جماعة منهم ( الديار بكري ) و ( الكازروني ) و ( الملا معين ) و ( الجمال المحدّث ) عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال الديار بكري:

« وفي كيفية خلق نوره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وردت روايات متعددة، وحاصل الكلّ راجع إلى أن الله خلق نور محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل خلق السماوات والأرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار والملائكة والانس والجن وسائر المخلوقات بكذا وكذا ألف سنة، وكان يرى ذلك النور في فضاء عالم القدس.

فتارة يأمره بالسجود، وتارة يأمره بالتسبيح والتقديس، وخلق له حجباً


وأقامه في كل حجاب مدة مديدة، يسبح الله تعالى فيه بتسبيح خاص.

فبعد ما خرج من الحجب تنفس بأنفاس، فخلق من أنفاسه أرواح الأنبياء والأولياء والصدّيقين والشهداء وسائر المؤمنين والملائكة. كما روى عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:

سألت رسول الله عن أول شيء خلقه الله؟ قال: هو نور نبيك يا جابر، خلقه ثم خلق منه كلّ خير وخلق بعده كلّ شيء، وحين خلقه أقامه قدامه في مقام القرب اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أقسام: خلق العرش من قسم، والكرسي من قسم، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أقسام، فخلق الخلق من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثني عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء، فخلق الملائكة من جزء وخلق الشمس من جزء، وخلق القمر والكواكب من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أجزاء، فخلق العقل من جزء والحلم والعلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الحباء اثني عشر ألف سنة، ثم نظر الله سبحانه إليه فترشح النور عرقاً فانقطرت منه مائة ألف وعشرون ألفاً وأربعة آلاف قطرة من النور، فخلق الله سبحانه من كل قطرة روح نبي أو رسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم نور الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة.

فالعرش والكرسي من نوري، والكروبيّون من نوري، والروحانيّون من الملائكة من نوري، وملائكة السماوات السبع من نوري، والجنة وما فيها من النعيم من نوري، والشمس والقمر والكواكب من نوري، والعقل والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، والشهداء والصالحون من نتائج نوري.

ثم خلق سبحانه اثني عشر حجاباً، فأقام النور وهو الجزء الرابع في كل


حجاب ألف سنة، وهي مقامات العبودية وهي حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والحرمة والرأفة والعلم والحلم والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين، فعبد الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة.

فلمّا خرج النور من الحجب ركّبه الله في الأرض، وكان يضيء منه ما بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم ثم خلق الله آدم في الأرض، وركّب فيه النور في جبينه ثم انتقل منه إلى شيث، ومنه إلى بانش.

و هكذا كان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن أوصله الله تعالى إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب، ومنه إلى رحم آمنة، ثم أخرجني إلى الدنيا، فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيّين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين.

هكذا بدأ خلق نبيك يا جابر. ذكره البيهقي »(١) .

و في ( المواهب اللدنية ) عن عبد الرزاق بسنده عن جابر مثله(٢) .

الحديث الثاني

روى ( القسطلاني ) و ( محمّد بن يوسف الشامي ) عن ( ابن القطان ) وكذا الحلبي في ( إنسان العيون ) عن سيدنا علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه عليهم‌السلام :

« إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كنت نوراً بين يدي ربي قبل خلق آدم عليه‌السلام بأربعة عشر ألف عام »(٣) .

قلت: وفي هذا من الدلالة على الأفضلية ما لا يخفى.

____________________

(١). تاريخ الخميس ١ / ١٩ - ٢٠.

(٢). المواهب اللدنية ١ / ٩.

(٣). انسان العيون ١ / ٤٩.


الحديث الثالث

روى ( الدياربكري ) عن كعب الأخبار، و ( القسطلاني ) عن عبد الله بن أبي حمزة و ( ابن سبع ) عنه واللفظ للأول، قال:

« لما أراد الله تعالى أن يخلق محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر جبرئيل فأتاه بالقبضة البيضاء التي هي موضع قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعلت بماء التسنيم ثم غمست في أنهار الجنة وطيف بها في السموات والأرض، فعرفت الملائكة محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن تعرف آدم عليه‌السلام ثم عجنها بطينة آدم »(١) .

الحديث الرابع

قال القسطلاني في ( المواهب اللدنية ): « وفي الخبر: لما خلق الله آدم جعل ذلك النور النبوي المحمّدي في ظهره، فكان يلمع في جبينه فيغلب على سائر نوره، ثم رفعه الله تعالى على سرير مملكته، وحمله على أكتاف الملائكة، وأمرهم فطافوا به في السماوات، ليرى عجائب ملكوته ».

و في ( المنتقى ): « في بعض الكتب في معنى قوله حين سئل: متى كنت نبيا؟: كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد، إن الله عز وجل وضع نور محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جبهته، وكان يزهر في جبهته مثل الشمع، وكان الناس يتعجّبون منها، حتى تمنى آدم رؤيتها من كثرة تعجب الناس منها، وأمر الله تعالى أن يأتي إلى رأس إصبعه السبابة، فقال: يا رب ما هذا؟ فقال: نور ولد من أولادك

____________________

(١). تاريخ الخميس ١ / ٢١.


اسمه محمد، فأشار بإصبعه فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأن محمّدا رسول الله، فصار هذا موضع الإشارة بالشهادة.

ثم ردّها إلى موضعها، ثم جلس آدم مع حواء فذهب النور من جبهته مع النطفة إلى رحم حواء، وكانت تزهر بين ثدييها مثل شمع، فحملت بشيث ووضعها في جبهة شيث، وأوحى الله إلى آدم أن لا تضيع هذه الوديعة إلّا بالحلال، ومر أولادك حتى لا يضيعوها إلّا بالحلال، فلما ولد شيث كان آدم يحبه من جميع أولاده لهذا النور.

و هذا معنى قوله تعالى ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) أي في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، ظهراً فظهراً وبطناً فبطناً ونكاحاً من غير سفاح ».

الحديث الخامس

قال الكازروني: « وقيل: إن الحكمة في إباحة التيمم أن السماء كانت تفتخر على الأرض قبل مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت تقول: إن العرش فيّ والحكمة [ الحملة - ظ ] فيّ والملائكة السبح فيّ، والركع والسجّد فيّ، والشمس والقمر فيّ، والنجوم فيّ، وأنت خلو عن هذا كله. فكانت السماء لها الفخر على الأرض.

إلى أنْ ولد الميمون محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وافتخرت الأرض على السماء حينئذ فقالت: إنْ كانت الشمس والقمر فيك والنجوم والملائكة فيك، فقد ولد على ظهري النبي المبارك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي نور الشمس من نوره، ونور السماوات والأرض من نوره، على ظهري ولادته وعلى ظهري تربيته وعلى ظهري مبعثه ودعوته وعلى ظهري تستعمل شريعته، وعلى ظهري موته وحفرته وقبره، فسمع الله افتخارها على السماء بنبيه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال:

لا جرم حيث افتخرت بنبي محمّد جعلت تراب شرقك وغربك طهوراً له


ولأمته، وجعلت شرق الأرض وغربها مساجد لهم ومصلى لافتخارك بمحمّد، ولذلكقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً.

ويقال: كان نوره في تلك الجوهرة التي خلق الله تعالى منها الأرض تزهر كما تزهر الشمس إلى الأرض.

وهذا ما قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : افتخر السماء والأرض فقالت السماء: أنا أفضل لأنه فيّ الصافّون وفيّ المسبّحون وفيّ العرش والكرسي. وقالت الأرض:

بل أنا أفضل، لأنّه فيّ الأنبياء والصالحون، ونورك ونجومك من نور محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو فيّ. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فخصمتها بهذا أو مثل هذا »(١) .

١٢ - دلالة الأحاديث على الأفضلية بسبب كون اسمه على العرش

وفي بعض الأحاديث دلالة واضحة على أفضلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكون اسمه مكتوباً على العرش:

قال أبو إسحاق الثعلبي: « أخبرنا أبو عمر محمّد الفريابي بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما أعطي موسى الألواح نظر فيها. فقال: يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحداً من العالمين قبلي. قالَ: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي، فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ، أي بقوة وجد ومحافظة تموت على حب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال موسى: يا رب ومن محمّد؟

قال: أحمد الذي أثبت اسمه

على عرشي قبل أن أخلق السماوات

و الأرض بألفي عام، وأنه نبيي وصفيي وخيرتي من خلقي، وهو أحبّ إليَّ من

____________________

(١). المنتقى في سيرة المصطفى - مخطوط.


جميع خلقي وجميع ملائكتي.

فقال موسى: يا رب إنْ كان محمد أحبّ إليك من جميع خلقك، فهل خلقت أمة أكرم عليك من أمتي؟

قال الله تعالى: إن فضل أمة محمّد على سائر الأمم كفضلي على جميع الخلق »(١) .

قلت : فإن وصفه عز وجل وتشريفه بأنه الذي أثبت اسمه على عرشه يدل على أن ذلك فضل عظيم يوجب ظهور أفضليته من جميع الخلائق، فتقدم خلقه أيضاً يدل على المعنى المذكور، فعلي كذلك، لأن خلقه من خلق النبي، وهو مخلوق مما خلق منه.

١٣ - استدلال آدم (ع) لأفضليّة نبينا (ص) بكون اسمه مع اسم الله

وفي بعض الأحاديث الصحيحة سنداً: أن آدم عليه‌السلام استدل على أفضليّة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكونه أعظم قدراً عند الله، بمقارنة اسمه لاسمه عز وجل في العرش، وذلك عند التوسل به إلى الله ليغفر له خطيئته

وقد روى هذا الحديث جماعة من أعاظم حفاظ أهل السنة كالطبراني، والقاضي عياض في ( الشفاء )، والسيوطي في ( الخصائص ) عن الحاكم والبيهقي وأبي نعيم وابن عساكر والطبراني، والسمهودي في ( خلاصة الوفا ) عن الحاكم، والقسطلاني في ( المواهب اللدنية )، والديار بكري في ( الخميس ) عن عياض، والمناوي في ( الاتحافات السنية ) عن جماعة، والحلبي في ( إنسان العيون ) وغيرهم.

قال الطبراني: « حدثنا محمد بن داود بن أسلم الصدفي المصري، حدثنا

____________________

(١). العرائس: ٢٨٠.


أحمد بن سعيد المدني الفهري، حدّثنا عبد الله بن إسماعيل المدني، عن عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم، عن أبيه عن جده عن ابن الخطاب قال:

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما أذنب آدم عليه‌السلام الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى العرش وقال: أسألك بحق محمد إلّا غفرت لي، فأوحى الله إليه: وما محمّد؟ ومن محمّد؟ فقال: تبارك اسمك، لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدراً ممن جعلت اسمه مع اسمك، فأوحى الله عز وجل إليه: يا آدم إنه آخر النبيين من ذرّيّتك، وإن أمته آخر الأمم من ذريتك »(١) .

وقال الشيخ عبد الوهاب السبكي في ( شفاء الأسقام ) في معنى التوسل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل خلقه وبعده وبعد موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما نصه:

« أقول: إن التوسّل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جائز في كلّ حال قبل خلقه، وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته، في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة، وهو على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن يتوسل به بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به أو بجاهه أو ببركته، فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة، وقد ورد في كلّ منها خبر صحيح، أمّا الحالة الأولى قبل خلقه، فيدل لذلك آثار عن الأنبياء الماضين صلوات الله عليهم وسلامه، اقتصرنا منها على ما تبيّن لنا صحّته وهو:

ما رواه الحاكم أبو عبد الله ابن البيع في المستدرك على الصحيحين أو أحدهما قال: حدثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل، حدثنا أبو الحسن محمد ابن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حدّثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري، حدّثنا إسماعيل بن مسلمة، أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جدّه

____________________

(١). المعجم الصغير ٢ / ٨٢.


عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمدٍ لما غفرت لي. فقال الله تعالى: يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لـمّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلّا الله محمد رسول الله، فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلّا أحب الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق، إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولو لا محمد ما خلقتك.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب.

و رواه البيهقي أيضاً في دلائل النبوة وقال: تفرّد به عبد الرحمن.

و ذكره الطبراني وزاد فيه وهو آخر الأنبياء من ذريتك.

وذكر الحاكم مع هذا الحديث أيضاً عن علي بن جمشاد العدل، حدثنا هارون بن العباس الهاشمي، حدثنا جندل بن والق، حدثنا عمرو بن أوس الأنصاري، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: أوحى الله إلى عيسى عليه‌السلام يا عيسى آمن بمحمد ومر من أدركه من أمتك أن يومنوا به، فلو لا محمّد ما خلقت آدم، ولو لا محمّد ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت لا إله إلّا الله فسكن. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. قاله الحاكم.

والحديث المذكور لم يقف ابن تيمية عليه بهذا الإِسناد، ولا بلغه أن الحاكم صححه فإنه قال - أعني ابن تيمية -: أما ما ذكروه في قصة آدم من توسله به فليس له أصل ولا نقله أحد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإسناد يصلح الاعتماد عليه ولا الإعتبار ولا الاستشهاد. ثم ادعى ابن تيمية أنه كذب، وأطال الكلام في ذلك جدّاً بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص.

ولو بلغه أن الحاكم صححه لما قال ذلك، أو لتعرض للجواب عنه، وكأني


به إنْ بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرحمن بن زيد بن أسلم راوي الحديث، ونحن قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم، وأيضاً عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا يبلغ في الضعف إلى الحد الذي ادّعاه، وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع. وقد ورد فيه هذا الحديث وسنزيد هذا المعنى صحة وتبيينا بعد استيفاء الأقسام. وأما ما ورد من توسل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء فذكره المفسّرون واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيحه ».

ليس أحد أعظم قدراً عند الله بعد النبي من علي لأن اسمه مع اسمهما

أقول : ولقد جاءت أحاديث كثيرة تنص على أن اسم علي عليه‌السلام مكتوب على العرش مع اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وبذلك تظهر أفضليته من بعده، وأنه أعظم قدراً عند الله بعد الرسول من جميع الخلق، سواء الأنبياء وغيرهم.

ونحن نكتفي هنا بذكر بعض تلك الروايات، فنقول:

١ - إسم علي مكتوب على العرش

ففي عدّة أحاديث في كتب أهل السنة مكتوب اسم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام على العرش بعد كلمة التوحيد واسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيعلم أنه ليس أحد أعظم عند الله قدراً ممن جعل اسمه مع اسمه واسم نبيه، وقد جاء ذلك في رواية:

١ - القاضي عياض عن أبي الحمراء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قال رسول الله: لما أسري بي إلى السماء، إذا على العرش مكتوب: لا إله إلّا الله محمد رسول الله أيّدته بعلي »(١) .

____________________

(١). الشفاء - ١٣٨.


٢ - ابن المغازلي بسنده عن أبي الحمراء قال: « سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لما أسري بي إلى السماء رأيت على ساق العرش الأيمن: أنا وحدي لا إله غيري، غرست جنة عدن بيدي، محمّد صفوتي، أيّدته بعلي »(١) .

٣ - الخوارزمي عنه : قال « قال: رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيت ليلة أُسري بي مثبتا على ساق العرش: أنا غرست جنة عدن بيدي محمّد صفوتي من خلقي أيّدته بعلي »(٢) .

٤ - المحب الطبري حيث قال: « ذكر اختصاصه بتأييد الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به وكتبه ذلك على ساق العرش وعلى بعض الحيوان.

عن أبي الحمراء قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليلة أُسري بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش الأيمن، فرأيت كتاباً عن يمينه: محمّد رسول الله أيدته بعلي ونصرته به. خرجه الملّا في سيرته.

عن ابن عباس قال: كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا بطائر في فيه لوزة خضراء، فألقاها في حجر النبي فقبّلها ثم كسّرها، فإذا في جوفها ورقة خضراء مكتوبة: لا إله إلّا الله محمد رسول الله نصرته بعلي. خرّجه أبو الخير القزويني الحاكمي »(٣) .

٥ - الزرندي قال: « ويروى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لما أسري بي رأيت في ساق العرش مكتوباً: لا إله إلّا الله محمد رسول الله صفوتي عن خلقي أيدته بعلي ونصرته به.

و في رواية: رأيت على ساق العرش الأيمن مكتوباً: إني الله وحدي لا إله غيري، غرست جنة عدن بيدي محمّد صفوتي أيّدته بعلي »(٤) .

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي ٣٩.

(٢). المناقب ٢٢٩.

(٣). الرياض النضرة ٢ / ٢٢٧.

(٤). نظم درر السمطين ١٢٠.


٦ - شهاب الدين أحمد عن الطبري والزرندي كما تقدم، وعن أبي الحمراء ثم قال: « رواه الحافظ أبو بكر الخطيب »(١) .

٧ - السيوطي : « أخرج ابن عدي وابن عساكر عن أنس قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوباً لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أيدته بعلي »(٢) .

٨ - ولي الله الدهلوي عن أنس كذلك(٣) .

وفي رواية غيرهم

٢ - إسم علي مقرون باسم النبي في مواطن

ولقد قرن اسم علي عليه‌السلام باسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد كلمة التوحيد في أربعة مواطن، جاء ذلك في حديث رواه السيد الهمداني:

« عن علي رضي‌الله‌عنه قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني رأيت اسمك مقروناً باسمي في أربعة مواطن فأنست بالنظر إليه: لما بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرة بها: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أيدته بوزيره ونصرته بوزيره. فقلت لجبرئيل: ومن وزيري؟ قال: علي بن أبي طالب، فلما انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت عليها: إني أنا الله لا إله إلّا أنا وحدي ومحمّد صفوتي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره. فقلت لجبرئيل: من وزيري؟ قال: علي بن أبي طالب، فلما جاوزت من سدرة المنتهى وانتهيت إلى عرش رب العالمين وجدت مكتوباً على قوائمه: إني أنا الله لا إله إلّا أنا محمّد حبيبي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره. فلما هبطت إلى الجنة وجدت مكتوباً على

____________________

(١). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٢). الخصائص الكبرى ١ / ٧، وانظر الدر المنثور له ٤ / ١٥٣.

(٣). ازالة الخفا ٢ / ١٤٨.


باب الجنة: لا إله إلّا أنا محمّد حبيبي من خلقي أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره »(١) .

٣ - اسم علي مكتوب على باب الجنة

وروي أن اسمه مكتوب مع اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعنوان « أخو رسول الله » على باب الجنة.

وقد جاء ذلك في رواية جماعة منهم:

١ - الخوارزمي بسنده عن جابر بن عبد الله حيث قال: « أخبرني شهردار هذا إجازة قال: أخبرنا محمود بن إسماعيل الأشقر قال: أخبرنا أحمد بن الحسين ابن فادشاه قال: أخبرنا الطبراني عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن زكريا بن يحيى بن سالم، عن أشعث بن عمر، عن الحسن بن صالح - وكان يفضّل على الحسن - عن مسدد عن عطية عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مكتوب على باب الجنة محمد رسول الله علي بن أبي طالب أخو رسول الله قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بألفي عام »(٢) .

٢ - شهاب الدين أحمد في « الباب الرابع عشر في أن اسمه قرين اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العرش والجنان، فيا له من روح الروح وبرد الجنان » عن الصالحاني بإسناده عن ابن مردويه عن جابر مرفوعاً، وعن الخطيب عن جابر وفيه: بألف ألف سنة(٣) .

٣ - الصفوري قال: « وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مكتوب على باب الجنة: محمّد رسول الله علي أخو رسول الله، قبل أن يخلق السموات بألفي عام »(٤) .

____________________

(١). مودة القربى. انظر ينابيع المودة: ٢٥٦.

(٢). مناقب امير المؤمنين ٨٧.

(٣). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٤). نزهة المجالس ٢ / ٢٠٧.


٤ - محمّد صدر عالم عن الطبراني في الأوسط وابن عساكر والخطيب في المتفق والمفترق عن جابر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

٥ - البدخشاني عن الطبراني والخطيب كما تقدم. ثم قال: « وفي رواية أخرى عند أحمد عنه مرفوعاً: رأيت مكتوباً على باب الجنة لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي أخوه »(٢) .

٤ - « علي ولي الله » مكتوب على أبواب الجنة

و في رواية عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكتوب على كلّ بابٍ من أبواب الجنة « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي ولي الله » وبعدها كلمات فيها حكم عالية ومواعظ غالية، وقد جاء ذلك في رواية:

١ - الحمويني بسنده عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث طويل يشتمل على فوائد جمة

٢ - الزرندي عن الحمويني في ( نظم درر السمطين ).

٣ - السيد شهاب الدين أحمد عن الزرندي عن الحمويني.

و هذا نصه بطوله عن الحمويني:

« عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما أسري بي إلى السماء أمر بعرض الجنة والنار عليَّ، فرأيتهما جميعاً رأيت الجنة وألوان نعيمها، ورأيت النار وأنواع عذابها، فلمّا رجعت قال لي جبرئيل عليه‌السلام : قرأت يا رسول الله ما كان مكتوباً على باب الجنة وما كان مكتوباً على أبواب النار؟ فقلت: لا يا جبرئيل. فقال: إن للجنة ثمانية أبواب على كلّ باب

____________________

(١). معارج العلى - مخطوط.

(٢). مفتاح النجا - مخطوط.


منها أربع كلمات كلّ كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن تعلّمها واستعملها، وإن للنار سبعة أبواب على كلّ باب منها ثلاث كلمات كلّ كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن تعلّمها وعرفها فقلت: يا جبرئيل إرجع معي لأقرأها، فرجع مع جبرئيل عليه‌السلام فبدأ بأبواب الجنة.

فإذا على الباب الأول مكتوب: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي ولي الله، لكلّ شيء حيلة وحيلة طلب العيش في الدنيا أربع خصال: القناعة ونبذ الحقد وترك الحسد ومجالسة أهل الخير.

و على الباب الثاني مكتوب لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي ولي الله، لكلّ شيء حيل وحيلة السرور في الآخرة أربع خصال: مسح رأس اليتامى والتعطف على الأرامل والسعي في حوائج المسلمين وتفقد الفقراء والمساكين.

وعلى الباب الثالث مكتوب لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي ولي الله، لكلّ شيء حيلة وحيلة الصحة في الدنيا أربع خصال: قلّة الطعام وقلّة الكلام، وقلّة المنام، وقلّة المشي.

و على الباب الرابع مكتوب لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي ولي الله، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليبرّ والديه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت.

و على الباب الخامس مكتوب لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي ولي الله، من أراد أن لا يذل فلا يذل، ومن أراد أن لا يشتم فلا يشتم، ومن أراد أن لا يظلم فلا يظلم، ومن أراد أن يستمسك بالعروة الوثقى فليستمسك بقول لا إله إلّا الله محمّد رسول الله.

و على الباب السادس منها مكتوب لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي ولي الله، من أحبّ أن يكون قبره واسعا فسيحا فلينقّ المساجد، من أحبّ أن لا يأكله الديدان تحت الأرض فليكنس المساجد، من أحبّ أن لا يظلم لحده فلينوّر


المساجد، من أحبّ أن يبقى طريّاً تحت الأرض فليشتر بسط المساجد.

وعلى الباب السابع منها مكتوب لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي ولي الله، بياض القلب في أربع خصال: في عيادة المريض واتّباع الجنائز وشراء أكفان الموتى ورفع القرض.

و على الباب الثامن منها مكتوب لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي ولي الله، من أراد الدخول من هذه الأبواب الثمانية فليستمسك بأربع خصال: بالصدقة والسخاء وحسن الخلق وكف الأذى عن عباد الله عز وجل.

ثم جئنا إلى النار فإذا على الباب الأول منها ثلاث كلمات: لعن الله الكاذبين، لعن الله الباخلين، لعن الله الظالمين.

وعلى الباب الثاني منها مكتوب: من رجى الله سعد، ومن خاف الله أمن، والهالك المغرور من رجى سوى الله وخاف غيره.

وعلى الباب الثالث منها مكتوب: من أراد أن لا يكون عرياناً في القيامة فليكس الجلود العارية، ومن أراد أن لا يكون جائعا في القيامة فليطعم الجائع في الدنيا، ومن أراد أن لا يكون عطشاناً في يوم القيامة فليسق العطشان في الدنيا.

وعلى الباب الرابع منها مكتوب: أذلّ الله من أهان الاسلام، أذلّ الله من أهان أهل البيت بيت نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أذلّ الله من اعان الظالمين على ظلم المخلوقين.

و على الباب الخامس لا تتبّع الهوى فإن الهوى يجانب الايمان، ولا تكثر منطقك فيما لا يعنيك فتسقط من عين ربك، ولا تكن عوناً للظالمين فإن الجنة لم تخلق للظالمين.

و على الباب السادس منها مكتوب: أنا حرام على المجتهدين، أنا حرام على المصدقين، أنا حرام على الصائمين.

وعلى الباب السابع منها مكتوب: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وبّخوا أنفسكم قبل أن توبخوا وادعوا الله عز وجل قبل أن تردوا عليه فلا تقدروا على


ذلك.

رواه الزرندي وقال: نقل الشيخ العالم صدر الدين إبراهيم بن محمّد بن المؤيد رحمه الله تعالى في كتابه فضل أهل البيت ».

٥ - « على ولي الله » مكتوب على باب الجنة بالذهب

و في حديث آخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رأيت على باب الجنة مكتوباً بالذهب: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي ولي الله ».

و قد جاء هذا في رواية السيد الشهاب الدين احمد حيث قال في « اسماء امير المؤمنين » ما نصه:

« ومنها ولي الله. عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده على بن أبى طالب رضي‌الله‌عنه وعنهم أجمعين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آبائه وبارك وسلم: لما اسرى بى إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً بالذهب لا اله إلّا الله محمد رسول الله علي ولي الله.

الحديث بتمامه سيأتي في بابه. رواه الحافظ أبو موسى بأسناده »(١) .

٦ - « علي حبيب الله » مكتوب على باب الجنة

و رووا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه رأى على باب الجنة مكتوباً. لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي حبيب الله. الحديث.

وقد جاء ذلك في رواية جماعة. منهم:

١ - الخوارزمي بسنده عن ابن عباس قال:

____________________

(١). توضيح الدلائل - مخطوط.


« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمـّا عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي حبيب الله الحسن والحسين صفوة الله فاطمة أمة الله علي مبغضيهم لعنة الله»(١) .

٢ - البدخشاني عن الخطيب والحافظ الرسعني عن ابن عباس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

٣ - السيد شهاب الدين أحمد في ( أسماء أمير المؤمنين ) قال:

« منها حبيب الله. عن ابن عباس حبيب الله.

الحديث بتمامه سيأتي في بابه، رواه الصالحاني في بابه باسناده »(٣) .

٧ - « على مقيم الحجة » مكتوب على العرش

و جاء « مكتوب على العرش: لا إله إلّا الله محمّد نبي الرحمة علي مقيم الحجة »

وفي رواية:

١ - الخوارزمي بسنده عن عبد الله بن مسعود قال:

« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمـّا أن خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم فقال الحمد لله، فأوحى الله تعالى: حمدني عبدي، وعزّتي وجلالي لو لا عبدان أريد أن أخلقهما في الدار الدنيا ما خلقتك، قال: إلهي ويكونان مني؟ قال نعم: يا آدم إرفع رأسك وانظر، فرفع رأسه فإذا مكتوب على العرش: لا إله إلّا الله محمّد نبي الرحمة علي مقيم الحجة، من عرف حق علي زكي وطاب، ومن أنكر حقه لعن وخاب، أقسمت بعزتي أن أدخل الجنة من أطاعه وإنْ عصاني،

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين: ٢١٤.

(٢). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

(٣). توضيح الدلائل - مخطوط.


وأقسمت بعزتي أن أدخل النار من عصاه وإنْ أطاعني »(١) .

٢ - شهاب الدين أحمد في أسمائه عليه‌السلام : « ومنها مقيم الحجة » عن الصالحاني عن الخوارزمي(٢) .

٣ - القندوزي البلخي عن الخوارزمي كذلك(٣) .

٨ - « علي ولي الله » مكتوب على جناح جبرائيل

و في حديث أنه مكتوب على أحد جناحي جبرئيل: « لا إله إلّا الله علي الوصي » وعلى الآخر: « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله » فقد جاء اسم علي عليه‌السلام موصوفاً بالوصاية بعد اسم الله تعالى، وقد ورد هذا في رواية:

١ - الخوارزمي حيث قال: « أخبرني شهردار هذا إجازة قال: أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني هذا كتابه، قال: حدّثنا أبو طاهر الحسين بن علي بن سلمة، قال: حدثنا أبو الفرج الصامت بن صهيب بن عباد قال: حدثني أبي عن جعفر بن محمّد عن أبيه، عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبرئيل وقد نشر جناحيه فإذا مكتوب على أحد جناحيه: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، ومكتوب على الآخر: لا إله إلّا الله علي الوصي »(٤) .

٢ - السيد شهاب أحمد في أسماء علي عليه‌السلام قائلاً: « ومنها: وصي الله وخليفة الله. عن الامام جعفر الصادق عن أبيه الامام عن جده الامام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم رواه الصالحاني بإسناده أيضاً »(٥) .

____________________

(١). المناقب للخوارزمي: ٢٢٧.

(٢). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٣). ينابيع المودة: ١١.

(٤). المناقب: ٩٠.

(٥). توضيح الدلائل - مخطوط.


٩ - « علي بن أبي طالب مقيم الحجة » مكتوب بين كفّي صرصائيل

و في حديث آخر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى: « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي مقيم الحجة » مكتوباً بين كفي صرصائيل.

