بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
معنى
من كنت مولاه فعلي مولاه
وإذْ فرغنا من ذكر نصوص عبارات طائفة من أئمة القوم وعلمائهم في إخراج حديث الغدير، وروايته بالألفاظ المتنوّعة والأسانيد المختلفة، فلنشرع في تفنيد مناقشات ( الدهلوي )، والرّد على مزاعمه في الجواب عن دلالة هذا الحديث الشريف جملةً جملةً وبالله التوفيق:
قوله:
« الأول: حديث غدير خم، الذي يذكرونه في كتبهم مع التبجّح الكثير به، ويجعلونه نصّاً قطعيّاً على هذا المدعى ».
أقول:
إنّا نمرّ على هذا الكلام مرّ الكرام، ونكتفي بالقول بأنّ الإِماميّة إنّما يعتمدون في وجه دلالة الحديث الشريف - بعد إثبات تواتره وقطعيّة صدوره - على كلمات أئمة العربيّة، وتصريحات أساطين اللغة والأدب، ويستشهدون لذلك بالأدلة والآثار المتقنة الثابتة، كما سيتضح كلّ ذلك بالتفصيل، بحيث تنقطع ألسنة الجاحدين وتستأصل شبهات المشككين، ونحن نقول الحمد لله ربّ
العالمين.
قوله:
« وحاصله: إنّه قد روى بريدة بن الحصيب الأسلمي ».
أقول:
لقد علم ممّا تقدّم عدم انفراد بريدة بن الحصيب الأسلمي برواية حديث الغدير، بل رواه الجمّ الغفير والجمع الكثير، من صحابة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يتجاوز عددهم المائة بكثير.
فجعل رواية هذا الحديث من حديث بريدة فقط - كما هو ظاهر العبارة - غريب جدّاً.
كما علم ممّا تقدّم أن لهذا الحديث الشريف ألفاظاً تشتمل على فوائد ومطالب جليلة، لها الأثر البالغ في دلالة الحديث وثبوت المرام، فإعراض ( الدهلوي ) عن نقل أحد تلك الألفاظ واقتصاره بهذا اللفظ غريب أيضاً.
قوله:
« قالوا: إنّ ( المولى ) بمعنى ( الأولى بالتصرّف ) والأولوية بالتصرّف عين ( الإِمامة ) ».
أقول:
إن لمحققي الإٍماميّة بحوثاً مطوّلة واستدلالات مفصلة في بيان وجه دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام، فليت ( الدهلوي ) ذكر عن أحدهم وجه الاستدلال، ثمّ أجاب عنه بزعمه، ولم يكتف بهذه الكلمة الوجيزة التي تقلّ عن السّطر الواحد
قوله:
« إنّ أوّل ما في هذا الاستدلال هو: أن أهل العربية قاطبة ينكرون أن يكون ( المولى ) قد جاء بمعنى ( الأولى ) ».
أقول:
أول ما في هذا الكلام أن ( الدهلوي ) يدعي إنكار قاطبة أهل العربية مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى )، وهذا كذب بحت، فإنّ أهل العربية لم ينكروا ذلك أبداً، بل لم يثبت إنكار واحد منهم، فكيف بإنكار جميعهم!!
إنّ هذا الذي ذكره ( الدهلوي ) كذب فاحش وشنيع جدّاً، وإنْ كنت في ريب من ذلك فإليك البيان:
* * *
مجيء
( المولى ) بمعنى ( الْأَولى )
إن استعمال ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) في الكتاب والسنة وأشعار العرب شائع، وقد صرّح بذلك ونصّ عليه جمع كبير من أئمة اللغة والأدب والتفسير، ونحن نذكر أسماء طائفة منهم، ثم نصوص كلماتهم، إتماماً للحجّة وإفحاماً للخصوم المكابرين، فمنهم:
١ - محمد بن السّائب الكلبي.
٢ - أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري اللغوي.
٣ - أبو عبيدة معمر بن المثّنى البصري.
٤ - أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش المجاشعي.
٥ - أحمد بن يحيى بن سيار أبو العباس المعروف بثعلب.
٦ - أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي البصري المعروف بالمبرّد.
٧ - أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الزّجاج.
٨ - أبو بكر محمد بن القاسم المعروف بابن الأنباري.
٩ - محمد بن عزيز السجستاني العزيزي.
١٠ - أبو الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد الله الرمّاني.
١١ - أبو النّصر إسماعيل بن حمّاد الفارابي الجوهري.
١٢ - أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري.
١٣ - أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي.
١٤ - أبو الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى الشنتمري.
١٥ - القاضي أبو عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني.
١٦ - أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد الشيباني التبريزي.
١٧ - الحسين بن مسعود الفراء البغوي.
١٨ - جار الله محمود بن عمر الزمخشري.
١٩ - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي.
٢٠ - أحمد بن الحسن بن أحمد الزاهد الدرواجكي.
٢١ - نظام الدين حسن بن محمد القمي النيسابوري.
٢٢ - أبو سالم محمد بن طلحة القرشي النصيبي.
٢٣ - شمس الدين أبو المظفّر يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي.
٢٤ - القاضي ناصر الدّين عبد الله بن عمر البيضاوي.
٢٥ - أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي المعروف بابن السمين.
٢٦ - محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي.
٢٧ - جلال الدين أحمد الخجندي.
٢٨ - عبد الله بن أحمد النسفي.
٢٩ - عمر بن عبد الرحمن القزويني.
٣٠ - الشيخ نور الدين علي بن محمد المعروف بابن الصبّاغ المالكي.
٣١ - جلال الدين محمد بن أحمد المحلي.
٣٢ - الحسين بن علي الواعظ الكاشفي.
٣٣ - أبو السعود بن محمد العمادي.
٣٤ - سعيد الحلبي.
٣٥ - الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي.
٣٦ - الشيخ سليمان جمل.
٣٧ - الملّا جار الله الإِله آبادي.
٣٨ - محبّ الدين الأفندي.
٣٩ - محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير اليماني.
٤٠ - عبد الرحيم بن عبد الكريم.
٤١ - رشيد النبي بن حبيب النبي.
٤٢ - السيد مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي.
* * *
(١)
محمد بن السائب الكلبي
قال محمد بن يوسف أبو حيان * ترجم له الصّلاح الصفدي بقوله: « محمد ابن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان، الشيخ الامام الحافظ العلّامة، فريد العصر وشيخ الزمان، وإمام النحاة، أثير الدين أبو حيان الغرناطي لم أر في أشياخي أكثر اشتغالاً منه، لأني لم أره إلّا يسمع أو يشغل أو يكتب ولم أره على غير ذلك وهو ثبت فيما ينقله، محرّر لما يقوله عارف باللغة ضابط لألفاظها، وأما النحو والتصريف فهو إمام الدنيا فيهما، لم يذكر معه في أقطار الأرض غيره في العربية، وله اليد الطّولي في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وله التصانيف التي سارت وطارت، وانتشرت وما انتثرت، وقرئت ودرست ونسخت وما نسخت، أخملت كتب الأقدمين وألهت المقيمين بمصره والقادمين، وقرأ الناس عليه وصاروا أئمة وأشياخاً في حياته »(١) * بتفسير قوله تعالى ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (٢) قال ما نصه:
____________________
(١). الوافي بالوفيات ٥ / ٢٦٧.
(٢). سورة التوبة: ٥١.
« هو مولانا. أي ناصرنا وحافظنا، قاله الجمهور. وقال الكلبي: أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة، وقيل: مالكنا وسيّدنا، فلهذا يتصرف كيف شاء فيجب الرضا بما يصدر من جهته. وقال ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) فهو مولانا الذي يتولانا ويتولاهم »(١) .
وقد نقل القمولي أيضاً عن الكلبي تفسير ( المولى ) بـ ( الأولى )، كما سيجيء فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.
أثنى عليه الحافظ ابن عدي بقوله: « هو معروف بالتفسير وليس لأحدٍ تفسير أطول ولا أشبع منه، وبعده مقاتل، إلّا أن الكلبي يفضّل على مقاتل، لما قيل في مقاتل من المذاهب الرديّة، وحدّث عن الكلبي: شعبة والثوري وهشيم، والثقات، ورضوه في التفسير »(٢) .
وقال الذهبي: « وللكلبي غير ما ذكرت أحاديث صالحة خاصة عن أبي صالح، وهو معروف بالتفسير، وليس لأحد تفسير أطول منه ولا أشبع، وبعده مقاتل بن سليمان إلّا أن الكلبي يفضّل على مقاتل بن سليمان، لما قيل في مقاتل من المذاهب الردّية، وحدّث عن الكلبي: الثوري وشعبة وإنْ كانا حدّثا عنه بالشيء اليسير غير المسند وحدّث عنه: ابن عيينة وحماد بن سلمة وهشيم، وغيرهم من ثقات الناس، ورضوه في التفسير »(٣) .
والحافظ ابن عدي الذي أثنى على الكلبي من كبار الحفاظ الأثبات،
____________________
(١). البحر المحيط ٥ / ٥٢.
(٢). تذهيب التهذيب للذهبي: ترجمة الكلبي.
(٣). حاشية الكاشف - مخطوط.
ترجم له:
١ - السمعاني: « أبو أحمد عبد الله بن محمد الجرجاني، المعروف بابن القطّان، الحافظ من أهل جرجان، كان حافظ عصره روى عنه: الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي، وأبو بكر أحمد بن الحسن الحيري وغيرهم وكان حافظاً متقناً، لم يكن في زمانه مثله وكانت ولادته يوم السبت غرة ذي القعدة سنة ٢٧٧، وهي السنة التي مات فيها أبو حاتم الرازي، وتوفي غرة جمادى الآخرة، سنة ٣٦٥ بجرجان »(١) .
٢ - ياقوت الحموي: « أحد أئمة أصحاب الحديث والمكثرين منه، والجامعين له، والرحّال فيه وكان مصنّفاً حافظاً، ثقة، على لحن كان فيه »(٢) .
٣ - الذهبي: « ابن عدي الامام الحافظ الكبير كان أحد الأعلام وهو المصنّف في الكلام على الرجال، عارفاً بالعلل قال أبو القاسم ابن عساكر: كان ثقة على لحن فيه قال حمزة السهمي: كان حافظاً متقناً، لم يكن في زمانه مثله قال الخليلي: كان عديم النظير حفظاً وجلالة »(٣) .
٤ - الأسنوي: « الحافظ أبو أحمد بن عدي بن محمد الجرجاني الامام المشهور »(٤) .
٥ - ابن قاضي شهبة: « الحافظ الكبير، يعرف بابن القطان، أحد الأئمة الأعلام، وأركان الاسلام »(٥) .
____________________
(١). الأنساب - الجرجاني.
(٢). معجم البلدان ٢ / ١٢١.
(٣). تذكرة الحفاظ ٢ / ٩٤٠. وانظر: العبر ودول الإسلام له حوادث ٣٦٥.
(٤). طبقات الشافعية ٢ / ٢٠٦.
(٥). طبقات الشافعية ١ / ١٤٠.
لقد علم من عبارة الذهبي أن سفيان بن عيينة، وحماد بن سلمة، وهشيم وغيرهم من ثقات الناس حدّثوا عن الكلبي ورضوه في التفسير، فنقول: إنّ هؤلاء الثلاثة من أكابر أساطين القوم، فأما ( سفيان بن عيينة ) فستأتي ترجمته إنْ شاء الله تعالى.
ترجمة حماد بن سلمة
وأما ( حماد بن سلمة ) فقد ترجم له ابن حجر العسقلاني بقوله: « حماد بن سلمة بن دينار البصري، أبو سلمة مولى تميم، ويقال: مولى قريش، وقيل: غير ذلك قال أحمد: حماد بن سلمة أثبت في ثابت من معمر، وقال أيضاً في الحمّادين: ما منها إلّا ثقة وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة وقال الأصمعي عن عبد الرحمن بن مهدي: حماد بن سلمة صحيح السماع، حسن اللقاء، أدرك الناس، لم يتّهم بلون من الألوان، ولم يلتبس بشيء، أحسن ملكة نفسه ولسانه ولم يطلقه على أحد فسلم حتى مات.
وقال ابن المبارك: دخلت البصرة فما رأيت أحداً أشبه بمسالك الأُول من حماد بن سلمة، وقال أبو عمر الحرمي: ما رأيت فقيهاً أفصح من عبد الوارث، وكان حماد بن سلمة أفصح منه. وقال شهاب بن معمر البلخي: كان حماد بن سلمة يعدّ من الأبدال، وعلامة الأبدال أن لا يولد لهم. تزوّج سبعين امرأة فلم يولد له، وقال عفان: قد رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة، ولكن ما رأيت أشدّ مواظبة على الخير وقراءة القرآن والعمل لله من حماد بن سلمة مات سنة ١٦٧. زاد ابن حبان في ذي الحجة.
استشهد به البخاري، وقيل: إنّه روى له حديثاً واحداً عن أبي الوليد عنه عن ثابت.
قلت: الحديث المذكور في مسند أبي بن كعب من رواية ثابت عن أنس عنه، ذكره المزي في الأطراف ولفظه: قال لنا أبو الوليد فذكره. وقد عرّض ابن حبان بالبخاري لمجانبة حديث حماد بن سلمة حيث يقول: لم ينصف من عدل عن الاحتجاج به إلى الإِحتجاج بفليح وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار. واعتذر أبو الفضل بن طاهر عن ذلك لما ذكر أنّ مسلماً أخرج أحاديث أقوام ترك البخاري حديثهم قال: وكذلك حماد بن سلمة إمام كبير مدحه الأئمّة وأطنبوا، ولمـّا تكلم بعض منتحلي المعرفة أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه لم يخرج عنه البخاري معتمداً عليه، بل استشهد به في مواضع، ليبين أنه ثقة، وأخرج أحاديثه التي يرويها من حديث أقرانه كشعبة وحماد بن زيد وأبي عوانة وغيرهم.
ومسلم اعتمد عليه لأنه رأى جماعة من أصحابه القدماء والمتأخرين لم يختلفوا [ فيه ] وشاهد مسلم منهم جماعة وأخذ عنهم، ثم عدالة الرجل في نفسه وإجماع أهل النقل على ثقة وأمانته. إنتهى
... وقد حدّث عنه من هو أكبر منه سنّاً، وله أحاديث كثيرة، وأصناف كثيرة ومشايخ، وهو كما قال ابن المديني: من تكلّم في حماد بن سلمة فاتّهموه في الدّين. فقال السّاجي: كان حافظاً ثقة مأموناً. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وربما حدث بالحديث المنكر. وقال العجلي: ثقة رجل صالح حسن الحديث »(١) .
ترجمة هشيم بن بشير
وأما ( هشيم بن بشير ) فقد ترجم له الذهبي قوله: « هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار، أبو معاوية بن أبي حازم السلمي الواسطي، نزيل بغداد، أحد الحافظ الأعلام وقال حماد بن زيد: ما رأيت في المحدثين بأنبل من هشيم،
____________________
(١). تهذيب التهذيب ٣ / ١١ - ١٦.
وقال محمد بن عيسى بن الطباع: قال عبد الرحمن بن مهدي: كان هشيم أحفظ للحديث من سفيان الثوري، كان يقوى من الحديث على شيء لم يكن يقوى عليه سفيان، وسمعت وكيعاً يقول: نحوا عنّي هشيماً وهاتوا من شئتم - يعني في المذاكرة -.
وقال ابن مهدي: هشيم في حصين أثبت من سفيان وشعبة، وقال علي بن حجر: هشيم وأبو بشر مثل ابن عيينة في الزهري. وقال عيينة بن سعيد عن ابن المبارك قال: من غير الدهر حفظه فلم يغير حفظ هشيم، وقال العجلي: هشيم ثقة يدلس، وسئل أبو حاتم عن هشيم ويزيد بن هارون فقال: هشيم أحفظ منه ومن أبي عوانة »(١) .
وقد أثنى أبو اسحاق أحمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي على الكلبي، وجعله من أقران مجاهد والسدي حيث قال في ديباجة تفسيره: « وفرقة جرّدوا التفسير دون الأحكام وبيان الحلال والحرام، والحل عن العويصات المشكلات والرد على أهل الزيغ والشبهات، كمشايخ السلف الماضين والعلماء السابقين من التابعين وأتباعهم، مثل مجاهد، ومقاتل، والكلبي، والسدي، رضي الله عنهم أجمعين، ولكل من أهل الحق منهم غرض محمود وسعي مشكور »(٢) .
وقال ابن جزلة: « قال الحسن بن عثمان القاضي: وجدت العلم بالعراق والحجاز ثلاثة: علم أبي حنيفة، وتفسير الكلبي، ومغازي محمد بن إسحاق »(٣) .
وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن علي العامري: « قد خرجت هذا من التفاسير التي سمعتها من الأئمة رحمهمالله ، منها: ما سمعت من الأُستاذ الامام أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الإِسفرايني رحمهالله ، مثل تفسير مقاتل بن سليمان
____________________
(١). تذهيب التهذيب - مخطوط.
(٢). الكشف والبيان - مخطوط.
(٣). مختصر تاريخ بغداد - مخطوط.
والحلبي والكلبي وغيرهما ولم أعتمد إلّا بما صحّ عندي بتواتر واستفاضة أو روي في الصحاح بغير طعن الطاعن، والله الموفق لذلك »(١).
وقال ابن قتيبة: « الكلبي صاحب التفسير، وهو محمد بن السائب بن بشر الكلبي، ويكنى أبا النضر وكان نسّاباً عالماً بالتفسير، وتوفي بالكوفة سنة ١٤٦ »(٢) .
وقال البغوي: « وما نقلت فيه من التفسير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة، ومن بعده من التابعين، أئمة السلف مثل: مجاهد، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، رضياللهعنه ، وقتادة، وأبي العالية، ومحمد بن كعب القرظي، وزيد بن أسلم، والكلبي، والضحاك، ومقاتل بن حبان، ومقاتل بن سليمان، والسدّي، وغيرهم فأكثره مما أخبرني الشيخ أبو سعيد أحمد بن محمد الشريحي المذكور »(٣) .
وقال صديق حسن القنوجي: « وجمعته جمعاً حسناً، بعبارة سهلة، وألفاظ يسيرة، مع تعرض للترجيح بين التفاسير المتعارضة في مواضع كثيرة، وبيان المعنى العربي الإِعرابي واللغوي، مع حرص على إيراد صفوة ما ثبت عن التفسير النبوي، وعن عظماء الصحابة وعلماء التابعين، ومن دونهم من سلف الأئمة وأئمتها المعتبرين، كابن عباس حبر هذه الأمة ومن بعده من الأئمة، مثل مجاهد وعكرمة، وعطاء، والحسن، وقتادة، وأبي العالية، والقرظي، والكلبي والضحاك، ومقاتل، والسدي، وغيرهم من علماء اللغة والنحو كالفراء، والزجّاج، وسيبويه، والمبرد، والخليل، والنحاس »(٤) .
وقال علي بن محمد البزدوي: « ليس من اتهم بوجه ما يسقط به كلّ حديثه
____________________
(١). الناسخ والمنسوخ - مخطوط.
(٢). المعارف ٥٣٥ - ٥٣٦.
(٣). معالم التنزيل ١ / ٣ هامش تفسير الخازن.
(٤). فتح البيان في مقاصد القرآن ١ / ١٧.
مثل الكلبي وأمثاله، ومثل سفيان الثوري وأصحابه، مع جلالة قدره وتقدّمه في العلم والورع »(١).
وقال علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري في شرح كلام البزدوي المذكور ما نصه: « قوله: مثل الكلبي. هو أبو سعيد محمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير، ويقال له أبو النضر أيضاً، طعنوا فيه بأنه يروي تفسير كلّ آيه عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويسمى زوائد الكلبي، وبأنه روى حديثاً عند الحجاج، فسأل عمن يرويه فقال: عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، فلمـّا خرجٍ قيل له: هل سمعت ذلك من الحسن؟ فقال: لا ولكنّي رويت عن الحسن غيظاً له.
وذكر في الأنساب: إن الثوري ومحمد بن إسحاق يرويان عنه ويقولان حدثنا أبو النضر حتى لا يعرف. قال: وكان الكلبي سبائياً من أصحاب عبد الله ابن سبأ، من أولئك الذين يقولون إن علياً لم يمت، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة، ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وإذا رأوا سحابة قالوا أمير المؤمنين فيها، والرعد صوته والبرق سوطه، حتى تبرأ واحد منهم وقال:
ومن قوم إذا ذكروا علياً |
يصلّون الصلاة على السحاب |
مات الكلبي سنة ١٤٦.
وأمثاله. مثل عطاء بن السائب، والربيعة، وعبد الرحمن، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم، اختلطت عقولهم فلم يقبل رواياتهم التي بعد الاختلاط، وقبلت الروايات التي قبله.
فإنْ قيل: ما نقل عن الكلبي يوجب الطعن عاماً، فينبغي أن لا يقبل رواياته جميعاً.
____________________
(١). أصول الفقه ٣ / ٧٢ بشرح عبد العزيز البخاري.
قلنا: إنما يوجب ذلك إذا ثبت ما نقلوا عنه بطريق القطع، فأما إذا اتهم به فلا يثبت حكمه في غير موضع التهمة، وينبغي أن لا يثبت في موضع التهمة أيضاً، إلّا أن ذلك يورث شبهة في الثبوت، وبالشبهة تردّ الحجة، وينتفي ترجح الصدق في الخبر، فلذلك لم يثبت أو معناه.
ليس كل من اتهم بوجه ساقط الحديث، مثل الكلبي، وعبد الله بن لهيعة والحسن بن عمارة، وسفيان الثوري وغيرهم، فإنه قد طعن في كل واحد منهم بوجه، ولكن علوّ درجتهم في الدين، وتقدّم رتبتهم في العلم والورع، منع من قبول ذلك الطعن في حقهم ومن ردّ حديثهم به، إذ لو ردّ حديث أمثال هؤلاء بطعن كل واحد انقطع الرواية واندرس الأخبار، إذ لم يوجد بعد الأنبياء عليهمالسلام من لا يوجد فيه أدنى شيء مما يجرح إلاّ من شاء الله تعالى، فلذلك لم يلتفت إلى مثل هذا الطعن، فيحمل على أحسن الوجوه، وهو قصد الصيانة »(١) .
ترجمة عبد العزيز البخاري
وعبد العزيز البخاري شارح البزدوي وصاحب الكلام المزبور في الدفاع عن الكلبي، من مشاهير الأئمة الكبار، وقد أثنى عليه عبد القادر القرشي في ( الجواهر المضية في طبقات الحنفية ) ومحمود بن سليمان الكفوي في ( كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ) والكاتب الجلبي في ( كشف الظنون ).
____________________
(١). كشف الأسرار في شرح أصول الفقه ٣ / ٧٢.
(٢)
يحيى بن زياد الفراء
وفسّر يحيى بن زياد الفرّاء ( المولى ) بـ ( الأولى ) كما قال الفخر الرازي بتفسير قوله تعالى: ( هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) : « ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) . وفي لفظ المولى هاهنا أقوال: أحدها - قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: أن المولى موضع الولي وهو القرب، فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.
والثاني - قال الكلبي: يعني أولى بكم. وهو قول الزّجاج والفرّاء وأبي عبيدة »(١) .
١ - ابن خلكان: « أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي، المعروف بالفراء، الديلمي الكوفي، مولى بني أسد، وقيل مولى بني منقر.
كان أبرع الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، حكى عن أبي العباس ثعلب أنه قال: لو لا الفراء لما كانت العربية، لأنه خلّصها وضبطها، ولو لا الفرّاء لسقطت العربية، لأنها كانت تتنازع، ويدّعيها كل من أراد، ويتكلّم الناس فيها على مقادير عقولهم وقرائحهم. فتذهب.
وأخذ النحو عن أبي الحسن الكسائي، وهو والأحمر المقدّم ذكره من أشهر
____________________
(١). التفسير الكبير ٢٩ / ٢٢٧.
أصحابه وأخصّهم به.
ولمـّا عزم الفرّاء على الاتصال بالمأمون كان يتردّد إلى الباب، فبينما هو ذات يوم على الباب، إذ جاء أبو بشر ثمامة بن الأشرس النمري المعتزلي - وكان خصيصاً بالمأمون - قال: فرأيت أبهة أديب، فجلست إليه ففاتشته عن اللغة فوجدته بحراً، وفاتشته عن النحو فوجدته نسيج وحده، وعن الفقه فوجدته رجلاً فقيهاً عارفاً باختلاف القوم، وبالنجوم ماهراً، وبالطب خبيراً، وبأيام العرب وأشعارها حاذقاً، فقلت: من تكون وما أظنك إلا الفرّاء؟ قال: انا هو، فدخلت فأعلمت أمير المؤمنين المأمون، فأمر بإحضاره لوقته وكان سبب اتصاله به
وقال الخطيب في تاريخ بغداد: إنّ الفراء لما اتصل بالمأمون أمره أن يؤلف ما يجمع به أصول النحو وما سمع من العربية وبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس وابتدأ في كتاب المعاني، وقال الرّاوي: وأردنا أن نعدّ الناس الذين اجتمعوا لإِملاء كتاب المعاني فلم نضبطهم، فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضياً، فلم يزل يمليه حتى أتمّه
وكان سبب إملائه كتاب المعاني: أن أحد أصحابه - وهو عمر بن بكير - كان يصحب الحسن بن سهل المقدّم ذكره، فكتب إلى الفراء أنّ الأمير الحسن لا يزال يسألني عن أشياء من القرآن لا يحضرني فيها جواب، فإنْ رأيت أن تجمع لي أصولاً، وتجعل في ذلك كتاباً يرجع اليه فعلت. فلمـّا قرأ الكتاب قال لأصحابه: إجتمعوا حتى أملي عليكم في القرآن، وجعل لهم يوماً، فلمـّا حضروا خرج إليهم وكان في المسجد رجل يؤذن فيه وكان من القراء، فقال له: إقرأ. فقرأ فاتحة الكتاب، ففسّرها حتى مرّ في القرآن كلّه على ذلك، يقرأ الرجل والفرّاء يفسّره، وكتابه هذا نحو ألف ورقة، وهو كتاب لم يعمل مثله، ولا يمكن لأحدٍ أنْ يزيد عليه.
وكان المأمون قد وكّل الفرّاء يلقّن ابنيه النحو، فلما كان يوماً أراد الفرّاء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفرّاء يقدّمانها له، فتنازعا أيّهما
يقدّمانها له، فاصطلحا على أن يقدّم كلّ واحد منهما فرداً فقدّماها
وقال الخطيب أيضاً: كان الفقيه محمد بن الحسن ابن خالة الفرّاء، وكان الفرّاء يوماً جالساً عنده فقال له الفرّاء: قلّ رجل أنعم النظر في باب من العلم فأراد غيره إلّا سهل عليه، فقال له محمد: يا أبا زكريا قد أنعمت النظر في العربية، فأسألك عن باب من أبواب الفقه، فقال: هات على بركة الله تعالى. قال: ما تقول في رجل صلّى فسهى فسجد سجدتين للسهو فسهى فيهما؟ ففكّر الفرّاء فيهما ساعة ثم قال: لا شيء عليه. فقال له محمد: ولم؟ قال: لأن التصغير عندنا لا تصغير له، وإنما السجدتان تمام الصلاة وليس للتمام تمام. فقال محمد: ما ظننت آدميّاً يلد مثلك
وقال سلمة بن عاصم: إني لأعجب من الفرّاء كيف كان يعظّم الكسائي وهو أعلم بالنحو منه.
ومولد الفرّاء بالكوفة وتوفّي الفرّاء سنة سبع ومائتين في طريق مكّة، وعمره ثلاثة وستون سنة، رحمه الله تعالى »(١) .
٢ - اليافعي: « وفيها الامام البارع النحوي، يحيى بن زياد الفرّاء الكوفي، أجلّ أصحاب الكسائي، كان رأساً في النحو واللغة، أبرع الكوفيّين وأعلمهم بفنون الأدب، على ما ذكر بعض المؤرّخين، وحكي عن أبي العباس ثعلب أنه قال: لو لا الفرّاء »(٢) .
٣ - الذهبي: « الفرّاء أخباري علامة نحوي، كان رأساً في قوة الحفظ. أملى تصانيفه كلّها حفظاً، مات بطريق مكة سنة ٢٠٧. عن ثلاث وستين سنة. اسمه يحيى بن زياد »(٣) .
____________________
(١). وفيات الأعيان ٥ / ٢٢٥ - ٢٣٠.
(٢). مرآة الجنان حوادث ٢٠٧.
(٣). تذكرة الحفاظ ١ / ٣٧٢.
٤ - الذهبي أيضاً: « وهو أجلّ أصحاب الكسائي، وكان رأساً في النحو واللغة »(١) .
٥ - ابن الوردي: « أبرع الكوفيين نحواً وأدباً، وله كتاب الحدود وكتاب المعاني، وكتابان في المشكل، وكتاب النهي، وغير ذلك. توفي بطريق مكة، وعمره نحو ثلاث وستين، كان يفري الكلام فلقّب بذلك »(٢) .
(٣)
أبو زيد اللّغوي
وأمّا تصريح أبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري اللّغوي بورود ( المولى ) بمعنى ( الأولى )، فقد اعترف به ( الدهلوي ) نفسه في كلامه، كما جاء في كلام غلام محمد بن محيي الدين بن عمر الأسلمي في ترجمة ( التحفة الاثنا عشرية ) حيث قال في الجواب عن حديث الغدير: « ولا يخفى أنّ أوّل الغلط في هذا الاستدلال هو إنكار أهل العربيّة قاطبة ثبوت ورود المولى بمعنى الأولى، بل قالوا لم يجيء قط المفعل بمعنى أفعل في موضع ومادة أصلاً، فضلاً عن هذه المادة بالخصوص، إلّا أن أبا زيد اللّغوي جوّز هذا متمسكاً بقول أبي عبيدة في تفسير ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم ».
وستأتي ترجمة أبي زيد اللّغوي في الكتاب إنْ شاء الله تعالى.
____________________
(١). العبر حوادث ٢٠٧.
(٢). تتمة المختصر حوادث ٢٠٧.
(٤)
أبو عبيدة
وأمّا تفسير أبي عبيدة معمر بن المثنّى البصري ( المولى ) بـ ( الأولى ) فقد نصّ عليه الفخر الرازي في ( نهاية العقول ) أيضاً كما سيأتي قريباً، وفي ( التفسير ) كما عرفت من عبارته الماضية، وكذا ذكره ابن الجوزي في ( زاد المسير )، واعترف به ( الدّهلوي ) كذلك، وصرّح به الأسلمي المذكور في ( الترجمة العبقريّة ).
١ - الذهبي: « أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري، اللغوي الحافظ، صاحب التصانيف، روى عن: هشام بن عروبة وأبي عمرو بن شيبة. وعنه: أبو عثمان المازني وأبو العيناء وخلق.
قال الحافظ: لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي عالم بجميع العلوم من أبي عبيدة. وذكره ابن المبارك فصحّح رواياته.
مات أبو عبيدة سنة عشر ومائتين، وقيل سنة تسع »(١) .
٢ - الذهبي أيضاً: « أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري اللغوي، العلّامة الأخباري صاحب التصانيف، روى عن: هشام بن عروة وأبي عمر بن العلا وكان أحد أوعية العلم. وقيل توفي سنة إحدى عشرة »(٢) .
٣ - وذكر ابن الأثير في خطبة كتابه ( النهاية ) القول بأنّ أبا عبيدة أوّل من
____________________
(١). تذكرة الحفاظ ١ / ٣٧١.
(٢). العبر حوادث ٢١٠.
ألّف في فن غريب الحديث بعد اختلاط الألسن وتداخل اللغات، حيث قال: « فلما أعضل الدّاء وعزّ الدّواء ألهم الله جماعة من أولى المعارف والنهى وذوي البصائر والحجى، أن صرفوا إلى هذا الشأن طرفاً من عنايتهم، وجانباً من رعايتهم، فشرّعوا فيه للناس موارد، ومهّدوا فيه لهم معاهد، حراسة لهذا العلم الشريف من الضّياع، وحفظاً لهذا المهمّ العزيز من الاختلال، فقيل: إنّ أوّل من جمع في هذا الفن شيئاً وألّفه أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي، فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتاباً »(١).
٤ - وقال السيوطي نقلاً عن أبي الطيّب اللّغوي بعد ذكر الخليل: « وكان في هذا العصر ثلاثة هم أئمة الناس في اللغة والشعر وعلوم العرب، لم ير قبلهم ولا بعدهم مثلهم، عنهم أخذ جلّ ما في أيدي الناس من هذا العلم بل كلّه، وهم أبو زيد وأبو عبيدة والأصمعي، وكلّهم أخذوا عن أبي عمرو اللغة والنحو والشعر، ورووا عنه القراءة. ثم أخذوا بعد أبي عمرو عن عيسى بن عمرو أبي الخطاب الأخفش ويونس بن حبيب، وعن جماعة من ثقات الأعراب وعلمائهم وكان أبو زيد أحفظ الناس للّغة بعد أبي مالك وأوسعهم رواية وأكثرهم أخذاً عن البادية، وقال ابن منادر: كان الأصمعي يجيب في ثلث اللغة، وكان أبو عبيدة يجيب في نصفها، وكان أبو زيد يجيب في ثلثيها
وأبو زيد من الأنصار، وهو من رواة الحديث، ثقة عندهم مأمون، وكذلك حاله في اللغة، وقد أخذ عنه اللغة أكابر الناس منهم سيبويه وحسبك، قال أبو حاتم عن أبي زيد: كان سيبويه يأتي مجلسي وله ذؤابتان قال: فإذا سمعته يقول: وحدثني من أثق بعربيته فإنّما يريدني.
وكبر سنّ أبي زيد حتى اختلّ حفظه ولم يختل عقله، ومن جلالة أبي زيد في اللغة ما حدثنا به جعفر بن محمد حدثنا محمد بن الحسن الأزدي عن أبي حاتم عن
____________________
(١). النهاية في غريب الحديث - خطبة الكتاب.
أبي زيد قال: كتب رجل من أهل رامهرمز إلى الخليل يسأله كيف يقال: ما أوقفك هاهنا ومن أوقفك؟ فكتب إليه: هما واحد. قال أبو زيد: ثم لقيني الخليل فقال لي في ذلك فقلت له: إنما يقال من وقفك وما أوقفك. قال: فرجع إلى قولي.
وأما أبو عبيدة فإنه كان أعلم الثلاثة بأيّام العرب وأخبارهم وأجمعهم لعلومهم، وكان أكمل القوم، قال عمر بن شيبة: كان أبو عبيدة يقول: ما التقى فرسان في جاهلية ولا إسلام إلّا عرفتهما وعرفت فارسيهما، وهو أوّل من ألّف في غريب الحديث ».
وقال السيوطي نقلاً عن أبي الطيّب: « أخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا إبراهيم ابن حمد قال قال أبو حاتم: إذا فسّرت حروف القرآن المختلف فيها وحكيت عن العرب شيئاً فإنّما أحكيه عن الثقات منهم، مثل أبي زيد والأصمعي وأبي عبيدة ويونس، وثقات من فصحاء الأعراب وحملة العلم »(١) .
(٥)
أبو الحسن الأخفش
وممن نصّ على مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ): أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي المعروف بالأخفش قال الفخر الرازي: « إنّ أبا عبيدة وإنْ قال في قوله تعالى: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً الأخفش والزّجاج وعلي بن عيسى واستشهدوا ببيت لبيد »(٢) .
____________________
(١). المزهر في اللغة ٢ / ٢٤٩.
(٢). نهاية العقول في الكلام ودراية الأصول - مخطوط.
١ - ابن خلكان: « أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء النحوي البلخي المعروف بالأخفش الأوسط. أحد نحاة البصرة من أئمة العربية، وأخذ النحو عن سيبويه وكان أكبر منه، وكان يقول: ما وضع سيبويه في كتابه شيئاً إلّا وعرضه عليّ وكان يرى أنه أعلم به منّي وأنا اليوم أعلم به منه
وكانت وفاته سنة خمس عشرة ومائتين، وقيل سنة إحدى وعشرين ومائتين رحمه الله تعالى »(١) .
٢ - اليافعي: « وفيها الأخفش الأوسط إمام العربية »(٢) .
٣ - السيوطي: « قال المبرد: أحفظ من أخذ عن سيبويه الأخفش ثم الناشي ثم قطرب. قال: وكان الأخفش أعلم الناس بالكلام وأحذقهم بالجدل »(٣) .
(٦)
أبو العباس ثعلب
وأما تفسير أبي العباس ثعلب أحمد بن يحيى الشيباني البغدادي ( المولى ) بـ ( الأولى ) فقد ذكره الحسين بن أحمد الزوزني في شرح المعلّقات السّبع حيث قال:
« فغدت كلا الفرجين تحسب أنه |
مولى المخافة خلفها وأمامها |
الفرج موضع المخافة، والفرج ما بين قوائم الدواب، فما بين اليدين فرج
____________________
(١). وفيات الأعيان ٢ / ١٢٢.
(٢). مرآة الجنان حوادث ٢١٥.
(٣). بغية الوعاة ١ / ٥٩٠.
وما بين الرجلين فرج، والجمع فروج.
وقال ثعلب: إن المولى في هذا البيت بمعنى الأولى بالشيء كقوله تعالى ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي هي الأولى بكم »(١) .
ولقد ترجم لأبي العباس ثعلب بكل ثناء وتبجيل في المصادر التالية:
١ - وفيات الأعيان ١ / ٨٤ - ٨٧.
٢ - تاريخ بغداد ٥ / ٢٠٤.
٣ - مرآة الجنان حوادث سنة ٢٩١.
٤ - العبر في خبر من غبر حوادث سنة ٢٩١.
٥ - تتمة المختصر في أخبار البشر حوادث سنة ٢٩١.
وقد أوردنا في الكتاب سابقاً ترجمته عن هذه الكتب.
وقال الذهبي بترجمته في ( تذكرة الحفاظ ): « ثعلب - العلّامة المحدّث شيخ اللّغة والعربية حدّث عنه: نفطويه ومحمد بن العباس اليزيدي وعلى الأخفش ومحمد بن الأعرابي وأحمد بن كامل وأبو عمرو الزاهد ومحمد بن مقسم وآخرون. مولده سنة ٢٠٠. وابتدأ بالطلب سنة ست عشرة حتى برع في علم الأدب، ولو سمع إذ ذاك لسمع من عفان ودونه.
وإنما أخرجته في هذا الكتاب لأنه قال: سمعت من القواريري مائة ألف حديث. وقال الخطيب. وقال الخطيب: كان ثعلب ثقة حجة ديّناً صالحاً مشهوراً بالحفظ قال المبرّد: أعلم الكوفيين ثعلب. فذكر له الفرّاء فقال: لا يعشره »(٢) .
____________________
(١). شرح المعلقات للزوزني: ٩١.
(٢). تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٦٦.
(٧)
أبو العباس المبرد
وأما حكم أبي العباس محمد بن يزيد المبرد بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد ذكره علم الهدى السيد المرتضى رضياللهعنه حيث قال: « قال أبو العباس بالمبرّد في كتابه المترجم عن صفات الله تعالى: أصل يا ولي أولى الذي هو أولى وأحق، ومثله المولى »(١) .
وللمبرّد ترجمة في كثير من كتب التاريخ والأدب مع المدح العظيم والثناء الجميل، وقد أشرنا سابقاً إلى ترجمته في عدة من المصادر، مثل:
١ - وفيات الأعيان ٤ / ٣١٤.
٢ - العبر في خبر من غبر حوادث: ٢٨٥.
٣ - تاريخ بغداد ٣ / ٣٨٠ - ٣٨٧.
٤ - مرآة الجنان حوادث: ٢٨٥.
٥ - بغية الوعاة ١ / ٢٦٩.
٦ - المنتظم في تاريخ الأمم ٧ / ٩ - ١١.
وقد نصّ جلال الدين السّيوطي على وثاقته حيث قال: « وكان فصيحاً بليغاً مفوهاً ثقةً أخباريا علّامة صاحب نوادر وظرافة »(٢) .
____________________
(١). الشافي في الامامة: ١٢٣.
(٢). بغية الوعاة ١ / ٢٦٩.
ترجمة الشريف المرتضى
وأما السيد المرتضى الذي نقل عن المبرد كلامه المذكور فمن كبار علمائنا الذي أطراهم علماء السنة وأثنوا عليهم الثناء البالغ، وذكروا فضائلهم وأوصافهم الحميدة في معاجم الرجال ومصادر التراجم وقد تقدم سابقاً في الكتاب طرف من كلماتهم في حقه. فراجع.
(٨)
أبو إسحاق الزجّاج
وأما حكم أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فهو صريح كلام الفخر الرازي في ( نهاية العقول ) وقد نقلناه آنفا.
١ - السمعاني: « والمشهور بهذه النسبة أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل النحوي الزجاج، صاحب كتاب معاني القرآن.
كان من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، حميد المذهب، وله مصنفات حسان في الأدب »(١) .
٢ - النووي: « أبو اسحاق الزجاج الامام في العربية، مذكور في الروضة في الشرط في الطلاق، فيمن علّق طلاقها بأوّل ولد، هو أبو إسحاق [ إبراهيم ] بن السرّي بن سهل البصري النحوي، صاحب كتاب معاني القرآن قال الخطيب في
____________________
(١). الأنساب - الزجاج.
تاريخ بغداد. كان أبو إسحاق الزجاج هذا من أهل الفضل والدين حسن الاعتقاد وحسن المذهب، له مصنّفات حسان في الأدب. روى عنه علي بن عبد الله بن المغيرة وغيره وتوفي الزجاج يوم الجمعة لإِحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ٣١١ »(١).
٣ - ابن خلكان: « كان من أهل العلم بالأدب والدّين »(٢) .
٤ - اليافعي: « كان من أهل العلم بالأدب والدّين المتين، وله من التصانيف في معاني القرآن وعلوم الأدب والعربية »(٣) .
(٩)
إبن الأنباري
وأما تصريح محمد بن القاسم الأنباري بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد نقله السيد المرتضى حيث قال: « وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه في القرآن المعروف بالمشكل: والموالي في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام، أوّلهنّ المولى المنعم المعتق، ثم المنعم عليه المعتق، والمولى الولي والمولى الأولى بالشيء، وذكر شاهداً عليه الآية التي قدّمنا ذكرها، وبيت لبيد، والمولى الجار، والمولى ابن العم، والمولى الصهر، والمولى الحليف، واستشهد على كلّ واحد من أقسام مولى بشيء من الشعر، لم نذكره لأن غرضنا سواه »(٤) .
____________________
(١). تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٧٠.
(٢). وفيات الأعيان ١ / ٣١ - ٣٣.
(٣). مرآة الجنان، حوادث ٣١٠.
(٤). الشافي في الامامة: ١٣٤.
١ - السمعاني: « أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن ابن بيان بن سماعة بن فروة بن قطن بن دعامة الأنباري النحوي، صاحب التصانيف، كان من أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظاً روى عنه: أبو الحسن الدار قطني، وأبو عمر ابن حيويه الخزاز، وأبو الحسين بن البواب وطبقتهم.
وكان صدوقاً فاضلاً ديّناً برّاً خيراً من أهل السنّة، وصنّف كتباً كثيرة في علم القرآن وغريب الحديث والمشكل والوقف والابتداء والرد على من خالف مصحف العامة، وكان يملي وأبوه حي، يملي هو في ناحية من المسجد وأبوه في ناحية أخرى، وكان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن، وكان يملي من حفظه، وما كتب عنه الإِملاء قط إلّا من حفظه. وكانت ولادته في رجب سنة ٢٧١. وتوفي ليلة النحر من ذي الحجة سنة ٣٢٨ »(١) .
٢ - ابن الأثير: « ثم صنّف الناس غير من ذكرنا في هذا الفن تصانيف كثيرة منهم: شمس بن حمدويه، وأبو العباس أحمد بن يحيى اللغوي المعروف بثعلب، وأبو العباس محمد بن يزيد الثمالي المعروف بالمبرد، وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، وأحمد بن الحسن الكندي، وأبو عمرو محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب وغيرهم.
هؤلاء من أئمة اللغة والنحو والفقه والحديث »(٢) .
٣ - ابن خلكان: « كان علّامة وقته في الأدب، وأكثر الناس حفظاً لها، وكان صدوقاً ثقة ديّناً خيّراً من أهل السنّة »(٣) .
____________________
(١). الأنساب - الأنباري.
(٢). النهاية في غريب الحديث - خطبة الكتاب.
(٣). وفيات الأعيان ٣ / ٣٦٣.
٤ - الذهبي: « ابن الأنباري الحافظ شيخ الإسلام كان من أفراد الدهر في سعة الحفظ مع الصّدق والدين. قال الخطيب: كان صدوقاً ديّناً من أهل السنّة »(١) .
٥ - الصفدي: « محمد بن القاسم بن محمد بن بشار أبو بكر ابن الأنباري النحوي اللغوي العلّامة كان إماماً في نحو الكوفيين، وأملى كتاب غريب الحديث في خمسة وأربعين ورقة ...»(٢) .
٦ - ابن الجزري: « الإِمام الكبير والأُستاذ الشهير قال أبو علي القالي: كان ابن الأنباري يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهداً في القرآن، وكان ثقة صدوقاً، وكان أحفظ من تقدّم من الكوفيين.
وقال حمزة بن محمد بن ماهر: كان زاهداً متواضعاً.
وقال الداني فيه: إمام في صناعته مع براعة فهـ وسعة علمه وصدق لهجته. وقال أبو علي التنوخي: كان ابن الأنباري يملي من حفظه، ما أملى قط من دفتر قال محمد بن جعفر التميمي: ما رأينا أحفظ من ابن الأنباري ولا أغزر من علمه، حدّثوني عنه أنه قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقاً. قال التميمي:
وهذا ما لا يحفظ لأحد قبله. وحدّثت عنه أنّه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً بأسانيدها ...»(٣) .
٧ - السيوطي: « قال الزبيدي: كان من أعظم الناس علماً بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظاً، سمع من ثعلب وخلق، وكان صدوقاً فاضلاً ديّناً خيّراً من أهل السنّة »(٤) .
____________________
(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٤٢.
(٢). الوافي بالوفيات ٤ / ٣٤٤.
(٣). طبقات القراء ٢ / ٢٣٠.
(٤). بغية الوعاة ١ / ٢١٢.
(١٠)
محمد بن عزيز السجستاني
وأما تصريح محمد بن عزيز السجستاني العزيزي بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد جاء في تفسيره لغريب القرآن المسمى ( نزهة القلوب ) حيث قال: « مولانا. أي: ولينا. والمولى على ثمانية أوجه: المعتق والمعتق والولي والأولى بالشيء وابن العم والصهر والجار والحليف ».
نزهة القلوب
وهذا التفسير أوله: « الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله وسلّم تسليما، هذا تفسير غريب القرآن ألف على حروف المعجم ليقرب تناوله ويسهل حفظه على من أراده. وبالله التوفيق والعون ».
ذكره القاضي الشوكاني بقوله: « تفسير السجستاني المسمى نزهة القلوب أرويه بالإسناد السابق إلى الشماخي أيضا عن أحمد بن عباس السامري عن محمد ابن علي المؤذن عن عبد الله بن محمد بن دحمان عن محمد بن أحمد المعروف بابن الخطاب عن أبي الحسن عبد الباقي بن فارس المقري عن عبد الله بن الحسين بن حسنون المقري عن المؤلف »(١) .
١ - السيوطي: « محمد بن عزيز أبو بكر العزيزي السجستاني بزائين
____________________
(١). إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر: ٢٥.
معجمتين كما ذكره الدارقطني وابن ماكولا وغيرهما. وقيل: الثانية مهملة نسبة لبني عزرة، وردّ بأن القياس فيه العزري لا العزيري.
كان أديباً فاضلاً متواضعاً، أخذ عن أبي بكر الأنباري، وصنّف غريب القرآن المشهور فجوّده، ويقال: إنه صنّفه في خمس عشرة سنة، وكان يقرؤه على شيخه الأنباري يصلح فيه مواضع. رواه عنه ابن سحنون وغيره. مات سنة ٣٠٣.
وقال ابن النجّار في ترجمته: كان عبداً صالحاً، روى عنه غريب القرآن أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان المعروف بابن بطّة العكبري وأبو عمرو عثمان بن أحمد بن سمعان الوزّان، وأبو أحمد عبد الله بن حسنون المقري وغيرهم.
قال: والصحيح في اسم أبيه عزير آخره راء. هكذا رأيته بخط ابن ناصر الحافظ، وذكر أنه شاهده بخط يده وبخط غير واحد من الذين كتبوا كتابه عنه وكانوا متقنين. وذكر لي شيخنا أبو محمد الأخضر أنه رأى نسخة بغريب القرآن بخط مصنفه وفي آخرها: كتبه محمد بن عزير بالراء المهملة »(١) .
٢ - السيوطي: أيضاً: « النوع السادس والثلاثون في معرفة غريبه، أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون منهم: أبو عبيدة وأبو عمرو الزاهد وابن دريد. ومن أشهرها: كتاب العزيزي فقد أقام في تأليفه خمس عشرة سنة يحرّره هو وشيخه أبو بكر ابن الأنباري »(٢) .
٣ - السمعاني: « وكتاب غريب القرآن للعزيري، وهو: محمد بن عزير السجستاني المعروف بالعزيري لأنه من بني عزرة. هكذا ذكره القاضي أبو الفرج محمد بن عبيد الله بن أبي البقاء القاضي، وروى الكتاب عن أبي موسى الأندلسي
____________________
(١). بغية الوعاة ١ / ١٧١.
(٢). الإِتقان في علوم القرآن ١ / ١١٥.
عن أبي الفتح بن أبي الفارس الحافظ عن أبي عمرو عثمان بن أحمد ابن سمعان الرزاز عن محمد بن عزير العزيري. ومن قال بالزائين فقد أخطأ »(١) .
(١١)
علي بن عيسى الرمّاني
وأما تفسير علي بن عيسى الرماني ( المولى ) بـ ( الأولى ) فقد علمته من كلام الفخر الرازي المتقدّم سابقاً.
١ - السمعاني: « أبو الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد الله الرماني، النحوي المتكلّم صاحب التصانيف، يروي عن أبي بكر بن دريد وأبي بكر السراج وغيرهما، روى عنه أبو القاسم التنوخي وأبو محمد الجوهري، وكان من أهل المعرفة، متقناً في علوم كثيرة، من الفقه والقرآن والنحو واللغة والكلام على مذهب المعتزلة، وكانت ولادته في سنة ٢٩٦. ووفاته في جمادى الأولى سنة ٣٨٤ »(٢) .
٢ - ابن خلكان: « النحوي المتكلّم، أحد الأئمة المشاهير، جمع بين علم الكلام والعربية، وله تفسير القرآن الكريم »(٣) .
٣ - الذهبي: « والرّماني شيخ العربية، أبو الحسن علي بن عيسى النحوي ببغداد، وله ثمان وثمانون سنة، له قريب من مائة مصنّف، أخذ عن ابن دريد وأبي بكر ابن السراج، وكان متقناً في علوم كثيرة، من القرآن والفقه والنحو والكلام
____________________
(١). الأنساب ٤ / ١٨٨.
(٢). الأنساب - الرماني.
(٣). وفيات الأعيان ٢ / ٤٦١.
على مذهب المعتزلة والتفسير واللغة »(١) .
٤ - السيوطي: « كان إماماً في العربية، علّامة في الأدب قال أبو حيّان التوحيدي: لم ير مثله قط علماً بالنحو، وغزارة بالكلام، وبصراً بالمقالات واستخراجاً للعويص، وإيضاحاً للمشكل، مع تألّه وتنزّه ودين وفصاحة وعفافة ونظافة »(٢) .
(١٢)
أبو نصر الجوهري
وأما تفسير أبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري ( المولى ) بـ ( الأولى ) فقد جاء في كتابه ( صحاح اللغة ) [ الذي نص في خطبته على أنه قد أودع في هذا الكتاب ما صحّ عنده من اللغة العربية ] حيث قال:
« وأما قول لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه |
مولى المخالفة خلفها وأمامها |
يريد: أنه أولى موضع أن يكون فيه الخوف »(٣) .
١ - أبو منصور الثعالبي: « كان الجوهري من أعاجيب الزمان، وهو إمام في اللغة، وله كتاب الصحاح »(٤) .
____________________
(١). العبر - حوادث ٣٨٤.
(٢). بغية الوعاة ٢ / ١٨٠.
(٣). صحاح اللغة وتاج العربية: ولي.
(٤). يتيمة الدهر ٤ / ٤٠٦.
٢ - الذهبي: « والجوهري صاحب الصحاح، أبو نصر إسماعيل بن حماد التركي اللّغوي، أحد أئمة اللسان، وكان في جودة الخط في طبقة ابن مقلة ومهلهل، أكثر التّرحال، ثم سكن بنيسابور »(١) .
٣ - السيوطي: « إسماعيل بن حمّاد الجوهري صاحب الصحاح، الامام أبو نصر الفارابي، قال ياقوت: كان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلماً، وأصله من فاراب من بلاد الترك، وكان إماماً في الأدب، واللغة، وخطه يضرب به المثل لا يكاد يفرّق بينه وبين خط ابن مقلة، وهو مع ذلك من فرسان الكلام والأصول وصنّف كتاباً في العروض ومقدّمة في النحو، والصحاح في اللغة وهو الكتاب الذي بأيدي الناس اليوم وعليه اعتمادهم، أحسن تصنيفه وجوّد تأليفه »(٢) .
٤ - السيوطي أيضاً بعد أن ذكر كتاب المحكم والمحيط الأعظم لابن سيدة، وكتاب العباب للصغاني، وكتاب القاموس: « ولم يصل واحد من هذه الثلاثة في كثرة التداول إلى ما وصل إليه الصّحاح، ولا نقصت رتبة الصحاح ولا شهرته بوجود هذه، وذلك لالتزامه ما صح، فهو في كتب اللغة نظير صحيح البخاري في كتب الحديث، وليس المدار في الاعتماد على كثرة الجمع بل على شرط الصحة »(٣) .
(١٣)
أبو إسحاق الثعلبي
وأما تفسير أبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ( المولى )
____________________
(١). العبر حوادث سنة ٣٩٨.
(٢). بغية الوعاة ١ / ٤٤٦.
(٣). المزهر في اللغة ١ / ٦٢.
بـ ( الأولى ) فهو في تفسيره حيث قال: ( أَنْتَ مَوْلانا ) أي: ناصرنا وحافظنا ووليّنا وأولى بنا »(١) .
وقال: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي: صاحبتكم وأولى بكم وأحق بأنْ تكون مسكناً لكم. قال لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه |
مولى المخافة خلفها وأمامها »(٢) |
(١٤)
أبو الحسن الواحدي
وأما تفسير أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي ( المولى ) بـ ( الأولى ) فهو في تفسيره حيث قال: « ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب. والمعنى: أنها هي التي تلي عليكم، لأنها قد ملكت أمركم، فهي أولى بكم من كلّ شيء »(٣) .
(١٥)
الأعلم الشنتمري
وأما تفسير أبي الحجاج يوسف بن سليمان الأعلم الشنتمري ( المولى )
____________________
(١). الكشف والبيان في تفسير القرآن - مخطوط.
(٢). الكشف والبيان - مخطوط.
(٣). التفسير الوسيط - مخطوط.
بـ ( الأولى ) فقد قال في شرح أبيات كتاب سيبويه ( الذي أملاه سنة ٤٥٦ على المعتضد بالله أبي عمرو عباد بن محمد بن عباد ) بشرح بيت لبيد ما نصه « الشاهد فيه رفع خلفها وأمامها اتساعاً ومجازاً، والمستعمل فيهما الظرف ورفعهما على البدل من كلا. والتقدير: فغدت خلفها وأمامها تحسبهما مولى المخافة. وكلا في موضع رفع بالابتداء وتحسب مع ما بعدها في موضع الخبر، والهاء من أنه عائدة على كلا، لأنه اسم واحد في معنى التثنية، فحمل ضميره على لفظه.
ومولى المخافة خبر، لأن معناه موضع المخافة ومستقرّها من قول الله عز وجل ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) اي: هي مستقرّكم الأولى بكم.
وصف بقرة فقدت ولدها أو أحست بصائد، فهي خائفة حذرة، تحسب كلا طريقها من خلفها وأمامها مكمناً له يغترّها منه، والفرج هاهنا موضع المخافة وهو مثل الثغر، وثناه لأنه أراد ما تخاف منه خلفها وأمامها »(١) .
ترجمة الأعلم الشنتمري
١ - ابن خلكان: « كان عالماً بالعربية واللغة ومعاني الأشعار، حافظاً لجميعها، كثير العناية بها، حسن الضّبط لها، مشهوراً بمعرفتها وإتقانها، أخذ الناس عنه كثيراً، وكانت الرحلة في وقته إليه وتوفي سنة ٤٧٦ »(٢) .
٢ - السيوطي كذلك(٣) .
____________________
(١). تحصيل عين الذهب من معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب.
(٢). وفيات الأعيان ٦ / ٧٩.
(٣). بغية الوعاة ٢ / ٣٥٦ وترجم له في مرآة الجنان فيمن مات سنة ٤٩٦ وهو سهو.
(١٦)
القاضي الزوزني
وأما تفسير حسين بن أحمد الزوزني ( المولى ) بـ ( الأولى ) فهو في شرح المعلّقات، بشرح بيت لبيد المذكور حيث قال: « وقال ثعلب: إن المولى في هذا البيت بمعنى الأولى بالشيء، كقوله ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) اي: هي الأولى بكم يقول: فغدت البقرة وهي تحسب أن كلا فرجيها مولى المخافة، أي موضعها وصاحبها أو تحسب أن كل فرج من فرجيها هو الأولى بالمخافة »(١) .
ترجمة الزوزني
قال السيوطي: « الحسين بن أحمد الزوزني القاضي أبو عبد الله قال عبد الغافر: إمام عصره في النحو واللغة والعربية. مات سنة ٤٨٦ »(٢) .
(١٧)
أبو زكريا الخطيب
وأما تصريح يحيى بن علي أبو زكريا ابن الخطيب التبريزي بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد جاء بشرح الحماسي:
____________________
(١). شرح المعلّقات ٩١.
(٢). بغية الوعاة ١ / ٥٣١.
( الهفى بقري سحبل حين أجلت |
علينا الولايا والعدو المباسل ) |
حيث قال: « والمولى على وجوه، هو: العبد والسيد وابن العم والصهر والجار والحليف والولي والأولى بالشيء »(١) .
ترجمة أبي زكريا التبريزي
١ - السمعاني: « أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد بن الحسن بن بسطام الشيباني التبريزي قاطن بغداد، أحد أئمة اللغة وكانت له معرفة تامة بالأدب والنحو، قرأ على أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرّي وغيره من الشاميين وحدث عنه الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب وغيره ومات في جمادى الآخرة سنة ٥٠٢ ببغداد ودفن بتبريز »(٢) .