وقد ورد هذا في رواية:

الخوارزمي بسنده عن الامام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه

و هذا نص عبارته: « أنبأني أبو العلاء الحافظ الهمداني هذا والامام الأجل نجم الدين أبو منصور محمّد بن الحسين بن محمّد البغدادي، قالا: أنبأنا الشريف الامام الأجل نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمّد بن علي الزينبي، عن الامام محمّد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان، قال: حدّثنا المعافا بن زكريا عن الحسن بن علي العاصمي [ الهاشمي ] عن صهيب عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه [ عليهم‌السلام ] قال: بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم سلمة فهبط عليه ملك له عشرون رأساً، في كل رأس ألف لسان، يسبّح الله ويقدّمه بلغة لا تشبه الأخرى، راحته أوسع من سبع سماوات وسبع أرضين، فحسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه جبرئيل فقال: جبرئيل لم تأتني في هذه الصورة قط، قال: ما أنا جبرئيل، أنا صرصائيل بعثني الله إليك لتزوّج النور من النور، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من؟ وإلى من؟ قال: ابنتك فاطمة من علي بن أبي طالب.

فزوّج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة من علي بشهادة جبرئيل وميكائيل وصرصائيل.

قال: فنظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا بين كفي صرصائيل مكتوب: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي بن أبي طالب مقيم الحجة. فقال النبي: يا


صرصائيل منذ كم [ كتب ] هذا بين كفيك؟ قال: من قبل أن يخلق الله الدنيا باثني عشر ألف سنة »(١) .

١٠ - « أيّد الله محمّداً بعلي » مكتوب على جبهة ملك:

و جاء في حديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى ملكاً مكتوب على جبهته « أيد الله محمّداً بعلي ».

و قد جاء هذا في رواية:

الخوارزمي بسنده عن محمّد بن الحنيفة قال:

« قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمـّا عرج بي الى السماء رأيت في السماء الرابعة [ أ ] والسادسة ملكاً نصفه من النار ونصفه من ثلج في جبهته مكتوب: أيّد الله محمّداً بعلي، فبقيت متعجباً، فقال لي الملك: لم تتعجب؟ كتب الله في جبهتي ما ترى قبل الدنيا بألفي عام »(٢) .

١١ - « علي ولي الله » مكتوب على لواء الحمد:

روى ذلك السيد علي الهمداني عن عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في حديث سأله عن لواء الحمد(٣) .

١٢ - « آل محمّد خير البرية » مكتوب على لواء النور:

روى ذلك أبو نعيم الحافظ عن جابر بن عبد الله قال:

« بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً في مسجد المدينة فذكر بعض

____________________

(١). المناقب ٢٤٥ وفيه بدل الكف: الكتف.

(٢). المصدر نفسه ٢١٨.

(٣). مودة القربى - ينابيع المودة: ٢٥٢.


أصحابنا الجنة، قال دجانة: يا رسول الله سمعتك تقول الجنة محرم على النبيين وسائر الأمم حتى أدخلها، فقال له: أما علمت أن لله لواء من نور وعموداً من زبرجد خلقهما قبل أن يخلق السماوات بألفي سنة مكتوب على رداء ذلك اللواء: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله آل محمّد خير البرية، صاحب اللواء أمام القوم فقال علي: الحمد لله الذي هدانا بك واكرمنا وشرّفنا. فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما علمت أن من أحبّنا وامتحن أسكنه الله معنا، وتلا هذه الآية ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) (١) .

١٣ - « محمّد رسول الله نصرته بعلي » مكتوب على درةٍ أو ورقةٍ خضراء

و جاء في حديث: أن « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله نصرته بعلي » مكتوب على درةٍ او ورقة خضراء موجودة في لوزة خضراء أحضرت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد روى هذا الحديث جماعة منهم:

١ - محب الدين الطبري وقد تقدّم حديثه.

٢ - ابن المغازلي رواه بسنده عن سعيد بن جبير قال: « جاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جوعاً شديداً، فأتى الكعبة فأخذ بأستارها وقال: أللهم لا تجع محمّداً أكثر مما أجعته. قال: فهبط جبرئيل ومعه لوزة فقال: إن الله تبارك وتعالى يقرأ عليك السلام ويقول لك: فكّ عنها فإذا فيها ورقة خضراء مكتوب فيها: صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محمّد رسول الله أيّدته بعلي ونصرته به. فما أنصف الله من اتّهمه في قضائه واستبطأه في رزقه ».

٣ - القندوزي عن ابن المغازلي عن ابن عباس.

٤ - الصفوري عن ابن عباس قال: « كنا عند رسول الله صلّى الله عليه

____________________

(١). منقبة المطهرين - مخطوط.


وسلّم وإذا بطائر في فمه لوزة خضراء، فألقاها فأخذها النبي، فوجد فيها درة خضراء مكتوب عليها بالصفرة: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله نصرته بعلي ».

١٤ - تقدّم النبوة دليل الأفضلية وهو فرع تقدّم النور الذي منه علي أيضا ً

إن تقدّم نبوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل على أفضليته، ومن المعلوم أن ذلك فرع تقدّم نوره، فهذا يدل على ذلك بالأولوية.

وبما أن علياً عليه‌السلام قد خلق من نفس النور الذي خلق منه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه كذلك يكون أفضل من جميع المخلوقين عدا الرسول، وعلى هذا، فلا وجه لتقدّم أحد عليه نبياً كان أو صحابياً

من أحاديث تقدّم نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وأمّا شواهد تقدّم نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من الأحاديث وأقوال العلماء - فكثيرة جداً، نذكر هنا بعضها:

(١) البخاري بسنده: « عن عرباض بن سارية صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: سمعت رسول الله يقول: إني عبد الله وخاتم النبيين وإنّ آدم لمنجدل في طينه وسأخبركم عن ذلك، أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بن مريم ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات الأنبياء يرين، وإن أم رسول الله رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام »(١) .

(٢) الترمذي بسنده عن أبي هريرة قال: « قالوا: يا رسول الله متى وجبت

____________________

(١). التاريخ الصغير: ١ / ١٣.


لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد.

هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة، لا نعرفه إلّا من هذا الوجه »(١) .

(٣) أبو نعيم حيث قال: « ذكر ما روي في تقدّم نبوته قبل تمام خلقة آدم ».

فرواه بألفاظ وأسانيد مختلفة عن أبي هريرة وميسرة وابن سارية(٢) .

(٤) الكازروني بسنده عن عبد الله بن شفيق(٣) .

(٥) السيوطي حيث قال: « باب خصوصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكونه أول النبيين في الخلق، وتقدم نبوته، وأخذ الميثاق ».

فرواه عن ابن أبي حاتم وأبي نعيم عن أبي هريرة.

وعن أبي سهل القطان، عن سهل بن صالح الهمداني، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليهما‌السلام .

وعن أحمد والبخاري والحاكم والطبراني وأبي نعيم عن ميسرة.

وعن أحمد والحاكم والبيهقي عن العرباض بن سارية.

وعن الحاكم والبيهقي وأبي نعيم عن أبي هريرة.

وعن البزار والطبراني وأبي نعيم من طريق الشعبي عن ابن عباس.

وعن أبي نعيم عن عمر.

وعن ابن سعد عن ابن أبي الجدعاء.

ثم إن السيوطي نقل عن تقي الدين السبكي كلاماً في معنى هذه الأحاديث هذا نصه: « فائدة: قال الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه التعظيم والمنة في ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) :

في هذه الآية من التنويه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعظيم قدره العلي ما

____________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٥٨٥.

(٢). دلائل النبوة: ١ / ٥٤.

(٣). المنتقى من سيرة المصطفى - مخطوط.


لا يخفى، وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلاً إليهم، فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة، وتكون الأنبياء وأممهم كلّهم من أمته، ويكونقوله « بعثت إلى الناس كافة » لا يختص به الناس من زمانه إلى القيامة، بل يتناول من قبلهم أيضاً.

ويتبين بذلك المعنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كنت نبيّاً وآدم بين الروح والجسد » وأن من فسّره بعلم الله بأنه سيصير نبيّاً لم يصل إلى هذا المعنى، لأن علم الله محيط بجميع الأشياء، ووصف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوة في ذلك الوقت ينبغي أن يفهم منه أنه أمر ثابت له في ذلك الوقت، ولهذا رأى آدم اسمه مكتوباً على العرش محمّد رسول الله، فلا بدّ أن يكون ذلك معنى ثابتاً في ذلك الوقت، ولو كان المراد بذلك مجرد العلم بما سيصير في المستقبل لم يكن له خصوصية بأنه نبي وآدم بين الروح والجسد، لأن جميع الأنبياء يعلم الله نبوتهم في ذلك الوقت وقبله، فلا بد من خصوصيّة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجلها أخبر بهذا الخبر إعلاماً لأمته ليعرفوا قدره عند الله تعالى، فيحصل لهم الخير بذلك.

وقال: فإنْ قلت: أريد أن أفهم ذلك القدر الزائد، فإن النبوة وصف لا بدّ أن يكون الموصوف به موجودا، وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنة أيضا، فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله وإن صح ذلك فغيره كذلك.

قلت: قد جاء إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون الاشارة بقوله: كنت نبياً إلى روحه الشريفة وإلى حقيقته، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعلمها خالقها ومن أمده بنور إلهي، ثم إنّ تلك الحقائق يؤتى الله كلّ حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي شاء، فحقيقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف، بأن يكون خلقها متهيئة لذلك، وأفاضه عليها من ذلك الوقت، فصار نبيا وكتب اسمه على العرش وأخبر عنه بالرسالة ليعلم ملائكته وغيرهم كرامته عنده، فحقيقته موجودة من ذلك الوقت وإنْ تأخّر جسده الشريف المتصف بها، واتصاف حقيقته بالأوصاف الشريفة


المفاضة عليه من الحضرة الالهية، وإنما يتأخر البعث والتبليغ وكل ما له من جهة الله، ومن تأهل ذاته الشريفة وحقيقته معجل لا تأخير فيه.

وكذلك استنباؤه وإيتاؤه الكتاب والحكم والنبوة، وإنما المتأخّر تكوّنه وتنقله إلى أن ظهر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره من أهل الكرامة، وقد تكون إفاضة الله تلك الكرامة عليه بعد وجوده بمدة كما يشاء سبحانه، ولا شك أن كلما يقع فالله عالم به من الأزل ونحن نعلم علمه بذلك بالأدلة العقلية والشرعية، ويعلم الناس منها ما يصل اليهم عند ظهوره كعلمهم نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين نزل عليه القرآن في أول ما جاءه جبرئيل، وهو فعل من أفعاله تعالى من جملة معلوماته، ومن آثار قدرته وإرادته واختياره في محل خاص يتّصف بها، فهاتان مرتبتان الأولى معلومة بالبرهان والثانية ظاهرة للعيان، وبين المرتبتين وسائط من أفعاله تعالى تحدث على حسب اختياره، منها ما يظهر لهم بعد ذلك، ومنها ما يحصل به كمال لذلك المحل وإنْ لم يظهر لأحدٍ من المخلوقين، وذلك ينقسم إلى كمال يقارن ذلك الحمل من حين خلقه وإلى كمال يحصل له بعد ذلك، ولا يصل علم ذلك إلينا إلّا بالخبر الصادق والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير الخلق، فلا كمال لمخلوق أعظم من كماله ولا محل أشرف من محله.

فعرفنا بالخبر الصحيح حصول ذلك الكمال من قبل خلق آدم لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ربه سبحانه وأنه أعطاه النبوة من ذلك الوقت، ثم أخذ له المواثيق على الأنبياء ليعلموا أنه المقدّم عليهم، وأنه نبيهم ورسولهم، وفي أخذ المواثيق - وهي في معنى الاستخلاف، ولذلك دخلت لام القسم في ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) لطيفة أخرى وهي كأنها إيمان للبيعة التي تؤخذ للخلفاء، ولعل إيمان الخلفاء أخذت من هنا، فانظر هذا التعظيم العظيم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ربه سبحانه وتعالى.

فإذا عرف ذلك فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو نبي الأنبياء، ولهذا أظهر في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه، وفي الدنيا كذلك ليلة الإِسراء صلّى بها، ولو اتفق


مجيؤه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الإِيمان به ونصرته، وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم ورسالته إليهم معنى حاصل له، وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه، فتأخر ذلك لأمر راجع إلى وجودهم لا إلى عدم اتصافه بما تقتضيه، وفرق بين توقف الفعل على قبول المحل وتوقفه على أهلية الفاعل، فههنا لا توقف من جهة الفاعل ولا من جهة ذات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشريفة، وإنما من جهة وجود العصر المشتمل عليه، فلو وجد في عصرهم لزمهم اتباعه بلا شك.

ولهذا يأتي عيسى في آخر الزمان على شريعته وهو نبي كريم على حاله، لا كما يظن بعض الناس أنه يأتي واحداً من هذه الأمة، نعم هو واحد من هذه الأمة لما قلناه من اتباعه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما يحكم بشريعة نبينا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن والسنة، وكلّ ما فيها من أمر أو نهي فهو متعلق به كما يتعلق بسائر الأمة، وهو نبي كريم على حاله لم ينقص منه شيء، وكذلك لو بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمانه أو في زمن موسى وإبراهيم ونوح وآدم كانوا مستمرين على نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبي عليهم ورسول إلى جميعهم.

فنبوته ورسالته أعم وأشمل وأعظم ومتفق مع شرائعهم في الأصول، لأنها لا تختلف، وتقدّم شريعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما عساه يقع الاختلاف فيه من الفروع إما على سبيل لتخصيص وإما على سبيل النسخ أولا نسخ ولا تخصيص، بل تكون شريعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الأوقات بالنسبة إلى أولئك الأمم ما جاءت به أنبياءهم، وفي هذا الوقت بالنسبة إلى هذه الأمة هذه الشريعة، والأحكام تختلف باختلاف الأشخاص والأوقات.

وبهذا بان لنا معنى حديثين كان خفياً عنا، أحدهما: قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بعثت إلى الناس كافة، كنّا نظن أنه من زمانه إلى يوم القيامة، فبان أنه جميع الناس أوّلهم وآخرهم. والثاني: قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت نبياً وآدم


بين الروح والجسد، كنا نظن أنه بالعلم، فبان أنه زائد على ذلك على ما شرحناه، وإنما يفترق الحال بين ما بعد وجود جسده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبلوغه الأربعين، وما قبل ذلك بالنسبة إلى المبعوث إليهم وتأهلهم لسماع كلامه، لا بالنسبة إليه ولا إليهم لو تأهلوا قبل ذلك، وتعليق الأحكام على الشروط قد يكون بحسب المحل القابل وقد يكون بحسب الفاعل المتصرف، فههنا التعليق إنما هو بحسب المحل القابل المبعوث اليهم وقبولهم سماع الخطاب من الجسد الشريف الذي يخاطبهم بلسانه، وهذا كما يوكل الأب رجلاً في تزويج ابنته إذا وجدت كفواً، فالتوكيل صحيح وذلك الرجل أهل للوكالة ووكالته ثابتة، وقد يحصل توقف التصرف على وجود كفو ولا يوجد إلّا بعد مدة، وذلك لا يقدح في صحة الوكالة وأهلية الوكيل انتهى كلام السبكي بلفظه »(١) .

(٦) القسطلاني عن أحمد والبيهقي والحاكم - وقال: صحيح الإِسناد - عن العرباض بن سارية.

وعن البخاري وأحمد وأبي نعيم - وصحّحه الحاكم - عن ميسرة.

وعن الترمذي عن أبي هريرة.

ثم أورد كلام السبكي(٢) .

(٧) الدياربكري عن أحمد ومسلم والترمذي والحاكم والبيهقي وأبي نعيم والبخاري في تاريخه(٣) .

٨ - الحلبي عن ( وفاء الوفا ) عن ميسرة(٤) .

٩ - القندوزي عن الترمذي عن أبي هريرة، وعن المشكاة عن العرباض ابن سارية(٥) .

____________________

(١). الخصائص الكبرى ١ / ٣ - ٥.

(٢). المواهب اللدنية ١ / ٥ - ٨.

(٣). تاريخ الخميس ١ / ٢٠.

(٤). انسان العيون ١ / ٣٥٥.

(٥). ينابيع المودة: ١٠.


١٠ - الجمال المحدّث (١) .

١١ - ابن حجر مصحّحاً إياه(٢) .

١٢ - وقال الاسكندري ما نصّه:

« وأما تفضيله على آدم عليه‌السلام ، فمن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت نبياً وآدم بين الماء والطين، وآدم فمن دونه من الأنبياء يوم القيامة تحت لوائي.

ولقوله: إني أوّل شافع، وإني أوّل مشفع، وإني أوّل من تنشق الأرض عنه »(٣) .

١٣ - وقال محمّد بن يوسف الشامي :

« ويستدل بخبر الشعبي وغيره - مما تقدم في الباب السابق - على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولد نبيا، فإن نبوته وجبت له حين أخذ منه الميثاق حيث استخرج من صلب آدم، فكان نبياً من حينئذ، لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك، وذلك لا يمنع كونه نبياً، كمن يولى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل، فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته وإن كان تصرفه يتأخر إلى حين مجيء الوقت، والأحاديث السابقة في باب تقدم نبوته صريحة في ذلك ».

ثم نقل حاصل كلام السبكي(٤) .

١٤ - وقال العيدروس:

« إعلم أن الله سبحانه وتعالى لما أراد إيجاد خلقه أبرز في الحقيقة المحمدية من أنواره الصمدية في حضرته الأحمدية، ثم سلخ منها العوالم كلها علوها وسفلها على ما اقتضاه كمال حكمته وسبق في إرادته وعلمه.

ثم أعلمه تعالى بكماله ونبوته وبشره بعموم دعوته ورسالته، وبأنه نبي

____________________

(١). روضة الاحباب في سيرة النبي والاصحاب.

(٢). المنح المكية في شرح الهمزية.

(٣). لطائف المنن ٤٧ - ٤٨.

(٤). السيرة الشامية.


الأنبياء وواسطة جميع الأصفياء، وأبوه آدم بين الروح والجسد »(١) .

١٥ - أخذ ميثاق نبوة محمّد دليل أفضليّة وهو دليل أفضلية علي

لقد تفرّع على تقدّم نبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ ميثاق نبوته من الأنبياء، وهذا يدل على أفضليته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد علم من الوجه السابق أن تقدّم نبوته متفرع على تقدم خلقه، فمتى دل فرع الفرع على الأفضلية دل الأصل عليها بالأولوية القطعية.

ونور علي عليه‌السلام متحد مع نوره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أيضاً مخلوق قبل آدم، فللامام عليه‌السلام فضيلة عظيمة كان أخذ الميثاق فرع فرعها، فلا ريب إذاً في أفضليته من جميع الأنبياء والمرسلين عليهم‌السلام ، فهو المتعين للخلافة عن الرسول لا غيره.

من أحاديث أخذ ميثاقه متفرعاً على تقدّم خلقه (ص):

وأما كون أخذ الميثاق متفرعاً على تقدم خلقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو المستفاد من الأحاديث العديدة:

١ - قالأبو نعيم : « ثم قدّمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الذكر على من تقدمه في البعث فقال: ( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ) إلى قوله ( وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً ) وقال: ( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) .

وذلك ما حدّثناه: أبو محمّد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب، ثنا جعفر بن عاصم، ثنا هاشم بن عمار، ثنا بقية حدّثني سعيد بن بشير، نا قتادة عن الحسن

____________________

(١). النور السافر في أعيان القرن العاشر - مقدمة الكتاب.


عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله: ( أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ) قال: كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث » ثم ذكر بثلاثة طرق أخرى عن أبي هريرة مثله(١) .

٢ - وقالالسبكي فيما نقل عنه السيوطي: « فعرفنا بالخبر الصحيح » وقد تقدّم.

٣ - ونص على ذلك الشيخ عبد الحق الدهلوي قائلاً:

« وجاء في الروايات »(٢) .

من أحاديث أفضليته من الأنبياء بسبب أخذ الميثاق منهم

وأما دلالة أخذ الميثاق على أفضليته منهم عليهم‌السلام فمن الواضحات، ومن الأحاديث والأقوال الصريحة في الدلالة على ذلك:

١ - قالأبو نعيم: « ومن فضائله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخذ الله الميثاق على جميع أنبيائه إن جاءهم رسول آمنوا به ونصروه، فلم يكن ليدرك أحد منهم الرسول إلّا وجب عليه الايمان به والنصر لأخذه الميثاق منهم، فجعلهم كلهم أتباعاً له يلزمهم الانقياد والطاعة لو أدركوه.

وذلك مما حدّثناه محمّد بن أحمد بن الحسن عن جابر عن عمر بن الخطاب قال: أتيت النبي ومعي كتاب أصبته من بعض أهل الكتب، فقال:

والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً اليوم ما وسعه إلّا أن يتبعني »(٣) .

٢ - وقالالقاضي عياض : « السابع في ما أخبر الله به في كتابه العزيز من عظيم قدره وشريف منزلته على الأنبياء وخطورة رتبته، قوله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ) إلى قوله: ( مِنَ الشَّاهِدِينَ ) .

____________________

(١). دلائل النبوة: ١ / ٤٤.

(٢). مدارج النبوة ٢ / ٣.

(٣). دلائل النبوة: ١ / ٥٠.


قال أبو الحسن القابسي: إختص الله نبينا محمّداً بفضل لم يؤته أحداً غيره أبانه به، وهو ما ذكره في هذه الآية. قال المفسرون: أخذ الله الميثاق بالوحي ولم يبعث نبياً إلّا ذكر له محمّداً ونعته وأخذ على ذلك الميثاق منه إنْ أدركه ليومننّ به.

وقيل: أن يبينه لقومه ويأخذ ميثاقهم أن يبينوه لمن بعدهم

قال علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : لم يبعث الله نبياً من آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمّد عليه الصلاة والسّلام لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، ويأخذ العهد بذلك على قومه.

ونحوه عن السدي وقتادة في آي تضمنت فضله من غير وجه واحد. قال الله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) الآية، وقال: ( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ ) إلى قوله ( وَكِيلاً ) .

و روى عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه في كلام بكى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن بعثك آخر الأنبياء وذكرك في أوّلهم فقال: ( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ) الآية بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودّون أن يكونوا أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون يقولون ( يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ) قال قتادة: إن النبي قال: كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث، فلذلك وقع ذكره مقدماً هنا قبل نوح وغيره.

قال السمرقندي: في هذا تفضيل نبينا عليه‌السلام ، لتخصيصه بالذكر قبلهم وهو آخرهم.

قال بعضهم: ومن فضله أن الله تعالى خاطب الأنبياء بأسمائهم، وخاطبه بالنبوة والرسالة في كتابه فقال يا أيها النبي، ويا أيها الرسول.

وحكى السمرقندي عن الكلبي - في قوله تعالى: ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ ) إن الهاء عائدة على محمّد، أي من شيعة محمّد لإِبراهيم، أي: علي دينه ومنهاجه، واختاره الفراء وحكاه عنه مكي، وقيل: المراد نوح عليه الصلاة


والسلام »(١) .

٣ - وللقسطلاني في المقصد السادس من كتابه بحث طويل خصّه بالموضوع هذا أوله:

« النوع الثاني في أخذ الله تعالى له الميثاق على النبيين فضلاً ومنّة ليومننّ به إن أدركوه ولينصرّنّه» نقل فيه الآيات والأحاديث(٢) .

٤ - وقالالقسطلاني ما ملخصه:

« روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: لم يبعث الله تعالى: نبيّاً من آدم فمن بعده إلّا أخذ عليه العهد في محمّد، لئن بعث وهو حي ليؤمننّ به ولينصرنّه ويأخذ العهد بذلك على قومه. وهو مروي عن ابن عباس أيضاً. ذكرهما العماد ابن كثير في تفسيره.

قال الشيخ تقي الدين السبكي: فإذا عرف هذا فالنبي نبي الأنبياء، وبهذا ظهر في الآخرة أن جميع الانبياء تحت لوائه، وفي الدنيا كذلك ليلة المعراج صلّى بهم، ولو اتفق مجيؤه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم وجب عليهم وعلى أممهم الايمان به ونصرته، وبذلك أخذ الميثاق عليهم »(٣) .

٥ - وبمثل هذا قال ابن حجر والشيخ سليمان في شرحيهما على الهمزيّة بشرح قول البوصيري:

« ما مضت فترة من الرسل إلّا

بشّرت قومها بك الأنبياء »

٦ - والشيخ القندوزي في ( ينابيع المودة ) حيث نقل حديث علي عليه‌السلام وغيره(٤) .

____________________

(١). الشفا ٣٥ - ٣٨.

(٢). المواهب اللدنية ٢ / ٥١.

(٣). المصدر نفسه ١ / ٨.

(٤). ينابيع المودة: ١٧.


أحاديث في ولاية علي وميثاق إمامته

لقد علم من كلمات أكابر أهل السنة ومشاهير أئمتهم وحفاظهم: أن أخذ ميثاق نبوّة سيد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع الانبياء والمرسلين من أوضح البراهين وأتّمها على أفضليّته منهم وتقدّمه عليهم.

ولمـّا كان هذا المعنى متفرعاً على تقدّمه في الخلق عليهم، وكان التقدم في الخلق ثابتاً لعلي عليه‌السلام ، كان هو أيضاً أفضل الخلائق بعد خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو الامام والخليفة من بعده ولا يجوز تقدم أحد عليه.

بل لقد وردت أحاديث كثيرة في كتبهم صريحة في: أنه قد أخذ من الأنبياء وغيرهم ميثاق ولاية علي وإمامته، كما أخذ منهم ميثاق نبوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون جميع ما ذكره كبار العلماء من الفضل له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ضوء أحاديث الميثاق وغيرها ثابتاً لعلي عليه‌السلام وهذا ما يقطع ألسنة المكابرين، ويضيق الخناق على المعاندين، والحمد لله رب العالمين. ولنذكر بعض تلك الأحاديث في هذا المقام:

١ - حديث بعث الأنبياء على ولاية علي

فمن تلك الأحاديث الشريفة: حديث بعث الأنبياء على ولاية سيدنا علي عليه‌السلام ، وقد رواه جماعة من أعلام أهل السنة، ومنهم:

١ - الحاكم النيسابوري.

٢ - أبو إسحاق الثعلبي.

٣ - أبو نعيم الاصفهاني.

٤ - الخطيب الخوارزمي.


٥ - عبد الرزاق الرسعني.

٦ - السيد علي الهمداني.

٧ - السيد شهاب الدين أحمد.

٨ - شمس الدين الجيلاني.

٩ - عبد الوهاب بن محمد رفيع الدين أحمد.

١٠ - ميرزا محمّد البدخشاني.

رواية الحاكم

رواه بسنده عن عبد الله بن مسعود حيث قال: « حدّثني محمّد بن المظفر الحافظ، نا عبد الله بن محمّد بن غزوان، نا علي بن جابر، نا محمّد بن خالد بن عبد الله، نا محمّد بن فضيل، نا محمّد بن سوقة عن ابراهيم عن الاسود عن عبد الله قال:

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاني ملك فقال يا محمّد: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا، قال: قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.

قال الحاكم: تفرّد به علي بن جابر عن محمّد بن خالد عن محمّد بن فضيل، ولم نكتب إلّا عن ابن مظفر، وهو عندنا حافظ ثقة مأمون »(١) .

رواية الثعلبي

ورواه الثّعلبي قائلاً: « أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن الحسين

____________________

(١). معرفة علوم الحديث: ٩٦.


الدينوري، حدّثنا أبو الفتح محمّد بن الحسين الأزدي الموصلي، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن غزوان البغدادي، حدّثنا علي بن جابر، حدّثنا محمّد بن خالد ومحمّد بن إسماعيل قال: حدّثنا محمّد بن فضيل، عن محمّد بن سوقة، عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود » مثله(١) .

رواية الخوارزمي

رواه عن شهردار الديلمي عن الحاكم عن عبد الله بن مسعود(٢) .

رواية شهاب الدين أحمد

رواه « عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): لمـّا أُسري بي ليلة المعراج فاجتمع عليّ الأنبياء في السماء فأوحى الله إليّ: سلهم يا محمّد بما ذا بعثتم؟ قالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلّا الله وعلى الإِقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب.

أورده الشيخ المرتضى العارف الرباني السيد شرف الدين علي الهمداني في بعض تصانيفه وقال: رواه الحافظ أبو نعيم »(٣) .

رواية عبد الوهاب بن محمّد

رواه عن أبي نعيم الاصبهاني عن أبي هريرة مثله(٤) .

____________________

(١). الكشف والبيان - مخطوط، بتفسير قوله تعالى في سورة زخرف ( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) .

(٢). المناقب ٢٢٠ - ٢٢١.

(٣). توضيح الدلائل - مخطوط. ومنه علم رواية أبي نعيم والهمداني.

(٤). تفسير أنورى ومنه علم رواية أبي نعيم.


رواية الجيلاني اللاهيجي

رواه في ( شرح گلشن راز ) بعد عدّة أحاديث في فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام وهي « إن علياً مني وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمن. وأيضاً: لكلّ نبي وصي ووارث وإن علياً وصيي ووارثي. وأيضاً: أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويل القرآن. وأيضاً: يا أبا بكر كفي وكف علي في العدل سواء. وأيضاً: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. وأيضاً أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى. وأيضاً: قسّمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة والناس جزء واحداً. وأيضاً: أوصي من آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب فمن تولّاه فقد تولّاني ومن تولّاني فقد تولى الله. وأيضاً: لما أسري بي ليلة المعراج فاجتمع عليّ الأنبياء في السماء. فأوحى الله تعالى إليّ سلهم يا محمّد بما ذا بعثتم؟ فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلّا الله وعلى الاقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب ».

رواية البدخشاني

رواه عن عبد الرزاق الرسعني عن ابن مسعود(١) .

٢ - حديث عرض ولاية علي على إبراهيم

ومنها: حديث عرض ولاية علي على ابراهيم عليهما‌السلام ، وقد رواه البدخشاني عن الحافظ ابن مردويه حيث قال: « أخرج ابن مردويه عن أبي عبد الله

____________________

(١). مفتاح النجا - مخطوط. ومنه علم رواية الرسعني.