٢ - الذهبي: « أبو زكريا التبريزي الخطيب صاحب اللغة، يحيى بن علي ابن محمد الشيباني صاحب التصانيف، أخذ اللغة عن أبي العلاء المعرّي، وسمع من سليم بن أيوب بصور، وكان شيخ بغداد في الأدب. توفي في جمادى الآخرة عن احدى وثمانين سنة »(٣) .
٣ - اليافعي كذلك(٤) .
٤ - الذهبي: « وفيها مات إمام اللغة ببغداد أبو زكريا »(٥) .
____________________
(١). شرح ديوان الحماسة.
(٢). الأنساب ١ / ٤٤٦.
(٣). العبر - حوادث ٥٠٢.
(٤). مرآة الجنان - حوادث ٥٠٢.
(٥). دول الاسلام - حوادث ٥٠٢.
(١٨)
الفرّاء البغوي
وأمّا تفسير حسين بن مسعود الفرّاء البغوي ( المولى ) بـ ( الأولى ) فهو بتفسير الآية المباركة: ( مَأْواكُمُ النَّارُ ) قال: « مأواكم النار هي مولاكم. صاحبتكم وأولى بكم لما أسلفتم من الذنوب »(١) .
ترجمة البغوي
وهذا موجز كلام ابن خلكان بترجمة البغوي:
« أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفرّاء البغوي، الفقيه الشافعي المحدّث المفسّر، كان بحراً في العلوم، وأخذ الفقه عن القاضي حسين ابن محمد كما تقدّم في ترجمته، وصنّف في تفسير كلام الله تعالى، وأوضح المشكلات من قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وروى الحديث ودرّس، وكان لا يلقي الدرس إلّا على الطهارة، وصنّف كتباً كثيرة توفي في شوال سنة ٥١٠ »(٢) .
____________________
(١). معالم التنزيل ٨ / ٢٩.
(٢). وفيات الأعيان ١ / ٤٠٢.
(١٩)
جار الله الزمخشري
وأمّا تصريح أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد جاء في ( أساس البلاغة ): « ومولاي: سيدي، وعبدي، ومولى بين الولاية ناصر، وهو أولى به »(١) .
وفي ( الكشاف ): ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) قيل: هي أولى بكم، وأنشد بيت لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب انه |
مولى المخافة خلفها وأمامها |
وحقيقة مولاكم محراكم ومقمنكم، أي: مكانكم الذي يقال فيه: هو أولى بكم. كما قيل: هو مئنة للكرم، أي مكان لقول القائل إنّه لكريم، ويجوز أن يراد: هي ناصركم، أي: لا ناصر لكم غيرها، والمراد نفي الناصر على البتات، ونحوه قوله: قد أصيب فلان بكذا فاستنصر الجزع. ومنه قوله تعالى: ( يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ ) وقيل: تتولاكم كما تولّيتم في الدنيا أعمال أهل النار »(٢) .
وستأتي ترجمة الزمخشري بالتفصيل، كما تقدمت ترجمته عن ( الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية )، وهذا بعض الثناء عليه:
١ - الكفوي: « الشيخ الامام الفهّامة جار الله العلّامة أبو القاسم محمود ابن عمر بن مجد الدين الزمخشري. إمام عصره بلا مدافعة، كان نحوياً ذكياً خبيراً
____________________
(١). أساس البلاغة: ولي ٦٨٩.
(٢). الكشاف ٤ / ٤٧٦.
بالمعاني والبيان، فقيهاً مناظراً، متكلّماً نظّاراً، أديباً، شاعرا، محدّثاً، مفسراً. أستاذ زمانه في الأدب ومجتهد أوانه في المذهب، له في العلوم آثار ما ليس لغيره من أهل عصره، وكان من الفصاحة والبلاغة بالمحلّ الأعلى الذي تشهد به تصنيفاته، سيّما الكشاف في التفسير »(١) .
٢ - ابن الأثير: « أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، الحنفي مذهباً، صاحب التصانيف العجيبة، والتأليفات الغريبة، مثل: الفائق في غريب الحديث، والكشاف في تفسير القرآن، والأمثال، والمفصّل في النحو. وله اليد الباسطة واللسان الفصيح في علوم الأدب، لغتها ونحوها وشعرها ورسائلها، وعلم البيان، انتهت هذه الفضائل وبه ختمت. وأقام بمكّة دهرا حتى صار يعرف بجار الله »(٢) .
٣ - اليافعي: « وفيها العلّامة النحوي اللغوي المفسّر المعتزلي كان متقناً في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان، إمام عصره في فنونه، وله التصانيف البديعة الكثيرة الممدوحة الشهيرة »(٣) .
(٢٠)
أبو الفرج ابن الجوزي
وأمّا ذكر أبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي تفسير ( المولى ) بـ ( الأولى )، فقد جاء بتفسير الآية المباركة حيث قال: « قوله ( مَوْلاكُمْ ) قال أبو عبيدة: أي أولى بكم»(٤) .
____________________
(١). كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار - مخطوط.
(٢). جامع الأصول لابن الأثير الجزري - مخطوط.
(٣). مرآة الجنان - حوادث سنة ٥٣٨.
(٤). زاد المسير في التفسير ٨ / ١٦٧.
١ - ابن خلكان: « أبو الفرج عبد الرحمن، الفقيه الحنبلي الواعظ الملقّب جمال الدين الحافظ. كان علّامة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ، صنّف في فنون عديدة، منها: زاد المسير في علم التفسير.
وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر شهر رمضان سنة ٥٩٧ ببغداد، ودفن بباب حرب »(١) .
٢ - الذهبي: « وأبو الفرج ابن الجوزي عبد الرحمن بن علي محمد بن علي الحافظ الكبير، جمال الدين التيمي البكري، البغدادي، الحنبلي، الواعظ، المتقن، صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة في أنواع العلم، من التفسير والحديث والفقه والزهد »(٢) .
٣ - السيوطي: « ابن الجوزي الامام العلّامة الحافظ، عالم العراق وواعظ الآفاق ما علمت أحداً من العلماء صنّف ما صنّف »(٣) .
(٢١)
أبو نصر الدرواجكي الزاهد
وأمّا تفسير أحمد بن الحسن بن أحمد بن الزاهد الدرواجكي ( المولى ) بـ ( الأولى ) فهو في تفسيره المشهور بـ ( تفسير الزّاهدي ) حيث قال: « قوله تعالى ( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ ) الآية. أي: الله أولى أن يطاع »(٤) .
____________________
(١). وفيات الأعيان ٢ / ٣٢١.
(٢). العبر - حوادث ٥٩٧.
(٣). طبقات الحفاظ: ٤٧٧.
(٤). تفسير الزاهدي لأبي نصر الدرواجكي - مخطوط.
ترجمة الدرواجكي
وهذا التفسير قد جاء في أوّله: « الحمد لله الذي أنزل الفرقان نوراً مضيئاً وجعل اتّباعه ديناً رضيّاً، ووعد المؤتمرين والعباد المعتدّين لتكليف المحجوجين، والصلاة على رسوله محمد وآله أجمعين. قال الشيخ الامام الأجل العالم الزاهد المجاهد سيف الملة والدين، مقتدى الإسلام والمسلمين ناصر السنّة قامع البدعة فخر الأئمة جمال الإسلام تاج المفسّرين أبو نصر أحمد بن الحسن بن أحمد الدرواجكي في تفسير كلام الله إملاء ببخارا، في اليوم التاسع من شوال سنة تسع وخمسمائة، سقاه الله صوب غفرانه وكساه ثوب رضوانه، وإنه تعالى على ما يشاء قدير ».
وذكر الدرواجكي عبد القادر القرشي بقوله: « أحمد بن الحسن بن أحمد أبو نصر الدرواجكي الزاهد، عرف بفخر الاسلام، أستاد العقيلي. ولم يذكر السمعاني هذه النسبة »(١) .
١ - القرشي: « عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن أحمد شرف الدين أبو حفص العقيلي الأنصاري جد شمس الدين أحمد بن محمد - وقد تقدم -. قال الذهبي: العلّامة شرف الدين كان من كبار حنفية بخارا وعلمائها. قدم بغداد حاجّاً في سنة ٥٨٨، وحجّ ثم رجع وحدّث. روى عن الصدر الأجل الشهيد حسام الدين أبي المفاخر برهان الأئمة عمر بن الصدر الماضي عبد العزيز بن عمر ابن مازة. وقد تقدم توفي ببخارا وقت صلاة الفجر من يوم الثلاثاء الخامس من جمادى الأولى سنة ٥٩٦ »(٢) .
____________________
(١). الجواهر المضية في طبقات الحنفية ١ / ٦٣.
(٢). الجواهر المضية في طبقات الحنفية ١ / ٣٩٧.
٢ - الكفوي: « الشيخ الامام شرف الدين من كبار الأئمة الحنفية وأعيان فقهاء الملة الحنفية، وله اليد الباسطة في المذهب والخلاف، وكان على أحسن طريقة سلكها الأشراف، وله تصانيف حسنة منها المنهاج ذكره ابن النجار في تاريخه »(١) .
هذا، وقد اعتمد على ( تفسير الزّاهدي ) الامام العلائي في كتابه ( ترغيب الصّلاة ) ففي ( كشف الظنون ): « تفسير الزاهدي ذكره صاحب ترغيب الصّلاة »(٢) .
ترجمة الزاهد العلائي
وقال في ( كشف الظنون ): « ترغيب الصّلاة - فارسي لمحمد بن أحمد الزاهد. جمعه من نحو مائة كتاب، ورتّبه على ثلاثة أقسام، الأول: في فرضية الصلاة. والثاني: في الطهارة. والثالث: في نواقض الوضوء »(٣) .
وترجم له:
١ - السمعاني: « ومن المتأخرين الامام الزاهد محمد بن عبد الرحمن العلائي، واعظ من أهل بخارا ومفسّرهم، وكان فصيحاً حسن الأداء، مقبولاً عند الخاص والعام. حدّث وسمع منه، وما أدركته حيّاً ببخارا »(٤) .
٢ - القرشي: « محمد بن عبد الرحمن بن أحمد أبو عبد الله البخاري الملقب بالزاهد العلاء، قال السمعاني: كان فقيهاً فاضلاً متقناً [ مفتياً ] مذاكراً أصوليّاً متكلّماً، قيل: إنّه صنّف في التفسير كتاباً أكثر من ألف جزء، وأملى في آخر عمره،
____________________
(١). كتائب أعلام الأخيار - مخطوط.
(٢). كشف الظنون ١ / ٤٤٨.
(٣). كشف الظنون ١ / ٣٩٩.
(٤). الأنساب - البخاري.
كتب إليّ بالاجازة ولم ألحقه ببخارا، لأنه توفي ليلة الثاني عشر من جمادى الآخرة سنة ٥٤٦.
ومحمد بن عبد الرحمن هذا من مشايخ صاحب الهداية وقد ذكره في مشيخته وقال: أجاز لي رواية جميع ما صحّ من مسموعاته »(١) .
٣ - الكفوي: « الامام الزاهد علاء الدين محمد بن عبد الرحمن البخاري المفسر المعروف بعلاء الزاهد، له تفسير كبير مشتمل على مجلدات ضخام »(٢) .
(٢٢)
نظام الدين النيسابوري
وأمّا ذكر نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد قال: ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) قيل: المراد أنّها تتولى أموركم كما تولّيتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل: أراد هي أولى بكم، قال جار الله: حقيقته هي محراكم ومقمنكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة للكرم، أي: مكان لقول القائل إنه لكريم »(٣) .
وقال: ( وَاللهُ مَوْلاكُمْ ) متولّي أموركم. وقيل: أولى بكم من أنفسكم، ونصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم »(٤) .
____________________
(١). الجواهر المضية ٢ / ٧٦.
(٢). كتائب أعلام الأخيار - مخطوط.
(٣). تفسير النيسابوري هامش الطبري ٢٧ / ١٣١.
(٤). المصدر نفسه ٢٨ / ١٠١.
(٢٣)
ابن طلحة القرشي
وأمّا ذكر أبي سالم محمد بن طلحة القرشي النصيبي مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فهو حيث قال: « واشتمل - أي حديث الغدير - على لفظة المولى، وهي لفظة مستعملة بإزاء معان متعددة قد ورد القرآن الكريم بها، فتارة تكون بمعنى أولى. قال الله تعالى في حق المنافقين ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم »(١) .
وسنذكر ترجمة ابن طلحة فيما سيأتي إنْ شاء الله تعالى.
(٢٤)
سبط ابن الجوزي
وأمّا ذكر شمس الدين أبي المظفّر يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فهو حيث قال في ذكر معاني ( المولى ):
« العاشر بمعنى الأولى. قال الله تعالى: ( فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي: أولى بكم »(٢) .
وسنترجم لسبط ابن الجوزي فيما سيأتي بالتفصيل.
____________________
(١). مطالب السئول في مناقب آل الرسول ١ / ٤٥.
(٢). تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة: ٣٢.
(٢٥)
القاضي البيضاوي
وأمّا تفسير القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي ( المولى ) بـ ( الأولى ) فقد جاء في ( تفسيره ) حيث قال: ( مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم كقول لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه |
مولى المخافة خلفها وأمامها |
وحقيقته: محراكم، أي مكانكم الذي يقال فيه أولى بكم »(١) .
وسيأتي تفصيل ترجمة البيضاوي إن شاء الله. ونقتصر هنا بخلاصة ما ترجمه به اليافعي حيث قال: « وفيها: الإِمام أعلم العلماء الأعلام، ذو التصانيف المفيدة المحققة، والمباحث الحميدة المدققة، قاضي القضاة ناصر الدين »(٢) .
وقال السيالكوتي: « إنّ التفسير العتيق والبحر العميق المسمى بأنوار التنزيل للإمام الهمام قدوة علماء الاسلام، سلطان المحققين وبرهان المدققين، القاضي ناصر الدين عبد الله البيضاوي، قد استهتر العلماء بحلّ مشكلاته، وأسهر الأذكياء أحداقهم بفتح مغلقاته، إلّا أنّه لوجازة العبارات واحتوائه على الاشارات جلّ عن أنْ يكون شريعة لكلّ وارد، وأنْ يطّلع عليه إلّا واحد بعد واحد »(٣) .
____________________
(١). تفسير البيضاوي - أنوار التنزيل: ٧١٦.
(٢). مرآة الجنان حوادث ٦٩٢.
(٣). حاشية السيالكوتي على تفسير البيضاوي - خطبة الكتاب.
(٢٦)
ابن سمين الحلبي
وأمّا تصريح أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي المعروف بابن سمين بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد جاء في ( الدر المصون ) حيث قال: « قوله ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) يجوز أن يكون مصدراً، أي ولايتكم أي ذات ولايتكم، وأن يكون مكاناً، أي مكان ولايتكم، وأن يكون أولى بكم كقولك: هو مولاه »(١) .
ترجمة ابن سمين
١ - العسقلاني: « أحمد بن يوسف بن عبد الدائم بن محمد الحلبي، شهاب الدين، المقري النحوي نزيل القاهرة، تعانى النحو فمهر فيه، ولازم أبا حيان إلى أنْ فاق أقرانه، وأخذ القراءات عن التقي الصائغ ومهر فيها، وسمع الحديث من يونس الدبوسي وغيره، وولّى تصدير القراءات بجامع ابن طولون، وأعاد بالشافعي، وناب في الحكم، ووليّ نظر الأوقاف، وله تفسير القرآن في عشرين مجلدة رأيته بخطه، والإِعراب سماه الدرّ المصون في ثلاثة أسفار بخطه، صنّفه في حياة شيخه وناقشه فيه ناقشات كثيرة غالبها جيدة، وجمع كتاباً في أحكام القرآن، وشرح التسهيل، والشاطبية.
قال الأسنوي في الطبقات: كان فقيهاً بارعاً في النحو والقراآت، ويتكلم في الأصول، خيّراً أديباً، مات في جمادى الآخرة، وقيل في شعبان سنة ٧٥٦ »(٢) .
____________________
(١). الدر المصون في علم الكتاب المكنون - مخطوط.
(٢). الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ١ / ٣٦٠.
٢ - أبو بكر تقي الدين ابن قاضي شهبة كذلك(١) .
٣ - السيوطي: « السمين، صاحب الإِعراب المشهور » ثم أورد كلام ابن حجر العسقلاني المذكور(٢) .
٤ - وقد ذكرتاج الدين الدّهان سند رواية تفسير ابن السمين واصفاً إياه بالإِمام(٣) .
(٢٧)
محمد بن أبي بكر الرازي
وأمّا تصريح محمد بن أبي بكر الرازي بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) وتفسيره الكلمة بهذا المعنى فهو حيث قال: « والمولى الذي هو أولى بالشيء، ومنه قوله تعالى: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي هي أولى بكم. والمولى في اللغة على ثمانية أوجه: المعتق وابن العم والناصر والجار والحليف ويقال العقيد والصهر والأولى بالشيء »(٤) .
كتاب غريب القرآن.
وكتاب ( غريب القرآن ) لمحمد بن أبي بكر الرازي أوله: « الحمد لله بجميع محامده على جميع نعمه، وصلاته على نبيه المبعوث بجوامع أحكامه ولوامع حكمه، وعلى آله وصحبه المهتدين بأخلاقه وشيمه. قال الامام الأجل الأفضل
____________________
(١). طبقات الشافعية ٣ / ١٨.
(٢). حسن المحاضرة ١ / ٥٣٦.
(٣). كفاية المتطلع - مخطوط.
(٤). غريب القرآن: ولي.
العلّامة ملك المفسرين شيخ العرب والعجم محمد بن أبي بكر الرازي رحمهالله وعفا عنه: سألني بعض إخواني من طلبة العلم وحملة القرآن العظيم أنْ أجمع لهم تفسير غرائب القرآن جمعا يشتمل على حسن الترتيب وسهولته، وعلى استيعاب كلّ الألفاظ العربية التي في الكتاب العزيز، ويعرى عن تكرار تفسير الألفاظ وإعادتها، فأجبتهم إلى ذلك، وجمعت هذا المختصر متميزا عن كلّ ما صنف في هذا الفن بهذه الفوائد الثلاث.
وجميع ما أودعته فيه إنما نقلته عن الأئمة المجمع على درايتهم، وصحة روايتهم، كالزجاج، والفراء، والأزهري، والزمخشري، والعزيزي، والهروي، ومن شابههم. وضممت في بعض المواضع إلى تفسير اللغة شيئاً من فوائد الإِعراب والمعاني، لئلا يكون حافظه جامداً على مجرّد الألفاظ ».
وذكره في ( كشف الظنون ) في ذكر المصنّفين في غريب القرآن(١) .
(٢٨)
جلال الدين الخجندي
وصرّح جلال الدين أحمد الخجندي بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) على ما نقل عنه شهاب الدين أحمد حيث قال: « قال الشيخ الامام جلال الدين أحمد الخجندي قدسسره : المولى يطلق على معان: منها الناصر ومنها الجار بمعنى المجير لا المجار ومنها السيد المطاع، ومنها الأولى: ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم »(٢) .
وستأتي ترجمة الخجندي إنْ شاء الله تعالى.
____________________
(١). كشف الظنون ٢ / ١٢٠٨.
(٢). توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.
(٢٩)
أبو البركات النسفي
أما تفسير حافظ الدين عبد الله بن أحمد النسفي ( المولى ) بـ ( الأولى )، فقد جاء في تفسيره للآية المباركة: ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم. حقيقة مولاكم محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه أولى بكم »(١) .
١ - القرشي: « عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين أبو البركات النسفي أحد الزّهاد المتأخرين، صاحب التصانيف المفيدة في الفقه والأصول توفي ليلة الجمعة في شهر ربيع الأول سنة ٧٠١ »(٢) .
٢ - الكفوي: « علم الهدى علّامه الورى، مفتى الدهر قدوة ما وراء النهر، أبو البركات حافظ الملة والدين، ناصر الإسلام والمسلمين، ناصح الملوك والسلاطين
كان إماماً كاملاً عديم النظر في زمانه، ورأساً فقيد المثيل في الأصول والفروع في أوانه، بارعاً في الحديث ومعانيه، ماهراً في فنون الأدب ومبانيه، وله مقامات سنيّة في العلوم العقلية ومقالات بهية في الفنون النقلية، وله التوسع في الكلام والفصاحة في الجدل والخصام، كثير العلم مرتفع المكان، بدائعه تجلّ عن بيان لسان العصر فياض البنان، فريد ما له في الفضل مبار، له في العلوم آثار ما
____________________
(١). تفسير النسفي: مدارك التنزيل ٤ / ٢٢٦.
(٢). الجواهر المضية في طبقات الحنفية ١ / ٢٧٠.
ليس لغيره من أهل عصره، أخذ العلوم من أفواه الرجال حتى صار مضرب الأمثال وله تصانيف معتبرة مشهورة مفيدة »(١).
تفسيره
وقد ذكر تفسيره في ( كشف الظنون ) بقوله: « مدارك التنزيل وحقائق التأويل للإمام حافظ الدين عبد الله بن أحمد النسفي المتوفى سنة ٧٠١ وقيل ٧١٠. أوّله: الحمد لله المتفرد بذاته عن إشارة الأوهام الخ. وهو كتاب وسط في التأويلات جامع لوجوه الإِعراب والقراءات، متضمن لدقائق علم البديع والإشارات، موشح بأقاويل أهل السنة والجماعة، خال عن أباطيل أهل البدع والضلالة، ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل »(٢) .
(٣٠)
عمر الفارسي القزويني
وأما تفسير عمر بن عبد الرحمن الفارسي القزويني ( المولى ) بـ ( الأولى ) فهو حيث قال: « قوله:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه |
مولى المخافة خلفها وأمامها |
يصف بقرة وحشية نفرت من توجس ركز الصائد فزعة لا تدري أقدّامها الصائد أم خلفها. يقول فغدت البقرة كلا جانبيها الخلف والأمام، تحسب أنه أولى وأحرى بأنْ يكون فيه الخوف »(٣) .
____________________
(١). كتائب أعلام الأخيار - مخطوط.
(٢). كشف الظنون ٢ / ١٦٤٠.
(٣). كشف الكشاف - مخطوط.
ترجمة عمر القزويني وكتابه
وقد ذكر في ( كشف الظنون ) كتاب ( كشف الكشاف لعمر الفارسي القزويني ) حيث قال في ذكر حواشي الكشاف: « وممن كتب أيضاً غير ما ذكره السيوطي: الامام العلّامة عمر بن عبد الرحمن الفارسي القزويني حاشية في مجلّد سماها الكشف. وتوفي سنة ٧٤٥. أولها: الحمد لله الذي أنار الأعيان بنور الوجود إلخ. وذكر أنه أشار إلى تأليفها من أمره مطاع، فشرع وكتب فيها ما تلقّفه من الأئمة الماضين أو استنبطه بميامين أنوارهم، وليس فيه التسمية وانما قال: أشار إليّ أنْ أحرّر في الكشف عن مشكلات الكشاف »(١) .
(٣١)
ابن الصبّاغ المالكي
وأمّا ذكر نور الدين علي المعروف بابن الصباغ المالكي مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فهذا نص كلامه: « قال العلماء: لفظة المولى مستعملة بأزاء معان متعددة، وقد ورد القرآن العظيم بها، فتارة تكون بمعنى أولى قال الله تعالى في حق المنافقين: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه أولى بكم »(٢) .
وسيأتي ذكر ترجمة ابن الصباغ فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.
____________________
(١). كشف الظنون ٢ / ١٤٨٠ وله ترجمة في طبقات المفسرين للداودي ٢ / ٥، الدرر الكامنة ٣ / ٢٥٦، شذرات الذهب ٦ / ١٤٣، طبقات القراء ١ / ٥٩٤.
(٢). الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ٤٣.
(٣٢)
جلال الدين المحلّي
وفسّر جلال الدين محمد بن أحمد المحلي ( المولى ) بـ ( الأولى ) حيث قال: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أولى بكم »(١) .
تفسير الجلالين
و « تفسير الجلالين » الذي اشترك في تأليفه جلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي من التفاسير المشهورة المعتبرة، قال تاج الدين الدهان في ( كفاية المتطلع في مرويات الشيخ حسن العجيمي ): « التفسير المعروف بالجلالين العلامتين الامام المحقق جلال الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد المحلّي الأخباري، والحافظ العمدة جلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، والدر المنثور في التفسير بالمأثور للحافظ السيوطي. وقد شرع الجلال المحلي من سورة مريم إلى آخر الكتاب العزيز، ثم شرع في تفسير النصف الأول فمات بعد تفسير الفاتحة، فأتمّه الحافظ السيوطي من أول سورة البقرة إلى آخر سورة الكهف. أخبر بها »(٢) .
ترجمة الجلال المحلّي
وقد ترجم للجلال المحلي شمس الدين السخاوي بما هذا ملخّصه:
____________________
(١). تفسير الجلالين: ٧١٦.
(٢). كفاية المتطلع لتاج الدين الذهان - مخطوط.
« محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم، الجلال أبو عبد الله ابن الشهاب أبي العباس بن الكمال الأنصاري، المحلّي الأصل - نسبة للمحلة الكبرى من الغربيّة - القاهري الشافعي ولد كما رأيته بخطه في مستهل شوال سنة ٧٩١ بالقاهرة ونشأ بها. فقرأ القرآن وكتباً واشتغل في فنون ومهر وتقدّم على غالب أقرانه، وتفنّن في العلوم العقلية والنقلية، وتصدى للتصنيف والتدريس والاقراء، ورغب الأئمة في تحصيل تصانيفه وقراءتها وإقرائها، وارتحل الفضلاء للأخذ عنه، وتخرّج به جماعة درسوا في حياته.
وكان إماماً، علّامة، محققاً، نظّاراً، مفرط الذكاء، صحيح الذهن، معظّماً بين الخاصة والعامة، مهاباً، وقوراً، عليه سيما الخير، اشتهر ذكره وبعد صيته، وقصد بالفتاوى من الأماكن النائية، وهرع إليه غير واحد من الأعيان بقصد الزيارة والتبرك. هذا، ولم أكن أقصر به عن درجة الولاية. وترجمته يحتمل كراريس، مع أني قد أطلتها في معجمي. وقد حجّ مراراً. ومات سنة أربع وستّين »(١) .
(٣٣)
الحسين الواعظ الكاشفي
وفسّر حسين بن علي الواعظ الكاشفي ( المولى ) بـ ( الأولى ) في تفسيره المشهور بـ ( تفسير حسيني ) بتفسير قوله تعالى: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) (٢) .
____________________
(١). الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٧ / ٣٩ - ٤١.
(٢). تفسير حسيني - المواهب العلية. سورة الحديد.
تفسير حسيني
و ( تفسير حسيني ) للواعظ الكاشفي يعدّ في التفاسير المعتبرة، وقد اعتمد عليه العلماء، كالشيخ أحمد بن أبي سعيد بن عبد الله بن عبد الرزاق الحنفي الصالحي المعروف بـ ( ملاجيون ) المترجم له بكل تعظيم في ( سبحة المرجان )، في تفسيره المعروف بـ ( تفسير أحمدي )، ضمن التفاسير التي اعتمد عليها ونقل عنها كالتفاسير البيضاوي والبغوي والسيوطي والزمخشري. وقد وصفه بـ « الشيخ الكبير العلي الحسيني الواعظ الكاشفي ».
وكالمولوي تراب علي في آخر كتابه ( التدقيقات الراسخات في شرح التحقيقات الشامخات. الملقب بسبيل النجاح إلى تحصيل الفلاح ) وعدّه « من الصحف الموثوقة والزبر الأنيقة » كتفاسير الرازي والنسفي والنيسابوري والبغوي. وكالشيخ محبوب عالم في تفسيره المسمى ( تفسير شاهي ).
وقد ذكر تفسيره المذكور في ( كشف الظنون ) بقوله: « تفسير حسين بن علي الكاشفي الواعظ المتوفى في حدود سنة ٩٠٠. وهو تفسير فارسي متداول. في مجلد. سماه بالمواهب العلية، كما ذكره ولده في بعض كتبه، وترجمته بالتركية لأبي الفضل محمد بن إدريس البدليسي المتوفى سنة ٩٨٢. وله جواهر التفسير للزهراوين. يأتي في الجيم »(١) .
(٣٤)
أبو السعود العمادي
وفسّر أبو السعود بن محمد العمادي ( المولى ) بـ ( الأولى ) بتفسير الآية
____________________
(١). كشف الظنون ١ / ٤٤٦.
المذكورة، وهذا نص كلامه: « قوله تعالى: ( مَأْواكُمُ النَّارُ ) لا تبرحون أبداً ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم. وحقيقته مكانكم الذي يقال فيه: هو أولى بكم. كما يقال هو مئنة الكرم. أي مكان لقول القائل: إنه لكريم. أو مكانكم عن قريب، من الولي وهو القرب. أو ناصركم عن قريب من المولى وهو القرب. أو ناصركم على طريقة قوله: تحية بينهم، ضرب وجيع. أو متولّيكم تتولاكم كما توليتم موجباتها »(١).
وترجم له محمود بن سليمان الكفوي بما هذا ملخّصه « المولى الفاضل العلّامة، والحبر الكامل الفهّامة، لسان الزمان، إمام أهل اللسان، بدائعه الحسان تجلّ عن البيان، واسع التقرير كامل التحرير، سحبان النثر حسّان الشعر، كشّاف مشكلات التنزيل الجليل، وحلّال معضلات الكتاب بالتفسير والتأويل، حافظ قوانين الفروع والأصول، وضابط مسائل كلّ الفنون من المعقول والمنقول، زبدة أرباب التقوى وعمدة أصحاب الفتوى، إمام المفسرين ختام المجتهدين، شيخ الإسلام وعماد الدين، أبو السعود ابن الشيخ محيي الدين المنتسب بالعماد عامله الله بلطفه يوم المعاد.
وهو الأُستاذ على الإطلاق، والمشار إليه بالاتفاق، قرعت به أسماع سكّان الآفاق، وصكّت به آذان أهل فارس والعراق، شيخ كبير، إمام خبير، عالم نحرير، لا في العجم له مثيل ولا في العرب له نظير، مشهور الاسم، عالي الرتبة، عظيم الجاه، زائد الحشمة، تضرب به الأمثال وتشدّ إليه الرّحال، ترد الفتاوى عليه من أقطار الأرض وترد إليه بعضها على بعض، ولقد كان على أحسن طريقة سلكها الأشراف، وقلّدها أشراف الأخلاف، من دين مكين وعقل رزين، وكان
____________________
(١). تفسير أبي السعود - إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم - هامش تفسير الرازي: ٨ / ٧٢
من محاسن الزمان، لم تر العيون مثله في العلم والعرفان، وكان يجتهد في بعض المسائل ويخرج ويرجّح بعض الدلائل، وكان إذا لم يجد واقعة الفتوى وجوابها في الكتب المتداولة المعمولة يكتب الجواب على رأيه الوجيز.
ولد رحمهالله في رأس المائة العاشرة، ومكث في منصب الفتوى أكثر من ثلاثين سنة، وصنّف فيها كتاب التفسير المسمى بإرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم في مجلدين ضخمين »(١) .
(٣٥)
سعيد الجلبي
وذكر سعيد الجلبي مفتي الروم تفسير ( المولى ) بـ ( الأولى ) في حاشية البيضاوي حيث قال: « قوله: فغدت كلا الفرجين. البيت. يصف بقرة وحشية نفرت من صوت الصائد. فغدت فزعة لا تدري أقدّامها الصائد أم خلفها. أي: فغدت البقرة كلا جانبيها الأمام والخلف، تحسب أنه أولى وأحرى بأن يكون فيه الخوف، والفرج بمعنى المخافة أي كلا موضعيها الذي يخاف منهما في الجملة. أو بمعنى: ما بين قوائم الدابّة، فما بين اليدين فرج وما بين الرجلين فرج، وهو بمعنى السعة والانفراج. وفسّره بالقدّام والخلف توسّعاً، أو بمعنى الجانب والطريق، فعل بمعنى مفعول لأنه مفروج مكشوف، وضمير أنه لكلا لأنه مفرد اللفظ. وخلفها وأمامها إمّا بدل من كلام، وإمّا خبر مبتدأ محذوف، أي هما خلفها وأمامها. كذا في الكشف.
قوله: حقيقته محراكم، من الحرى، فالمولى مشتق من الأولى بحذف
____________________
(١). كتائب أعلام الأخيار للكفوي. وتوجد ترجمة أبي السعود المتوفى سنة ٩٨٢ في: البدر الطّالع ١ / ٢٦١، شذرات الذهب ٨ / ٣٩٨ وغيرهما.
الزوائد »(١) .
(٣٦)
شهاب الدين الخفاجي
وأما تفسير شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي ( المولى ) بـ ( الأولى )، فتجده في حاشيته على تفسير البيضاوي، فقد قال: « قوله: ( هي أولى بكم ) أي: أحق من النجاة. وهو بيان لحاصل المعنى. قوله: كقول لبيد. العامري الشاعر المشهور وهو من قصيدته المشهورة التي هي إحدى المعلقات السبع والشاهد في قوله: مولى المخافة، فإنه بمعنى مكان أولى وأحرى بالخوف.
قوله: وحقيقته. أي: حقيقة مولاكم هنا محراكم بالحاء والراء المهملتين، أي المحلّ الذي يقال فيه إنه أحرى وأحق بكم، من قولهم هو حرى بكذا أي خليق وحقيق وجدير به، كلّها بمعنى واحد، وليس المراد إنه اسم مكان من الأولى على حذف الزوائد كما توهم، وسترى معناه عن قريب.
قوله: كقولك هو مئنة الكرم إلخ. يعني: إن مولاكم اسم مكان لا كغيره من أسماء الأمكنة فإنها مكان للحدث بقطع النظر عمّن صدر عنه، وهذا محل للمفضل على غيره الذي هو صفته، فهو ملاحظ فيه معنى أولى لا أنه مشتق منه، كما أن المئنة مأخوذة من أن التحقيقية وليست مشتقة منه، إذ لم يذهب أحد من النحاة إلى الاشتقاق من اسم التفضيل، كما لم يقل أحد بالاشتقاق من الحرف، ومئنة الكرم وصف له على طريق الكناية الرمزية في قولهم: الكرم بين برديه كما في
____________________
(١). لاحظ سورة الحديد من حاشية تفسير البيضاوي للجلبي مفتي الروم. وتوجد ترجمته في: الشقائق النعمانيّة ٢ / ٤٣، الفوائد البهيّة: ٧٨. توفي سنة ٩٤٥.
شروح الكشاف »(١) .
ترجمة الخفاجي
وشهاب الدين الخفاجي من شيوخ مشايخ شاه ولي الله الدهلوي والد عبد العزيز ( الدهلوي ) كما لا يخفى على من راجع رسالته في أسانيده المسماة بـ ( الارشاد ).
وقد ترجم للخفاجي محمد أمين المحبي ترجمة حافلة نختصر منها ما يلي:
« الشيخ أحمد بن محمد بن عمر قاضي القضاة الملقّب بشهاب الدين الخفاجي المصري الحنفي، صاحب التصانيف السائرة، وأحد أفراد الدنيا المجمع على تفوّقه وبراعته، وكان في عصره بدر سماء العلم ونير أفق النثر والنظم، رأس المؤلفين ورئيس المصنفين، سار ذكره سير المثل، وطلعت أخباره طلوع الشهب في الفلك، وكلّ من رأيناه أو سمعناه به ممن أدرك وقته معترفون له بالتفرّد في التقرير والتحرير وحسن الإنشاء، وليس فيهم من يلحق شأوه ولا يدعي ذلك، مع أن في الخلق من يدعي ما ليس فيه.
وتآليفه كثيرة ممتعة مقبولة وانتشرت في البلاد، ورزق فيها سعادة عظيمة فإنّ الناس اشتغلوا بها. وأشعاره ومنشآته مسلّمة لا مجال للخدش فيها. والحاصل إنه فاق كلّ من تقدّمه في كلّ فضيلة، وأتعب من يجيء بعده، مع ما خوّله الله تعالى من السعة وكثرة الكتب ولطف الطبع والنكتة النادرة.
وقد ترجم نفسه في آخر ريحانته من حين مبدئه، ثم ذكر أن من تآليفه: حواشي تفسير القاضي وهي التي سمّاها عناية القاضي، وشرح الشفا، وشرح درة الغواص، والريحانة
وأخذ عنه جماعة اشتهروا بالفضل الباهر »(٢) .
____________________
(١). عناية القاضي - حاشية تفسير البيضاوي. سورة الحديد.
(٢). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ٣٣١.
(٣٧)
سليمان الجمل
وذكر الشيخ سليمان الجمل تفسير ( المولى ) بـ ( الأولى ) في حاشيته على تفسير الجلالين حيث قال: « قوله: ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) يجوز أنْ يكون مصدراً أي ولايتكم أي ذات ولايتكم، وأن يكون مكاناً أي مكان ولايتكم، وأن يكون بمعنى أولى كقولك: هو مولاه أي أولى به إلخ. سمين.
وفي أبي السعود: هي مولاكم أي أولى بكم، وحقيقته مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما يقال هو مئنة الكرم، أي مكان لقول القائل إنه لكريم أو مكانكم عن قريب، من الولي وهو القرب، أو ناصركم على طريقة قوله: تحية بينهم ضرب وجيع. إلخ.
وفي الشهاب: قوله هو مئنة الكرم يعني: إن مولاكم اسم مكان لا كغيره من أسماء الأمكنة، فإنها مكان للحدث بقطع النظر عمّن صدر عنه. وهذا محل للمفضل على غيره الذي هو صفته، فهو ملاحظ فيه معنى أولى لا أنه مشتقة منه، كما أن المئنة مأخوذة من أن وليست مشتقة منها. الخ.
وقوله: أو ناصركم. فالمعنى لا ناصر لكم إلّا النار، كما أن معنى البيت لا تحية لهم إلا الضرب على التهكّم. والمراد نفي الناصر ونفي التحية. الخ شهاب »(١) .
____________________
(١). حاشية تفسير الجلالين سورة الحديد. وتوجد ترجمته في الأعلام ٣ / ١٣١.
(٣٨)
جار الله الاله آبادي
وأمّا ذكر الملّا جار الله الإِله آبادي مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد جاء في حاشيته على تفسير البيضاوي بتفسير الآية من سورة الحديد حيث قال: « قوله: وحقيقته محراكم من الحرى، فالمولى الحري، مشتق من الأولى بحذف الزائد »(١) .
(٣٩)
محبّ الدين الأفندي
وقد فسّر محبّ الدين الأفندي ( المولى ) بـ ( الأولى ) في شرح بيت لبيد الذي استشهد به الزمخشري في الكشاف(٢) .
(٤٠)
محمد الأمير اليماني
وذكر محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير اليماني مجيء ( المولى ) بمعنى
____________________
(١). حاشية البيضاوي. سورة الحديد. توجد ترجمته في نزهة الخواطر ٦ / ٥٤.
(٢). تنزيل الآيات في شرح شواهد الكشاف: ١٤٠. وتوجد ترجمته في: ريحانة الألباء: ٩٩. توفي سنة ١٠١٤.
( الأولى ) نقلاً عن الفقيه حميد ضمن معانيه حيث قال: « ومنها بمعنى الأولى. قال تعالى: ( هُوَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم وبعذابكم »(١) .
وسيأتي طرف من ترجمة محمد بن اسماعيل الأمير فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.
(٤١)
عبد الرحيم بن عبد الكريم
وفسّر عبد الرحيم بن عبد الكريم ( المولى ) بـ ( الأولى ) في شرح بيت لبيد العامري حيث قال: « وأراد بالمولى الأولى يقول: فغدت البقرة في كلا الفرجين تحسب أنّ كلّ واحد من الفرجين - وهما خلفها وأمامها - أولى بالمخافة »(٢) .
(٤٢)
رشيد النبي
وكذا فسّره رشيد النبي في شرح بيت لبيد المذكور(٣) .
____________________
(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية.
(٢). شرح المعلّقات السبع.
(٣). شرح المعلّقات السبع. وتوجد ترجمته في نزهة الخواطر ٧ / ١٧٨.
(٤٣)
السيّد الشبلنجي
وذكر السيّد مؤمن بن حسن الشبلنجي ( الأولى ) من معاني ( المولى ) نقلاً عن العلماء(١) .
أقول:
فهل يمكن أن يقال أن ( الدهلوي ) لم يطّلع على هذه الكلمات التي ذكرناها عن كبار الأئمة ومشاهير اللغة والتفسير والحديث والأدب؟
وهل يمكن أن يقال إنه لم يراجع شيئاً من التفاسير ولم يقف على كلمات المفسّرين حتى التفاسير المتداولة كالكشاف ومعالم التنزيل وتفسير الجلالين وأنوار التنزيل؟
أللهم كلّا إنه ليس إلّا التعصب والعناد، إنه يحاول خديعة العوام وتضليلهم بالأكاذيب وإنكار الحقائق الراهنة، ونحن نكشف النقاب عن ذلك كله بكلمات علماء طائفته ومشاهير أئمتهم في كل مورد، والله وليّ التوفيق.
____________________
(١). نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار: ٧٨.
اعتراف علماء الكلام
بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى )
بل إن بعض مشاهير متكلّمي أهل السنّة - في الوقت الذي ينكرون تواتر حديث الغدير ودلالته تبعاً للفخر الرازي - يعترفون بشيوع استعمال ( المولى ) بمعنى ( الأولى بالتصرف ) وهذا دليل آخر على شدة تعصب ( الدهلوي ) الذي ينكر هذه الجهة أيضاً، ولا بأس بإيراد نصوص عباراتهم في هذا المقام:
قال سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني: « ولفظ ( المولى ) قد يراد به المعتق والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرف. قال الله تعالى: ( مَأْواكُمُ النَّارُ ) أي أولى بكم. ذكره أبو عبيدة. و قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها. أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها. ومثله في الشعر كثير.
وبالجملة استعمال ( المولى ) بمعنى: المتولى والمالك للأمر والأولى بالتصرّف شائع في كلام العرب منقول عن كثير من أئمة اللغة. والمراد إنه اسم لهذا المعنى، لا أنّه صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه ليس من صيغة أفعل التفضيل وأنه لا
يستعمل استعماله »(١) .
وقال علاء الدين علي بن محمد القوشجي: « ولفظ ( المولى ) قد يراد به المعتق والمعتق والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرف. قال الله تعالى: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم ذكره أبو عبيدة. و قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها أي الأولى بها في التصرف والمالك لتدبير أمرها. ومثله في الشعر كثير »(٢) .
ولا يتوهم: أن هذا الكلام من التفتازاني والقوشجي هو تقرير لدلالة حديث الغدير على الامامة من جانب الامامية ولا يدلّ على قبولهما ذلك.
لأنّ سكوتهما في مقام الجواب عن الاستدلال بحديث الغدير عن الجواب عن هذه الناحية وتعرّضهما لسند حديث الغدير، وجعل ذيل الحديث وهو: « اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » مشعراً بأنّ المراد من ( المولى ) هو الناصر والمحب دليل على قبولهما شيوع استعمال ( المولى ) بمعنى ( الأولى بالتصرف )، وأن هذا الكلام لهما وليس من جانب الشيعة. وإنْ كنت في ريب مما ذكرناه فراجع نص عبارتيهما.
ويدل على ما ذكرناه بوضوح تصريح المولوي عبد الوهاب القنوجي بذلك حيث أنه بعد أن نقل عن ( المواقف وشرحها ) إنكار مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) ردّ عليه باعتراف القوشجي شارح التجريد بمجيئه بهذا المعنى ولننقل نص عبارته الواردة ضمن ما ذكره في الجواب عن حديث الغدير:
« وعن الثالث - بمنع صحة الحديث ولأن عليّاً رضياللهعنه لم يكن
____________________
(١). شرح المقاصد ٢ / ٢٩٠.
(٢). شرح التجريد: ٣٦٣.
يوم الغدير مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنه كان باليمن. وردّ هذا بأنّ غيبته لا تنافي صحة الحديث، إلّا أن يروى هكذا: أخذ بيده واستحضره وقال كذا وكذا
ولأن مفعلاً بمعنى أفعل لم يذكره أحد، ويقال أولى من كذا دون مولى من كذا، وأولى الرجلين والرجال دون مولى الرجلين أو الرجال. هكذا في المواقف وشرحه.
وفيه بحث أورده شارح التجريد حيث قال: قد يراد بالمولى الأولى بالتصرف قال الله تعالى: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم. ذكره أبو عبيدة، و قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها. أي الأولى بها في التصرف والمالك لتدبير أمرها. ومثله في الشعر كثير، وبالجملة، استعمال المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب، منقول عن أئمة اللغة، والمراد إنه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه ليس من صيغة اسم التفضيل، وأنه لا يستعمل استعماله.
ولو سلّم أن المراد بالمولى هو الأولى فأين الدليل على أنّ المراد هو الأولى بالتصرف والتدبير، بل يجوز أنْ يراد الأولى في الاختصاص به والقرب منه ».
وإذ علمت باعتراف التفتازاني بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) وشيوع ذلك في كلام العرب فلنذكر خلاصة ترجمته:
قالالسيوطي: « مسعود بن عمر بن عبد الله الشيخ سعد الدين التفتازاني، الامام العلّامة، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرها، شافعي. قال ابن حجر: ولد سنة ٧١٢، وأخذ عن القطب والعضد، وتقدّم في الفنون، واشتهر بذلك، وطار صيته وانتفع الناس بتصانيفه. وكان في لسانه لكنة
وانتهت إليه معرفة العلوم بالمشرق، مات بسمرقند سنة ٧٩١ »(١) .
وقالالكفوي: « وكان من كبار العلماء الشافعية، ومع ذلك له آثار جليلة في أصول الحنفية»(٢) .
ترجمة القوشجي
والقوشجي أيضاً من كبار علماء أهل السنة المحققين، فقد ذكر في ( كشف الظنون ) في شروح التجريد: « ثم شرح المولى المحقق علاء الدين علي بن محمد الشهير بالقوشجي المتوفى سنة ٨٧٩ شرحاً لطيفاً ممزوجاً أوّله: خير الكلام حمد الملك العلاّم إلخ. لخّص فيه فوائد الأقدمين أحسن تلخيص، وأضاف إليها نتائج فكره، مع تحرير سوّده بكرمان وأهداه إلى السلطان أبي سعيد خان. قد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد. قال في ديباجته بعد مدح الفن والمصنف:
إن كتاب التجريد الذي صنّفه المولى العظم قدوة العلماء الرّاسخين، أسوة الحكماء المتألهين نصير الحق والملة والدين، تصنيف مخزون بالعجائب وتأليف مشحون بالغرائب. فهو وإنْ كان صغير الحجم وجيز النظم، فهو كثير العلم جليل الشأن، حسن الانتظام مقبول الأئمة العظام، لم يظفر بمثله علماء الأمصار، مشتمل على إشارات إلى مطالب هي الأمهات، مملو بجواهر كلّها كالفصوص متضمن لبيانات معجزة في عبارات موجزة، يفجر ينبوع السلاسة من لفظه ولكن معانيه لها السحر، وهو في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار تداولته أيدي النظار.
ثم إنّ كثيراً من الفضلاء وجّهوا نظرهم إلى شرح هذا الكتاب ونشر معانيه وإني بعد أن صرفت في الكشف عن حقائق هذا العلم شطراً من عمري
____________________
(١). بغية الوعاة ٢ / ٢٨٥.
(٢). كتائب الأعلام - مخطوط.
ووقفت على الفحص عن دقائقه قدراً من دهري فرأيت أن أشرحه شرحاً يذلّل صعابه ويكشف نقابه وأضيف إليها فوائد »(١) .
* * *
____________________
(١). كشف الظنون ١ / ٣٤٨ وللقوشجي ترجمة في: البدر الطالع ١ / ٤٩٥ وغيره.
فهم الشيخين ( الأولى )
من ( المولى )
هذا كلّه، بالإِضافة إلى فهم الشيخين أبي بكر وعمر بالخصوص معنى ( الأولى ) من لفظ ( المولى ) يوم الغدير، فقد ذكر ابن حجر المكي في وجوه الجواب عن الاستدلال بحديث الغدير:
« ثالثها - سلّمنا أنه ( أولى )، لكن لا نسلّم أنّ المراد أنه الأولى بالامامة، بل بالاتباع والقرب منه، فهو كقوله تعالى: ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال، بل هو الواقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر، وناهيك بهما في الحديث، فإنهما لمـّا سمعاه قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني. وأخرج أيضاً أنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال: إنه مولاي »(١) .
وذكر الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات في شرح المشكاة ) هذا الكلام عن ابن حجر المكي وارتضاه.
وقال شهاب الدين أحمد العجيلي: « وقد تولّيت الامام المرتضى لقباً وفعلاً
____________________
(١). الصواعق المحرقة: ٢٦.
وقولاً علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، والمراد بالتولي الولاية، وهو الصديق الناصر، أو الأولى بالاتباع والقرب كقوله تعالى: ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) وهذا هو الذي فهمه عمر رضياللهعنه من الحديث، فإنّه لمـّا سمعه قال: ليهنئك يا ابن أبي طالب أمسيت وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة»(١) .
لكنّ العجب من ابن حجر المكي إذْ ناقض نفسه فأنكر مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) مطلقاً، فإنه مع تنصيصه في الوجه الثالث على أن كون ( المولى ) بمعنى ( الأولى بالاتباع والقرب من النبي ) « هو الواقع إذْ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر » قال في الوجه الثاني من وجوه الرد على تمسك الشيعة بحديث الغدير:
« وثانيها: لا نسلّم أنّ معنى المولى ما ذكروه، بل معناه الناصر، لأنه مشترك بين معان كالمعتق والعتيق والمتصرف في الأمر والناصر والمحبوب، وهو حقيقة في كلّ منها، وتعيين بعض معنى المشترك من غير دليل يقتضيه تحكّم لا يعتد به، وتعميمه في مفاهيمه كلها لا يسوغ، لأنه إنْ كان مشتركاً لفظياً بأن تعدّد وضعه بحسب تعدّد معانيه كان فيه خلاف، والذي عليه جمهور الأصوليين وعلماء البيان واقتضاء الاستعمالات العصماء للمشترك أنه لا يعمّ جميع معانيه، على أنّا لو قلنا بتعميمه على القول الآخر أو بناء على أنه مشترك معنوي بأن وضع وضعاً واحداً للقدر المشترك وهو القرب المعنوي من الولي بالفتح فيصلح لصدقه على كلّ مما مر، فلا يتأتى تعميمه هنا، لامتناع إرادة كل من العتق والعتيق.
فتعيّن إرادة البعض، ونحن وهم متفقون على صحة إرادة الحب بالكسر. وعلي رضياللهعنه سيدنا وحبيبنا.
على أنّ كون المولى بمعنى الامام لم يعهد لغة ولا شرعاً. أمّا الثاني فواضح،
____________________
(١). ذخيرة المآل - مخطوط.
وأمّا الأول فلأن أحداً من أئمة العربية لم يذكر أن مفعلاً يأتي بمعنى أفعل. وقوله تعالى: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي مقرّكم أو ناصرتكم، مبالغة في نفي النصرة، كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له.
وأيضاً، فالاستعمال يمنع من أن مفعلاً بمعنى أفعل، إذ يقال هو أولى من كذا دون مولى من كذا، وأولى الرجلين دون مولاهما، وحينئذٍ فإنما جعلنا من معانيه المتصرف في الأمور نظراً للرواية الآتية من كنت وليّه. فالغرض من التنصيص على موالاته اجتناب بغضه لأن التنصيص عليه أوفى بمزيد شرفه. وصدّره بأ لست أولى بكم من أنفسكم ثلاثاً ليكون أبعث على قبولهم. وكذا بالدعاء له لأجل ذلك أيضاً »(١) .
فالعجب منه كيف يصرّ هنا - في الوجه الثاني - على نفي احتمال إرادة ( الأولى ) من ( المولى ) مطلقاً، ثمّ في الوجه الثالث يدعي بأن المعنى الواقعي من ( المولى ) في الحديث هو ( الأولى بالاتباع والقرب ) استناداً إلى فهم الشيخين هذا المعنى منه، فيبطل تطويلاته وخزعبلاته في الوجه الثاني بنفسه؟!
أليس تلك التطويلات رداً على الشيخين وإبطالاً لفهمهما؟!
نعم لا بدّ من الردّ على الشيعة وإن استلزم الردّ على أبي بكر وعمر!!
والعجب أيضاً من الشيخ عبد الحق الدهلوي إذ اقتفى أثر ابن حجر المكي في هذا التهافت والتناقض، ونقله في ( اللمعات ) من غير تنبيه على ذلك، وأمّا في ترجمته المشكاة إلى الفارسية فأورد كلام ابن حجر في الوجه الثالث مع إسقاط جملة: « بل هو الواقع » فحيّا الله الأمانة!!
____________________
(١). الصواعق المحرقة: ٢٥.
حديث الغدير بلفظ:
« من كنت أولى به »
ومن الأدلة القاطعة على مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) وأنه المراد من حديث الغدير هو: ورود حديث الغدير في بعض طرقه بلفظ: « من كنت أولى به من نفسه » و في بعضها بلفظ: « من كنت وليّه وأولى بنفسه »:
أخرج الطبراني في مسند زيد بن أرقم خطبة الغدير وفيها حديث الثقلين وجاء في آخرها: « ثم أخذ بيد علي رضياللهعنه فقال: من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .
وقال الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني: « وللطبراني في رواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٢) .
وقال أيضاً: « وعند الطبراني في رواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٣) .
____________________
(١). المعجم الكبير ٥ / ١٨٦.
(٢). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.
(٣). نزل الأبرار بما صحّ من مناقب آل البيت الأطهار ص: ٢١.
وقال القاضي ثناء الله الهندي - وهو من تلامذة الشاه ولي الله، والموصوف عند مخاطبنا ( الدهلوي ) بـ « بيهقي الزّمان » كما في ( إتحاف النبلاء ): « وفي بعض طرقه: من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .
وقال سبط ابن الجوزي: « فتعيّن العاشر، ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به. و قد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصفهاني في كتابه المسمّى بمرج البحرين، فإنه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد عليّ وقال: من كنت وليّه وأولى به من نفسه فعلي وليّه »(٢) .
ثم إنّ من القضايا المسلّمة لدى علماء الحديث « إنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً »، وهي قضية يستند إليها المحقّقون في توضيح مشكلات الأخبار ورفع إشكالاتها، ومن ذلك قول ابن حجر العسقلاني في شرح حديث عائشة الآتي:
« إستأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فعرف استيذان خديجة فارتاع لذلك، فقال: اللهم هالة، قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوزٍ من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيراً منها » فقال:
« قوله: قد أبدلك الله خيراً منها. قال ابن التين: في سكوت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على هذه المقالة دليل على أفضلية عائشة على خديجة، إلّا أنْ يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن انتهى.
____________________
(١). سيف مسلول - مخطوط.
(٢). تذكرة خواص الأمة: ٣٢.
ولا يلزم من كونه لم ينقل في هذه الطريق أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ردّ عليها عدم ذلك، بل الواقع أنه صدر منه ردّ لهذه المقالة.
ففي رواية أبي نجيح عن عائشة عند أحمد والطبراني في هذه القصّة قالت عائشة فقلت: قد أبدلك الله بكبيرة السنّ حديثة السّن، فغضب حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلّا بخير. وهذا يؤيد ما تأوّله ابن التين في الخيرية المذكورة. والحديث يفسّر بعضه بعضاً »(١) .
ونحن نقول بمقتضى « الحديث يفسّر بعضه بعضاً » إنّ رواية الطبراني والاصبهاني تفسّر حديث الغدير، ويتّضح أنّ المراد من ( المولى ) فيه هو ( الأولى ).
* * *
____________________
(١). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ / ١١١.
مجيء ( المولى ) بمعنى:
( المتصرّف في الْأَمر ) و ( ولي الْأَمر )
و ( المليك ) ونحوها
ثم إنّه قد صرّح جماعة من أعلام أهل السنّة بأنّ من المعاني الحقيقية للفظ ( المولى ) هو « المتصرف في الأمر ». وهذا أيضاً واف بمطلوب الشيعة، وكاف لاستدلالهم بحديث الغدير، إذ الحاصل من ( الأولى بالتصرف ) و ( المتصرف في الأمر ) واحد وممن صرّح بمجيء ( المولى ) بهذا المعنى:
١ - ابن حجر المكي، وقد تقدم نص عبارته قريباً.
٢ - عبد الحق الدهلوي، حيث نقل مقالة ابن حجر في ( اللمعات ).
٣ - كمال الدين بن فخر الدين الجهرمي في ( البراهين القاطعة في ترجمة الصواعق المحرقة ).
٤ - محمد بن عبد الرسول البرزنجي، إذ قال في الجواب عن حديث الغدير: « الثاني - إنه لو سلّمنا تواتره ففيه دلالة وليس نصّاً في المدعى، لأن القدر المصرح بذكر الخلافة فيه موضوع كما مر التنبيه عليه، والقدر الصحيح غير صريح فيه، لأنا لا نسلّم أن ( المولى ) هو ( الامام )، بل له معان كثيرة، فإنه مشترك بين الناصر والمعتق والعتيق والمتصرف في الأمر والمحبوب وابن العم والقريب وغيرها.
وهو حقيقة في الكل، وتعيين بعض معاني المشترك من غير دليل يقتضيه تحكّم لا يعبأ به ...»(١) .
٥ - الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي حيث أورد كلام ابن حجر المذكور في ( إيضاح لطافة المقال ) وارتضاه.
ومتى ثبت مجيء ( المولى ) بمعنى « المتصرف في الأمر » باعتراف علماء أهل السنة، لم يجدهم إنكار مجيئه بمعنى ( الأولى )، لأن غرض الشيعة من الاستدلال بحديث الغدير إثبات دلالته على الامامة، وهذه الدلالة تامة على كل تقدير، فمن العجيب انكار ابن حجر والجهرمي والبرزنجي مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) واثباتهم في نفس الوقت مجيئه بمعنى ( المتصرف في الأمر )!! ويزيد كون ( المتصرف في الأمر ) معنى حقيقياً للفظ ( المولى ) وضوحاً أنهم لا ينكرون على الشيعة قولهم بمجيئه بهذا المعنى، وإن أجابوا عن استدلالهم بذلك على الامامة، فقد قال الحسين بن محمد الطيبي: « قالت الشيعة: المولى هو المتصرف في الأمور، وقالوا: معنى الحديث إن علياً رضياللهعنه يستحق التصرف في كل ما يستحق الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم التصرف فيه، ومن ذلك أمور المؤمنين فيكون إمامهم. أقول: لا يستقيم أن يحمل الولاية على الامامة التي هي التصرف في أمور المؤمنين، لأن المتصرف المستقل في حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم هو لا غير، فيجب أن يحمل على المحبة وولاء الإسلام ونحوهما»(٢) .
فترى أن الطيبي لا ينكر مجيء ( المولى ) بمعنى ( المتصرف في الأمر ). كما أن كلامه ظاهر في أن التصرف في أمور المؤمنين هي الامامة بعينها.
وذكر علي بن سلطان القاري كلام الطيبي هذا بنصه في شرحه على المشكاة حيث قال: « وفي شرح المصابيح للقاضي قالت الشيعة: المولى هو المتصرف
____________________
(١). نواقض الروافض - مخطوط.
(٢). شرح المشكاة - مخطوط.
وقالوا: معنى الحديث إن عليّاً رضياللهعنه يستحق التصرف في كلّ ما يستحق الرسول صلّى الله عليه التصرّف فيه، ومن ذلك أمور المؤمنين فيكون إمامهم. قال الطيبي: لا يستقيم أن يحمل الولاية على الامامة التي هي التصرف في أمور المؤمنين، لأن المتصرف المستقل في حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم هو لا غير، فيجب أن يحمل على المحبة وولاء الإسلام ونحوهما »(١) .
وقال الفخر الرازي بتفسير قوله تعالى: ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ ) « البحث الثالث - إنه تعالى سمّى نفسه في هذه الآية باسمين، أحدهما: المولى وقد عرفت أن لفظ المولى ولفظ الولي مشتقان من الولي أي القرب، وهو سبحانه القريب البعيد الظاهر الباطن
وأيضاً قال: مولاهم الحق. والمعنى إنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة، وهي النفس والشهوة والغضب، كما قال: ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) فلمـّا مات الانسان تخلّص من تصرفات الموالي الباطلة، وانتقل إلى تصرّفات المولى الحق »(٢) .
وقال بتفسير قوله تعالى: ( وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ ) : « وقال القفال: اجعلوا الله عصمة لكم مما تحذرون، هو مولاكم: سيدكم والمتصرف فيكم. فنعم المولى: فنعم السيد. ونعم النصير. فكأنه سبحانه قال: أنا مولاك، بل أنا ناصرك وحسبك »(٣) .
وقال النيسابوري بتفسير الآية الأُولى: « والمعنى: إنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة، وهي النفس والشهوة والغضب، فلمـّا ماتوا تخلّصوا إلى تصرف المولى الحقّ »(٤) .
____________________
(١). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٦٨.
(٢). تفسير الرازي ١٣ / ١٧ - ١٨.
(٣). تفسير الرازي ٢٣ / ٧٤.
(٤). تفسير النيسابوري ٧ / ١٢٨.
وقال ابن كثير بتفسيرها: « أي ورجعت الأمور كلّها إلى الله الحكم العدل ففصلها، وأدخل أهل الجنة وأهل النار النار »(١) .
ففسّر ابن كثير ( المولى ) بـ ( الحكم )، ولو أنا فسرنا ( المولى ) في حديث الغدير بهذا المعنى لثبتت الامامة كذلك.
وقد ثبت مجيء ( المولى ) بمعنى ( متولي الأمر ) من كلمات علماء العربية والمفسرين، وهذا المعنى أيضاً يفيد الامامة والخلافة كسابقه، لأنّ ( المتولي ) هو ( المتصرف ) كما هو ظاهر جدّاً، وبه صرح سعيد الجلبي، والشهاب الخفاجي في حاشيتيهما على البيضاوي كما سيجيء.
ومجيء ( المولى ) بمعنى ( متولي الأمر ) قد ثبت من كلمات جماعة من أعلام المحققين في العلوم المختلفة، وممن صرّح بذلك:
١ - أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد.
٢ - أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالرّاغب الاصفهاني.
٣ - أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي.
٤ - أحمد بن الحسن بن أحمد الزاهد.
٥ - جار الله محمود بن عمر الزمخشري.
٦ - أبو السعادات مبارك بن محمد الجزري.
٧ - أحمد بن يوسف بن حسن الكواشي.
٨ - ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي.
____________________
(١). تفسير ابن كثير ٢ / ١٣٨.
٩ - عبد الله بن أحمد النسفي.
١٠ - أبو حيّان محمد بن يوسف الأندلسي.
١١ - نظام الدين حسن بن محمد بن حسين النيسابوري.
١٢ - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي.
١٣ - محمد طاهر الكجراتي.
١٤ - أبو السعود بن محمد العمادي.
١٥ - سعيد الجلبي.
١٦ - شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي.
(١)
محمد بن يزيد المبرّد
قال المبرد - على ما نقل عنه السيد المرتضى - بعد تأويل قوله تعالى: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) : « والولي والمولى معناهما سواء، وهو الحقيق بخلقه المتولي لأمورهم »(١) .
(٢)
الراغب الاصفهاني
وقال الراغب الاصبهاني في كتابه ( غريب القرآن ) الذي قال عنه السيوطي
____________________
(١). الشافي في الامامة: ١٢٣ عن كتاب العبارة عن صفات الله للمبرد.
في ذكر كتب غريب القرآن: « ومن أحسنها المفردات للراغب » - قال ما هذا نصه: « الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعداً حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد، والولاية النصرة، والولاية تولّي الأمر، والولي والمولى يستعملان في كل ذلك، وكلّ واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي الموالي، وفي معنى المفعول اي الموالي، يقال للمؤمن هو ولي الله، ولم يرد مولاه »(١) .
(٣)
أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي
وقال أبو الحسن الواحدي: ( ثُمَّ رُدُّوا ) يعنى العباد يردون بالموت ( إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) الذي يتولى أمورهم »(٢) .
(٤)
أحمد بن الحسن الزاهد الدرواجكي
وقال الزاهد الدرواجكي: « قوله ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) والمولى في اللغة: من يتولى مصالحك فهو مولاك، يلي القيام بأمورك وينصرك على أعدائك، ولهذا سمي ابن العم والمعتق مولى، ثم صار اسماً لمن لزم الشيء، كما يقال أخ الفقراء وأخ المال »(٣) .
____________________
(١). المفردات: ٥٣٣.
(٢). التفسير الوسيط - مخطوط.
(٣). تفسير الزاهدي - مخطوط.
(٥)
جار الله الزمخشري
وقال الزمخشري: « ( مَوْلانا ) سيدنا ونحن عبيدك، أو ناصرنا، أو متولي أمورنا ( فَانْصُرْنا ) فمن حق المولى أن ينصر عبيده، فان ذلك عادتك، أو فان ذلك من أمورنا التي عليك توليها »(١) .
(٦)
أبو السعادات ابن الأثير
وقال المبارك بن محمد بن الأثير الجزري: « وقد تكرر ذكر المولى في الحديث، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة وكلّ من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليّه ومنه الحديث: أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل، وفي رواية وليّها. أي متولي أمرها »(٢) .
____________________
(١). الكشاف ١ / ٣٣٣.
(٢). النهاية: ولي.
(٧)
أحمد بن يوسف الكواشي
وقال أحمد بن يوسف الكواشي: « ولا يوقف على ( أَنْتَ مَوْلانا ) سيدنا ومتولي أمورنا، لوجود الفاء في قوله ( فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) لأنك سيدنا، والسيد ينصر عبيده »(١) .
(٨)
ناصر الدين البيضاوي
وقال ناصر الدين البيضاوي: « ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم كقول لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه |
مولى المخافة خلفها وأمامها |
أو متوليكم. تتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا وبئس المصير النار »(٢) .
____________________
(١). التلخيص في التفسير. توجد منه في المكتبة الناصرية نسخة مكتوبة في حياة المؤلف تاريخها ٦٧٧.
(٢). تفسير البيضاوي: ٧١٦.
(٩)
عبد الله بن أحمد النسفي
وقال النسفي: ( أَنْتَ مَوْلانا ) سيدنا ونحن عبيدك، أو ناصرنا أو متولي أمورنا »(١) .
(١٠)
أبو حيان الأندلسي
وقال أبو حيان: « ( هُوَ مَوْلانا ) أي ناصرنا وحافظنا قاله الجمهور. وقال الكلبي: أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة. وقيل: مالكنا وسيّدنا فلهذا يتصرف كيف شاء، فيجب الرضى بما يصدر من جهته. وقال: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) فهو مولانا الذي يتولانا ويتولاهم »(٢) .
وقال أبو حيان أيضاً: « ومعنى ( إِلَى اللهِ ) إلى عقابه. وقيل: إلى موضع جزائه ( مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) لا ما زعموه من أصنامهم، إذْ هو المتولي حسابهم، فهو مولاهم في الملك والإحاطة لا في النصر والرحمة »(٣) .
____________________
(١). تفسير النسفي ١ / ١٤٤.
(٢). البحر المحيط ٥ / ٥٢.
(٣). نفس المصدر ٤ / ١٤٩.
(١١)
نظام الدين النيسابوري
وقال نظام الدين النيسابوري: « وهو قوله: ( أَنْتَ مَوْلانا ) ففيه الاعتراف بأنه سبحانه هو المتولي لكلّ نعمة ينالونها، وهو المعطي لكل مكرمة يفوزون بها، وأنهم بمنزلة الطفل الذي لا تتم مصلحته إلّا بتدبير قيّمه، والعبد الذي لا ينتظم شمل مهماته إلا بإصلاح مولاه. وبهذا الاعتراف يحق الوصول إلى الحق، من عرف نفسه أي بالإِمكان والنقصان عرف ربه أي بالوجوب والتمام»(١) .
وقال النيسابوري أيضاً: « ( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ ) ناصركم ومتولي أموركم، يحفظكم ويدفع شر الكفار عنكم، فإنّه ( نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) فثقوا بولايته ونصرته »(٢) .
وقال أيضاً: « ( هُوَ مَوْلانا ) لا يتولى أمورنا إلّا هو، يفعل بنا ما يريد من أسباب التهاني والتعازي، لا اعتراض لأحدٍ عليه »(٣) .
وقال: « ( وَاللهُ مَوْلاكُمْ ) متولي أموركم. وقيل: أولى بكم من أنفسكم ونصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم »(٤) .
وقال: « ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) حتى تصلوا إليه، هو متولي إفنائكم عنكم، ( نِعْمَ الْمَوْلى ) في افناء وجودكم ( وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) في إبقائكم بربكم »(٥) .
____________________
(١). تفسير النيسابوري ٣ / ١١٣.
(٢). نفس المصدر ٩ / ١٥٣.
(٣). نفس المصدر ١٠ / ١٠٤.
(٤). نفس المصدر ٢٨ / ٨٠.
(٥). تفسير النيسابوري ١٧ / ١٢٦.
(١٢)
جلال الدين السيوطي
وقال جلال الدين السيوطي: « ( أَنْتَ مَوْلانا ) سيدنا ومتولي أمورنا »(١) .
وقال: « ( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ ) ناصركم ومتولي أموركم »(٢) .
وقال: « ( لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا ) إصابته ( هُوَ مَوْلانا ) ناصرنا ومتولي أمورنا»(٣) .
(١٣)
محمد بن طاهر الكجراتي
وقال محمد طاهر الفتني الكجراتي نقلاً عن النهاية: « وكلّ من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليّه ومنه: أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها. وروى وليها. أي متولي أمرها »(٤) .
____________________
(١). تفسير الجلالين: ٦٦.
(٢). تفسير الجلالين: ٢٤٠.
(٣). المصدر نفسه: ٢٥٦.
(٤). مجمع البحار: ولي.
(١٤)
أبو السعود العمادي
وقال أبو السعود: ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أو متوليكم تتولاكم كما توليتم موجباتها »(١) .
(١٥)
سعيد الجلبي
وقال سعيد الجلبي بتفسير ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) : أو متوليكم. أي المتصرف فيه »(٢) .
(١٦)
الشهاب الخفاجي
وقال شهاب الدين الخفاجي: « وقوله: متوليكم. أي المتصرف فيكم كتصرفكم فيما أوجبها واقتضاها من أمور الدنيا »(٣) .
____________________
(١). تفسير أبي السعود هامش الرازي ٨ / ٧٣.
(٢). حاشية البيضاوي للجلبي.
(٣). حاشية البيضاوي للخفاجي.
إعتراف الرازي
وإنّ مجيء ( المولى ) بمعنى ( متولي الأمر ) في غاية الثبوت والوضوح، حتى فسّر به الفخر الرّازي - الذي سعى في إنكار مجيئه بمعنى ( الأولى ) - فقال في تفسير قوله تعالى ( أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) : « وفي قوله: أنت مولانا فائدة أخرى، وذلك: أن هذه الكلمة تدل على نهاية الخضوع والتذلل، والاعتراف بأنه سبحانه هو المتولي لكلّ نعمة يصلون إليها، وهو المعطي لكلّ مكرمة يفوزون بها، فلا جرم أظهروا عند الدعاء أنهم في كونهم متكّلين على فضله وإحسانه بمنزلة الطفل الذي لا تتم مصلحته إلّا ببرّ [ بتدبير ] قيّمه، والعبد الذي لا ينتظم شمل مهمّاته إلّا باصلاح مولاه، فهو سبحانه قيّوم السماوات والأرض، والقائم بإصلاح مهمّات الكلّ، وهو المتولي في الحقيقة للكلّ على ما قال: ( نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (١) ».
على أنّ الرازي الذي أطال الكلام في إنكار مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) بإبداء التشكيكات الواهية والاعتراضات السخيفة التي أضلت بعض الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق - قد ألجأته الحقيقة الراهنة إلى نقل تفسير ( المولى ) بـ ( الوارث الأولى ) عن أبي علي الجبائي، واستحسانه هذا المعنى كالوجوه الأخرى المذكورة بتفسير قوله تعالى: ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) وهذا نصّ كلامه:
« المسألة الثالثة - من الناس من قال: هذه الآية منسوخة، ومنهم من قال: إنها غير منسوخة. أمّا القائلون بالنسخ فهم الذين فسّروا الآية بأحد هذه الوجوه
____________________
(١). تفسير الرازي ٧ / ١٦١.
التي نذكرها
القول الثاني - قول من يقول: الآية غير منسوخة، والقائلون بذلك ذكروا في تأويل الآية وجوها: الأول - تقدير الآية: ولكل شيء ممّا ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم موالي وورثة فآتوهم نصيبهم. أي: فآتوا الموالي والورثة نصيبهم. فقوله: والذين عاقدت أيمانكم معطوف على قوله: الوالدان والأقربون، والمعنى: إن ما ترك الذين عاقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به، وسمّي الله تعالى الوارث المولى، والمعنى: لا تدفعوا المال إلى الحليف بل إلى المولى والوارث، وعلى هذا التقدير فلا نسخ في الآية. وهذا تأويل أبي علي الجبائي ».
ثم قال الرازي بعد ذكر ثلاثة وجوه أخرى: « وكل هذه الوجوه حسنة محتملة. والله أعلم بمراده »(١) .
وأيضاً، فقد اعترف الرازي في ( نهاية العقول ) بحكم أبي عبيدة وابن الأنباري بأنّ لفظة ( المولى ) تأتي لـ ( الأولى ) وهذا نصّ كلامه: « لا نسلّم أن كلّ من قال بأن لفظه المولى محتملة للأولى قال بدلالة الحديث على إمامة علي رضياللهعنه . أليس أن أبا عبيدة وابن الأنباري حكما بأن لفظ المولى للأولى مع كونهما قائلين بامامة أبي بكر رضياللهعنه »(٢) .
فالحمد لله الذي وفّقنا لإِظهار بطلان كلامه في إنكار مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) من كلام نفسه في ( التفسير ) و ( نهاية العقول ). كما أثبتنا بطلان ردّه لحديث الغدير من كلامه في هذين الكتابين والتفسير. والله ولي التوفيق.
وقد فسّر جماعة من كبار المفسرين لفظة ( المولى ) بـ ( ولي الأمر ) فقد قال
____________________
(١). تفسير الرازي ١٠ / ٨٨.
(٢). نهاية العقول - مخطوط.
جلال الدين المحلّي: « ( وَهُوَ كَلٌ ) ثقيل ( عَلى مَوْلاهُ ) ولي أمره »(١) .
وقال الواحدي: « ( أَنْتَ مَوْلانا ) أي ناصرنا والذي يلي علينا أمورنا »(٢) .
وقال النيسابوري: « قوله: ( وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ ) أصله: من الغلظ الذي هو نقيض الحدّة، يقال: كلّ السكين إذا غلظت شفرته، وكلّ اللّسان إذا غلظ فلم يقدر على الكلام، وكلّ فلان عن الكلام إذا ثقل عليه ولم ينبعث فيه، وفلان كلٌّ على مولاه أي ثقيل وعيال على من يلي أمره ويعوله »(٣) .
وقال: « ( أَنْتَ مَوْلانا ) وليّنا في رفع وجودنا وناصرنا في نيل مقصودنا »(٤) .
ومن الواضح: أن ( ولى الأمر ) مثل ( متولي الأمر ) كلاهما بمعنى ( الامام، الحاكم، الرئيس ). فلو كان ( المولى ) في حديث الغدير بمعنى ( ولي الأمر ) لتم استدلال الشيعة به على معتقدهم.
إنكار ولي الله الدهلوي
إلّا أن الشّاه ولي الله الدهلوي أنكر(٥) مجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر ). وذلك من أصدق الشواهد على دلالة حديث الغدير على هذا التقدير أيضاً، ولا ريب في أن هذا الإِنكار مكابرة واضحة وتعصب مقيت، وما أوردنا من كلمات علماء القوم كاف لإِبطاله.
فهل يا ترى لم يلحظ شاه ولي الله تفسير الجلالين؟! أو لم يقف على تصريح
____________________
(١). إزالة الخفا عن سيرة الخلفاء.
(٢). تفسير الجلالين: ٣٦٢.
(٣). التفسير الوسيط - مخطوط.
(٤). تفسير النيسابوري ١٤ / ٩٩.
(٥). المصدر ٣ / ١١٣.
البخاري بمجيء ( المولى ) بمعنى ( المليك ) وهو مرادف ( وليّ الأمر )؟!
قال البخاري في كتاب التفسير: « باب: ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً ) وقال معمر: موالي: أولياء ورثة عاقد أيمانكم، هو مولى اليمين وهو الحليف. والمولى أيضاً: ابن العم. والمولى: المنعم المعتق والمولى: المعتق. والمولى: المليك. والمولى: مولى في الدين »(١) .
إنّ مجيء ( المولى ) بمعنى ( المليك ) أيضاً كاف لثبوت مطلوب الشيعة من حديث الغدير، لأن ( المليك ) و ( ولي الأمر ) في المعنى واحد، وانْ كان لأحدٍ من المكابرين شك من هذا الترادف ننقل له كلمات شراح البخاري في شرح كلامه المذكور:
قال بدر الدين العيني: « إنّ لفظ المولى يأتي لمعان كثيرة، وذكر منها خمسة معان الرابع: يقال للمليك المولى، لأنه يلي أمور الناس »(٢) .
وقال شهاب الدين القسطلاني: « والمولى: المليك، لأنه يلي أمور الناس »(٣) .
إذنْ يقال للمليك المولى لأنه يلي أمور الناس، فالمولى يستعمل بمعنى ( ولي الأمر ) و ( متولي الأمر ) أيضاً قطعاً.
على أن هذا المعنى ثابت بوضوح من كلمات اللغويين، فقد قال الجوهري « والملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة، يقال: له ملكوت العراق وملكوت العراق أيضاً، مثال الترقوة. وهو الملك والعز، فهو مليك وملك وملك، مثال فخذ وفخذ. كأن الملك مخفف من ملك والملك مقصور من مالك أو مليك، والجمع: الملوك والأملاك، والاسم: الملك، والموضع: المملكة، وتملّكه أي ملكه قهراً،
____________________
(١). صحيح البخاري ٨ / ١٩٩ بشرح ابن حجر.
(٢). عمدة القاري ١٨ / ١٧٠.
(٣). إرشاد الساري ٧ / ٧٧.
ومليك النحل: يعسوبها »(١) .
وقد ترجم اللّغويون المترجمون للّغات العربية إلى الفارسية لفظة ( الملك ) بـ ( شاه ) و ( پادشاه) كما لا يخفى على من راجع ( صراح اللغة ) و ( منتهى الأرب في لغات العرب ).
ثم إنّ المراد من « معمر » في كلام البخاري هو ( أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوي ) وبه صرّح ابن حجر العسقلاني في الشرح حيث قال: « ومعمر هذا بسكون المهملة - وكنت أظنه معمر بن راشد. إلى أن رأيت الكلام المذكور في المجاز لأبي عبيدة واسمه معمر بن المثنى، ولم أره عن معمر بن راشد، وإنما أخرج عبد الرزاق عنه في قوله: ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) قال: الموالي الأولياء الأب والأخ والإِبن وغيرهم من الغصبة، وكذا أخرجه إسماعيل القاضي في الأحكام من طريق محمد بن ثور عن معمر. وقال أبو عبيدة: ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) أولياء [ و ] ورثة ( وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمانُكُمْ ) فالمولى ابن العم، وساق ما ذكره البخاري وأنشد في المولى ابن العم:
مهلاً بني عمّنا مهلاً موالينا.
وممّا لم يذكره وذكره غيره من أهل اللغة: المولى: المحب. والمولى الجار. والمولى: الناصر. والمولى: الصهر. والمولى: التابع. والمولى: الولي »(٢) .
فظهر أن المراد من ( معمر ) هو ( أبو عبيدة اللغوي معمر بن المثنى ).
وقد نقل ابن حجر عن اللغويين مجيء ( المولى ) بمعنى ( الولي ).
بل إنّ دلالة ( المولى ) على الأولوية في التصرف ثابتة بوضوح من حديث
____________________
(١). الصحاح - ولي.
(٢). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ / ١٩٩.
أخرجه الشيخان عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهذا نصه فيهما:
قال البخاري: « حدّثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو عامر، ثنا فليح عن هلال ابن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة: أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: ما من مؤمن إلّا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، إقرأوا إنْ شئتم: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه »(١) .
وأخرجه مرّةً أخرى في كتاب التفسير في تفسير سورة الأحزاب(٢) .
وقال مسلم بن الحجاج: « حدثني محمد بن رافع قال: نا شبابة قال: حدثني ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: والذي نفس محمد بيده إنْ على الأرض من مؤمن إلّا وأنا أولى الناس به، فأيّكم ترك ديناً أو ضياعاً فأنا مولاه وأيّكم ترك مالاً فإلى العصبة من كان »(٣) .
فهذا الحديث ظاهر في كون ( المولى ) بمعنى ( الأولى بالتصرف ) لأن النبي صلىاللهعليهوآله قال أولاً: « ما من مؤمن إلّا وأنا أولى به » ثمّ فرّع على ذلك قوله: « فأيّما مؤمن » فظهر أنّ المراد من قوله بالتالي: « فأنا مولاه » هو الأولويّة التي نصّ عليها واستدل عليها بالآية الكريمة.
وفي شرح القسطلاني في كتاب التفسير بشرح قوله: « وأنا مولاه » ما نصه « أي: وليّ الميت أتولى عنه أموره »(٤) . وظاهره أن المراد من ( المولى ) في هذا الحديث هو ( متولي الأمر ).
وشرح بعضهم بمعنى ( القائم بالمصالح ) و ( ولي الأمر )، ففي شرح شمس الدين الكرماني: « وقضاء دين المعسر كان من خصائصه صلىاللهعليهوآلهوسلم ،
____________________
(١). صحيح البخاري ٣ / ١٥٥ باب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس.
(٢). المصدر ٨ / ٤٢٠ بشرح ابن حجر.
(٣). صحيح مسلم. كتاب الفرائض.
(٤). إرشاد الساري ٧ / ٢٨٠.
وذلك كان من خالص ماله، وقيل: من بيت المال. وفيه: إنه قائم بمصالح الأمة حيّاً وميّتاً وولي أمرهم في الحالين »(١) .
وقال النووي: « ومعنى هذا الحديث: إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم وموته، وأنا وليّه في الحالين، فإنْ كان عليه دين قضيته من عندي إنْ لم يخلف وفاء، وإنْ كان له مال فهو لورثته لا آخذ منه شيئاً، وإنْ خلّف عيالاً محتاجين ضائعين فليأتوا إليّ فعليّ نفقتهم ومؤنتهم »(٢) .
فالمولى إذن هو ( وليّ الأمر ) و ( متولي الأمر ) و ( القائم بمصالح المتولى عليه ).
وفي شرح ابن حجر العسقلاني: « فأنا مولاه. أي: وليّه »(٣) . وهو يريد ( ولي الأمر ) قطعاً.
ولقد بلغ مجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر ) في الثبوت والشهرة حدّاً بحيث لم يتمكّن الرازي مع كثرة تعصبه من إنكاره وجحده، بل لقد أثبته إذْ قال في ( نهاية العقول ): « وأما قول الأخطل ع: فأصبحت مولاها من الناس بعده. وقوله: ع: لم يأشروا فيه إذا كانوا مواليه. وقوله: موالي حق يطلبون به.
فالمراد بها: الأولياء. و مثله قوله عليهالسلام : مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله. أي: أولياء الله ورسوله. و قوله عليهالسلام : أيّما امرأة تزوّجت بغير إذن مولاها. والرواية المشهورة مفسّرة له. وقوله: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) أي وليّهم وناصرهم ( وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) أي لا ناصر لهم. هكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وعامة المفسرين ».
ومن الواضح أن المراد من ( الولي ) في هذا المقام هو ( وليّ الأمر ).
____________________
(١). الكواكب الدراري ٢٣ / ١٥٩ كتاب الفرائض.
(٢). المنهاج في شرح صحيح مسلم هامش - إرشاد الساري. كتاب الفرائض.
(٣). فتح الباري ١٢ / ٧.
فظهر أنّ شاه ولي الله الدهلوي أكثر تعصباً وأشدّ عنادا من الفخر الرازي الشهير بالعناد والتعصّب.
وقال الفخر الرازي: « أما قوله: ( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) فالمولى هو الولي والناصر، والعشير الصاحب والمعاشر. واعلم أن هذا الوصف بالرؤساء أليق، لأنّ ذلك لا يكاد يستعمل في الأوثان، فبيّن تعالى أنّهم يعدلون عن عبادة الله تعالى الذي يجمع خير الدنيا والآخرة إلى عبادة الأصنام وإلى طاعة الرؤساء. ثمّ ذمّ الرؤساء بقوله: لبئس المولى. المراد به ذم من انتصر بهم والتجأ اليهم »(١) .
فظهر أنّ ( المولى ) يأتي بمعنى ( الرئيس ) وهو و ( ولي الأمر ) و ( متولّي الأمر ) واحد كما لا يخفى.
جماعة من مشاهير العلماء ومحققي اللغويين كالأنباري حيث قال: « والمولى في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام أولهنّ: المولى المنعم المعتق، ثم المنعم عليه المعتق، والمولى: الولي، والمولى: الأولى بالشيء »(٢) .
وقد أورد كلام الأنباري هذا ابن البطريق - يحيى بن الحسن الحلي المتوفى سنة ٦٠٠ - قائلاً: « وقال أبوبكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه المعروف بتفسير المشكل في القرآن في ذكر أقسام المولى: إنّ المولى: الولي. والمولى: الأولى بالشيء. واستشهد على ذلك بالآية المقدّم ذكرها، وببيت لبيد أيضاً:
كانوا موالي حق يطلبون به |
فأدركوه وما ملّوا ولا تعبوا »(٣) |
____________________
(١). تفسير الرازي ٢٣ / ١٥.
(٢). مشكل القرآن: ولي.
(٣). العمدة لابن بطريق: ٥٥.
وكالسجستاني العزيزي حيث قال: ( مَوْلانا ) أي وليّنا. والمولى على ثمانية أوجه: المعتق والمعتق والولي والأولى بالشيء وابن العم والصهر والجار والحليف »(١) .
وكأبي زكريا ابن الخطيب التبريزي إذ قال: « المولى عند كثير من الناس هو ابن العم خاصة وليس هو هكذا، ولكنه الولي وكلّ ولي للإنسان فهو مولاه، مثل: الأب والأخ وابن الأخ والعم وابن العم، وما وراء ذلك من العصبة كلهم. ومنه قوله: ( إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) وممّا يبيّن ذلك - أي المولى كلّ ولي - حديث النبي صلىاللهعليهوآله : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل. أراد بالمولى الوليّ. وقال عزّ وجلّ: ( يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً ) أفتراه إنما عنى ابن العم خاصة دون سائر أهل بيته؟ ويقال للحليف أيضاً مولى »(٢) .
وكالفيروزآبادي: « والمولى: المالك والعبد والمعتق والمعتق والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار والحليف والابن والعم والنّزيل والشريك وابن الأخت والولي والرب والناصر والمنعم والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر »(٣) .
وكأبي ليث السمرقندي حيث قال: ( أَنْتَ مَوْلانا ) يعني وليّنا وحافظنا »(٤) .
وقال أيضاً: ( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ ) يقول: أطيعوا الله تعالى فيما يأمركم. هو مولاكم يعني وليّكم وناصركم »(٥) .
وكالثعلبي حيث قال: « ( أَنْتَ مَوْلانا ) أي ناصرنا وحافظنا ووليّنا وأولى
____________________
(١). نزهة القلوب: ٢٠٩.
(٢). غريب الحديث: ولي.
(٣). القاموس: ولي.
(٤). تفسير أبي الليث - مخطوط.
(٥). المصدر.
بنا »(١) .
وكالواحدي: « ( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ ) ناصركم ومعينكم. أي فاستغنوا عن موالاة الكفار فلا تستنصروهم، فإنّي وليّكم وناصركم »(٢) .
وكالبغوي: « ( أَنْتَ مَوْلانا ) ناصرنا وحافظنا ووليّنا »(٣) .
وكابن الجوزي: « ( وَاللهُ مَوْلاكُمْ ) أي وليّكم وناصركم »(٤) .
وكالقمولي: ( وَاللهُ مَوْلاكُمْ ) أي وليّكم وناصركم »(٥) .
وكالنيسابوري: « ( بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) أي وليّهم وناصرهم »(٦) .
فهؤلاء وغيرهم يفسّرون ( المولى ) بـ ( الوليّ )، وحيث أنّهم يفسّرون ( الوليّ ) بـ ( ولي الأمر ) ( ومتولي الأمر ) فإنه يكون معنى ( المولى ) هو ( مولى الأمر ) و ( متولّي الأمر ).
وقد جاء تفسير ( الولي ) بمعنى ( وليّ الأمر ) في تفسير الرازي حيث قال: « قوله تعالى: ( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) فيه مسألتان. المسألة الأولى: الولي فعيل بمعنى فاعل من قولهم: ولي فلان الشيء يليه ولاية فهو وال وولي. وأصله من الولي الذي هو القرب، قال الهذلي: عدت عواد دون وليك تشغب. ومنه يقال: داري تلي دارها أي تقرب منها، ومنه يقال للمحب المعاون: ولي لأنه يقرب منك بالمحبة والنصرة ولا يفارقك، ومنه الوالي لأنه يلي القوم بالتدبير والأمر والنهي ومنه المولى »(٧) .
____________________
(١). تفسير الثعلبي - مخطوط.
(٢). التفسير الوسيط للواحدي - مخطوط.
(٣). معالم التنزيل ١ / ٢٦٥.
(٤). زاد المسير ٨ / ٣٠٧.
(٥). تكملة تفسير الرازي.
(٦). تفسير النيسابوري ٢٦ / ٢٤.
(٧). تفسير الرازي ٧ / ١٨.
وجاء تفسير ( الولي ) بمعنى ( متولي الأمر ) في تفسير النيسابوري حيث قال: ( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) أي متولي أمورهم وكافل مصالحهم. فعيل بمعنى فاعل. والتركيب يدل على القرب. فالمحب وليّ، لأنّه يقرب منك بالمحبّة والنصرة، ومنه الوالي لأنه يلي القوم بالتدبير »(١) .
* * *
____________________
(١). تفسير النيسابوري ٣ / ٢١.
حديث الغدير بلفظ:
« من كنت وليّه فعليٌّ وليّه »
وقد جاء في كثير من طرق حديث الغدير لفظ « من كنت وليّه فعلي وليّه » بدل « من كنت مولاه فعليّ مولاه » وهذا دليل على مجيء ( المولى ) بمعنى ( الولي ) ومجيء ( المفعل ) بمعنى ( الفعيل ). وإليك نصوص بعض الأخبار المشتملة على ذلك:
(١)
رواية أحمد بن حنبل
لقد جاء في مسند أحمد ما نصّه: « حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا وكيع ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم: من كنت وليّه فعليّ وليّه »(١) .
وفيه: « حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في سرية قال لمـّا قدمنا قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟ قال: فإمّا شكوته أو شكاه غيري. قال: فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً، قال: فرأيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد احمرّ وجهه قال وهو يقول: من كنت وليّه فعليّ وليّه »(٢) .
وفيه: « حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه: أنه مرَّ على مجلس وهم يتناولون من علي، فوقف عليهم فقال: إنه قد كان في نفسي على علي شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله صلىاللهعليهوآله في سريّة عليها علي وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جارية من الخمس لنفسه. فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبي صلىاللهعليهوآله جعلت أحدّثه بما كان. ثم قلت: إن علياً أخذ جارية من الخمس. قال: وكنت رجلاً مكباباً. قال فرفعت رأسي فإذا وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله قد تغيّر فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه»(٣) .
(٢)
رواية النسائي
وقال النسائي: « ذكر قول النبي صلىاللهعليهوآله : من كنت وليّه فعلي وليّه.
____________________
(١). مسند أحمد ٥ / ٣٦١.
(٢). المسند ٥ / ٣٥٠.
(٣). المصدر ٥ / ٣٥٨.
أنبأنا محمد بن المثنى قال ثنا يحيى بن حماد قال: أخبرنا أبو عوانة عن سليمان قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضياللهعنه قال: لمـّا رجع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من حجة الوداع ونزل غدير خمٍ أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. ثم قال:
ان الله مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟ قال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه بأذنه.
أخبرنا أبو كريب محمد بن العلاء الكوفي قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن سعيد بن عمير عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واستعمل علينا عليّاً، فلما رجعنا سألنا: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإمّا شكوته أنا أو شكاه غيري، فرفعت رأسي وكنت رجلاً من مكة [ مكباباً ] وإذا وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد احمرّ فقال: من كنت وليّه فعليّ وليّه »(١) .
« أخبرنا أحمد بن عثمان [ البصري أبو الجوزاء ] قال ثنا ابن عثمة - وهو محمد ابن خالد البصري - عن عائشة بنت سعد عن سعد قال: أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألم تعلموا أني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم صدقت يا رسول الله. ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، وإن الله ليوالي من والاه ويعادي من عاداه.
أخبرنا زكريّا بن يحيى قال حدثنا يعقوب بن جعفر بن أبي كثير عن مهاجر
____________________
(١). الخصائص ٩٣ - ٩٤.
ابن مسمار قال أخبرتني عائشة بنت سعد عن سعد قال: كنّا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بطريق مكة وهو متوجه إليها، فلمـّا بلغ غدير خم وقف للناس، ثم ردّ من تبعه ولحقه من تخلّف، فلمـّا اجتمع الناس إليه قال: أيها الناس من وليّكم؟ قالوا: الله ورسوله - ثلاثاً - ثم أخذ بيد علي فأقامه ثم قال: من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .
« أخبرنا الحسين بن حريث المروزي قال أخبرنا الفضل بن موسى عن الأعمش عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال قال علي كرّم الله وجهه في الرحبة: أنشد الله من سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم غدير خم يقول: إن الله وليي وأنا وليّ المؤمنين، ومن كنت وليه فهذا وليه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره. قال فقال سعيد: فقام إلى جنبي ستة. وقال زيد بن يثيع من عندي ستة - وقال عمرو ذو مرّ: أحب من أحبه وأبغض من أبغضه. و ساق الحديث »(٢) .
« أنبأنا يوسف بن عيسى أنبأنا الفضل بن موسى قال ثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال قال علي رضياللهعنه في الرحبة: أنشد بالله من سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم غدير خم يقول: الله وليي وأنا ولي المؤمنين ومن كنت وليّه فهذا وليّه »(٣) .
____________________
(١). الخصائص: ١٠١.
(٢). المصدر: ١٠٣.
(٣). المصدر: ١٠٣.
(٣)
رواية ابن ماجة
وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني: « ثنا علي بن محمد نا أبو الحسين أخبرني حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال ألست أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال فهذا ولي من أنا مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .
(٤)
رواية الطبري
وأخرج محمد بن جرير الطبري أحاديث عديدة متضمنة للفظ ( الولي ) بدلاً عن ( المولى ) وقد روى القاري هذه الأحاديث، وإليك ذلك:
« عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: لمـّا رجع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من حجة الوداع فنزل غدير خم أمر بدوحات فقممن. ثم قال: فقال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني
____________________
(١). سنن ابن ماجة ١ / ٤٣.
فيهما فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: أنت سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلّا قد رآه بعينيه وسمعه بأذنيه.ابن جرير.
أيضاً عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مثل ذلك. ابن جرير »(١) . « عن أبي الضحى عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من كنت وليه فعلي وليه. ابن جرير »(٢) .
« عن بريدة قال: بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في سرية واستعمل علينا علياً، فلما جئنا سألنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإمّا شكوته أنا وإمّا شكاه غيري، فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً إذا حدّثت الحديث أكببت، فإذا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد احمرَّ وجهه فقال: من كنت وليّه فإنّ عليّاً وليّه، فذهب الذي في نفسي عليه فقلت: لا أذكره بسوء - ابن جرير »(٣) .
(٥)
رواية الحاكم النيسابوري
وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: « حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد ابن تميم الحنظلي ببغداد، ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا يحيى بن حماد، وحدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزاز قالا:
____________________
(١). كنز العمال ١٣ / ١٠٤.
(٢). كنز العمال ١٣ / ١٠٥.
(٣). المصدر ١٣ / ١٣٥.
حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى بن حماد. وثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا خلف ابن سالم المخرمي، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضياللهعنه قال:
لمـّا رجع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض. ثم قال: الله عزّ وجلّ مولاي وأنا وليّ كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي رضياللهعنه فقال: من كنت وليه فهذا وليّه. اللهم وال من والاه. وذكر الحديث بطوله.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله. شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضاً صحيح على شرطهما »(١) .
(٦)
رواية الخطيب الخوارزمي
وروى الموفق بن أحمد المعروف بأخطب خوارزم حديث الغدير بسنده عن الحاكم النيسابوري كما تقدم مضيفاً اليه: « فقلت: أنت سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه بأذنه »(٢) .
____________________
(١). المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٠٩.
(٢). مناقب الخوارزمي: ٩٣.
(٧)
رواية ابن المغازلي
ورواه علي بن محمد الجلّابي المعروف بابن المغازلي حيث قال: « أخبرنا أبو يعلى علي بن عبد الله بن العلاف البزار إذناً قال: أخبرنا عبد السلام بن عبد الملك ابن حبيب البزار قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال: حدثنا محمد بن بكر ابن عبد الرزاق، حدثنا أبو حاتم مغيرة بن محمد المهلّبي قال: حدثني مسلم بن إبراهيم حدثنا نوح بن قيس الحدّاني حدثنا الوليد بن صالح عن ابن امرأة زيد بن أرقم قالت: أقبل نبي الله من مكة في حجة الوداع حتى نزل صلىاللهعليهوآلهوسلم بغدير الجحفة بين مكة والمدينة، فأمر بالدّوحات فقمّ ما تحتهنّ من شوك، ثم نادى: الصلاة جامعة. فخرجنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في يوم شديد الحرّ، وإنّ منّا لمن يضع رداءه على رأسه وبعضه على قدميه من شدة الرّمضاء، حتى انتهينا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فصلّى بنا الظهر ثم انصرف إلينا فقال:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضل، ولا مضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله.
أمّا بعد أيّها الناس، فإنه لم يكن لنبيّ من العمر إلّا نصف من عمر من قبله، وإنّ عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة، وإني قد أسرعت في العشرين، ألا وإني يوشك أن أفارقكم، ألا وإني مسئول وأنتم مسئولون فهل بلّغتكم؟ فما ذا أنتم قائلون؟ فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون: نشهد أنك عبد الله ورسوله، قد بلّغت رسالته وجاهدت في سبيله وصدعت بأمره،
وعبدته حتى أتاك اليقين، جزاك الله عنّا خير ما جزى نبيّاً عن أمته.
فقال: ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله؟ وأنّ الجنّة حق وأنّ النار حق وتؤمنون بالكتاب كلّه؟ قالوا: بلى. قال: فإنّي أشهد أن قد صدقتكم وصدقتموني، ألا وإنّي فرطكم وإنكم تبعي توشكون أن تردوا عليَّ الحوض، فأسألكم حين تلقونني عن ثقليّ كيف خلفتموني فيهما. قال: فأعيل علينا ما ندري ما الثقلان، حتى قام رجل من المهاجرين وقال: بأبي وأمي أنت يا نبيّ الله ما الثقلان؟
قال صلىاللهعليهوآله : الأكبر منهما كتاب الله تعالى، سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فتمسّكوا به ولا تضلّوا، والأصغر منهما عترتي، من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي، فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم، فإنّي قد سألت لهم اللّطيف الخبير فأعطاني، ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل، ووليهما لي وليّ وعدوّهما لي عدوّ.
ألا وإنّها لم تهلك أمة قبلكم حتى تتديّن بأهوائها وتظاهر على نبوّتها، وتقتل من قام بالقسط، ثمّ أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها ثم قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، ومن كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قالها ثلاثاً. هذا آخر الخطبة »(١) .
____________________
(١). المناقب لابن المغازلي ١٦ / ١٨.
(٨)
رواية الحمويني
ورواه إبراهيم بن محمد بن حمويه بسنده عن مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد عن سعد كما تقدّم سابقاً(١) .
(٩)
رواية ابن كثير
ورواه اسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير الدمشقي عن النّسائي في سننه ثم قال: « تفرّد به النسائي من هذا الوجه. قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح. وقال ابن ماجة
وكذلك رواه عبد الرزّاق عن معمر عن علي بن جدعان عن عدي عن البرّاء »(٢) .
____________________
(١). فرائد السمطين ١ / ٧٠.
(٢). تاريخ ابن كثير ٥ / ٢٠٩.
(١٠)
رواية ولي الله الدهلوي
ورواه شاه ولي الله الدهلوي عن الحاكم النيسابوري « من طريق سليمان الأعمش عن حبيب عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم »(١) .
أقول: إلى هنا ظهر:
أوّلاً: إن ( المفعل ) يأتي بمعنى ( الفعيل ).
وثانياً: إن ( المولى ) يأتي بمعنى ( الولي ).
وثالثاً: إنّ هذه الأحاديث - ولا سيّما حديث سعد - تدلّ على الامامة بوضوح، لأن الامام هو ( ولي الأمر ) و ( المتصرف في الأمر ) وهو المراد من ( الولي ) في هذه الأحاديث قطعا، لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله سأل الأصحاب: « من وليّكم » فقالوا: « الله ورسوله »، فلو كان المراد من ( الولي ) هو ( المحبّ ) لم يكن لحصر الولاية بالله ورسوله معنى.
ثم إنه صلىاللهعليهوآله بعد أن أثبت هذه الولاية لله ورسوله وشهد القوم بذلك قال « من كان الله ورسوله وليّه فإنّ هذا وليّه » أي: فمن كان الله ورسوله المتصرّف في أمره فإن علياً هو المتصرّف في أمره.
وقد ثبت من كلمات جماعة من أعلام القوم ومشاهيرهم مجيء لفظة ( المولى ) بمعنى ( السيد )، وممّن فسّرها بهذا المعنى وأثبته:
____________________
(١). إزالة الخفا في سيرة الخلفاء ٢ / ١١٢.
أحمد بن الحسن الزاهد بتفسير قوله تعالى: ( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) .
والزمخشري بتفسير قوله تعالى: ( أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) (١) .
وابن الأثير حيث قال: « وقد تكرر ذكر المولى في الحديث، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو: الرب والمالك والسيد »(٢) .
والنووي حيث أورد كلام ابن الأثير(٣) .
وأحمد الكواشي والبيضاوي والنسفي بتفسير الآية: ( أَنْتَ مَوْلانا ) .
والطيّبي حيث قال: « قوله: من كنت مولاه. نه: المولى يقع على جماعة كثيرة: المالك والسيد »(٤) .
وابن كثير بتفسيره قوله تعالى: ( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (٥) .
وجلال الدين السيوطي في ( النثير ) و ( تفسير الجلالين ).
وعلي بن سلطان القاري في ( شرح المشكاة )(٦) .
والفاضل رشيد الدين خان الدهلوي تلميذ ( الدهلوي ) في ( إيضاح لطافة المقال ).
أقول:
وإذ ثبت أنّ ( المولى ) يأتي بمعنى ( السيد ) فإنّ ( السيد ) بمعنى ( الامام )
____________________
(١). الكشاف ١ / ٣٣٣.
(٢). النهاية: ولي.
(٣). تهذيب الأسماء واللغات ٤ / ١٩٦.
(٤). شرح المشكاة - مخطوط.
(٥). تفسير ابن كثير ٢ / ٣٠٩.
(٦). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٦٨.
و ( الرئيس ) كما سيجيء فيما بعد إن شاء الله تعالى، وبذلك يتمّ الاستدلال بحديث الغدير من هذا الوجه أيضاً.
ومن هنا قال الشريف المرتضى رحمهالله : « وذكرت [ يوماً ] بحضرة الشيخ [ أبي عبد الله دام عزه ] ما ذكره أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي رحمهالله في كتاب الإنصاف حيث ذكر أنّ شيخاً من المعتزلة أنكر أن تكون العرب تعرف المولى سيداً وإماماً. قال: فأنشدته قول الأخطل:
فما وجدت فيها قريش لأمرها |
أعف وأوفى من أبيك وأمجدا |
|
وأورى بزنديه ولو كان غيره |
غداة اختلاف الناس أكدى وأصلدا |
|
فأصبحت مولاها من الناس كلّهم |
وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا |
قال أبو جعفر رحمهالله : فأسكت الشيخ كأنما ألقم حجراً، وجعلت استحسن ذلك »(١) .
فتلخّص: أن كلاً من هذه المعاني التي اعترف بها الخصوم للفظة ( المولى ) يفيد الامامة والرياسة، وهي معاني متقاربة ومتلازمة، يفي أحدها بالغرض من الاستدلال بالحديث، فكيف بجميعها!
فما ذكرناه كاف لدفع شبهات المتعصّبين وقمع خرافات الجاحدين، والحمد لله ربّ العالمين.
قوله:
« بل قالوا: إنّ مفعلاً لم يجيء بمعنى أفعل في مادة من المواد فضلاً عن هذه المادة بالخصوص».
____________________
(١). الفصول المختارة من العيون والمحاسن ١ / ٤ - ٥.
أقول:
هذه دعوى كاذبة أخرى، فقد وقفت على نصوص كلمات أهل العربية الدالة على أنّ ( مفعلاً ) يجيء بمعنى ( أفعل ) حيث فسّروا ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) وبذلك ثبت مجيء ( مفعل ) بمعنى ( أفعل ) في خصوص هذه المادّة.
وكم فرق بين هذا الكلام من ( الدهلوي ) وكلام ( الكابلي ) في كتابه ( الصواقع ) الذي انتحله ( الدهلوي ). فقد قال الكابلي ما نصّه: « وهو باطل لأن مولى لم يجيء بمعنى الأولى، ولم يصرّح أحد من أهل العربية أنّ مفعلاً جاء بمعنى أفعل ».
فالكابلي لم يدّع أنّ أهل العربية قد نصّوا على أن مفعلاً ما جاء بمعنى أفعل في مادّة مطلقاً فكيف هذه المادّة بالخصوص! وهذا مما يوضح أنّ ما نسبه ( الدهلوي ) إلى أهل العربية ليس إلّا كذباً مفترى.
هذا، والجدير بالذكر أنّ الفخر الرازي قد سعى سعياً حثيثاً وبذل جهداً كثيراً في إنكار مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى )، وقد ذكر ( الدهلوي ) خلاصة كلام الرازي مع إسقاط الموارد التي اعترف فيها الرازي بالحق والحقيقة، مثل تفسير الزجاج والأخفش والرّماني لفظ ( المولى ) بـ ( الأولى )، والاستشهاد بشعر لبيد، وتصريحه بحكم ابن الأنباري بأنّ ( المولى ) هو ( الأولى ). لكنه - أي ( الدهلوي ) - أضاف إلى كلام الرازي أكاذيب وافتراءات لم يتفوّه بها الرازي.
فمن تلك الأكاذيب [١] قوله بأنّ أهل العربية قاطبة ينكرون مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ). فإنّ هذا غير موجود في كلام الرازي، بل ظاهر كلامه تكذيب هذه الدعوى، لأنه تارة ينقل تفسير ( المولى ) بـ ( الأولى ) والاستشهاد بشعر لبيد عن أبي عبيدة والأخفش والزجّاج والرّماني، وأخرى يصرّح بحكم أبي عبيدة وابن الأنباري بأن ( المولى ) هو ( الأولى ).
[٢] قوله: ذكر أهل العربية أن مفعلاً يجيء بمعنى الأفعل في مادة فضلاً عن خصوص هذه المادة. فإنّ هذه الدعوى غير مذكورة في كلام الرازي، نعم قال بأن أحداً من أئمة النحو واللغة لم يذكر مجيء مفعل بمعنى أفعل. والفرق بين الكلامين واضح جداً، لأن الرازي يدعي أن أحداً من علماء العربية لم يذكر هذا المعنى، بينما يدعي ( الدهلوي ) تصريحهم بعدم مجيء ذلك.
[٣] ( الدهلوي ) حصر القول بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) في أبي زيد اللغوي، بينما لم يذكر الرازي هذا الحصر الباطل، بل كلامه ظاهر في بطلانه، إذ ينقل القول بذلك عن جماعة من أئمة اللغة.
[٤] إن جمهور أهل العربية يخطّئون أبا زيد تجويزه مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ). وهذا كذب واضح لم يجرأ عليه الرازي.
[٥] إن أهل العربية يخطّئون أبا زيد اعتماده على تفسير أبي عبيدة لـ ( مولاكم ) في الآية الكريمة بـ ( أولى ). وهذا أيضاً لم يتفوّه به الرازي.
[٦] إن جمهور أهل العربية قالوا بأنّه لو صحّ هذا القول لزم جواز أن يقال ( مولى منك ) بدل ( أولى منك ). لكنّ هذه الشبهة هي من الرازي نفسه، فإنّه قد ذكرها ولم ينسبها إلى أحد من علماء أهل العربية فضلاً عن جمهورهم.
[٧] إنّ جمهور أهل العربية قالوا بأنّ ( فلان مولى منك ) باطل منكر بالإجماع. وهذا الكلام يشتمل على كذبتين، أحدهما حكمهم ببطلان هذا الاستعمال. والثانية: دعوى إجماعهم على ذلك، وذلك لأنّ أهل العربية لم ينصّوا على بطلان هذا الاستعمال أبداً.
[٨] إنّ جمهور أهل العربية قالوا بأنّ تفسير أبي عبيدة هو بيان حاصل المعنى. وهذه الشبهة ذكرها الرازي نفسه ولم ينسبها إلى أحد أصلاً، فكيف إلى جمهور أهل العربية!
[٩] إنّ جمهور أهل العربية ذكروا حاصل معنى الآية - بصدد تخطئة تفسير أبي عبيدة - بأنّه يعني: النار مقرّكم ومصيركم والموضع اللائق بكم. ومن لاحظ
كلماتهم يعلم أنهم ذكروا هذا المعنى ضمن المعاني التي تحتملها الآية المذكورة، لا بصدد تخطئة أبي عبيدة.
[١٠] إنّ جمهور أهل العربية قالوا بأنّ تفسير أبي عبيدة ليس كون لفظ ( المولى ) بمعنى ( الأولى).
فظهر أنّ ( للدهلوي ) في كلمته المختصرة هذه أكاذيب عشرة لم يتفوّه الرازي في تلفيقاته المطولة بواحدة منها.
ثم إنّ الأصل في دعوى عدم مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) وعدم مجيء ( مفعل ) بمعنى ( أفعل ) هو الفخر الرازي فإنه قال: « ثمّ إنْ سلّمنا صحة أصل الحديث ومقدمته، فلا نسلّم دلالته على الامامة، ولا نسلّم أن لفظ المولى محتملة للأولى، والدليل عليه أمران: أحدهما - إنّ ( أفعل من ) موضوع ليدل على معنى التفضيل، و ( مفعل ) موضوع ليدل على الحدثان أو الزمان أو المكان، ولم يذكر أحد من أئمة النحو واللغة أن المفعل قد يكون بمعنى أفعل التفضيل، وذلك يوجب امتناع إفادة المولى بمعنى الأولى »(١) .
لقد ذكر الرازي للمفعل ثلاثة معان (١) الحدثان (٢) الزمان (٣) المكان ولم يذكر له معنى غيرها، والحال أن لفظ ( المفعل ) يأتي لإِفادة معنى ( الفاعل ) و ( المفعول ) و ( الفعيل )، كما سيعلم ذلك من كلمات أئمة اللغة الذين عليهم مدار علم العربية، وإنّ مجيئه بهذه المعاني بلغ من الشهرة والظهور إلى حدٍ لم يتمكّن أحد من المتعصّبين إنكاره، بل إنّ الرازي نفسه يعترف بمجيئه بمعنى ( الفاعل ) و ( الفعيل ). فقد قال في ( نهاية العقول ): « وأمّا قول الأخطل:
____________________
(١). نهاية العقول - مخطوط.
قد أصبحت مولاها من الناس بعده.
وقوله: لم تأشروا فيه إذ كنتم مواليه.
وقوله: موالي حق يطلبون.
فالمراد بها الأولياء.
ومثله قوله عليهالسلام : مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله. أي: أولياء الله ورسوله.
وقوله عليهالسلام : أيّما امرأة تزوّجت بغير إذن مولاها والرواية المشهورة مفسرة له.
وقوله: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) - أي: وليّهم وناصرهم - وأن الكافرين لا مولى لهم - أي لا ناصر لهم هكذا روى ابن عباس ومجاهد وعامة المفسرين ».
فإن كان مراد الرازي من قوله: « مفعل موضوع ليدل على الحدثان أو الزمان أو المكان » هو حصره في هذه المعاني، كان اللازم بطلان مجيئه بمعنى الفاعل والفعيل والمفعول، وإنْ لم يكن مراده الحصر كان هذا الكلام لغواً لا محصّل له.
وأما قوله: « ولم يذكر أحد من أئمة النحو واللغة أن المفعل قد يكون بمعنى أفعل التفصيل » فيبطله تصريح كبار أئمة اللغة والتفسير بإفادة ( المولى ) معنى ( الأولى ) بالخصوص.
على أنه لا ملازمة عقلاً ونقلاً بين عدم مجيء ( المفعل ) بمعنى ( الأفعل ) - في مادة لو ثبت - وبين عدم مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ). فقوله: « وذلك يوجب امتناع إفادة المولى لمعنى الأولى » باطل جدّاً، وإلّا لزم بطلان الاستعمالات النادرة والألفاظ المستعملة في الكتاب والسنة وكلام العرب، والتي لا نظير لها في العربية.
ولا يخفى على من مارس ألفاظ الكتاب والسنة، ووقف على كلمات علماء
العربية، كثرة هذه الاستعمالات التي لا نظير لها، وشيوع إستعمال الألفاظ النادرة، ونحن نتعرّض هنا لنماذج من تلك الاستعمالات:
فمن ذلك « عجاف » وهو جمع « أعجف » قال الله تعالى: ( وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ ) (١) . ولا نظير لهذا اللفظ في العربية، قال السيوطي: « وقال - أي ابن فارس - ليس في الكلام أفعل مجموعاً على فعال إلّا أعجف وعجاف »(٢) ، وقال الجوهري: « العجف بالتحريك: الهزال، والأعجف المهزول، وقد عجف، والأنثى عجفاء، والجمع عجاف على غير قياس، لأن أفعل وفعلاء لا يجمع على فعال، ولكنهم بنوه على سمان، والعرب قد تبني الشيء على ضدّه »(٣) .
وقال الفخر الرازي نفسه بتفسير الآية المباركة: « المسألة الأولى: قال الليث: العجف ذهاب السّمن، والفعل عجف يعجف، والذكر أعجف، والأنثى عجفاء، والجمع عجاف في الذكران والإناث. وليس في كلام العرب أفعل وفعلاء جمعاً على فعال غير أعجف وعجاف، وهي شاذة حملوها على لفظ سمان فقالوا: سمان وعجاف، لأنهما نقيضان. ومن دأبهم حمل النظير على النظير والنقيض على النقيض »(٤) .
ومن ذلك « هاؤم »، قال السّيوطي: « قال ابن هشام في تذكرته: إعلم أنّ هاؤماً وهاؤم نادر في العربية لا نظير له، ألا ترى أنّ غيره من صه ومه لا يظهر فيه الضمير البتّة، وهو مع ندوره غير شاذ في الاستعمال ففي التنزيل: ( هاؤُمُ اقْرَأوا كِتابِيَهْ ) (٥) .
____________________
(١). سورة يوسف: ٤٣.
(٢). المزهر في اللغة ٢ / ٧٧.
(٣). الصحاح - العجف.
(٤). تفسير الرازي ١٨ / ١٤٧.
(٥). الأشباه والنظائر ٢ / ٨٩.
ومن ذلك « ميسرة » بضم السين - وهو قراءة عطاء - قال السيوطي: « قال سيبويه: وليس في الكلام مفعل. قال ابن خالويه في شرح الدريدية: وذكر الكسائي والمبرد مكرماً ومعوناً ومألكاً. فقال من يحجّ لسيبويه: إن هذه أسماء جموع، وإنما قال سيبويه لا يكون اسم واحد على مفعل. قال ابن خالويه: وقد وجدت أنا في القرآن حرفاً ( فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) كذا قرأها عطاء »(١) .
ومن ذلك « جمالات »، قال السّيوطي: « ليس في كلامهم جمع جمع ست مرات إلّا الجمل، فإنّهم جمعوا جملاً أجملا ثم أجمالا ثم جاملاً ثم جمالاً ثم جمالة ثم جمالات، قال تعالى: ( جِمالَتٌ صُفْرٌ ) فجمالات جمع جمع جمع جمع جمع الجمع »(٢) .
ومن ذلك « تفاوت » فتح الواو وكسرها. قال السيوطي: « ليس في كلامهم مصدر فاعل إلّا على التفاعل بضم العين، إلّا على التفاعل بضم العين، إلّا حرف واحد جاء مفتوحاً ومكسوراً ومضموماً: تفاوت الأمر تفاوتاً وتفاوتاً وتفاوتاً، وهو غريب مليح. حكاه أبو زيد »(٣) .
ومن ذلك « تكاد » مضارع كدت بضم الكاف قال السيوطي: « قال ابن قتيبة: كلّ ما كان على فعل فمستقبله بالضم، لم يأت غير ذلك إلّا في حرف واحد من المعتل، روى سيبويه أنّ بعض العرب قال: كدت تكاد »(٤) .
ومن ذلك « سقط في أيديهم » قال السّيوطي: « في شرح المقامات للمطرزي قال الزجاجي: سقط في أيديهم نظم لم يسمع قبل القرآن، ولا عرفته العرب، ولم يوجد ذلك في أشعارهم ...»(٥) .