جعفر بن محمّد الصادق رضي‌الله‌عنه في قوله تعالى: ( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) قال: هو علي بن أبي طالب عرضت ولايته على ابراهيم عليه‌السلام فقال: اللهم اجعله من ذريّتي، ففعل الله ذلك »(١) .

وفيه من الفضل الذي لم يحزه أحد ما لا يخفى.

٣ - حديث أخذ الله ميثاق إمارة علي من الملائكة

ومنها: ما رواه:

١ - شيرويه بن شهردار الديلمي عن حذيفة حيث قال:

« حذيفة: لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال الله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة بلى. فقال: أنا ربكم ومحمّد نبيكم وعلي أميركم »(٢) .

إذن، كل ما ثبت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثابت لعلي، وهو أفضل من الملائكة أيضاً كالنبي.

وإذا كان أفضل من الأنبياء - عدا النبي - ومن الملائكة فهو أفضل من سائر الخلق، الصحابة وغيرهم فهو الخليفة من بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا غيره، وهو الأمير وليس غيره

الديلمي وفردوس الأخبار

وشيرويه الديلمي من أكابر حفاظ أهل السنة، فقد ترجم له بكلّ إطراء

____________________

(١). مفتاح النجا - مخطوط.

(٢). فردوس الاخبار: ٣ / ٣٩٩.


وتبجيل في المعاجم الرجالية وغيرها ومن ذلك:

١ - تذكرة الحافظ للذهبي ٤ / ٥٣.

٢ - العبر له أيضاً ٤ / ١٨.

٣ - طبقات الشافعية للسبكي ٧ / ١١١.

٤ - طبقات الشافعية للاسدي.

٥ - طبقات الشافعية للاسنوي.

٦ - طبقات الحفاظ للسيوطي ٤٥٧.

٧ - فيض القدير للمناوي ١ / ٢٨.

كما يعتمد عليه ( الدهلوي ) وينقل عنه في مواضع من ( التحفة ).

وقد وصف الديلمي نفسه وولده شهردار في ( مسند الفردوس ) والهمداني في ( روضة الفردوس ) كتاب ( فردوس الأخبار ) بأوصاف جليلة، قال شهردار ما ملخصه:

« وهو كتاب نفيس، عزيز الوجود، مفتون به، جامع للغرر والدرر النبوية والفوائد الجمة والمحاسن الكثيرة، قد طنّت به الآفاق، وتنافست في تحفظه الرفاق، لم يصنّف في الإسلام مثله تفصيلاً وتبويباً، وكم ضمنه رحمه‌الله من عجائب الأخبار وغرائب الأحاديث مما لا يوجد في كثير من الكتب، فهو في الحقيقة كالفردوس.

فأمّا اليوم فقد تكثرت نسخه في البلاد بحيث لم تبق بلدة من بلاد العراق ولا كورة من أقطار الآفاق، إلّا وعلماؤها مثابرون على تحصيله، وأئمتها مكبون على اشترائه ونسخه، وفضلاؤها مواظبون على قراءته وحفظه ».

٢ - السيد علي الهمداني عن حذيفة مثله(١) .

و عن أبي هريرة قال: « قيل يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال صلّى

____________________

(١). روضة الفردوس - مخطوط. ينابيع المودة: ٢٤٨.


الله عليه وسلّم: قبل أن يخلق الله آدم وينفخ فيه الروح وقال: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة: بلى.

فقال: أنا ربكم ومحمّد نبيكم وعلى أميركم »(١) .

ترجمة الهمداني:

وقد ترجمنا للعارف المحدّث السيد علي الهمداني في بعض المجلّدات عن عدةٍ من المصادر، ومنها:

١ - خلاصة المناقب للبدخشاني.

٢ - نفحات الأنس للجامي.

٣ - كتائب الأعلام للكفوي.

٤ - الإِنتباه في سلاسل أولياء الله للدهلوي.

٣ - الشيخ عبد الوهاب بن محمّد بن رفيع الدين أحمد في ( تفسيره ) بتفسير آية المودة عند ذكر فضائل علي عليه‌السلام عن الفردوس عن حذيفة كما تقدم.

ترجمة الشيخ عبد الوهاب

وتظهر جلالة عبد الوهاب بمراجعة:

١ - أخبار الأخيار للشيخ عبد الحق الدهلوي.

٢ - تذكرة الأبرار للسيد محمّد ماه عالم.

٤ - حديث أخذ النبي الميثاق على وصاية علي من صحابته

ولقد جاء عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أخذ من صحابته

____________________

(١). مودة القربى. انظر ينابيع المودة: ٢٤٨.


ميثاقهم بالنسبة إلى إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وإمارته، كما أخذ الله ذلك من ملائكته وعرضه على أنبيائه ورسله جاء ذلك في رواية السيد علي الهمداني:

« عن عتبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه قال: بايعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن الله وحده لا شريك له، وأن محمّداً نبيه وعلياً وصيه، فإنْ تركنا الثلاثة كفرنا، وقال لنا: أحبّوا هذا فإن الله يحبه، واستحيوا منه فإن الله يستحيى منه »(١) .

ومن هذا الحديث يعلم أن الإِقرار بوصاية علي - كالاقرار بنبوة محمّد ووحدانية الله سبحانه - ركن، ومن أعرض عن ذلك وتركه فقد كفر.

١٦ - أحاديث في فضل علي مثبتة لإمامته للافضلية ومؤيدة لحديث النور

الحديث الأول

الكنجي، بسنده عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله: « قال: سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ميلاد علي بن أبي طالب، فقال: لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح: إن الله خلق علياً من نوري، وخلقني من نوره، وكلانا في نور واحد، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم إلى أصلاب طاهرة في أرحام زكية، فما نقلت من صلب إلّا ونقل علي معي، فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة، واستودع علياً خير رحم وهي فاطمة بنت أسد.

و كان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له: المبرم بن دعيب بن الشقبان، قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة، فبعث الله إليه أبا طالب، فلمّا أبصره المبرم قام إليه وقبّل رأسه وأجلسه بين يديه، ثم قال له: من أنت؟

____________________

(١). مودة القربى. انظر ينابيع المودة: ٢٤٨.


فقال: رجل من تهامة، فقال: من أي تهامة؟ فقال: من بني هاشم.

فوثب العابد فقبّل رأسه ثانية، ثم قال: يا هذا، إن العلي الأعلى ألهمني إلهاماً. قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله عز وجل، فلما كان الليلة التي ولد فيها على أشرقت الأرض. فخرج أبو طالب وهو يقول:

أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله عز وجل، فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول:

يا رب هذا الغسق الدجى

والقمر المنبلج المضي

بيّن لنا من أمرك الخفي

ما ذا ترى في اسم ذا الصبي

قال: فسمع صوت هاتف يقول:

يا أهل بيت المصطفى النبي

خصصتم بالولد الزكي

إن اسمه من شامخ العلي

علي اشتق من العلي

قلت: هذا حديث اختصرته، ما كتبناه إلّا من هذا الوجه، تفرّد به مسلم ابن خالد الزنجي، وهو شيخ الشافعي، وتفرّد به عن الزنجي عبد العزيز بن عبد الصمد وهو معروف عندنا، والزنجي لقلب لمسلم وسمي بذلك لحسنه وحمرة وجهه وجماله »(١) .

ودلالة الحديث على المطلوب واضحة.

الحديث الثاني

الكنجي أيضاً، بسنده عن مالك بن أنس عن أبي سلمة عن أبي سعيد « قال: سأل أبو عقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله من سيد المسلمين، أليس آدم؟ فقد خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وزوجه حواء أمته،

____________________

(١). كفاية الطالب ٤٠٦ - ٤٠٧.


وأسكنه جنّته، فمن يكن؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من فضّله الله عز وجل، فقال: شيث؟ فقال: أفضل من شيث، فقال: إدريس؟ فقال: أفضل من إدريس، وهكذا ذكر هوداً، وصالحاً، ولوطاً، وموسى، وهارون، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف وداود، وأيوب، ويونس، وزكريا، واليسع، وذا الكفل، وعيسى، والنبي أجاب بأنه أفضل.

قال أبو عقال: ما علمت من هو يا رسول الله: ملك مقرّب؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مكلمك يا أبا عقال - يعنى نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال أبو عقال: سررتني والله يا رسول الله.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أزيدك على ذلك؟ قال: نعم، فقال: اعلم يا أبا عقال أن الانبياء والمرسلين ثلاثمائة وثلاثة عشر نبياً، لو جعلوا في كفة وصاحبك في كفة لرجح عليهم، فقلت: ملاتني سروراً يا رسول الله، فمن أفضل الناس بعدك؟ فذكر له نفراً من قريش، ثم قال: علي بن أبي طالب، فقلت: يا رسول الله، فأيّهم أحب إليك؟ قال: علي بن أبي طالب.

فقلت: لم ذلك؟

فقال: لأني خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد.

قال: فقلت: فلم جعلته آخر القوم؟ قال: ويحك يا أبا عقال، أليس قد أخبرتك أني خير النبيين وقد سبقوني بالرسالة وبشّروا بي من قبلي، فهل ضرّني شيء إذ كنت آخر القوم؟ أنا محمّد رسول الله، وكذلك لا يضر علياً إذا كان آخر القوم، ولكن يا أبا عقال فضل علي على سائر الناس كفضل جبرائيل على سائر الملائكة.

قلت: هذا حديث حسن عال، وفيه طول إنما اختصرته، ما كتبناه إلّا من هذا الوجه »(١) .

____________________

(١). كفاية الطالب ٣١٥ - ٣١٧.


قلت : دلّ على أمير المؤمنين عليه‌السلام أحب الناس إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لأنهما خلقا من نور واحد » فهو أفضل الناس بعده، وقد صرح بذلك إذ قال: « ولكن يا أبا عقال فضل علي على الناس كفضل جبرئيل على سائر الملائكة ».

وأما ما جاء في ذيله من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعله آخر القوم فهو مما انفردوا بروايته، وليس حجة على الامامية، على أنه يناقض ما قبله، لأنه إذا كان أحب الناس إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان فضله على سائر الناس - على الاطلاق - كفضل جبرئيل على سائر الملائكة، لم يكن لأحدٍ أن يتقدّم عليه في شيء أبداً.

الحديث الثالث

الكنجي أيضاً، بسنده عن أبي أمامة الباهلي « قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقني وعلياً من شجرة واحدة فأنا أصلها، وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ عنها هوى.

و لو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام، ثم لم يدرك محبتنا أكبه الله على منخريه في النار، ثم تلا: ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) .

قلت: هذا حديث حسن عال، رواه الطبراني في معجمه كما أخرجناه سواء، ورواه محدّث الشام في كتابه بطرق شتى »(١) .

وهذا الحديث أيضاً صريح في المطلوب.

____________________

(١). كفاية الطالب ٣١٧.


الحديث الرابع

الكنجي عن ابن عساكر بسنده عن أبي الزبير قال:

« سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعرفات وعلي تجاهه، فأومأ إليَّ وإلى علي، فأتينا النبي وهو يقول: أدن مني، فدنا منه، فقال: ضع خمسك في خمسي - يعني كفّك في كفّي - يا علي: خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلّق بغصن منها دخل الجنة، يا علي: لو أن أمتي قاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلّوا حتى يكونوا كالأوتار ثم أبغضوك لأكبّهم الله في النار.

قلت: هكذا رواه في ترجمة علي عليه‌السلام من كتابه »(١) .

وهذا الحديث يؤيد حديث النور ويثبت صحته، ويدل على وجوب اتباع علي عليه‌السلام والقول بامامته.

الحديث الخامس

الكنجي في ( الباب الثامن والخمسون في تخصيص علي بقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها ) بسنده عن الخطيب البغدادي عن علي عليه‌السلام : « قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شجرة أنا أصلها وعلي فرعها والحسن والحسين ثمرتها والشيعة ورقها، فهل يخرج من الطيّب إلّا الطيب؟ وأنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها.

قلت: هكذا رواه الخطيب في تاريخه وطرقه »(٢) .

____________________

(١). كفاية الطالب ٣١٨.

(٢). كفاية الطالب ٢٢٠.


فإن جمعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين حديث الشجرة وحديث مدينة العلم في سياق واحد يشعر بتفرع كونه باب مدينة العلم على كونه فرع الشجرة، ويقتضي دلالة حديث الشجرة على أعلمية علي عليه‌السلام كحديث النور.

الحديث السادس

الكنجي في ( الباب السادس والخمسون في تخصيص علي بكونه إمام الأولياء ) بسند فيه جماعة من الأعاظم عن ابن عباس: « قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي عز وجل فليوال علياً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، ويل للمكذّبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنا لهم الله شفاعتي »(١) .

دل على وجوب الاقتداء بالائمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن الأئمة عترته وعلي أوّلهم، وفيه تحذير للأمة من تكذيب فضلهم لئلا يقطعوا بذلك صلة الرسول ويحرموا من شفاعته يوم القيامة.

فليتأمل: ألا يشمل هذا الحديث المكذبين لحديث النور والمنكرين لدلالته؟

الحديث السابع

الكنجي في الباب المذكور بسنده عن أنس: « قال بعثني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أبي برزة الأسلمي فقال له - وأنا أسمع - إن رب العالمين عهد

____________________

(١). كفاية الطالب: ٢١٤.


إليّ عهداً في علي بن أبي طالب، فقال: إنه راية الهدى ومنار الايمان وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني. يا أبا برزة: علي بن أبي طالب أميني غداً في يوم القيامة، وصاحب رايتي، وأميني على مفاتيح خزائن رحمة ربي عز وجل.

قلت: هذا حديث حسن أخرجه صاحب حلية الأولياء »(١) .

وهذا الحديث أيضاً يفيد المطلوب بوضوح، ولا سيما وصفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامام عليه‌السلام بـ « إمام أوليائي » فإنه بوحده كاف في إثبات المرام.

الحديث الثامن

الكنجي بسنده « عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتحت خيبر: لو لا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمر على ملأٍ من المسلمين إلّا أخذوا من ترابك رجليك وفضل طهورك ليستشفوا به.

و لكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي، أنت تؤدي ديني وتقاتل على سنتي، وأنت في الآخرة أقرب الناس مني، وأنك غداً على الحوض، وأنت أول داخل الجنة من أمتي، وأن شيعتك على منابر من نور مسرورون مبيضة وجوههم حولي اشفع لهم، فيكونون غداً في الجنة جيراني، وأن أعداءك غداً ظماء مظمئين مسودة وجوههم مقمحين، حربك حربي وسلمك سلمي، وسرّك سرّي وعلانيتك علانيتي وسريرة صدرك كسريرة صدري، وأنت باب علمي، وأن ولدك ولدي ولحمك لحمي ودمك دمي، وأن الحق معك والحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك، والايمان

____________________

(١). كفاية الطالب: ٢١٥.


مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأن الله عز وجل أمرني أن أبشّرك أنك وعترتك في الجنة، وأن عدوك في النار، لا يرد الحوض علي مبغض لك ولا يغيب عنه محب لك.

قال علي عليه‌السلام : فخررت لله سبحانه وتعالى ساجداً وحمدته على ما أنعم به علي من الإسلام والقرآن، وحببني إلى خاتم النبيين وسيد المرسلين »(١) . أقول: وهذا الحديث رواه الخركوشي، وابن المغازلي، وعمر الملّا، وابن سبع الأندلسي، والوصابي، وشهاب الدين أحمد، ومحمّد بن إسماعيل اليماني أيضاً: كما في مجلّد ( حديث المنزلة ).

و قد جاء فيه « سرّك سرّي وعلانيتك علانيتي وسريرة صدرك كسريرة صدري » وهذا دليل واضح على أن خلق أمير المؤمنين مثل خلق رسول الله صلّى الله عليهما وعلى آلهما وسلم، وهو مدلول حديث النور، فهو من مؤيدات هذا الحديث الشريف.

وبهذه الجملة من الحديث أيضاً تثبت عصمة أمير المؤمنين عليه‌السلام وأفضلية من جميع الخلائق، حتى الملائكة والأنبياء وسائر الأولياء والأوصياء، لأن سره وعلانيته وسريره صدره كسرّ وعلانية وسريرة صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومما لا ريب فيه عند الكلّ أن سر رسول الله وعلانيته وسريرة صدره معصوم من الخطأ وأفضل من جميع الخلائق، فيكون سرّ أمير المؤمنين وعلانيته وسريرة صدره كذلك.

وهذا يقتضي أن تكون إمامته وخلافته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من البديهيّات الأولية، ويدل على قبح تقدم القوم عليه، وبطلان خلافتهم وإمامتهم.

والحديث يدل على الافضلية من وجوه أخرى كما لا يخفى.

____________________

(١). كفاية الطالب: ٢٦٤.


الحديث التاسع

الكنجي في الباب السادس والعشرين ( في شوق الملائكة والجنة إلى علي عليه‌السلام واستغفارهم لمحبّيه ) بسنده:

« عن أنس قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مررت ليلة أسري بي إلى السماء، فإذا أنا بملك جالس على منبر من نور والملائكة تحدق به، فقلت: يا جبرئيل من هذا الملك؟ قال: أدن منه وسلّم عليه، فدنوت منه وسلّمت عليه، فإذا أنا بأخي وابن عمي علي بن أبي طالب. فقلت: يا جبرئيل سبقني علي إلى السماء الرابعة، فقال لي: يا محمد لا، ولكن الملائكة شكت حبها لعلي، فخلق الله تعالى هذا الملك من نور على صورة علي، فالملائكة تزوره في كل ليلة جمعة ويوم جمعة سبعين ألف مرة، يسبّحون الله ويقدّسونه ويهدون ثوابه لمحب علي.

قلت: هذا حديث حسن عال لم نكتبه إلّا من هذا الوجه، تفرد به يزيد بن هارون عن حميد الطويل عن أنس وهو ثقة »(١) .

دل على أن الملك المخلوق من نور على صورة أمير المؤمنين عليه‌السلام أفضل من سائر الملائكة، فأيّ ريب في خلق أمير المؤمنين من النور وأفضليته من جميع الخلائق بعد الرسول الكريم؟

الحديث العاشر

الموفق بن أحمد المكي أخطب خطباء خوارزم: « أنبأني مهذب الأئمة هذا، قال أخبرنا أبو القاسم نصر بن محمد بن علي بن زيرك المقري، قال أخبرنا والدي أبو بكر محمد، قال حدثنا أبو علي عبد الرحمن بن محمد بن أحمد النيسابوري، قال

____________________

(١). كفاية الطالب: ١٣٢.


حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله النانيجي البغدادي من حفظه بدينور، قال حدثنا محمد بن جرير الطبري، قال حدثني محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا العلاء بن الحسين الهمداني قال: حدثنا أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي، عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وسئل بأيّ لغة خاطبك ربك ليلة المعراج فقال -: خاطبني بلغة علي بن أبي طالب، فألهمني أنْ قلت: يا رب خاطبتني أم علي؟ فقال: يا أحمد أنا شيء لا كالأشياء، لا أقاس بالناس ولا أوصف بالشبهات، خلقتك من نوري وخلقت علياً من نورك فاطلعت على سرائر قلبك، فلم أجد أحداً في قلبك أحبّ إليك من علي بن أبي طالب، فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك »(١) .

و قد رواه السيد علي الهمداني أيضاً.

وأهل السنة وإنْ جوزوا القبيح على الله تعالى شأنه إلّا أنهم لا يجوّزون عليه الكذب!!

هذا وقد تقدم في الحديث السابع عن رب العالمين عزّ وجل فيما عهد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي: « نور جميع من أطاعني ».

كلمات علماء أهل السنة وعرفائهم في فضل علي ومعنى حديث النور

ولأكابر أئمة أهل السنة في الحديث والعرفان كلمات رشيقة دالة على أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، على أساس أنه مخلوق من نور وعلى ضوء حديث النور ونحن نذكر طائفة من تلك الكلمات بنصوصها في هذا المقام، تأييداً لدلالة حديث النور على المرام:

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب للخوارزمي ٣٦ - ٣٧.


١ - الشيخ ابن عربي

فمنهم: الشيخ محيي الدين ابن عربي، كبير أوليائهم وأكبر مشايخهم، حيث صرّح بأنه لم يكن أقرب إلى الله تعالى في عالم الهباء - وهو عالم النور - من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب « إمام العالم بأسره والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين »، وهذا نص كلامه:

« فصل - كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه وكان، لم يرجع إليه من إيجاده العالم صفة لم يكن عليها، بل كان موصوفاً بنفسه، وسمي قبل خلقه بالأسماء التي يدعونه بها خلقه، فلما أراد وجود العالم وبدأه على حد ما علمه بعلمه بنفسه الفعل عن تلك الإِرادة المقدسة، بضرب تجلٍ من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية حقيقة تسمى الهباء هي بمنزلة طرح البناء الجص، ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور، وهذا أول موجود في العالم، وقد ذكره علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وسهل بن عبد الله رحمه‌الله وغيرهما من أهل التحقيق أهل الكشف والوقوف.

ثم إنه سبحانه تجلّى بنوره إلى ذلك الهباء، ويسمونه أصحاب الأفكار الهيولى الكلي والعالم كله فيه بالقوة والصلاحية، فقبل منه كل شيء في ذلك الهباء على حسب قوته واستعداده، كما يقبل زوايا البيت نور السراج، وعلى قدر قربه من ذلك النور يشتد ضوؤه وقبوله، قال الله تعالى ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) فشبه نوره بالمصباح، فلم يكن أقرب إليه قبولاً في ذلك الهباء إلّا حقيقة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسماة بالعقل الأول، فكان سيّد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود، فكان ظهوره من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية، وفي الهباء وجد عينه وعين العالم من تجليه، وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب إمام العالم بأسره والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين »(١) .

____________________

(١). الفتوحات المكية - الباب السادس، في بدء الخلق.


وجوه دلالة هذا الكلام

ويدل كلام الشيخ ابن عربي على المطلوب من وجوه:

الأول : قوله في حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فلم يكن أقرب إليه قبولاً في ذلك الهباء إلّا حقيقة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسماة بالعقل الأول، فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود، فكان ظهوره من ذلك النور » ظاهر في أن كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد العالم بأسره فرع كونه الأقرب إليه قبولاً في عالم النور، وأن العالم كله مخلوق لأجله ومن تجليات أنواره.

أقول: فكذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لأن خلقه مقارن لخلقه وهما من نور واحد، فهو سيد العالم بأسره من بعده، فلا يجوز تقدّم أحد عليه في شيء، وهو المطلوب.

الثاني : قوله: « وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب » أي في عالم الهباء والنور الالهي، وهذا الكلام يدل على صحة حديث النور ويؤكّد قطعية صدوره، وإذا كان أقرب الناس إليه في ذلك العالم كان سيد العالم بأسره من بعده، فلا يجوز تقدم أحد عليه في أمر من الأمور.

الثالث : قوله في حق علي: « إمام العالم بأسره » تصريح بالحق ونص في المطلوب، فهو عليه‌السلام إمام جميع الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين من الأولين والآخرين، فلا يجوز تقدّم أحد عليه، فهو مما يبطل تقدم الثلاثة والحمد لله.

الرابع : قوله: « والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين » أي: إنه عليه‌السلام حاو لجميع كمالات الأنبياء المقربين وجامع لأسرارهم وعلومهم، وهذا يدل على الأفضلية وبطلان تقدّم من تقدّم عليه.

وبهذه الجملة من كلامه تتضح صحة حديث التشبيه وهو قوله صلّى الله


عليه وآله وسلّم في أحد ألفاظه: « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى موسى في مناجاته وإلى عيسى في سمته وإلى محمّد في تمامه وكماله وجماله فلينظر إلى هذا » يعنى علياً عليه‌السلام - ودلالته على الأفضلية، وأن ما لفقه ( الدهلوي ) في المنع من دلالته باطل عاطل.

فثبت بهذا الكلام صحة دلالة حديث النور وحديث التشبيه، بل جميع الأحاديث المستدل بها على أفضلية أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، والحمد لله رب العالمين.

كلام آخر لابن عربي

وقال الشيخ ابن عربي في الباب العاشر من ( الفتوحات ) في معرفة دورة الملك: « إعلم أيدك الله: أنه ورد في خبر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا سيد ولد آدم ولا فخر - بالراء - وفي رواية بالزاء وهو التبجح بالباطل. و في صحيح مسلم: أنا سيد الناس يوم القيامة ، ويثبت له السيادة والشرف على أبناء جنسه من البشر. و قال عليه‌السلام : كنت نبياً وآدم بين الماء والطين، يريد على علم بذلك، فأخبره الله بمرتبته وهو روح قبل إيجاده الأجسام الإِنسانية، كما أخذ الميثاق على بني آدم قبل إيجاده أجسامهم، وألحقنا الله تعالى بأنبيائه بأن جعلنا شهداء على أممهم معهم حين يبعث من كلّ أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وهم الرسل، فكانت الأنبياء عليهم‌السلام في العالم نوّابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آدم إلى آخر الرسل عليهم‌السلام .

وقد أبان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذا المقام بأمور منها:

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو كان موسى حيّاً ما وسعه إلّا أن يتبعني. و قوله في نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان: إنه يؤمنا إمام منّا وهو يحكم فينا بسنة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يكسر الصليب ويقتل الخنزير.


ولو كان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بعث في زمان آدم إلى زمان وجوده الآن، لكانت الأنبياء وجميع الناس تحت حكم شريعته إلى يوم القيامة، ولهذا لم يبعث عامة إلّا هو خاصة، فهو الملك والسيد فكان الإِمداد يأتي إليهم من تلك الروح الطاهرة فيما يظهرون به من الشرائع والعلوم في زمان وجودهم رسلاً وتشريعهم الشرائع، كعلي ومعاذ وغيرهما في زمان وجودهم ووجوده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكإلياس والخضر عليهما‌السلام وعيسى عليه‌السلام في زمان ظهوره في آخر الزمان حاكماً بشرع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمته فخرج من هذا المجموع كله: أنه ملك وسيد على جميع بني آدم، وأن جميع من تقدّمه كان ملكاً وله تبعاً والحاكمون فيه نواب عنه.

فإن قيل: فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تفضّلوني!

فالجواب: نحن ما فضلنا بل الله فضله »(١) .

أقول : وكلّ هذه المقامات الثابتة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثابت لسيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام ( لحديث النور ) الدالّ على اتحادهما في الخلق قبل آدم عليه‌السلام ، فهو مفضَّل على جميع الأنبياء سواه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومقدّم عليهم وسيد جميع بين آدم. وإذا ثبتت الأفضلية ثبتت الإِمامة والخلافة بلا ريب، وهو المطلوب.

كلام آخر لابن عربي

وقال الشيخ ابن عربي أيضاً: « إعلم ان الله لـمّا جعل منزل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السيادة فكان سيداً ومن سواه سوقة علمنا أنه لا يقاوم، فإن السوقة لا تقاوم ملوكها، فله منزل خاص وللسوقة منزل، ولما أعطي هذه المنزلة وآدم بين الماء والطين علمنا أنه الممد لكل إنسان مبعوث بناموس إلهي أو حكمي، وأول ما ظهر

____________________

(١). الفتوحات المكية - الباب العاشر - في معرفة دورة الملك.


من ذلك في آدم حيث جعله الله خليفة عن محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمده بالأسماء كلّها من مقام جامع الكلم التي لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

أقول : فكذلك علي عليه‌السلام ( لحديث النور ) بما تقدم من البيان، وبذلك يتضح بطلان خلافة من تقدم عليه، لأنهم سوقة « والسوقة لا تقاوم ملوكها » فكيف بتقدمها عليهم؟!

ترجمة ابن عربي

ومن المناسب أن نورد هنا بعض كلماتهم في حق شيخهم الأكبر ابن عربي:

قال الشعراني: « أجمع المحققون من أهل الله عز وجل على جلالته في سائر العلوم كما يشهد به كتبه، وما أنكر عليه من أنكر إلّا لدقة فهم كلامه لا غير، فأنكروا على من يطالع كتبه من غير سلوك لطريق الرياضة، خوفاً من حصول شبهة في معتقده يموت عليها لا يهتدي لتأويلها على مراد الشيخ.

وقد ترجمه الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور وغيره بالولاية الكبرى والصلاح والعرفان فقال: هو الشيخ الامام المحقق رأس العلماء العارفين والمقربين، صاحب الإِشارات الملكوتية والنفحات القدسية والأنفاس الروحانيّة، والفتح المونق والكشف المشرق، والبصائر الخارقة والسرائر الصادقة والمعارف الباهرة والحقائق الزاهرة، له المحل الأرفع من مراتب القرب في منازل الأنس، والمورد العذب من مناهل الوصل، والطول الأعلى من معارج الدين، والقدم الراسخ في التمكين من أحوال النهاية، والباع الطويل في التصرف في أحكام الولاية، وهو أحد أركان هذه الطائفة رضي‌الله‌عنه .

وكذلك ترجمه الشيخ العارف بالله تعالى محمّد بن أسعد اليافعي رضي الله

____________________

(١). الفتوحات المكية. الباب السابع وثلاثون وثلاثمائة.


عنه بالعرفان والولاية.

ولقّبه الشيخ أبو مدين بسلطان العارفين.

وكلام الرجل دليل على مقاماته الباطن والظاهر، ومناقبه مشهورة بين الناس لا سيما بأرض الروم

وكان الشيخ عز الدين بن عبد السّلام شيخ الإسلام بمصر المحروسة يحط عليه كثيراً، فلما صحب الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي‌الله‌عنه وعرف أحوال القوم صار يترجمه بالولاية والعرفان والقطبية »(١) .

وقال ابن النجار بترجمته ما ملخصه: « وكان قد صحب الصوفية وأرباب القلوب وسلك طريق الفقر، وحج وجاور وصنف كتباً في علوم القوم وفي أخبار مشايخ المغرب وزهادها، وله أشعار حسنة وكلام مليح، اجتمعت به بدمشق وكتبت عنه من شعره، ونعم الشيخ هو، دخل بغداد وحدّث بها بشيء من مصنفاته وكتب عنه حافظ العصر الشيخ عبد الله الدبيثي توفي سنة ٦٣٨ »(٢) .