____________________
(١). المزهر ٢ / ٣٣.
(٢). المصدر نفسه ٢ / ٥٨.
(٣). المصدر نفسه ٢ / ٦١.
(٤). المزهر ٢ / ٦١.
(٥). المصدر نفسه ٢ / ١٥٣.
ومن ذلك « نشدتك بالله لمـّا فعلت » قال السيوطي: « وقال الزمخشري: في الأحاجي: قولهم نشدتك بالله لمـّا فعلت. كلام محرّف عن وجهه، معدول عن طريقه، مذهوب مذهب ما أغربوا به على السامعين من أمثالهم ونوادر ألغازهم وأحاجيهم وملحهم وأعاجيب كلامهم »(١) .
وإنّ هذه الألفاظ والاستعمالات التي ذكرناها هي من باب التمثيل، ومن شاء المزيد فليراجع كتاب ( المزهر ) وكتاب ( الأشباه والنظائر ) للسيوطي وغيرهما من كتب هذا الشأن.
وقال السيوطي: « قال ابن جني في الخصائص: المسموع الفرد هل يقبل ويحتج به؟ له أحوال أحدها: أن يكون فرداً، بمعنى أنه لا نظير له في الألفاظ المسموعة، مع إطباق العرب على النطق به. فهذا يقبل ويحتج به ويقاس عليه إجماعاً، كما قيس على قولهم في شنوة شناءي، مع أنه لم يسمع غيره، لأنّه لم يسمع ما يخالفه، وقد أطبقوا على النطق به »(٢) .
ومن طرائف الأمور ذكر الرازي مورداً لا نظير له حيث قال في ( نهاية العقول ): « وأما بيت لبيد قال حكي عن الأصمعي فيه قولان أحدهما: إن المولى فيه اسم لموضع الولي كما بيّنا، أي تحسب البقرة أن كلاً من الجانبين موضع المخافة، وإنما جاء مفتوح العين تغليباً لحكم اللام على الفاء، على أن الفتح في معتل الفاء قد جاء كثيراً، منه موهب، موحد، وموضع، وموحل، والكسر في معتل اللام لم يسمع إلّا في كلمة واحدة وهي مأوى »(٣) .
ومن الأجوبة عن دعوى عدم مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأفعل )، وعدم
____________________
(١). الأشباه والنظائر ١ / ١٨٨.
(٢). المزهر ١ / ١٤٧.
(٣). بغية الوعاة ١ / ٥٦٧.
ورود ( مولى منك ) في مكان ( أولى منك ) ما انقدح في ذهني ببركة أهل البيت عليهمالسلام وهو: إن عدم مجيء ( المفعل ) بمعنى ( الأفعل ) في المواد الأخرى، وعدم صحة استعمال ( مولى منك ) بدل ( أولى منك ) يدل على أن في لفظة ( المولى ) شعاعاً من نور لفظ الجلالة ( الله )، لأن الله تعالى قد أطلق هذا اللفظ على نفسه، وقرنه بلفظ الجلالة ونحوه من غير فصل، في موارد من القرآن الكريم:
ففي سورة البقرة: ( رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) .
وفي سورة آل عمران: ( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ) .
وفي سورة الأنعام: ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) .
وفي سورة الأنفال: ( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) .
وفي سورة التوبة: ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) .
وفي سورة يونس: ( وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) .
وفي سورة الحج: ( فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) .
وفي سورة محمد: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) .
وفي سورة التحريم: ( قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) .
وأيضاً في سورة التحريم: ( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ) .
فالأولى والأحق بإطلاق لفظ ( المولى ) عليه هو ( الله ) سبحانه ثم ( النبي )
صلىاللهعليهوآله ثم سيدنا ( أمير المؤمنين ) عليهالسلام ، ومن هنا أطلق النبي صلىاللهعليهوآله ذلك على نفسه، واختار هذا اللفظ في مقام بيان إمامة علي عليهالسلام ، فكما أن لله تعالى والنبي والامام خصائص، فإنّ لهذا اللفظ أيضاً من الخصائص ما لا نصيب لغيره من الألفاظ منها.
فيكون للفظ ( المولى ) خصائص كما للفظ ( الله ) خصائص اختص بها:
قال نجم الأئمة رضي الدين محمد بن الحسن الأسترآبادي * ترجم له السيوطي بقوله: « الرضي الامام المشهور، صاحب شرح الكافية لابن الحاجب، الذي لم يؤلَّف عليها بل ولا في غالب كتب النحو مثله، جمعاً وتحقيقاً وحسن تعليل. وقد أكبّ الناس عليه وتداولوه، واعتمده شيوخ هذا العصر فمن قبلهم في مصنفاتهم ودروسهم، وله فيه أبحاث كثيرة مع النحاة واختيارات جمة ومذاهب تفرّد بها. ولقبه نجم الأئمة. ولم أقف على اسمه ولا شيء من ترجمته، إلّا أنه فرغ من تأليف هذا الشرح سنة ٦٨٣. وأخبرني صاحبنا شمس الدين ابن عرم بمكة أن وفاته سنة أربع وثمانين أو ستّ. الشك مني، وله شرح على الشافية(١) » * « والأكثر في ( يا الله ) قطع الهمزة، وذلك للإِيذان من أول الأمر على أن الألف واللّام خرجا عمّا كانا عليه في الأصل، وصارا كجزء الكلمة، حتى لا يستكره اجتماع يا واللام، فلو كان بقيا على أصلهما لسقط الهمزة في الدرج، إذ همزة اللام المعرفة همزة وصل. وحكى أبو علي: يا الله بالوصل على الأصل، وجوّز سيبويه أن يكون ( الله ) من لا يليه ليهاً، أي استتر، فيقال في قطع همزته واجتماع اللام ويا: إن هذا اللفظ اختص بأشياء لا تجوز في غيره، كاختصاص مسمّاه تعالى.
وخواصه ما في اللهم وتالله وا آلله وها الله وذا الله مجروراً بحرف مقدر في السعة، وأ فألله بقطع الهمزة كما يجيء في باب القسم، وقوله:
من أجلك يا التي تيّمت قلبي |
وأنت بخيلة بالوصل عني |
____________________
(١). بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ١ / ٥٦٧.
شاذ، ووجه جوازه مع الشذوذ لزوم اللّام. وقوله:
فيا الغلامان اللذان فرا |
أيّاكما ان تبغيا لي شرا |
أشد.
وبعض الكوفيين يجوّز دخول يا علي ذي اللام مطلقاً في السعة.
والميمان في اللهم عوض من يا أخّرتا تبرّكا باسمه تعالى »(١) .
قوله:
« الّا أبا زيد اللغوي فانه جوّز ذلك ».
أقول:
إن القول بأنّ مجوّز مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) ليس إلّا أبو زيد اللغوي كذب صريح، وافتراء محض، فقد علمت فيما تقدّم أنّ القائلين بإفادة ( المولى ) لمعنى ( الأولى ) هم جمع كثير، وجم غفير من أساطين أئمة اللغة، ومشاهير علوم العربية ورجال الأدب.
إلّا أنّ إقرار ( الدهلوي ) بتجويز أبي زيد اللغوي ذلك، فيه الردّ على دعوى شيخه الكابلي عدم صحة ثبوت قول أبي زيد ذلك، حيث قال في جواب حديث الغدير من ( الصواقع ): « وهو باطل، لأن مولى لم يجيء بمعنى الأولى ولم يصرّح أحد من أهل العربية أن مفعلاً جاء بمعنى أفعل، وما روي عن أبي زيد ثبوته لم يصح ».
____________________
(١). شرح الكافية لنجم الأئمة الأسترآبادي ١ / ٧٣ ط قديم.
ويتضح بطلان نسبة القول بجواز ذلك إلى أبي زيد فحسب من كلام الفخر الرازي - الذي هو الأصل في هذه الشبهات -، إذْ تقدّم في البحوث السابقة نقله تفسير ( المولى ) بـ ( الأولى ) عن جماعة من أئمة اللغة والأدب، كأبي عبيدة والأخفش والزجّاج والرمّاني وابن الأنباري.
هذا كلّه مع أنه لو فرض أنّ أحداً من أئمة اللغة لم يجوّز ذلك، إلّا أبا زيد اللغوي، فإن قول أبي زيد وحده يكفينا في الاستدلال، وبه يتمّ مرام أهل الحق لوجوه عديدة نذكرها باختصار:
الوجه الأول:
قال السيوطي: « النوع الخامس: معرفة الأفراد، وهو: ما انفرد بروايته واحد من أهل اللغة، ولم ينقله أحد غيره، وحكمه القبول إنْ كان المتفرّد به من أهل الضبط والإِتقان، كأبي زيد، والخليل، والأصمعي، وأبي حاتم، وأبي عبيدة وأضرابهم وشرطه أن لا يخالفه فيه من هو أكثر عدداً منه، وهذه نبذة من أمثلته:
فمن افراد أبي زيد الأوسي الأنصاري قال في الجمهرة: المنشبة: المال.
هكذا قال أبو زيد ولم يقله غيره. وفيها: رجل ثط. ولا يقال أثط. قال أبو حاتم قال أبو زيد مرة: أثط. فقلت له: أتقول أثط؟ فقال: سمعتها. والثطط خفّة اللّحية في العارضين »(١) .
فلو سلّمنا انفراد أبي زيد برواية مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى )، فإنّ حكمه
____________________
(١). المزهر في اللغة ١ / ٧٧.
القبول، لأنه من أهل الضبط والإتقان كما نصّ عليه السيوطي، ولم يخالفه واحد من الأئمة فضلاً عن العدد الكثير.
الوجه الثاني:
قال السّيوطي: « قال ابن الأنباري: نقل أهل الأهواء مقبول في اللغة وغيرها، إلّا أن يكونوا ممن يتديّنون بالكذب، كالخطابية من الرافضة، وذلك لأن المبتدع إذا لم تكن بدعته حاملة له على الكذب فالظاهر صدقه »(١) .
فإذا كان نقل أهل الأهواء مقبولاً، فنقل أبي زيد يكون مقبولاً بالأولوية.
الوجه الثالث:
قال السيوطي: « قال الشيخ عز الدين بن عبد السّلام في فتاواه: أعتمد في العربية على أشعار العرب وهم كفّار، لبعد التدليس فيها، كما أعتمد في الطب وهو في الأصل مأخوذ عن قوم كفار كذلك. إنتهى.
ويؤخذ من هذا أنّ العربي الذي يحتج بقوله لا يشترط فيه العدالة، بخلاف راوي الاشعار واللغات، وكذلك لم يشترطوا في العربي الذي يحتج بقوله البلوغ، فأخذوا عن الصبيان »(٢) .
إذن، يقبل قول أبي زيد اللغوي بالأولوية القطعية من جهات.
الوجه الرابع:
قال السيوطي: « إذا سئل العربي أو الشيخ عن معنى لفظ فأجاب بالفعل لا بالقول يكفي، قال في الجمهرة: ذكر الأصمعي عن عيسى بن عمر قال:
____________________
(١). المصدر نفسه ١ / ٨٤.
(٢). المصدر نفسه وذكره في ( تدريب الراوي ) أيضاً ١ / ١٥٢.
سألت ذا الرمّة عن النضناض. فلم يزدني على أن حرّك لسانه في فيه. إنتهى.
قال ابن دريد يقال: نضنض الحية لسانه في فيه إذا حرّكته وبه سمّي الحية نضناضاً »(١).
ومن المعلوم أنّ أبا زيد عربي وشيخ فلا وجه لردّ قوله.
الوجه الخامس:
قال السيوطي: « وقال ابن جني في الخصائص: من قال إنّ اللغة لا تعرف إلّا نقلاً فقد أخطأ، فإنها قد تعلم بالقرائن أيضاً، فإن الرجل إذا سمع قول الشاعر:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم |
طاروا إليه زرافاتٍ ووحدانا |
يعلم أن الزرافات بمعنى الجماعات »(٢) .
فإذا كانت اللغة تعلم بالقرائن أيضاً، فإنّ النقل الصريح يفيد العلم بها بالأولوية القطعيّة.
الوجه السادس:
تجويز ابن هشام الاحتجاج بالشواهد التي لم يعرف قائلوها، فإنه قال في جواب من استشكل ذلك: « ولو صحّ ما قاله لسقط الاحتجاج بخمسين بيتاً من كتاب سيبويه، فإنّ فيه ألف بيت قد عرف قائلوها وخمسين مجهولة القائل »(٣) .
وعليه فالاحتجاج بقول أبي زيد اللغوي الامام المشهور جائز بالأولوية القطعية.
____________________
(١). المزهر ١ / ٨٦.
(٢). المصدر نفسه ١ / ٣٧.
(٣). المصدر نفسه ١ / ٨٥.
ثم إنّ كلمات كبار علماء أهل السنة ومشاهير أئمتهم في ترجمة أبي زيد والثناء عليه، لخير شاهد ودليل على عظمة الرجل وجلالته، وأنّه من أئمة اللغة والأدب، المعتمد عليهم في معرفة اللغات، وممّن إليه الرجوع في علوم العربية، وإليك بعض كلماتهم في حقه:
١ - النووي: « أبو زيد الأنصاري النحوي اللغوي، صاحب الشافعي، وشيخ أبي عبيد القاسم بن سلّام، هو: أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت، أبو زيد الأنصاري، الامام في النحو واللغة قال الخطيب: وكان ثقة ثبتاً من أهل البصرة، وقدم بغداد.
ثم ذكر الخطيب باسناده عن أبي عثمان المازني قال: كنّا عند أبي زيد فجاء الأصمعي فأكبّ على رأسه وجلس وقال: هذا عالمنا ومعلّمنا منذ ثلاثين سنة، فبينا نحن كذلك إذ جاء خلف الأحمر فأكبّ على رأسه وجلس فقال: هذا عالمنا ومعلّمنا منذ عشر سنين.
وسئل الأصمعي وأبو عبيدة عنه فقالا: ما شئت من عفاف وتقوى وإسلام. وقال صالح بن محمد الحافظ: أبو زيد ثقة.
توفي سنة ٢١٥. وقيل سنة ٥١٤. قال المبرد حدّثنا الرياشي وأبو حاتم: إنه توفي سنة ٢١٥، وله ثلاث وتسعون سنة، توفي بالبصرة رحمهالله »(١) .
٢ - الذهبي: « العلّامة أبو زيد الأنصاري قال بعض العلماء: كان الأصمعي يحفظ ثلث اللغة، وكان أبو زيد يحفظ ثلثي اللغة. وكان صدوقاً صالحاً »(٢) .
٣ - اليافعي: « قال أصحاب التاريخ: كان من أئمة الأدب، وغلبت
____________________
(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٣٥.
(٢). العبر - حوادث ٢١٥.
عليه اللغات والنوادر والغريب، وكان ثقة في روايته، وقال أبو عثمان المازني: رأيت الأصمعي وقد جاء إلى حلقة أبي زيد المذكور، فقبّل رأسه وجلس بين يديه وقال: أنت رئيسنا وسيّدنا منذ خمسين سنة. وكان الامام أبو سفيان الثوري يقول: أمّا الأصمعي فأحفظ الناس، وأما أبو عبيدة فأجمعهم، وأما أبو زيد الأنصاري فأوثقهم وكان صدوقاً صالحاً »(١).
٤ - الجزري: « قال الحافظ أبو العلاء: كان أبو زيد الأنصاري من أجلّة أصحاب أبي عمرو وكبرائهم، ومن خيار أهل النحو واللغة والشعر ونبلائهم، مات سنة ٢١٥ بالبصرة عن أربع أو خمس وتسعين سنة »(٢) .
٥ - السيوطي: « أبو زيد الأنصاري الامام المشهور. كان إماماً نحوياً، صاحب تصانيف أدبية ولغوية. غلبت عليه اللغة والنوادر والغريب وروى له أبو داود والترمذي قال السيرافي: كان أبو زيد يقول: كلما قال سيبويه أخبرني الثقة فأنا أخبرته به. وقيل: كان الأصمعي يحفظ ثلث اللغة، وأبو زيد ثلثي اللغة، والخليل بن أحمد نصف اللغة »(٣) .
٦ - وقد تقدّم بترجمة أبي عبيدة طرف من مناقب أبي زيد اللغوي عن كتاب ( المزهر في اللغة ) عن أبي الطيب اللغوي، وفيه من ذلك ما لم ننقله سابقاً فليراجع.
قوله:
« ومستمسكه قول أبي عبيدة في تفسير ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي: أولى بكم ».
____________________
(١). مرآة الجنان - حوادث ٢١٥.
(٢). طبقات الحفاظ ١ / ٣٠٥.
(٣). بغية الوعاة ١ / ٥٨٢.
أقول:
هذه الدعوى لا دليل عليها، وأبو زيد كان معاصراً لأبي عبيدة، وكان يقاربه في السنّ أيضاً، فأبو زيد ولادته سنة (١٢٠) كما في ( طبقات القراء ) لابن الجزري وتوفي كما ذكر النووي سنة (٢١٥) وله من العمر (٩٣) وكذا ذكر الذهبي في ( العبر ) واليافعي في ( مرآة الجنان ).
وأبو عبيدة ولد سنة (١١٢) ومات سنة سبع، وقيل عشر ، وقيل إحدى عشرة ومائتين كما في ( بغية الوعاة ).
ثم إنّ أبا زيد كان أعلم وأفضل من أبي عبيدة، كما تفيد عبارات المبرّد وغيره.
على أنّ كلام ( الدهلوي ) هذا يشتمل على تكذيب الكابلي، فإنّ الكابلي نفى صحة ثبوت مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) عن أبي زيد، لكنّ ( الدهلوي ) يصرّح بتجويز أبي زيد ذلك، ويدّعي أنه قد اعتمد في هذا القول على قول أبي عبيدة، وهذا كلّه ردّ على الكابلي وتكذيب لإِنكاره ثبوت قول أبي زيد بهذا المعنى، ولله الحمد على ذلك.
كما أنّ ظاهر كلام ( الدهلوي ) هو الاعتراف بتفسير أبي عبيدة ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) بقوله: « أي أولى بكم » فأبو عبيدة أيضاً ممن يقول بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى )، وبه فسّر هذا اللفظ في الكلام الإِلهي، فاستنكار ( الدهلوي ) أخذ ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) في حديث الغدير في غاية البطلان. وأمّا حمله تفسير أبي عبيدة على أنه بيان لحاصل معنى الآية فيأتي جوابه عن قريب، وخلاصته: أن هذا الحمل دعوى لا دليل عليها، على أنه - لو سلّم - لا ينافي استفادة معنى ( الأولى ) من تلك اللفظة بوجه من الوجوه.
هذا، مضافاً إلى أن اعتراف ( الدهلوي ) بتفسير أبي عبيدة يدلُّ على شدّة تعصب الكابلي الذي لم يتطرّق إلى هذا الموضوع، وكأنّه يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة.
قوله:
« لكن جمهور أهل العربية يخطّئون هذا القول وهذا التمسّك ».
أقول:
هذه الدعوى كاذبة
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إنّ يقولون إلّا كذباً، سبحان الله!! ما هذه الكذبات المتكررة، والافتراءات المتوالية؟!
نعم، إنه يريد إثبات أن « الولد على سرّ أبيه »، فقد أنكر أبوه من قبل مجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر )، بالرغم من أنّ الفخر الرازي وأتباعه لم يناقشوا في هذا المعنى قط، أمّا ولده ( الدهلوي ) فانّه - وإنْ لم ينكر مجيئه بهذا المعنى لكنه - نفى مجيئه بمعنى ( الأولى )، وزعم أن ذلك مذهب جمهور أهل العربية، مع أن جمهورهم لم يخطّئوا هذا القول أبداً، والمدعي مطالب بالدليل.
بل إنّ كثيراً من أساطينهم كالفرّاء، وأبي عبيدة، والأخفش، وأبي العباس ثعلب، والمبرّد، والزجاج، وابن الأنباري، والسجستاني، والرّماني، والجوهري والثعلبي، والواحدي، والأعلم الشنتمري، والزوزني، والبغوي، والزمخشري وغيرهم، ممن سمعت أسمائهم يوافقون أبا زيد في إثبات مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى )، ويقولون بقوله فإنْ كانت هذه الموافقة تخطئة فلا مشاحة
في الاصطلاح.
ومما يوضّح شناعة هذه الأكذوبة أن الرازي - مع أنه رئيس المنكرين ومقتدى الجاحدين - لم يجترئ عليها، وإن أتباعه كالاصفهاني، والإِيجي، والجرجاني، والبرزنجي، وابن حجر، والكابلي، لم يتفوّهوا بها، مع كونهم في مقام الردّ على حديث الغدير، وإبطال الاستدلال به.
كما أنّ هذه الدعوى تثبت كذب الكابلي في نفي صحة نسبة هذا القول إلى أبي زيد، فإنّ صريح كلام ( الدهلوي ) هو دعوى إنكار جمهور أهل العربية على أبي زيد هذا القول، فيكون قول أبي زيد بذلك ثابتاً لدى الجمهور.
ومن الغريب أنّ ( الدهلوي ) يحتج بقول أبي زيد اللغوي في باب المكايد من كتابه ( التحفة )، لكنه هنا حيث يرى موافقة قول أبي زيد لمذهب أهل الحق يحاول إبطال هذا القول، ولو بالأكاذيب والافتراءات المتوالية المتكررة.
هذا، ولو فرضنا أن أحداً من اللغويين قد أنكر بصراحة على أبي زيد قوله، لم يكن في إنكاره حجة، لأنّ المثبت مقدّم على النافي، ولأن إثبات المثبتين كاف لصحة استدلال أهل الحق الميامين.
على أنه قد علم مما تقدم أن أبا زيد أعلم وأفضل من أبي عبيدة، والأصمعي، بل الخليل، وعلم أيضاً إنتهاء علم العربية إلى هؤلاء الثلاثة، فيكون مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) ثابتاً بقول أفضل الثلاثة، الذين انتهى إليهم علم العربية، وبقول واحد آخر منهم وهو أبو عبيدة، إذْ فسّر ( المولى ) في الآية الكريمة بـ ( الأولى ).
* * *
وجوه إبطال النقض بلزوم
استعمال ( مولى منك ) في موضع ( أولى منك )
قوله:
« قائلين بأنه لو صح هذا القول لزم جواز أن يقال « مولى منك » في موضع « أولى منك »، وهو باطل منكر بالاجماع ».
أقول:
هذا الكلام باطل من وجوه:
فأوّل ما فيه: إن نسبة هذا النقض إلى جمهور أهل العربية كاذبة، فالله حسيب ( الدهلوي ) على هذه الأكاذيب الفاضحة والدعاوي الباطلة.
بل الأصل في هذا الكلام الباطل هو الرازي وأتباعه، الذين لا يد لهم في علم العربية ولا نصيب، ولو كان لهم أدنى مناسبة بذلك لما تفوّهوا به، ولذا أعرض عنه الكابلي، فلم يذكره ولم يورّط نفسه.
ثمّ إنّ هذه الشبهة مذكورة مع جوابها في أوائل الكتب التي يدرسها المبتدئون مثل ( سلّم الثبوت ) و ( شروحه )، ولكن ( الدهلوي ) قد غفل عن ذلك لشدة إنهماكه في الخرافات، وسعيه وراء إنكار الحقائق بالشبهات.
ولمـّا كان كلام ( الدهلوي ) هذا ملخصّاً لكلام الفخر الرازي فإنّا نورد نص عبارة الرازي في ( نهاية العقول ) في هذا المقام، ثم نشرع في استيصال شبهاته بالتفصيل، فيكون كلام ( الدهلوي ) هباء منثوراً، وهذه عبارة الرازي بعينها:
« ثانيهما: إن ( المولى ) لو كان يجيء بمعنى ( الأولى ) لصح أن يقرن بأحدهما كل ما يصح قرنه بالآخر، لكنه ليس كذلك، فامتنع كون المولى بمعنى الأولى.
بيان الشرطية: إن تصرف الواضع ليس إلّا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأما ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض - بعد صيرورة كلّ واحد منها موضوعاً لمعناه المفرد - فذلك عقلي. مثلاً إذا قلنا « الانسان حيوان » فإفادة لفظة « الإنسان » للحقيقة المخصوصة بالوضع، وإفادة لفظ « الحيوان » للحقيقة المخصوصة أيضاً بالوضع. فأمّا نسبة الحيوان إلى الإنسان بعد المساعدة على كون كل واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعنى المخصوص، فذلك بالعقل لا بالوضع.
وإذا ثبت ذلك فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى، ولفظة « من » موضوعة لمعنى آخر، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل.
وإذا ثبت ذلك فلو كان المفهوم من لفظة « الأولى » بتمامه من غير زيادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة « المولى »، والعقل حكم بصحة اقتران المفهوم من لفظة « من » بالمفهوم من لفظة « الأولى »، وجب صحة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة « المولى »، لأن صحة ذلك الاقتران ليست بين اللفظتين بل بين مفهوميهما.
بيان أنّه ليس كلّما يصح دخوله على أحدهما صح دخوله على الآخر أنه لا يقال: « هو مولى من فلان » كما يقال: « هو أولى من فلان »، ويصح أن يقال: « هو مولى » و « هما موليان » ولا يصح أن يقال: « هو أولى » بدون « من » و « هما أوليان ». وتقول: « هو مولى الرجل » و « مولى زيد » ولا تقول: « هو أولى الرجل » ولا « أولى زيد »، ولا تقول: « هما أولى رجلين » و « هم أولى رجال »، ولا تقول: « هما مولى رجلين » ولا « هم مولى رجال »، ويقال: « هو مولاه ومولاك » ولا يقال: « هو أولاه وأولاك ».
لا يقال: أليس يقال « ما أولاه »؟ لأنا نقول: ذاك أفعل التعجب، لا أفعل التفضيل. على أن ذاك فعل وهذا اسم، الضّمير هناك منصوب وهنا مجرور.
فثبت بهذين الوجهين أنه لا يجوز حمل المولى على ( الأولى ).
وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».
وكلام الرازي هذا يشتمل على مكابرات وأباطيل كثيرة، نوضّحها فيما يلي بالتفصيل:
(١) قوله: « إن تصرف الواضع ليس إلّا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأما ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض - بعد صيرورة كل واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد - فذلك أمر عقلي » إدّعاء محض ولم يذكر له دليلاً.
(٢) قوله: « مثلاً - إذا قلنا الإنسان حيوان » فرار من ذكر الدليل على الدعوى، ومن الواضح أن ذكر المثال يكون بعد الدليل، ولا يغني التمثيل عن الدليل بحال من الأحوال.
(٣) قوله: « فأما نسبة الحيوان إلى الإنسان بعد المساعدة على كون كل واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعنى المخصوص فذلك بالعقل لا بالوضع » خبط وذهول، إذ الكلام في ضمّ بعض الألفاظ المفردة إلى البعض الآخر، كما هو
صريح كلامه سابقاً حيث قال: « فأمّا ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض بعد صيرورة كل واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد فذلك أمر عقلي ». ومن المعلوم أن ضمّ بعض الألفاظ إلى البعض عبارة عن التركيب بين الألفاظ بحسب القواعد في ذلك اللسان، كضم الفعل إلى الفاعل، والمضاف إلى المضاف اليه، والمبتدأ إلى الخبر وهكذا وضمّ بعض الألفاظ إلى البعض هو بحسب الاستعمال والنطق، وأنا نسبة الحيوان إلى الإنسان فهو بحسب التصور والتعقل، فالتمثيل بهذا المثال لذاك المعنى تهافت وذهول، لأن كلامنا في صحة اقتران لفظ بلفظ في الاستعمال، وليس الكلام في نسبة المفاهيم والمصاديق، وكون الأول من الأمور المنقولة والثاني من الأمور المعقولة غير مخفي على أحد، كما لا يخفى بطلان قياس أحدهما على الآخر.
(٤) قوله: « وإذا ثبت ذلك فلفظة ».
ما الذي ثبت؟! الذي ذكره أمران، أحدهما إدعاء، والآخر تمثيل، فأما الدعوى المحضة فلا تثبت أمراً، وأما التمثيل فكذلك إنْ كان مطابقاً للممثل له، فكيف بهذا المثال الذي ذكره، البعيد عن الممثل له غاية البعد؟!
(٥) إن قياس معنى « من » على معنى « الإنسان » و « الحيوان » من البطلان بمكان، لأن كلاً من اللفظتين مستقلّة بالمفهومية، بخلاف « من » فإنّ معناها غير مستقل، ولا مناسبة بين المستقل وغير المستقل.
(٦) « فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل » من غرائب المجازفات وعجائب التقوّلات، لا تجده في أبسط كتاب من كتب النحو، ولا يتفوّه به أحد من أصاغر الطلبة، ولو صح ما ذكره لبطل الكثير من القواعد النحوية، ووقع الاختلال العظيم في المحاورات العرفية
إنه يجب حذف الخبر في مواضع ذكرها النحويون قال الشيخ ابن الحاجب في ( الكافية ): « وقد يحذف المبتدأ لقيام قرينة جوازاً كقول المستهل:
الهلال والله. والخبر جوازاً مثل: خرجت فإذا السبع. ووجوباً فيما التزم في موضعه غيره مثل: لو لا زيد لهلك عمر، ومثل: ضربي زيداً قائماً، ومثل: كل رجل وضيعته، ومثل: لعمرك لأفعلنّ كذا ».
ولو كان ضم بعض الألفاظ إلى بعض بالعقل لا بالوضع، لم يكن وجه لوجوب حذف الخبر في هذه المواضع الأربعة، لعدم لزوم أي استحالة عقلية من ذكره فيها.
ويجب حذف فعل المفعول المطلق سماعاً وقياساً، قال ابن الحاجب: « وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازاً، كقولك لمن قدم: خير مقدم. ووجوباً سماعاً نحو: سقياً ورعياً، وخيبة وجدعاً، وحمداً وشكراً، وعجباً. وقياساً في مواضع، منها: ما وقع مثبتاً بعد نفي أو معنى نفي داخل على اسم لا يكون خبراً عنه، أو وقع مكرراً نحو: ما أنت إلّا سيراً، وما أنت إلّا سير البريد، وإنما أنت سيراً، وزيد سيراً سيراً. ومنها: ما وقع تفصيلاً لأثر مضمون جملة متقدمة مثل ( فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) ومنها: ما وقع للتشبيه علاجاً بعد جملة مشتملة على اسم بمعناه وصاحبه مثل: مررت به فإذا له صوت صوت حمار وصراخ صراخ الثكلى. ومنها: ما وقع مضمون جملة لا محتمل لها غيره نحو: له عليَّ ألف درهم اعترافاً، ويسمى تأكيداً لنفسه. ومنها: ما وقع مضمون جملة لها محتمل غيره مثل: زيد قائم حقاً ويسمى تأكيداً لغيره. ومنها: ما وقع مثنى مثل لبيك وسعديك ».
ولو كان ضمّ بعض الألفاظ إلى بعض والتركيب بينها بالعقل لا بالوضع، لم يمتنع ذكر الفعل في هذه المواضع، لعدم لزوم أي استحالة عقلية من ذلك.
وقد يجب حذف الفعل العامل في المفعول به، قال ابن الحاجب: « وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازاً نحو: زيداً لمن قال: من أضرب؟ ووجوباً في أربعة مواضع: الأول سماعي نحو: أمراً ونفسه. و ( انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ) وأهلْاً وسهلْاً ». ولو كان التركيب بين الألفاظ دائراً مدار حكم العقل لجاز ذكر الفعل في هذه المواضع.
وقال السيوطي: « الأصول المرفوضة، منها: جملة الاستقرار الذي يتعلق به الظرف الواقع خبراً. قال ابن يعيش: حذف الخبر الذي هو استقر ومستقر، وأقيم الظرف مقامه وصار الظرف هو الخبر، والمعاملة معه، ونقل الضمير الذي كان في الاستقرار إلى الظرف، وصار مرتفعاً بالظرف، كما كان مرتفعاً بالاستقرار، ثم حذف الاستقرار وصار أصلاً مرفوضاً، لا يجوز إظهاره للاستغناء عنه بالظرف.
ومنها: خبر المبتدأ الواقع بعد لو لا، نحو: لو لا زيد لخرج عمر، وتقديره لو لا زيد حاضراً. قال ابن يعيش: ارتبطت الجملتان، وصارتا كالجملة الواحدة، وحذف خبر المبتدأ من الجملة الأولى، لكثرة الاستعمال، حتى رفض ظهوره ولم يجز استعماله.
ومنها: قولهم إفعل هذا أمّا لا. قال ابن يعيش: ومعناه: إنّ رجلاً أمر بأشياء يفعلها فتوقف في فعلها فقيل له: إفعل هذا إنْ كنت لا تفعل الجميع، وزادوا على إنْ ما وحذف الفعل وما يتصل به، وكثر حتى صار الأصل مهجوراً.
ومنها: قال ابن يعيش: بنو تميم لا يجيزون ظهور خبر لا المثبتة ويقولون هو من الأصول المرفوضة. وقال الاستاذ أبو الحسن بن أبي الربيع في شرح الإيضاح: الإِخبار عن سبحان الله يصح كما يصح الإِخبار عن البراءة من السوء، لكن العرب رفضت ذلك، كما أن « مذاكير » جمع لمفرد لم ينطق به، وكذلك « لييلية » تصغير لشيء لم ينطق به، و « أصيلان » تصغير لشيء لم ينطق به، وإنْ كان أصله أن ينطق به، وكذلك « سبحان » إذا نظرت إلى معناه وجدت الإِخبار عنه صحيحاً، لكنّ العرب رفضت ذلك، وكذلك « لكاع ولكع » وجميع الأسماء التي لا تستعمل إلّا في النداء، إذا رجعت إلى معانيها وجدت الإِخبار ممكناً فيها، بدليل الإِخبار عمّا هي في معناه، لكن العرب رفضت ذلك.
وقال أيضاً في قولك زيداً أضربه: ضعف فيه الرفع على الابتداء، والمختار النصب، وفيه إشكال من جهة الإِسناد، لأن حقيقة المسند والمسند إليه ما لا يستقل الكلام بأحدهما دون صاحبه، واضرب ونحوه يستقل به الكلام وحده،
ولا تقدر هنا أن تقدر مفرداً تكون هذه الجملة في موضعه، كما قدرت في زيد ضربته. فان قلت: فكيف جاء هذا مرفوعاً وأنت لا تقدر على مفرد يعطي هذا المعنى؟ قلت: جاء على تقدير شيء رفض ولم ينطق به، واستغنى عنه بهذا الذي وضع مكانه، وهذا وإنْ كان الأصل فيه بعد إذا أنت تدبّرته وجدت له نظائر، ألا ترى أن « قام » أجمع النحويون على أن أصله قوم، وهذا ما سمع قط فيه ولا في نظيره فكذلك زيد أضربه كأن أضربه وضع موضع مفرد مسند إلى زيد على معنى الأمر، ولم ينطق قط به ويكون كقام.
وقال أيضاً: مصدر عسى لا يستعمل وإنْ كان الأصل لأنه أصل مرفوض »(١) .
أقول: وهذا القدر كاف للرد على ما ادعاه الرازي وارتضاه أتباعه.
(٧) قوله: « وإذا ثبت فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظة « من » موضوعة لمعنى آخر، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل ». واضح البطلان، لأن اقتران « من » بـ « الأولى » مأخوذ من النقل والسماع، وإلّا لجاز اقتران غيره من الحروف مثل « عن » و « على » و « إلى » و « في ». فأيّ مانع عقلاً من أن يقال: « زيد أولى من عمرو » أو يقال: « زيد أولى على عمرو »؟
وممّا يؤيّد ما ذكرنا من كون اقتران « من » بـ « أولى » مأخوذاً من الاستعمال والوضع كلام الشيخ خالد الأزهري في أحكام أفعل التفضيل وهذا نصه:
« والحكم الثاني فيما بعد أفعل: أن تؤتي « من » الجارة للمفضول كما تقدّم من الأمثلة، وهي عند المبرد وسيبويه لابتداء الارتفاع في نحو أفضل منه وابتداء الانحطاط في نحو شرّ منه. واعترضه ابن مالك بأنها لا تقع بعدها « إلى » واختار أنها للمجاوزة، فإنّ معنى زيد أفضل من عمرو: جاوز زيد عمراً في الفضل. واعترضه في المغني: بأنها لو كانت للمجاوزة لصح في موضعها « عن ». ودفع بأن
____________________
(١). الأشباه والنظائر ١ / ٧٠ - ٧١.
صحة وقوع المرادف موقع مرادفه إنما يكون إذا لم يمنع من ذلك مانع، وهاهنا منع مانع وهو الاستعمال، فإن اسم التفضيل لا يصاحب من حروف الجر إلّا « من » خاصة »(١).
(٨) لقد نصّ المحقّقون من أهل اللغة والنحو على عدم جواز تركيب مّا في لغة، من غير أن يسمع لذلك التركيب نظائر، قال السيوطي: « قال أبو حيان في شرح التسهيل: العجب ممن يجيز تركيباً مّا في لغة من اللغات من غير أن يسمع من ذلك التركيب نظائر. وهل التراكيب العربية إلّا كالمفردات العربية؟ فكما لا يجوز إحداث لفظ مفرد كذلك لا يجوز في التراكيب، لأن جميع ذلك أمور وضعيّة، والأمور الوضعيّة تحتاج إلى سماع من أهل ذلك اللسان، والفرق بين علم النحو وبين علم اللغة: أن علم النحو موضوعه أمور كليّة، وموضوع علم اللغة أشياء جزئية، وقد اشتركا معاً في الوضع »(٢) .
وقد نقل السيوطي هذا عن القرافي ونقل عن غيره أنه عزاه إلى الجمهور.
قلت : وعلى هذا فكيف يجوز القول بأن اقتران لفظ بلفظ آخر يكون بالعقل فقط؟
(٩) قوله: « وإذا ثبت ذلك ».
قلت: أي شيء ثبت؟ إنه لم يسبق هذا إلّا قوله: « فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل » وقد عرفت أنه ادعاء محض، بل عرفت بطلانه.
(١٠)قوله : « وجب صحة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة « المولى »، لأن صحة ذلك الاقتران ليس بين اللفظتين بل بين مفهوميهما ».
أقول : هذا الكلام يناقض ما تقدّم منه، لأنه قد ادعى أنه لو كان ( المولى )
____________________
(١). التصريح في شرح التوضيح. مبحث أفعل التفضيل.
(٢). المزهر ١ / ٢٨.
بمعنى ( الأولى ) لزم صحة أن يقال « فلان مولى من فلان »، لكنه بهذا الكلام ينفي ذاك اللزوم، لأنه يقول بأن الاقتران ليس بين اللفظتين، بل إن مفهوم قوله: « بل بين مفهوميهما » هو أن الاقتران ليس إلّا بين المفهومين، مع أن مورد الإلزام في كلامه السابق وأصل الدعوى هو الاقتران بين اللفظين، فقد قال سابقاً: « وثانيهما: إنّ « المولى » لو كان يجيء بمعنى « الأولى » لصحّ أن يقترن بأحدهما كلّ ما يصح قرنه بالآخر » بل ذلك هو صريح الجملة الأخرى من كلامه وهي قوله: « فأمّا ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض » وهكذا قوله: فلفظة « الأولى » إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظة من »، وهو أيضاً صريح الجملة اللاحقة من كلامه: « لا يقال: هو مولى من فلان، كما يقال هو أولى من فلان ».
فظهر بطلان قوله: « لأن صحة ذلك الاقتران ليس بين اللفظتين بل بين مفهوميهما » من كلامه نفسه سابقاً ولا حقاً.
ثم إنّه لم يوضّح مراده من أن الاقتران بين المفهومين لا بين اللفظتين، وأيّ نفع له في هذا الكلام الفارغ؟ أو أيّ ضرر على خصمه فيه؟!
وأما قوله: « بيان أنّه ليس كلما يصح دخوله على أحدهما يصح دخوله على الآخر » ففيه: أنّه أوّل دليل ذكره على هذه الدعوى قوله: « إنه لا يقال هو مولى من فلان كما يقال هو أولى من فلان » ولم يدخل في هذا المثال « من » على « الأولى »، كما لا يدلُّ على عدم جواز دخولها على « المولى »، بل إنّ « من » فيه متأخرة عن « الأولى ».
وأما قوله: « لا يقال: هو مولى من فلان، كما يقال هو أولى من فلان » فهذا ما ذكره ( الدهلوي ) هنا، ونحن وإنْ بينّا فساد مقدمات هذا الاستدلال - المستلزم لفساده - نذكر وجوهاً على بطلانه استناداً إلى كلمات الرازي وكبار محققي علماء اللغة والنحو من مشاهير أهل السنة:
لقد ذكر الفخر الرازي أنّ صحة اقتران لفظ بلفظ هو بالعقل لا بالوضع، وعلى هذا الأساس فلا مانع من أن يقال: « هو مولى من فلان » كما يقال « هو أولى من فلان ».
لقد أجاب شارح المقاصد وشارح التجريد عن هذه الشبهة بأنّ ( المولى ) اسم بمعنى ( الأولى )، لا أنه وصف بمنزلته حتى يعترض بعدم كون ( المولى ) من صيغ اسم التفضيل، وأنه لا يستعمل استعماله.
وقد تقدّم نصّ عبارتهما سابقاً، كما أورد صاحب ( بحر المذاهب ) عبارة شارح التجريد للردّ على توهّم صاحب المواقف وشارحها.
وقال الزمخشري والبيضاوي والخفاجي وغيرهم ببقاء ( المولى ) الوارد بمعنى ( الأولى ) على أصله وهو الظرفيّة، وعليه، فلا يلزم أن يكون استعمال ( المولى ) مثل استعمال ( الأولى ) وان كان بمعناه، حتى لو ثبت جواز إقامة المرادف مقام مرادفه، لأن جواز ذلك مشروط بعدم إرادة معنى الظرفية من ( المولى )، مثلاً: « مئنة » ظرف مأخوذ من « أنّ » يقال: « فلان مئنة للكرم » والجار والمجرور يتعلّق به، كما يقال « البلد الفلاني مجمع للعلماء » لكن لا يجوز استعماله مثل استعمال « إنه لكريم »، فلا يقال: « زيد مئنة لكريم » مع أنه و « إن زيداً لكريم » بمعنى واحد.
لقد أبطل ( الدهلوي ) كلمات الرازي هذه بنفسه من حيث لا يشعر، فقد
ذكر بجواب الاستدلال بجملة « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » بأنّ « الأولى » هنا مشتقة من « الولاية » بمعنى المحبة، يعني: ألست أحب إلى المؤمنين من أنفسهم فنقول: إن معنى هذا الكلام كون « الأولى » مرادفاً « للأحب »، مع أن استعمال اللفظتين ليس واحداً، لأن صلة « أولى » هي « الباء » كما في هذا الكلام النبوي في هذا الحديث الشريف، وصلة « أحب » هي « إلى » كما قال ( الدهلوي ) نفسه.
فلو كان من اللازم اتحاد المترادفين في الاستعمال للزم جواز أن يقوم « أولى إليه » مقام « أحبّ إليه » في كل كلام، وهو غير مسموع إذن كما أن عدم اقتران « إلى » مع « أولى » ليس بقادح في مجيئه بمعنى « الأحبّ » كما يدعي ( الدهلوي )، فكذلك لا يقدح عدم اقتران « من » بـ « المولى » في كون « المولى » بمعنى « الأولى ».
لقد عدل الفخر الرازي عن لجاجه ورجع إلى صوابه في كتاب ( المحصول ) وقبل الحق الحقيق بالقبول، فقد قال جلال الدين المحلّي « والحق وقوع كلّ من الرديفين أي اللفظين المتّحدي المعنى مكان الآخر، إنْ لم يكن تعبّد بلفظه، أي يصح ذلك في كلّ رديفين بأن يؤتى بكلٍ منهما مكان الآخر في الكلام، إذْ لا مانع من ذلك، خلافاً للامام الرازي في نفيه ذلك مطلقاً، أي من لغتين أو لغة، قال: لأنك لو أتيت مكان من في قولك مثلاً: خرجت من الدار بمرادفها بالفارسية أي « أز » بفتح الهمزة وسكون الزاي، لم يستقم الكلام، لأن ضم لغة إلى أخرى بمثابة ضم مهمل إلى مستعمل. قال: وإذا عقل ذلك في لغتين فلم لا يجوز مثله في لغة. أي لا مانع من ذلك. وقال: إن القول الأول أي الجواز الأظهر في أول النظر والثاني الحق ».
وإن هذا الرأي من الرازي مذكور في كتاب سلّم العلوم وشروحه.
لكن من دأب المتعصب العنيد أن يخالف الحق مكابرة، وينكره لغرض إبطال استدلال خصمه!!
لقد ذكر الرازي في آخر كلامه الذي شحنه بالأباطيل بأنّ « هذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول » يعني أن الحق ما ذهب إليه في المحصول من منع القول بلزوم وقوع أحد المترادفين مقام الآخر.
أقول: فإذا كان هذا الوجه مردوداً، فأيّ وجه لذكره مع هذا التطويل؟
والأغرب من ذلك استحسان الاصفهاني والإِيجي والشريف الجرجاني وابن حجر المكي والبرزنجي والسهارنفوري الوجه المردود مع عدم تعرضهم لكونه مردوداً منظوراً فيه كما اعترف الرازي نفسه!! ثم جاء ( الدهلوي ) فرحاً مستبشراً فقلّد الرازي في ذكره، وغضّ النظر عن وجه النظر فيه، مخالفاً للكابلي الذي أعرض عن ذكر النقض من أصله لعلمه بوهنه وبطلانه.
وكما أن القول بوجوب قيام أحد المترادفين مقام الآخر ممنوع عند الرازي في ( المحصول ) ومنظور فيه عنده في ( نهاية العقول )، فإنّ سائر المحققين من أهل السنة يذهبون إلى هذا المذهب، ويصرّحون بعدم وجوب ذلك. فقد قال القاضي محب الله البهاري في ( سلّم العلوم ): « ولا يجب قيام كلّ مقام الآخر وإنْ كانا من لغة، فإن صحة الضم من العوارض، يقال: صلّى عليه، ولا يقال دعا عليه ».
وقد تبعه على ذلك شرّاح كتابه ( مسلّم الثبوت ) وأقاموا الادلة على هذا القول فليرجع إليها.
وقد تقدّم نص كلام الشيخ خالد الأزهري من محققي النحاة(١) .
وقال رضي الدين الاسترآبادي - وهو من محققي النحاة أيضاً - في مبحث أفعال القلوب: « ولا يتوهّم أن بين علمت وعرفت فرقاً من حيث المعنى كما قال بعضهم. فإنّ معنى علمت أن زيداً قائم وعرفت أن زيداً قائم واحد، إلّا أن عرف لا ينصب جزئي الاسمية كما ينصبهما علم، لا لفرق معنوي بينهما، بل هو موكول إلى اختيار العرب، فإنهم قد يخصّون أحد المتساويين في المعنى بحكم لفظي دون الآخر ».
وقال أيضاً - بعد أن ذكر إلحاق أفعال عديدة بصار: « وليس إلحاق مثل هذه الأفعال بصار قياساً بل سماعاً، ألا ترى أن انتقل لا يلحق به مع أنه بمعنى تحوّل ».
لقد مثّل البهاري لعدم الجواز بأن « دعا » لا يقوم مقام « صلّى »، وعرفت أنّ « عرف » لا يقوم مقام « علم » وأن « انتقل » لا يقوم مقام « تحوّل ».
لكن أمثلة امتناع قيام أحد المترادفين مقام الآخر كثيرة جدّاً، إلّا أن الوقوف على طرف منها يستلزم التتبع لكلمات علماء الفن ومعرفة اللغات والألفاظ، والرازي وأتباعه بعيدون عن ذلك، ونحن نشير هنا إلى بعض تلك الأمثلة والموارد:
فمنها: الفروق الموجودة بين « حتى » و « إلى » مع أنهما متساويان في الدلالة على الغاية، كدخول « إلى » على المضمر بخلاف « حتى »، ووقوع الأول في موضع الخبر مثل: والأمر إليك، بخلاف الثاني
ومنها: الفروق بين « الواو » و « حتى العاطفة » وهي ثلاثة فروق كما في ( مغني
____________________
(١). توجد ترجمته في الضوء اللامع ٣ / ١٧١ وغيره.
اللبيب ) و ( الأشباه والنظائر ) نقلاً عنه.
ومنها: الفروق بين « إلّا » و « غير » وهما بمعنى واحد. قال السيوطي « ذكر ما افترق فيه إلّا وغير. قال أبو الحسن الآبدي في شرح الجزولية: إفترقت إلّا وغير في ثلاثة أشياء أحدها: إنّ غيراً يوصف بها حيث لا يتصور الاستثناء و إلّا ليست كذلك، تقول: عندي درهم غير جيّد. ولو قلت عندي درهم إلّا جيد لم يجز. الثاني: إنّ إلّا إذا كانت مع ما بعدها صفه لم يجز حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، فتقول: قام القوم إلّا زيدا. ولو قلت: قام إلّا زيد لم يجز، بخلاف غير، إذْ تقول: قام القوم غير زيد وقام غير زيد. وسبب ذلك إنّ إلّا حرف لم يتمكن في الوصفية فلا يكون صفة إلّا تابعاً، كما أن « أجمعين » لا يستعمل في التأكيد إلّا تابعاً. الثالث: إنك إذا عطفت على الاسم الواقع بعد إلّا كان إعراب المعطوف على حسب المعطوف عليه، وإذا عطفت على الاسم الواقع بعد غير جاز الجر والحمل على المعنى »(١) .
ومنها: الفروق بين « عند » و « لدن » و « لدى »، وهي في ستة أشياء كما في ( الاشباه والنظائر ).
ومنها: الفروق بين « المصدر » و « أن مع صلتها » وهي في اثني عشر شيء، كما يظهر بالرجوع إلى ( الأشباه والنظائر ).
ومنها: الفروق بين « أم » و « أو » وكلاهما يستعمل للترديد، وهي في أربعة أشياء، كما في ( الأشباه والنظائر ) عن ابن العطار.
ومنها: الفروق العديدة بين ألفاظ الإِ غراء وألفاظ الأمر، ذكرها السيوطي في ( الأشباه والنظائر ) نقلا عن الأندلسي.
ومنها: الفروق بين « هل » و « همزة الاستفهام » وهي كما في ( الأشباه والنظائر ) عن ابن هشام - في عشرة أشياء.
____________________
(١). الأشباه والنظائر ٢ / ١٧٩.
ومنها: الفروق بين « أيان » و « حتى » يظهر من ( الأشباه والنظائر ) أنها في ثلاثة أشياء.
ومنها: الفروق بين « كم » و « كأيّن » وهي كما يفهم من ( مغني اللبيب ) في خمسة أشياء.
هذا، ولا يتوهّم أن الموارد المذكورة غير مشتركة في المادة بخلاف « المولى » و « الأولى » فإنهما من مادة واحدة، لأن كلام الرازي ليس من جهة الاشتراك في المادة، لأن صريح كلامه لزوم اتحاد المترادفين في الاستعمال بسبب إتحادهما في المعنى من غير دخل للاتحاد في المادة في هذا الباب.
على أنّا وجدنا مترادفين مشتركين في المادة مع تنصيص المحققين وأئمة اللغة بعدم جواز استعمال أحدهما في مقام الآخر، ففي ( الصحاح ): « ويقال: يا نومان للكثير النوم ولا تقل: رجل نومان. لأنه يختص بالنداء »(١) .
وفي ( الصحاح ) أيضاً: « وقولهم في النداء: يأفل مخففاً إنما هو محذوف من يا فلان لا على سبيل الترخيم، ولو كان ترخيماً لقالوا: يا فلا. وربما قيل ذلك في غير النداء للضرورة. قال أبو النجم: في لجّة أمسك فلاناً عن فل »(٢) .
هذا وقد أجاب الشهيد التستري رحمهالله عن هذه الشبهة في وجوه ردّ كلام صاحب المواقف بقوله: « ومنها: ان مجيء مفعل بمعنى أفعل مما نقله الشارح الجديد للتجريد عن أبي عبيدة من أئمة اللغة، وأنه فسّر قوله تعالى: ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) بأولاكم. وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها أي الأولى بها والمالك لتدبيرها. ومثله في الشعر كثير، وبالجملة استعمال المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب منقول عن أئمة اللغة، والمراد إنه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه
____________________
(١). الصحاح: نوم.
(٢). المصدر نفسه: فلن.
ليس من صيغة اسم التفضيل، وانه لا يستعمل استعماله.
وأيضاً كون اللفظين بمعنى واحد لا يقتضي صحة اقتران كلٍ منهما في الاستعمال بما يقترن به الآخر، لأنّ صحة اقتران اللفظ باللفظ من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني، ولأنّ الصلاة مثلاً بمعنى الدعاء والصلاة إنما تقترن بعلى والدعاء باللام يقال: صلّى عليه ودعا له، ولو قيل: دعا عليه لم يكن بمعناه. وقد صرّح الشيخ الرضي بمرادفة العلم والمعرفة مع أن العلم يتعدى إلى مفعولين دون المعرفة، وكذا يقال إنك عالم ولا يقال إن أنت عالم، مع أن المتّصل والمنفصل هاهنا مترادفان كما صرّحوا به، وأمثال ذلك كثير ».
وفي كتاب ( عماد الاسلام ) ما نصه: « قد صرّح الشيخ الرضي بمرادفة العلم والمعرفة، مع أن العلم يتعدى إلى مفعولين دون المعرفة، وكذا يقال: إنك عالم ولا يقال إن أنت عالم، مع أن المتصل والمنفصل هاهنا مترادفان كما صرّحوا به وأمثال ذلك كثير.
وبوجهٍ آخر: قد مرّ في مبحث الرؤية من كتاب التوحيد ما يندفع به كلام الرازي هذا، وحاصله: إن اقتران اللّفظ باللفظ من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعنى، فيجوز أن يكون من عوارض لفظ « الانتظار » ما لم يكن من عوارض « النظر » الذي هو بمعناه، وهكذا بالعكس، لتحقق التغاير اللفظي بينهما.
وأيضاً: جاء « بصر بي » ولم يجيء « نظر بي » و « رأى بي ». وهكذا على قول الأشاعرة جاء: « نظر إليه » ولم يجيء « بصر إليه ».
وأيضاً: لو تم دليلك لزم أن يصح « نظرته » كما صح « رأيته »، والحال أن الرازي حكم ببطلانه في مبحث الرؤية، وصح « ان أنت عالم » كما صح « إنّك عالم »، وصح « جاءني إلّا زيد » كما صح « غير زيد » وجاز « عندي درهم إلّا جيّد » كما صح « عندي غير درهم جيد ». مع أن إلّا بمعنى غير في الأمثلة، وصرّح بعدم صحتها صاحب المغني.
وبالجملة، لا يليق بمن يكون ملقباً بإمام الأشاعرة أن يدّعي أمراً خلافاً للواقع ترويجاً لمذهبه ».
لقد تسالم المحققون من العلماء على أنه لا يجري القياس في اللغة، وذلك غير خاف على من نظر في كتبهم ووقف على كلماتهم، وقال السيوطي: « قال الكيا الهراسي في تعليقه: الذي استقر عليه آراء المحققين من الأصوليين أن اللغة لا تثبت قياساً ولا يجري القياس فيها »(١) .
ولو فرضنا جريان القياس في اللغة، فإنّ غاية ما يفيده القياس هو الظن، لكن مفاد نصوص الأساطين المثبتين لمجيء « المولى » بمعنى « الأولى » هو القطع، ولا يعارض الظن القطع قطعاً.
إن حاصل هذا النقض المردود والشبهة المدحوضة هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، وهذه شهادة على النفي، وقد نصّ الرازي نفسه أيضاً في مثل هذا المقام على أن الشهادة على النفي غير مقبولة. قال الرازي: « عابوا عليه - أي على الشافعي - قوله الباء في قوله تعالى: ( وَامْسَحُوا بِرُؤوُسِكُمْ ) تفيد التبعيض، ونقلوا عن أئمة اللغة أنهم قالوا لا فرق بين: وامسحوا برؤسكم، وبين قوله: وامسحوا رؤسكم. والجواب: قول من قال أنه ليس في اللغة أن الباء للتبعيض شهادة على النفي فلا تقبل »(٢) .
____________________
(١). المزهر ١ / ٣٧.
(٢). مناقب الشافعي.
وذكر الرازي أنه لا يجوز قول « هو أولى » و « هما أوليان ». ولكنّا لا نسلّم هذا القول لوجهين:
الأول: إن رأي الرازي هو أن اقتران لفظ بلفظ ليس بالوضع بل العقل، فإذا كان كذلك فإن العقل لا يأبى من قول « هو أولى » و « هما أوليان »، ولا استحالة عقلية في هذا الإطلاق إطلاقاً.
والثاني: إنّ هذه الدعوى تردّها قواعد العربية وتصريحات أئمة اللغة والتفسير، لأن اسم التفضيل قد استعمل في آيات عديدة في القرآن الكريم مجرداً من « من » والاضافة وحرف التعريف، ففي سورة البقرة: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلهِ ) وأيضاً في سورة البقرة: ( ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ) وفي سورة الأنعام: ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) وفي سورة التوبة: ( وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً ) وأيضاً في سورة التوبة ( وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ) وأيضاً في سورة التوبة: ( قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً ) وفي سورة بني إسرائيل: ( وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) وفي سورة الكهف ( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) وفي سورة طه: ( وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى ) وأيضاً في سورة طه: ( وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) وفي سورة القصص: ( وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى ) وفي سورة الأعلى: ( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) .
إذن، يجوز إستعمال اسم التفضيل من دون « من » فدعوى عدم جواز « هو أولى » و « هما أوليان » باطلة.
بل إن خصوص « أولى » ورد استعماله في القرآن بلا « من » قال الله تعالى: ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) .
بل إنّ ظاهر كلمات المحققين من النحاة صحة تركيب « هو أولى » و « هما أوليان »، فإنّهم قد صرّحوا بجواز حذف « من ومجرورها » بعد اسم التفضيل، ولهم على ذلك شواهد من الكتاب وأشعار العرب: قال الأزهري: « وقد تحذف من مع مجرورها للعلم بهما، نحو: ( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) أي من الحياة الدنيا. وقد جاء الإِثبات والحذف في: ( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) أي منك. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
وأفعل التفضيل صله أبداً |
تقديراً أو لفظاً بمن إنْ جرّدا |
وأكثر ما تحذف من مع المفضول إذا كان أفعل خبراً في الحال أو في الأصل، فيشمل خبر المبتدأ وخبر كان وان وثاني مفعولي ظن وثالث مفاعيل أعلم »(١) .
وقال الرضي: « وإذا علم المفضول جاز حذفه غالباً إنْ كان أفعل خبراً كما يقال لك: أنت أسن أم أنا؟ فتجيب بقولك: أنا أسن. ومنه قوله: الله أكبر ويجوز أن يقال في مثل هذه المواضع: إن المحذوف هو المضاف إليه، أي أكبر كلّ شيء ويجوز أن يقال: إن من مع مجرورة محذوف، أي أكبر من كلّ شيء »(٢) .
والأعجب من كل ذلك غفلة الرازي عن صيغة التكبير الذي يفتتح به الصلاة في كل صباح ومساء.
وأما قول الرازي: « وتقول: هو مولى الرجل ومولى زيد ولا تقول هو أولى الرجل ولا أولى زيد » فيبطله وجوه:
____________________
(١). التصريح في شرح التوضيح ٢ / ١٠٢.
(٢). شرح الكافية: مبحث أفعل التفضيل.
الأول: إذا كان ملاك التركيب لدى الرازي هو العقل لا الوضع، فأيّ استحالة عقلية تلزم من هذا التركيب؟
الثاني: إنّ إضافة « أولى » إلى « رجل » و « زيد » جائزة بحسب القاعدة في علم النحو، لأن استعمال اسم التفضيل مضافاً هو أحد طرق استعماله، كما صرح به النحويون بأجمعهم من غير خلاف. فأيّ مانع من إضافة « أولى » وهو اسم تفضيل إلى « زيد » و « الرجل »؟
الثالث: إنه بالاضافة إلى جواز هذا الاستعمال بحسب القاعدة، فقد وقع هذا الاستعمال وورد في حديث نبوي مذكور في الصحيحين،
ففي باب ميراث الولد من أبيه وأمه من كتاب الفرائض من صحيح البخاري:
« حدثنا موسى بن إسماعيل [ قال ] حدّثنا وهيب [ قال ] حدّثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر »(١) .
وقد أخرجه في باب ميراث الجد مع الأب والأخوة(٢) .
وفي باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج(٣) .
وأخرجه مسلم في صحيحه حيث قال: « حدّثنا عبد الأعلى بن حماد - وهو النرسي - [ قال ] نا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.
حدثنا أمية بن بسطام العيشي [ قال ] نا يزيد بن زريع [ قال ] نا روح بن القاسم عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر.
____________________
(١). صحيح البخاري ٨ / ١٨٧.
(٢). نفس المصدر ٨ / ١٨٨.
(٣). نفس المصدر ٨ / ١٩٠.
حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد - واللفظ لابن رافع - قال إسحاق نا وقال الآخران أنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله [ تعالى ] فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر »(١) .
فإن زعم الرازي أنا نمنع إضافته إلى المفرد المعرفة. فنقول: إن لاسم التفضيل عند إضافته معنيين، ولا يجوز إضافته إلى المفرد المعرفة بناءاً على أحدهما دون الآخر، قال ابن الحاجب: « فإذا أضيف فله معنيان، أحدهما - وهو الأكثر - أن تقصد به الزيادة على من أضيف إليه، وشرطه أن يكون منهم، نحو زيد أفضل الناس، ولا يجوز يوسف أحسن أخوته. والثاني: أن تقصد زيادة مطلقة ويضاف للتوضيح ».
وقال الرضي في شرحه: « قوله: والثاني أن يقصد زيادة مطلقة. أي يقصد تفضيله على كل من سواه مطلقاً، لا على المضاف إليه وحده، وإنما تضيفه إلى شيء لمجرد التخصيص والتوضيح، كما تضيف سائر الصفات، نحو: مصارع مصر، وحسن القوم، مما لا تفصيل فيه، فلا يشترط كونه بعض المضاف إليه، فيجوز بهذا المعنى أن تضيفه إلى جماعة هو داخل فيهم نحو قولك: نبينا صلىاللهعليهوآله أفضل قريش، بمعنى أفضل الناس من بين قريش. وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه ليس داخلاً فيهم، كقولك: يوسف أحسن أخوته، فإنّ يوسف لا يدخل في جملة أخوة يوسف، بدليل أنك لو سئلت عن عدد إخوته لم يجز لك عدّه فيهم، بلى يدخل لو قلت: أحسن الأخوة، أو أحسن بني يعقوب. وأن تضيفه إلى غير جماعة نحو: فلان أعلم بغداد، أي أعلم ممن سواه وهو مختص ببغداد، لأنّها منشؤه أو مسكنه، وإن قدّرت المضاف أي أعلم أهل بغداد فهو مضاف إلى جماعة يجوز أن يدخل فيهم »(٢) .
____________________
(١). صحيح مسلم ٥ / ٥٩ - ٦٠.
(٢). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.
أقول: وعلى هذا فمتى أريد من « أولى » التفضيل والزيادة المطلقة - لا الزيادة على من أضيف إليه فقط - جازت إضافته إلى « الرجل » و « زيد »، لأجل مجرد التخصيص والتوضيح.
وأما قول الرازي: « هما أولى رجلين، وهم أولى رجال، ولا تقول: « هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال » فهو توهم تدفعه كلمات المحققين الماضية، الدالة على أن الترادف لا يقتضي المساواة في جميع الأحكام.
على أنه لا تلزم أيّة استحالة عقلية من هذا الاستعمال، بناءاً على ما ذكره الرازي من كون مدار الاستعمال والإطلاق هو العقل لا الوضع.
وأمّا قوله: « ويقال: هو مولاه ومولاك، ولا يقال: هو أولاه وأولاك » فغير مسلّم، فإنه إذا كان الغرض هو التفضيل المطلق جاز إضافة اسم التفضيل إلى المفرد المعرفة لمجرد التخصيص والتوضيح، وعليه فلا مانع من إضافته إلى الضمير أيضاً. وقال ابن حجر العسقلاني بشرح « فما بقي فهو لأولى رجل ذكر » نقلاً عن السهيلي: « فإنْ قيل: كيف يضاف « أي أولى » للواحد وليس بجزء منه؟ فالجواب: إذا كان معناه الأقرب في النسب جازت إضافته وإنْ لم يكن جزءاً منه، كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في البر « برّ أمّك ثم أباك ثم أدناك »(١) .
وقد أضيف في هذا الحديث « أدنى » - وهو اسم تفضيل - إلى الضمير.
على أنّ الملاك لدى الرازي هو تجويز العقل كما تقدّم مراراً، ولا استحالة في إضافة اسم التفضيل إلى الضمير عقلاً.
____________________
(١). فتح الباري ١٥ / ١٤.
ثم إنّ الرازي قال في خاتمة كلامه: « وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».
فنقول له: أيها المجادل الغفول، الآتي بكل كلام مدخول! إذا كان عندك في هذا الوجه نظر مذكور في الأصول، فلم أتعبت النفس بتزوير هذا الهذر والفضول! الذي يردّه المنقول وتأباه العقول! وتبطله إفادات المحققين الفحول؟!
وبما ذكرنا ظهر بطلان قول ( الدهلوي ): « وهو منكر بالإِجماع ».
على أنّ الرازي قد قال في وجوه إثبات مجيء « الباء » للتبعيض كما هو مذهب الشافعي: « الثاني: النقل المستفيض حاصل بأن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، فوجب أن يكون إقامة حرف « الباء » مقام « من » جائزاً. وعلى هذا التقدير يحصل المقصود ».
فنقول: لا ريب في جواز « فلان مولى لك ». وبناءاً على ما ذكره من أن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، يجب أن يكون إقامة حرف « من » مقام اللام « جائزاً » وأن يستعمل « فلان مولى منك » بدل ( فلان أولى منك ) وعلى هذا التقدير يحصل المقصود.
* * *
وجوه بطلان شبهة
إن قول أبي عبيدة بيانٌ لحاصل معنى الآية
وشبهات أخرى
قوله:
« وأيضاً: فإنّ تفسير أبي عبيدة بيان لحاصل معنى الآية ».
أقول: هذا باطل لوجوه:
إن ( الدهلوي ) قد نسب هذا القول إلى جمهور أهل العربية، مع أن أحداً منهم لم يقله، بل إنّ الأصل في هذه الشبهة هو الرازي كما سيأتي، وقد ذكر من ترجم للرازي أنه لم يكن له اطلاع في علوم العربية، قال ابن الشحنة: « وكانت له اليد الطولى في العلوم خلا العربية »(١) .
إنه لو أمكن حمل تفسير أبي عبيدة على ما ذكر، فلماذا خطّأ جمهور أهل العربية أبازيد في تفسيره الذي تبع فيه أبا عبيدة - حسب زعم ( الدهلوي ) -؟ ولما ذا
____________________
(١). روضة المناظر - حوادث سنة ٦٠٦.
لم يحملوا تفسيره على هذا المعنى كذلك؟
إنه وإنْ كان الأصل في هذه الشبهة هو الرازي، لكن الرازي اعترف بأنّ جماعة من أئمة اللغة والتفسير يفسّرون الآية كذلك، وليس أبو عبيدة منفرداً به، قال الرازي بعد عبارته السابقة: « وأما الذي نقلوا عن أئمة اللغة أن « المولى » بمعنى « الأولى » فلا حجة لهم، وإنما يبيّن ذلك بتقديم مقدمتين -.
إحداهما: إن أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة، فنقول: أن أبا عبيدة وإنْ قال في قوله تعالى: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً: الأخفش والزجاج وعلي بن عيسى، واستشهدوا ببيت لبيد، ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق، لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه، والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى مرسلاً غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كل ما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية، ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة في قوله تعالى: ( وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) . والقلب بالعقل في قوله ( لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) . مع أن ذلك ليس لغة أصلية، فكذلك ههنا »(١) .
لكن ( الدهلوي ) يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة، فيدعي أن جمهور أهل العربية يحملون تفسير أبي عبيدة على انه بيان للمعنى لا تفسير، وكأن أبا عبيدة منفرد بهذا التفسير، وقد رأينا أن مخترع هذه الشبهة - وهو الرازي - يعترف بأن جماعة آخرين يفسرون الآية كذلك.
وأما قول الرازي: « ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق » فساقط جداً. إذ لا طريق لنا إلى معرفة مفاهيم الألفاظ إلّا بتنصيصات أئمة اللغة، فإنْ
____________________
(١). نهاية العقول - مخطوط.
حملت كلماتهم على التساهل سقطت عن الحجية، وبطلت الاستدلالات والحجج، بل إنّ كلام الرازي هذا خير وسيلة وذريعة للملحدين وجحدة الدين في إنكار حقائق الدين الإسلامي، إذ متى أريد إلزامهم بأمرٍ من أمور الدين استناداً إلى تصريحات اللغويين كان لهم أن يقولوا: « ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق »، بل يكون اعتراضهم أقوى، واعتذارهم عن القبول والتسليم أبلغ، لأنهم يخالفون أئمة اللغة في الدين أيضاً، بخلاف الرازي فإنه وإيّاهم من أهل ملة واحدة وبذلك ينهدم أساس دين الاسلام، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
هذا، ولا عجب من تأييد الرازي للملحدين، فقد عرفت من تصريح الذهبي(١) أن للرازي تشكيكات على دعائم الإسلام، وفي ( لسان الميزان )(٢) عن الرازي أن عنده شبهات عديدة في دين الإسلام، وأنه كان يبذل غاية جهده في تقرير مذاهب المخالفين والمبتدعين، ثم يتهاون ويتساهل في دفعها والجواب عنها.
ثم إنّ الأصل في هذه الشبهة أيضاً هو الرازي كما عرفت من كلامه السابق، وقال بتفسير قوله تعالى: ( مَأْواكُمُ النَّارُ ) ما نصه:
« وفي لفظ « المولى » هاهنا أقوال - أحدها: قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: إن المولى موضع « الولي » وهو القرب. فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.
والثاني: قال الكلبي: يعني أولى بكم، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة. واعلم: أن هذا الذي قالوه معنىً وليس بتفسير للّفظ، لأنه لو كان « مولى »
____________________
(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٤٠.
(٢). لسان الميزان ٤ / ٤٢٦.
و « أولى » بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر، فكان يجب أن يصح أن يقال: « هذا مولى من فلان » كما يقال: « هذا أولى من فلان » ويصح أن يقال: « هذا أولى فلان » كما يقال: « هذا مولى فلان ». ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير.
وإنما نبّهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقوله [ عليهالسلام ]: « من كنت مولاه فعلي مولاه » قال: أحد معاني « مولى » أنه « أولى » واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأن مولى معناه أولى. وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه إمّا بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً.
وأمّا نحن فقد بيّنا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضوع معنىً لا تفسير، وحينئذ يسقط الاستدلال »(١) .
ولكن ما أسلفنا من البحوث كاف لإسقاط وإبطال هذا الكلام، على أنه قد بلغ من السقوط والهوان حدّاً لم يتمكن النيسابوري من السكوت عليه، بالرغم من متابعته للرازي في كثير من المواضع، قال النيسابوري ما نصه: « هي مولاكم قيل: المراد أنها تتولى أموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل أراد هي أولى بكم، قال جار الله: حقيقته هي محراكم ومقمنكم. أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة الكرم، أي مكان لقول القائل إنه لكريم.
قال في التفسير الكبير: هذا معنى وليس بتفسير اللفظ من حيث اللغة، وغرضه أن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
____________________
(١). تفسير الرازي ٢٩ / ٢٢٧ - ٢٢٨.
من كنت مولاه فهذا علي مولاه، إحتج بقول الأئمة في تفسير الآية: إن « المولى » معناه « الأولى » وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً. قال: وإذا كان قول هؤلاء معنىً لا تفسيراً بحسب اللغة سقط الاستدلال.
قلت: في هذا الاسقاط بحث لا يخفى »(١) .
* * *
____________________
(١). تفسير النيسابوري ٢٧ / ٩٧.
شبهات أخرى
هذا، وقد بقيت شبهات أخرى في هذا المقام، نذكرها مع وجوه دفعها إتماماً للمرام:
فالشبهة الأولى: إنه وإنْ ذكر جماعة من أئمة اللغة هذا المعنى، إلّا أنّ بعضهم لم يذكروه. ذكر هذه الشبهة الفخر الرازي حيث قال: « لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه ».
وجوه دفعها
وهذه الشبهة مندفعة بوجوه:
الأول: لا اعتبار بالنفي الصريح في مقابلة الإِثبات، فكيف بعدم الذكر والسكوت؟ إنْ صحت النسبة إلى الخليل؟
والثاني: إنّ كتاب « العين للخليل » موصوف بالاضطراب والتصريف
الفاسد، قال أحمد بن الحسين الجاربردي بعد ذكر بيت جاء فيه لفظة « أمهتي » « والهاء زائدة، لأنّ أما فعل بدليل الأمومة في مصدره وأمات في جمعه » ثم قال بعد بيت جاء فيه لفظة « أمات »: « وأجيب عن ذلك بمنع أن أماً فعل والهاء زائدة، وسنده: إن الهاء يجوز أن يكون أصلاً، لما نقل خليل بن أحمد في كتاب العين من قولهم « تأمهت » بمعنى: إتخذت أماً. هذا يدل على أصالة الهاء ».
ثم قال: « قال في شرح الهادي: الحكم بزيادة الهاء أصح لقولهم: أم بنية الأمومة. وقولهم: « تأمهت » شاذ مسترذل » قال: « في كتاب العين من الاضطراب والتصريف الفاسد ما لا يدفع»(١) .
فإذا كان هذا حال ( كتاب العين ) بالنسبة إلى ما ورد فيه، فكيف يكون عدم ورود معنىً فيه سنداً لإِنكاره؟!
الثالث: إنه بالاضافة إلى ما تقدم فقد قدح طائفة من كبار المحققين في « كتاب العين » كما لا يخفى على من راجع ( المزهر ) و ( كشف الظنون )(٢) .
الرابع: لقد صرح الرازي نفسه بإطباق الجمهور من أهل اللغة على القدح في ( العين ) فقد قال السيوطي في ( المزهر ): « أوّل من صنف في جمع اللغة الخليل ابن أحمد. ألّف في ذلك كتاب العين المشهور. قال الامام فخر الدين الرازي في المحصول: أصل الكتب المصنفة في اللغة كتاب العين، وقد أطبق الجمهور من أهل اللغة على القدح فيه ».
فالعجب من الرازي يقول هذا ثم يحتج بعدم ذكر الخليل ( الأولى ) في جملة معاني ( المولى ) وإذا كان ذلك رأي الجمهور من أهل اللغة فلا ينفع دفاع السيوطي عن ( العين ).
الخامس: دعواه عدم ذكر أضراب الخليل هذا المعنى للفظ المذكور كذب
____________________
(١). شرح الجار بردي على الشافية لابن الحاجب ١٤٩ - ١٥٠.
(٢). كشف الظنون ٢ / ١٤٤٢.
واضح، فإن ( أبا زيد ) من أضرابه ومعاصريه - بل ذكر المترجمون له تقدّمه على الخليل كما تقدم - قد ذكر ذلك، كما اعترف به الخصوم حتى ( الدهلوي )، وفسر ( أبو عبيدة ) لفظة « المولى » بـ « الأولى » كما اعترف به الجماعة حتى الرازي نفسه، و ( أبو عبيدة ) من أضراب الخليل ومعاصريه، بل أفضل منه كما علم من تراجمه، وكذلك ( الفراء ) من معاصريه وقد فسّر « المولى » بـ « الأولى ».
فثبت كذب الرازي في هذه الدعوى.
السادس: لقد فسر محمد بن السائب الكلبي « المولى » بـ « الأولى »، وقد توفي الكلبي سنة (١٤٦) فهو متقدم على الخليل المتوفى سنة (١٧٥) وقيل (١٧٠) وقيل (١٦٠) كما ذكر السيوطي(١) .
السابع: لقد علمت مما تقدم أن جماعة كبيرة من مشاهير الأئمة الأساطين - غير من ذكرنا - قد أثبتوا مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، واستشهدوا لذلك بشعر لبيد، فعدم ذكر الخليل ذلك - إنْ ثبت - لا يليق للاحتجاج بعد إثبات هؤلاء الأثبات للمعنى المذكور.
الثامن: لقد علمت سابقاً أن البخاري ذكر للمولى خمسة معان، فقال ابن حجر وغيره بأن أهل اللغة يذكرون له معان أخرى غيرها. فمن هنا يظهر أن عدم ذكر البخاري لتلك المعاني لا ينفي ثبوتها، فكذلك عدم ذكر الخليل « الأولى » ضمن معاني « المولى » - على تقدير تسليم ذلك - غير قادح في ثبوته، لأن غيره من الأئمة قد ذكروه.
ثم قال الرازي: « والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى ».
وهذا الكلام فيه كفاية لأهل الدراية.
قال: « مرسلاً غير مسند ».
____________________
(١). بغية الوعاة ١ / ٥٦٠.
ويدفعه ما تقدم في دفع دعواه أن ذلك معنىَّ لا تفسير.
قال: « ولم يذكروه في الكتب الأصلية ».
ويدفعه: تصريح ابن الأنباري ومحمد بن أبي بكر الرازي بكون « الأولى بالشيء » من جملة معاني « المولى ». بل ورود تفسيره بهذا المعنى في ( الصحاح للجوهري ) وهو من الكتب الأصلية في اللغة بلا ريب.
وأمّا قوله: « ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة » فيفيد جواز استعمال « المولى » بمعنى « الأولى » مثل استعمال « اليمين » بمعنى « القوة » و « القلب » بمعنى « العقل ».
ثم قال الرازي: ما نصه: « وثانيها: - إن أصل تركيب ( ول ي ) يدل على معنى القرب والدنو، يقال: وليته وأليه والياً، أي دنوت منه، وأوليته إياه: أدنيته، وتباعدنا بعد ولي. ومنه قول علقمة:
وعدت عواد دون وليك تشعب.
وكل مما يليك، وجلست مما يليه، ومنه: الولي وهو المطر الذي يلي الوسمي، والولية: البرذعة لأنها تلي ظهر الدابة، وولي اليتيم والقتيل وولي البلد، لأن من تولّى الأمر فقد قرب منه. ومنه قوله تعالى: ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) من قولهم: ولاه ركبته، أي جعلها مما يليه. وأما ولىّ عني إذا أدبر فهو من باب ما يثقل الحشو فيه للسلب، وقولهم: فلان أولى من فلان أي أحق، أفعل التفضيل من الوالي أو الولي كالأدنى والأقرب من الداني والقريب، وفيه معنى القرب أيضاً، لأن من كان أحق بالشيء كان أقرب إليه، والمولى اسم لموضع الولي، كالمرمى والمبنى لموضع الرمي والبناء ».
أقول: هذه المقدمة لا علاقة لها بمطلوب الرازي الذي هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أصلاً، لأن حاصل هذا الكلام هو كون أصلا تركيب « ولي » دالاً على معنى القرب، وكون « المولى » اسماً لموضع الولي، وهذان الأمران لا دلالة فيهما على نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أبداً، وإلّا لزم أن لا يكون
« المعتق » و « المعتق » وغيرهما من معاني « المولى » أيضاً.
ثم قال الرازي: « وإذا ثبت هاتان المقدمتان فلنشرع في التفصيل قوله:
إن أبا عبيدة قال في قوله تعالى: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم. قلنا: إنّ ذلك ليس حقيقة بوجهين أحدهما: إن ذلك يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق، إلّا أن النار أحق، لأن ذلك من لوازم أفعل التفضيل وإنه باطل ».
وجوه دفعها
وهذه الشبهة حول تفسير أبي عبيدة يدفعها وجوه:
الأول: إنه يحتمل أن يكون المعنى: نار جهنم أولى بإحراق الكفّار من نار الدنيا، لا أن المراد أولوية النار بهم من الجنة.
الثاني: إنه لمـّا كان زعم الكفار استحقاقهم دخول الجنة، فإنه بهذا السبب يثبت أولوية النار بهم من الجنة أيضاً. قال نجم الأئمة الرضي الاسترآبادي: « ولا يخلو المجرور بمن التفضيلية من مشاركة المفضل في المعنى، إمّا تحقيقاً نحو: زيد أحسن من عمرو، أو تقديراً كقول علي عليهالسلام : « لئن أصوم يوماً من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان ». لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف، فقدّره عليهالسلام محبوباً إلى نفسه أيضاً، ثم فضّل صوم شعبان عليه، فكأنّه قال: هب أنه محبوب عندي أيضاً، أليس صوم من شعبان أحبّ منه. و قال عليهالسلام : « اللهم أبدلني بهم خيراً منهم » أي في اعتقادهم لا في نفس الأمر، فإنّه ليس فيهم خير، « وأبدلهم بي شراً مني » أي في اعتقادهم أيضاً، وإلّا فلم يكن فيه عليهالسلام شر. ومثل قوله تعالى ( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ) كأنهم لما اختاروا موجب النار. ويقال في
التهكّم: أنت أعلم من الحمار، فكأنّك قلت: إنْ أمكن أن يكون للحمار علم فأنت مثله مع زيادة، وليس المقصود بيان الزيادة، بل الغرض التشريك بينهما في شيء معلوم انتفاؤه من الحمار»(١) .
الثالث: إن المستفاد من الأحاديث العديدة هو أن لكل واحد من المكلّفين مكاناً في الجنّة ومكاناً في النار. وقال الرازي نفسه بتفسير قوله تعالى: ( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) « وهاهنا سؤالات - السؤال الأول: لم سمّي ما يجدونه من الثواب والجنة بالميراث، مع أنه سبحانه حكم بأن الجنة حقّهم في قوله: ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) ؟ الجواب من وجوه:
الأول: ما روي عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم - وهو أبين ما يقال فيه: وهو: أنّه لا مكلَّف إلّا أعدّ الله له في النار ما يستحقه إن عصى، وفي الجنة ما يستحقه إنْ أطاع، وجعل لذلك علامة، فإذا آمن منهم البعض ولم يؤمن البعض صار [ منزل ] منازل من لم يؤمن كالمنقول، وصار مصيرهم إلى النار الذي لا بدّ معها [ معه ] من حرمان الثواب كموتهم، فسمي ذلك ميراثاً لهذا الوجه »(٢) .
ثم قال الرازي: « ثانيهما: لو كان الأمر كما اعتقدوا في أن « المولى » هاهنا بمعنى « الأولى » لقيل هي مولاتكم ».
وجوه دفعها
وهذه شبهة أخرى حول تفسير أبي عبيدة، وهي مندفعة بوجوه:
____________________
(١). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.
(٢). تفسير الرازي ٢٣ / ٨٢.
الأول: لقد نسي الرازي أو تناسى إصراره على لزوم التساوي بين المترادفين في جميع الاستعمالات، فإنه بناءاً على ذلك لا يبقى مورد لهذه الشبهة، لأنه إذا كان « المولى » بمعنى « الأولى » جاز استعمال كل منهما مكان الآخر، فإذا وقع « الأولى » خبراً لمبتدأ كان المذكر والمؤنث فيه على حد سواء فكذلك « المولى » الذي بمعناه يستوي فيه المذكر والمؤنث في صورة وقوعه خبراً، فالشبهة مندفعة بناءاً على ما ذهب إليه وألحّ عليه.
الثاني: دعوى اختصاص استواء التذكير والتأنيث باسم التفضيل كذب صريح وغلط محض، لثبوت الاستواء المذكور في مواضع اُخر، قال ابن هشام:
« الغالب في « التاء » أن تكون لفصل صفة المؤنث من صفة المذكر كقائمة وقائم، ولا تدخل هذه التاء في خمسة أوزان، أحدها: فعول، كرجل صبور بمعنى صابر وامرأة صبور بمعنى صابرة، ومنه: ( وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) والثاني: فعيل بمعنى مفعول، نحو رجل جريح وامرأة جريح. والثالث: مفعال كمنحار، يقال رجل منحار وامرأة منحار، وشذ ميقانة. والرابع: مفعيل كمعطير، وشذ امرأة مسكينة، وسمع امرأة مسكين. والخامس: مفعل كمغشم ومدعى »(١) .
الثالث: إنّ تذكير المؤنث بحمل أحدهما على الآخر شائع في الاستعمال كتأنيث المذكر، قال السيوطي: « الحمل على المعنى. قال في الخصائص: إعلم أن هذا الشرح غور من العربية بعيد ومذهب نازح فسيح. وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، وتصور معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا وغير ذلك، فمن تذكير المؤنث قوله تعالى: ( فَلمـّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) أي هذا الشخص ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) لأن الموعظة والوعظ واحد. ( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أراد
____________________
(١). التوضيح في شرح الألفية بشرح الأزهري ٢ / ٢٨٦ - ٢٨٧.
بالرحمة هنا المطر »(١) .
الرابع: إنّ تأنيث النار ليس تأنيثاً حقيقياً، وتأنيث المؤنث غير الحقيقي ليس بلازم، كما نصّ عليه الرازي نفسه، إذ قال بتفسير قوله تعالى: ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ) « المسألة الثانية: لقائل أن يقول: الجمع مؤنث، فكان ينبغي أن يقال: يحرّفون الكلم عن مواضعها. والجواب: قال الواحدي: هذا جمع حروفه أقل من حروف واحده، وكل جمع يكون كذلك فإنه يجوز تذكيره. ويمكن أن يقال: كون الجمع مؤنثاً ليس أمراً حقيقياً، بل هو أمر لفظي، فكان التذكير والتأنيث فيه جائزاً »(٢) .
وقال بتفسير ( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) « المسألة الرابعة: - لقائل أن يقول: مقتضى علم الإِعراب أن يقال: إن رحمة الله قريبة من المحسنين فما السبب في حذف علامة التأنيث؟ وذكروا في الجواب عنه وجوهاً « الأول »: إن الرحمة تأنيثها ليس بحقيقي، وما كان كذلك فإنه يجوز فيه التذكير والتأنيث عند أهل اللغة. « الثاني » قال الزجاج: إنما قال قريب لأن الرحمة والغفران والعفو والانعام بمعنى واحد، فقوله: إن رحمة الله قريب بمعنى إنعام الله قريب وثواب الله قريب، فأجري حكم أحد اللفظين على الآخر. « الثالث » قال النضر بن شميل: الرحمة مصدر، ومن حق المصادر التذكير كقوله: ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ ) . وهذا راجع إلى قول الزجاج، لأن الموعظة أريد بها الوعظ فلذلك ذكره. قال الشاعر: « ان السماحة والمروة ضمنا » قيل: المراد بالسماحة السخاء، وبالمروة الكرم »(٣) .
وأمّا قول الرازي: « لأن اسم المكان إذا وقع خبرا لم يؤنث » فهو في نفسه
____________________
(١). الأشباه والنظائر ١ / ١٨٥.
(٢). تفسير الرازي ١٠ / ١١٧.
(٣). تفسير الرازي ١٤ / ١٣٦.
كلام صحيح، لكنه يتنافى مع ما تقدم منه من الحكم بكون استواء التذكير والتأنيث من خصائص أفعل التفضيل، فما ذكره هنا اعتراف ببطلان دعواه الاختصاص المذكور.
وأما قوله: « وقال صاحب الكشاف على جهة التقريب » فإن أراد من قوله « على جهة التقريب » تقريب الزمخشري المعنى المقصود إلى الأفهام فلا عائبة فيه ولا يخالف المقصود ولا ينافيه، وإن أراد نفي أن يكون ذلك المعنى هو المراد حقيقة فيكذّبه قول صاحب الكشاف الذي نقله الرازي أيضا وهو: « حقيقته محراكم » فإنه يدل دلالة صريحة على أن ما ذكره على طريقة الحقيقة التي هي بالاذعان والتصديق حقيقة.
وما ذكره الزمخشري من احتمال كون معنى « المولى » هو « الناصر » لا يضعّف استدلالنا، لأنّا ندّعي جواز إرادة « الأولى » من « المولى » ومجيئه بهذا المعنى ولا ننفي أن يكون بمعنى آخر، وتجويز كون « المولى » هنا بمعنى « الناصر » لا ينفي جواز مجيئه بمعنى « الأولى » كما هو واضح.
وأما قول الرازي: « وعن الحسن البصري: « هي مولاكم » أي أنتم توليتموها في الدنيا » فلا يصادم مطلوبنا، بل إن مجيء « المولى » بمعنى « المتولي » أيضاً يفيد المطلوب.
كما أن ما ذكره بقوله: « وقيل أيضا: المولى يكون بمعنى العاقبة » لا ينافي المطلوب واستدلالنا بالآية الكريمة.
وقال الرازي: « وأما بيت لبيد، فقد حكي عن الأصمعي فيه قولان أحدهما: إن المولى فيه اسم لموضع الولي كما بيّنّا، أي كلا من الجانبين موضع المخافة، وإنما جاء مفتوح العين تغليباً لحكم اللام على الفاعل، على أن الفتح في المعتل الفاء قد جاء كثيراً، منه: موهب وموحد وموضع وموحل. والكسر في المعتل
اللّام لم يسمع إلّا في كلمة واحدة وهي مأوى.
الثاني: إنه أراد بالمخافة الكلاب، وبمولاها صاحبها ».
وجوه دفعها
وما ذكره حول بيت لبيد المستشهد به على مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » يندفع بوجوه:
الأول: إن حكاية القولين المذكورين عن الأصمعي في بيت لبيد لا ينافي الاستشهاد به على المطلوب المذكور، لأن أبا عبيدة قد استشهد به على ذلك، وهو أفضل من الأصمعي بلا كلام، وقد اعترف بذلك الأصمعي نفسه كما تقدّم.
الثاني: إنّه قد استشهد بهذا البيت - بالاضافة إلى أبي عبيدة - جماعة من كبار الأئمة، كالزجاج والأخفش والرماني كما ذكر الرازي نفسه ذلك، كما أن ثعلب فسر « المولى » فيه بـ « الأولى » كما صرح به الزوزني في شرح المعلّقات، ولا ريب في تقدم ما ذكره هؤلاء الأئمة على ما تفرّد به الأصمعي.
الثالث: لقد علمت سابقاً تفسير الجوهري والثعلبي وعمر القزويني والخفاجي وغيرهم « المولى » في هذا البيت بـ « الأولى »، وقد نص بعضهم على أن الوجوه الأخرى المذكورة له لا تخلو من الضعف.
الرابع: أن نقول: إما أن القولين المحكيين عن الأصمعي ينافيان تفسير أبي عبيدة وإمّا لا، فإنْ كانا ينافيان تفسيره كان بين قولي الأصمعي تناف أيضاً، بخلاف تفسير أبي عبيدة والزّجاج والأخفش والرماني وثعلب وغيرهم، إذْ لم يحك عنهم في البيت ما ينافي هذا التفسير، وإنْ لم يكن بين القولين والتفسير تناف وتعارض ولا فيما بين القولين أنفسهما، بل يمكن الجمع بين الجميع بنحو من الأنحاء كان ذكر القولين في مقابلة تفسير الأئمة عبثاً.
الخامس: لقد قدح الرازي في كتابه ( المحصول ) - كما نقل عنه السيوطي - في الأصمعي، وأسقطه عن الاعتبار في نقل اللغة في الكتاب المذكور، وهذا نص
كلامه: « وأيضاً فالأصمعي كان منسوباً إلى الخلاعة ومشهوراً بأنه كان يزيد في اللغة ما لم يكن منها ».
وأما قول الرازي: « والكسر في المعتل اللام لم يسمع إلّا في كلمة واحدة وهي مأوى » فكلام أجرأه الحق على لسانه، لأنه يبطل ما تقدّم منه من إنكاره مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » بسبب عدم مجيء « المفعل » في المواد الأخرى بمعنى « الأفعل ».
لم يكن الشاهد على مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » منحصراً بتفسير أبي عبيدة وغيره للآية الكريمة، وببيت لبيد العامري، بل هناك شواهد أخرى على مجيء « المولى » من الكتاب والسنة وأشعار العرب، وقد ذكرها الرازي مع شبهات له حولها وتأويلات ومحامل لها، حتى تكون أجنبية عن مورد الاستدلال والاستشهاد، ونحن ننقل نصّ كلامه ثم نتبعه بدفع شبهاته:
قال الرازي: « وأما قوله تعالى: ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ ) معناه: ورّاثاً يلون ما تركه الوالدان. وقال السدي في قوله: ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) أي العصبة، وقيل: بني العم، لأنهم الذي يلونه في النسب وعليه قول الحارث:
زعموا أن من ضرب العسير |
موال لنا وإنا الولاء |
وقال أبو عمرو: الموالي في هذا الموضع بنو العم.
وأما قول الأخطل:
فأصبحت مولاها من الناس بعده.
وقوله:
لم تأشروا فيه إذ كنتم مواليه.
وقوله:
موالي حق يطلبون به.
فالمراد بها الأولياء.
ومثله قوله عليهالسلام : مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي لله ورسوله.
وقوله عليهالسلام : أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها. فالرواية المشهورة مفسرة له.
وقوله: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) أي: وليهم وناصرهم ( وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) أي: لا ناصر لهم. هكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وعامة المفسرين.
فقد تلخص مما قلنا: إن لفظة المولى غير محتملة للأولى ».
بيان اندفاع هذه الشبهات
وهذه الشبهات لا تبطل استدلال الشيعة واستشهادهم بهذه الشواهد، وقد ذكر الرازي في كلامه أيضاً ما لم يستشهد به الشيعة أصلاً، ونحن نبيّن كل ذلك فنقول:
أمّا تفسير « المولى » في قوله تعالى: ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ ) بـ « الوارث » فقد علمت آنفاً - من نقل الرازي نفسه - أن أبا علي الجبائي قد فسر « المولى » في الآية بوارث هو أولى به اي بالمتروك، وهذه عبارته: « والمعنى: إن ما ترك الذين عاقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به. وسمى الله تعالى الوارث المولى » وقد قال الرازي بعد هذا الوجه والوجوه الأخرى المذكورة في الآية المباركة: « وكلّ هذه الوجوه حسنة محتملة »، وقول الرازي هنا: « ورّاثا يلون ما تركه الوالدان » لا ينافي ذلك الوجه، لأن الوارث هم أولى بما تركه مورثوهم.
وأمّا ذكره قوله تعالى: ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) فلا وجه له، لعدم استشهاد الإِمامية بهذه الآية على مجيء « المولى » بمعنى « الأولى ».
ومثله قول الحارث نعم ذكر السيد المرتضى في كتاب ( الشافي في
الامامة ) عن غلام ثعلب في شرح هذا البيت: أن من معاني « المولى » هو « السيد » وإنْ لم يكن مالكاً، وإنه قد فسر « المولى » بـ « الولي ». فالسيد المرتضى طاب ثراه بصدد إثبات أن « السيد » « والولي » من معاني « المولى » ولم يحتج بهذا البيت أصلاً حتى يذكره الرازي في جملة شواهد الامامية على ما يذهبون إليه.
وأمّا حمله « المولى » في قول الأخطل: فأصبحت مولاها
وقوله: لم تأشروا فيه إذ كنتم مواليه.
وقول الشاعر: موالي حق يطلبون به.
على « الأولياء » فلا يضرّ ما نحن بصدده، لأن « الولي » أيضاً بمعنى « الأولى » كما صرح به المبرد. ولفظتا « أصبحت » و « بعده » قرينتان تدلان على أن المراد هو « الأولى بالتصرف».
كما أن الشطر الثاني من البيت - وهو كما في ( الشافي ):
( وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا ) قرينة أخرى على أن المراد من « المولى » هو « الأولى بالتصرف ».
وأمّا قول الشاعر: ( موالي حق يطلبون به ) فشطره الثاني هو: ( فأدركوه وما ملّوا وما تعبوا ) وفيه قرائن على أن المراد من « موالي حق » هم الذين يكونون أولى بحقوقهم.
وأمّا حديث: ( مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله ) فليس مما يستشهد به الامامية، فذكره هنا عبث.
وأمّا حمل « المولى » في قوله صلىاللهعليهوآله : ( أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها ) على « الولي » للرواية المشهورة المفسرة له فلا يضر بالاستشهاد به، لأن المراد من « الولي » فيه هو « ولي الأمر » كما قال ابن الأثير: « ومنه الحديث: أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل. وفي رواية وليها. أي متولي أمرها ».
وأمّا ذكره الآية المباركة: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) فلا وجه له، لعدم استشهاد الامامية بها.
فظهر بما ذكرنا بطلان قوله: « فقد تلخص بما قلنا: إن لفظة المولى غير محتملة للأولى ». والحمد لله رب العالمين.
قوله: « يعني النار مقركم ومصيركم والموضع اللائق بكم، لا أن لفظة المولى بمعنى الأولى ».
أقول: عجباً!! إن أبا عبيدة ينص على أن المراد من « المولى » في الآية الكريمة هو « الأولى »، ثم يستشهد لذلك ببيت لبيد، ويصرّح بأن « المولى » فيه هو « الأولى » كذلك، فكيف يقبل من ( الدهلوي ) هذا التحكم والتزوير؟!
ما الدليل على كون الصلة « بالتصرف »؟
قوله: « الثاني: إنْ كان « المولى » بمعنى « الأولى » فجعل صلته « بالتصرف » في أي لغة؟».
أقول: إنْ أراد ( الدهلوي ) عدم جواز جعل « بالتصرف » صلة لـ « الأولى » فهذا توهم فضيح، لأن ثبوت مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » كاف للمطلوب، وجعل « بالتصرف » صلة له هو بحسب القرائن المقامية كما سيجيء إنْ شاء الله تعالى.
على أن صريح كلام التفتازاني والقوشجي - الذي أورده صاحب بحر المذاهب أيضاً - هو شيوع مجيء « المولى » بمعنى « الأولى بالتصرف » في كلام العرب، وأن ذلك منقول عن أئمة اللغة.
بل إن مجيء « المولى » بمعنى « المتصرف في الأمر » و « متولي الأمر » و « ولي الأمر » و « المليك » - كما ظهر لك كلّ ذلك سابقاً - يكفينا لاثبات المرام.
وإنْ أراد ( الدهلوي ) أنه إنْ كان « المولى » بمعنى « الأولى » فما الدليل على
كون المراد منه في حديث الغدير هو « الأولوية في التصرف »؟
فيظهر جوابه من النظر فيما وقع يوم غدير خم، ومجمله - كما تفيد روايات القوم - أن الله تعالى أوحى إلى رسوله صلىاللهعليهوآله بأنْ يبلّغ الناس بأن علياً عليهالسلام مولاهم، فخشي صلىاللهعليهوآله أن تقع الفتنة بين الناس إنْ بلغهم ذلك، فشكى إلى ربه عزّ وجلّ وحدته وقلة أصحابه المخلصين وأن القوم سيكذبونه، فأوحى الله تعالى إليه: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) فنزل صلىاللهعليهوآله بغدير خم وليس بالموضع اللائق للنزول، وكان يوماً هاجراً جدّاً يستظل الناس فيه بأرديتهم ودوابّهم، ثم أمر صلىاللهعليهوآله فقمّ ما كان هنالك من شوك وصنع له منبر من أقتاب الابل، وكان عدد الحاضرين في ذلك اليوم مائة وعشرين ألف نسمة، وقد علم الجميع بأن هذا آخر اجتماع لهم من هذا القبيل، والنبي صلىاللهعليهوآله يوشك أن يدعى إلى ربه، فأمر رسول الله أن يرد من تقدم منهم، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان، فلما اجتمعوا صعد المنبر وأخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون فقال:
يا أيّها الناس! قد نبأني اللطيف الخبير أنه لن يعمّر نبي إلّا مثل عمر الذي قبله(١) ، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسئول وأنتم مسئولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيرا. قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث بعد الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم اشهد. فقال:
أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه. ثم
____________________
(١). هذه الجملة وردت في بعض ألفاظ الحديث عند القوم، وفيها كلام كما لا يخفى.
قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار.
ثم أمر صلىاللهعليهوآله بالتمسك بالثقلين الكتاب والعترة، وذكر أنهما لن يفترقا حتى يردا الحوض.
فلمـّا انتهى صلىاللهعليهوآله من خطبته نزلت الآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي.
ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين عليهالسلام ، وممن هنّأه في مقدّم الصحابة أزواج رسول الله صلىاللهعليهوآله والشيخان أبو بكر وعمر، وقال حسان بن ثابت أبياته المعروفة كما ستعرف ذلك كلّه بالتفصيل.
وبعد، فلا أظن أن عاقلاً يحمل هذه الخطبة المقترنة بهذه الأمور، على أمر سوى الامامة العظمى والخلافة الكبرى بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله .
وبهذه البحوث التي تراها يتضح لك مدى تعصّب القوم للهوى ومخالفتهم للحق، حتى أنهم قد يلتجأون إلى الكذب والافتراء، ويتذرّعون بالشبهات الواهية ويتفوّهون بما لا طائل تحته، فكأنهم آلوا على أنفسهم جحد الحق وتقوية الباطل مهما كلّف الأمر وستتضح لك تلك الحقيقة أكثر فأكثر من خلال البحوث الآتية إنْ شاء الله تعالى، والله المستعان.
* * *
من وجوه
دلالة حديث الغدير
(١)
نزول قوله تعالى
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ
من وجوه دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام نزول قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) في واقعة يوم غدير خم.
وقد روى ذلك جماعة من كبار أئمة أهل السنة، ومشاهير أعيان علمائهم ومنهم:
١ - إبن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي.
٢ - أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي.
٣ - أحمد بن موسى بن مردويه.
٤ - أحمد بن محمد الثعلبي.
٥ - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني.
٦ - أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي.
٧ - مسعود بن ناصر السجستاني.
٨ - عبد الله بن عبيد الله الحسكاني.
٩ - ابن عساكر علي بن الحسن الدمشقي.
١٠ - فخر الدين محمد بن عمر الرازي.
١١ - محمد بن طلحة النصيبي الشافعي.
١٢ - عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني.
١٣ - حسن بن محمد النيسابوري.
١٤ - علي بن شهاب الدين الهمداني.
١٥ - علي بن محمد المعروف بابن الصبّاغ المالكي.
١٦ - محمود بن أحمد العيني.
١٧ - عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي.
١٨ - محمد محبوب عالم.
١٩ - الحاج عبد الوهاب بن محمد.
٢٠ - جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي.
٢١ - شهاب الدين أحمد.
٢٢ - الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشي.
(١)
رواية ابن أبي حاتم
قال جلال الدين السيوطي: « أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب »(١) .
____________________
(١). الدر المنثور ٢ / ٢٩٨.
١ - الذهبي: « عبد الرحمن العلامة الحافظ يكنى أبا محمد، ولد سنة أربعين ومائتين أو إحدى وأربعين. قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي الخطيب في ترجمة عملها لابن أبي حاتم: كان رحمهالله قد كساه الله نوراً وبهاء يسر من نظر إليه وكان بحراً لا تكدره الدلاء. روى عنه: ابن عدي، وحسين ابن علي التميمي، والقاضي يوسف الميانجي، وأبو الشيخ ابن حيان، وأبو أحمد الحاكم، وعلي بن عبد العزيز بن مدرك وخلق سواهم.
قال أبو يعلى الخليلي: أخذ أبو محمد علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال، صنّف في الفقه وفي اختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار. قال: وكان زاهدا يعدّ من الأبدال.
وقال الرازي المذكور في ترجمة عبد الرحمن: سمعت علي بن محمد المصري - ونحن في جنازة ابن أبي حاتم - يقول: قلنسوة عبد الرحمن من السماء، وما هو بعجب رجل منذ ثمانين سنة على وتيرة واحدة لم ينحرف عن الطريق.
وسمعت علي بن أحمد الفرضي يقول: ما رأيت أحدا ممّن عرف عبد الرحمن ذكر عنه جهالة قط.
وسمعت عباس بن أحمد يقول: بلغني أن أبا حاتم قال: ومن يقوى على عبادة عبد الرحمن؟ لا أعرف لعبد الرحمن ذنبا.
وسمعت عبد الرحمن يقول: لم يدعني أبي أشتغل في الحديث حتى قرأت القرآن على الفضل بن شاذان الرازي ثم كتبت الحديث.
قال الخليلي: يقال إن السنّة بالري ختمت بابن أبي حاتم.
قال الامام أبو الوليد الباجي: عبد الرحمن بن أبي حاتم ثقة حافظ »(١) .
____________________
(١). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٦٣.
٢ - الذهبي أيضاً: « ابن أبي حاتم الامام الحافظ الناقد، شيخ الاسلام أبو محمد عبد الرحمن ابن الحافظ الكبير أبي حاتم محمد بن إدريس ولد سنة أربعين، وارتحل به أبوه، وأدرك الأسانيد العالية قال أبو يعلى الخليلي: أخذ علم أبيه وأبي زرعة
قلت: كتابه في الجرح والتعديل يقضي له بالرتبة المتقنة في الحفظ، وكتابه في التفسير عدة مجلّدات، وله مصنف كبير في الرد على الجهمية يدل على إمامته »(١) .
٣ - جمال الدين الأسنوي: « كان إماماً في التفسير والحديث والحفظ، زاهداً، أخذ عن أبيه وجماعة، وروى الكثير، وصنّف الكتب النفيسة، منها كتاب في مناقب الشافعي. ذكره ابن الصلاح في طبقاته ولم يؤرخ وفاته. توفي سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. ذكره الذهبي في العبر »(٢) .
٤ - الأسنوي أيضاً: « كان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال زاهداً يعدّ من الأبدال. أخذ عن جماعة من أصحاب الشافعي، وصنّف في الفقه وغيره كالجرح والتعديل وكتاب العلل ومناقب الشافعي »(٣) .
٥ - ابن قاضي شهبة: « أحد الأئمة في الحديث والتفسير والعبادة والزهد والصلاح، حافظ ابن حافظ، أخذ عن أبيه وأبي زرعة، وصنف الكتب المهمة كالتفسير الجليل المقدار، عامته في أربع مجلّدات عامته آثار مسندة قال يحيى ابن مندة: صنف المصنف في ألف جزء. وتوفي سنة سبع - بتقديم السين - وعشرين وثلاثمائة. قارب التسعين »(٤) .
٦ - جلال الدين السيوطي: « ابن أبي حاتم الامام الحافظ الناقد شيخ
____________________
(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ٤٦.
(٢). طبقات الشافعية ١ / ٤١٦.
(٣). نفس المصدر.
(٤). طبقات الشافعية ١ / ١١٢.
الاسلام أبو محمد قال الخليلي: أخذ علم أبيه وأبي زرعة قال ابن السبكي في الطبقات: حكي أنه لمـّا هدم بعض سور طوس احتيج في بنائه إلى ألف دينار، فقال ابن أبي حاتم لأهل مجلسه الذين كان يلقي إليهم التفسير: من رجل يبني ما هدم من هذا السور وأنا ضامن له عند الله قصراً؟ فقام إليه رجل من العجم فقال: هذه ألف دينار واكتب لي خطّك بالضمان. فكتب له رقعة بذلك وبني ذلك السور.
وقدر موت ذلك الأعجمي، فلمـّا دفن دفنت معه تلك الرقعة، فجاءت ريح فحملتها ووضعتها في حجر ابن أبي حاتم وقد كتب في ظهرها: قد وفينا بما وعدت، ولا تعد إلى ذلك.
مات في محرم سنة ٣٢٧ »(١) .
٧ - البدخشاني: « هو من كبار الحفاظ »(٢) .
التزامه في التفسير بأصح ما ورد
ثم إنّه قد ثبت أن ابن أبي حاتم قد التزم في تفسيره بإخراج أصحّ ما ورد في تفسير كلّ آية، وقد نصّ على ذلك السيوطي في ( اللآلي المصنوعة ) حيث قال بعد حديث: « وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، وقد التزم أن يخرج فيه أصحّ ما ورد، ولم يخرج فيه حديثاً موضوعاً ألبتة ».
وقال في ( الاتقان ) بعد أن ذكر تفسير السدي: « ولم يورد منه ابن أبي حاتم شيئاً لأنه التزم أن يخرج أصح ما ورد »(٣) .
____________________
(١). طبقات الحفاظ: ٣٤٥.
(٢). تراجم الحفاظ - مخطوط.
(٣). الأتقان في علوم القرآن ٢ / ١٨٨.
تنبيه
ذكر سيف الله الملتاني في كتابه الذي سماه ( تنبيه السفيه ) في جواب روايةٍ للكشي من أصحابنا طاب ثراه حول زرارة بن أعين: « وأيضاً، في هذه الرواية أن أبا جعفر خاطب زرارة بقوله: فإنّك والله أحبّ الناس إلي ومن أصحاب أبي عليهالسلام إليّ حيّاً وميتاً، فإنّك أفضل سفن ذلك البحر القمقام إلى آخره. والحال أنه قد روى ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري أنه ما رأى زرارة أبا جعفر ».
أقول: فكيف تكون رواية ابن أبي حاتم هذه حجة - مع أنها عن سفيان الثوري المعلوم حاله - ولا تكون روايته في تفسير تلك الآية الكريمة حجة؟ أفيجوز أن يقال بأن رواية ابن أبي حاتم حجة على الإِمامية في تكذيب رواية لأحد علمائهم، أما روايته في فضل أمير المؤمنين عليهالسلام فليست بحجة على أهل السنة؟!
(٢)
رواية أبي بكر الشيرازي
روى نزول الآية المذكورة في غدير خم في كتابه ( ما نزل من القرآن في علي ) كما ذكر ابن شهر آشوب طاب ثراه(١) حيث قال في كتاب ( المناقب ) وعنه في ( بحار الأنوار ):
____________________
(١). توجد ترجمته في:
الوافي بالوفيات ٤ / ١٦٤ مع التصريح بكونه صدوق اللهجة.
البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة: ٢٤٠.
بغية الوعاة في تراجم اللغويين والنحاة ١ / ١٨١.
« الواحدي في أسباب نزول القرآن بإسناده عن الأعمش وأبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري. وأبو بكر الشيرازي في ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليهالسلام بالإِسناد عن ابن عباس. والمرزباني في كتابه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب »(١) .
ترجمة أبي بكر الشيرازي
١ - الذهبي: « الشيرازي الإِمام الحافظ الجوّال أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن ابن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي صاحب كتاب الألقاب. سمع أبا القاسم الطبراني بإصبهان، وأبا بحر البربهاري وطبقته ببغداد، وعبد الله بن عدي بجرجان، ومحمد بن الحسن السّراج بنيسابور، وعبد الله بن عمر بن علك بمرو، وسعيد بن القاسم المطّوعي ببلاد الترك، ومحمّد بن محمّد بن صابر ببخارى، وسمع بالبصرة وواسط وشيراز وعدة مدائن.
روى عنه: محمد بن عيسى الهمداني، وأبو مسلم بن عروة، وحميد بن المأمون، وآخرون.
قال شيرويه نا عنه أبو الفرج البجلي. قال: كان صدوقاً حافظاً، يحسن هذا الشأن جيّداً. خرج من عندنا سنة ٤٠٤ الى شيراز. وأخبرت أنه مات في سنة ٤١١. وذكره جعفر المستغفري فقال: كان يفهم ويحفظ، كتبت عنه »(٢) .
٢ - الذهبي: « وفيها توفي أبو بكر الشيرازي أحمد بن عبد الرحمن الحافظ مصنّف الألقاب. كان أحد من عني بهذا الشأن، وأكثر الترحال في البلدان، ووصل إلى بلاد الترك، وسمع من الطبراني وطبقته. قال عبد الرحمن ابن مندة:
____________________
(١). بحار الأنوار ٣٧ / ١٥٥ عن المناقب لابن شهر آشوب.
(٢). تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٦٥ - ١٠٦٦.
مات في شوال »(١) .
٣ - اليافعي: « وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي مصنف كتاب الألقاب »(٢) .
٤ - السيوطي: « الشيرازي صاحب الألقاب، الامام الحافظ الجوّال أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي. سمع الطبراني وطبقته. وكان صدوقاً حافظاً يحسن هذا الشأن جيّداً. مات سنة ٤٠٧ قال جعفر المستغفري: كان يفهم ويحفظ »(٣) .
(٣)
رواية ابن مردويه
وروى ذلك أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني كما علمت من عبارة ( الدر المنثور ) السالفة الذكر.
وفيه أيضاً: « وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إنّ عليا مولى المؤمنين و إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ »(٤) .
وستعلم روايته أيضاً من عبارة البدخشي الآتية.
____________________
(١). العبر حوادث ٤٠٧.
(٢). مرآة الجنان حوادث ٤٠٧.
(٣). طبقات الحفاظ: ٤١٥.
(٤). الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٢٩٨.
ترجمة ابن مردويه
١ - الذهبي: « ابن مردويه الحافظ الثبت العلامة أبو بكر أحمد بن موسى ابن مردويه الاصفهاني صاحب التفسير والتاريخ وغير ذلك.
روى عن أبي سهل بن زياد القطان، وميمون بن إسحاق الخراساني، ومحمّد بن عبد الله بن علم الصفار، وإسماعيل الخطبي، ومحمّد بن علي بن دحيم الشيباني، وأحمد بن عبد الله بن دليل، وإسحاق بن محمّد بن علي الكوفي، ومحمد ابن أحمد بن علي الأسواري، وأحمد بن عيسى الخفاف، وأحمد بن محمّد بن عاصم الكراني، وطبقتهم.
وروى عنه: أبو القاسم عبد الرحمن بن مندة، وأخوه عبد الوهاب، وأبو الخير محمّد بن أحمد، وأبو منصور محمّد بن سكرويه، وأبو بكر محمّد بن الحسن ابن محمّد بن سليم، وأبو عبد الله الثقفي، وأبو مطيع محمّد بن عبد الواحد المصري، وخلق كثير.
وعمل المستخرج على صحيح البخاري، وكان قيّماً بمعرفة هذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف.
ولد سنة ٣٢٣. ومات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠. يقع عواليه في الثقفيات وغيرها»(١) .
٢ - الذهبي أيضاً: « وفيها توفي أحمد بن موسى بن مردويه، أبو بكر الحافظ الاصبهاني، صاحب التفسير والتاريخ والتصانيف، لست بقين من رمضان، وقد قارب التسعين، سمع بأصبهان والعراق، وروى عن أبي سهل ابن زياد القطان وطبقته »(٢) .
____________________
(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٥٠.
(٢). العبر حوادث ٤١٠.
٣ - السيوطي: « ابن مردويه الحافظ الكبير العلّامة كان قيّماً بهذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف، ولد سنة ٣٢٣. ومات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠ »(١) .
٤ - الزرقاني: « أبو بكر الحافظ أحمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني الثبت [ اللبيب ] العلامة. ولد سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وصنف التاريخ والتفسير المسند والمستخرج على البخاري، وكان فهماً بهذا الشأن، بصيرا بالرجال طويل الباع، مليح التصنيف، مات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠ »(٢) .
وتظهر جلالة الحافظ ابن مردويه من كلامٍ لابن قيّم الجوزية حول حديث بني المنتفق حيث قال بعد أن ذكره ما هذا نصه: « هذا حديث كبير جليل، ينادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة، لا يعرف إلّا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني، رواه عنه إبراهيم بن ضمرة الزبيري، وهما من كبار أهل المدينة، ثقتان يحتج بهما في الصحيح، احتج بهما إمام الحديث محمّد بن إسماعيل البخاري، رواه أئمة السنّة في كتبهم وتلقّوه بالقبول وقابلوه بالتسليم والانقياد، ولم يطعن أحد منهم فيه، ولا في أحد من رواته.
فممّن رواه الامام ابن الامام أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في مسند أبيه وفي كتاب السنة
ومنهم الفاضل الجليل أبو بكر أحمد بن عمرو بن عاصم النبيل في كتاب السنّة له.
ومنهم الحافظ أبو أحمد بن أحمد بن ابراهيم بن سليمان العسّال في كتاب المعرفة.
ومنهم حافظ زمانه ومحدث أوانه أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب
____________________
(١). طبقات الحفاظ: ٤١٢.
(٢). شرح المواهب اللدنية ١ / ٦٨.
الطبراني في كثير من كتبه.
ومنهم الحافظ أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن حيان أبو الشيخ الاصبهاني في كتاب السنّة.
ومنهم الحافظ ابن الحافظ أبو عبد الله محمّد بن إسحاق بن محمّد بن يحيى ابن مندة حافظ أصبهان.
ومنهم الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه.
ومنهم حافظ عصره أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق الاصبهاني.
وجماعة من الحفاظ سواهم يطول ذكرهم »(١) .
وتظهر جلالته أيضاً من عبارةٍ لتاج الدين السّبكي فإنه قال في ( طبقاته ):
« فأين أهل عصرنا من حفاظ هذه الشريعة: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وعلي المرتضى
ومن طبقة أخرى من التابعين: أويس القرني
... أخرى: وأبي عبد الله بن مندة، وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن بكير، وأبي عبد الله الحاكم، وعبد الغني بن سعيد الازدي، وأبي بكر بن مردويه
فهولاء مهرة هذا الفن، وقد أغفلنا كثيراً من الأئمة، وأهملنا عدداً صالحاً من المحدّثين، وإنما ذكرنا من ذكرناه لننبّه بهم على من عداهم، ثم أفضى الأمر إلى طيّ بساط الأسانيد رأساً وعدّ الإِكثار منها جهالة ووسواسا »(٢) .
وهذه العبارة تدل على جلالة ابن مردويه من وجوه عديدة لا تخفى.
كما تظهر جلالته من وصفهم إياه بالحفظ، فقد قال السمعاني بترجمة حمزة
____________________
(١). زاد المعاد في هدي خير العباد ٣ / ٥٦.
(٢). طبقات الشافعية ١ / ٣١٧.
ابن الحسين المؤدب الاصبهاني: « روى عنه أبو بكر ابن مردويه الحافظ »(١).
وقال ابن كثير حول حديث الطائر: « وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة، ومنهم أبو بكر ابن مردويه الحافظ، وأبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي »(٢) .