وذكر الاسكندري قصة ملاقاته للخضر النبي عليه‌السلام ، ضمن الحكايات التي استشهد بها في كتابه على بقاء الخضر(٣) .

وذكر أيضاً تكلم وعاء زجاج مع الشيخ ابن عربي في محضر جماعة من المشايخ(٤) .

وقد ذكر القصتين اليافعي في ( الإرشاد ) بعد أن وصفه بـ « شيخ الطريقة وبحر الحقيقة ».

ووصفه ابن الزملكاني بـ « البحر الزاخر في المعارف الإِلهية ».

____________________

(١). لواقح الأنوار في طبقات الأخيار ١ / ١٦٣.

(٢). ذيل تاريخ بغداد - مخطوط.

(٣). لطائف المتن ١٥٢.

(٤). المصدر: ١٥٢.


وقال الكفوي بترجمته: « هو قدوة القائلين بوحدة الوجود، والناس في حقه فرقتان، فإن بعض الفقهاء وعلماء الظاهر قد طعنوا فيه وأكفروه، وبعض الفقهاء وعلماء الآخرة وكبراء الصوفية عظّموه وفخّموه تفخيماً عظيماً، ومدحوا كلامه مدحاً كريماً، ووصفوه بعلوّ المقامات، وأخبروا عنه بما يطول ذكر من الكرامات، وصنّفوا في مناقبه وألّفوا في أحواله ومراتبه.

ذكر الامام اليافعي في تاريخه: أن الشيخ شهاب الدين السهروردي والشيخ محيي الدين العربي اجتمعا في مجلس، فسئل كلّ منهما عن صاحبه، فقال العربي للسهروردي: هو رجل مملو من قرنه من السنة. وقال السهروردي: هو بحر الحقائق »(١) .

وقال الازنيقي: « ومن لطائف كتاب المحاضرات ( محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار ) للشيخ الامام العالم الرباني والبحر الصمداني، وسند السالكين ومنقذ الهالكين، الشيخ أبي عبد الله محيي الدين محمد بن علي بن محمد العربي الحاتمي الطائي الاندلسي قدس الله سره العزيز. كان جليل الشأن، وله المصنفات الوافرة والمؤلفات الفاخرة وتصانيف لا تحصى »(٢) .

وقال عبد العلي السهالي: « قال الشيخ وارث النبي العربي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشيخ محيي الدين ابن العربي صاحب الفتوحات: هم أخذوا العلم عن ميت، ونحن أخذنا العلم من حي لا يموت »(٣) .

ووصفه البرزنجي بـ « إمام المحققين »(٤) .

وترجم له الجامي ووصفه بمثل عبارات الكفوي المتقدمة ثم ذكر نسبة لبسه

____________________

(١). كتائب أعلام الأخيار - مخطوط.

(٢). مدينة العلوم للازنيقي.

(٣). الصبح الصادق في شرح المنار.

(٤). الاشاعة لا شراط الساعة ١٠٧.


الخرقة اليه(١) .

وقد مدحه ( الدهلوي ) ووصفه بـ « الشيخ الأكبر » واستشهد بكلماته واستند إليها(٢) .

ووصفه الشيخ سلامة الله في ( معركة الآراء ) بـ « قطب الموحدين ».

وعدّه صديق حسن القنوجي في ( الجنّة ) في عداد المجتهدين حيث قال: « ومنهم الشيخ الاكبر ابن العربي، فإنه لم يقلّد أحداً إلّا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه وسلّم، وقد ذكر في الفتوحات المذاهب الأربعة وغيرها واختار منها ما أفضى إليه اجتهاده من غير مبالاة بزيد وعمرو، وأكابر العلماء اعتقدوا ولايته، والولي الكامل لا يكون مقلّداً ».

٢ - الشيخ عبد الوهاب الشعراني

وقد قرّر الشيخٍ عبد الوهاب الشعراني كلمات ابن عربي السالفة الذكر، حيث نقلها مستشهداً بها معتمداً عليها حيث قال: « فإن قلت: فما معنى قولهم: إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أول خلق الله؟ هل المراد من خلق مخصوص؟ أو المراد به الخلق على الإطلاق؟

فالجواب كما قاله الشيخ في الباب السادس: إن المراد به خلق مخصوص، وذلك أن أول ما خلق الله الهباء

وقال الشيخ محيي الدين: وكان أقرب الناس إليه في ذلك الهباء علي بن أبي طالب الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين

فعلم كما قاله الشيخ محي الدين في الفتوحات أن مستمد جميع الأنبياء والمرسلين من روح محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ هو قطب

____________________

(١). نفحات الانس - ٥٦٤.

(٢). رسالة الرؤيا للدهلوي.


الأقطاب »(١) .

فعلم أن الشعراني ذاهب إلى ما ذهب إليه ابن عربي، فكلامه أيضاً يثبت المطلوب بالوجوه السديدة المتقدمة هناك.

هذا، ولا ينافي ذلك قوله بعدئذ: « وقول الشيخ في حق علي رض الله عنه جامع لأسرار الأنبياء، قد نقل أيضاً عن الخضر عليه‌السلام في حق الشيخ أبي مدين التلمساني فقال حين سئل عنه: جامع أسرار المرسلين لا أعلم أحداً في عصري هذا أجمع لأسرار المرسلين منه ». فإنه - لو ثبت هذا النقل - غير فإنه - لو ثبت هذا النقل - غير ضائر بالمطلوب وهو إثبات أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام - بمقتضى الأقربية والجامعية لأسرار الأنبياء - ممّن تقدم عليه في امر الخلافة والامامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمع تسليم صحة النقل المذكور عن الخضر عليه‌السلام في أبي مدين التلمساني يكون أبو مدين أفضل من أولئك كذلك.

وأما التساوي بين أمير المؤمنين وأبي مدين فلا يتوهّمه عاقل فضلاً عن المسلم، على أن كلام الخضر في أبي مدين مخصوص بعصره كما هو صريحه.

كلام آخر للشعراني

وقال الشيخ الشعراني أيضاً: « فإن قلت: قد ورد في الحديث: أول ما خلق الله نوري. وفي رواية: أول ما خلق الله العقل، فما الجمع بينهما؟

فالجواب: إن معناهما واحد، لأن حقيقة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تارة يعبّر عنها بالعقل الأول، وتارة بالنور.

فإن قلت: فما الدليل على كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممداً للأنبياء السابقين في الظهور عليه من القرآن؟

____________________

(١). اليواقيت والجواهر ٢ / ٢٠.


فالجواب: من الدليل على ذلك قوله تعالى ( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) أي: إن هداهم هو هداك الذي سرى إليهم ذلك في الباطن، فإذا اهتديت بهداهم فإنما ذلك اهتداء بهداك، إذ الأولية لك باطناً والآخرية لك ظاهراً، ولو أن المراد بهداهم غير ما قررناه لقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فبهم اقتده.

وتقدم حديث كنت نبياً وآدم بين الماء والطين، فكلّ نبي تقدم على زمان ظهوره فهو نائب عنه في بعثته بتلك الشريعة، ويؤيد ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث « وضع الله تعالى يده بين ثديي » أي كما يليق بجلاله « فعلمت علم الأولين والآخرين » إذ المراد بالأولين هم الأنبياء الذين تقدّموا في الظهور عند غيبة جسمه الشريف، وإيضاح ذلك: أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطي العلم مرتين مرة قبل خلق آدم ومرة بعد ظهور رسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما أنزل عليه القرآن أولاً من غير علم جبرئيل ثم علمه به جبرئيل مرة أخرى

فإن قلت: فإذنْ روح محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي روح عالم الخير كله، وهي النفس الناطقة فيه كلّه.

قلت: نعم والأمر كذلك كما ذكره الشيخ في الباب السادس والأربعين وثلاثمائة، فحال العالم المذكور قبل ظهوره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة الجسد المستوي، وحاله بعد موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة النائم، وحال العالم حيث يبعث يوم القيامة بمنزلة الانتباه من النوم، فالعالم كله نائم من حين مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن يبعث »(١) .

أقول: وكلّما ذكره في حق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صادق وثابت في حق علي عليه‌السلام ( لحديث النور )، فهو مثله في كل شيء، ومن ذلك التقدم على الأنبياء، فهو الأفضل من بعده على جميع الخلائق، فهو المتعين للخلافة من بعده.

____________________

(١). اليواقيت والجواهر ٢ / ٢٠ - ٢١.


ترجمة الشعراني

وتظهر جلالة الشيخ عبد الوهاب الشعراني من الكلمات الواردة في حقه والأوصاف الكريمة التي وصفوه بها:

فقد قال الشرقاوي بترجمته: « الشيخ الامام العالم العامل الفقيه العارف بالله تعالى والدال عليه عبد الوهاب الشعراني ابن أحمد بن علي بن أحمد بن محمّد، المنتهي نسبه إلى محمّد بن الحنفية رضي‌الله‌عنه ، كان إماماً في العلوم الشرعية وغيرها. أخذ العلوم عن مشايخ عصره كالشيخ السيوطي وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري وغيرهما من علماء الظاهر. وأخذ عن الشيخ محمّد الشناوي والشيخ علي الخواص وغيرهما من علماء الباطن، وسلك طريق التصوف بعد تضلعه في العلوم الشرعية والانتهاء منها وله مصنفات كثيرة نحو سبعين مصنفاً، ومناقبه شهيرة وكراماته ظاهرة.

توفي رضي‌الله‌عنه يوم الاثنين من شهر جمادى الأولى سنة ٩٧٣ »(١) .

وذكره محمد بن عبد الله الزرقاني في سند إجازة روايته لكتاب ( المواهب اللدنية بالمنح المحمّدية لشهاب الدين القسطلاني ) حيث ذكر طريقه إليه عن مؤلفها القسطلاني، وقد وصفه بـ « العارف»(٢) .

وكذا ذكره أبو مهدي عيسى بن محمّد الثعالبي المالكي في تراجم مشايخه من ( مقاليد الأسانيد ) وقد وصفه بـ « الولي العارف بالله صاحب التصانيف السائرة ».

وقد نقل عنه نور الدين الحلبي في السيرة مترضياً عليه.

وقال تاج الدين الدهان في مرويات العجيمي: « طبقات الصوفية - للعالم

____________________

(١). التحفة البهية في طبقات الشافعية - مخطوط.

(٢). شرح المواهب اللدنية ١ / ٣.


الرباني سيدي الشيخ عبد الوهاب بن علي الشعراني. أخبر بها - يعني الشيخ حسن العجيمي - عن جماعة عن مؤلفها العارف بالله تعالى والدال عليه سيدي الشيخ عبد لوهاب بن علي الشعراني فذكرها »(١) .

ووصفه الشيخ أحمد القشاشي بـ « الامام » في ( السمط المجيد ).

وقال محمّد عابد السند في ( حصر الشارد ): « وأما كتاب اليواقيت والجواهر في عقيدة الأكابر للشيخ عبد الوهاب الشعراني فأرويه ».

وقال محمد معين بن محمد أمين السندي: « قال إمام الحنفيّة، بل قطب الصوفية الواصل إلى عين الشريعة التي يغترف منها الأئمة المجتهدون، الامام الشعراوي في الميزان »(٢) .

وذكره شاه ولي الله الدهلوي في ( الانتباه ) في بيان كيفية ارتباطه بالسلسلة القادرية من جهة الخرقة، فكان الشعراني في طريق لبس الدهلوي الخرقة القادرية.

وقد وقع أيضاً في طريق حديث المصافحة في مسلسلات الشيخ ولي الله الدهلوي.

وقد أوضح ولده ( الدهلوي ) كون الشعراني من مشايخ والده ولي الله في رسالته في ( أصول الحديث ).

٣ - شمس الدين الفناري

قال الشيخ شمس الدين محمّد الفناري: « أقول: كان هو المراد بالهباء الذي قال في الفتوحات: فلم يكن أقرب إليه قبولاً إلّا الحقيقة المحمدية المسماة بالعقل الأول. وكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود.

____________________

(١). كفاية المتطلع - مخطوط.

(٢). دراسات اللبيب ١٦٣.


وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب وسائر الأنبياء. تم كلامه.

وأقول: وهذا غير الهباء الذي قال في الفتوحات بعد وريقات: لـمّا خلق القلم واللوح وسماهما العقل والروح، وأعطى الروح صفتين علمه وعمله، وجعل العقل لهما معلما، خلق جوهراً دون النفس الذي هو الروح المذكور، سماه الهباء، قال الله تعالى: ( فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا ) سمّاه به علي بن أبي طالب »(١) .

أقول: هكذا جاء في النسخة الحاضرة من كتاب ( مصباح الأنس ) وقد أسقط فيه من عبارة الفتوحات كلمة « إمام العالم بأسره » وكذا جملة « الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين »، وجعل بدل هذه الجملة كلمة « وسائر الأنبياء » عاطفاً إيّاها على « علي بن أبي طالب ». وإن كنت في ريب من هذا التحريف فراجع نص كلام ابن عربي المتقدم سابقاً.

لكنه - والحال هذه - يفيد المطلوب، وهو كون أمير المؤمنين عليه‌السلام أقرب الخلائق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو أفضلهم من بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو المقدّم على الجميع، لعدم جواز تقديم المفضول على الفاضل في شريعة من الشرائع.

ومن الغريب إعراض ( الدهلوي ) عن مفاد كلمات هؤلاء الأعلام من العرفاء والصوفيّة في هذا المقام، وتشبثه بكلمات بعض مجاهيلهم في الجواب عن دلالة حديث ( التشبيه )، وسيأتي في محله ما فيه.

كتاب مصباح الأنس

وكتاب ( مصباح الأنس ) من مرويّات الشيخ حسن العجيمي والشيخ ابراهيم الكردي، وهما من كبار مشايخ شاه ولي الله والد ( الدهلوي ).

قال الكردي: « مصباح الأنس بين المعقول والمشهود في شرح مفتاح غيب

____________________

(١). مصباح الأنس ١٧٥.


الجمع والوجود، للشمس محمّد بن حمزة الفناري، وسائر تصانيفه ومروياته، قرأت منه أطرافاً على شيخنا الامام أحمد قدس‌سره ، بسنده إلى الحافظ ابن حجر عنه »(١) .

وقال تاج الدين الدهان: « شرح مفتاح الغيب المسمى مصباح الأنس بين المعقول والمشهود، للامام المحقق الشمس محمد بن حمزة الفناري رحمه‌الله . أخبر بها وبسائر مصنفاته ومروياته عن الشيخ أحمد العجل، عن البدر محمد ابن الرضي الغزي، عن الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، عن الحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني والعلامة محمّد بن سليمان الكافيجي، كلاهما عن مؤلفهما العلامة شمس الدين محمد بن حمزة الفناري، فذكرهما »(٢) .

ترجمة الفناري

وإليك خلاصة ترجمة الفناري عن ( كتائب أعلام الأخيار ):

« المولى الفاضل الاستاذ على الإطلاق، والعامل الكامل المشار إليه بلا شقاق، شمس الأئمة الأعلام وبدر الأجلة، ذو الباع الواسع واللسان الجاري، مولانا شمس الدين محمّد بن حمزة بن محمّد الفناري، عليه رحمة الله الغفار الباري.

إمام كبير، علامة نحرير، عظيم القدر، جليل المحل، جامع بين العلم والعمل، أوحد أوانه في العلوم النقلية أصولاً وفروعاً، وأغلب أقرانه في الفنون العقلية، وكان يجمعها جموعاً، شيخ دهره في العلم والأدب، ومجتهد عصره في الخلاف والمذهب، وهو أفضل الرؤساء الذين انفرد كل منهم بفضل، ففاق فيه أقرانه على رأس القرن الثامن، رحل إلى مصر، ثم رجع إلى الروم، فولي قضاء بروسا وشاع فضله، صنف فصول البدائع في أصول الشرائع، وغير ذلك من

____________________

(١). الامم لإِيقاظ الهمم ١٢١.

(٢). كفاية المتطلع في مرويات الشيخ حسن العجيمي - مخطوط.


الكتب المستحسنة »(١) .

٤ - السيد محمد گيسو دراز

وقال السيد محمد گ يسو دراز، العارف الشهير بتفسير قوله تعالى: ( ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ ) الآية، بعد إيراد حديث النور بلفظ: « خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف سنة، ثم ركّب الله ذلك النور في صلب آدم، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففيّ النبوة وفيه الخلافة » قال:

« وعليه قول الشاعر:

إني وإنْ كنت ابن آدم صورة

فلي فيه معنى شاهد بأبوّتي

وإليه أشار قول الله تقدس: ( ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) كنت تتقلب في أصلاب آبائك الأنبياء وتتشكل بها تستفيض من فيضهم، كلّ من الأنبياء اختص بما لا يفهم غيره، بالعقل والحسن اجتمع عندك خصائص مائة ألف نبي وأربعين ألف ونيف، حتى امتلأ جناب قلبك باللطائف والأنوار والمشاهدة والأسرار، ولم يبق مساغ الازدياد ومكان الاستكثار، جليناك عن تتق الأستار وأظهرناك عن كتم الأسرار لتتم مكارم الأخلاق، إن النبوة تاج الأنبياء الأخيار وإنك درّة التاج يا سيّد الأحرار »(٢) .

أقول: فهذا بعض مكارم سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على لسان هذا العارف الكبير، وجميع ذلك ثابت لسيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بدليل ( حديث النور ) وبمقتضى هذا الحديث يصدق في حقه قول الشاعر الذي استشهد به، ويكون الامام عليه‌السلام أفضل من آدم وسائر الأنبياء عليهم

____________________

(١). كتائب أعلام الاخيار من مذهب النعمان المختار - مخطوط.

(٢). الدر الملتقط - تفسير الآية.


السلام.

فثبت دلالة حديث النور على إمامة أمير المؤمنين، وبطلان تقدم المتقدمين عليه.

كلام آخر

وقال السيد محمد المذكور في كتاب آخر له ما تعريبه: « ويدل حديث خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف سنة، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، على أن جميع كمالات آدم ونوح وموسى والخليل انتقلت إلى محمد، وأنه لم يخلق آدم ولا العالم إلّا من أجله »(١) .

أقول : يدل الحديث على انتقال كمالاتهم إلى محمد وعلي، وأنه لم يخلق آدم ولا العالم إلا من أجل محمد وعلي، فهما أفضل منهم، وعلي أفضل الخلق بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبذلك ترتفع شبهات المعاندين، والحمد لله رب العالمين.

٥ - القسطلاني

وقال شهاب الدين القسطلاني: « لما تعلّقت إرادة الحق تعالى بإيجاد خلقه وتقدير رزقه، أبرز الحقيقة المحمّدية من الأنوار الصمدية في الحضرة الأحدية ثم أعلمه تعالى بنبوته وبشّره برسالته، هذا وآدم لم يكن إلّا - كما قال - بين الروح والجسد، ثم انبجست منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيون الأرواح، فنظر للملأ الأعلى وهو بالمنظر الأجلى، وكان لهم المورد الأحلى، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجنس العالي على جميع الأجناس، والأب الأكبر لجميع الموجودات والناس »(٢) .

____________________

(١). الاسمار - السمر ٤٧.

(٢). المواهب اللدنية بالمنح المحمدية ١ / ٥.


أقول : وإذا كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « الأب الأكبر لجميع الموجودات والناس » بسبب خلق نوره قبل خلق جميع العوالم كلّها علوها وسفلها، فإن علياً عليه‌السلام كذلك، لوحدة نورهما، فلا يجوز تقدم أحد عليه، لأن جميع الخلائق أشياع وأتباع له، ومن هنا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة.

قال الرومي في شرح قول البوصيري:

« أحل أمته في حرز ملّته

كالليث حلّ مع الأشبال في الْأُجم »

قال: « يقول: وكيف لا؟ وقد أحلّ وأقرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمة إجابته في حرزه الحريز وحصنه الحصين من شريعته الحنيفية الباقية إلى يوم القيامة، وهو ضرغام غابة غاية الكمال من الرجال، وأتباعه كالأولاد لقوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) و لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا من الله والمؤمنون مني، وأنا وأنت يا علي أبوا هذه الْأُمة، وناهيك لقوة دين الله دليلاً، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً »(١) .

فهل يجوز تقدّم أحد عليه والحال هذه؟!

٦ - الدولت آبادي

وقال ملك العلماء شهاب الدين آبادي - بعد أن أورد حديث النور وذكر حاصل معناه - ما تعريبه:

« وقد عاد النور مجتمعاً مرة أخرى في رحم فاطمة، لأن الحسن والحسين من نور الله، ولقد كان للمصطفى غير علي بنو عمومة، وغير فاطمة بنات، وكان لعلي وفاطمة أولاد غير الحسن والحسين، إلا أنّهما خصّا بكونهما من نور الله ( يا أَيُّهَا

____________________

(١). تاج الدرة في شرح البردة - مخطوط.


النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً ) . إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي، فإن من تمسك بنور الله لا يضل أبداً.

وهذه عناية من الله وتوفيق، يهدي الله بنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس، فالذين أبعدوا عن هذا النور وضلوا ولعنوا يسعون في إطفاء نور الله، ويعترضون على فضائلهم ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) ولو اجتمع أهل العالم كلهم على إطفاء نور الله هذا لما تمكنوا من ذلك فإن نسلهم باق إلى يوم القيامة، ويجتمع على حبهم المنورون من الناس بنور الايمان، وأما غيرهم فينكرونهم

واعلم أن ذوات هؤلاء مخلوقة من النور، وقد كان هذا النور يظهر في وجه فاطمة. في آخر الظهيرية: ولها - أي لفاطمة - كان نور يضيء من وجهها، حتى روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أسلك في سم الخياط في الليلة المظلمة من نور وجه فاطمة. وفي الدرر: عاد الحسن والحسين ذات ليلة من عند المصطفى وقد أحاط بهما نورهما. وقد ذكرناه في الجلوة الْأُولى من الهداية الثامنة، حتى تعلم أنهم نور الله »(١) .

أقول: وفي هذا الكلام من وجوه الدلالة على المطلوب على ضوء حديث النور ما لا يخفى على ذوي البصر والبصيرة، وقد ظهر منه أن الذين ينكرون حديث النور ودلالته هم من الذين ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ )

٧ - الهمداني

وقال العارف الكبير السيد علي الهمداني بشرح قول ابن الفارض:

لها البدر كاس وهي شمس تديرها

هلال وكم يبدو إذا مزجت نجم

____________________

(١). هداية السعداء - مخطوط.


قال ما تعريبه: « ويريد الناظم من هذه المعاني إما الأعيان الخارجية وإما الحقائق النفسانية، وعلى التقدير الأول فإن المراد هي الحقيقة المحمّدية وهي مظهر الأنوار الالهية ووعاء الحقائق الذوقية والمراد من الهلال هو علي وهو مدير كؤوس محبة ذي الجلال ومورد المتعطشين إلى مورد الوصال، وقد ورد في حقه أنا مدينة العلم وعلي بابها.

وكما أن الهلال لا يختلف والبدر بل هو جزء منه، فكذلك سيد الأولياء بالنسبة إلى سيد الأنبياء، إذ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا وعلي من نور واحد. و قال: علي مني وأنا منه.

ثم إن امتزاج أحكام الشريعة المصطفوية بالحقائق المرتضوية هو السبب لظهور مشارب أذواق أعيان الأولياء، و قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه: أنا وأنت أبوا هذه الأمة ، يشير إلى هذا المعنى، إذ هو منبع أسرار معارف التوحيد ومطلع أنوار معالم التحقيق، ومن ينبوع هدايته حصل جميع أهل الكشف والشهود على درجات الكمال، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا المنذر وعلي الهادي. و قال لعلي: وبك يا علي يهتدي المهتدون.

وإذا انكشف لك هذا السر فاعلم: أن جميع أنوار الحقائق التي حصل عليها الأولياء مقتبس من مشكاة ولاية علي، ومع وجود هذا الامام الهادي فإن متابعة غيره من قلة البصيرة ».

أقول : وهذا الكلام يدل على المطلوب على ضوء حديث النور من وجوه عديدة كذلك، وهي غير خافية على الفطن النبيه.

٨ - السهروردي

وقال الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمّد السهروردي في ( العوارف ) بعد أن ذكر بعض الأحاديث الدالة على فضيلة التّفقه في الدين: « والله سبحانه وتعالى جعل الفقه صفة القلب فقال ( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ) ، فلما


فقهوا علموا، ولما علموا عملوا، ولما عملوا عرفوا، ولما عرفوا اهتدوا، فكلّ من كان أفقه كانت نفسه أسرع إجابة وأكثر انقياداً لعالم الدين، وأوفر حظاً من نور اليقين، فالعلم جملة موهوبة من الله تعالى للقلوب، والمعرفة تميز تلك الجملة والهدى وجدان القلوب ذلك، فالمعنى: مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم، أخبر أنه وجد القلب النبوي الهدى والعلم، فكان هادياً مهدياً، وعلمه صلوات الله عليه وراثة معجونة فيه من آدم أبي البشر صلوات الله عليه، حيث علم الأسماء سمة الأشياء فكرمه الله تعالى بالعلم فقال ( عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) ، فآدم عليه‌السلام بما ركب فيه من العلم والحكمة صار ذا الفهم والفطنة والمعرفة والرأفة واللطف والحب والبغض والفرح والغم والرضاء والرخاء والغضب والكياسة، ثم اقتضاء استعمال كل ذلك، وجعل لقلبه بصيرة واهتدى الى الله بالنور الذي وهب له.

فالنبي عليه‌السلام بعث إلى الأمة بالنور الموروث والموهوب له خاصة، وقيل: لما خاطب الله سبحانه السماوات والأرض يقول لهما ( ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ) ، نطق من الأرض وأجاب موضع الكعبة ومن السماء ما يحاذيها، وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أصل طينة رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من سرة الأرض بمكة. فقال بعض العلماء: هذا يشعر بأنما أجاب من الأرض ذرة المصطفى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن موضع الكعبة دحيت الأرض، فصار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الأصل في التكوين والكائنات تبع له، وإلى هذا الاشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت نبياً وآدم بين الماء والطين. وفي رواية: بين الروح والجسد. وقيل: لذلك سمي أميا، لأن مكة أم القرى، وذرته أم الخليقة وتربة الشخص مدفنه، فكان يقتضي أن يكون مدفنه بمكة حيث كانت تربته منها، ولكن قيل الماء لما تموج ورمى الزبد إلى النواحي وقت جوهرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ما يحاذي تربته بالمدينة، وكان رسول الله مكياً مدنياً حنينه إلى مكة وتربته بالمدينة.

فالإِشارة فيما ذكرنا من ذرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو ما قال الله


تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) .ورد في الحديث: إن الله مسح ظهر آدم وأخرج ذريته منه كهيئة الذرة واستخرج الذر من مسام شعر آدم، فخرج الذر كخروج العرق. وقيل: كان المسح من بعض الملائكة فأضاف الفعل إلى المسبب، وقيل: معنى القول بأنه مسح أي: أحصى كما يحصى الأرض بالمساحة، وكان ذلك ببطن نعمان - وهو واد بجنب عرفة بين مكة والطائف - فلما خاطب الله الذرة وأجابوا ببلى كتب العهد في رق أبيض، وأشهد عليه الملائكة وألقمه الحجر الأسود، وكانت ذرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي المجيبة من الأرض، والعلم والهدى فيه معجونان، فبعث بالعلم والهدى مورثاً له وموهوباً. وقيل: لما بعث الله تعالى جبرئيل وميكائيل ليقبضا قبضة من الأرض فأبت حتى بعث الله عزرائيل فقبض قبضةً من الأرض، وكان إبليس قد وطئ بقدميه، فصار بعض الأرض بين قدمه وبعض الأرض موضع أقدامه، فخلقت النفس مما مس قدم إبليس، فصارت مأوى الشر، وبعضها لم يصل إليه قدم إبليس، فمن تلك الأرض تربة أصل الأنبياء والأولياء.

فكانت ذرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موضع نظر الله سبحانه وتعالى من قبضة عزرائيل، لم يمسها قدم إبليس فلم يصبه حظ الجهل، بل صار منزوع الجهل موفّراً حظه من العلم والهدى، فبعثه الله تعالى بالهدى والعلم وانتقل من قلبه إلى القلوب ومن نفسه إلى النفوس، فوقعت المناسبة في أصل طهارة الطينة ووقع التأليف بالتعارف الأول، فكل من كان أقرب منه مناسبة بنسبة طهارة الطينة كان أوفر حظاً من قبول ما جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانت قلوب الصوفية أقرب منها مناسبة، فأخذت من العلم حظاً وافراً وصارت بواطنهم إخاذات، فعلموا وعلموا كالاخاذ التي يسقى منه ويزرع منه، وجمعوا بين فائدة علم الدراسة وعلم الوراثة فائدة بإحكام أساس التقوى، فلما تركت النفوس انجلت مرائي قلوبهم بما صقلها من التقوى، وانجلى فيها صور الأشياء على هيآتها وماهيتها، فبانت لهم الدنيا بقبحها فرفضوها، وظهرت الآخرة بحسنها فطلبوها،


فلما زهدوا في الدنيا انصبت إلى بواطنهم أقسام العلوم انصباباً وانضاف الى علم الدراية علم الوراثة».

أقول : فهذه بعض مقامات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أثر قربه من الله تعالى وخلقة نوره من قبل العالم بأسره، ولما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام مع النبي - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في جميع منازله ومقاماته كان جميع ما ذكر ثابتاً في حقه أيضاً، فيكون مثله أفضل جميع الخلائق وأجلهم وأقدمهم بعده، فهو الخليفة من بعده على أمته وهو المطلوب.