وقال الكاتب الجلبي: « تفسير ابن مردويه هو الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى الاصبهاني المتوفى سنة ٤١٠ »(٣) .
ثم إنّ « الحافظ » من الألقاب الجليلة في اصطلاح علماء الحديث، قال الشيخ علي القاري: « الحافظ - المراد به حافظ الحديث لا القرآن. كذا ذكره ميرك، ويحتمل أنه كان حافظاً للكتاب والسنّة.
ثم الحافظ في اصطلاح المحدّثين من أحاط علمه بمائة ألف حديث متنا وإسنادا »(٤) .
وفي ( لواقح الأنوار ) بترجمة السيوطي: « وكان الحافظ ابن حجر يقول: الشروط التي إذا اجتمعت في الإنسان سمّي حافظا هي: الشهرة بالطلب: والأخذ من أفواه الرجال، والمعرفة بالجرح والتعديل لطبقات الرواة ومراتبهم وتمييز الصحيح من السقيم، حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره، مع استحفاظ الكثير من المتون، فهذه الشروط من جمعها فهو حافظ ».
وقال البدخشي: « الحافظ - يطلق هذا الاسم على من مهر في فن الحديث بخلاف المحدّث»(٥) .
____________________
(١). الأنساب - الاصبهاني.
(٢). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٥٣.
(٣). كشف الظنون ١ / ٤٣٩.
(٤). جمع الوسائل في شرح الشمائل: ٧.
(٥). تراجم الحفاظ - مخطوط.
ومن شواهد جلالة ابن مردويه: إن شمس الدين محمّد ابن الجزري ذكره في عداد مشاهير الأئمة، وكبار علماء الحديث الذين روى عنهم في كتابه ( الحصن الحصين )، مع أصحاب الصحاح والمسانيد وسائر الكتب المعتبرة وجعل رمزه « مر »، وذكر في خطبة كتابه ما نصه: « فليعلم أني أرجو أن يكون جميع ما فيه صحيحاً »(١) .
كما أن ( الدهلوي ) نفسه ذكر تفسير ابن مردويه في ( رسالة أصول الحديث ) في عداد تفاسير الديلمي وابن جرير وغيرهم، وقدّمه عليها في الذكر، وهذا يدلّ على أن تفسير ابن مردويه من التفاسير المشهورة المعتبرة لدى أهل السنّة.
(٤)
رواية الثعلبي
روى أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي نزول الآية الكريمة: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) في يوم غدير خم في تفسيره حيث قال:
« قال أبو جعفر محمّد بن علي: معناه: بلّغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب، فلمـّا نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
أخبرنا أبو القاسم يعقوب بن أحمد بن السري، أنا أبو بكر محمّد بن عبد الله ابن محمد، نا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي، نا حجاج بن منهال نا حماد عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء قال: لمـّا نزلنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجة الوداع كنا بغدير خم فنادى: إن الصلاة جامعة، وكسح
____________________
(١). الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين بشرح القاري: انظر ٢٠ و ٢٥.
للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تحت شجرتين، فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: هذا مولى من أنا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال: فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمّد القائني، نا أبو الحسين محمّد بن عثمان النصيبي، نا أبو بكر محمّد بن الحسن السبيعي، نا علي بن محمّد الدهان والحسين ابن إبراهيم الجصاص، نا حسين بن حكم، نا حسن بن حسين عن حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. قال: نزلت في علي، أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يبلّغ فيه فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد علي، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .
ترجمة الثعلبي
وقد ذكرت ترجمة أبي إسحاق الثعلبي وآيات عظمته وجلالته ووثاقته في المنهج الأول من الكتاب، في الجواب عن شبهات ( الدهلوي ) حول الاستدلال بقوله تعالى: ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) .
كما ستأتي ترجمته في الدليل السادس من أدلة دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليهالسلام ، وستقف هناك على كلمات الثناء التي قالها والد ( الدهلوي ) في حق الثعلبي.
كما يتضح من عبارة الثعلبي في خطبة تفسيره عظمة هذا التفسير واعتباره.
____________________
(١). الكشف والبيان في تفسير القرآن - مخطوط.
(٥)
رواية أبي نعيم
وروى أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني نزولها في واقعة يوم غدير خم في كتاب ( ما نزل من القرآن في علي عليهالسلام ). وقد ذكر روايته الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي في ( إيضاح لطافة المقال ) نقلاً عن الشيخ علي المتخلص بحزين، وتلك الرواية هي باسناده « عن علي بن عامر [ عياش ] عن أبي الجحاف والأعمش عن عطية قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في علي بن أبي طالب: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .
وقد ذكر مثل هذه الرواية الحاج عبد الوهاب بن محمّد عن الحافظ أبي نعيم كما سيجيء.
ترجمة أبي نعيم
١ - ابن خلكان: « الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق ابن موسى بن مهران الاصبهاني، الحافظ المشهور، صاحب كتاب حلية الأولياء. كان من أعلام المحدّثين، وأكابر الحفاظ الثقات، أخذ عن الأفاضل وأخذوا عنه وانتفعوا به. وكتاب الحلية من أحسن الكتب، وله كتاب تاريخ أصبهان وتوفي في صفر وقيل يوم الاثنين الحادي والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة باصبهان. رحمه الله تعالى »(١) .
____________________
(١). وفيات الأعيان ١ / ٢٦.
٢ - الصلاح الصفدي: « أحمد بن عبد الله بن إسحاق بن موسى بن مهران، أبو نعيم الحافظ، سبط محمد بن يوسف بن البناء الاصفهاني، تاج المحدثين وأحد أعلام الدين، له العلوّ في الرواية والحفظ والفهم والدراية، وكانت الرّحال تشدّ إليه، أملى في فنون الحديث كتباً سارت في البلاد وانتفع بها العباد، وامتدت أيامه حتى ألحق الأحفاد بالأجداد، وتفرّد بعلوّ الأسناد
وكان أبو نعيم إماماً في العلم والزهد والدّيانة، وصنف مصنفات كثيرة منها: حلية الأولياء، والمستخرج على الصحيحين - ذكر فيها [ فيه ] أحاديث ساوى فيها البخاري ومسلماً، وأحاديث علا عليهما فيها كأنهما سمعاها منه، وذكر فيها حديثاً كأن البخاري ومسلماً سمعاه ممّن سمعه منه ودلائل النبوة، ومعرفة الصحابة، وتاريخ بلده، وفضائل الصحابة، وصفة الجنّة، وكثيراً من المصنفات الصغار.
وبقي أربعة عشر سنة بلا نظير، لا يوجد شرقاً ولا غرباً أعلى إسناداً منه ولا أحفظ، ولمـّا كتب كتاب الحلية إلى نيسابور بيع بأربعمائة دينار »(١) .
٣ - الخطيب التبريزي: « أبو نعيم الاصفهاني هو: أبو نعيم أحمد ابن عبد الله الاصفهاني صاحب الحلية، هو من مشايخ الحديث الثقات المعمول بحديثهم المرجوع إلى قولهم، كبير القدر، ولد سنة ٣٣٤ ومات في صفر سنة ٤٣٠ باصفهان وله من العمر ٩٦ سنة رحمه الله تعالى »(٢) .
____________________
(١). الوافي بالوفيات ٧ / ٨١.
(٢). رجال المشكاة = الإِكمال في أسماء الرجال ط مع المشكاة ٣ / ٨٠٥.
(٦)
رواية الواحدي
وروى ذلك أيضاً أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، وعنه في ( مطالب السئول لابن طلحة الشافعي ) و ( الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ) وهذا نص ما جاء في ( أسباب النزول ) له: « قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) قال الحسن: إن نبي الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: لمـّا بعثني الله تعالى برسالته ضقت بها ذرعاً، وعرفت أن من الناس من يكذّبني، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يهاب قريشاً واليهود والنصارى، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار قال: أنا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أنا محمّد بن حمدون بن خالد، أنا محمد بن إبراهيم الحلواني [ الخلواتي ] قال: أنا الحسن بن حماد سجادة قال: علي بن عياش [ عابس ] عن الأعمش وأبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضياللهعنه »(١) .
ولأجل أنْ لا يبقى ريب في اعتبار هذه الرواية نورد نص عبارة الواحدي في خطبة كتابه ( أسباب النزول ) فإنه قال: « وبعد هذا: فإن علوم القرآن غزيرة فآل الأمر بنا إلى إفادة المستهترين بعلوم الكتاب إبانة ما أنزل فيه من
____________________
(١). أسباب النزول للواحدي: ١١٥.
الأسباب، إذ هي أولى ما يجب الوقوف عليها وأولى ما يصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها، ولا يحلُّ القول في أسباب نزول الكتاب إلّا بالرواية والسماع ممّن شاهد التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدّوا في الطلاب.
وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل في العثار في هذا العلم بالنار: أنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنبأ أبو الحسين [ الحسن ] محمّد بن أحمد بن حامد العطار، أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، أنا ليث بن حماد، ثنا أبو عوانة عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اتقوا الحديث إلّا ما علمتم، فإنه من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار.
والسلف الماضون - رحمهمالله - كانوا من أبعد الغاية احترازاً عن القول في نزول الآية، أنا أبو نصر أحمد بن عبد الله المخلدي، أنا أبو عمرو بن مجيد ثنا أبو مسلم، ثنا عبد الرحمن بن حماد، ثنا أبو عمر عن محمّد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن آية من القرآن فقال: إتق الله وقل سداداً، ذهب الذين يعلمون في ما أنزل القرآن.
فأما اليوم فكلّ واحد يخترع للآية سبباً ويخلق إفكاً وكذباً، ملقياً زمامه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد لجاهل سبب الآية، وذاك الذي حداني إلى إملاء الكتاب الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن، والمتكلمون في نزول القرآن، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجدّوا في تحفظه بعد السماع والطلب »(١) .
وإذا كان ما ذكر سبب تأليفه هذا الكتاب، فإن هذا الحديث الذي رواه في سبب نزول الآية: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) يكون هو الخبر الصدق الوارد
____________________
(١). أسباب النزول: ٤.
عمّن شاهد التنزيل ووقفوا على الأسباب، فيجب التصديق به والاعراض عن غيره، لأنه من الكذب على القرآن، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار.
١ - ابن الأثير: « وفيها توفي أبو الحسن علي بن أحمد بن محمّد بن متويه الواحدي المفسّر، مصنّف الوسيط والوجيز في التفسير، وهو نيسابوري إمام مشهور »(١) .
٢ - الذهبي: « الامام العلامة الاستاذ أبو الحسن صاحب التفسير، وإمام علماء التأويل، من أولاد النجار، وأصله من ساوه، لزم الاستاذ أبا إسحاق الثعلبي وأكثر عنه، وأخذ علم العربية من أبي الحسن القهندزي الضرير وسمع من أبي طاهر بن مخمس، والقاضي أبي بكر الحيري، وأبي إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، ومحمّد بن إبراهيم المزكّي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأحمد بن إبراهيم النجار، وخلق.
حدّث عنه: أحمد بن عمر الارغياني، وعبد الجبار بن محمد الخواري وطائفة أكبرهم الخواري.
صنف التفاسير الثلاثة: البسيط والوسيط والوجيز، وبتلك الأسماء سمّى الغزالي تواليفه الثلاثة في الفقه، ولأبي الحسن كتاب أسباب النزول مروي،
تصدر للتدريس مدة وعظم شأنه، وقيل: كان منطلق اللسان في جماعة من العلماء بما لا ينبغي، وقد كفّر من ألّف كتاب حقائق التفسير، فهو معذور قال أبو سعد السمعاني: كان الواحدي حقيقاً بكل احترام وإعظام، لكن كان فيه بسط لسان في الأئمة، وقد سمعت أحمد بن محمّد بن بشار يقول: كان الواحدي
____________________
(١). الكامل في التاريخ حوادث سنة ٤٦٨.
يقول صنّف السلمي كتاب حقائق التفسير، ولو قال إن ذلك تفسير القرآن لكفر به.
قلت: الواحدي معذور مأجور. مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة، وقد شاخ »(١) .
٣ - الذهبي أيضاً: « أحد من برع في العلم وكان رأسا في الفقه والعربية »(٢) .
٤ - ابن الوردي: « كان استاذاً في التفسير والنحو، وشرح ديوان المتنبي أجود شرح، وهو تلميذ الثعلبي، وتوفي بعد مرض طويل بنيسابور »(٣) .
٥ - اليافعي: « الامام المفسر أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، أستاذ عصره في النحو والتفسير، تلميذ أبي إسحاق الثعلبي، وأحد من برع في العلم، وصنف التصانيف الشهيرة المجمع على حسنها، والمشتغل بتدريسها والمرزوق السعادة فيها »(٤) .
٦ - ابن الجزري: « إمام كبير علامة، روى القراءة عن علي بن أحمد البستي، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي. روى القراءة عنه: أبو القاسم الهذلي. مات في سنة ٤٦٨ بنيسابور »(٥) .
٧ - ابن قاضي شهبة: « كان فقيهاً، إماماً في النحو واللغة وغيرهما، شاعراً، وأما التفسير فهو إمام عصره فيه، »(٦) .
٨ - الديار بكري: « وفي سنة ثمان وستين وأربعمائة توفي أبو الحسن علي بن
____________________
(١). سير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٣٩.
(٢). العبر، حوادث سنة ٤٦٨.
(٣). تتمة المختصر، حوادث سنة ٤٦٨.
(٤). مرآة الجنان، حوادث سنة ٤٦٨.
(٥). طبقات القراء ١ / ٥٢٣.
(٦). طبقات الشافعية ١ / ٢٦٤.
أحمد بن محمد بن متويه الواحدي المفسّر، مصنّف البسيط والوسيط والوجيز في التفسير، وهو نيسابوري إمام مشهور »(١) .
٩ - الكاتب الجلبي: « أسباب النزول للشيخ الامام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المفسر المتوفى سنة ٤٦٨. وهو أشهر ما صنّف فيه، أوله: الحمد لله الكريم الوهاب »(٢) .
١٠ - وذكر ولي اللهالدهلوي الواحدي مع البغوي والبيضاوي، واصفاً إياهم بكبار المفسّرين، وجاعلاً إيّاهم قدوة المسلمين(٣) .
(٧)
رواية أبي سعيد السجستاني
ورواه أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني في كتابه حول حديث الولاية باسناده عن ابن عباس إنه قال: « أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يبلّغ بولاية علي، فأنزل الله عزّ وجلّ ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية فلمـّا كان يوم غدير خم قام فحمد الله وأثنى عليه وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره، وأعز من أعزه، وأعن من أعانه ».
____________________
(١). تاريخ الخميس ٢ / ٣٥٩.
(٢). كشف الظنون ١ / ٧٦.
(٣). ازالة الخفاء.
ترجمة أبي سعيد السجستاني
وأبو سعيد السجستاني من مشاهير حفاظ أهل السنّة الثّقات، وقد تقدم سابقاً ذكر طرف من ترجمته عن السمعاني والذهبي.
(٨)
رواية الحاكم الحسكاني
وروى أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني نزول قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) في واقعة يوم غدير خم، ففي كتاب ( مجمع البيان ) بتفسير الآية المباركة: « عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن الكلبي عن أبي صالح عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله محمداً صلىاللهعليهوآله أن ينصب عليّاً علماً للناس فيخبرهم بولايته، فتخوّف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقولوا حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه هذه الآية، فقام عليهالسلام بولايته يوم غدير خم ».
قال: وهذا الخبر بعينه قد حدثناه السيد أبو الحمد عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن أبي عمير في كتاب شواهد التنزيل في قواعد التفضيل »(١) .
____________________
(١). مجمع البيان في تفسير القرآن المجلد الثاني / ٢٢٣ وهو في شواهد التنزيل ١ / ١٨٧.
(٩)
رواية ابن عساكر
وممّن روى نزول تلك الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم: أبو القاسم علي بن الحسن المعروف بابن عساكر الدمشقي، كما عرفت ذلك من عبارة السيوطي في ( الدر المنثور )(١) .
ترجمة ابن عساكر
١ - ياقوت الحموي: « هو أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الحافظ أحد أئمة الحديث المشهورين والعلماء المذكورين. ولد في المحرم سنة ٤٩٩. ومات في الحادي عشر من رجب سنة ٥٧١ »(٢) .
٢ - ابن خلكان: « الحافظ أبو القاسم المعروف بابن عساكر الدمشقي الملقب ثقة الدين. كان محدّث الشام في وقته ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث فاشتهر به، وبالغ في طلبه، إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره، ورحل وطوف وجاب البلاد ولقي المشايخ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم ابن السمعاني في الرحلة.
وكان حافظاً ديناً، جمع بين معرفة المتون والأسانيد وصنّف التصانيف المفيدة وخرّج التخاريج، وكان حسن الكلام على الأحاديث، محفوظاً في الجمع والتأليف، صنف التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدة، أتى فيه بالعجائب،
____________________
(١) وهو في ترجمة أمير المؤمنينعليهالسلام من تاريخ دمشق ٢ / ٨٦.
(٢). معجم الأدباء ١٣ / ٧٣.
وهو على نسق تاريخ بغداد، قال لي شيخنا الحافظ العلامة أبو محمد عبد العظيم المنذري حافظ مصر أدام الله به النفع - وقد جرى ذكر هذا التاريخ وأخرج لي منه مجلّداً وطال الحديث في أمره واستعظامه - ما أظن هذا الرجل إلّا عزم على وضع هذا التاريخ من يوم عقل على نفسه، وشرع في الجمع من ذلك الوقت، وإلّا فالعمر يقصر عن أن يجمع الإنسان فيه مثل هذا الكتاب بعد الاشتغال والتنبّه. قال - ولقد قال الحق - من وقف عليه عرف حقيقة هذا القول، ومتى يتسع للانسان الوقت حتى يضع مثله، وهذا الذي ظهر هو الذي اختاره وما صح له هذا إلّا بعد مسودات ما كاد ينضبط حصرها.
وله غيره تواليف حسنة وأجزاء ممتعة »(١) .
٣ - الذهبي: « ابن عساكر الامام الحافظ الكبير محدّث الشام فخر الأئمة ثقة الدين قال السمعاني: أبو القاسم حافظ ثقة متقن ديّن خيّر حسن السمت، جمع بين معرفة المتن والاسناد، وكان كثير العلم غزير الفضل، صحيح القراءة، متثبّتا، رحل وتعب وبالغ في الطلب، وجمع ما لم يجمعه غيره، وأربى على الأقران وقال المحدث بهاء الدين القاسم: كان أبي رحمهالله مواظباً على الجماعة والتلاوة، يختم كلّ ليلة ختمة [ يختم كل جمعة ]، ويختم في رمضان كلّ يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، ويحيي ليلة العيدين بالصلاة والذكر، وكان يحاسب نفسه على لحظة تذهب
قال سعد الخير: ما رأيت في سنن [ سن ] ابن عساكر مثله.
قال القاسم ابن عساكر سمعت التاج المسعودي يقول سمعت أبا العلاء الهمداني يقول لرجل استأذنه في الرحلة [ قال ]: إن عرفت أحداً أفضل مني فحينئذٍ آذن لك أن تسافر إليه، إلّا أن تسافر إلى ابن عساكر فإنه حافظ كما يجب.
وحدثني أبو المواهب بن صصري قال: لما دخلت همدان قال لي الحافظ: أنا
____________________
(١). وفيات الأعيان ١ / ٣٣٥.
أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما ينبغي [ أصنع ] إذاً لاجتمع عليه الموافق والمخالف، وقال لي يوماً: أي شيء فتح له؟ وكيف الناس له؟ قلت: هو بعيد من هذا كلّه، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلّا بالجمع والتسميع حتى في نزهته وخلواته، قال: الحمد لله هذا ثمرة العلم، إلّا أنا حصل لنا [ من ] هذا المسجد والدار والكتب تدل على قلة حظ أهل العلم في بلادكم. ثم قال: ما كان يسمى أبو القاسم إلاّ شعلة نار ببغداد من ذكائه وتوقده وحسن إدراكه.
قال أبو المواهب: كنت أذاكر أبا القاسم الحافظ عن الحفّاظ الذين لقيهم. فقال: أما بغداد فأبو عامر العبدري، وأما اصبهان فأبو نصر اليونارتي لكن اسماعيل بن محمّد الحافظ كان أشهر. فقلت: فعلى هذا ما كان رأى سيدنا مثل نفسه. قال: لا تقل هذا قال الله: ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) قلت: فقد قال [ الله تعالى ] ( أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) . فقال: لو قال قائل: إن عيني لم تر مثلي لصدق.
ثم قال أبو المواهب: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه، من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة، من لزوم الصلوات في الصف الأول إلّا من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة، وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الامامة والخطابة، وأباها بعد أن عرضت عليه
وكان شيخنا أبو الحجاج يميل إلى أن ابن عساكر ما رأى حافظاً مثل نفسه.
قال الحافظ عبد القادر: ما رأيت أحفظ من ابن عساكر.
وقال ابن النجار: أبو القاسم إمام المحدّثين في وقته، إنتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان والنقل والمعرفة التامة وبه ختم هذا الشأن. فقرأت بخط الحافظ معمر بن الفاخر في معجمه أنا الحافظ أبو القاسم الدمشقي - بمنى - وكان أحفظ من رأيت من طلبة الحديث والشبان. وكان شيخنا اسماعيل بن محمد الامام
يفضّله على جميع من لقيناهم، قدم إصبهان ونزل في داري، وما رأيت شاباً أودع ولا أحفظ ولا أتقن منه، وكان مع ذلك فقيهاً أديباً سنّياً، جزاه الله خيراً وكثّر في الاسلام مثله، وإني كثيراً سألته عن تأخره عن المجيء إلى إصبهان فقال: لم تأذن لي أمّي.
قال القاسم: توفي أبي في حادي عشر رجب سنة ٥٧١. ورئي له منامات حسنة، ورثي بقصائد، وقبره يزار بباب الصغير »(١) .
٤ - الذهبي أيضاً: « فيها توفي الحافظ ابن عساكر صاحب التاريخ الثمانين مجلّداً ساد أهل زمانه في الحديث ورجاله، وبلغ في ذلك الذروة العليا، ومن تصفّح تاريخه علم منزلة الرجل في الحفظ. توفي في حادي عشر رجب »(٢) .
٥ - اليافعي: « وفيها: الفقيه الامام، المحدث البارع، الحافظ المتقن الضابط ذو العلم الراسخ، شيخ الاسلام، ومحدّث الشام، ناصر السنّة، وقامع البدعة زين الحفّاظ وبحر العلوم الزاخر، رئيس المحدّثين المقر له بالتقدم، العارف الماهر، ثقة الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر، الذي اشتهر في زمانه بعلو شانه، ولم ير مثله في أقرانه، الجامع بين المعقول والمنقول، والمميز بين الصحيح والمعلول.
كان محدّث زمانه، ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث واشتهر به، وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره، رحل وطوّف وجاب البلاد، ولقي المشايخ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن السمعاني في الرحلة.
وكان أبو القاسم المذكور حافظاً ديناً، جمع بين معرفة المتون والأسانيد - وصنف التصانيف المفيدة، وخرّج التخاريج، وكان حسن الكلام على الأحاديث
____________________
(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٨ - ١٣٣٣.
(٢). العبر حوادث ٥٧١.
محفوظاً على الجمع والتأليف، صنف التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدات أتى فيه بالعجائب وهو على نسق تاريخ بغداد قال بعض أهل العلم بالحديث والتواريخ: ساد أهل زمانه في الحديث ورجاله وبلغ فيه الذروة العليا، ومن تصفح تاريخه علم منزلة الرجل في الحفظ.
قلت: بل من تأمل تصانيفه من حيث الجملة علم مكانه في الحفظ والضبط للعلم، والاطلاع وجودة الفهم، والبلاغة والتحقيق والاتساع في العلوم، وفضائل تحتها من المناقب والمحاسن كلّ طائل
وكان ابن عساكر المذكور - رضياللهعنه - حسن السيرة والسريرة، قال الحافظ الرئيس أبو المواهب: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة منذ أربعين سنة ذكره الامام الحافظ ابن النجار في تاريخه فقال: إمام المحدّثين في وقته ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والاتقان والمعرفة التامة والثقة به، وبه ختم هذا الشأن وقال الحافظ عبد القاهر الرهاوي: رأيت الحافظ السلفي والحافظ أبا العلاء الهمداني والحافظ أبا موسى الهمداني فما رأيت فيهم مثل ابن عساكر »(١) .
٦ - الأسنوي: « ومنهم الحافظ أبو القاسم علي أخو الصائن المتقدم ذكره، إمام الشافعية، صاحب تاريخ دمشق في ثمانين مجلدة وغير ذلك من المصنفات كان رحمهالله ديّناً خيّراً حسن السمت مواظباً على الاعتكاف »(٢) .
٧ - ابن قاضي شهبة: « علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، الحافظ الكبير، ثقة الدين، أبو القاسم ابن عساكر، فخر الشافعية، وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم، صاحب تاريخ دمشق وغير ذلك من المصنفات المفيدة المشهورة، مولده في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ورحل إلى بلاد
____________________
(١). مرآة الجنان حوادث ٥٧١.
(٢). طبقات الشافعية ٢ / ٢١٦.
كثيرة، وسمع الكثير من نحو ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، تفقه بدمشق وبغداد، وكان ديّناً خيّراً »(١) .
(١٠)
الفخر الرازي
وذكر فخر الدين محمّد بن عمر الرازي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في ( تفسيره )، في بيان الأقوال المذكورة في سبب تلك الآية، حيث قال:
« العاشر - نزلت هذه الآية في فضل علي رضياللهعنه ، ولمـّا نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر رضياللهعنه فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمّد بن علي »(٢) .
أقول: إن العبرة بذكر الرازي لهذا القول في ضمن الأقوال المزعومة الأخرى، وقد عرفت أنه ينسب هذا القول إلى ابن عباس والبراء بن عازب وسيدنا الإمام محمّد بن علي الباقر عليهالسلام ، فلا عبرة إذن بكلامه هو حول هذا الموضوع، فإنه كلام لا موجب له إلّا المكابرة والعناد، ويكفي في سقوطه أنه ردّ على الامام المعصوم أبي جعفر الباقر عليهالسلام .
ولو قيل: إن المتعصبين من أهل السنة لا يعتقدون بعصمة الأئمة الطاهرين، بل إنّ بعضهم كابن الجوزي في ( الموضوعات ) والسيوطي في ( اللئالي المصنوعة ) وابن العرّاق في ( تنزيه الشريعة ) يجرحون فيهم والعياذ بالله.
____________________
(١). طبقات الشافعية ١ / ٣٤٥.
(٢). تفسير الرازي ١٢ / ٤٩.
قلنا: فما يقولون في حق صحابةٍ يقولون بعدالتهم كابن عباس والبراء بن عازب، وكأبي سعيد الخدري القائل بهذا القول - كما في تفسير النيسابوري، وسنذكر عبارته - وعبد الله بن مسعود كما ستعلم فيما بعد؟
فالحاصل: إن الرازي يعترف بأن القول بنزول الآية في فضل أمير المؤمنين عليهالسلام يوم الغدير هو قول ابن عباس والبراء والامام الباقر، وإنْ كان لا يرتضي هذا القول ولا يعتمد عليه تعصباً وعناداً.
وقد بالغ بعض علماء أهل السنة في الثناء على هذا المتعصب العنيد:
١ - فقد ترجم لهابن خلكان بقوله: « أبو عبد الله محمّد بن عمر بن الحسين ابن الحسن بن علي، التيمي، البكري، الطبرستاني [ الأصل ] الرازي المولد، الملقب فخر الدين، المعروف بابن الخطيب، الفقيه الشافعي. فريد عصره ونسيج وحده، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل، له التصانيف المفيدة في فنون عديدة، منها تفسير القرآن الكريم، جمع فيه كل غريب وغريبة، وهو كبير جدّاً لكنه لم يكمله وكل كتبه ممتعة.
وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة، فإن النّاس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين، وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه، وأتى فيها بما لم يسبق إليه، وكان له في الوعظ اليد البيضاء، ويعظ باللسانين العربي والعجمي، وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء، وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات، ويسالونه وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة، ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة، وكان يلقب بهراة شيخ الإسلام وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشدّ إليه الرحال من الأقطار »(١) .
____________________
(١). وفيات الأعيان ٣ / ٣٨١ - ٣٨٥.
٢ - ابن الوردي: « الامام فخر الدين الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف المشهورة، ومولده سنة ٥٤٣ ومع فضائله كانت له اليد الطولى في الوعظ بالعربي والعجمي، ويلحقه فيه وجد وبكاء، وكان أوحد الناس في المعقولات والأصول، قصد الكمال السمناني، ثم عاد إلى الري إلى المجد الجيلي، واشتغل عليهما، وسافر إلى خوارزم وما وراء النهر، وجرت الفتنة التي ذكرت، واتّصل بشهاب الدين الغوري صاحب غزنة وحصل له منه مال طائل، ثم حظي في خراسان عند السلطان خوارزم شاه بن تكش، وشدّت إليه الرّحال، وقصده ابن عنين ومدحه بقصائد »(١) .
٣ - اليافعي: « وفيها الامام الكبير، العلّامة النحرير، الأصولي المتكلّم المناظر المفسر، صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق، الحظّية في سوق الإِفادة بالنفاق، فخر الدين الرازي الملقب بالإمام عند علماء الأصول، المقرر لشبه مذاهب فرق المخالفين، والمبطل بها بإقامة البراهين، الطبرستاني الأصل، الرازي المولد، المعروف بابن الخطيب، الشافعي المذهب، فريد عصره ونسيج دهره، الذي قال فيه بعض العلماء: خصّه الله برأي هو للغيب طليعة، فيرى الحق بعين دونها حدّ الطبيعة، ومدحه الامام سراج الدين يوسف ابن أبي بكر بن محمد السكاكي الخوارزمي
فاق أهل زمانه في الأصلين والمعقولات وعلوم الأوائل، صنّف التصانيف المفيدة في فنون عديدة وكان صاحب وقار وحشمة ومماليك، وثروة وبزة حسنة وهيئة جميلة، إذا ركب ركب معه نحو ثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم، في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك »(٢) .
٤ - محمّد الحافظ خواجة بارسا: « قال الامام النحرير، المناظر المتكلّم
____________________
(١). تتمة المختصر حوادث سنة ٦٠٦.
(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٦٠٦.
المفسر، صاحب التصانيف المشهورة، فخر الملة والدين الرازي في التفسير الكبير في قوله سبحانه: ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) فيه لطيفة وهو: إن الرجس قد يزول عنّا ولا يطهر المحلّ، فقوله سبحانه: ليذهب عنكم الرجس أي يزيل عنكم الذنوب، وقوله سبحانه: ويطهّركم تطهيرا أي يلبسكم خلع الكرامة تطهيرا، لا يكون بعده تلوّث »(١) .
٥ - ابن قاضي شهبة: « محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي، العلامة سلطان المتكلّمين في زمانه المفسر المتكلم، إمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة في العلوم الشرعية، صاحب المصنفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة، ولد في رمضان سنة ٥٤٤، وقيل سنة ثلاث، اشتغل أوّلا على والده ضياء الدين عمر، وهو من تلامذة البغوي، ثم على الكمال السمناني وعلى المجد الجيلي صاحب محمّد بن يحيى، وأتقن علوما كثيرة وبرز فيها وتقدّم وساد، وقصده الطلبة من سائر البلاد، وصنف في فنون كثيرة »(٢)
(١١)
رواية محمد بن طلحة
وروى أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد القرشي النصيبي نزول آية التبليغ في واقعة يوم الغدير حيث قال: « زيادة تقرير - نقل الامام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمّى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضياللهعنه قال: أنزلت هذه الآية: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير
____________________
(١). فصل الخطاب - مخطوط.
(٢). طبقات الشافعية ١ / ٣٩٦.
خم في علي بن أبي طالب »(١) .
ترجمة محمّد بن طلحة
وقد ترجم لمحمّد بن طلحة مشاهير علمائهم، واصفين إيّاه بالمحامد الجميلة والفضائل العظيمة، وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى، ونكتفي هنا بما ذكره اليافعي في حقّه حيث قال: « الكمال محمّد بن طلحة النصيبي الشافعي. وكان رئيساً محتشماً بارعاً في الفقه والخلاف، ولّي الوزارة مرة ثم زهد وجمع نفسه، توفي بحلب في شهر رجب وقد جاوز التسعين، وله دائرة الحروف ...»(٢) .
(١٢)
رواية الرسعني
وروى عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني نزول الآية الكريمة في يوم الغدير، قال محمّد بن معتمد خان البدخشاني: « أخرج عبد الرزاق الرسعني عن ابن عباس رضياللهعنه قال: لما نزلت هذه الآية: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أخذ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٣) .
____________________
(١). مطالب السئول في مناقب آل الرسول: ٤٤.
(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٦٥٢.
(٣). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.
ترجمة الرسعني
١ - الذهبي: « الرسعني العلّامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر، المحدّث المفسّر الحنبلي. ولد سنة تسع وثمانين، وسمع بدمشق من الكندي وببغداد من ابن منينا، وصنف تفسيراً جيّداً، وكان شيخ الجزيرة في زمانه علماً وفضلاً وجلالة. توفي في ثاني عشر ربيع الآخر »(١) .
٢ - الذهبي أيضاً: « الرسعني الامام المحدّث الرحّال، الحافظ المفسّر، عالم الجزيرة عني بهذا العلم، وجمع وصنف تفسيراً حسناً، رأيته يروي فيه بأسانيده، وصنّف كتاب مقتل الشهيد الحسين، وكان إماماً متقناً ذا فنون وأدب، روى عنه ولده العدل شمس الدين، والدمياطي في معجمه، وغير واحد، وبالاجازة أبو المعالي الأبرقوهي.
كانت له حرمة وافرة عند الملك بدر الدين صاحب الموصل وله شعر رائق، ولّي مشيخة دار الحديث بالموصل. كان من أوعية العلم والخير، توفي سنة ٦٦١ »(٢) .
٣ - ابن الجزري: « عبد الرزاق بن رزق الله أبو محمّد الرسعني، الامام العلّامة، المحدّث المقرئ، شيخ ديار بكر والجزيرة »(٣) .
٤ - السيوطي: « الرسعني الامام المحدّث الرحّال، الحافظ المفيد، عالم الجزيرة، عز الدين أبو محمّد عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الجزري، ولد برأس عين سنة ٥٨٩، وسمع الكندي وعدّة، وعني بهذا الشأن وصنف تفسيراً، وكان إماماً متقناً ذا فنون وأدب، أجاز للدمياطي والأبرقوهي،
____________________
(١). العبر حوادث ٦٦١.
(٢). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٥٢.
(٣). طبقات القراء ١ / ٣٨٤.
ولّي مشيخة دار الحديث بالموصل. مات سنة ٦٦١ »(١) .
٥ - وذكر الكاتب الجلبي تفسير الرسعني في مواضع من كتابه، ففي باب التاء: « تفسير عبد الرزاق بن رزق الله الحنبلي الرسعني، المسمى بمطالع أنوار التنزيل. يأتي. قلت: تفسير عبد الرزاق المذكور اسمه رموز الكنوز. قال محمد المالكي الداودي صاحب طبقات المفسرين بعد نقل هذا التفسير واسمه: وفيه فوائد حسنة، ويروى فيه الأحاديث بأسانيده »(٢) .
وقال في باب الراء: « رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز، للشيخ الامام عز الدين عبد الرزاق الرسعني الحنبلي المتوفى سنة ٦٦٠ »(٣) .
وقال في باب الميم: « مطالع أنوار التنزيل ومفاتيح أسرار التأويل لعبد الرزاق بن رزق الله وهو تفسير كبير حسن، انتفاه السيوطي، وكتب في آخره إجازة سماعه في مجالس آخرها ثاني ذي القعدة سنة ٦٥٩ بدار الحديث المهاجرية بالموصل »(٤) .
(١٣)
رواية النيسابوري
وأما رواية نظام الدين حسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري نزول آية التبليغ المباركة في واقعة يوم غدير خم، فهي في تفسيره بعد تفسير قوله تعالى
____________________
(١). طبقات الحفاظ: ٥٠٥.
(٢). كشف الظنون ١ / ٤٥٢.
(٣). المصدر ١ / ٩١٣.
(٤). المصدر ٢ / ١٧١٥.
( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ ) إذ قال:
« ثم أمر رسوله بأنْ لا ينظر إلى قلّة المقتصدين وكثرة المعاندين، ولا يتخوف مكرهم [ مكروههم ] فقال. ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) عن أبي سعيد الخدري إن هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه وكرّم الله وجهه ] يوم غدير خم، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيده وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر وقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.وهو قول ابن عباس والبراء ابن عازب ومحمّد بن علي.
وروى أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم نام في بعض أسفاره تحت شجرة وعلّق سيفه عليها، فأتاه أعرابي وهو نائم، فأخذ سيفه واخترطه وقال: يا محمّد من يمنعك مني؟ فقال: الله. فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف من يده، وضرب برأسه الشجر [ ة ] حتى انتثر دماغه ونزل ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .
وقيل: لما نزلت آية التخيير: ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) فلم يعرضها عليهن خوفاً من اختيارهن الدنيا نزلت ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) .
وقيل: نزلت في أمر زيد وزينب بنت جحش.
وقيل: لمـّا نزل: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) سكت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن عيب آلهتهم فنزلت، أي: بلّغ معايب آلهتهم ولا تخفها.
وقيل: إنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لمـّا بيّن الشرائع والمناسك في حجة الوداع قال: هل بلغت؟ قالوا: نعم. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللهم اشهد. فنزلت.
وقيل: نزلت في قصة الرجم والقصاص المذكورتين.
وقال الحسن: إن نبي الله قال: لمـّا بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعاً، وتخوّفت أن من الناس من يكذّبني، واليهود والنصارى يخوّفونني، فنزلت الآية. فزال الخوف.
وقالت عائشة: سهر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات ليلة فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: ألا رجل صالح يحرسني الليلة؟! قالت: فبينا نحن في ذلك إذ سمعت صوت السلاح، فقال من هذا؟ قال: سعيد وحذيفة جئنا نحرسك. فنام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى سمعت غطيطه، فنزلت هذه الآية، فأخرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رأسه من قبة أدم فقال: انصرفوا أيّها الناس، فقد عصمني الله.
وعن ابن عباس: كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحرس، فكان يرسل معه أبو طالب كلّ يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت هذه الآية، فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسونه فقال: يا عمّاه إن الله تعالى قد عصمني من الجنّ والإِنس »(١) .
أقول: نلمس من هذه العبارة أن النيسابوري يرى أن سبب نزول الآية هو واقعة يوم الغدير، وأن القول بنزولها في فضل أمير المؤمنين عليهالسلام هو الصحيح من بين الأقوال، ولذا قدّم هذا القول على سائر الأقوال، مع عزوه إلى جماعة من الصحابة والامام الباقر عليهالسلام ، ونسب أكثر الأقوال الأخرى إلى القيل.
ويشهد بكون ذكر هذا القول مقدّماً على غيره قرينة على اختيار النيسابوري له: أن رشيد الدين الدهلوي نقل عن النسفي كلاماً في موضوع، ثم نسب إليه إختيار الأول منهما، لذكره إياه مقدّما على القول الآخر، وهذا كلام رشيد الدين في ( ايضاح لطافة المقال ):
« وقال العلامة أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي صاحب كنز الدقائق، في آخر كتاب الاعتماد في الاعتقاد: ثم قيل: لا يفضّل أحد بعد الصحابة إلّا بالعلم والتقوى، وقيل: فضل أولادهم على ترتيب فضل آبائهم،
____________________
(١). تفسير النيسابوري ٦ / ١٢٩ - ١٣٠.
إلّا أولاد فاطمة عليهماالسلام ، فإنهم يفضَّلون على أولاد أبي بكر وعمر وعثمان، لقربهم من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنهم العترة الطاهرة والذريّة الطيّبة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
وتفيد هذه العبارة - من جهة تقديم ذكر القول المختار للشيخ عبد الحق - أن هذا القول هو الأرجح عند صاحب كتاب الاعتماد، كما لا يخفى على العلماء الأمجاد ».
وذكر الكاتب الجلبي تفسير النيسابوري بقوله: « غرائب القرآن ورغائب الفرقان في التفسير، للعلامة نظام الدين حسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري، المعروف بالنظام الأعرج...»(١) .
وعدّه المولوي حسام الدين السهارنبوري ضمن مصادر كتابه ( مرافض الروافض ) في عداد تفسير البيضاوي ومعالم التنزيل والمدارك والكشاف وجامع البيان، واصفاً إياها بالكتب المعتبرة.
وقد اعتمد القوم على كلمات النيسابوري واستندوا إليها في مقابلة أهل الحق والرد على استدلالاتهم، من ذلك استناد ( الدهلوي ) إلى ما اختاره النيسابوري في الجواب عن مطعن عزل أبي بكر عن إبلاغ سورة البراءة(٢) .
ومن ذلك استشهاد المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام )، في كلامه حول حديث ارتداد الاصحاب بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وذبّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إيّاهم عن الحوض.
____________________
(١). كشف الظنون ٢ / ١١٩٥.
(٢). التحفة. باب المطاعن: ٢٧٢.
كما يظهر اعتبار هذا التفسير من كلام النيسابوري نفسه أيضاً في خطبته، إذ قال:
« ولقد انتصب جم غفير وجمع كثير من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين، والفضلاء المحققين، والأئمة المتقنين في كل عصر وحين، للخوض في تيار بحاره والكشف عن أستار أسراره، والفحص عن غرائبه والاطلاع على رغائبه، نقلاً وعقلاً وأخذاً واجتهاداً، فتباعدت مطامح همّاتهم، وتباينت مواقع نياتهم، وتشعّبت مسالك أقدامهم، وتفننت مقاطر أقلامهم، فمن بين وجيز وأوجز ومطنب وملغز، ومن مقتصر على حلّ الألفاظ، ومن ملاحظ مع ذلك حظّ المعاني والبيان ونعم اللحاظ، فشكر الله تعالى مساعيهم وصان عن إزراء القادح معاليهم، ومنهم من أعرض عن التفسير وأقبل على التأويل، وهو عندي ركون إلى الأضاليل وسكون على شفا جرف الأباطيل، إلّا من عصمه الله وإنه لقليل، ومنهم من مرج البحرين وجمع بين الأمرين، فللراغب الطالب أن يأخذ العذب الفرات ويترك الملح الأجاج، يلقط الدر الثمين ويسقط السبخ والزجاج.
وإذ وفقني الله تعالى لتحريك القلم في أكثر الفنون المنقولة والمعقولة، كما اشتهر - بحمد الله تعالى ومنّه - فيما بين أهل الزمان، وكان علم التفسير من العلوم بمنزلة الإنسان من العين والعين من الإنسان، وكان قد رزقني الله تعالى من إبان الصبى وعنفوان الشباب حفظ لفظ القرآن وفهم معنى الفرقان، وطالما طالبني بعض أجلّة الإِخوان وأعزّة الأخدان ممن كنت مشاراً عندهم بالبنان في البيان، والله المنّان يجازيهم عن حسن ظنونهم ويوفقنا لاسعاف سؤلهم وإنجاح مطلوبهم، أن أجمع كتاباً في علم التفسير مشتملاً على المهمّات، مبنيّاً على ما وقع إلينا من نقل الأثبات وأقوال الثقات، من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين والفضلاء المحققين المتقدمين والمتأخّرين، جعل الله تعالى سعيهم مشكوراً
وعملهم مبروراً، إستعنت بالمعبود وشرعت في المقصود، معترفاً بالعجز والقصور في هذا الفن وفي سائر الفنون، لا كمن هو بابنه وشعره مفتون، كيف وقد قال عز من قائل ( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً؟ وكفى بالله ولياً وكفى بالله وكيلاً.
ولمـّا كان التفسير الكبير المنسوب إلى الامام الأفضل والهمام الأمثل، الحبر النحرير والبحر الغزير، الجامع بين المعقول والمنقول، الفائز بالفروع والأصول، أفضل المتأخرين، فخر الملة والحق والدين، محمد بن عمر بن الحسين الخطيب الرازي، تغمّده الله برضوانه وأسكنه بحبوحة جنانه، إسمه مطابق لمسماه، وفيه من اللطائف والبحوث ما لا يحصى، ومن الزوائد والنيوث ما لا يخفى، فإنه قد بذل مجهوده ونثل موجودة حتى عسر كتبه على الطالبين، وأعوز تحصيله على الراغبين.
حاذيت سياق مرامه وأوردت حاصل كلامه، وقربت مسالك أقدامه، والتقطت عقود نظامه، من غير إخلال بشيء من الفوائد، وإهمال لما يعدّ من اللطائف والعوائد، وضممت إليه ما وجدت في الكشاف وفي سائر التفاسير من اللطائف المهمات، ورزقني الله تعالى من البضاعة المزجاة، وأثبت القراآت المعتبرات والوقوف المعللات، ثم التفسير المشتمل على المباحث اللفظيات والمعنويات، مع إصلاح ما يجب إصلاحه، وإتمام ما ينبغي إتمامه، من المسائل الموردة في التفسير الكبير والاعتراضات، ومع كلّ ما يوجد في الكشاف من المواضع المعضلات، سوى الأبيات المعقّدات، فإن ذلك يوردها من ظنَّ أن تصحيح القراآت وغرائب القرآن إنما يكون بالأمثال والمستشهدات، كلّا، فإنّ القرآن حجة على غيره وليس غيره حجة عليه، فلا علينا أن نقتصر في غرائب القرآن على تفسيرها بالألفاظ المشتهرات، وعلى إيراد بعض المتجانسات التي تعرف منها أصول الاشتقاقات، وذكرت طرفاً من الاشارات المقنعات، والتأويلات الممكنات، والحكايات المبكيات، والمواعظ الرداعة عن المنهيات، الباعثة على أداء الواجبات.
والتزمت إيراد لفظ القرآن الكريم أوّلاً مع ترجمته على وجه بديع وطريق منيع، يشتمل على إبراز المقدّرات وإظهار المضمرات، وتأويل المتشابهات وتصريح الكنايات، وتحقيق المجازات والاستعارات، فإنّ هذا النوع من الترجمة مما تكسب فيه العبرات، ويؤذن المترجمون هنالك إلى العثرات، وقلّما يفطن له الناشي الواقف على متن اللغة العربية، فضلاً عن الدخيل القاصر في العلوم الأدبية، واجتهدت كلّ الاجتهاد في تسهيل سبيل الرشاد، ووضعت الجميع على طرف الثمام، ليكون الكتاب كالبدر في التمام، وكالشمس في إفادة الخاص والعام، من غير تطويل يورث الملام ولا تقصير يوعر مسالك السالك، ويبدد نظام الكلام، فخير الكلام ما قل ودل، وحسبك من الزاد ما بلّغك المحل، والتكلان في الجميع على الرحمن المستعان، والتوفيق مسئول ممن بيده مفاتيح الفضل والإحسان، وخزائن البر والامتنان، وهذا أوان الشروع في تفسير القرآن ».
(١٤)
رواية الهمداني
وروى السيد علي بن شهاب الدين الهمداني نزول آية التبليغ، في فضل أمير المؤمنين عليهالسلام في واقعة يوم غدير خم: « عن البراء بن عازب رضياللهعنه قال: أقبلت مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجة الوداع، فلمـّا كان بغدير خم نودي الصلاة جامعة، فجلس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تحت شجرة، وأخذ بيد علي وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: ألا من أنا مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضياللهعنه فقال: هنيئاً لك يا علي بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، وفيه نزلت ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )
الآية »(١) .
ترجمة الهمداني وخطبة كتابه
والسيد علي الهمداني من علماء أهل السنة الرّبانيين، ومن مشاهير عرفائهم المنتجبين، فقد ترجموا له بما يفوق الوصف، ونسبوا الكرامات الجليلة إليه مثل إحياء الأموات وغيره، كما سنذكر ذلك فيما سيأتي إن شاء الله.
وأما كتابه ( مودة القربى ) فقد مدحه مؤلّفه في خطبته، وبيّن اعتباره وشأنه بقوله: « وبعد، فقد قال الله تعالى: ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) و قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أحبّوا الله لما أرفدكم من نعمه وأحبّوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي. فلمـّا كان مودة آل النبي مسئولاً عنها حيث أمر الله تعالى حبيبه العربي بأن لا يسأل عن قومه سوى المودة في القربى، وأن ذلك سبب النجاة للمحبين، وموجب وصولهم إليه وإلى آله عليهمالسلام كما قال عليهالسلام : من أحبّ قوماً حشر في زمرتهم. وأيضاً قال عليهالسلام : المرء مع من أحب. فوجب على من طلب طريق الوصول ومنهج القبول محبّة الرسول ومودة أهل بيت البتول، وهذه لا تحصل إلّا بمعرفة فضائله وفضائل آله عليهمالسلام ، وهي موقوفة على معرفة ما ورد فيهم من أخباره عليهالسلام .
ولقد جمعت الأخيار في فضائل العلماء والفقراء أربعينيات كثيرة، ولم يجمع في فضائل أهل البيت إلّا قليلاً، فلذا - وأنا الفقير الجاني على العلوي الهمداني - أردت أن أجمع في جواهر أخباره ولآلي آثاره مما ورد فيهم، مختصراً موسوماً بكتاب ( المودة في القربى ) تبركا بالكلام القديم، كما في مأمولي أن يجعل ذلك وسيلتي إليهم ونجاتي بهم، وطويته على أربع عشرة مودة، والله يعصمني من الخبط والخلل في القول والعمل، ولم يحوّل قلمي إلى ما لم ينقل، بحق محمّد ومن اتبعه من أصحاب الدّول ».
____________________
(١). مودة القربى. أنظر ينابيع المودة: ٢٤٩.
(١٥)
رواية ابن الصباغ
وروى نور الدين علي بن محمّد المعروف بابن الصباغ المالكي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في كتابه ( الفصول المهمة ) حيث قال:
« روى الامام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول، يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضياللهعنه قال: نزلت هذه الآية: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب »(١) .
ترجمة ابن الصباغ واعتبار كتابه
وابن الصباغ من مشاهير فقهاء المالكية، ومن ثقات علماء أهل السنة المعروفين، فهم ينقلون عنه أقواله ويعتمدون على رواياته، ويصفونه - وهم ناقلون عنه - بالأوصاف العظيمة. وممن أكثر من النقل عنه نور الدين السمهودي في كتابه ( جواهر العقدين ).
وفي ( نزهة المجالس ): « ورأيت في الفصول المهمة في معرفة الأئمة بمكّة المشرفة شرّفها الله تعالى وهي مصنفة لأبي الحسن المالكي: إن علياً ولدته أمه بجوف الكعبة شرّفها الله تعالى »(٢) .
وعبّر عنه الشيخ أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي بـ « الشيخ الامام علي ابن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية » في كلام له حول حكم الخنثى
____________________
(١). الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ٤٢.
(٢). نزهة المجالس لعبد الرحمن الصفوري ٢ / ٢٠٤ - ٢٠٥.
وهذا نصه: « قلت: وهذه المسألة وقعت في زماننا هذا ببلاد الجبرت، على ما أخبرني به سيدي العلامة نور بن خلف الجبرتي، وذكر لي أن الخنثى الموصوفة توفيت عن ولدين، ولد لبطنها وولد لظهرها، وخلّفت تركة كثيرة، وأن علماء تلك الجهة تحيّروا في الميراث واختلفت أحكامهم، فمنهم من قال: يرث ولد الظهر دون ولد البطن. ومنهم من قال بعكس هذا. ومنهم من قال: يقتسمان التركة. ومنهم من قال: توقف التركة حتى يصطلح الولدان على تساو أو على مفاضلة. وأخبرني أن الخصام قائم والتركة موقوفة، وأنه خرج لسؤال علماء المغرب خصوصا علماء الحرمين عن ذلك.
وبعد الاتفاق به بسنتين، وجدت حكم أمير المؤمنين في كتاب الفصول المهمة في فضل الأئمة تصنيف الشيخ الامام علي بن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية »(١) .
وذكر محمّد رشيد الدين خان الدهلوي كتاب ( الفصول المهمة ) ناسباً إياه إلى الشيخ ابن الصباغ المالكي، ومصرّحاً بكونه من كتب أهل السنة المؤلّفة في فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام .
كما ذكر عبد الله بن محمّد المدني والمطيري شهرة، الشافعي مذهباً، الأشعري إعتقاداً، والنقشبندي طريقة - كتاب ( الفصول المهمة ) في خطبة كتابه ( الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة ) حيث قال:
« أما بعد فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن محمّد المطيري شهرة المدني حالاً: هذا كتاب سميته بالرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة، جمعت فيه ما اطّلعت عليه مما ورد في هذا الشأن، واعتنى بنقله العلماء العاملون الأعيان، وأكثره من الفصول المهمة لابن الصباغ، ومن الجوهر الشفاف للخطيب ».
____________________
(١). ذخيرة المآل - مخطوط.
(١٦)
رواية العيني
وروى بدر الدين محمود بن أحمد العيني نزول آية التبليغ: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) . في واقعة يوم الغدير، في شرحه على صحيح البخاري، حيث جاء بتفسير الآية المذكورة من كتاب التفسير ما هذا نصه: « ص - باب ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .
ش - أي هذا باب من قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ ) ذكر الواحدي من حديث الحسن بن حماد سجادة قال: ثنا علي بن عياش عن الأعمش وأبي الجحاف، عن عطيّة، عن أبي سعيد قال: نزلت هذه الآية: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضياللهعنه .
وقال مقاتل: قوله بلّغ ما أنزل إليك. وذلك أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا اليهود إلى الإسلام فأكثر الدعاء، فجعلوا يستهزؤن به ويقولون: أتريد يا محمّد أن نتخذك حناناً كما اتخذت النصارى عيسى حناناً. فلما رأى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك سكت عنهم، فحرّض الله تعالى نبيه عليهالسلام على الدعاء إلى دينه لا يمنعه تكذيبهم إياه واستهزاؤهم به عن الدعاء.
وقال الزمخشري: نزلت هذه الآية بعد أحد.
وذكر الثعلبي عن الحسن قال سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لما بعثني الله عزّ وجلّ برسالته ضقت بها ذرعاً، وعرفت أن من الناس من يكذّبني - وكان يهاب قريشا واليهود والنصارى - فنزلت.
وقيل: نزلت في عيينة بن حصين وفقراء أهل الصفة.
وقيل: نزلت في الجهاد، وذلك أن المنافقين كرهوه وكرهه أيضاً بعض
المؤمنين، وكان النبي عليهالسلام يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعرف من كراهية القوم، فنزلت.
وقيل: بلّغ ما أنزل إليك من ربّك، في أمر زينب بنت جحش، وهو مذكور في البخاري.
وقيل: بلّغ ما أنزل إليك في أمر نسائك.
وقال أبو جعفر محمّد بن علي بن حسين: معناه بلّغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، فلمـّا نزلت هذه الآية أخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
وقيل: بلّغ ما أنزل إليك من حقوق المسلمين، فلمـّا نزلت هذه الآية خطب عليهالسلام في حجة الوداع، ثم قال: اللهم هل بلغت؟
وعند ابن الجوزي: بلّغ ما أنزل إليك من الرجم والقصاص »(١) .
هذا هو النص الكامل لعبارة العيني في هذا المقام، وقد رأيت أنه قد قدّم القول بنزولها في فضل علي عليهالسلام يوم الغدير على سائر الأقوال في الذكر، الأمر الذي يدلّ على تقديمه إياه عليها في الاختيار كما تقدم ثمّ إنّه عاد وذكر قول سيدنا الامام الباقر عليهالسلام وهو القول الفصل، والحمد لله ربّ العالمين.
١ - شمس الدين السخاوي: « محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود، القاضي بدر الدين أبو محمد - وقيل أبو الثناء - ابن القاضي شهاب الدين، الحلبي الأصل، العنتابي المولد، القاهري الحنفي. أحد الأعيان، ويعرف بابن العيني. كان مولد والده بحلب في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وانتقل إلى عنتاب فولي قضاءها فولد بها ولده البدر، وذلك - كما قرأته
____________________
(١). عمدة القاري - شرح صحيح البخاري ١٨ / ٢٠٦.
بخطّه - في سابع عشر رمضان سنة ٧٦٢، فنشأ بها، وقرأ القرآن واشتغل بالعلوم من سائر الفنون على العلماء الكبار
وكان إماماً عالماً علّامة، عارفاً بالتصريف والعربية وغيرهما، حافظاً للتاريخ واللغة، كثير الاستعمال لها، مشاركاً في الفنون، لا يمل من المطالعة والكتابة، كتب بخطه جملة من الكتب، وصنّف الكثير، وكان نادرة بحيث لا أعلم بعد شيخنا أكثر تصانيف منه، وقلمه أجود من تقريره، وكتابته طريفة حسنة من السرعة
وحدّث وأفتى ودرّس، مع لطف العشرة والتواضع، واشتهر اسمه وبعد صيته، وأخذ عنه الفضلاء من كل مذهب، وممن سمع عليه من القدماء: الكمال الشمني، سمع عليه بعض شرح الطحاوي من تصانيفه، وأرغون شاه التيدمري المتوفى سنة ٨٠٢ صحيح البخاري ومسلم والمصابيح. وعلّق شيخنا من فوائده بل سمع عليه، لأجل ما كان عزم عليه من عمل البلدانيات
وذكره العلاء ابن خطيب الناصرية في تاريخه فقال: وهو إمام عالم فاضل مشارك في علوم، وعنده حشمة ومروة وعصبية وديانة - انتهى.
وقد قرأت عليه الأربعين التي انتقاها شيخي رحمه الله تعالى من صحيح مسلم، في خامس صفر سنة إحدى وخمسين، وعرضت عليه قبل ذلك محافيظي وسمعت عدة من دروسه »(١) .
٢ - السيوطي: « العيني قاضي القضاة تفقّه واشتغل بالفنون، وبرع ومهر، ودخل القاهرة وولي الحسبة مراراً، وقضاء الحنفية، وله تصانيف منها: شرح البخاري، وشرح الشواهد، وشرح معاني الآثار، وشرح الهداية، وشرح الكنز، وشرح المجمع، وشرح درر البحار، وطبقات الحنفية، وغير ذلك. مات في
____________________
(١). الذيل الطاهر للسخاوي - مخطوط. ومنه نسخة وعليها خط المؤلف في مكتبة السيد صاحب عبقات الأنواررحمهالله .
ذي الحجة سنة ٨٥٥ »(١) .
٣ - السيوطي أيضاً: « وكان إماماً عالماً علّامة »(٢) .
٤ - محمود بن سليمان الكفوي: « قاضي القضاة بدر الدين ذكر جلال الدين السيوطي في طبقات الحنفية المصرية في حسن المحاضرة، قال »(٣) .
٥ - الزرقاني المالكي: « وتفقه واشتغل بالفنون وبرع »(٤) .