٩ - أبو نعيم الاصفهاني

قال الحافظ الشهير والعارف الكبير أبو نعيم الاصبهاني في خطبة كتابه ( دلائل النبوة ) ما نصه:

« أما بعد فقد سألتم جمع المنتشر من الروايات في النبوة ودلائلها والمعجزة وحقائقها، وخصائص المبعوث محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسناء الساطع والشفاء النافع، الذي استضاء به السعداء واستشفى به الشهداء واستوصل دونه البعداء، فاستعنت بالله واستوفقته، وبه الحول والقوة وهو القوي العزيز.

واعلموا وفقكم الله أن الخالق الحكيم أنشأ الخلق مختلفي الصور والجواهر متفاوتي الأمزجة والبصائر، أجزاؤهم في الطبيعة والقوة متفاضلة، وأحلامهم في النظر والاعتبار متفاوتة، فمن معتدل مزاجه مستغن بصحته عن الأطباء والعقاقير ومتوسط في الاعتدال يطيبه القليل من الأبازير، وساقط رذيل لا يقيمه العزيز من العناصر، كذلك الأرواح، منها صاف زكي بالحكمة مشغوف، وإلى التعرف والتبصر ملهوف، حريص على ما استبق إليه السعداء ومنها روح كدر بطيء عن المعارف والبصائر معطوف، وعن الآيات والعبر مصروف، خميص إلى ما استلذه البعداء. ومنها روح متوسط حطّ به عن كمال الصفاء والزكاء، ونجى به من هلاك


الكدر والعماء.

فلتفاوت الأشباح والأرواح اختلفت الأقوال والأحوال، فالمحبو لصافي الأرواح يحن جوهره دائماً إلى صفوة الروحانية الذين هم سكان العلى من السماوات، والممنو بكدر الأرواح يميل جوهره دائماً إلى مماثلة المسخرة والبهائم من الأنعام المركبة من الكدر والظلمات. فإذا اختلفت الأبنية والأمزجة فالمجبول على أعدل الترتيب وأصفى التركيب من لباب البشر وصباب النشر: من ارتاح للتألّه والصلاح، واهتز للتشمّر والفلاح، مخصوص بالبشارة والنذارة مقصود بالنفث والإيحاء من الكرام البررة، ممد بالموهبة الالهية والأثرة العلوية ويسعد بالقبول منه المتوسط من المقبلين، ويحجب بالنفور عنه والتكبر منه العماة من المدبرين.

فأولئك المقصودون هم الدعاة من الأولياء والسادة من الرسل والأنبياء ».

أقول: دل هذا الكلام على أفضلية الأنبياء لكونهم أشرف الخلائق خلقة، ولاختصاصهم بهذه المزايا المذكورة والفضائل العالية، ولما كان نور أمير المؤمنين عليه‌السلام متحداً مع نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان ذلك النور متقدماً في الخلق على خلق آدم عليه‌السلام ، كان علي عليه‌السلام - كالنبي - أفضل من جميع الأنبياء وسائر الخليفة، وصاحب تلك المزايا الجليلة، فعلي أفضل الْأُمة الاسلامية بعد النبي، وإذا كان كذلك بطل تقدّم الثلاثة عليه، وهو المطلوب.

ثم قال أبو نعيم:

« فالنبوة هي سفارة العبد بين الله وبين ذوي الألباب من خليقته، ولهذا يوصف أبداً بالرسالة والبعثة، وقيل: إن النبوة إزاحة علل ذوي الألباب فيما تقصر عقولهم عنه من مصالح الدارين، ولهذا يوصف دائماً بالحجة والهداية، ليزيح بها عللهم على سبيل الهداية والتثقيف، ومعنى النبي هو ذا النبأ والخبر بأن يكون مخبراً عن الله بما خصه به من الوحي، وقيل: إنها مشتقة من النبوة التي هي المكان المرتفع عن الأرض، وهو أن يخص بضرب من الرفعة، فجعل سفيراً بين الله وبين خلقه، يعني بذلك وصفه بالشرف والرفعة، ومن جعل النبوة من الإِنباء التي هي الاخبار لم يفرق بين النبوة والرسالة.


وأما معنى الرسول فهو المرسل، فعول على لفظ مفعل، وإرساله أمره إيّاه بإبلاغ الرسالة والوحي، ومعنى الوحي مأخوذ من الوحي وهو العجلة، فلما كان الرسول متعجلاً لما يفهم قيل لذلك التفهم وحي، وله مراتب ووجوه في القرآن وحي إلى الرسول، وهو أن يخاطبه الملك شفاهاً أو يلقي ذلك في روعه وذلك قوله ( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إلّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) . يريد بذلك خطاباً يلقى فهمه في قلبه حتى يعيه ويحفظه وما عداه من غير خطاب، فإنما هو ابتداء إعلام وإلهام وتوقيف من غير كلام ولا خطاب كقوله تعالى: ( وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) ، ( وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى ) وما في معناه.

ثم إن هذه النبوة التي هي السفارة لا تتم إلّا بخصائص أربعة يهبها الله لهم، كما أن إزاحة علل العقول لا تتم إلّا بالسلامة من آفات أربع يعصم منها، فالسفير السعيد بالمواهب الأربع سليم عن الآفات الأربع، والعاقل السليم من الآفات الأربع ليس بسعيد بالمواهب الأربع. فالمواهب الأربع أولها: الفضيلة النوعية، وثانيها: الفضيلة الإِكرامية، وثالثها: الإِمداد بالهداية، ورابعها: التثقيف عند الزلة. والآفات الأربع التي يعصم منها السليم من الأولياء أولها: الكفر بالله، وثانيها التقوّل على الله، وثالثها الفسق في أوامر الله، ورابعها الجهل بأحكام الله.

فمعنى الفضيلة النوعية: أن الأحسن في سير الملوك والأحمد من حكمهم أنهم لا يرسلون مبلغاً عنهم إلّا الأفضل المستقل بأثقال الرسالة، قد ثقّفته خدمته وخرجته أيامه، والعقول تشهد أن مثله يكون مقيضاً مرتاداً عند المرسل في الإبلاغ والتأدية عنه، فالله الحكيم العزيز لا يختار للرسالة إلّا المتقدم على المبعوث إليهم المزين بكل المناقب، ولهذا لم يوجد نبيّ قط به عاهة في بدنه أو اختلاط في عقله أو دناءة في نسبه أو رداءة في خلقه، وإليه يرجع قوله تعالى ( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) .

ومعنى الفضيلة الإِكرامية: أن الملوك متى أرسلوا رسولاً اختاروه للوفادة أيّدوه في حال الإِرسال بلطائف وكرامات وزوائد معاونات، ييّسرون الخطب عليه


فوق ما كان مكنه منه وخوله في ماضي خدمته، فالله الرءوف الرحيم إذا أثر للابلاغ عنه الأفضل، أمدّه بتقوى قلبه وتشحذ قريحته وتمكنه من الأخلاق الحميدة والعزائم القوية والحكم المديدة، كما أيد موسى بحل العقدة من لسانه وإشراكه لهارون إياه في الإرسال. وهو قوله: ( فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ) ، وإليه يرجع قوله ( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ) .

ومعنى الإِمداد بالهداية: أن الملوك متى ما اختاروا للابلاغ عنهم من علموا منه الكفاية والاستقلال بما ولوه، فلا يخلونه من كتب منهم إليه تتضمن الرشد والهداية، علماً منهم بأنه مجبول على صيغة الآدميين، فالله العلي العظيم متى قلّد عبداً قلائد الرسالة فحكمته تقتضي أن لا يخليه من مواد الإرشاد، لعلمه أن العلوم المكتسبة لا تنال إلّا تعريفاً ولا تصاب مصالح الكلية إلّا توقيفاً، وإليه يرجع قوله: ( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ ) .

ومعنى التثقيف عند الزلة: ما بعث ملك وافداً يجتلب به الرعية إلى طاعته، فيرى طبعه مائلاً في حال الابلاغ إلّا زجره عند أدنى هفوة بأبلغ مزجرة يتفقه بها، صيانة لمحله وحفظاً لحراسته واستقامته، علماً منه بأن من لم ينبه على فلتاته أو شك أن تألفه وتعتاده، فالله اللطيف بعباده الوافي لأوليائه بالنصر والتأييد لا يعدم وافده وصفيه المرشح لحمل أثقال النبوة التنبيه ولتثقيف، وإليه يرجع قوله تعالى لنوح ( فَلا تَسْأَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) . وقوله لداود ( فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ ) وقوله لسليمان ( وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ ) . وقوله لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) و ( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ ) . وقوله: ( وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ ) . الآية.

فهذه الخصائص الأربعة لا تنال إلا بالاكتساب والاجتهاد، لأنها موهبة إلهية وأثرة علوية، حكمها معلّقة بتدبير من له الخلق والأمر، لا يظهرها إلّا في أخص الأزمنة وأحق الأمكنة عند امتساس الحاجة الكلية وإطباق الدهماء على الضلال من البرية، ومحلّها أعلى من أن يفوز به العقول الجزوية أو تحصلها


المساعي الكسبية، وإليه يرجع قوله ( وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ ) . وقوله ( إِنْ نَحْنُ إلّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) وقوله ( فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) .

أقول: وهذه الخصائص الأربعة الحاصلة للأنبياء بسبب أن خلقتهم أشرف وأجل من خلقة الخلائق أجمعين، حاصلة لسيدنا أمير المؤمنين، لأنه خلق مع أفضل الأنبياء من نور واحد، فهو أفضل الخلائق والأنبياء عدا خاتمهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يجوز تقدّم أحد عليه.

١٠ - شاه ولي الله الدّهلوي

وقال والد ( الدهلوي ) في ( إزالة الخفا ) ما تعريبه: « لقد خلقت نفوس الأنبياء عليهم‌السلام القدسية في غاية الصفاء والرفعة، وقد اقتضت الحكمة الإِلهية أن ينالوا النبوة بذلك الصفاء والرفعة، ففوضت إليهم رئاسة العالم، قال الله تعالى ( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) .

وفي الأمة قوم خلقت نفوسهم قريبة من جوهر نفوس الأنبياء، وهؤلاء في أصل الفطرة خلفاء الأنبياء في الأمم، كالشمس تنعكس في المرآة ولا تنعكس في التراب والخشب والحجر، فإن هؤلاء - وهم خلاصة الأمة - يتأثرون بالنفس القدسية النبوية بوجه لا يتأتى لغيرهم، وقلوبهم تشهد بصحة ما يستفيدونه منها، حتى كأنه قد سبق لهم إدراك ذلك على وجه الإجمال، ثم جاء كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شارحاً له ومبيناً لاجماله، ثم تلى هؤلاء جماعات كل منها أدنى من سابقتها بدرجة حتى تصل النوبة إلى العوام من المسلمين.

فكما أن صاحب الخلافة الخاصة هو رئيس المسلمين في الظاهر، فكذلك يجب أن يكون رئيساً لهم متقدماً عليهم من حيث الاستعدادات الباطنية كصفاء الباطن ورفعة الشأن، حتى تكن رئاسته الظاهرية مقرونة بالرئاسة الباطنية ».


وجوه دلالة هذا الكلام

وكلام والد ( الدهلوي ) هذا يوضّح دلالة حديث النور على المطلوب من وجوه:

١ - قوله: « وقد افتضت الحكمة الإلهية أن ينالوا بذلك الصفاء والرفعة، ففوضت إليهم رئاسة العالم، قال الله تعالى: ( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) .

أقول: إذا كان الأمر كذلك فإن الامام علياً عليه‌السلام كانت له الأهلية الكاملة لأنْ تفوّض إليه رئاسة العالم - وهي الخلافة العامة والحكومة التامة - لوجود المقتضي الذي ذكره لذلك، بدليل حديث ( النور )، وإذ أنه يفيد كون أمير المؤمنين عليه‌السلام أشرف وأفضل من آدم وسائر الأنبياء عليهم‌السلام ، ما عدا خاتمهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حيث الصفاء والرفعة وغير ذلك لاتحاد نوره مع نوره، مع العلم بأنه أفضل جميع الأنبياء السابقين، فحديث النور من الأدلة الدالة على وجوب تفويض الامامة لعلي عليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو المطلوب، فمخالفة ( الدهلوي ) لأبيه وإنكاره دلالة الحديث على الامامة أمر غريب.

٢ - قوله: « وفي الأمة » أقول: وبما أن حديث النور يدل بفحواه دلالة قطعية على هذا المعنى، فإن علياً عليه‌السلام هو الخليفة بعد الرسول الأعظم لا غيره ممن لا يبلغ هذه الدرجة ولا إلى أقل قليل منها.

٣ - قوله: « كالشمس تنعكس » ظاهر في أن خلفاء الرسول يجب أن يكونوا هكذا، لا كالتراب والخشب والحجارة التي لا تنعكس فيها أشعة الشمس أبداً.

ولا ريب في أن علياً هو الذي كان يداني النبي في حالاته وصفاته، بل هما واحد ( لحديث النور ) وغيره بحيث لا يدانيه أحد حتى من الأنبياء والمرسلين، فكيف بأولئك الذين لم تنطبع في ذواتهم شيء من صفات الرسول، ولم تتمثل فيهم


خصلة من خصاله الحميدة.

٤ - قوله: « فإن هؤلاء وهم خلاصة الْأَمة » صريح في أن الخلفاء لابدَّ وأن يكونوا آخذين من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يوفق له غيرهم وعلي عليه‌السلام قد بلغ هذه الدرجة الرفيعة ( لحديث النور ) قطعاً، فهو الخليفة بلا فصل، وخلافة المتقدّمين عليه باطلة بلا ريب.

٥ - قوله: « فكما أن صاحب الخلافة الخاصة ».

أقول: لقد دل ( حديث النور ) على هذا المعنى أيضاً، ودل على اختصاصه بعلي عليه‌السلام ، فهو رئيس الأمة في الظاهر والباطن بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا حظَّ لغيره من ذلك، فتقدم أحد عليه - حتى لو بلغ ما بلغ من العظمة والجلال - غير جائز، فما ظنّك بتقدّم من تقدّم عليه؟!.

١١ - محمد صدر العالم

وللعلامة محمد صدر العالم كلام طويل، صريح في المطلوب، واف بالغرض، نورده بنصّه على طوله:

« أخرج ابن اسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن علي قال: لـمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) دعاني فقال: يا علي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أني مهما أبادههم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمتُّ عليها، حتى جاءني جبرئيل فقال: يا محمّد إنك إنْ لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك. فاصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واجعل لنا عسّاً من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلّمهم وأبلّغ ما أُمرت به، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون أو ينقصونه، فيهم أعمامهم أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي صلّى الله عليه


وسلّم جذبة من اللحم، فشقّها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال: كلوا بسم الله، فأكل القوم حتى نهلوا عنه حتى ما نرى إلا آثار أصابعهم، والله إنْ كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم. ثم قال: اسق القوم يا علي، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً، وأيم الله إنْ كان الرجل منهم ليشرب مثله، فلما أراد النبي أن يكلّمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم والله، فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي.

فلما كان الغد قال: يا علي هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعدلنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ثم اجمعهم لي، ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقرّبته ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا حتى نهلوا، ثم تكلّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا؟ قلت - وأنا أحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً - أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي فقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون لأبي طالب ويقولون: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعلي.

و أخرج ابن جرير عن علي قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوا إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً وقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فاسمعوا له وأطيعوا.

و أخرج أحمد وابن جرير والضياء عن علي أنه قيل له: كيف ورثت ابن عمك دون عمك؟ فقال: جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني عبد المطلب وهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب القربة، فصنع لهم مدّاً من طعام وأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس أو لم يشرب، فقال: يا بني عبد


المطلب إني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه وكنت من أصغر القوم، فقال: اجلس. ثم قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي. قال: فلذلك ورثت ابن عمي.

تفسير خطير أدى إليه الذوق الصحيح:

إعلم أن الأخوة هي المقارنة الوجودية أولاً والمشهودية ثانياً، والوصاية هي التحقق بما تحقق به الموصى علماً وحالاً ومقاماً ومعرفة، والوزارة تحمل ما تحمله الموزر من الأحمال والأثقال، والوراثة تحصيل ما حصّله المورّث لا على سبيل الكسب بل بالمناسبة الاستعدادية والاقتضائية، والخلافة هي القيام مقام المستخلف على سبيل البدلية.

تحقيق أنيق: إعلم أن للوصاية والاخوة وغيرهما من الفضائل المذكورة حكمة غامضة وسر عميق في الأصل الوجودي، اتضح بالوجدان الصريح والذوق الصحيح، وهو أن حضرة الوجوب والالوهية لما أفضت بفيضها الأقدس صوراً معلومة في حضرة علمه، فأول مفاض في تلك الحضرة هو العين المحمّدي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحقيقته الجامعة لجميع حقائق الممكنات وأعيانها، ولها البرزخية الكبرى بين حضرة الوجوب والإِمكان.

ثم استفاض بالثبوت العلمي بوساطته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقترناً به العين العلوي الجامع لحقائق الأنبياء والمرسلين وغيرها، ثم استفاضت الأعيان الأخر وكذلك لـمّا أفاضت هذه الحضرة بفيضها المقدس إفاضة وجودية خارجيّة في الحضرة العيانية، كان السابق بالوجود في تلك الحضرة الروح المحمّدي وتاليه الروح العلوي.

ثم لما أوجد الله الهباء فأول ما ظهرت به حقيقة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وروحه قبل سائر الحقائق والأرواح، وكان الروح العلوي أقرب الأرواح إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فظهرت مقارناً لظهوره.


ثم استعدّت وتوجّهت تلك الحقيقة المحمّدية والصورة الهبائية، لانطباق التدلي الأعظم الحق الذي به يهتدي الخلق وإليه يلجأ، وذلك التدلي عبارة عن تجل إلهي بحسب جمعية أسماء في الاسم الرحيم الهادي، فتجلى الرحيم الهادي بأحدية جميع الأسماء في صورة النور الأعظم وانطبق على تلك الصورة الهبائية فتحقق وتجوهر بها، ثم انبسط ذلك النور على من هو أقرب به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الهباء. ثم وثم.

وكان أقرب الناس إليه في ذلك الهباء علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، ولذا صار جامعاً لحقائق الأنبياء والمرسلين وأسرار المتقدمين والمتأخرين، وكان أخاً له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصياً وخليفة ووارثاً ووزيراً وولياً للمؤمنين ومولى لهم وممداً لجميع الأنبياء والمرسلين والأولياء الأولين والآخرين بمدده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناشي من ذلك النور الأعظم.

ويؤيد ما قلناه ما أخرجه الامام أحمد في المناقب عن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزءين، فجزء أنا وجزء علي بن أبي طالب.

ويؤيده أيضاً قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي كنت مع الأنبياء سرّاً ومعي جهراً.

وقال سيّدي وسندي وجدّي المتفرد بالله الصمد الشيخ أبو الرضا محمد قدس الله سرّه الأمجد في شرح هذا الحديث: نعم هو من الأولياء السابقين وهم الذين يتصرّف تمثل روحهم في العالم، قبل أن يتعلق الروح بالبدن العنصري تعلق التصرف والتدبير. فقال: ويؤيده قصة دشت أرزن، وتلك قصة طويلة لم أذكرها مخافة الإِطالة، فمن أراد الاطلاع عليها فليطالع الملفوظات القدسية الرضائية التي ألّفتها ورتبتها. وأيضاً مؤيد للمذكور ما روي في كلماته المأثورة رضي‌الله‌عنه : أنا علي وهو علي أنا بكلّ شيء عليم، أنا الذي مفاتيح الغيب عندي لا يعلمها بعد


محمد غيري، أنا قلب الله، أنا يد الله، أنا جنب الله، أنا اللوح المحفوظ، أنا ذو القرنين، أنا النوح الأول، أنا الابراهيم الخليل، أنا الموسى الكليم، أنا الأول والآخر والظاهر والباطن، أنا روح الأرواح، أنا روح الأشباح، أنا خازن النبوة، أنا وجه الله، أنا ترجمان وحي الله. انتهى.

ثم اعلم أنه كان منشأ التحقيق أني رأيت في مبشرة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدم في بلدي وتوجّه إلى الحصن السلطاني، فدخل فيه وأصحابه رضي الله عنهم كلّ واحد منهم نزل في دار من له معرفة به ومودة، حتى جاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه إلى داري وجلس على سقف بيتي، فصعدت السقف وقمت وراء ظهره لخدمته، فلبث رضي‌الله‌عنه قليلاً، ثم قام وقال لي: انظر إلى السماء، فرأيت في كبد سماء الحقيقة بدراً كاملاً تنور به العالم كمال التنور، فقال رضي‌الله‌عنه : هذا البدر تمثال الحقيقة المحمّدية فإذا البدر انشق بنصفين، نصف بقي على السماء وكمل بدراً في آن واحد كأنه ما انشق، وانتقل النصف الثاني فدخل في صدره رضي‌الله‌عنه ، وكنت انظر إذْ كمل بدراً بتدريج قليل، فقال رضي‌الله‌عنه : هذا نسبتي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم قال بالتلطّف التام: وهكذا نسبتك معي فانظر إلى بدري، فرأيت فإذا بدره انشق بشقين قام الشق الواحد في صدره رضي‌الله‌عنه وكمل بدراً كأنه ما انشق، وانتقل الشق الثاني فدخل في صدري، وقال رضي‌الله‌عنه بالعطوفة التامة: سيكمل شقّك أيضاً بدراً ولكن بالتدريج مرة بعد أُخرى، ثم جاء رضي‌الله‌عنه وقعد في حجري فعانقته وشرعت أقول: أنت سيدي وإمامي، أنت حجتي وبرهاني، أنت إسلامي وإيماني، أنت عرفاني ووجداني، أنت ذاتي وصفاتي، أنت حقيقتي ورسمي، أنت أخلاقي وأسراري، ثم انكشف على السر الذي حررت، فالحمد لله حمداً كثيراً خالداً مع خلوده، والحمد لله حمداً لا منتهى له دون علمه، والحمد لله حمداً لا منتهى له دون مشيته، والحمد لله حمداً لا أجر يقابله إلّا رضاه.

وقد صرّح الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي قدس‌سره ببعض هذا


التحقيق، فرأيت أن أذكر كلامه استشهاداً، قال الشيخ في الباب السادس من الفتوحات المكية: إن الله تبارك وتعالى لما أراد بدأ ظهور العالم على حد ما سبق في علمه انفصل العالم من تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية، فحدث الهباء وهو بمنزلة طرح البناء الجص ليفتح فيه من الأشكال والصور ما شاء، وهذا هو أول موجود في العالم. ثم إنه تعالى تجلى بنوره إلى ذلك الهباء والعالم كله فيه بالقوة، فقبل منه كلّ شيء في ذلك الهباء على حسب قربه من النور، كقبول زوايا البيت نور السراج، فعلى حسب قربه من ذلك النور يشتد ضوؤه وقبوله، ولم يكن أحد أقرب إليه قبولا من حقيقة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان أقرب قبولاً من جميع ما في ذلك الهباء، فكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبدأ ظهور العالم وأول موجود.

قال الشيخ محيي الدين: وكان اقرب الناس إليه في ذلك الهباء علي بن أبي طالب إمام العالم بأسره والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين - انتهى ما في اليواقيت والجواهر نقلاً من الفتوحات. فاحفظ ذلك التحقيق تجده نافعاً معيناً في كشف كلّ فضيلة ومنقبة ماضية وآتية إنْ شاء الله تعالى، فإنه أصل كل منقبة والله أعلم »(١) .

* * *

____________________

(١). معارج العلى - مخطوط.


قوله:

« لأن كون سيدنا الأمير شريكاً في النور النبوي لا يستلزم إمامته من بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

أقول:

ليس هذا النفي إلّا مكابرة فاضحة، لأن كون النور العلوي جزء من النور النبوي ومقدماً في الخلق والايجاد على خلق آدم وسائر الأنبياء عليهم‌السلام يثبت الافضلية له عليه‌السلام ، وذلك صريح كلام المحققين من أهل السنة كما عرفت، فتكون أفضليته من الخلفاء الثلاثة من البديهيات المسلمة، وهذا كاف لإِثبات إمامته عليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل، وقد دل على ذلك أيضاً كلام والد ( الدهلوي ) وتصريحات ابن تيمية وغيرهما من أكابر علماء أهل السنة.

وليعلم أن تعبير ( الدهلوي ) عن هذه الحقيقة بلفظ « الاشتراك » غير


واضح، وكأنه يقصد منه التفكيك بين النورين، وأن نوره عليه‌السلام أقل من نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن الأحاديث دلّت على أن النور الذي خلق أولاً قبل كل شيء كان نوراً واحداً، ولم يزل كذلك في الأصلاب والأرحام حتى انقسم إلى نصفين في صلب عبد المطلب رضي‌الله‌عنه ، ولفظ « النصف » صريح في التساوي بين النورين، وأين المناصفة التي وردت في الأحاديث من المشاركة التي قالها ( الدهلوي )؟!

فيجب حينئذ حمل الأحاديث التي لم يرد فيها لفظ « النصف » على هذا المعنى، وما كان منها مشتملاً على لفظ « الجزء » لا يأبى الحمل على معنى « النصف »، بل المتبادر من تقسيم الشيء إلى جزءين هو التساوي بينهما.

وبعد، فلو تنزلنا وسلّمنا كون نوره عليه‌السلام أقل من نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه أيضاً مثبت لأفضلية علي بعده من جميع الخلائق، فكيف بمن سبق الكفر إسلامه، وكان محروماً من ذلك النور؟!

قوله:

« فلا بدّ لمن يدعي ذلك من إثبات الملازمة بين الأمرين وبيانها بحيث لا تقبل المنع ».

أقول:

قد أثبتنا إثباتاً لا يشوبه ريب ومذل بتوفيق الله ولي الطول والفضل، أن كون نور الوصي مساوياً في التقدم لنور النبي دليل زاهر على الخلافة بلا فصل، وأن الإِنكار والرد لا يصدر إلّا من باب الهذر والهزل ومن أصحاب السفه والعناد الرذل، فلا يلصق غبار بهذا المطلوب المشرق المنار العلي الأخطار المقبول لدى


أولي الأبصار، والذي لا ينكره ويجحده إلّا الذين هم ما جاسوا خلال ديار الآثار، وما تشرفوا قط بملاحظة تصريحات الأساطين الكبار، وما خاضوا في غمار بحار تفحص الأسفار.

قوله:

« ودون ذلك خرط القتاد ».

أقول:

إثبات خرط القتاد دون هذا المرام الصريح السداد، والمراد الواضح الرشاد لا يصدر إلّا ممن خب وأوضع في مهامه العناد، ونكص وجار وراغ عن الحق الأبلج وحاد، واضطرب في مجاهل التعصب والتعسف، وإنما خرط القتاد من خبط خبط العشواء وركب متن البعاد عن الإِنتقاد.

قوله:

« ولا كلام في قرب نسب حضرة الأمير من النبي ».

أقول:

حمله مفاد حديث النور على مجرد القرب النسبي تعنت لم يسبق إليه، ومع ذلك ففيه اعتراف ضمني بصحة حديث النور، وردّ صريح على ما تقدم منه من دعوى بطلان الحديث من أصله


كما أنه تكذيب لدعوى ( ابن الجوزي ) و ( الكابلي ) و ( القاضي الهندي ) بطلانه ووضعه، ولا يحيق المكر السيء إلّا بأهله.

وفي قوله: لا كلام في قرب نسب حضرة الأمير من النبي رد على ( عمر بن الخطاب )، اذْ نفى هذا القرب بإنكاره كون الامام عليه‌السلام أخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال ابن قتيبة: « إن أبا بكر أخبر بقومٍ تخلّفوا عن بيعته عند علي، فبعث إليهم عمر بن الخطاب، فجاء فناداهم وهم في دار علي وأبوا أن يخرجوا، فدعا عمر بالحطب فقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها عليكم على ما فيها. فقيل له: يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة. فقال: وإنْ.

فخرجوا وبايعوا إلّا علياً، فزعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي عن عاتقي حتى أجمع القرآن، فوقفت فاطمة على بابها، فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم جنازة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تروا لنا حقاً.

فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر: يا قنفذ - وهو مولى له - اذهب فادع عليا. قال: فذهب فنقذ إلى علي، فقال: ما حاجتك؟ قال: يدعوك خليفة رسول الله. قال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله، فرجع فنقذ فأبلغ الرسالة. قال: فبكى عمر طويلاً، فقال عمر الثانية: ألا تضم هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذ: عد إليه فقل: أمير المؤمنين يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ فنادى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال:

سبحان الله لقد ادّعى ما ليس له. فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلاً.

ثم قام عمر فمشى ومعه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها باكية: يا رسول الله ما ذا لقينا بعد أبي من ابن الخطاب وابن أبي قحافة! فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين،


فكادت قلوبهم تتصدع وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر معه قوم.

فأخرجوا علياً ومضوا به إلى أبي بكر فقالوا له: بايع، فقال: إنْ لم أفعل فمه؟ قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلّا هو نضرب عنقك، قال: اذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله. قال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخا رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلّم. فقال عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كان فاطمة إلى جنبه.

فلحق علي بقبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصيح ويبكي وينادي: يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني »(١) .

* * *

____________________

(١). الامامة والسياسة، كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب / ١٢.


وجوه صحة الاستدلال بالقرب النسبي

على الإِمامة بلا فصل



قوله:

« وإنما الكلام في استلزام القرب النسبي للامامة بلا فصل ».

أقول:

إن الاستدلال بقرب نسب أمير المؤمنين عليه‌السلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خلافته عليه‌السلام صحيح بلا ريب ومتين في نهاية المتانة، والوجوه الدالة على صحة الاستدلال بهذا الأمر، والمثبتة لبطلان تشكيك ( الدهلوي ) كثيرة جداً، وهذا بعضها:

١ - أحاديث اصطفاء بني هاشم:

لقد أفادت الأحاديث الكثيرة: إن الله تعالى قد اصطفى بني هاشم من جميع خلقه، فهم أفضل من غيرهم، ولما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام من بني


هاشم - بل هو أفضلهم بعد النبي بالإجماع - فهو أفضل من الثلاثة الذين لم يكونوا من بني هاشم، ومع وجود أفضل بني هاشم كيف يجوز التقدم عليه؟! وإليك بعض نصوص أحاديث الاصطفاء المشار إليها مع بعض ما يتعلّق بها:

١ - مسلم عن أبي عمار شداد أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: « إن الله عز وجل اصطفى كنانة من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسّلام، واصطفى قريش من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم »(١) .