٦ - الأزنيقي: « وتفقه، واشتغل بالفنون، وبرع ومهر وولي قضاء الحنفية بالقاهرة، وكان إماماً عالماً علامة بالعربية والتصريف وغيرهما »(٥) .
٧ - وقال الكاتب الجلبي في شروح البخاري: « ومن الشروح المشهورة أيضاً شرح العلامة بدر الدين فإن شرحه حافل كامل في معناه، لكن لم ينتشر كانتشار فتح الباري في حياة مؤلفه وهلمّ جرّاً »(٦) .
٨ - وقد احتج المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام ) بكلمات العيني في مقابلة أهل الحق، مع الثناء على شرحه للبخاري - عمدة القاري - وقال في حق العيني بأن تبحّره وغزارة علومه ومهارته في فن الحديث أشهر من أن يذكر.
وهنا يحق لنا أن نسأل المولوي حيدر علي وأمثاله فنقول: كيف يجوز التمسك بما قال العيني في مجال الردّ على الشيعة، مع وصفه بالتبحر والمهارة والفقه والامامة وغير ذلك من الأوصاف الجليلة - ولا يجوز الالتفات إلى كلامٍ له أو روايةٍ له لحديث ينفع الشيعة فيما يذهبون إليه؟
____________________
(١). حسن المحاضرة ١ / ٤٧٣.
(٢). بغية الوعاة ٢ / ٢٧٥.
(٣). كتاب الأعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار - مخطوط.
(٤). شرح المواهب اللدنية ١ / ٥٨.
(٥). مدينة العلوم للأزنيقي.
(٦). كشف الظنون ١ / ٥٤٨.
(١٧)
رواية السيوطي
وروى جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي حديث نزول آية التبليغ: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) في واقعة يوم غدير خم، في فضل سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، وهذا نص عبارته في تفسير الآية المذكورة: « أخرج أبو الشيخ عن الحسن: إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: إن الله بعثني برسالة، فضقت بها ذرعاً وعرفت أن الناس مكذّبي، فوعدني لأبلغنَّ أو ليعذّبني، فأنزلت ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لمـّا نزلت ( بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) . قال: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع، يجتمع عليّ الناس فنزلت: ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس: ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك لم تبلّغ رسالته.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) . على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) . إن علياً مولى المؤمنين ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عنترة قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل
فقال: إن ناساً يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للناس. فقال: ألم تعلم أن الله قال: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) . والله ما ورّثنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سوداء في بيضاء »(١) .
ورواية السيوطي هذا الخبر في سبب نزول آية التبليغ في يوم غدير خم في كتاب ( الدر المنثور ) معتبرة من وجوه:
الأول: إن سياق كلام السيوطي ظاهر في أنه يرى أن هذا القول هو الحق من بين الأقوال في هذا المقام، لأنه لم ينقل قولا آخر يخالفه في الدلالة، أما قول الحسن فلا ينافي القول بنزولها يوم الغدير في فضل علي عليهالسلام ، لأنه روى عن النبي صلىاللهعليهوآله أن الله تعالى بعثه برسالة فضاق صلىاللهعليهوآلهوسلم بها ذرعاً فأنزلت الآية فلم يبيّن في هذه الرواية حقيقة تلك الرسالة، فلا تأبى الحمل على أنها كانت حول الامامة والخلافة، ونصب أمير المؤمنين عليهالسلام لها، بل إن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فضقت بها ذرعاً وعرفت الناس مكذبي » يؤيد هذا الحمل ويؤكّده.
وكذا الأمر بالنسبة إلى ما ذكره مجاهد، وإلى الخبرين عن ابن عباس، فإن هذه الأخبار أيضاً لا تنافي خبر نزول الآية الكريمة في واقعة يوم غدير خم بوجه من الوجوه.
الثاني: إن كلام السيوطي في خطبة كتابه ( الدر المنثور ) صريح في أن الآثار المذكورة فيه في ذيل الآيات مستخرجة من الكتب المعتبرة، وهذا نص عبارته: « الحمد لله الذي أحيا بمن شاء مآثر الآثار بعد الدثور، ووفق لتفسير كتابه العزيز بما وصل إلينا بالاسناد العالي من الخبر المأثور، وأشهد أن لا اله إلّا الله وحده لا
____________________
(١). الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٢٩٨.
شريك له، شهادة تضاعف لصاحبها الأجور، وأشهد أن سيدنا محمّداً عبده ورسوله الذي أسفر فجره الصادق فمحى ظلمات أهل الزيغ والفجور، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوى العلم المرفوع والفضل المشهور، صلاة وسلاماً دائمين على مرّ الليال والدهور.
وبعد - فلمـّا ألّفت كتاب « ترجمان القرآن » وهو التفسير المسند عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وقد تمّ بحمد الله في مجلدات، وكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات، رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله، ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله، فلخّصت منه هذا المختصر مقتصرا فيه على متن الأثر، مصدّراً بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر، وسميته بالدر المنثور في التفسير بالمأثور، والله أسأل أن يضاعف لمؤلفه الأجور، ويعصمه عن الخطأ والزور، بمنه وكرمه، لأنه البر الغفور ».
الثالث: إن كتاب ( الدر المنثور ) من التفاسير الممدوحة المشهورة التي ذكرها ( الدهلوي ) في رسالته في ( أصول الحديث )، ذكره في عداد تفاسير ابن مردويه والديلمي وابن جرير ثم قال: وإن الدر المنثور للشيخ جلال الدين السيوطي أجمعها.
وقد صرّح صاحب ( منتهى الكلام ) بأن معنى « الشهرة » في هذا المقام هو الاعتبار والاعتماد عند العلماء الأعلام.
الرابع: إن السيوطي قد نصَّ في مواضع عديدة من ( الدر المنثور ) على ضعف الخبر، وهذا يدل على أنه لا يترك الحديث بحاله، بل ينبّه على ضعفه إن كان ضعيفاً عنده، وعلى هذا الاساس يجوز لنا الاحتجاج بكل حديث يخرجه فيه ولا ينص على جرح له، وقد ذكر هذا المعنى المولوي حيدر علي بالنسبة إلى حديث رواه الشيخ ابن بابويه الصدوق ولم يتعرض إلى جرح فيه.
وحينئذٍ نقول: إن السيوطي أخرج الروايتين الدالتين على نزول آية التبليغ
في يوم الغدير ولم يقدح فيهما أصلاً بنوع من الأنواع.
الخامس: لقد أكثر علماء الحديث والكلام من أهل السنة من الاستناد إلى أحاديث ( الدر المنثور ) والاحتجاج بها. ففي ( تنبيه السفيه ) لسيف الله بن أسد الله الملتاني ذكر ( الدر المنثور ) في سياق كتب مهمة ككتاب: الأسماء والصفات للبيهقي، والمصنف لابن أبي شيبة، والآثار للإمام محمّد الشيباني، قائلاً بأنها مصادر كتاب ( التحفة الاثنا عشرية ) من كتب أهل السنة.
وفي ( الشوكة العمرية ) لمحمّد رشيد الدين خان تلميذ ( الدهلوي ) ذكر ( الدر المنثور ) في كتب التفسير لأهل السنة، المشتملة على الأخبار التفسيرية الواردة عن أمير المؤمنين وغيره من أئمة أهل البيت عليهمالسلام .
السادس: لقد زعم ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) أن علماء أهل السنة ومحدثيهم مشهورون بالتقى والعدالة والديانة، بخلاف الرواة في الفرق الأخرى - ولا سيما الشيعة - فإن جميعهم مطعونون ومجروحون عند أنفسهم(١) .
أقول: وهذا الكلام - بغض النظر عمّا فيه من جميع نواحيه - فيه أعلى درجات التوثيق وأقصى مراتب التعديل لرواة أهل السنة ورجال أحاديثهم وأخبارهم، وعلى هذا الأساس تسقط جميع المناقشات الصادرة من ( الدهلوي ) وغيره في أسانيد أحاديث فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام ، التي رواها المحدّثون من أهل السنة، وأخرجها الأئمة والحفاظ في كتبهم المعتبرة، ومنها حديث نزول آية التبليغ: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) في فضل سيدنا الأمير عليهالسلام يوم الغدير، فإنه حديث أخرجه جماعة كثيرة من كبار أئمة القوم، عن جماعة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ... وكفى الله المؤمنين القتال. والحمد لله ربّ العالمين.
____________________
(١). التحفة. الباب الحادي عشر وفي جواب المطعن الثامن من مطاعن الصحابة.
(١٨)
رواية محبوب العالم
وروى محمّد محبوب العالم ابن صفي الدين جعفر المعروف ببدر العالم نزول الآية المباركة: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) في يوم غدير خم بتفسير الآية في تفسير المشهورة ( تفسير شاهي ) حيث قال بعد ترجمة الآية، ونقل رواية عن أمير المؤمنين عليهالسلام في معنى العصمة: « وفي النيسابوري عن أبي سعيد الخدري: هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب رضياللهعنه يوم غدير خم، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضي الله تعالى عنه وقال: هنيئا لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمّد بن علي رضي الله تعالى عنهم ».
وقد أورد هذه الرواية ولم يذكر رواية أخرى مخالفة لها.
اعتبار تفسير شاهي من كلام ( الدهلوي ) وغيره
وقد نص ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) على اعتبار ( تفسير شاهي )، ووصف الروايات الواردة فيه عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام بأنها « مضبوطة » وهذا كلامه حيث قال بتعريف كتب الشيعة: « وأما التفاسير فمنها « التفسير » الذي ينسبونه إلى الامام الحسن العسكري عليهالسلام ، رواه عنه ابن بابويه بإسناده عنه، ورواه عنه غيره أيضا بإسناده، مع تفاوت زيادة ونقصانا.
وإن أهل السنة أيضا يروون عن الامام المذكور وغيره من الأئمة في التفسير، كما جاء في « الدر المنثور »، وتلك الروايات مجموعة ومضبوطة في « تفسير
شاهي »، لكن ما يرويه الشيعة عن الأئمة لا يتطابق أبدا مع تلك الروايات »(١).
وبعد هذا المدح والثناء للتفسيرين المذكورين، لا تسمع الخدشة في ثبوت هذا الحديث المذكور فيهما، لأنه لا يكون إلاّ عن مكابرة واضحة.
كما ذكر تلميذه محمّد رشيد الدين خان الدهلوي « تفسير شاهي » مع تفسير الفخر الرازي، في بيان أن تفاسير أهل السنة مليئة بالأخبار والروايات عن الامام علي بن موسى الرضا عليهالسلام ، ومن هذا الكلام يتضح أن هذا التفسير من التفاسير المشهورة المعتبرة لدى أهل السنة. والعجب أنهم مع ذلك يقدحون في حديث نزول آية التبليغ المروي في « تفسير شاهي » - وتفسير الرازي أيضاً - وينسون ما ذكروه في الثناء والاعتماد على التفسير المذكور!!
(١٩)
رواية الحاج عبد الوهاب البخاري
وروى الحاج عبد الوهاب بن محمّد بن رفيع الدين أحمد نزول الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم حيث قال بتفسير قوله تعالى: ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) : « عن البراء بن عازب رضياللهعنه قال في قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أي بلّغ من فضائل علي. نزلت الآية في غدير خم. فخطب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. فقال عمر رضياللهعنه : بخ بخ يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. رواه أبو نعيم. وذكره أيضاً الثعالبي في كتابه ».
____________________
(١). التحفة الاثنا عشرية. الباب الثالث: ١١١.
ترجمة الحاج عبد الوهاب
والحاج عبد الوهاب البخاري من أكابر العلماء المشاهير من أهل السنّة، ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي وأثنى عليه الثناء البالغ في ( أخبار الأخيار )(١) .
وكذلك ترجم له السيد محمّد ابن السيد جلال ماه عالم في ( تذكرة الأبرار ). وقد توفي عبد الوهاب البخاري سنة: ٩٣٢.
(٢٠)
رواية جمال الدين المحدّث
ورواه عطاء الله بن فضل الله الشيرازي، المعروف بجمال الدين المحدّث، حيث قال بعد ذكر حديث الغدير: « أقول: أصل هذا الحديث - سوى قصة الحارث - تواتر عن أمير المؤمنين عليهالسلام . وهو متواتر عن النبي صلىاللهعليهوآله أيضاً. رواه جمع كثير وجم غفير من الصحابة.
فرواه ابن عباس ولفظه قال: لما أمر النبي أن يقوم بعلي بن أبي طالب المقام الذي قام به، فانطلق النبي إلى مكة فقال: رأيت الناس حديثي عهد بكفر، ومتى أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمه، ثم مضى حتى قضى حجة الوداع، ثم رجع حتى إذا كان بغدير خم أنزل الله عزّ وجلّ: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. فقام مناد فنادى الصلاة جامعة، ثم قام وأخذ بيد علي فقال: « من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٢)
____________________
(١). أخبار الأخيار: ٢٠٦. وتوجد ترجمته في كتاب نزهة الخواطر ٤ / ٢٢٣ وقد وصفه بقوله: « الشيخ الصالح » ولد سنة ٨٦٩. توفي سنة ٩٣٢.
(٢). كتاب الأربعين في فضائل أمير المؤمنين - مخطوط.
خطبة كتاب الأربعين
ويتّضح من كلام الجمال المحدّث في خطبة كتاب ( الأربعين ) إعتبار الأحاديث المخرجة فيه، فإنه قال: « وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني عطاء الله بن فضل الله المشتهر بجمال الدين المحدّث الحسيني، حسّن الله أحواله وحقّق بجوده العميم آماله: هذه أربعون حديثا في مناقب أمير المؤمنين وإمام المتقين ويعسوب المسلمين، ورأس الأولياء والصدّيقين، ومبينّ مناهج الحق واليقين، كاسر الأنصاب وهازم الأحزاب، المتصدّق في المحراب، فارس ميدان الطعان والضراب، المخصوص بكرامة الأخوة والانتخاب، المنصوص عليه بأنه لدار الحكمة ومدينة العلم باب، وبفضله واصطفائه نزل الوحي ونطق الكتاب، المكنى بأبي الريحانتين وأبي تراب.
هو النبأ العظيم وفلك نوح |
وباب الله وانقطع الخطاب |
المشرف بمزيّة: من كنت مولاه فعلي مولاه، المدعو بدعوة: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فكم كشف عن نبي الله صلىاللهعليهوآله من شدة وبؤسى، حتى خصّه بقوله: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، وكم فرّج عنه من عمة وكربى حتى أنزل الله فيه ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) .
ثم زاده شرفاً ورفعة، ووفّر حظه من أقسام العلى توفيراً، وإنما أنزل فيه وفي بنيه: ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) مظهر جسيمات المكارم، ومظهر عميمات المنن، الذي حبه وحب أولاده العظام وأحفاده الكرام من أوفى العدد وأوقى الجنن، شعر:
أخو أحمد المختار صفوة هاشم |
أبو السادة الغر الميامين مؤتمن |
|
وصيّ إمام المرسلين محمد |
علي أمير المؤمنين أبو الحسن |
هما ظهرا شخصين والنور واحد |
بنص حديث النفس والنور فاعلمن |
|
هو الوزر المأمول في كلّ حطّة |
وإنْ لا تنجينا ولايته فمن؟ |
|
عليهم صلاة الله ما لاح كوكب |
وما هزّ ممراض النسيم على فنن |
وإنْ كانت مناقبه كثيرة وفضائله جمة غزيرة، بحيث لا تعد ولا تحصى ولا تحد ولا تستقصى، كما ورد عن ابن عباس مرفوعاً: لو أنّ الرياض أقلامٌ والبحر مداد والجنّ حسّاب والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب. وروي: أن رجلاً قال لابن عباس: سبحان الله ما أكثر مناقب علي بن أبي طالب! إني لأحسبها ثلاثة آلاف. قال: أولاً تقول أنها إلى ثلاثين ألف أقرب؟
لكني اقتصرت منها على أربعين حديثاً روماً للاختصار، ومراعاة لما اشتهر من سيد الأبرار وسند الأخيار محمّد المصطفى الرسول المختار صلىاللهعليهوآله ما ترادف الليل والنهار وتعاقب العشى والابكار أنه قال: من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله تعالى فقيهاً عالماً. وفي رواية: بعثه الله تعالى يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء. وفي رواية: كتب في زمرة العلماء وحشر في زمرة الشهداء. وفي رواية: وكنت له يوم القيامة شافعا وشهيدا وفي رواية: قيل له: أدخل من أي أبواب الجنة شئت.
جمعتها من الكتب المعتبرة على طريقة أهل البيت عليهمالسلام ».
(٢١)
رواية شهاب الدين أحمد
وروى شهاب الدين أحمد نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في ذكر الآيات النازلة في حق أمير المؤمنين عليهالسلام حيث قال: « قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .
وبالاسناد المذكور عن أبي الجارود إلى حمزة [ أبي جعفر - ظ ] قال: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) نزلت في شأن الولاية. وفي رواية أبي بكر ابن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله وبارك وسلّم: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) إن عليّاً مولى المؤمنين و ( إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) »(١) .
وقد ذكر شهاب الدين أحمد في عنوان الباب الذي ذكر فيه الآيات النازلة في حق الامام عليهالسلام : « الباب الثاني في فضله الذي نطق القرآن ببيانه، وما نزل من الآيات في علو شأنه - إعلم أن الآيات بعضها وردت متفقاً عليها في شأن هذا الولي النبي، وبعضها قد اختلف فيها هل هي لغيره أم هي فيه، فأنا أذكرهما كليهما، معتمداً على ما رواه الصالحاني الامام، وأسردهما كما ذكرها بإسناده برواية الحفّاظ الأعلام، عن الحافظ أبي بكر ابن مردويه، بإسناده إلى أفضل البشر مرفوعاً، أو جعله في التحقيق بالاعتزاء إلى الصحابي مشفوعاً، غير أني أذكر السور على ترتيب المصاحف في الآفاق، وإنْ وافقه غيره من الأئمة في شيء أذكر ذلك الوفاق ».
عبارته في خطبة كتابه
وذكر في خطبة كتابه ما يدل على عظمة شأن هذا الكتاب، وجلالة الأحاديث المروية فيه حيث قال: « واعلم أن كتابي هذا إن شاء الله تعالى خال عن موضوعات الفريقين، حالٍ بتحري الصدق وتوخّي الحق وتنحّي مطبوعات
____________________
(١). توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.
الطريقين ».
وقال: « وخرّجت من كتب السنّة المصونة عن الهرج ودواوينها، وانتهجت فيه منهج من لم ينتهج بنهج العوج عن قوانينها، أحاديث حدث حديثها عن حدث الصدق في الأخبار، ومسانيد ما حدث وضع حديثها بغير الحق في الأخبار. معزوة في كلّ فصل إلى رواتها، مجلوّة في كلّ أصل عن تداخل غواتها ».
قال: « فيا أهل الانتصاب وجيل سوء الاصطحاب، ويا شرّ القبيل، لا تغلو في دينكم غير الحق، ولا تتّبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلوا كثيراً، وضلّوا عن سواء السبيل، إنْ تجدوا في الكتاب ما وجدتكم على وجدانكم مخالفاً لأمر الخلافة، أو ترونه على رأيكم مناقضاً للاجماع على تفضيل الصديق منبع الحلم والرأفة، فلا تواضعوا رجماً بالغيب في الحكم، تحكماً بوضع أخبار أخبر بها نحارير علماء السنة في فضائل مولانا المرتضى، ولا تسارعوا نبذا في الجيب إلى إلقائها قبل تلقّيها، فإنّها تلاقت قبول مشاهير عظماء الأمة من كل من اختار الحق وارتضى
والغرض في هذا الباب من تمهيد هذه القواعد، أن لا يقوم بالرد لأخبار هذا الكتاب من كان كالقواعد، فإنّ معظماتها في الصحاح والسنن، ومروياتها مأثورات أصحاب الصلاح في السنن ».
(٢٢)
رواية البدخشاني
وروى الميرزا محمّد بن معتمد خان الحارثي البدخشاني نزول آية التبليغ في واقعة يوم الغدير، كما عرفت في تخريج رواية ابن مردويه، ورواية عبد الرزاق الرسعني، وهذا نص عبارته كاملة في هذا المقام:
« الآيات النازلة في شأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كثيرة جداً لا أستطيع استيعابها، فأوردت في هذا الكتاب لبّها ولبابها
وأخرج - أي ابن مردويه - عن زر عن عبد الله رضياللهعنه قال: كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) إن عليا مولى المؤمنين و ( إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس رضياللهعنه قال: لمـّا نزلت هذه الآية ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أخذ النبي بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضياللهعنه مثله، وفي آخره: فنزلت ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) الآية. فقال النبي: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضي الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب »(١) .
ترجمة البدخشاني
والميرزا محمّد البدخشاني من أكابر مشاهير علماء أهل السنة، وقد صرّح محمّد رشيد الدين خان الدهلوي في ( ايضاح لطافة المقال ) بأنه من عظماء أهل السنة، وإن كتابه ( مفتاح النجا ) يدلّ كغيره من كتب عظماء أهل السنة - بزعمه - على موالاة أهل السنة لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام.
وذكر المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( إزالة الغين ) هذا الرجل من جملة علماء أهل السنة، الذين يعتقدون بلعن يزيد بن معاوية عليه اللعنة وسوء العذاب.
* * *
____________________
(١). مفتاح النجا - مخطوط.
دلالة نزول آية التبليغ في الغدير على الامامة
ثمّ إن نزول هذه الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم دليل على أنها إنّما نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، لتأكّد على لزوم تبليغه أمر خلافة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، وتوضّح المراد من حديث الغدير وما خطب به رسول الله في ذلك اليوم، إذْ أن قوله تعالى: ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) يدل على عظمة شأن ما أمره تعالى بتبليغه، بحيث أنه إن لم يبلّغه القوم فما بلغ الرسالة الاسلامية، ولذهبت متاعبه وأعماله هباءاً منثوراً، وما ذلك إلّا حكم الامامة الذي هو أصل عظيم من أصول الدين، وبه يتم صلاح المسلمين في الدنيا والآخرة.
قال في ( بحار الأنوار ): « إن الأخبار المتقدمة الدالة على نزول قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) مما يعين أن المراد بالمولى: الأولى والخليفة والامام، لأن التهديد بأنه إن لم يبلّغه فكأنه لم يبلّغ شيئاً من رسالاته، وضمان العصمة له يجب أن يكون في إبلاغ حكم يكون بإبلاغه إصلاح الدين والدنيا لكافة الأنام، وبه
يتبين للناس الحلال والحرام إلى يوم القيامة، وكان قبوله صعبا على الأقوام، وليس ما ذكروه من الاحتمالات في لفظ « المولى » مما يظن فيه أمثال ذلك، فليس المراد إلّا خلافته عليهالسلام وإمامته، إذ بها يبقى ما بلّغه صلىاللهعليهوآله من أحكام الدين، وبها ينتظم أمور المسلمين. وضغائن الناس لأمير المؤمنين عليهالسلام كان مظنة إثارة الفتن من المنافقين، فلذا ضمن الله له العصمة من شرّهم »(١) .
ثم إنه لمـّا نزلت الآية المباركة على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأمر بتبليغ هذه الرسالة العظيمة مع ذلك التهديد، ضاق النبي صلىاللهعليهوآله بذلك ذرعاً لأنه عرف أن الناس يكذّبونه. وذلك من جملة البراهين الواضحة على عظمة تلك الرسالة وصعوبة تقبّل بعض الصحابة إياها، ولو كان من أمر بتبليغه من الأمور الفرعية السهلة، أو كان مجرّد إيجاب محبّة أمير المؤمنين ومودّته لما ضاق بابلاغه ذرعاً، ولما خاف تكذيب الناس إياه، والحال أن جملة من روايات حديث الغدير تضمّنت هذه الجهات:
فعن كتاب ( مناقب علي بن أبي طالب عليهالسلام ) لابن مردويه بإسناده في شأن نزول آية التبليغ: « عن زيد بن علي قال: لمـّا جاء جبرئيل عليهالسلام بأمر الولاية ضاق النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك ذرعا وقال: قومي حديثو عهد بجاهلية فنزلت ».
وعنه باسناده « عن ابن عباس قال: لمـّا أمر رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقوم بعلي فيقول له ما قال، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا رب إن قومي حديثو عهد بالجاهلية، ثم مضى بحجّة، فلما أقبل راجعا نزل بغدير خم أنزل الله عليه ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. فأخذ بعضد علي ثم خرج إلى الناس. إلى آخر ما سيجيء فيما بعد إن شاء الله تعالى ».
____________________
(١). بحار الأنوار ٣٨ / ٢٤٩.
وقد رواه السيد جمال الدين المحدث الشيرازي كما عرفت.
وعرفت أيضاً قول السيوطي: « أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: إنّ الله بعثني رسالة فضقت بها ذرعاً وعرفت أن الناس مكذبي، فوعد ربي لأبلغنّ أو ليعذبني، فأنزلت ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لمـّا نزلت ( بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) قال رسول الله: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس! فنزلت ( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) (١) .
وما رواه ابن مردويه وغيره يفسر هذا الحديث، لأن « الحديث يفسر بعضه بعضاً » كما تقرر في علم أصول الحديث. ونص عليه الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري في شرح صحيح البخاري ) وقد تقدم ذكر عبارته سابقاً.
فإن قيل: إنه صلىاللهعليهوآله كان يحذر تكذيب الكفار والمشركين لا الصحابة.
قلنا: إنه صلىاللهعليهوآله قد أمر بتبليغ هذه الرسالة إلى المسلمين، وقد كان الحاضرون في يوم الغدير كلهم مسلمين وصحابة له، ومتى كان الكفار موجودين في الغدير حتى يخاف صلىاللهعليهوآله تكذيبهم؟!
فإن قيل: فقد كان من بين الصحابة منافقون.
قلنا: فذلك ما نقول به، وقد كان أكثرهم كذلك، ولو كانوا أقل من المؤمنين به والمخلصين له لما خاف وضاق بالتبليغ ذرعاً، ولما قال: « يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس »، على أن اللفظ الذي رواه المحدث وابن مردويه صريح في أنه صلىاللهعليهوآله كان يخاف صحابته المسلمين الذين وصفهم بأنهم حديثو عهد بالجاهلية، ولو كان الذين يحذرهم كفرة لما وصفهم بهذا
____________________
(١). الدر المنثور ٢ / ٢٩٨.
الوصف.
فتلخص أن نزول الآية المباركة في الغدير، وإن ما كان في ذلك اليوم، دليل قطعي على الامامة والخلافة لأمير المؤمنين عليهالسلام بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله بلا فصل، وأنه لم يكن ما أمر بتبليغه مجرد إيجاب مودة أمير المؤمنين عليهالسلام ، الأمر الذي فعله من ذي قبل مراراً وتكراراً، إما تصريحاً باسمه وإما في ضمن إيجاب مودّة أهل البيت وذوي القربى، من غير خوف وحذر، مع كون الصحابة أقرب عهداً بالكفر والجاهلية.
لا يقال: فإنّ النبي صلىاللهعليهوآله قد بيّن أمر الخلافة قبل يوم الغدير، وعيّن أمير المؤمنين عليهالسلام لها، فيلزم أن يكون من الرسالة غيرها.
لأن الغرض إثبات أن الأمر الذي أمر صلىاللهعليهوآله بتبليغه في غاية العظمة والأهمية، ولا يتصور غير الامامة والخلافة أمر آخر بهذه المثابة، بحيث يخاف من تكذيب الصحابة، وإن تبليغ هذا الأمر العظيم من ذي قبل لا ينافي تبليغه والتأكيد عليه في حجة الوداع وفي يوم الغدير، مع أمور جديدة لم تقع من قبل، وهي استخلافه صلىاللهعليهوآله لعلي والتنصيص على ذلك، وأخذ البيعة على خلافته قرب وفاته، وفي هذا المشهد العظيم المنقطع النظير.
* * *
(٢)
نزول قوله تعالى:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
لقد نزل قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) بعد فراغ رسول الله صلىاللهعليهوآله من خطبته في يوم غدير خم، وتعيين أمير المؤمنين عليهالسلام للامامة والخلافة، وذلك من الأدلة القوية والبراهين القويمة على أن المراد من قول رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » هو التنصيص على الامامة والخلافة لعلي عليهالسلام من بعده، إذ ليس هناك غير الامامة والخلافة أمر آخر يصلح لأن يكون به إكمال الدين وإتمام النعمة، فإن الامامة والخلافة أصل عظيم من أصول الدين وبها قد كمل، وتمت النعمة، والحمد لله ربّ العالمين.
ولقد روى جماعة من أئمة علماء أهل السنة حديث نزول آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) في واقعة يوم الغدير، ومنهم:
١ - أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني.
٢ - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني.
٣ - أبو الحسن علي بن محمّد الجلابي المعروف بابن المغازلي.
٤ - الموفق بن أحمد المعروف بأخطب خطباء خوارزم.
٥ - محمّد بن علي بن إبراهيم النطنزي.
٦ - أبو حامد محمود بن محمّد الصالحاني.
٧ - إبراهيم بن محمّد بن المؤيّد الحمويني.
(١)
رواية ابن مردويه
لقد روى أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني نزول قوله تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) في واقعة يوم غدير خم، فقد قال الميرزا محمّد بن معتمد خان البدخشي:
« أخرج عبد الرزاق الرسعني عن ابن عباس رضياللهعنه قال: لمـّا نزلت هذه الآية: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أخذ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضياللهعنه مثله، وفي آخره، فنزلت: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) الآية. فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب »(١) .
(٢)
رواية أبي نعيم
ورواه أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني أيضاً، حيث أخرج باسناده:
____________________
(١). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.
« عن قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم، وأمر بما تحت الشجرة من شوك فقمّ، وذلك في يوم الخميس، فدعا عليّاً وأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس بياض إبطي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم لم يفترقوا حتى نزلت هذه الآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الله أكبر على إتمام الدين وإتمام النعمة ورضي الرب برسالتي وبالولاية لعلي من بعدي إلخ »(١) .
(٣)
رواية ابن المغازلي
ورواه أبو الحسن علي بن محمّد بن الخطيب الجلّابي المعروف بابن المغازلي بسنده عن أبي هريرة، وهذا عين عبارته: « أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن طاوان قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن الحسين ابن السماك قال: حدثني أبو محمّد جعفر ابن محمّد بن نصير الخلدي، حدثني علي بن سعيد بن قتيبة الرملي قال: حدثني ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: من صام ثمانية عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً وهو يوم غدير خم، لمـّا أخذ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. فأنزل الله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
____________________
(١). ما نزل من القرآن في علي - مخطوط.
دِينَكُمْ ) (١) .
(٤)
رواية الخوارزمي
وروى ذلك الموفق بن أحمد بن أبي سعيد المكي الخوارزمي المعروف بأخطب خوارزم قائلاً: « أخبرنا سيّد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي - فيما كتب إليّ من همدان - أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله ابن عبدوس الهمداني كتابة قال: حدّثنا عبد الله بن إسحاق البغوي قال: حدثنا الحسن بن عقيل الغنوي، حدّثنا محمّد بن عبد الرحمن الذراع قال: حدّثنا قيس ابن حفص قال: حدثني علي بن الحسين الحسن العبدي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري.
أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم دعا الناس إلى غدير خم، أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقمّ وذلك يوم الخميس، ثم دعا إلى عليّ، فأخذ بضبعيه ثم رفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم لم يفترقا حتى نزلت هذه الآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب »(٢) .
____________________
(١). مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي: ١٨.
(٢). مناقب علي بن أبي طالب للخوارزمي: ٨٠.
(٥)
رواية النطنزي
ورواه أبو الفتح محمّد بن علي بن إبراهيم النطنزي باسناده « عن أبي هريرة قال: من صام ثمانية عشر من ذي الحجة، وهو يوم غدير خم، لما أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم. فأنزل الله: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) كتب له صيام ستّين شهراً »(١) .
(٦)
رواية الصالحاني
ورواه أبو حامد محمود بن محمّد الصالحاني أيضاً، كما ذكر السيد شهاب الدين أحمد حيث قال: « قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) . وبالاسناد المذكور عن مجاهد رضي الله تعالى عنه قال: نزلت هذه الآية بغدير خم فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي
____________________
(١). الخصائص العلوية - مخطوط.
والولاية لعلي.رواه الامام الصالحاني » (١) .
(٧)
رواية الحمويني
ورواه إبراهيم بن المؤيّد الحمويني باسناده حيث قال: « عن سيّد الحفّاظ أبي منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي قال: أخبرني الحسن بن أحمد ابن الحسن الحدّاد المقري الحافظ قال: نبأنا أحمد بن عبد الله بن أحمد قال: نبأنا محمّد بن أحمد بن علي قال: نبأنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة قال: نبأنا يحيى الحماني قال: حدّثنا قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمَّ - وذلك يوم الخميس - فدعا علياً فأخذ بضبعيه فرفعهما، حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ثم لم يفترقوا حتى نزلت هذه الآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) . فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي إلخ »(٢) .
* * *
____________________
(١). توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.
(٢). فرائد السمطين ١ / ٧٤.
مع ابن كثير
في تكذيبه لهذا الحديث
وإذْ وقفت على رواية نزول قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) في واقعة يوم غدير خم، وعرفت رواة هذه الرواية من أعلام أهل السنة بأسانيدهم، فاعلم أن الحافظ عماد الدين ابن كثير الدمشقي قال بعد أن ذكر الحديث عن أبي هريرة: « فإنه حديث منكر جداً بل كذب ». ونحن ننقل هنا نصّ عبارته، ثم نجيب عمّا ادّعاه في هذا المقام بالتفصيل:
أما عبارته فهذا نصّها: « فأمّا الحديث الذي رواه ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: لمـّا أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد علي قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله عزّ وجلّ: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خم، من صام يوم ثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا. فإنه حديث منكر جدّاً بل
كذب، لمخالفته ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إنّ هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة، ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واقف بها كما قدّمناه.
وكذا قوله: إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم غدير خم يعدل صيام ستين شهراً. لا يصح، لأنّه قد ثبت ما معناه في الصحيح: إن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام واحد يعدل ستين شهراً. هذا باطل.
وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد إيراد هذا الحديث: هذا حديث منكر جدّاً، رواه خيشون الخلال وأحمد بن عبد الله بن أحمد الديري - وهما صدوقان - عن علي بن سعيد الرملي عن ضمرة، قال: ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبي سعيد، وغيرهم، بأسانيد واهية. قال: وصدر الحديث متواتر أتيقّن أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قاله. وأما: اللهم وال من والاه. فزيادة قويّة الإسناد. وأما هذا الصوم فليس بصحيح ولا والله نزلت الآية يوم عرفة قبل غدير خم بأيّام. والله أعلم »(١) .
ابطال كلام ابن كثير
وهذا الكلام في غاية البطلان، لأنّه قد اعترف بأن هذا الحديث يرويه ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة، وهؤلاء كلهم من رجال الصحاح:
فأمّا ( ضمرة ) فهو من رجال: الترمذي وأبي داود وابن ماجة والنسائي في صحاحهم.
____________________
(١). تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٣ - ٢١٤.
وأمّا ( عبد الله بن شوذب ) فهو من رجال الصحّاح الأربعة المذكورة.
وأمّا ( مطر الورّاق ) فهو من رجال مسلم والصحاح الأربعة المذكورة، ابن حبان أيضاً.
وأمّا ( شهر بن حوشب ) فهو أيضاً من رجال مسلم بن الحجاج والأربعة المذكورة.
وستعلم فيما بعد - إن شاء الله تعالى - أن رواية واحد من أصحاب الصحاح عن رجلٍ دليل على كونه ثقة عادلاً معتمداً صحيح الضبط عندهم، فكيف يكذّب حديث رواه أهل السنّة بأسانيدهم، عن رجال أخرج عنهم في الصحاح واعتمد عليهم؟!
وقد رأينا أن علماء أهل السنّة ومصنّفيهم يثنون غاية الثناء على الصحاح، ويشنّعون على الشيعة الامامية طعنهم في بعض أخبارها ورواتها، فقد قال الميرزا مخدوم الشريفي: « ومن هفواتهم: إنكارهم كتب الأحاديث الصحاح التي تلقّت الأمة بقبولها، منها صحيحا البخاري ومسلم الذين مرّ ذكرهما. قال أكثر علماء الغرب أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى صحيح مسلم بن الحجاج القشيري. وقال الأكثرون من غيرهم صحيح محمّد بن إسماعيل البخاري هو الأصح، وهو الأصح.
وما اتّفقا عليه هو ما اتفق عليه الأمة، وهو الذي يقول فيه المحدّثون كثيراً صحيح متفق عليه، ويعنون به اتّفاقهما لاتفاق الأمة وإنْ لزمه ذلك، واستدل في الأزهار لثبوت الملازمة باتفاق الأمة على تلقّي ما اتفقا عليه والمتفق عليه بينهما هو الذي يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويروي عنه راويان ثقتان من أتباع التابعين مشهوران بالحفظ، ثم يروي عن كلّ واحد منهم رواة ثقات من الطبقة الرابعة، ثم يروي عن كل واحد منهم شيخ البخاري ومسلم، والأحاديث المروية بهذه الشرائط قريبة إلى عشرة آلاف.
وقد عمل بكتابيهما هذين الأئمة المجتهدون الكاملون بغير تفتيش وتفحص
وتعديل وتجريح، من غاية وثوقهم عليهما، وبرئ جمع كثير من المرضى ونجي بيمنهما جم غفير من الغرقى، وقد بلغ القدر المشترك مما ذكر في ميامنهما وبركاتهما حد التواتر وصارا في الاسلام رفيقي المصحف الكريم والقرآن العظيم.
فهؤلاء من كثرة جهلهم وقلة حيائهم ينكرون الصحيحين المزبورين وسائر صحاحنا إلخ»(١) .
وقال الفضل ابن روزبهان: « وصحاحنا ليس ككتب الشيعة التي اشتهر عند الشيعة أنها من موضوعات يهودي كان يريد تخريب بناء الإسلام، فعملها وجعلها وديعة عند الامام جعفر الصادق، فلما توفي حسب الناس أنه من كلامه والله أعلم بحقيقة هذا الكلام، ومع هذا لا ثقة لأهل السنة بالمشهورات، بل لا بدّ من الأسناد الصحيح حتى يصح الرواية.
وأما صحاحنا فقد اتفق العلماء أن كلّ ما عدّ من الصحاح - سوى التعليقات في الصحاح الستة - لو حلف رجل الطلاق أنه من قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو من فعله وتقريره لم يقع الطلاق ولم يحنث »(٢) .
فنقول لابن روزبهان: وإذا كان كذلك فلما ذا جعلت في كتابك حديث نزول آية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ) في يوم الغدير الذي رواه رجال الصحاح من مفتريات الشيعة؟!
ثم نقول: إن جميع هذه التشنيعات والمطاعن التي وجهها إلى الشيعة بسبب قدحهم في صحاح أهل السنة وإنكارهم لطائفة من أخبارهم، تنطبق على الحافظ ابن كثير الذي كذّب حديث نزول آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) في يوم الغدير، ورجاله من رجال الصحاح التي قد عرفت إجماعهم على توثيق رجالها.
____________________
(١). نواقض الروافض - مخطوط.
(٢). إبطال الباطل لابن روزبهان الشيرازي.
قد عرفت أن رجال خبر أبي هريرة المذكور من رجال الصحاح الستّة لأهل السنة، فلا كلام في ثقتهم، ونحن نذكر كلمات علماء الرجال الفطاحل في توثيق كل واحد من هؤلاء:
أما ضمرة بن ربيعة: فقد وثقه وأثنى عليه أحمد بن حنبل وجماعة، فقد قال الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي: « ضمرة بن ربيعة الفلسطيني أبو عبد الله الرملي روى عنه: الحكم بن موسى، وهارون بن معروف، ونعيم ابن حماد، وبكير بن محمّد اسما بن أخي جويرية، ومهدي بن جعفر وأبو عمير عيسى بن محمّد الرمليان، وأبو علي الحسن بن واقع، وعلي بن سعيد كان ينزل مدينة الداخل، ودحيم، وسليمان، وعبد الرحمن، وهشام بن عمار، وأحمد بن عبد الله بن بشير بن ذكوان، وأيوب بن محمّد الوزان، وسليمان بن أيوب البرني، وعبد الله بن عبد الرحمن بن هاني، وعيسى بن يونس، وإدريس بن سليمان بن أبي الرباب، وعلي بن سعيد بن بشير النسائي، ومحمّد بن الوزير الدمشقي، وعمرو ابن عثمان الحمصي، ومحمّد بن عمرو بن حبان، وعبيد الله بن محمّد الفريابي، وهشام بن خالد الأزرق، والحسن بن عبد العزيز الجروي، وأبو عتبة أحمد بن الفرح، وإسماعيل بن عباد الأرسوفي، وسعيد بن راشد بن موسى، وعمرو بن عبد الله بن صفوان والد أبي زرعة، وعبد الرحمن بن واقد الواقدي، وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: من الثقات المأمونين، رجل صالح الحديث، لم يذكر بالشام رجل يشبهه، وهو أحب إلينا من بقية، بقية كان لا يبالي عمّن حدّث.
وقال أبو حاتم: صالح. وقال آدم بن أبي أياس: ما رأيت أعقل لما يخرج من رأسه من ضمرة. وقال أبو سعيد ابن يونس: كان فقيه أهل فلسطين في زمانه، قدم مصر وحدّث بها وروى عنه من أهلها: عمر بن صالح، وسعيد بن عفير، ويحيى بن أبي بكير، وتوفي بفلسطين في رمضان سنة ٢٠٢. وقال محمّد بن سعد:
كان ثقة مأموناً لم يكن هناك أفضل منه، لا الوليد ولا غيره، توفي سنة ٢٠٢. روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة »(١) .
وذكره الذهبي في ( الكاشف ) وأورد توثيق أحمد ومدح ابن يونس إياه(٢) .
وأيضاً ذكره في ( دول الاسلام ) وقال: « وكان من العلماء المكثرين »(٣) .
وأمّا عبد الله بن شوذب: ففي ( الكمال ): « عبد الله بن شوذب البلخي البصري، سكن الشام ببيت المقدس، عداده في التابعين روى عنه: أبو إسحاق الفزاري، وضمرة بن ربيعة، وعيسى بن يوسف، وعبد الله بن المبارك وسلمة بن العيار الفزاري، والوليد بن مزيد، وأيوب بن سويد، وإبراهيم بن أدهم، وابن مسلم الحفاف الحلبي، ومحمّد بن الكثير المصيصي.
قال سفيان الثوري: كان ابن شوذب عندنا وكنّا نعدّه من ثقات مشايخنا. وقال الوليد بن كثير: إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة، وسئل عنه يحيى بن معين فقال: ثقة. وقال أحمد بن حنبل: لا أعلم به بأسا - وفي لفظ - لا أعلم إلاّ خيرا، وهو من أهل بلخ، نزل البصرة سمع بها الحديث وتفقه، ثم انتقل إلى الشام فأقام بها، وكان من الثقات. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال ضمرة: مات سنة ١٥٦. روى له: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة »(٤) .
وقال الذهبي: « وثّقه جماعة، كان إذا رأي ذكرت الملائكة »(٥) .
وقال ابن حجر: « صدوق عابد »(٦) .
وفي ( تهذيب التهذيب ): « قال أبو طالب عن أحمد: ابن شوذب من أهل
____________________
(١). الكمال في أسماء الرجال - مخطوط.
(٢). الكاشف ٢ / ٣٨.
(٣). دول الاسلام - حوادث ٢٠٢.
(٤). الكمال في أسماء الرجال - مخطوط.
(٥). الكاشف ١ / ٣٥٦.
(٦). تقريب التهذيب ١ / ٤٢٣.
بلخ، نزل البصرة، وسمع بها الحديث وتفقّه وكتب، ثم انتقل إلى الشام فأقام بها وكان من الثقات. وقال سفيان: كان ابن شوذب من ثقات مشايخنا. وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد: لا أعلم به بأساً. وقال مرة: لا أعلم إلّا خيراً. وقال ابن معين وابن عمار والنسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال وليد بن كثير: كنت إذا نظرت إلى ابن شوذب ذكرت الملائكة قلت: ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير وغيره ووثقه العجلي أيضاً. وأما أبو محمّد ابن حزم فقال: إنه مجهول »(١) .
وأما مطر الورّاق فذكره الحافظ أبو نعيم بقوله: « ومنهم العالم المشفاق والعامل المنفاق أبو رجاء مطر الوراق. حدثنا عبد الله بن محمّد بن جعفر قال: ثنا إسحاق بن أحمد قال: ثنا عبد الرحمن بن عمر بن رسته قال: ثنا أبو داود قال: ثنا جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار يقول: يرحم الله مطراً كان عبد العلم.
حدّثنا أبو حامد بن جبلة قال: ثنا محمّد بن إسحاق قال: ثنا العباس بن أبي طالب قال: ثنا الخليل بن عمر بن إبراهيم قال: سمعت عمي أبا عيسى يقول: ما رأيت مثل مطر في فقهه وزهده».
حدّثنا أبو حامد بن جبلة قال: ثنا محمّد بن إسحاق قال: ثنا علي بن مسلم قال: ثنا سيار قال: ثنا جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار يقول: يرحم الله مطراً إني لأرجو له الجنة»(٢) .
وأما شهر بن حوشب: فقال الحافظ عبد الغني المقدسي بترجمته: « شهر بن حوشب أبو سعيد - ويقال أبو عبد الله، ويقال أبو عبد الرحمن ويقال أبو الجعد - الأشعري الشامي الحمصي وقيل الدمشقي روى عنه: قتادة، ومعاوية بن
____________________
(١). تهذيب التهذيب ٥ / ٢٥٥ - ٢٦١.
(٢). حلية الأولياء ٣ / ٧٥ - ٧٦.
قرة، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وشمر بن عطية، وعبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي، وعوف الأعرابي، ويزيد بن أبي مريم السلولي، وأبان بن صالح، وداود بن أبي هند، وعبد الله بن أبي زياد المكي، وثعلبة بن مسلم الخثعمي، وميمون بن سياه البصري، وعبد الحميد بن بهرام، وأشعث الحداني، وثابت البناني، وسماك بن حرب، وسعيد بن عطية، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وعبد العزيز بن عبيد الله، والحكم بن لبان، وبديل بن ميسرة، وعبد العزيز ابن صهيب، وحفص بن أبي حفص أبو معمر التميمي، وأبو جعفر حماد بن جعفر البصري، وليث بن أبي سليم، ومستقيم بن عبد الملك، ويزيد أبو عبد الله الشيباني، وإبراهيم بن عبد الرحمن الشيباني، وزيد العمي، والحكم بن عتبة، وعقبة بن عبد الله الرفاعي، وعلي بن زيد بن جدعان، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو كعب صاحب الحرير.
وقال عمرو بن علي: ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شهر بن حوشب وكان يحيى لا يحدث عنه. وسمعت معاذ بن معاذ يقول: ما نصنع بحديث شهر؟ إن شعبة ترك حديثه. وقال أحمد بن إسماعيل الكرماني عن أحمد بن حنبل: ما أحسن حديثه ووثقه وهو شامي من أهل حمص وأظنه كنديا، روى عن أسماء بنت يزيد أحاديث حساناً.
وقال أحمد بن عبد الله: هو تابعي ثقة. وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى: هو ثقة. وقال أبو حاتم: هو أحبّ إليَّ من أبي هارون وبشر بن حرب وليس بدون أبي الزبير لا يحتج به. وقال أبو زرعة: لا بأس به ولم يلق عمرو بن عبسة، وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: عبد الحميد بن بهرام أحاديثه مقاربة هي حديث شهر، كان يحفظها كأنه يقرأ سورة من القرآن، وانما هي سبعون حديثا وهي طوال ومنها حروف ينبغي أن تضبط ولكن يقطعونها. وقال الترمذي قال أحمد بن حنبل: لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب. وقال محمد: شهر حسن الحديث وقوّى أمره وقال: إنما يتكلم فيه ابن عون، ثم روى عن هلال بن أبي
زينب عن شهر بن حوشب، وقال محمّد بن عبد الله بن عمار - وسئل عن شهر بن حوشب فقال - روى عنه الناس وما أعلم أحداً قال فيه غير شعبة. قلت: يكون حديثه حجة؟ قال: لا.
وقال يعقوب بن شيبة: هو ثقة. وقال صالح بن محمّد البغدادي: شهر بن حوشب شامي قدم العراق على حجاج بن يوسف، روى عنه الناس من أهل الكوفة وأهل البصرة، وأهل الشام، ولم يوقف منه على كذب، وكان رجلاً ينسك إلّا أنه روى أحاديث يتفرد بها لم يشركه فيها أحد، مثل حديث ثابت البناني عن شهر بن حوشب.
أخرج له مسلم مقروناً بغيره، وأخرج له الجماعة إلّا البخاري »(١) .
وقال ابن حجر: « قال يعقوب بن شيبة قيل لابن المديني: تروي [ ترضى ] حديث شهر؟ فقال: أنا أحدّث عنه، وكان عبد الرحمن يحدّث عنه، وأنا لا أدع حديث الرجل إلاّ أن يجتمعا عليه يحيى وعبد الرحمن - يعني على تركه - وقال حرب ابن اسماعيل عن أحمد: ما أحسن حديثه ووثّقه وأظنه قال: هو كندي وروى عن أسماء أحاديث حسانا. وقال أبو طالب عن أحمد: عبد الحميد بن بهرام أحاديثه مقاربة هي أحاديث شهر كان يحفظها كأنه يقرأ سورة من القرآن، وقال حنبل عن أحمد: ليس به بأس، وقال عثمان الدارمي: بلغني أن أحمد كان يثني على شهر، وقال الترمذي قال أحمد: لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر، وقال الترمذي عن البخاري: شهر حسن الحديث وقوى أمره وقال ابن أبي خيثمة ومعاوية بن صالح عن ابن معين: ثقة. وقال عباس الدوري عن ابن معين: ثبت. وقال العجلي: شامي تابعي ثقة. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة على أن بعضهم قد طعن فيه. وقال يعقوب بن سفيان: وشهر وإن قال ابن عون تركوه فهو ثقة وقال أبو جعفر الطبري: كان فقيهاً قارئاً عالماً، وقال أبو بكر البزار:
____________________
(١). الكمال في أسماء الرجال - مخطوط.
لا نعلم أحداً ترك الرواية عنه غير شعبة »(١) .
وقال الذهبي: « قال أبو عيسى الترمذي قال محمد - هو البخاري - شهر حسن الحديث وقوّى أمره. وقال أحمد بن عبد الله العجلي ثقة شامي، وروى عياش عن يحيى: ثبت. وقال يعقوب بن شيبة: شهر ثقة طعن فيه بعضهم قال ابن عدي: شهر ممن لا يحتج به ولا يتديّن بحديثه.
قلت: ذهب إلى الاحتجاج به جماعة، وقال حرب الكرماني عن أحمد ما أحسن حديثه ووثقه وهو حمصي، وروى حنبل عن أحمد: ليس به بأس، وقال الفوي: شهر وإن تكلم فيه ابن عون فهو ثقة »(٢) .
وإذْ قد عرفت توثيق هذه الكثرة من الأئمة لشهر بن حوشب فإنه يسقط عن الاعتبار أمام ذلك جرح بعضهم إياه.
على أنه قد تقرّر عندهم أن التعديل يترجح على الجرح ويجعله كأن لم يكن عند التعارض، وممّن نصّ على ذلك أبو المؤيّد الخوارزمي، وحكاه عن ابن الجوزي الذي قد نصّ على هذه القاعدة الكلية في كلام حول شهر بن حوشب الذي وقع في طريق حديث، وإليك عبارة أبي المؤيّد الخوارزمي بعينها:
« والدليل على ما ذكرنا: إنّ التعديل متى ترجّح على الجحر يجعل الجرح كأن لم يكن، وقد ذكر ذلك إمام أئمة التحقيق ابن الجوزي في ( كتاب التحقيق في أحاديث التعليق ) في مواضع منه، فقال في حديث المضمضة والاستنشاق الذي يرويه جابر الجعفي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إنه قال: المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا يتم الوضوء إلّا بهما: فإن قال الخصم - أعني الشافعي رحمهالله فانه يراهما سنة فيهما - جابر الجعفي قد كذّبه أيوب السختياني وزائدة. قلنا: قد وثّقه سفيان الثوري وشعبة وكفى بهما.
____________________
(١). تهذيب التهذيب ٤ / ٣٦٩ - ٣٧٢.
(٢). ميزان الاعتدال ٢ / ٢٨٤.
وقال في حديث الأذنان من الرأس فيما يرويه سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إنه قال: الأذنان من الرأس: فإنْ قال الخصم - أعني الشافعي فإنه يأخذ لهما ماءاً جديداً - إن سنان بن ربيعة مضطرب الحديث، وشهر بن حوشب لا يحتج بحديثه. قال ابن عدي: ليس بالقوي ولا يحتج بحديثه.
قلنا في الجواب: أمّا شهر بن حوشب فقد وثّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وأما سنان فاضطراب حديثه لا يمنع ثقته. إلى أنْ قال: وهكذا فعله غيره من علماء الحديث متى ترجح التعديل جعل الجرح كأن لم يكن، فالذي يروي عن بعض المحدثين توثيقه لا يعتبر فيه طعن الطاعنين »(١) .
ومن هنا أيضاً يثبت وثاقة شهر عند ابن الجوزي أيضاً.
وأمّا قول ابن كثير - بالنسبة إلى ثواب صوم يوم غدير خم الوارد في رواية أبي هريرة -: « وكذا قوله إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم غدير خم يعدل ستين شهر، لا يصح، لأنه قد ثبت معناه في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهراً؟ هذا باطل » فلا يخفى بطلانه على من له أدنى خبرة بالأخبار، إذ قد ورد له نظائر كثيرة، نذكر هنا بعضها:
قال نور الدين الحلبي في ذكر مبعث النبي صلىاللهعليهوآله : « وقيل: كان ذلك ليلة أو يوم السابع والعشرين من رجب. فقد أورد الحافظ
____________________
(١). جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ٣٩.
الدمياطي في سيرته عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب الله له صيام ستين شهراً، وهو اليوم الذي نزل فيه جبرئيل على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالرسالة، وأول يوم هبط فيه جبرئيل. هذا كلامه »(١) .
والعجب من الحلبي كيف يذكر الاعتراض على حديث أبي هريرة في صوم يوم الغدير بمثل ما ذكر ابن كثير، وهو يروي مثله عن أبي هريرة في صوم يوم المبعث؟ نعم قد أمر في آخر كلامه بالتأمل، وهذا نص كلامه: « وما جاء من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهراً، قال بعضهم قال الحافظ الذهبي: هذا حديث منكر جدّا أي بل كذب، فقد ثبت في الصحيح ما معناه إن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهراً. هذا باطل. هذا كلامه فليتأمل »(٢) .
والحافظ الدمياطي راوي حديث أبي هريرة في فضل صوم يوم المبعث ترجم له الحافظ الذهبي بقوله: « الدمياطي شيخنا الامام العلّامة، الحافظ الحجة الفقيه النسابة، شيخ المحدثين، شرف الدين أبو محمّد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن أبي الحسن اليوني الدمياطي الشافعي صاحب التصانيف.
مولده في آخر سنة ٦١٣، تفقه بدمياط وبرع، ثم طلب الحديث وكتب العالي والنازل وجمع فأوعى، وسكن دمشق فأكثر بها من ابن مسلمة وغيره، ومعجم شيوخه يبلغون ألفا وثلاثمائة إنسان. وكان حاذقاً حافظاً متقناً، جيد العربية عزيز اللغة، واسع الفقه، رأساً في علم النسب، ديّناً كيّساً متواضعاً
____________________
(١). إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ١ / ٣٨٤.
(٢). نفس المصدر ٣ / ٣٣٧.
نسّاباً، محبّباً إلى الطلبة، مليح الصورة، نقي النية، كبير القدر وسمعت أبا الحجاج الحافظ - وما رأيت أحداً أحفظ منه لهذا الشأن - يقول: ما رأيت أحفظ من الدمياطي فتوفي في ذي القعدة سنة ٧٠٥. وكانت جنازته مشهودة. ومن علومه القراءات السبع، تلا بها على الكمال العباسي الضرير »(١) .
وهذا الحديث الذي رواه الدمياطي في فضيلة صيام السابع والعشرين من رجب قد رواه جماعة من أكابر أهل السنة، قال الشيخ عبد القادر الجيلاني: « فصل في فضيلة صيام السابع والعشرين من رجب. أخبرنا الشيخ أبو البركات هبة الله السقطي قال: أخبرنا الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا عبد الله بن محمّد بن علي بن بشر قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ [ قال ] أخبرنا أبو نصر حبشون بن موسى الخلال قال: أخبرنا علي بن سعيد الرملي قال: أخبرنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن مرزوق، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضياللهعنه ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال: من صام يوم السابع والعشرين من رجب كتب الله له صيام ستّين شهرا، وهو أول يوم نزيل فيه جبرئيل عليهالسلام على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالرّسالة »(٢) .
وفي ( نزهة المجالس ): « عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : من صام يوم السابع والعشرين من رجب كتب الله له ثواب ستين شهراً »(٣) .
بل لقد رووا أن من صام هذا اليوم كان كمن صام مائة سنة، فقد قال الشيخ عبد القادر الجيلاني، « أخبرنا هبة الله باسناده عن أبي مسلم [ سلمة ] عن أبي هريرة وسلمان الفارسي - رضي الله عنهما - قالا قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن في رجب يوماً وليلة، من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان له من
____________________
(١). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤٧٧.
(٢). غنية الطالبين ٥٠١ - ٥٠٢.
(٣). نزهة المجالس ١ / ١٥٤.
الأجر كمن صام مائة سنة وقامها، وهي لثلاث بقين من رجب، وهو اليوم الذي بعث فيه نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم »(١) .
وفي ( نزهة المجالس ) أيضاً: « وعن أبي هريرة وسلمان الفارسي - رضي الله عنهما - قالا قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ في رجب يوماً وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان له من الأجر كمن صام مائة عام وقامها، وهي لثلاث بقين من رجب. حكاه الشيخ عبد القادر الكيلاني في الغنية»(٢) .
وقال علي بن يحيى البخاري الزندويستي: « قال سلمان الفارسي قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في رجب ليلة ويوم، من قام تلك الليلة وصام ذلك اليوم، كان كمن صام مائة سنة، وهو لثلاث بقين من رجب، فيه بعث الله تعالى محمداً »(٣) .
وفي ( غنية الطالبين ) حول فصل صيام واحد ويومين وثلاثة أيام من شهر رجب ما نصه: « فمن ذلك ما أخبرنا به الشيخ الامام هبة الله بن المبارك السقطي رحمهالله ، عن الحسن بن أحمد بن عبد الله المقري، بإسناده عن هارون بن عنترة، عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضياللهعنه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن شهر رجب شهر عظيم، من صام منه يوماً كتب الله تعالى له صوم ألف سنة، ومن صام منه يومين كتب الله صوم ألفي سنة، ومن صام منه ثلاثة أيام كتب الله تعالى له صوم ثلاثة آلاف سنة »(٤) .