قال النووي بشرحه: « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله اصطفى كنانة إلى آخره. استدل به أصحابنا على أن غير قريش من العرب ليس بكفء لهم، ولا غير بني هاشم كفؤ لهم إلّا بني المطلب، فإنهم هم وبنو هاشم شيء واحد كما صرح به في الحديث الصحيح، والله أعلم »(٢) .

٢ - الترمذي عن واثلة بن الأسقع قال: « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

... عن العباس بن عبد المطلب قال قلت: يا رسول الله إن قريشاً جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم، فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم خير القبائل فجعلني من خير القبيلة، ثم خير البيوت فجعلني من

____________________

(١). صحيح مسلم ٢ / ٢٠٣.

(٢). المنهاج في شرح مسلم ١٥ / ٣٦.


خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً.

هذا حديث حسن »(١) .

٣ - وأخرج ابن الأثير ما تقدّم عن مسلم والترمذي وغير ذلك في فضائل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومناقبه(٢) .

٤ - وروى الواقدي مكالمة عمرو بن العاص مع قسطنطين وقد جاء فيها: « وإن الله عز وجل اختار لنبينا الأنساب من صلب آدم إلى أن خرج من صلب أبيه عبد الله، فجعل خير الناس من ولد إسماعيل، وألهم اسماعيل أن يتكلّم بالعربية وترك إسحاق على لسان أبيه، فولد إسماعيل العرب، ثم جعل خير العرب كنانة ثم جعل خير كنانة قريشاً، ثم جعل خير قريش بني هاشم، ثم جعل خير بني هاشم بني عبد المطلب، ثم جعل خير بني عبد المطلب نبينا صلوات الله وسلامه عليه فبعثه رسولاً واتخذه نبياً، وهبط عليه جبرئيل بالوحي وقال: طفت المشرق والمغرب فلم أر أفضل منك يا محمد.

قا: فاقشعرت جلود القدم وخضعت جوارحهم حين ذكرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجفت قلوبهم، ودخلت الهيبة قلب قسطنطين حين سمع كلام عمرو وقال له: صدقت في قولك، كذلك الأنبياء تبعث من كبار بيوت قومها »(٣) .

٥ - و روى ابن سعد حديث واثلة بن الأسقع، ثم قال: « أخبرنا أبو ضمرة المديني، نا أنس بن عياض الليثي، نا جعفر بن محمّد بن علي عن أبيه محمّد بن علي ابن حسين بن علي بن أبي طالب: إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: قسّم الله الأرض نصفين فجعلني في خيرهما، ثم قسم النصف على ثلاثة فكنت في خير ثلث منها، ثم اختار العرب من الناس، ثم اختار قريشاً من العرب، ثم اختار بني

____________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٥٨٣ - ٥٨٤.

(٢). جامع الاصول ٩ / ٣٩٦.

(٣). فتوح الشام ٢ / ٤١.


هاشم من قريش، ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم، ثم اختارني من بني عبد المطلب.

... عن محمد بن علي قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله اختار العرب، فاختار منه كنانة أو النضر بن كنانة، ثم اختار منهم قريشاً، ثم اختار منهم بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم.

... عبد الله بن عبيد بن عمير قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله اختار العرب فاختار كنانة من العرب، واختار قريشاً من كنانة، واختار بني هاشم من قريش، واختارني من بني هاشم »(١) .

٦ - وعقد الحافظ أبو نعيم في ( دلائل النبوة ) « الفصل الثاني في ذكر فضيلته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطيب مولده وحسبه ونسبه وغير ذلك » فذكر أحاديث كثيرة في هذا المعنى بالأسانيد المتصلة ونحن نذكر بعضها مجردة عن الأسانيد:

« أخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء ».

« ألا إن الله تعالى خلق خلقه ثم فرقهم فريقين فجعلني من خيرهم قبيلة، فأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً ».

« خير العرب مضر، وخير مضر بنو عبد مناف، وخير بني عبد مناف بنو هاشم، وخير بني هاشم بنو عبد المطلب، والله ما افترق فرقتان مذ خلق الله آدم إلّا كنت في خيرهما ».

« إن الله تعالى قسّم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً، ثم جعل القسمين أثلاثاً فجعلني في خيرها ثلثاً ثم جعل الأثلاث قبائل، فجعلني في خيرها قبيلة، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتاً فذلك قوله: ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) الآية ».

____________________

(١). الطبقات الكبرى ١ / ٢٠ - ٢١.


« فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم، فأنا خيار إلى خيار ».

٧ - وقال القاضي عياض: « وأمّا شرف نسبه وكرم بلده ومنشأه فمما لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه ولا بيان مشكل ولا خفي منه، فإنه نخبة بني هاشم، وأفضل سلالة قريش وصميمها، وأشرف وأفضل العرب وأعزهم نفراً من قبل أبيه، ومن أهل مكة من كرم بلاد الله على الله وعباده ».

فروى في هذا الفصل وغيره أحاديث عديدة، منها حديث واثلة، وبعض الأحاديث المتقدمة بأسانيده إلى رواتها(١) .

٨ - وروى الحافظ الكنجي بسنده حديث واثلة عن مسلم ثم عن الترمذي ثم قال: « قلت: ومعنى قوله اصطفى: إختار، ذكره جماعة من المفسرين في قوله عز وجل ( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) فثبت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر - وهو الصادق الصدوق - عن الله تبارك وتعالى أنه اصطفى بني هاشم على غيرهم من قبائل قريش، ويؤيّد هذا القول ما أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل زيادة على ما جمعه والده من مناقب علي عن علي بن أبي طالب قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا معشر بني هاشم والذي بعثني بالحق لو أخذت بحلقة باب الجنة ما بدأت إلّا بكم، ولو لم يكن كالشمس ما أدخله في مصنف والده »(٢) .

٩ - وذكر الحافظ محب الدين الطبري بعض هذه الأحاديث تحت عنوان « ذكر اصطفائهم » و « ذكر أنهم خير الخلق »(٣) .

____________________

(١). الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ٦٢.

(٢). كفاية الطالب: ٤١٠.

(٣). ذخائر العقبى: ١٠.


١٠ - وروى المتقي أحاديث كثيرة في هذا الباب تقدّم ذكر طائفة منها عن الكتب المختلفة، ومما أورده سوى ما تقدم:

« قال لي جبرئيل: قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمّد، وقلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم. الحاكم في الكنى وابن عساكر عن عائشة »(١) .

« كنت وآدم في الجنة في صلبه، وركب بي السفينة في صلب أبي نوح، وقذف بي في النار في صلب إبراهيم. لم يلتق أبواي قط على سفاح ولم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسنة إلى الأرحام الطاهرة صفي مهدي، لا يتشعب شعبتان إلّا كنت في خيرهما »(٢) .

« ما ولدتني بغي قط منذ خرجت من صلب آدم، ولم تزل تنازعني الأمم كابراً عن كابر حتى خرجت من أفضل حيين من العرب: هاشم وزهرة »(٣) .

وقد روى هذه الأحاديث وغيرها جماعة آخرون مثل:

* محمّد بن يوسف الزرندي(٤) .

* السيد علي الهمداني(٥) .

* شهاب الدين القسطلاني(٦) .

* ابن حجر المكي بشرح قول البوصيري:

« لم تزل في ضمائر الكون تختار

لك الأمهات والآباء »

* نور الدين الحلبي حيث قال: « ومما يدل على شرف هذا النسب أيضاً:

____________________

(١). كنز العمال ١١ / ٤٠٩.

(٢). المصدر ١١ / ٤٢٧.

(٣). المصدر ١١ / ٤٢٧.

(٤). نظم درر السمطين ٥٢.

(٥). المودة في القربى ينابيع المودة: ٢٤٢.

(٦). المواهب اللدنية ١ / ١٣.


ما جاء عن عمرو بن العاصي وجاء بلفظ آخر عن واثلة وما جاء عن جعفر بن محمّد وعن ابن عباس وعن ابن عمر وعن أبي هريرة وعن »(١) .

كلمات العلماء على ضوء الأحاديث

ثم إنّ كبار العلماء الأعلام قد صرّحوا بهذا المعنى على ضوء الأحاديث المذكورة، وإليك نصوص كلمات جماعة منهم باختصار:

١ - القسطلاني : « ثمّ اعلم أنه عليه الصلاة والسّلام لم يشركه في ولادته عن أبويه أخ ولا أخت، لانتهاء صفوتهما إليه وقصور نسبتهما عليه، ليكون مختصاً بنسب جعله الله تعالى للنبوة غاية ولتمام الشرف نهاية، وأنت إذا اختبرت حال نسبه الشريف وعلمت طهارة مولده تيقنت أنه هو سلالة آباء كرام، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النبي العربي الأبطحي الحرمي الهاشمي القرشي، نخبة بني هاشم المختار المنتخب من خير بطون العرب وأعرقها في النسب وأشرفها في الحسب، وأنضرها عوداً وأطولها عموداً وأطيبها أرومة وأعزها جرثومة، وأفصحها لساناً وأوضحها بياناً وأرجحها ميزانا وأصحها ايماناً، وأعزها نفراً وأكرمها معشراً من قبل أبيه وأمه، ومن أكرم بلاد الله عليه وعلى عباده»(٢) .

٢ - السيوطي : « المقامة السندسية: ( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) نبي سري، قدره علي وبرهانه جلي، خير الخليفة أماً وأباً وأزكاهم حسباً ونسباً، خلق الله لأجله الكونين وأقرّ به من كل مؤمن العينين، وجعله نبي الأنبياء وآدم منجدل في طينته، وكتب

____________________

(١). السيرة الحلبية ١ / ٤٣ - ٤٤.

(٢). المواهب اللدنية ١ / ١٣.


اسمه على العرش إعلاماً بمزيته عنده وفضيلته، وتوسل به آدم فتاب عليه وأخبره أنه لولاه ما خلقه، وناهيك بها مزية لديه:

نبي خص بالتقديم قدماً

وآدم بعد في طين وماء

كريم بالحبا من راحتيه

يجود وفي المحيا بالحياء

ومن خصائصه - فيما ذكر الغزالي وغيره - إن الله ملّكه الجنة وأذن له أن يقطع منها من يشاء ما يشاء. وأعظم بذلك منّة.

وخصّه بطهارة النسب تعظيماً لشانه وحفظ آبائه من الدنس تتميماً لبرهانه، وجعل كلّ أصل من أصوله خير أهل زمانه، كما قال في حديث البخاري الذي نقطع بصدوره من فيه: بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى كنت من القرن الذي كنت فيه. و قال عليه‌السلام : أنا أنفسكم نسباً وصهراً وحسباً لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذباً لا تنشعب شعبتان إلّا كنت في خيرهما، فأنا خيركم نفساً وخيركم أباً.

وأجدر بقول صاحب البردة أن يكون له في عرصات القيامة عدة:

وبدا للوجود منك كريم

من كريم آباؤه كرماء

نسب تحسب العلا بحلاه

قلدتها نجومها الجوزاء

حبذا عقود سودد وفخار

أنت فيه اليتيمة العصماء

وينظم في سلك هذه الدرر قول

افظ العصر أبي الفضل ابن حجر:

نبي الهدى المختار من آل هاشم

فعن فخرهم فليقصر المتطاول

تنقل في أصلاب قوم تشرفوا

به مثل ما للبدر تلك المنارل »(١)

____________________

(١). المقامات ٤٥.


٣ - الحلبي : « وإلى شرف هذا النسب يشير صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله:

وبدا للوجود منك كريم

أي: ظهر لهذا العالم منك كريم أي جامع لكل صفة كمال. وهذا على حد قولهم « لي من فلان صديق حميم »، وذلك الكريم الذي ظهر وجد من أب كريم سالم من نقص الجاهلية، آباؤه الشامل للأُمهات جميعهم كرماء، أي سالمون من نقائص الجاهلية، أي ما يعد في الإسلام نقصاً من أوصاف الجاهلية. وهذا نسب لا أجل منه وقد قال الماوردي في كتاب أعلام النبوة: وإذا اختبرت حال نسبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرفت طهارة مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، علمت أنه سلالة آباء كرام ليس فيهم مسترذل، بل كلهم سادة قادة، وشرف النسب وطهارة المولد من شروط النبوة، هذا كلامه. ومن كلام عمّه أبي طالب:

إذا اجتمعت يوماً قريش لمفخر

فعبد مناف سرها وصميمها

وإنْ حصلت أنساب عبد منافها

ففي هاشم أشرافها وقديمها

وإن فخرت يوماً فإنّ محمداً

هو المصطفى من سرها وكريمها

بالرفع عطفاً على المصطفى، وسر القوم وسطهم، فأشرف القوم قومه وأشرف القبائل قبيلته وأشرف الأفخاذ فخذه »(١) .

٤ - أبو نعيم الاصبهاني ( بعد ذكر الأحاديث المتقدمة ): « ووجه الدلالة في هذه الفضيلة: إن النبوة ملك وسياسة عامة، وذلك قوله تعالى: ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) وهو الملك في ذوي الأحساب والأخطار من الناس، وكل ما كان خصال فضله أوفر كانت الرعية بالانقياد إليه أسمع وإلى طاعة مطيعة أسرع، وإذا كان في الملك وفي توابعه نقيصة نقص عدد أتباعه ورعيته

____________________

(١). السيرة الحلبية ١ / ٤٤.


... فدل ذلك على أن الملك لا يجعل إلّا في أهل الكمال والمهابة، وهاتان الخصلتان لا توجدان في غير ذوي الأحساب، فجعل الله لنبيه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحظوظ أوفرها ومن السهام أوفاها وأكثرها، فلذلك قال: فأنا من خيار إلى خيار ».

٥ - السيوطي - بعد الأحاديث -: « قال أبو نعيم: وجه الدلالة على نبوته من هذه الفضيلة أن النبوة ملك وسياسة عامة »(١) .

٦ - القاضي عياض : « الباب الثاني في تكميل الله تعالى له المحاسن خلقاً وخلقاً، وقرانه جميع الفضائل الدينية والدنيويّة فيه نسقاً » فذكر فيه فوائد جمة في كلام طويل(٢) .

٢ - كان الرسول من بني هاشم فالإمام يكون منهم

ذكر شاه ولي الله الدهلوي روايات من قصة السقيفة في ( إزالة الخفا ) إلى أن قال: « أما رواية أبي سعيد الخدري - قال: لما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول: يا معشر المهاجرين: إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أنْ يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا. قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك، فقام زيد بن ثابت فقال:

إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من المهاجرين فإنّ الامام يكون من المهاجرين، ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقام أبو بكر فقال: جزاكم الله خيراً يا معشر الأنصار وثبّت قائلكم. ثم

____________________

(١). الخصائص الكبرى ١ / ٣٩.

(٢). الشفا - ٤٦.


قال: والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحتكم. أخرجه ابن أبي شيبة ».

أقول: لقد استدل زيد بن ثابت على لزوم كون الخليفة من المهاجرين بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المهاجرين، وقد قرر أبو بكر هذا الاستدلال ووافقه عليه وتمت البيعة لأبي بكر.

وعلى ضوء هذا الاستدلال نقول: إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من بني هاشم فإن الامام يكون من بني هاشم، ولما كان علي عليه‌السلام أفضلهم بالإجماع ولم يكن أحد من الثلاثة من بني هاشم فيكون هو الامام والخليفة بعد رسول الله.

فثبت أن قرب النسب من أدلة الامامة والخلافة.

٣ - خطبة أبي بكر في السقيفة

لقد خاصم أبو بكر الأنصار في السقيفة واحتج عليهم في أمر الخلافة بأنه « لن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً » ولقد خصمهم بهذا البيان وتمت البيعة له في نهاية الأمر في قصة مفصلة معروفة.

ولا ريب أن علياً أشرف القوم - من المهاجرين والأنصار - نسبا ودارا، فيجب - بالأولوية - أن لا تعرف العرب هذا الأمر إلّا له، فالقرب النسبي إذا من أقوى الأدلة على إمامته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أخرج البخاري في حديث طويل عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب أنه قال: « ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلاناً، فلا يغترنّ امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكنْ الله وقى شرها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي تابعه تغرة أن


يقتلا.

وإنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر رضي‌الله‌عنه ، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم، فقالا: عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم. فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزّمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك، فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله. ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معاشر المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم، فإذا بهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضونا من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك. فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلّا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت. فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلّا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم. فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدّم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، أللهم إلّا أن تسول لي نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن.

فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون


ثم بايعته الأنصار. ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة. فقلت: قتل الله سعد بن عبادة.

قال عمر: وإنا والله ما وجدنا في ما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إنْ فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي تابعه تغرة أن يقتلا »(١) .

ورواه ابن هشام، وابن جرير الطبري، والمتقي(٢) .

٤ - خطبة أبي بكر بلفظ آخر

وقد احتج أبو بكر في خطبته يوم السقيفة على الأنصار بالقرب في النسب مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال: « نحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه، ونحن أهل الخلافة وأوسط الناس أنساباً » فعلى أساس هذا الاستدلال يكون علي عليه‌السلام - وهو أقرب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبي بكر بلا ريب - هو الأولى والأحق بالأمر بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأما هذه الخطبة فقد رواها جماعة من أئمة الحفاظ.

قال الحافظ محب الدين الطبري: « وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب: إن أبا بكر يوم السقيفة تشهد وأنصت القوم فقال: بعث الله نبيّه بالهدى ودين الحق فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الإسلام، فأخذ الله بقلوبنا ونواصينا إلى ما دعا إليه، فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاماً ونحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه، ونحن أهل الخلافة وأوسط الناس أنساباً في العرب، ولدتنا العرب كلها فليس منهم قبيلة إلا لقريش فيها ولادة، ولن تصلح إلّا لرجل من قريش، هم

____________________

(١). صحيح البخاري - كتاب الحدود الباب ٣١.

(٢). سيرة ابن هشام ٢ / ٦٥٧ - ٦٦١، تاريخ الطبري ٣ / ٢٠٣، كنز العمال ٥ / ٦٤٤ - ٦٤٧.


أصبح الناس وجوهاً وأسلطهم ألسنة وأفضلهم قولاً. فالناس لقريش تبع، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، وأنتم يا معشر الأنصار إخواننا في كتاب الله وشركاؤنا في دين الله تعالى والتسليم لفضيلة إخوانكم من المهاجرين وأحق الناس ان لا تحسدوهم على خير آتاهم الله إياه، وأنا أدعوكم إلى أحد رجلين - ثم ذكر معنى ما قبله في حديث ابن عباس »(١) .

وفي رواية محمد بن جرير الطبري: « فخص الله المهاجرين الأولين من قومه: بتصديقه والايمان به والمواساة له والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم ولدينهم، وكل الناس لهم مخالف زار عليهم، فلم يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم واجماع قومهم عليهم، فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن به وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ولا ينازعهم في ذلك إلّا ظالم »(٢) .

وعند ابن خلدون: « نحن أولياء النبي وعشيرته وأحق الناس بأمره ولا ننازع في ذلك »(٣) .

تنبيه

وهذا الكلام من أقوى الأدلة على خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام بلا فصل، لأن جميع هذه الصفات التي ذكرها أبو بكر واستند إليها واعترف بها الأنصار فخصموا بها، متوفرة في علي بأتم معانيها وأعلى درجاتها، فهو الواجد لها دون أبي بكر وغيره من المهاجرين، فهو الامام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سواه.

____________________

(١). الرياض النضرة ١ / ٢١٣.

(٢). تاريخ الطبري ٣ / ٢١٩ - ٢٢٠.

(٣). تاريخ ابن خلدون ٢ / ٨٥٤.


وأما قوله: « فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاماً » فقد ثبت أن علياً عليه‌السلام أول الناس إسلاماً، وهذا من خصائصه أيضاً، وقد روى ذلك واعترف به كبار حفاظ أهل السنة، ومن ذلك حديث رواه:

الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي.

والحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني.

والموفق بن أحمد المكي الخوارزمي.

والحافظ ابن عساكر الدمشقي.

وأبو الخير الحاكمي.

والحافظ الكنجي الشافعي.

والسيد شهاب الدين أحمد.

وإبراهيم بن عبد الله الوصابي.

وأحمد بن الفضل بن باكثير المكي.

ومحمد صدر العالم.

و هذا نصه عن الحافظ أبي نعيم، فإنه قال:

« حدثنا إبراهيم بن أحمد بن محمّد بن أبي حصين، ثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي، ثنا خلف بن خالد العبدي البصري، ثنا بشر بن ابراهيم الأنصاري، عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع لا يحاجك فيها أحد من قريش: أنت أولهم إيماناً، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية »(١) .

____________________

(١). حلية الأولياء ١ / ٦٥ - ٦٦.


٥ - احتجاج علي على أبي بكر

لقد احتج أمير المؤمنين عليه‌السلام على أبي بكر وأتباعه بنفس ما احتج به أبو بكر في السقيفة فخصم به الأنصار روى ذلك ابن قتيبة * المترجم له في: تاريخ بغداد ١٠ / ١٧٠ والأنساب - الدينوري، تذكرة الحفاظ ٢ / ١٨٥ وتهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٨١ ووفيات الأعيان ١ / ٣١٤ ومرآة الجنان ٢ / ١٩٢ وبغية الوعاة ٢٩١ * حيث قال: « إباءة علي بن أبي طالب بيعة أبي بكر - ثم إن علياً أتي به أبو بكر وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله. فقيل له: بايع أبا بكر. فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة بي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأخذوه منا أهل البيت غصبا. ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكان محمّد منكم وأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الأمارة؟ فأنا احتج بمثل ما احتججتم على الأنصار، نحن أولى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حياً وميتاً، فأنصفونا إنْ كنتم تؤمنون بالله وتخافون الله وإلّا فباءوا بالظلم وأنتم تعلمون.

قال له عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع.

فقال له علي بن أبي طالب: احلب حلبا لك شطره، أشدد له اليوم يرده عليك غدا، ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه.

فقال له أبو بكر: فإنْ لم تبايعني فلا أكرهك.

فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي: يا ابن عم إنك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلّا أقوى على هذا الأمر منك وأشد احتمالاً واستطلاعاً، فسلم هذا الأمر لأبي بكر، فإنك إنْ تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق، وحقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.


فقال علي: يا معشر المهاجرين! الله الله، لا تخرجوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقه، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت، ونحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القاري لكتاب الله، الفقيه في دين الله العالم بسنة رسول الله، المتضلع بأمر الرعية المدفع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله إنها فينا ولا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله وتزدادوا من الحق بعداً.

فقال قيس بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها أبا بكر ما اختلف عليك اثنان.

قال: وخرج علي يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على دابة ليلاً على مجالس الأنصار يسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلناه به. فيقول علي: أفكنت أدع رسول الله في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه. فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له، قد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم به »(١) .

و قد رواه جمال الدين المحدّث - وهو شيخ ( الدهلوي ) عن جماعة من أصحاب التواريخ(٢) .

٦ - احتجاج علي يوم الشورى

لقد احتج أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الشورى بأقربيته من رسول الله

____________________

(١). الامامة والسياسة ١ / ١١. ولا ريب في أن هذا الكتاب لابن قتيبة، وقد نسبه إليه جماعة ونقلوا عنه في كتبهم مثل: إتحاف الورى بأخبار ام القرى، وغاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام، والعقد الثمين، والالف باء، وتفسير شاهي.

(٢). روضة الأحباب.


صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاثبات خلافته عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم ينكر أحد منهم ما احتج به بل اعترفوا بذلك وسلّموا له

قال ابن حجر المكي: « أخرج الدار قطني: إن علياً يوم الشورى احتج على أهلها فقال لهم: أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرحم مني، ومن جعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه نساءه؟ قالوا: اللهم لا - الحديث »(١) .

و ذكره كمال الدين الجهرمي في ترجمة الصواعق(٢) .

و رواه أيضاً الملّا مبارك الهروي.

ومن الواضح أنه عليه‌السلام أقرب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا من أهل الشورى فحسب بل من جميع الناس، حتى الأول والثاني

ولو لم يصح الاستدلال بالأقربية لم يستدل بها الامام عليه‌السلام ، ولاستنكر عليه القوم ذلك الاستدلال وردّوه.

٧ - إعتراف طلحة والزبير والمسلمين بأولويته بالخلافة لأجل القرابة

روى المتقي: « عن محمد بن الحنفية قال: لما قتل عثمان استخفى علي في دار لأبي عمرو بن حصين الأنصاري، فاجتمع الناس فدخلوا عليه الدار فتداكّوا على يده ليبايعوه تداك الإبل الهيم على حياضها وقالوا: نبايعك. قال: لا حاجة لي في ذلك، عليكم بطلحة والزبير. قالوا: فانطلق معنا، فخرج علي وأنا معه في جماعة من الناس، حتى أتينا طلحة بن عبيد الله فقال له: إن الناس قد اجتمعوا ليبايعوني ولا حاجة لي في بيعتهم، فأبسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة

____________________

(١). الصواعق المحرقة - ٩٣.

(٢). البراهين القاطعة - ٢٦٣.


رسوله. فقال له طلحة: أنت أولى بذلك مني وأحق، لسابقتك وقرابتك، وقد اجتمع لك من هؤلاء الناس من قد تفرّق عني، فقال له علي: أخاف أنْ تنكث بيعتي وتغدر بي. قال: لا تخافنّ ذلك فو الله لا ترى من قبلي أبداً شيئاً تكره. قال: الله عليك كفيل.

ثم أتى الزبير بن العوام ونحن معه فقال له مثل ما قال لطلحة، وردّ عليه مثل الذي ردّ عليه طلحة.

وكان طلحة قد أخذ لقاحاً لعثمان ومفاتيح، وكان الناس اجتمعوا عليه ليبايعوه ولم يفعلوا، فضرب الركبان بخبره إلى عائشة وهي بسرف فقالت: كأني انظر إلى إصبعه تبايع بخب وغدر.

قال ابن الحنفيّة: لما اجتمع الناس على علي قالوا له: هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام، ولا نجد لهذا الأمر أحق منك ولا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحماً منك، قال: لا تفعلوا فإني وزيراً خير مني لكم أميراً. قالوا: والله ما نحن بفاعلين أبداً حتى نبايعك، وتداكوا على يده، فلما راى ذلك قال: إن بيعتي لا تكون في خلوة إلّا في المسجد ظاهراً، وأمر منادياً فنادى المسجد المسجد، فخرج وخرج الناس معه فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: حق وباطل ولكل أهل، فلئن كثر الباطل لقديما فعل ولئن قل الحق فلربما، ولعل ما أدبر شيء فأقبل، ولئن ردّ إليكم أمركم لسعدتم، فإني أخشى أن تكونوا في فترة وما علي إلا الجهد، سبق الرجلان وقام الثالث ثلاثة واثنان ليس معهما سادس: ملك مقرب، ومن أخذ الله ميثاقه، وصديق نجا، وساع مجتهد، وطالب يرجو، هلك من ادعى وخاب من افترى، اليمين والشمال مضلة والطريق المنهج عليه باقي الكتاب وآثار النبوة، وإن الله أدب هذه الْأُمة بالسوط والسيف، ليس لأحد فيما عندنا هوادة، فاستووا ببيوتكم وأصلحوا ذات بينكم وتعاطوا الحق فيما بينكم، فمن أبرز صفحته معانداً للحق هلك، والتوبة من ورائكم. وأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، فهو أول خطبة خطبها بعد ما استخلف.


اللالكائي »(١) .

فظهر - من كلمات طلحة والزبير وسائر المسلمين - أولوية أمير المؤمنين عليه‌السلام بالخلافة، لكونه أقربهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ - ذكر النبي القرابة في أدلة الامامة

قال الحافظ السيوطي: « أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال: لما أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غزوة حنين أنزل عليه ( إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) إلى آخر القصة. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي بن أبي طالب يا فاطمة بنت محمّد جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبحان ربي وبحمده واستغفره، إنه كان تواباً.

و يا علي، إنه يكون بعدي في المؤمنين الجهاد. قال: على ما نجاهد المؤمنين الذين يقولون آمنا؟ قال: على الإِحداث في الدين إذا عملوا بالرأي ولا رأي في الدين، إنما الدين من الرب أمره ونهيه، قال علي: يا رسول الله، أرأيت إنْ عرض لنا أمر لم ينزل فيه القرآن ولم يمض فيه سنة منك! قال: تجعلونه شورى بين العابدين من المؤمنين ولا تقضونه برأي خاصة، فلو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحد أحق منك لقدمك في الاسلام وقرابتك من رسول الله وصهرك، وعندك سيدة نساء العالمين، وقبل ذلك من كان من بلاء أبي طالب، ونزل القرآن وأنا حريص أن أراعي في ذلك »(٢) .

فظهر أنه لم يكن أحد أحق بالخلافة من علي عليه‌السلام الحائز لهذه الصفات، ومنها القرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالقرابة من الأمور التي تستلزم الامامة والخلافة، فما ذكره المتعصبون في إنكار ذلك واضح البطلان.

____________________

(١). كنز العمال ٥ / ٧٤٧ - ٧٥٠.

(٢). الدر المنثور ٧ / ٤٠٧.


٩ - يشترط كون النبي وخليفته من سلالة واحدة

لقد قال شاه ولي الله والد ( الدهلوي ) ما تعريبه: « قال الله عز وجل: ( قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً ) .

أقول ثم سأل أيضاً أنه يحتاج إلى من يعينه في أمر الرسالة، وقد عبر عنه هنا بـ ( الوزير ) وفي موضع آخر بـ ( ردءاً يصدقني ) فطلب بعد ذلك توفر ثلاث صفات في شخص الوزير الذي طلبه، فأحدها ما دل عليه قوله ( من أهلي ) وهذه الصفة إنما لزمت من جهة شئون موسى الخاصة به، إذ لم يوجد أحد يؤازره في ذلك سواه، وليست هذه الصفة شرطاً مطلقاً بقرينة استخلاف موسى يوشع، والخلافة أعظم من الوزارة.

ويشترط في الوزير أنْ يكون ذا قوة ومروءة وذا شأن عند أهل الحل والعقد، ويشترط في الخليفة أن يكون - مضافاً إلى ما تقدم - من عشيرة النبي بحيث يرجعان إلى أبٍ واحد، كي يكون الخليفة مكرماً لدى الأمة، ولذا لم يرسل الله عز وجل نبياً إلى بني إسرائيل إلّا من أنفسهم من أسباط موسى أو غيره.

و لقد جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا المعنى شرطاً في خلفائه إذ قال: الأئمة من قريش جرياً على سنة الله عز وجل في أنبياء بني إسرائيل »(١) .

أقول: ونحن نتمسك بما ذكره من اشتراط قرابة الخليفة من النبي ورجوعهما إلى أب واحد، فبالنسبة إلى خليفة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشترط أنْ يكون خليفته من عشيرته أي من بني هاشم، وحينئذ تثبت إمامة علي لأنه أفضل بني

____________________

(١). ازالة الخفا ٢ / ١٦٢.


هاشم بالاجماع.

وما ذكره من لزوم استمرار سنة الله الجارية يقتضي وجوب عصمة خلفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولزوم النص عليهم من قبله، وكونهم أفضل الناس بعده.

ومن الواضح عدم وجود هذه الأمور في الثلاثة المتقدمين على علي.

١٠ - كلام الرازي في مناقب الشافعي

إن للفجر الرازي كلاماً طويلاً في ذلك بيان نسب ( الشافعي ) من جهة آبائه وأمهات أجداده وأمه خاصة، وقد ذكر ذلك من جملة مناقبه التي اختص بها دون وأبي حنيفة وأن ذلك يوجب كمال الأفضلية فقال بعد أن ذكر نسبه من جهة أبيه في المقام الأول: « المقام الثاني - وهو بيان أن الشافعي كان هاشمياً من جهة أمهات أجداده إن هذا النسب الذي شرحناه يفيد الشرف والمنقبة من وجوه:

الأول: إن عبد مناف جد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان له أبناء أربعة: هاشم وهو جدّ رسول الله والمطلب وهو جد الشافعي وكان هاشم والمطلب متناصرين وعبد شمس ونوفل متناصرين فلما حصل بين هاشم والمطلب الأخوة من جهة النسب، والأخوة أيضاً من جهة المحبة والنصرة، بقي ذلك بين الأولاد، فلا جرم كان الشافعي مخصوصا بمزيد الاهتمام بنصرة دين محمّد.

الوجه الثاني في تقرير ما ذكرناه: روي أن هاشم بن عبد مناف تزوج امرأة من بني النجار بالمدينة، فولدت له شيبة جدّ رسول الله ثم توفي هاشم وبقي شيبة مع أمه، فلما ترعرع خرج إليه مطلب بن عبد مناف فأخذه من أمه وجاء به إلى مكة وهو مردفه على راحلته، فظنوا أنه عبد ملكه المطلب فلقبوه به فغلب عليه هذا الاسم. ثم إن المطلب عرّفهم أنه ابن أخيه، ثم إنه ربّاه وقام بأمره، فثبت أن


المطلب جدّ الشافعي كان ناصراً لهاشم ومربياً لعبد المطلب، فبلغت تلك التربية إلى حيث اشتهر بكونه عبد المطلب

ثم إن الله تعالى قدّر أن صيّر الشافعي كالناصر لدين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذاب عنه، ولذلك لقبوا الشافعي - رضي‌الله‌عنه - في بغداد بناصر الحديث، حتى يكون نسبة الأولاد إلى الأولاد كنسبة الأجداد إلى الأجداد.

الوجه الثالث: روى جبير بن مطعم: إنه لما قسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب، مشيت أنا وعثمان ابن عفان قلت: يا رسول الله هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا تنكر فضلهم، لأن الله تعالى جعلك منهم إلّا أنك أعطيت بني المطلب وتركتنا، وإنما نحن وهم بمنزل واحد. فقال عليه‌السلام : إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، وانما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا، ثم شبّك عليه‌السلام بين أصابع يديه إحداهما في الأخرى.

... والناس اختلفوا في تفسير آل محمّد، فمنهم من فسّره بالنسب، ومنهم من فسره بكلّ من كان على دينه وشرعه، وعلى كلا التقديرين فالشافعي من آل محمّد، فكان داخلاً في قولنا: « اللهم صل على محمّد وعلى آل محمّد ». ولما كان هو من آل محمّد ووجب الصلاة على الآل فوجبت عليه، ولا شك أن مالكاً وأبا حنيفة ليسا كذلك، فكان هذا النوع من الشرف حاصلاً له وغير حاصل لسائر المجتهدين، وذلك يوجب كمال الأفضلية ».

أقول : وجميع هذه الوجوه التي ذكرها الرازي لاثبات كمال أفضلية الشافعي من مالك وأبي حنيفة وغيرهما من المجتهدين، تقتضي بالأولوية القطعية كمال أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام من الثلاثة وغيرهم.



ليس العباس أولى من علي

ولا أقرب إلى النبيّ



قوله:

« ولو كانت القرابة بمجرّدها تستلزم الامامة لكان العباس أولى بها منه، لكونه عمه وصنو أبيه والعم أقرب من ابن العم شرعاً وعرفاً ».

أقول:

لا مجال لهذا النقض، بعد وضوح دلالة حديث النور على كمال الأفضلية لأمير المؤمنين عليه‌السلام وقبح تقدّم أحد عليه، بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

على أنه نقض بعيد عن الصواب جداً لوجوه:

١ - العباس عم النبي من الأب

إن العباس عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأب، فإن أمه غير


أم سيدنا عبدالله والد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن أم سيدنا أبي طالب وسيدنا عبد الله واحدة وهي فاطمة بنت عمرو المخزومية فالعباس عم النبي من الأب وعلي ابن عمه من الأبوين، وكون العم من الأب أولى من ابن العم من الأبوين غير مسلم لا عرفاً ولا شرعاً.

وأما كون أبي طالب شقيقاً لعبد الله وأن أمها فاطمة المخزومية فمما لا ريب فيه، قال ابن حجر العسقلاني: « أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي، عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شقيق أبيه، أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية »(١) .

وقال: « العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي، عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو الفضل، أمه نفيلة بنت حباب بن كلب »(٢) .

هذا وقد قال يوسف الأعور في الرد على الامامية: « الثالث: إن الحكم لو كان للأقرب لزم الرافضة أن يقولوا: ليس لعلي بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم، إذ العباس أقرب منه لكونه عما وعلي ابن عمه، وكل من أبي بكر وعمر وعثمان أفضل من العباس »(٣) .

فردّ عليه نجم الدين خضر بن محمّد بن علي الرازي بقوله: « وأما الوجه الثالث: فلأن الحكم إنما هو للأقرب لما ذكرنا، ولا يلزم منه ما ألزمه بجهله وعناده وخروجه عن طريق الحق وانفراده، لأن أمير المؤمنين علياً عليه‌السلام ابن عم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأبوين، والعباس عمه من الأب، وابن العم من الأبوين مقدّم في الإرث على العم من الأب عند الامامية مطلقاً، فكيف يلزمهم أن يقولوا ليس لعلي عليه‌السلام بعد النبي حكم يا أبا جهل عوام الناس؟

____________________

(١). الاصابة ٤ / ١١٥.

(٢). المصدر نفسه ٢ / ٢٧١.

(٣). رسالة الاعور في الرد على الامامية - مخطوط.


وتفضيل الجماعة المذكورين على العباس مجرد دعوى بلا نص ولا أساس، وتحكم من الناصبي الأعور ذي التلبيس والوسواس »(١) .

٢ - الأخ أولى من العم

قال شاه ولي الله الدهلوي في ( إزالة الخفا ): « أخرج الطبراني في الصغير من حديث أبي هند يحيى بن عبد الله بن حجر بن عبد الجبار بن وائل بن حجر الحضرمي الكوفي بالكوفة فقال: حدثنا عمي محمد بن جعفر بن عبد الجبار قال:

حدثني سعيد بن عبد الجبار عن أبيه عبد الجبار عن أمه أم يحيى عن وائل حديثاً طويلاً في قصة وفوده على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم رجوعه إلى وطنه ثم اعتزاله الناس في فتنة عثمان ثم قدومه على معاوية، فقال له معاوية:

فما منعك من نصرنا وقد اتخذك عثمان ثقة وصهراً؟

قلت: إنك قاتلت رجلاً هو أحق بعثمان منك.

قال: وكيف يكون أحق بعثمان مني وأنا أقرب إلى عثمان في النسب؟!

قلت: إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان آخى بين علي وعثمان، فالأخ أولى من ابن العم ولست أقاتل المهاجرين.

قال: أولسنا مهاجرين؟

قلت: أولسنا قد اعتزلنا كما جميعاً؟! ».

وعلى ضوء ما ذكر هذا الصحابي - حيث زعم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد آخى بين أمير المؤمنين وعثمان - من أن الأخ أولى من ابن العم فيكون أمير المؤمنين عليه‌السلام أولى بعثمان من معاوية نقول: إن أمير المؤمنين أولى بالنبي من عمه العباس، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختار علياً للاخوة يوم عقد المؤاخاة كما في الأحاديث الكثيرة.

____________________

(١). التوضيح الانور في الرد على الأعور - مخطوط.


٣ - قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ )

لقد تمسّك محمّد بن عبد الله بن الحسن ابن الامام الحسن بن علي عليهما‌السلام بقوله تعالى: ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل قال الرازي في تفسير الآية:

« تمسك محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، في كتابه الى أبي جعفر المنصور بهذه الآية في أن الامام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو علي بن أبي طالب، فقال: قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) يدل على ثبوت الأولوية، وليس في الآية شيء معين في ثبوت هذه الأولوية فوجب حمله على الكل إلّا ما خصه الدليل، وحينئذ يندرج فيه الامامة، ولا يجوز أن يقال: إن أبا بكر كان من أولي الأرحام، لما نقل أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاه سورة براءة ليبلّغها إلى القوم، ثم بعث علياً خلفه وأمر بأن يكون المبلغ هو علي و قال: لا يؤديها إلّا رجل مني، وذلك يدل على إن أبا بكر ما كان منه.

فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية. والجواب - ان صحت هذه الدلالة - كان العباس أولى بالامامة، لأنه كان أقرب إلى رسول الله من علي، وبهذا الوجه أجاب أبو جعفر المنصور عنه »(١) .

أقول : وعلى أهل السنة التسليم بهذا الاستدلال، لأنهم يدّعون التمسك بأهل البيت ومتابعتهم، قائلين بأن المراد من « أهل البيت » في حديث الثقلين وغيره هو الأعم من الأئمة الاثني عشر وأبنائهم، كما يظهر صريحاً من كلام الكابلي في ( الصواقع ) وكلام ( الدهلوي ) في الباب الرابع، وجواب حديث الثقلين وغيرهما

____________________

(١). تفسير الرازي ١٥ / ٢١٣.


من المقامات، فلا يجوز لهم - والحال هذه - الاعراض عن هذا الاستدلال، بل يجب عليهم الجواب عما ذكره الرازي في إبطاله.

هذا، وقد ذكر أبو العباس المبرد وابن الأثير وابن خلدون نص كتاب محمد ابن عبد الله المذكور وكتاب أبي جعفر المنصور إليه(١) وقد ذكرناهما في مجلد حديث ( الغدير ).

٤ - أولوية علي على لسان العباس

لقد كان العباس من القائلين بخلافة أمير المؤمنين، فإنه الذي قال له بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أمدد يدك أبايعك ». وهذا صريح في اعتقاده بأن علياً عليه‌السلام هو الأولى بها من نفسه وغيره

وكلام العباس هذا في غاية الشهرة، بل ذكره جماعة من متكلّمي أهل السنة في مقام الرد على الامامية قال الفضل بن روزبهان في ردّ العلاّمة: « مذهب أهل السنة والجماعة أن الامام بالحق بعد رسول الله أبو بكر الصديق، وعند الشيعة علي المرتضى كرم الله وجهه ورضي الله عنه. ودليل أهل السنة وجهان: الأول: إن طريق ثبوت الامامة إما النص أو الإجماع بالبيعة، أمّا النص فلم يوجد لما ذكرنا ولما سنذكر ونفصّل بعد هذا ان شاء الله تعالى، أما الإجماع فلم يوجد في غير أبي بكر اتفاقاً من الأمة.

الوجه الثاني: إن الاجماع منعقد على حقية إمامة أحد الثلاثة أبي بكر وعباس وعلي، ثم إنهما لم ينازعا أبا بكر، ولو لم يكن على الحق لنازعاه كما نازع علي معاوية، لأن العادة تقضي بالمنازعة في مثل ذلك، ولأن ترك المنازعة مع الإمكان مخل بالعصمة، إذ هو معصية كبيرة يوجب انثلام العصمة وأنتم توجبونها في الامام

____________________

(١). الكامل للمبرد ٢ / ٣٨٣ - ٣٩١، الكامل في التاريخ ٥ / ٥٣٦، تاريخ ابن خلدون المجلد الثالث ٤٠٧.


وتجعلونها شرطا لصحة إمامته.

فان قيل: لا نسلّم الامكان أي إمكان منازعتهما أبا بكر.

قلنا: قد ذهبتم وسلّمتم أن علياً كان أشجع الناس من أبي بكر وأصلب منه في الدين، وأكثر منه قبيلة وأعواناً وأشرف منه نسباً وأتم منه حسباً، والنص الذي تدّعونه لا شك أنه كان بمرأى من الناس وبمسمع منهم، والأنصار لم يكونوا يرجحون أبا بكر على علي، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر في آخر عمره على المنبر وقال: إن الأنصار كرشي وعيبتي وهم كانوا الجند الغالب والعسكر، وكان ينبغي أن النبي أوصى الأنصار بإمداد علي في أمر الخلافة، وأن يحاربوا من يخالف نصه في خلافة علي.

ثم إن فاطمة عليها‌السلام - مع علوّ منصبها - زوجته، والحسن والحسين عليهما‌السلام مع كونهما سبطي رسول الله ولداه، والعباس مع علوّ منصبه عمّه ومعه، فإنه روي أنه قال لعلي: أمدد يدك أبايعك حتى يقول الناس بايع عم رسول الله ابن عمه فلا يختلف فيك اثنان، والزبير مع شجاعته كان معه ».

وممن ذكر ذلك في إثبات إمامة أبي بكر والرد على الامامية القاضي ناصر الدين البيضاوي في ( طوالع الأنوار ) وشمس الدين الاصفهاني في شرحه.

و قال ابن قتيبة: « وكان العباس بن عبد المطلب لقي علي بن أبي طالب فقال له: إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبض فاسأله، فإنْ كان الأمر لنا بيّنه وانْ كان لغيرنا أوصى بنا خيراً، فلما قبض رسول الله قال العباس لعلي بن أبي طالب: أبسط يدك أبايعك فيقال: عمُّ رسول الله بايع ابن عمر رسول الله ويبايعك أهل بيتك، وإن كان هذا الأمر إذا كان لم يؤخر، فقال له علي: ومن يطلب هذا الأمر غيرنا؟ وقد كان العباس لقي أبا بكر فقال: هل أوصاك رسول الله بشيء؟ فقال: لا. فلقي العباس عمر فقال له مثله فقال عمر: لا. فعند ذلك قال العباس لعلي: أبسط يدك أبايعك ويبايعك أهل بيتك »(١) .

____________________

(١). الامامة والسياسة ١ / ٤.


٥ - إعتذار العباس عن قبول وصيّة النبي

روى السيد علي الهمداني في ( مودّة القربى ): « عن أبي حمزة الثمالي رضي‌الله‌عنه عن أبي جعفر الباقر عن آبائه عليهم‌السلام قال: لمّا مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرضه الذي قبض فيه، كان رأسه في حجر علي، والعباس يذب عنه، والبيت غاص بالمهاجرين والأنصار، فقال عليه‌السلام : يا عم أتقبل وصيتي وتنجز عداتي؟ فخنق علياً العبرة وما استطاع أن يجيبه، فأعادها عليه، فقال علي: بأبي أنت وأمي نعم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أخي ووصيي ووزيري وخليفتي.

ثم قال: يا بلال هلم سيف رسول الله ذا الفقار، فجاء به بلال فوضع بين يدي رسول الله ثم قال: يا بلال هلمَّ مغفر رسول الله ذا النجدين فجاء به فوضعه، ثم قال: يا بلال هلم درع رسول الله ذات الفصول فجاء بها، ثم قال: يا بلال هلم فرس رسول الله المرتجز فأتى به فأوثقه، ثم قال: هلم ناقة رسول الله العضباء فجاء بها فأوثقها، ثم قال: يا بلال هلم بردة رسول الله السحاب فجاء بها فوضعها ثم قال: يا بلال هلم قضيب رسول الله الممشوق فجاء به فوضعه. فلم يزل يدعو بشيء بعد شيء حتى العصابة التي كان يعصب بها بطنه في الحرب، ثم نزع الخاتم فدفعه الى علي، ثم قال:

يا علي اذهب بها أجمع فاستودعها بيتك بشهادة المهاجرين والأنصار، ليس لأحد أن ينازعك فيها بعدي، فانطلق أمير المؤمنين حتى وضعها في منزله ثم رجع ».

أقول: من هذا الحديث يعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بصدد الإِعلان عن عدم استحقاق العباس الخلافة، فسأله أولاً عن قبول


الوصية، فلمّا علم العباس عدم استحقاقه اعتذر عن ذلك، ثم إن النبي جعل علياً وصيه، ونص على أنه وزيره وخليفته من بعده، وهذا النص الجلي والمحفوف بالقرائن القطعية لا يدع مجالاً لأن يتوهم أحد خلافة العباس أبداً.

٦ - حديث يوم الدار

ومن الأدلة على أن أمير المؤمنين عليه‌السلام وارث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث يوم الدار، حيث نصّ فيه على ذلك بصراحة، وقد استدل به علي عليه‌السلام في جواب من سأله: لم ورثت ابن عمك دون عمك؟ قال ولي الله الدهلوي « في كتاب الخصائص عن ربيعة بن ناجد: إن رجلا قال لعلي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : لم ورثت ابن عمك دون عمك؟ قال: جمع رسول الله - أو قال: دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بني عبد المطلب فصنع لهم مدّاً من طعام، فأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو كأن لم يمس، ثم دعا بغمرة فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأن لم يمس ولم يشرب، فقال: يا بني عبد المطلب، إني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، وأيّكم يبايعني على أنْ يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه وكنت أصغر القوم [ سناً ]. قال: اجلس، ثم قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه، فيقول: اجلس، حتى كان في الثالثة ضرب بيده علي. ثم قال فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي ».

٧ - الاجماع على عدم خلافة العباس

لقد قام الاجماع المحقق من الشيعة وغيرهم على عدم خلافة العباس، فاحتمال كونه أولى بها من علي واضح البطلان.


٨ - الخلافة في المهاجرين

إن من لوازم الخلافة كون الخليفة من المهاجرين الأولين، ومن الواضح أن العباس ليس من المهاجرين الأولين، بل إنه هاجر قبل الفتح بقليل قال الحافظ ابن حجر بترجمته: « وكان إليه في الجاهلية السقاية والعمارة وحضر بيعة العقبة مع الأنصار قبل أنْ يسلم، وشهد بدراً مع المشركين فأسر، فافتدى نفسه وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبي طالب فرجع الى مكة فيقال: إنه أسلم وكتم من قومه ذلك، وصار يكتب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأخبار، ثم هاجر قبل الفتح بقليل وشهد الفتح وثبت يوم حنين »(١) .

وأما أن كون الخليفة من المهاجرين الأولين فهو أمر مسلّم، وقد صرح به شاه ولي الله في ( إزالة الخفا ).

٩ - لزوم كون الخليفة ممّن بايع تحت الشجرة

وقد ذكر شاه ولي الله الدهلوي كذلك لزوم كون الخليفة ممن حضر غزوة الحديبية، وممن حضر نزول سورة النور، وممن شهد المشاهد العظيمة كغزوة بدر وغيرها، وقد استفاد هذه الشروط من الأدلة من القرآن والسنة

ومن المعلوم أن العباس لم يشهد بدراً وغيرها مما ذكر، لأنه هاجر قبل الفتح بقليل - كما تقدم عن ابن حجر - وقد وقعت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة(٢) وفتح مكة في السنة الثامنة، بل تقدّم أن العباس من أسارى بدر.

____________________

(١). الاصابة ٢ / ٢٧١.

(٢). تاريخ الخميس ١ / ٣٦٥.


وأما عدم شهوده غزوة الحديبية فلأن هذه الغزوة وقعت فيما وقع في السنة السادسة من الهجرة(١) .

وأما عدم كونه ممن حضر نزول سورة النور فلأن هذه السورة فيما زعم أهل السنة نزلت في قصة إفك عائشة، وهذه القصة من وقائع السنة الخامسة(٢) .

١٠ - لا تجوز الخلافة للطلقاء

إن الخلافة لا تكون للطلقاء، ولا ريب في أن العباس من الطلقاء.

أما الأمر الأول فقد جاء في ( إزالة الخفا ) قال عبد الرحمن الأشعري فقيه الشام لأبي هريرة وأبي الدرداء في سعيهما لأن يجعل علي عليه‌السلام الخلافة شورى بين المسلمين:

« عجباً منكما: كيف جاز عليكما ما جئتما به! تدعوان علياً أن يجعلها شورى!. وقد علمتما أنه قد بايعه المهاجرون والأنصار وأهل الحجاز والعراق، وأن من رضيه خير ممن كرهه ومن بايعه خير ممّن لم يبايعه!

وأيّ مدخل لمعاوية في الشورى وهو من الطلقاء الذين لا يجوز لهم الخلافة، وهو وأبوه رؤس الأحزاب! فندما على مسيرهما وتابا بين يديه، أخرجه أبو عمرو في الاستيعاب ».

وأما الامر الثاني: فقد علم من عبارة الحافظ العسقلاني السالفة الذكر، وقال الديار بكري في ذكر غزوة بدر بعد ذكر أسماء أُسارى بدر عن ابن إسحاق: « أقول: ومن جملة أسارى بدر: عباس بن عبد المطلب ولم يذكر فيما ذكره »(٣) .

____________________

(١). المصدر ٢ / ١٦.

(٢). المصدر ١ / ٤٧٥.

(٣). تاريخ الخميس ١ / ٤٠٦.


أقول:

وهذا الفصل من البحث حول ( دلالة حديث النور ) في نفس الوقت الذي يعد من الفصول الأساسية في بحوث قسم ( حديث النور )، ويفند مزاعم ( الدهلوي ) هذه المزاعم التي أخذها - كغيرها من الأباطيل من بعض من تقدمه كالكابلي وابن روزبهان وأمثالهما.

في نفس هذا الوقت يبطل هذا الفصل شبهة في باب الامامة قد أثارها بعض المنتسبين إلى العلم، تزلّفاً إلى حكّام بني العباس، بالاضافة إلى جعل المناقب والفضائل المختلفة للعباس وأبنائه وأحفاده فباعوا آخرتهم بدنيا غيرهم وتبعهم على ذلك بعض الكتاب والشعراء

( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) .

و ( الدهلوي ) وأمثاله الذين يتشبّثون بكل حشيش في مقابلة أهل الحق، إنما يذكرون هذه الشبهة لغرض الوقوف أمام الحق بغضاً له وعناداً وإلّا فإنهم يعلمون ببطلانها أحسن من غيرهم.

وباختصار: إنها شبهة مردودة بإجماع المسلمين والتشبث بها باطل بإجماعهم كذلك والله العاصم.

* * *



وجوه تفنيد النقض بأولوية الحسنين

بالإِمامة من علي بعد النبي



قوله:

« ولو قيل إن العباس إنما حرم منها لعدم نيله شيئاً من نور عبد المطلب، لانتقاله منه إلى عبد الله وأبي طالب دون غيرهما من أبنائه ».

أقول:

صريح هذا الكلام أن الأقربية في النسب أمر آخر وراء الاشتراك في النور، فالعجب أنه مع علمه بهذا المعنى كيف جعل مورد البحث فيما سبق القرب في النسب فحسب؟!

قوله:

« قلنا: إنْ كانت الامامية منوطة بشدة النور وكثرته، فإن الحسنين أولى وأقدم من علي بالامامة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لاجتماع نوري عبد الله وأبي


طالب فيهما، بينما لم ينتقل إلى علي سوى نور أبيه أبي طالب.

كما أن من المعلوم أن نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقوى من نور علي، وهما مجتمعان في الحسنين ».

أقول:

هذا النقض مردود بوجوه:

١ - الأفضلية مدار الامامة

إن مدار الامامة هي الافضلية وحديث النور يدل على أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فهو الامام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا كلام.

٢ - لم ينتقل إلى الحسنين نور النبي

لـمّا كان نور الحسنين عليهما‌السلام من نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن الواضح أنه لم ينتقل إليهما جميع نوره وإلّا لزم خلوه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النور وبطلان اللازم من القطعيات، وحينئذ لا يكون نورهما أقوى من نور علي عليه‌السلام .

٣ - في كلّ منهما ربع أصل النور

ولو سلمنا انتقال جميع النور من النبي إليهما كان ذلك بمعنى انقسامه إليهما، فيكون في كل منهما نور النبي وربع أصل النور أو يزيد الحسن على أخيه


قليلاً، لكن النور المنتقل إلى أمير المؤمنين يساوي نور النبي، فهو نصف أصل النور، فلا يساوي نور كل واحد منهما نور علي فكيف يكون أقوى؟!

٤ - من كان نوره أقوى فهو الأفضل

ظاهر عبارة ( الدهلوي ) أن من كان أفضل كان نوره أقوى، وهذا يستلزم الأفضلية، فإذا كان نور الحسنين أقوى من نور والدهما لزم أن يكونا أفضل منه، واللازم باطل بالإجماع والأخبار، فالملزوم مثله.

٥ - استلزام كون نور فاطمة أقوى من نور علي

لو كان نور الحسنين أقوى من نور أمير المؤمنين كان نور فاطمة عليها‌السلام أقوى من نوره بالأولوية، إذ بواسطتها انتقل نور النبي إليهما، فكان ينبغي إلزام الامامية بأولويتها بالامامة قبل الإلزام بأولويتهما بها.

فإنْ قال: فقد الذكورة يمنع إمامتها فلم أذكر ذلك.

فإنا نقول: فلما لم تمنع مفضولية الحسنين الثابتة بالإجماع من الفريقين عن دعوى أولويتهما بالامامة؟!

٦ - علي أفضل الخلائق بعد النبي

لقد علم من الأدلة المذكورة في غضون الكتاب أن تقدّم نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان سبب أفضليته من جميع الأنبياء والمرسلين والخلائق أجمعين، ولـمّا كان نور أمير المؤمنين عليه‌السلام متحداً مع نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان هذا الاتحاد والاقتراب سبباً لأفضليته من جميع من ذكر كذلك، فهو


افضل من الحسنين، فكون نورهما أقوى من نوره محال.

٧ - خلق علي من النور الإِلهي

إنْ أراد ( الدهلوي ) إثبات خلق الحسنين من نور النبي، فلما ذا ينكر خلق علي من النور؟! بل إن خلقهما من نوره دليل باهر على خلق علي من النور الإِلهي، وإلّا لزم تفضيلهما عليه وهو خلاف ما أجمع عليه المسلمون.

ولو قيل: إنه ذكر خلق الحسنين من نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلزم به الامامية.

قلنا: فكان عليه حينئذ ذكر رواية من طرقهم متضمنة لهذا المعنى بحيث يتفرع على ذلك توهم كون نورهما أقوى من نوره، والحال إن روايات الامامية الواردة في هذا الشأن - والتي تقدّم في الكتاب ذكر بعضها - تدل بصراحة على أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأنه لم يكن نورهما أقوى من نوره أبداً.

٨ - ما المراد من كثرة النور؟

إنْ كان المراد من كثرة النور زيادته في الكم والكيف فإن هذا عين القوة والشدة ولا وجه للتفريق بينهما، وإنْ كان المراد أن في علي عليه‌السلام نوراً واحداً وهو النور العلوي وفي الحسنين نورين أحدهما النور النبوي والآخر النور العلوي، فإنه وإنْ كان هذان النوران أقل من النور العلوي كماً وكيفاً لكن هذا ليس كثرة في الحقيقة، ولا يجعل عاقل هذه الكثرة ملاكاً للأفضلية والأولوية بالامامة، لأنّها كثرة اعتبارية مثل كثرة الأجزاء بالنسبة إلى الكلّ.

٩ - لزوم كون نورهما أكثر من نور النبي

إنه لو صحّ هذا التوهم لزم أن يكون نور الحسنين عليهما‌السلام أكثر من


نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ قد يقال - بناء على ما ذكر ( الدهلوي ) إنهما كانا يجمعان بين النور النبوي والنور العلوي، فيكون نورهما أكثر من النور النبوي، لأنه لما انقسم النور إلى النبي وعلي لم يكن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصيب من نور علي عليه‌السلام ، لكن نور علي قد انتقل إلى الحسنين كذلك، فيكون نورهما أكثر من النور النبوي، ولا يقول بذلك أحد من أهل الإسلام وإنْ كان يلتزم به ( الدهلوي ) لابطال دليل أهل الحق الكرام.

١٠ - ما الدليل على جمع الحسنين بين النورين؟

إنه ما الدليل الدال على جمع الحسنين بين النور النبوي والنور العلوي؟ إنْ كان الدليل تحقيقياً فيرد عليه أنه وبعض أسلافه كذبوا حديث النور، وإنْ كان الدليل إلزامياً فلا ريب في دلالة أخبار الامامية على أن نورهما كان أنقص من نور أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلا يكون نور كل واحد منهما مساوياً لنوره فضلاً عن أن يكون أكثر منه.

بل إن أحاديث أهل السنة تدل أيضاً على أنه أفضل منهما، ومن ذلك حديث الأشباح الخمسة المذكور في محلّه من الكتاب.

فلينظر أهل العلم ولينصف المنصفون فيما نقول ويقولون

إنهم يرمون ( حديث النور ) بالوضع ويدّعون الاجماع منهم على ذلك ونحن ننقله عن أهم كتبهم وبرواية مشاهير أئمتهم

ثم يضعون حديثاً في مقابلته

ونحن نثبت بالأدلة القاطعة وضعه

ثم ينكرون دلالته على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام بلا فصل وقد ذكرنا جملة من وجوه دلالته على المطلوب

ثم يرومون نقض دلالته ببعض التمويهات وقد أوهنّاها بما لا مزيد عليه


فلما ذا هذا التمادي في الباطل والإصرار على الضلالة؟!

ولما ذا هذا السعي في كتمان الحق واليقين؟!

فلينظر أهل العلم فيما نقوله ويقولون، ولينصف المنصفون

والحمد لله على ما مزّقنا شمل الباطل كلّ ممزّق، وفرقنا جماع الاثم كلّ مفرق، وقصمنا ظهور المبطلين، وفصمنا عرى تشكيكات المدغلين، وأتبرنا مجادلات المعاندين، فانمحت مراسم مموّهاتهم وتسويلاتهم بنقوشها، وأصبحت بيوت تلفيقاتهم خاوية على عروشها، ونحن نقول: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

* * *


ملحق سند حديث النور



إن التتبع في الأسانيد ومصادر الحديث وكتب الفضائل يفيد أن رواة ( حديث النور ) بألفاظه المختلفة من مشاهير الأئمة والحفاظ وأعلام الرجال والمحدثين، أكثر من العدد المذكور في الكتاب بكثير، لكن السيّد مؤلف العبقات قدّس الله روحه لم يكن بصدد استقصائهم وذكر جميعهم، فرأينا أن نلحق بتلك القائمة بعض الأسماء الأخرى التي وقفنا عليها في خلال العمل في الكتاب ومراجعة المصادر اتماماً للفائدة، ونترك المجال أمام القارئ المتتبع ليقوم بدوره بالاستدراك على ذلك والله الموفق.

(١ )

سليمان الأعمش

سليمان بن مهران الأعمش المتوفى سنة (١٤٧). وتظهر روايته للحديث من سند رواية الحافظ الفقيه أبي الحسن علي بن محمّد بن الطيب الجلابي الواسطي المعروف بابن المغازلي المتقدمة في الكتاب.


و « الأعمش » من رجال الصحيحين كما ذكر الحافظ ابن القيسراني(١) .

وذكره ابن حبان في الثقات(٢) ووثقه غيره ووصفوه بالحفظ والامامة وغير ذلك(٣) .

(٢ )

فضيل بن عياض

فضيل بن عياض بن مسعود الخراساني المتوفى سنة (١٨٧) وقيل غير ذلك وهو من رجال حديث النور في ( زوائد المسند ).

و « فضيل بن عياض » روى عنه الثوري وهو من شيوخه وابن عيينة وهو من أقرانه وابن المبارك والقطان وابن مهدي وعبد الرزاق وآخرون. وثّقه ابن عيينة والعجلي والنسائي والدار قطني وقال أبو حاتم: صدوق(٤) .

٣

محمد بن المثنى

محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله الأنصاري المتوفى سنة (٢١٤) رواه عنه أبو حاتم الرازي كما تقدّم في الكتاب.

____________________

(١). الجمع بين رجال الصحيحين ١ / ١٧٩ - ١٨٠.

(٢). الثقات: ٢ / ١٥٨.

(٣). راجع تهذيب التهذيب ٤ /، ٢٢٢ تذكرة الحفاظ ١ / ١٥٤. طبقات الحفاظ ٦٧.

(٤). تهذيب التهذيب ٨ / ٢٩٤ باختصار.


و « محمد بن عبد الله بن المثنى » روى عنه البخاري وأبو بكر بن أبي شيبة ويحيى بن معين وابن نمير وآخرون. عن ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق وقال مرة: لم أر من الأئمة إلّا ثلاثة أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي ومحمد ابن عبد الله الانصاري، وذكره ابن حبان في الثقات(١) .

(٤ )

أحمد بن المقدام

أحمد بن المقدام بن سليمان العجلي البصري المتوفى سنة (٢٥٣) رواه عن الفضيل بن عياض.

و « أحمد بن المقدام » أخرج عنه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو زرعة وأبو حاتم، قال أبو حاتم: صالح الحديث محلّه الصدق. وقال صالح جزرة: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات(٢) .

(٥ )

أبو علي البردعي

أبو علي الحسين بن صفوان البردعي المتوفى سنة (٣٤٠) الواقع في طريق رواية الحافظين الكنجي وابن عساكر(٣) .

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٩ / ٢٧٤ باختصار.

(٢). تهذيب التهذيب ١ / ٨١ باختصار.

(٣). كما تقدم في الكتاب. وانظر ترجمة الامام علي بن أبي طالب لابن عساكر ١ / ١٣٥.


قال الحافظ الذهبي في ذكر من مات في السنة المذكورة: « أبو علي الحسين ابن صفوان البردعي، صاحب أبي بكر بن أبي الدنيا، في شعبان »(١) .

وقال الحافظ الخطيب البغدادي: « الحسين بن صفوان روى عن أبي بكر ابن أبي الدنيا مصنفاته. وحدّثنا عنه الحسين بن بشران وكان صدوقاً »(٢) .

(٦ )

أبو بكر النصيبي

أحمد بن يوسف بن خلاد أبو بكر النصيبي المتوفى سنة (٣٥٩) وهو في طريق رواية النطنزي صاحب الخصائص العلوية كما تقدم في الكتاب.

و « أبو بكر النصيبي » شيخ الحافظ أبي نعيم وسماعه صحيح، قال الحافظ الذهبي: « كان عاريا من العلم وسماعه صحيح، روى عن الحارث بن أبي أُسامة وتمتام وطائفة »(٣) .

(٧ )

أبو علي العطشي

أبو علي محمد بن أحمد بن يحيى البزاز العطشي المتوفى سنة (٣٧٤) الواقع في طريق رواية الحافظين الكنجي وابن عساكر(٤) .

____________________

(١). العبر ٢ / ٢٥٣.

(٢). تاريخ بغداد ٨ / ٥٤ ملخصا.

(٣). العبر ٢ / ٣١٣.

(٤). كما تقدم في الكتاب، وانظر ترجمة الامام علي بن أبي طالب لابن عساكر ١ / ١٣٥.


و « العطشي » شيخ الحافظ أبي محمّد الجوهري وقد أثنى عليه مترجموه قال السمعاني: « أبو علي محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الله بن إسماعيل البزاز العطشي. شيخ ثقة مأمون من اهل بغداد. سمع محمد الفريابي وأبا يعلي الموصلي ومحمد بن صالح بن ذريح، روى عنه الحسن بن علي الجوهري »(١) .

(٨ )

أبو الحسن الفارسي

أحمد بن الفرج بن منصور أبو الحسن الفارسي الوراق المتوفى سنة (٣٩٢)، وهو في سند رواية الحافظ الكنجي حديث أبي عقال عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما تقدم في موضعه في الكتاب.

و « أبو الحسن الفارسي » ترجم له الخطيب وغيره وثّقوه. قال الخطيب: « كان ثقة كثير الكتب »(٢) .

(٩ )

أبو الحسين المعدل

أبو الحسين علي بن محمّد بن عبد الله بن بشران المعدل المتوفى سنة (٤١٥) وهو من رواة هذا الحديث، كما في سند رواية الحافظين الكنجي وابن عساكر.

و « أبو الحسين المعدل » شيخ الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي، وقد وثقه

____________________

(١). الانساب - العطشي - باختصار.

(٢). تاريخ بغداد ٤ / ٣٤٢.


هو وغيره، قال الذهبي: « أبو الحسين بن بشران قال الخطيب: كان صدوقاً ثبتاً تام المروءة ظاهر الديانة، ولد في شعبان سنة (٣٢٨). وتوفي في شعبان. كتبنا عنه »(١) .

(١٠ )

أبو محمد الجوهري

الحسن بن علي أبو محمّد الجوهري المتوفى سنة (٤٥٤)، وهو في سند رواية الحافظين الكنجي وابن عساكر.

و « أبو محمد الجوهري » من مشايخ الحافظ الخطيب البغدادي، وقد وثّقه هو وغيره، قال الخطيب: « كتبنا عنه وكان ثقة أميناً كثير السماع »(٢) .

(١١ )

أبو غالب النحوي

أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي المعروف بابن بشران المتوفى سنة (٤٦٢) وهو من رواة الحديث، كما في سند رواية الحافظ ابن المغازلي.

و « أبو غالب النحوي » من مشايخ الحافظ ابن المغازلي ومن الأئمة وأعلام الحنفية، وقد تضلّع في النحو واللغة حتى اشتهر بالنحوي، وصفه الذهبي بـ « صاحب اللغة » وقال: « لم يكن بالعراق أعلم منه باللغة »(٣) وقال اليافعي:

____________________

(١). العبر ٣ / ١٢٠.

(٢). تاريخ بغداد ٧ / ٣٩٣. وانظر تذكرة الحفاظ ١١٢٨ وغيره.

(٣). العبر حوادث سنة ٤٦٢.


« الامام اللغوي »(١) .

(١٢ )

أبو الحسن الواحدي

أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي المتوفى سنة (٤٨٦) وقد وقع في طريق رواية صدر الدين الحمويني كما في الكتاب.

قال ابن خلكان بترجمته: « كان أُستاذ عصره في علم النحو والتفسير، ورزق السعادة في تصانيفه، وأجمع الناس على حسنها، وذكرها المدرسون في دروسهم »(٢) .

(١٣ )

أبو علي الحداد

أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن المتوفى سنة (٥١٥) رواه عنه أبو الفتح النطنزي عن الحافظ أبي نعيم

قال الحافظ الذهبي: « أبو علي الحداد الحسن بن أحمد بن الحسن الاصبهاني المقرئ المجوّد مسند الوقت، توفي في ذي الحجة عن ست وتسعين سنة، وكان مع علوّ أسناده أوسع أهل وقته رواية، حمل الكثير عن أبي نعيم وكان خيراً صالحاً ثقة »(٣) .

____________________

(١). مرآة الجنان حوادث السنة المذكورة.

(٢). وفيات الاعيان ٢ / ٤٦٤.

(٣). العبر ٤ / ٣٤.


١٤

أبو القاسم الشروطي

أبو القاسم هبة الله بن عبد الله الواسطي الشروطي المتوفى سنة (٥٢٨) رواه عنه الحافظ ابن عساكر عن الخطيب(١) .

ذكره الحافظ الذهبي بقوله: « أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد الواسطي الشروطي. روى عن الخطيب وأبي المسلمة وتوفي في ذي الحجة »(٢) .

١٥

أبو الفضل السّلامي

أبو الفضل محمد بن ناصر السّلامي البغدادي المتوفى سنة (٥٥٠) روى عنه الحافظ الكنجي حديث أبي عقال بواسطة ابن المقير الآتي ذكره.

وهو شيخ الحافظ ابن الجوزي الذي قال بترجمته: « كان حافظاً ضابطاً متقناً ثقة لا مغمز فيه»(٣) .

____________________

(١). انظر ترجمة الامام علي بن أبي طالب ١ / ١٣٥، وانظر كفاية الطالب للكنجي.

(٢). العبر ٤ / ٧٥.

(٣). المنتظم ١٠ / ١٦٢.


١٦

أبو محمد الجيلي

عبد القادر بن أبي صالح أبو محمد الجيلي الزاهد المتوفى سنة (٥٦١) وهو شيخ الرافعي، وقد روى عنه ( حديث النور ) كما في الكتاب.

ذكره الحافظ الذهبي ووصفه بـ « شيخ العصر وقدوة العارفين، صاحب المقامات والكرامات ومدرس الحنابلة، محيي الدين، إنتهى إليه التقدم في الوعظ والكلام على الخواطر »(١) .

(١٧)

أبو إسحاق الخشوعي

أبو إسحاق إبراهيم بن أبي طاهر الخشوعي الدمشقي المتوفى سنة (٦٤٠) رواه عنه الحافظ الكنجي عن ابن عساكر كما في الكتاب.

قال الذهبي: « إبراهيم الخشوعي أبو إسحاق ابن الشيخ أبي طاهر بركات ابن إبراهيم بن طاهر الدمشقي، آخر من سمع من عبد الواحد بن هلال وما يدرى ما سمع من ابن عساكر، توفي في رجب وله ٨٢ سنة »(٢) .

____________________

(١). العبر ٤ / ١٧٥.

(٢). المصدر ٥ / ١٦٤.


(١٨)

إبن النجار البغدادي

محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود البغدادي المعروف بابن النجار المتوفى سنة (٦٤٢). هو من رواة الحديث كما عرفت في سند رواية صدر الدين الحمويني

قال الذهبي: « إبن النجار الحافظ الامام البارع مؤرخ العصر مفيد العراق »(١) .

(١٩)

إبن المقير البغدادي

أبو الحسن علي بن أبي عبد الله المعروف بابن المقير البغدادي المتوفى سنة (٦٤٣) روى عنه الحافظ الكنجي حديث أبي عقال

قال الذهبي: « وأبو الحسن بن المقير مسند الديار المصرية علي بن منصور البغدادي الحنبلي النجار، ولد سنة (٥٤٥) وسمع من شهدة ومعمر بن الفاخر وجماعة، وأجاز له ابن ناصر وأبو بكر الزاغوني وطائفة. وكان صاحب تلاوة وذكر وأولاد. توفي في نصف ذي القعدة بالقاهرة »(٢) .

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٢٨.

(٢). العبر ٥ / ١٧٨.


٢٠

أبو اليمن الدمشقي

أمين الدين أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب ابن عساكر الدمشقي الشافعي المتوفى سنة (٦٨٧). علم روايته في رواية صدر الدين الحمويني في الكتاب

قال ابن شاكر الكتبي: « الامام المحدّث الزاهد. كان عالماً فاضلاً جيّد المشاركة في العلوم، وله نظم، وهو صاحب عبادة، كل من يعرفه يثني عليه، توفي سنة (٦٨٧)، وكان شيخ الحجاز في وقته، وله تواليف في الحديث »(١) .

* * *

( قال الميلاني ):

ولنقّتصر على هذا المقدار حامدين الله عز وجل وشاكرين له على التوفيق، ومصلين ومسلمين على سيدنا وحبيبنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم من الأولين والآخرين.

____________________

(١). فوات الوفيات ٢ / ٣٢٨، وانظر شذرات الذهب ٥ / ٣٩٥ والعقد الثمين ٥ / ٤٣٢ وغيرهما.



الفهرس

اهداء ٥

حديث النور ٧

كلمة المؤلف ٩

كلام الدهلوي في الجواب عن حديث النور ١٣

سند حديث النور ١٧

أسماء رواة حديث النور من الصحابة ١٩

أسماء رواة حديث النور من التابعين ٢١

أسماء رواة حديث النور من الحفاظ والأئمة ٢٢

حديث النور متواتر ٢٤

نصوص روايات الحفّاظ والعلماء رواية أحمد بن حنبل ٢٧

رجال الحديث عبد الرزاق الصنعاني ٢٨

معمر بن راشد الزهري ٢٩

خالد بن معدان زاذان الكندي ٣٠

سلمان ٣١

ترجمة أحمد بن حنبل ٣٣

رواية أحمد دليل على صحة الحديث ٤٣

جواب سبط ابن الجوزي عن تضعيف الحديث ٤٤

ترجمة سبط ابن الجوزي ترجم له: ٤٥

ترجمة ابن خلكان ٤٦

ترجمة اليونيني ٤٧

ترجمة أبي الفداء ٤٨


ترجمة ابن الوردي ٤٩

طعن الذهبي والصفدي في السّبط الدفاع عن السبط ٥١

استناد القوم إلى أقواله في القضايا الخلافية ٥٢

مؤلفات السبط ٥٣

رواية أبي حاتم الرازي ٥٤

ترجمته: ٥٥

رواية عبد الله بن أحمد ٥٦

رواية ابن مردويه ٥٨

رواية ابن عبد البر ٥٩

رواية الخطيب البغدادي ٦٠

كلمة في تاريخ بغداد ترجمته: ٦١

رواية ابن المغازلي ٦٢

فائدة: ٦٣

ترجمته: رواية شيرويه الديلمي ٦٦

رواية العاصمي ٦٧

رواية أبي الفتح النطنزي ٦٩

رواية شهردار الديلمي ٧١

رواية الخوارزمي ٧٢

رواية ابن عساكر ٧٣

رواية النور الصالحاني ٧٤

رواية أبي الفتح ناصر المطرزي ٧٥

رواية صدر الأفاضل الخوارزمي ٧٦

رواية أبي القاسم عبد الكريم الرافعي القزويني ٧٧

إثبات الشيخ فريد الدين العطّار رواية أبي الربيع ابن سبع الكلاعي ٧٩

رواية الكنجي ٨١


الكنجي وكتابه ٨٤

كلمة « الحافظ » في الإِصطلاح: ٨٥

كلمة « الشيخ » في الاصطلاح: رواية المحبّ الطبري ٨٦

رواية الحمويني ٨٧

رواية شرف الدين الدركزيني الطالبي القرشي ٨٩

رواية جمال الدين المدني الزرندي ٩٠

رواية السيد محمّد الدهلوي المعروف بـ (كيسو دراز) ٩٣

رواية السيد محمّد بن جعفر المكي ٩٤

رواية الجلال البخاري ٩٥

رواية السيد علي الهمداني ٩٦

رواية السيد شهاب الدين أحمد ١٠٠

رواية الشهاب الدولت آبادي ١٠١

رواية ابن حجر العسقلاني ١٠٤

رواية الحافي الحسيني الشافعي رواية الوصابي اليمني الشافعي ١٠٥

رواية الجمال المحدث الشيرازي ١٠٦

رواية الجفري ١٠٨

رواية الواعظ الهروي رواية أحمد بن إبراهيم ١٠٩

رواية السيد محمد ماه عالم ١١٠

رواية محمد صدر العالم ١١١

رواية غلام علي آزاد البلكرامي ١١٢

شواهد حديث النور ومؤيّداته ١١٣

( الحديث الأول ) ١١٥

رواية الحاكم رواية ابن المغازلي ١١٧

رواية الديلمي رواية الخوارزمي رواية الزرندي ١١٨

رواية الشهاب أحمد رواية النور البدخشي اللّاهيجي ١١٩


إثبات الميبدي رواية السيوطي رواية المتقي ١٢٠

رواية الوصابي رواية جمال الدّين المحدّث ١٢١

رواية المنّاوي رواية الجفري رواية البدخشي ١٢٢

رواية صدر العالم رواية الدهلوي ١٢٣

رواية اللكهنوي ١٢٤

( الحديث الثاني ) حديث الشجرة ( بلفظ آخر ) ١٢٥

رواية عبد الله بن أحمد رواية أبي نعيم ١٢٦

رواية ابن المغازلي ١٢٧

رواية الكنجي ١٢٨

رواية ملك العلماء الهندي رواية الشهاب أحمد ١٣١

حديث النور من طرق الإِماميّة ١٣٩

حديث النور عند الامامية ١٤٢

دحض القدح في سند حديث النور ١٥٧

الأصل في هذه الدعوى ما هو ملاك التضعيف؟ ١٦٠

كذب دعوى الاجماع مطلقاً ١٦١

منشأ الغلط ١٦٤

نص عبارة ابن الجوزي وبيان تصرفاتهم فيها ١٦٥

نظرة في كلام ابن الجوزي: المروزي صدوق عند السمعاني ١٦٧

المروزي صدوق عند الخطيب، ولا بأس به عند الدار قطني حديث « المروزي » أخرجه الخطيب وابن عساكر وقال الكنجي: « حديث حسن » ١٦٨

دحض المعارضة بحديث الشافعي في فضل الخلفاء ١٧١

١ - قوله « في الجملة » ١٧٣

٢ - لا يعارض ما لا سند له ما رواه الائمة ٣ - نصّ بعضهم على ضعفه ٤ - استدلال الدهلوي به يخالف ما التزم به ١٧٤

٥ - ما لا سند له لا يصغى إليه ٦ - لا يجوز الاحتجاج به ١٧٥


٧ - لا يصح إلزام الخصم به ٨ - جواز ردّه حتى لو كان مسنداً ٩ - النص الكامل لهذا الحديث ١٧٦

تصرفات الجماعة في الحديث ١٧٧

بالمناسبة ١٧٨

١٠ - من تحكّماتهم في المقام ١١ - النظر في وثاقة الشافعي ١٨٠

١٢ - أمارات الوضع على هذا الحديث لائحة ١٣ - حديث موضوع آخر في فضل الشيخين ١٩٠

دحض تأييد حديث الشافعي بحديثٍ آخر ١٩٣

١ - لم يدّع الكابلي هذا التأييد ١٩٥

٢ - معنى الحديث يوضّح بطلان الدّعوى ١٩٦

٣ - كان عمر شديداً على رسول الله قبل إسلامه ١٩٧

دلالة حديث النور ١٩٩

١ - التصريح بخلافة علي في الحديث: ٢ - التصريح بوصاية علي في الحديث: ٢٠٢

٣ - تعلّم الملائكة وغيرها التسبيح من ذلك النور: ٢٠٣

٤ - لولا الخمسة لما خلق آدم: ٢٠٦

٥ - علي أفضل من آدم: ٢٠٧

٦ - تباهي العصور بالنبي وعلي ٢٠٩

البوصيري وقصيدته الهمزية ٢١٤

٧ - كلّ ما للنبي من الفضل فهو ثابت لعلي ٢١٦

٨ - علي أفضل الخلائق بعد النبي ٢١٩

٩ - كمالات الأنبياء مأخوذة من مشكاة النبي وعلي ٢٢٠

١٠ - التقدّم في الخلق من أدلة الأفضلية ٢٢٢

١١ - الأحاديث الواضحة الدلالة على أفضليّته بسبب تقدّمه في الخلق الحديث الأول ٢٢٥

الحديث الثاني ٢٢٧


الحديث الثالث الحديث الرابع ٢٢٨

الحديث الخامس ٢٢٩

١٢ - دلالة الأحاديث على الأفضلية بسبب كون اسمه على العرش ٢٣٠

١٣ - استدلال آدم (ع) لأفضليّة نبينا (ص) بكون اسمه مع اسم الله ٢٣١

١ - إسم علي مكتوب على العرش ٢٣٤

٢ - إسم علي مقرون باسم النبي في مواطن ٢٣٦

٣ - اسم علي مكتوب على باب الجنة ٢٣٧

٤ - « علي ولي الله » مكتوب على أبواب الجنة ٢٣٨

٥ - « على ولي الله » مكتوب على باب الجنة بالذهب ٦ - « علي حبيب الله » مكتوب على باب الجنة ٢٤١

٧ - « على مقيم الحجة » مكتوب على العرش ٢٤٢

٨ - « علي ولي الله » مكتوب على جناح جبرائيل ٢٤٣

٩ - « علي بن أبي طالب مقيم الحجة » مكتوب بين كفّي صرصائيل ٢٤٤

١٠ - « أيّد الله محمّداً بعلي » مكتوب على جبهة ملك: ١١ - « علي ولي الله » مكتوب على لواء الحمد: ١٢ - « آل محمّد خير البرية » مكتوب على لواء النور: ٢٤٥

١٣ - « محمّد رسول الله نصرته بعلي » مكتوب على درةٍ أو ورقةٍ خضراء ٢٤٦

١٤ - تقدّم النبوة دليل الأفضلية وهو فرع تقدّم النور الذي منه علي أيضاً ٢٤٧

١٥ - أخذ ميثاق نبوة محمّد دليل أفضليّة وهو دليل أفضلية علي من أحاديث أخذ ميثاقه متفرعاً على تقدّم خلقه (ص): ٢٥٤

من أحاديث أفضليته من الأنبياء بسبب أخذ الميثاق منهم ٢٥٥

أحاديث في ولاية علي وميثاق إمامته ١ - حديث بعث الأنبياء على ولاية علي ٢٥٨

رواية الحاكم رواية الثعلبي ٢٥٩

رواية الخوارزمي رواية شهاب الدين أحمد رواية عبد الوهاب بن محمّد ٢٦٠

رواية الجيلاني اللاهيجي رواية البدخشاني ٢ - حديث عرض ولاية علي على إبراهيم ٢٦١


٣ - حديث أخذ الله ميثاق إمارة علي من الملائكة الديلمي وفردوس الأخبار ٢٦٢

ترجمة الهمداني: ترجمة الشيخ عبد الوهاب ٤ - حديث أخذ النبي الميثاق على وصاية علي من صحابته ٢٦٤

١٦ - أحاديث في فضل علي مثبتة لإمامته للافضلية ومؤيدة لحديث النور الحديث الأول ٢٦٥

الحديث الثاني ٢٦٦

الحديث الثالث ٢٦٨

الحديث الرابع الحديث الخامس ٢٦٩

الحديث السادس الحديث السابع ٢٧٠

الحديث الثامن ٢٧١

الحديث التاسع الحديث العاشر ٢٧٣

كلمات علماء أهل السنة وعرفائهم في فضل علي ومعنى حديث النور ٢٧٤

١ - الشيخ ابن عربي ٢٧٥

وجوه دلالة هذا الكلام ٢٧٦

كلام آخر لابن عربي ٢٧٧

كلام آخر لابن عربي ٢٧٨

ترجمة ابن عربي ٢٧٩

٢ - الشيخ عبد الوهاب الشعراني ٢٨٢

كلام آخر للشعراني ٢٨٣

ترجمة الشعراني ٢٨٥

٣ - شمس الدين الفناري ٢٨٦

كتاب مصباح الأنس ٢٨٧

ترجمة الفناري ٢٨٨

٤ - السيد محمد گيسو دراز ٢٨٩

كلام آخر ٥ - القسطلاني ٢٩٠


٦ - الدولت آبادي ٢٩١

٧ - الهمداني ٢٩٢

٨ - السهروردي ٢٩٣

٩ - أبو نعيم الاصفهاني ٢٩٦

١٠ - شاه ولي الله الدّهلوي ٣٠٠

وجوه دلالة هذا الكلام ٣٠١

١١ - محمد صدر العالم ٣٠٢

وجوه صحة الاستدلال بالقرب النسبي على الإِمامة بلا فصل ٣١٣

١ - أحاديث اصطفاء بني هاشم: ٣١٥

كلمات العلماء على ضوء الأحاديث ٣٢١

٢ - كان الرسول من بني هاشم فالإمام يكون منهم ٣٢٤

٣ - خطبة أبي بكر في السقيفة ٣٢٥

٤ - خطبة أبي بكر بلفظ آخر ٣٢٧

تنبيه ٣٢٨

٥ - احتجاج علي على أبي بكر ٣٣٠

٦ - احتجاج علي يوم الشورى ٣٣١

٧ - إعتراف طلحة والزبير والمسلمين بأولويته بالخلافة لأجل القرابة ٣٣٢

٨ - ذكر النبي القرابة في أدلة الامامة ٣٣٤

٩ - يشترط كون النبي وخليفته من سلالة واحدة ٣٣٥

١٠ - كلام الرازي في مناقب الشافعي ٣٣٦

ليس العباس أولى من علي ولا أقرب إلى النبيّ ٣٣٩

١ - العباس عم النبي من الأب ٣٤١

٢ - الأخ أولى من العم ٣٤٣

٣ - قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) ٣٤٤

٤ - أولوية علي على لسان العباس ٣٤٥


٥ - إعتذار العباس عن قبول وصيّة النبي ٣٤٧

٦ - حديث يوم الدار ٧ - الاجماع على عدم خلافة العباس ٣٤٨

٨ - الخلافة في المهاجرين ٩ - لزوم كون الخليفة ممّن بايع تحت الشجرة ٣٤٩

١٠ - لا تجوز الخلافة للطلقاء ٣٥٠

وجوه تفنيد النقض بأولوية الحسنين بالإِمامة من علي بعد النبي ٣٥٣

١ - الأفضلية مدار الامامة ٢ - لم ينتقل إلى الحسنين نور النبي ٣ - في كلّ منهما ربع أصل النور ٣٥٦

٤ - من كان نوره أقوى فهو الأفضل ٥ - استلزام كون نور فاطمة أقوى من نور علي ٦ - علي أفضل الخلائق بعد النبي ٣٥٧

٧ - خلق علي من النور الإِلهي ٨ - ما المراد من كثرة النور؟ ٩ - لزوم كون نورهما أكثر من نور النبي ٣٥٨

١٠ - ما الدليل على جمع الحسنين بين النورين؟ ٣٥٩

ملحق سند حديث النور ٣٦١

سليمان الأعمش ٣٦٣

فضيل بن عياض محمد بن المثنى ٣٦٤

أحمد بن المقدام أبو علي البردعي ٣٦٥

أبو بكر النصيبي أبو علي العطشي ٣٦٦

أبو الحسن الفارسي أبو الحسين المعدل ٣٦٧

أبو محمد الجوهري أبو غالب النحوي ٣٦٨

أبو الحسن الواحدي أبو علي الحداد ٣٦٩

أبو القاسم الشروطي أبو الفضل السّلامي ٣٧٠

أبو محمد الجيلي أبو إسحاق الخشوعي ٣٧١

إبن النجار البغدادي إبن المقير البغدادي ٣٧٢

أبو اليمن الدمشقي ٣٧٣

الفهرس ٣٧٥