____________________
(١). غنية الطالبين ٥٠٢ - ٥٠٣.
(٢). نزهة المجالس ١ / ١٥٤.
(٣). روضة العلماء - مخطوط.
(٤). غنية الطالبين ٤٨٣.
وفي رواية طويلة له ذكر لصوم كلّ يومٍ من أيام رجب ثواباً وفضيلة إلى أن قال: « ومن صام عشرة أيام فبخ بخ بخ، له مثل ذلك وعشرة أضعاف، وهو ممن يبدل الله سيئاته حسنات، ويكون من المقربين القوامين لله بالقسط، وكان كمن عبد الله ألف عام قائماً صائماً صابراً محتسباً، ومن صام عشرين يوماً كان له مثل ذلك وعشرين ضعفاً، وهو ممن يزاحم إبراهيم خليل الله في قبّته، ويشفع في مثل ربيعة ومضر من أهل الخطايا والذنوب، ومن صام ثلاثين كان له مثل ذلك وثلاثين ضعفاً »(١) .
وفي ( روضة العلماء ): « حدّثنا الامام أبو بكر الاسماعيلي بإسنادٍ له عن سعيد ابن جبير عن أبيه إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: إن رجباً شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات، فمن صام منه ثلاثة كان كصيام سنة »(٢) .
وفي ( نزهة المجالس ): « قال علي رضياللهعنه : صوم ثالث عشر رجب كصيام ثلاثة آلاف سنة، وصوم رابع عشر رجب كصيام عشرة آلاف سنة، وصوم عشرين كصيام مائة ألف عام. وسيأتي نظيره في الأيام البيض.
وعن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام.
وعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : من صام يوماً من رجب فكأنه صام أربعين سنة »(٣) .
وفيه: « وعن ابن مسعود عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : من صام ثلاثة أيام من رجب وقام ليلها فله من الأجر كمن صام ثلاثة آلاف سنة وقام ليلها، يغفر الله له بكلّ يوم سبعين كبيرة، ويقضي له سبعين حاجة عند النزع، وسبعين حاجة في
____________________
(١). المصدر ٤٨٦.
(٢). روضة العلماء - مخطوط.
(٣). نزهة المجالس ١ / ١٥٢.
قبره، وسبعين حاجة عند تطاير الصحف، وسبعين حاجة عند الميزان، وسبعين حاجة عند الصراط»(١) .
وفيه: « عن سلمان الفارسي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : من صام يوماً من رجب فكأنما صام ألف سنة وكأنما أعتق ألف رقبة »(٢) .
وفي ( روضة العلماء ) في فضل صوم يوم عرفة: « وحدّثنا أيضاً محمّد بن نعيم، باسناد له عن أبي قتادة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: من صام يوم عرفة فهو مثل صيام سنتين »(٣) .
وفيه: « حدّثنا الحاكم أبو نصر الحربي بإسناد له عن أبي سلمة رضياللهعنه عن أبي هريرة رضياللهعنه : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: من صام يوم عرفة كتب الله تعالى له بعدد من صام ذلك اليوم، وبعدد من لم يصمه من المسلمين عمر الدنيا كلها عشر مرات ثواباً، ويشيّعه من قبره القيامة سبعون ألف ملك إلى الموقف وعند نصب الميزان، ومن الموقف إلى الصراط، ومن الصراط إلى الجنة، يهوّنون عليه أهوال يوم القيامة والنزع، ويبشرونه في كلّ خطوة - يخطوها مركبه - بشارة جديدة، وقيل له: تمن على الله ما شئت. صلّى الله على محمّد وآله أجمعين »(٤) .
وقال أبو الليث نصر بن محمّد السمرقندي: « حدّثنا أبي رحمهالله بإسناده عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنّ شاباً كان صاحب سماع. أي كان
____________________
(١). نزهة المجالس ١ / ١٥٢.
(٢). المصدر ١ / ١٥٣.
(٣). روضة العلماء ونزهة الفضلاء لعلي بن يحيى الزندويستي المتوفى سنة ٣٨٢ - مخطوط. كذا في الأعلام.
(٤). روضة العلماء الزندويستي - مخطوط.
مشهوراً بين الناس بالخير والشجاعة، وكان إذا أهلّ هلال ذي الحجة أصبح قائماً، فارتفع الحديث إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: فأرسل إليه ودعاه فقال: ما يحملك على صيام هذه الأيام؟ قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أصوم أيام المشاعر وأيام الحج عسى الله أن يشركني في دعائهم. قال: فإنّ لك بكل يوم تصومه عدل مائة رقبة ومائة بدنة ومائة فرس يحمل عليها في سبيل الله، فإذا كان يوم التروية فلك فيها عدل ألف رقبة وألف بدنة وألف فرس يحمل عليها في سبيل الله، فإذا كان يوم عرفة فلك فيه عدل ألفي رقبة وألفي بدنة وألفي فرس يحمل في سبيل الله، وهو يعدل صيام السنتين سنة قبلها وسنة بعدها.وفي رواية أخرى أنه قال: صيام عرفة يعدل سنتين ويعدل صوم عاشوراء بصوم سنة »(١) .
وفي ( غنية الطالبين ): « عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طالب رضياللهعنه يقول: أتيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات يوم عند انتصاف النهار - وهو في الحجرة - فسلّمت عليه، فردّ السّلام. ثم قال: يا علي هذا جبرئيل يقرئك السّلام فقلت: عليك وعليه السلام يا رسول الله. ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أدن مني. فدنوت منه. فقال: يا علي يقول لك جبرئيل: صم من كلّ شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأوّل يوم ثواب عشرة آلاف سنة، وباليوم الثاني ثواب ثلاثين ألف سنة، وباليوم الثالث مائة ألف سنة. فقلت: يا رسول الله هذا الثواب لي خاصة أم للناس عامّة؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا علي يعطيك الله هذا الثواب ولمن يعمل بعملك بعدك »(٢) .
____________________
(١). تنبيه الغافلين - مخطوط.
(٢). غنية الطالبين ٧٣٨.
وحول فضل صوم عاشوراء وكل يوم من أيام شهر محرّم الحرام قال الشيخ عبد القادر الكيلاني: « مجلس في ذكر فضائل يوم عاشوراء. قال الله عزّ وجلّ: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ) وقد تقدّم ذكر ذلك وأن منها المحرّم، فهذا الشهر من الأشهر المحرمة عند الله عز وجلّ، وفيه يوم عاشوراء الذي عظّم الله أجر من أطاعه فيه.
من ذلك ما أخبرنا به أبو نصر عن والده باسناده عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من صام يوما من المحرّم فله بكلّ يوم ثلاثون يوماً ومن ذلك ما روى عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من صام عاشوراء من المحرّم أعطي ثواب عشرة آلاف ملك. من صام يوم عاشورا من المحرّم أعطي ثواب عشرة آلاف حاج ومعتمر وثواب عشرة آلاف شهيد »(١) .
وقال: « وفي لفظ آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ومن صام يوم عاشورا كتب له عبادة ستين سنة بصيامها وقيامها »(٢) .
وقال الصفوري: « وفي رواية الطبراني: من صام يوماً من المحرّم كان له بكلّ يوم ثلاثون يوماً»(٣) .
وقال أيضاً: « مكتوب في التوراة: من صام يوم عاشوراء فكأنّما صام الدهر
____________________
(١). غنية الطالبين ٦٧٣.
(٢). المصدر ٦٧٥.
(٣). نزهة المجالس ١ / ١٧٣.
كلّه »(١) .
وأما قول ابن كثير: « فإنه حديث منكر جدّاً بل كذب، لمخالفته ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة، ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واقف بها كما قدمناه ».
فالجواب عنه - بعد تسليم صحة حديث الصحيحين سنداً، وبعد غض النظر عن عدم صلاحيته للمعارضة مع حديث أبي هريرة المذكور، لكونه متفقاً عليه دونه - إنه يحتمل أن تكون هذه الآية نازلة مرتين، والجمع بين الحديثين بهكذا احتمال كثير شائع بين العلماء، كما لا يخفى على من يتتبع كتب الحديث والتفسير وشروح الحديث، وسيجيء إن شاء الله تعالى بيان ذلك في الوجه السادس.
ولقد صرح سبط ابن الجوزي بهذا الاحتمال في خصوص هذه الآية الكريمة، وبذلك أجاب عن دعوى ضعف حديث نزولها في يوم غدير خم، فقد قال ما نصه: « فإن قيل: فهذه الرواية التي فيها قول عمر رضياللهعنه : أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ضعيفة.
فالجواب: إن هذه الرواية صحيحة، وإنما الضعيف حديث رواه أبو بكر أحمد بن ثابت الخطيب عن عبد الله بن علي بن محمّد بن بشر، عن علي بن عمر الدار قطني، عن أبي نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، رفعه إلى أبي هريرة وقال في آخره: لمـّا قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه نزل قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) الآية. قالوا: وقد انفرد بهذا الحديث حبشون، ونحن نقول: نحن ما استدللنا بحديث حبشون،
____________________
(١). نزهة المجالس ١ / ١٧٤.
بل بالحديث الذي رواه أحمد في الفضائل عن البراء بن عازب وإسناده صحيح. ورواية حبشون مضطربة، لأنه قد ثبت في الصحيحين أن قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) الآية، نزلت عشية عرفة في حجة الوداع، على أن الأزهري قد روى عن حبشون ولم يضعّفه، فإن رواية حبشون احتملت أن الآية نزلت مرّتين »(١)
هذا، ولقد روى جماعة آخرون حديث فضل صوم يوم غدير خم عن أبي هريرة، فقد روى السيد علي الهمداني: « عن أبي هريرة رضياللهعنه قال: من صام يوم الثامن عشر من ذي الحجة كان له كصيام ستين شهراً، وهو اليوم الذي أخذ فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد علي في غدير خم. فقال عليه الصلاة والسّلام: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله.
وعن الامام الباقر عن آبائه عليهمالسلام مثل ذلك، بل يروى عن كثير من الصحابة في أماكن مختلفة هذا الخبر. إنتهى »(٢) .
وقال الخطيب الخوارزمي: « وبهذا الإِسناد عن أحمد بن الحسين هذا، قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو يعلى الزبير بن عبد الله الثوري قال: حدّثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله البزاز قال: حدّثنا علي بن سعيد الرملي قال: حدّثنا ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: من صام اليوم الثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين سنة، وهو يوم غدير خم، لمـّا أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد علي فقال: من كنت
____________________
(١). تذكرة الخواص: ٢٩ - ٣٠.
(٢). المودة في القربى للسيد علي الهمداني، أنظر ينابيع المودة: ٢٤٩.
مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره. فقال له عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم ومسلمة »(١) .
وقال الحموئي: « أخبرنا الشيخ الامام عماد الدين عبد الحافظ بن بدران - بقراءتي عليه بمدينة نابلس في مسجده - قلت له: أخبرك القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمّد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني إجازةً فأقرّ به، قال أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل الفراوي إجازة قال: أنبأنا شيخ السنّة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ قال: أنبأنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو يعلى الزبير بن عبد الله الثوري، حدّثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله البزاز، حدّثنا علي بن سعيد الرملي، حدّثنا ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: من صام يوم الثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين سنة، وهو يوم غدير خم، لمـّا أخذ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره. فقال له عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم »(٢) .
____________________
(١). مناقب علي بن أبي طالب ٧٩.
(٢). فرائد السمطين ١ / ٧٧.
(٣)
شعر حسّان بن ثابت
في يوم الغدير خم
ومن الأدلة على دلالة حديث الغدير على الامامة والخلافة: شعر حسان بن ثابت، الذي أنشده بعد فراغ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الخطبة بإذنٍ منه، وبمشهد ومسمع منه صلىاللهعليهوآلهوسلم :
١ - أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه.
٢ - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني.
٣ - الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي.
٤ - أبو الفتح محمّد بن علي النطنزي.
٥ - شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي.
٦ - أبو عبد الله محمّد بن يوسف الكنجي.
٧ - إبراهيم بن محمّد بن المؤيد الحمويني.
٨ - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي.
(١)
رواية ابن مردويه
لقد روى ابن مردويه - على ما نقل عنه في كشف الغمة -: « عن ابن عباس قال: لمـّا أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقوم بعلي فيقول له ما قال. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا ربّ إنّ قومي حديثو عهد بجاهلية، ثم مضى بحجّه، فلما أقبل راجعاً نزل بغدير خم أنزل الله عليه: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية، فأخذ بعضد علي، ثم خرج إلى الناس فقال: يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله وانصر من نصره، وأحب من أحبه وابغض من أبغضه.
قال ابن عباس: فوجبت والله في رقاب القوم.
وقال حسان بن ثابت:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم |
بخمٍ واسمع بالرّسول مناديا |
|
يقول فمن مولاكم ووليّكم |
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا |
|
إلهك مولانا وأنت وليّنا |
ولم تر منّا في الولاية عاصيا |
|
فقال له قم يا على فإنّني |
رضيتك من بعدي إماماً وهادياً(١) |
____________________
(١). كشف الغمة في معرفة الأئمة ١ / ٣١٨ عن مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه.
(٢)
رواية أبي نعيم
وروى ذلك أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني -: « عن قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري رضياللهعنه : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم، وأمر بما تحت الشجرة من شوك فقمّ، وذلك في يوم الخميس، فدعا علياً فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس بياض إبطي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً )
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبالولاية لعلي من بعدي. ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصر واخذل من خذله.
قال حسان بن ثابت: إئذن لي يا رسول الله فأقول في علي أبياتاً تسمعهن، فقال: قل على بركة الله. فقال حسان: يا معشر مشيخة قريش إسمعوا قولي بشهادة من رسول الله في الآية ماضية، فقال:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم |
بخم وأسمع بالرسول منادياً |
|
يقول فمن مولاكم ووليّكم |
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا |
|
إلهك مولانا وأنت وليّنا |
ولم تر منا في الولاية عاصياً |
|
فقال قم يا علي فإنّني |
رضيتك من بعدي إماماً وهاديا |
|
فمن كنت مولاه فهذا وليّه |
فكونوا له أنصار صدق مواليا |
|
هناك دعا اللهم وال وليّه |
وكن للذي عادى علياً معادياً »(١) |
____________________
(١). ما نزل من القرآن في علي - مخطوط.
(٣)
رواية الخوارزمي
وروى ذلك الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي بقوله: « أخبرني سيد الحافظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي - فيما كتب إليَّ - من همدان قال أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني - كتابة - قال: حدّثنا عبد الله بن إسحاق البغوي قال: حدّثنا الحسن بن عقيل الغنوي قال: حدّثنا محمّد بن عبد الرحمن الذراع قال: حدّثنا قيس بن حفص قال: حدثني علي ابن الحسين بن الحسن العبدي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري:
أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم دعا الناس إلى غدير خم، أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقمّ، وذلك يوم الخميس، ثم دعا الناس إلى علي، فأخذ بضبعه فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطه، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب. ثم قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
فقال حسّان بن ثابت: يا رسول الله ائذن لي أن أقول أبياتاً، قال: قل على بركة الله تعالى. فقال حسان بن ثابت: يا معشر مشيخة قريش اسمعوا شهادة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
يناديهم يوم الغدير نبيّهم |
بخم وأسمع بالرسول مناديا |
|
بأني مولاكم نعم ووليّكم |
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا |
|
إلهك مولانا وأنت ولينا |
فلا تجدن في الخلق للأمر عاصيا |
فقال له قم يا علي فإنني |
رضيتك من بعدي إماماً وهاديا »(١) |
(٤)
رواية أبي الفتح النطنزي
ورواه أبو الفتح محمّد بن علي النطنزي قائلاً: « أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن المهري قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد قال: حدّثنا محمّد بن أحمد ابن علي قال: حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدّثنا يحيى الحماني قال: حدّثنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا الناس إلى علي رضياللهعنه في غدير خم، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمّ - وذلك يوم الخميس - فدعا عليا فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً )
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي: قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
فقال حسان بن ثابت: إئذن لي يا رسول الله فأقول في علي أبياتا تسمعها فقال: قل على بركة الله. فقام حسان فقال: يا معشر قريش اسمعوا قولي بشهادة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الولاية الثابتة:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم |
بخم وأسمع بالرسول مناديا |
____________________
(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٨٠.
يقول فمن مولاكم ووليكم |
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا |
|
إلهك مولانا وأنت وليّنا |
ولنْ تجدن منّا لك اليوم عاصيا |
|
فقال له قم يا علي فإنني |
رضيتك من بعدي إماماً وهادياً |
هذا حديث له طرق كثيرة إلى أبي سعيد الخدري »(١) .
ترجمة النطنزي
وأبو الفتح النطنزي من أعلام محدثي أهل السنة الثقات، كما يظهر لك من ترجمته في كتبهم:
١ - أبو سعد السمعاني: « أبو الفتح محمّد بن علي بن إبراهيم النطنزي. أفضل من بخراسان والعراق في اللغة والأدب، والقيام بصنعة الشعر، قدم علينا مرو، سنة إحدى وعشرين، وقرأت عليه طرفاً صالحاً من الأدب، واستفدت منه، واغترفت من بحره، ثم لقيته بهمدان، ثم قدم علينا بغداد غير مرة في مدة مقامي بها، وما لقيته إلّا وكتبت عنه واقتبست منه »(٢) .
٢ - الصفدي: « كان من بلغاء أهل النظم والنثر، سافر البلاد، ولقي الأكابر، وكان كثير المحفوظ، محب العلم والسنّة، مكثر الصدقة والصيام، ونادم الملوك والسلاطين، وكانت له وجاهة عظيمة عندهم، وكان تياهاً عليهم، متواضعاً لأهل العلم، سمع الحديث الكثير باصبهان وخراسان وبغداد، ولم يمتَّع بالرواية، »(٣) .
٣ - ابن النجار: « كان نادرة الفلك ونابغة الدهر، وفاق أهل زمانه في بعض فضائله »(٤) .
____________________
(١). الخصائص العلوية - مخطوط.
(٢). الأنساب - النظنزي.
(٣). الوافي بالوفيات ٤ / ١٦١.
(٤). ذيل تاريخ بغداد - مخطوط.
ترجمة ابن النجار مادح النطنزي
وابن النجار الذي أثنى على النطنزي بما ذكر، من أكابر الأئمة، ترجم له الذهبي بقوله: « ابن النجار - الحافظ الامام البارع، مؤرّخ العصر، مفيد العراق، محبّ الدين أبو عبد الله محمّد بن الحسن بن هبة الله بن محاسن ابن النجار البغدادي، صاحب التصانيف. ولد سنة ٥٧٨ وجمع فأوعى وكتب العالي والنازل، وخرّج لغير واحد، وجمع تاريخ مدينة السلام وذيّل به واستدرك على الخطيب، وهو ثلاثمائة جزء، وكان من أعيان الحفاظ الثقات، مع الدين والصيانة والفهم وسعة الرواية وكان رحمهالله من محاسن الدنيا. توفي في خامس شعبان سنة ١٦٣ »(١) .
(٥)
رواية سبط الجوزي
وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: « وقد أكثرت الشعراء في يوم غدير خم، فقال حسّان بن ثابت:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم |
بخم فأسمع بالرسول مناديا |
|
وقال فمن مولاكم ووليكم |
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا |
|
إلهك مولانا وأنت ولينا |
ومالك منا في الولاية عاصيا |
|
فقال له قم يا علي فإنني |
رضيتك من بعدي إماماً وهاديا |
|
فمن كنت مولاه فهذا وليّه |
فكونوا له أنصار صدق مواليا |
|
هناك دعا اللهم وال وليه |
وكن للذي عادى علياً معاديا |
____________________
(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٢٨.
ويروى أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما سمعه ينشد هذه الأبيات قال له: يا حسّان، لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما نصرتنا، أو ما نافحت، عنا »(١) .
(٦)
رواية الحمويني
وروى صدر الدين الحمويني شعر حسّان يوم الغدير بقوله: « أنبأني الشيخ تاج الدين أبو طالب علي بن الحسين بن عثمان بن عبد الله الخازن، قال أنبأنا الامام برهان الدين ناصر بن أبي المكارم المطرزي إجازة قال: أنبأنا الامام أخطب خوارزم أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي قال: أخبرني سيد الحفاظ فيما كتب إليَّ من همدان، أنبأنا الرئيس أبو الفتح كتابة، حدّثنا عبد الله بن إسحاق البغوي، نبأنا الحسن بن عقيل الغنوي، أنبأنا محمّد بن عبد الله الذراع، أنبأنا قيس بن حفص قال: حدّثني علي بن الحسين العبدي عن أبي سعيد الخدري.
إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم دعا الناس إلى غدير خم، أمر الناس بما كانت تحت الشجرة من الشوك فقمّ - وذلك يوم الخميس - ثم دعا الناس إلى علي فأخذ بضبعه فرفعها، حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم لم يفترقا حتى نزلت هذه الآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي. ثم قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
فقال حسّان بن ثابت: يا رسول الله أتأذن لي أن أقول أبياتاً؟ قال: قل ببركة الله، فقال حسان بن ثابت: يا مشيخة قريش إسمعوا شهادة رسول الله
____________________
(١). تذكرة الخواص: ٣٣.
صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم أنشأ يقول:
يناديهم يوم الغدير نبيهم |
بخ وأسمع بالنبي مناديا |
|
بأني مولاكم نعم ووليكم |
وقالوا ولم يبدو هناك التعاميا |
|
إلهك مولانا وأنت وليّنا |
ولا تجدن في الخلق للأمر عاصيا |
|
فقال له قم يا علي فإنني |
رضيتك من بعدي إماماً وهادياً »(١) |
و روى الحمويني أيضاً: « عن سيد الحفاظ أبي منصور شهردار بن شيرويه ابن شهردار الديلمي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد المقري الحافظ قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن أحمد قال: أنبأنا محمّد بن أحمد بن علي قال: أنبأنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة قال: أنبأنا يحيى الحماني قال: حدّثنا قيس ابن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقم، وذلك يوم الخميس، فدعا علياً فأخذ بضبعيه، فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله، ثم لم يفترقوا حتى نزلت هذه الآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) .
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي. ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
فقال حسّان بن ثابت: إئذن لي يا رسول الله فأقول في علي أبياتاً تسمعها فقال: قل على بركة الله، فقام حسّان بن ثابت فقال: يا معشر مشيخة قريش إسمعوا قولي شهادة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالولاية الثابتة، فقال:
____________________
(١). فرائد السمطين ١ / ٧٢.
يناديهم يوم الغدير نبيّهم |
بخم وأسمع بالرسول مناديا |
|
بأني مولاكم نعم ووليّكم |
وقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا |
|
إلهك مولانا وأنت وليّنا |
ولا تجدن في الخلق للأمر عاصيا |
|
فقال له قم يا علي فإنني |
رضيتك من بعدي إماماً وهادياً |
هذا حديث له طرق كثيرة إلى أبي سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري »(١) .
الحمويني شيخ الذهبي
وغير خافٍ على ذوي العلم والاطلاع، أن الحمويني من مشاهير أئمة أهل السنة، ومن أعلام مشايخ أكابرهم، قال الذهبي بترجمته:
« إبراهيم بن محمّد المؤيد بن عبد الله بن علي بن محمّد بن حمويه، الامام الكبير المحدّث، شيخ المشايخ، صدر الدين أبو المجامع الخراساني الجويني الصوفي، ولد سنة ٦٤٤ وسمع بخراسان وبغداد والشام والحجاز، وكان ذا اعتناء بهذا الشأن، وعلى يده أسلم الملك غازان، توفي بخراسان في سنة ٧٢٢. قرأنا على أبي المجامع إبراهيم بن حمويه سنة ٦٩٥. أنا أبو عمرو عثمان ابن موفق الأذكاني بقراءتي سنة أربع وستين، أنا المؤيد بن محمّد الطوسي.
ح وأنا أحمد بن هبة الله عن المؤيد أخبرنا هبة الله بن سهل أنا سعيد بن محمّد البحيري أنا زاهر بن أحمد الفقيه، أنا ابراهيم بن عبد الصمد، ثنا أبو مصعب، ثنا مالك بن سمى مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة: إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة.
____________________
(١). فرائد السمطين ١ / ٧٤.
متفق عليه. وأخرجه ابن ماجة عن أبي مصعب الزهري، فوافقناه بعلو »(١) .
الحمويني شيخ الكازروني
والحمويني من مشايخ محمّد بن مسعود الكازروني، فقد جاء في سيرته: « أخبرنا شيخنا صدر الدين أبو المجامع إبراهيم بن محمّد بن المؤيد الحمويني، أنا شيخنا أصيل الدين أبو بكر عبد الله بن عبد الأعلى بن محمّد بن عبد الأعلى ابن محمّد بن عبد الأعلى بن محمّد أبي القاسم القطّان الاصفهاني عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال:
بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا بكر على الموسم، وبعث معه سورة براءة وأربع كلمات إلى الناس، فلحقه علي ابن أبي طالب في الطريق، فأخذ علي السورة والكلمات، وكان يبلغ وأبو بكر على الموسم، فإذا قرأ السورة نادى: ألا لا يدخل الجنة إلّا نفس مسلمة، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوفنّ بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عهد فأجله إلى مدّته. فلمـّا رجعا قال أبو بكر: مالي هل نزل فيَّ شيء؟ قال: لا إلّا خيراً، وما ذاك؟ قال: إن علياً لحق بي وأخذ مني السورة والكلمات. فقال: أجل لكن لم يبلغها إلّا أنا أو رجل منّي »(٢) .
ترجمة الكازروني
وقد أثنى ابن حجر العسقلاني على الكازروني بقوله: « محمّد بن مسعود ابن محمّد بن خواجه الامام ذكره ابن الجزري في مشيخة الجنيد البلباني
____________________
(١). المعجم المختص: ٦٥.
(٢). المنتقى في سيرة المصطفى - مخطوط.
... ثم قال: كان سعيد الدين محدثاً فاضلاً، سمع الكثير، وأجاز له المزي صاحب تهذيب الكمال وجماعة، وخرّج المسلسل، وألف المولد النبوي فأجاد ومات في أواخر جمادى الآخرة سنة ٧٥٨»(١) .
(٧)
رواية الكنجي
وقال أبو عبد الله الكنجي الشافعي في ذكر حديث الغدير: « قال حسان ابن ثابت في المعنى:
يناديهم يوم الغدير نبيهم |
بخم فأسمع بالرسول مناديا |
|
وقال فمن مولاكم ووليكم |
وقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا |
|
إلهك مولانا وأنت وليّنا |
ولم تلف منا في الولاية عاصيا |
|
فقال له قم يا علي فإنني |
رضيتك من بعدي إماما وهاديا |
|
فمن كنت مولاه فهذا وليه |
فكونوا له أنصار صدق مواليا |
|
هناك دعا اللهم وال وليه |
وكن للذي عادى عليا معاديا |
فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا حسان لا تزال مؤيداً بروح القدس ما نافحت عنك بلسانك »(٢) .
____________________
(١). الدرر الكامنة ٤ / ٢٥٥.
(٢). كفاية الطالب: ٦٤.
(٨)
رواية جلال الدين السيوطي
وقال جلال الدين السيوطي في رسالة له وصفها في أولها بقوله: « هذا جزء جمعت فيه الأشعار التي عقد فيها شيء من الأحاديث والآثار، سميته بالأزهار، وله فوائد منها الاستدلال به على شهرة الحديث في الصدر الأول وصحّته، وقد وقع ذلك لجماعة من المحدّثين، ومنها إيراده في مجالس الاملاء، ومنها الاستشهاد به في فن البديع في أنواع العقد والاقتباس والانسجام » قال:
« في تذكرة الشيخ تاج الدين ابن مكتوم: لحسّان بن ثابت الأنصاري رضياللهعنه :
يناديهم يوم الغدير نبيهم |
بخم فأسمع بالرسول منادياً |
|
وقال فمن مولاكم ووليكم |
وقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا |
|
إلهك مولانا وأنت وليّنا |
ولم تلف منا في الولاية عاصيا |
|
فقال له قم يا علي فإنني |
رضيتك من بعدي إماماً وهاديا |
|
فمن كنت مولاه فهذا وليه |
فكونوا له أنصار صدق مواليا |
|
هناك دعا اللهم وال وليه |
وكن للذي عادى علياً معاديا |
وايضاً للسيد الحميري:
يا بايع الدين بدنياه |
ليس بهذا أمر الله |
|
من أين أبغضت إمام الهدى |
وأحمد قد كان يهواه |
|
من الذي أحمد من بينهم |
بيوم خم ثم ناداه |
|
أقامه من بين أصحابه |
وهم حواليه وسماه |
|
هذا علي بن أبي طالب |
مولى لمن قد كنت مولاه |
فوال من والاه يا ذا العلى |
وعاد من قد كان عاداه |
وقال بعضهم:
إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد |
ولا عهده يوم الغدير مؤكّدا |
|
فإني كمن يشري الضلالة بالهدى |
تنصّر من بعد التقى أو تهوّدا(١) |
والجلال السيوطي من أكابر حفاظ أهل السنة حتى لقّبه بعضهم بمجدّد القرن التاسع، وتوجد ترجمته مفصّلة في مجلد حديث ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ).
وأما ابن مكتوم الذي نقل السيوطي شهر حسّان عن « تذكرته » فمن أكابر علماء أهل السنة كذلك، وإليك بعض كلماتهم في الثناء عليه: -
١ - الصفدي: « أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم هو الامام تاج الدين، إشتغل بالحديث وفنونه، وأخذ الحديث عن أصحاب البخت وابن علاف وهذه الطبقة، وهو مقيم بالديار المصرية، بلغني أنه يعمل تاريخاً للنحاة، ووقفت له على الدر اللقيط من المحيط من تفسير القرآن، وهو كتاب ملكته بخطّه في مجلدين، التقط فيه إعراب البحر المحيط تصنيف شيخنا العلامة أثير الدين، فجاء في غاية الحسن، وقد اشتهر هذا الكتاب وورد إلى الشام ونقلت به النسخ، رأيته بالقاهرة مرّات، ثم إنني اجتمعت به في سنة خمس وأربعين وسبعمائة بالقاهرة وسألته الاجازة بكل ما يرويه، فأجاز لي متلفظاً بذلك »(٢) .
٢ - ابن الجزري: « إمام عالم نحوي اُستاذ، ولد في أوائل ذي الحجة سنة ٦٨٣، قرأ على التقي الصائغ وأبي حيان وببعض الروايات على ابن يوسف
____________________
(١). الأزهار فيما عقده الشعراء من الأشعار - للسيوطي.
(٢). الوافي بالوفيات ٧ / ٧٤.
الشطنوفي، وسمع الكثير وكتب وجمع، وتصدّر للإِقراء بالجامع الظاهري بالحسينية بعد موسى بن علي القطني، توفي في السابع والعشرين من رمضان سنة ٧٤٩ »(١) .
٣ - السيوطي: « جمع الفقه والنحو واللغة، وصنّف تاريخ النحاة، والدر اللقيط من البحر المحيط، ولد في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وستمائة. ومات سنة تسع وأربعين وسبعمائة »(٢) .
٤ - السيوطي: « تقدّم في الفقه والنحو واللغة، ودرّس وناب في الحكم »(٣) .
وشعر حسان بن ثابت في يوم الغدير صريح في دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام ، و أنه صلىاللهعليهوآله قال لأمير المؤمنين عليهالسلام : قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماماً وهادياً.
فهذا معنى حديث الغدير وما قاله صلىاللهعليهوآله في ذلك اليوم العظيم، وفي ذلك الحشد المنقطع النظير من المسلمين، لا ما ذكره المتأوّلون المتأخّرون عن الصدر الأول، لغرض صرفه عن الدلالة على الامامة لعلي عليهالسلام بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله بلا فصل.
ثم إنه لا ريب في صحة استدلالنا بهذا الشعر لتوضيح دلالة حديث الغدير على معناه لوجوه منها:
____________________
(١). طبقات القراء ١ / ٧٠.
(٢). حسن المحاضرة ١ / ٤٧٠.
(٣). بغية الوعاة ١ / ٣٢٦.
إن قائل هذا الشعر - وهو حسّان بن ثابت - من الصحابة المعروفين والموصوفين بالمناقب الجليلة، ففي ( الاستيعاب ) بترجمته: « وروينا من وجوه كثيرة عن أبي هريرة: إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لحسّان: أهج - يعني المشركين - وروح القدس معك.
وإنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لحسان: اللهم أيّده بروح القدس لمناضلته عن المسلمين.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : قوله فيهم أشدّ من وقع النبل.
ومر عمر بن الخطاب بحسان بن ثابت وهو ينشد الشعر في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال: تنشد الشعر؟ أو قال: هذا الشعر في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال له حسان بن ثابت: قد كنت أنشد فيه من هو خير منك يعني النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فسكت عمر ».
« وروى ابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال: فضل حسان الشعراء بثلاث، كان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في النبوة، وشاعر اليمن كلّها في الإسلام. قال أبو عبيدة: واجتمعت العرب على أن أشعر المدر أهل يثرب ثم عبد القيس ثم ثقيف، وعلى أن أشعر المدر حسان بن ثابت. وقال أبو عبيدة: حسان بن ثابت شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر أهل اليمن في الإسلام، وهو شاعر أهل القرى ».
« ذكر الزبير بن بكار: قال إبراهيم بن المنذر عن هشام بن سليمان عن ابن جريج عن محمّد بن السائب بن بركة عن أمّه: أنها كانت مع عائشة في الطوائف - ومعها أم حكيم بنت خالد بن العاص، وأم حكيم بنت عبد الله بن أبي ربيعة - فتذاكرنا حسان بن ثابت فابتدرتاه بالسبّ، فقالت عائشة: ابن الفريعة تسبّان! إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بذبّه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بلسانه. أليس
القائل شعر:
هجوت محمداً فأجبت عنه |
وعند الله في ذاك الجزاء |
|
فإن أبى ووالدتي وعرضي |
لعرض محمّد منكم وقاء |
فبرّأته من أن يكون افترى عليها »(١) .
وقال ابن الأثير بترجمته: « يقال له: شاعر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، و وصفت عائشة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت: كان والله كما قال فيه حسان وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ينصب له منبراً في المسجد يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ورسول الله يقول: إن الله يؤيد حسّان بروح القدس ما نافح عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢) .
وقال ابن حجر العسقلاني: « وفي الصحيحين عن البراء: إنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال لحسان: أهجم أو هاجم وجبرئيل معك.
وقال أبو داود ثنا لوين [ لؤي ] عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن هشام بن عروة عن عائشة: إنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يضع لحسان المنبر في المسجد يقوم عليه قائماً يهجو الذين كانوا يهجون النبي صلىاللهعليهوآله . فقال رسول الله: إنّ روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله »(٣) .
وأخرج الحاكم بترجمته أحاديث ذكر بعضها، ومن ذلك قوله: « حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب، ثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي الحسن مولى بني نوفل: إنّ عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت أتيا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين نزلت طسم الشعراء يبكيان وهو يقرأ عليهم ( وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ) حتى بلغ:
____________________
(١). الاستيعاب ١ / ٣٤٥.
(٢). أسد الغابة ٢ / ٤.
(٣). الاصابة ١ / ٣٢٥.
( وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) قال: أنتم ( وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً ) قال: أنتم ( وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ) قال: أنتم »(١) .
لقد قال حسان هذا الشعر بعد ما استأذن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في انشاده، فإذن له صلىاللهعليهوآلهوسلم قائلاً: قل على بركة الله. وذلك أكبر شاهد وأصدق برهان على حجية هذا الشعر.
وقد علمت من أحاديث القوم استماع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لهذا الشعر وتقريره إياه. وقد ثبت باتفاق المسلمين أن تقريره دليل قاطع على الحجية والصواب.
ولقد استحسن صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا الشعر بصراحة، حيث قال لحسّان بعد ما فرغ منه: يا حسان لا تزال مؤيداً بروح القدس ما نافحت عنا بلسانك. كما روى محمّد بن يوسف الكنجي وسبط ابن الجوزي.
وإن هذه الأبيات أنشدها حسان بن ثابت في نفس يوم غدير خم، وبعد خطبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا فصل، أي قبل أن تتفرق تلك الحشود الغفيرة من صحابة النبي العدول وجماهير المسلمين، ولم يسمع من أحد منهم إنكار
____________________
(١). المستدرك ٣ / ٤٨٦.
أو أيّ اعتراض على ما قاله واستفاده من حديث الغدير، فثبت باجماع جميع الصحابة أن المراد من ( المولى ) في هذا الحديث هو ( الامام ) و ( الهادي )، وبذلك يسقط اعتراض المعترضين وتأويل المتأولين.
ولا ريب في وجود المشايخ الثلاثة وحضورهم يوم غدير خم وعند إنشاد حسان تلك الأبيات، ولم ينقل إلينا اعتراض من أحدهم، مع أن المعروف عن ثانيهم كثرة الاعتراض، ومن هنا نقول بثبوت هنا المعنى عند الثلاثة أيضاً كسائر المسلمين الحاضرين في ذلك اليوم.
* * *
(٤)
شعر قيس بن سعد
ومن الدلائل الباهرة على أن المراد من ( حديث الغدير ) هو إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام وخلافته بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : شعر قيس بن سعد بن عبادة - وهو من أكابر الصحابة وأعاظمهم - الذي أنشده في معنى حديث غدير خم، وقد صرّح فيه بأن علياً « إمامنا وإمام لسوانا » وأن هذا الحكم « أتى به التنزيل » وذلك « يوم قال النبي من كنت مولاه فهذا مولاه ».
روى ذلك أبو المظفر سبط ابن الجوزي بقوله: « قال قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري - وأنشدها بين يدي علي بصفّين:
قلت لمـّا بغى العدو علينا |
حسبنا ربنا ونعم الوكيل |
|
وعلي إمامنا وإمام |
لسوانا أتى به التنزيل |
|
يوم قال النبي من كنت مولاه |
فهذا مولاه خطب جليل |
|
إن ما قاله النبي على الأمة |
حتم ما فيه قال وقيل »(١) |
____________________
(١). تذكرة خواص الامة: ٣٣.
ومن المناسب أن نذكر هنا طرفاً من مدائح القوم لقيس بن سعد بن عبادة وثنائهم عليه، فقد قال ابن عبد البر: « قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الأنصاري الخزرجي قال الواقدي: كان قيس بن سعد بن عبادة من كرام أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأسخيائهم ودهاتهم. قال أبو عمر: كان أحد الفضلاء الجلّة، وأحد دهاة العرب وأهل الرأي والمكيدة في الحروب، مع النجدة والبسالة والكرم، وكان شريف قومه غير مدافع هو وأبوه وجدّه.
صحت قيس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو وأبوه وأخوه سعيد بن سعد بن عبادة. قال أنس بن مالك: كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي بمكان صاحب الشرطة من الأمير، وأعطاه رسول الله الرّاية يوم فتح مكة، إذ نزعها من أبيه لشكوى قريش لسعدٍ يومئذ. وقد قيل: إنه أعطاه الزبير.
ثم صحب قيس بن سعد علي بن أبي طالب، وشهد معه الجمل وصفين والنهروان وقومه ولم يفارقه حتى قتل، وكان ولّاه علي على مصر، فضاق به معاوية وأعجزته فيه الحلية، فكايد فيه علياً ففطن علي لمكيدته، فلم يزل به الأشعث وأهل الكوفة حتى عزل قيساً وولّى محمّد بن أبي بكر، ففسدت عليه مصر »(١) .
وقال عز الدين ابن الأثير ما ملخصّه: « وكان من فضلاء الصحابة وأحد دهاة العرب وكرمائهم، وكان من ذوي الرأي الصائب والمكيدة في الحرب مع النجدة والشجاعة، وكان شريف قومه غير مدافع ومن بيت سيادتهم.
عن أنس قال: كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير.
عن قيس بن سعد بن عبادة: إن أباه دفعه إلى النبي يخدمه. قال: فمر بي
____________________
(١). الاستيعاب ٣ / ١٢٨٩.
النبي وقد صلّيت فضربني برجله وقال: ألا أدلّك على بابٍ من أبواب الجنّة؟ قلت: بلى. قال: لا حول ولا قوة إلّا بالله.
قيل: إنه كان في سرية فيها أبو بكر وعمر، فكان يستدين ويطعم الناس. فقال أبو بكر وعمر: إن تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه. فمشيا في الناس، فلمـّا سمع سعد قام خلف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال: من يعذرني من ابن أبي قحافة وابن الخطاب! يبخلّان عليّ ابني.
وقال ابن شهاب: كانوا يعدّون دهاة العرب حين ثارت الفتنة خمسة رهط، يقال لهم ذوو رأي العرب ومكيدتهم: معاوية، وعمرو بن العاص، وقيس بن سعد، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن بديل بن ورقاء. فكان قيس وابن بديل مع علي وكان المغيرة معتزلاً في الطائف، وكان عمرو مع معاوية.
وقال قيس: لو لا أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول: المكر والخديعة في النار، لكنت من أمكر هذه الأمة.
وأمّا جوده فله فيه أخبار كثيرة لا نطوّل بذكرها.
ثم إنّه صحب عليّاً لمـّا بويع له بالخلافة، وشهد معه حروبه، واستعمله علي على مصر، فكايده معاوية فلم يظفر منه بشيء، فكايد علياً وأظهر أنّ قيساً قد صار معه يطلب بدم عثمان، فبلغ الخبر علياً، فلم يزل به محمّد بن أبي بكر وغيره حتى عزله، واستعمل بعده الأشتر فمات في الطريق، فاستعمل محمّد بن أبي بكر فأخذت مصر منه وقتل.
ولما عزل قيس أتى المدينة فأخافه مروان بن الحكم، فسار إلى علي بالكوفة، ولم يزل معه حتى قتل، فصار مع الحسن وسار في مقدّمته إلى معاوية، فلمـّا بايع الحسن معاوية دخل قيس في بيعة معاوية وعاد إلى المدينة »(١) .
وقال ابن حجر العسقلاني ما حاصله: « كان قيس ضخماً حسناً طويلاً إذا
____________________
(١). أسد الغابة ٤ / ٢١٥.
ركب الحمار خطّت رجلاه الأرض. وقال الواقدي: كان سخياً كريماً داهية، وقال أبو عمر: كان أحد الفضلاء الجلّة، من دهاة العرب من أهل الرأي والمكيدة في الحرب، مع النجدة والسخاء والشجاعة، وكان شريف قومه غير مدافع، وكان أبوه وجدّه كذلك. وأخرج ابن المبارك عن ابن عيينة عن موسى بن أبي عيسى أنّ رجلاً استقرض من قيس بن سعد ثلاثين ألفاً فلمـّا ردّها عليه أبى أن يقبلها.
وشهد مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المشاهد كلها، وصحب علياً وشهد معه مشاهده »(١) .
* * *
____________________
(١). الاصابة ٣ / ٢٣٩.
(٥)
شعر أمير المؤمنين عليهالسلام
ومن الأدلة والبراهين القويمة الواضحة على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام : قول سيدنا أمير المؤمنين في أشعار له:
« لذاك أقامني لهم إماماً |
وأخبرهم به بغدير خم » |
فلقد ذكر عليهالسلام حديث الغدير ودلالته على إمامته عليهالسلام في تلك الأشعار، التي ضمّنها طرفاً من فضائله، وجملة من مناقبه الخاصّة به، متباهياً ومفتخراً بها على سائر الأنام، وهذه هي تلك الأشعار كما في ديوانه:
لقد علم الأناس بأنّ سهمي |
من الاسلام يفضل كلّ سهم |
|
وأحمد النبي أخي وصهري |
عليه الله صلّى وابن عمّي |
|
وإني قائد للناس طرّاً |
إلى الإسلام من عربٍ وعجم |
|
وقاتل كل صنديد رئيس |
وجبّار من الكفار ضخم |
|
وفي القرآن ألزمهم ولائي |
وأوجب طاعتي فرضاً بعزم |
|
كما هارون من موسى أخوه |
كذاك أنا أخوه وذاك اسمي |
|
لذاك أقامني لهم إماماً |
وأخبرهم به بغدير خم |
|
فمن منكم يعادلني بسهمي |
وإسلامي وسابقتي ورحمي؟ |
وويل ثم ويل ثم ويل |
لمن يلقى الآله غداً بظلمي |
|
وويل ثم ويل ثم ويل |
لجاحد طاعتي ومريد هضمي |
|
وويل للذي يشقى سفاهاً |
يريد عداوتي من غير جرم » |
ولقد شرح الحسين بن معين الدين الميبدي هذه الأشعار، في شرحه لديوان أمير المؤمنين عليهالسلام المسمّى بـ ( الفواتح ) وأوضح معناها، ثم ذكر في شرح البيت الذي أشار فيه الامام عليهالسلام إلى حديث الغدير رواية أحمد بن حنبل لحديث الغدير، وذكر عن الثعلبي رواية نزول آية التبليغ وهي قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) في ذلك اليوم، كما نصّ على اتفاق المفسرين على نزول الآية: ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) في شأن أمير المؤمنين عليهالسلام .
ثم ذكر في نهاية شرحه للأشعار المذكورة عن الامام علي بن أحمد الواحدي عن أبي هريرة: إن أمير المؤمنين عليهالسلام أنشأ هذه الأبيات في حضور: أبي بكر، وعثمان، وطلحة، والزبير، والفضل بن العباس، وعمّار، وعبد الرحمن وأبي ذر، والمقداد، وسلمان، وعبد الله بن مسعود »(١) .
ثم إن هذه الأبيات تدلّ على إمامة الامام أمير المؤمنين عليهالسلام من وجوه أخرى:
( الأول ) قوله عليهالسلام : « لقد علم الأناس بأنّ سهمي من الإسلام يفضل كلّ سهم » فإنّ هذا القول نصّ صريح في أفضليته عليهالسلام من غيره
____________________
(١). الفواتح في شرح ديوان أمير المؤمنين ٤٠٥ - ٤٠٦.
مطلقاً.
( الثاني ) قوله: « وإني قائد الناس طرّاً إلى الاسلام من عرب وعجم » فيه دلالة واضحة على أنه عليهالسلام هو السبب في إسلام جميع الناس من عرب وعجم، فهو إذن أفضلهم مطلقاً.
( الثالث ) قوله: « وقاتل كل صنديد رئيس وجبار من الكفار ضخم » فيه دلالة على أفضليته، لأن من عمدة أسباب قوة الدين قتل الكفار والمعاندين، وهو عليهالسلام قاتلهم باعتراف جميع المخالفين.
( الرابع ) قوله: « وفي القرآن ألزمهم ولائي وأوجب طاعتي فرضاً بعزم » فيه دلالة صريحة على وجوب اتّباعه وأطاعته والانقياد له، فهو عليهالسلام إمام الأمة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله بأمرٍ من الله تعالى من القرآن الكريم، لأن من وجبت طاعته فهو الامام كما اعترف بذلك ( الدهلوي ).
( الخامس ) قوله: « فمن منكم يعادلني بسهمي وإسلامي وسابقتي ورحمي؟ » فيه دلالة صريحة على أفضليته عليهالسلام .
ثم إن استماع كبار الصحابة لهذه الأشعار - كما في رواية الواحدي - وتقريرهم لما قاله عليهالسلام من أقوى الشواهد على ما نذهب إليه من دلالة حديث الغدير على الإِمامة، وبذلك تذهب تأويلات أتباع أولئك الأصحاب أدراج الرياح.
والحسين الميبدي من مشاهير علماء أهل السنة، قد أطروه وأثنوا عليه الثناء البالغ في كتبهم، كما لا يخفى على من راجعها. وممن أثنى عليه: غياث الدين المدعو بخواند أمير في تاريخه ( حبيب السير ). كما نقل عن شرحه للديوان: محمود ابن سليمان الكفوي في طبقاته للحنفية المسمى بـ ( كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ).
وفي ( كشف الظنون ): « ديوان علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقد شرحه حسين بن معين الدين الميبدي اليزدي المتوفى سنة ٨٧٠ بالفارسية ».
* * *
(٦)
نزول قوله تعالى:
سأل سائل بعذابٍ واقع
ونزل قوله تعالى: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) بحق ( الحارث بن نعمان ) الذي قال ما قال بعد ما سمع كلام النبي صلىاللهعليهوآله في غدير خم.
وهذا دليل قطعي آخر على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام .
وقد روى حديث نزول الآية المباركة في هذا الشأن جماعة كبيرة من أكابر أعلام أهل السنة وهم:
١ - أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري.
٢ - شمس الدين سبط ابن الجوزي.
٣ - إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي. ؛
٤ - محمّد بن يوسف الزرندي المدني.
٥ - شهاب الدين بن شمس الدين الدولت آبادي.
٦ - نور الدين علي بن عبد الله السمهودي.
٧ - نور الدين علي بن محمّد بن الصبّاغ.
٨ - عطاء الله بن فضل الله المحدّث الشيرازي.
٩ - شمس الدين عبد الرءوف المنّاوي.
١٠ - شيخ بن عبد الله العيدروس.
١١ - محمود بن محمّد الشيخاني القادري المدني.
١٢ - نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي.
١٣ - أحمد بن الفضل باكثير المكي.
١٤ - محمّد محبوب عالم.
١٥ - محمّد صدر عالم.
١٦ - محمّد بن إسماعيل بن صلاح الأمير.
١٧ - أحمد بن عبد القادر العجيلي.
١٨ - السيد مؤمن بن حسن الشبلنجي.
(١)
رواية الثعلبي
قال أبو إسحاق الثعلبي: « سئل سفيان بن عيينة عن قول الله عز وجل: ( سَأَلَ سائِلٌ ) فيمن نزلت؟ فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك.
حدثني أبي عن جعفر بن محمّد عن آبائه: لمـّا كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بغدير خم، نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله على ناقة حتى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته فأناخها
وعقلها، ثم أتى النبي وهو في ملأ من أصحابه فقال:
يا محمد! أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله، فقبلناه منك. وأمرتنا أن نصلّي خمساً، فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلناه، وأمرتنا أن نصوم شهر رمضان فقبلناه منك، وأمرتنا بالحج فقبلناه. ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضّلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه!! فهذا شيء منك أم من الله عزّ وجلّ؟!
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : والذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله.
فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إنْ كان ما يقوله محمّد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.
فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله. وأنزل الله عز وجل: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) »(١) .
ترجمة أبي إسحاق الثعلبي
١ - ياقوت الحموي: بترجمة الواحدي: « وقال أبو الحسن الواحدي في مقدمة البسيط: وأظنني لم آل جهداً في إحكام أصول هذا العلم [ على ] حسب ما يليق بزماننا [ بزمننا ] هذا وتسعه سنو عمري على قلة أعدادها، فقد وفق الله [ تعالى ] وله الحمد حتى اقتبست كلّما احتجت إليه فيه هذا الباب في مظانه وأخذته من معادنه.
أما اللغة فقد درستها على الشيخ أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الله بن يوسف العروضي رحمهالله حتى عاتبني شيخي رحمهالله يوماً وقال: إنك لم تبق ديواناً من الشعر إلّا قضيت حقه، أما آن لك أن تتفرّغ لتفسير كتاب الله
____________________
(١). تفسير الثعلبي - مخطوط.
العزيز، تقرأه على هذا الرجل الذي يأتيه البعداء من أقاصي البلاد وتتركه أنت على قرب ما بيننا من الجوار - يعني الأستاذ الامام أحمد بن محمّد بن ابراهيم الثعلبي -؟!
فقلت: يا أبت إنما أتدرّج بهذا إلى ذلك الذي تريد، وإذا المرء أحكم الأدب بجدٍ وتعبٍ رمى في غرض التفسير من كثب. ثم لم أغبّ زيارته يوماً من الأيام حتى حال بيننا قدر الحمام
ثم فرغت للاستاذ أبي اسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي رحمهالله ، وكان خير العلماء بل بحرهم، ونجم الفضلاء بل بدرهم، وزين الأئمة بل فخرهم، وأوحد الأئمة بل صدرهم. وله التفسير الملقّب بالكشف والبيان عن تفسير القرآن، الذي رفعت به المطايا في السهل والأوعار، وسارت به الفلك في البحار، وهبّ هبوب الريح في الأقطار، وسار مسير الشمس في كلّ بلدة، وهب هبوب الريح في البر والبحر، وأصفقت عليه كافة الأمة على اختلاف نحلهم، وأقروا بالفضيلة في تصنيفه ما لم يسبق إلى مثله، فمن أدركه وصحبه علم أنه كان منقطع القرين، ومن لم يدركه فلينظر في مصنفاته ليستدل لها أنه كان بحراً لا ينزف وغمراً لا يسبر، وقرأت عليه من مصنفاته أكثر من خمسمائة جزء، منها تفسيره الكبير، وكتابه المعنون بالكامل في علم القرآن وغيرهما »(١) .
ترجمة العروضي مادح الثعلبي
وأبو الفضل العروضي الذي نقل عنه الواحدي مدحه للثعلبي من كبار مشايخ علماء أهل السنة في اللغة والأدب، وقد ترجموا له في معاجم الرجال:
قالجلال الدين السيوطي: « أحمد بن محمّد بن عبد الله بن يوسف بن محمد النهشلي، الأديب، أبو الفضل العروضي الصفار الشافعي. قال عبد الغافر: هو
____________________
(١). معجم الأدباء ١٢ / ٢٦٢.
شيخ أهل الأدب في عصره، حدّث عن الأصم وأبي منصور الأزهري والطبقة. وتخرّج به جماعة من الأئمة منهم الواحدي. وقال الثعالبي: إمام في الأدب، خنّق التسعين في خدمة الكتب، وأنفق عمره على مطالعة العلوم وتدريس مؤدبي نيسابوري. ولد سنة ٣٣٤ ومات بعد سنة ٤١٦ »(١) .
٢ - ابن خلكان: « أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي. النيسابوري، المفسر المشهور، كان أوحد أهل زمانه في علم التفسير. وصنف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير، وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وغير ذلك. ذكره السمعاني وقال: يقال له الثعلبي والثعالبي، وهو لقب له وليس بنسب قاله بعض العلماء.
وقال أبو القاسم القشيري: رأيت رب العزة عز وجل في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه، فكان في أثناء ذلك أن قال الرب تعالى اسمه: أقبل الرجل الصالح. فالتفتّ فإذا أحمد الثعلبي مقبل.
وذكره عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في كتاب سياق تاريخ نيسابور وأثنى عليه وقال: هو صحيح النقل موثوق به، حدّث عن أبي طاهر بن خزيمة، والامام أبي بكر بن مهران المقري، وكان كثير الحديث كثير الشيوخ، توفي سنة ٤٢٧، وقال غيره: توفي في محرم سنة ٤٢٧. وقال غيره: توفي يوم الأربعاء لسبع بقين من المحرم سنة ٤٣٧ رحمه الله تعالى »(٢) .
٣ - الذهبي: « وفيها توفي أبو إسحاق الثعلبي وكان حافظاً واعظاً، رأساً في التفسير والعربية، متين الديانة، توفي في المحرم »(٣) .
٤ - ابن الوردي: « صحيح النقل، روى عن جماعة »(٤) .
____________________
(١). بغية الوعاة ١ / ٣٦٩.
(٢). وفيات الأعيان ١ / ٦١ - ٦٢.
(٣). العبر - حوادث ٤٢٧.
(٤). تتمة المختصر حوادث ٤٢٧.
٥ - الصفدي: « روى عن جماعة، وكان حافظاً عالماً بارعاً في العربية موثقاً » ثم ذكر منام القشيري وكلام عبد الغافر المذكورين(١) .
٦ - اليافعي: « المفسّر المشهور، وكان حافظاً واعظاً رأساً في التفسير والعربية والدين والديانة، فاق تفسيره الكبير سائر التفاسير »(٢) .
٧ - ابن الشحنة: « كان واحد زمانه في علم التفسير، وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء وهو صحيح النقل »(٣) .
٨ - ابن قاضي شهبة: « أخذ عنه أبو الحسن الواحدي، روى عن أبي القاسم القشيري قال الذهبي: وكان حافظاً رأساً في التفسير والعربية متين الديانة »(٤) .
٩ - السيوطي: « كان كبيراً إماماً حافظاً للغة بارعاً في العربية »(٥)
١٠ - وذكره ولي الله الدهلوي - الذي عدّه ولده ( الدهلوي ) آية من آيات الله ومعجزة من المعاجز النبوية، وطالما استند إلى أقواله، ووصفه الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي بـ « عمدة المحدثين وقدوة العارفين » ووصفه المولوي حيدر علي الفيض آبادي بـ « خاتم العارفين وقاصم المخالفين، سيد المحدّثين سند المتكلّمين، حجة الله على العالمين » في كلام له في ( إزالة الخفاء ) في بيان كون الخلفاء الراشدين وسائط بين النبي والأمة - ذكر أبا إسحاق الثعلبي من جملة علماء التفسير الذين كانوا وسائط في حفظ الدين المبين، وإيصال الشريعة المطهّرة، إلى الأمة، وإن القرون المتأخرة أخذت علم التفسير منهم.
وذكر أن الثعلبي إمام المفسرين ومقتداهم، كما أن أبا حنيفة إمام الحنفية،
____________________
(١). الوافي بالوفيات ٨ / ٣٣ وفيه السهلي.
(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٤٢٧.
(٣). روض المناظر حوادث ٤٢٧.
(٤). طبقات الشافعية ١ / ٢٠٧.
(٥). بغية الوعاة ١ / ٣٥٦.
والشافعي إمام الشافعية وأن ما ذكره الثعلبي في تفسيره مأخوذ من السلف الصالح لأهل السنة، وأنه بمنزلة اللوح، وكأنه اللوح المحفوظ من المحو والإثبات والمصون من تطرّق الأغلاط والشبهات إليه، إلى غير ذلك من الأوصاف الحميدة التي ذكرها للثعلبي وتفسيره.
وتفسير الثعلبي من الكتب المعروفة المعتمدة لدى القوم، وهم يروونه بأسانيدهم عن مؤلفه، وينقلون عنه رواياته ويعتمدون اليها، فقد ذكره عز الدين ابن الأثير في الفصل الذي ذكر فيه أسانيد الكتب التي خرّج منها الأحاديث في صدر تلك الكتب حيث قال: « فصل نذكر فيه أسانيد الكتب التي خرجت منها الأحاديث وغيرها، وتركت ذكرها في الكتاب لئلّا يطول الاسناد، ولا أذكر في أثناء الكتاب إلّا اسم المصنف وما بعده فليعلم ذلك:
تفسير القرآن المجيد لأبي إسحاق الثعلبي. أخبرنا به أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي علي بن مهدي الزرزاري الشيخ الصالح رحمه الله تعالى قال: أخبرنا الرئيس مسعود بن الحسن بن القاسم الاصبهاني وأبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي قالا: أخبرنا أحمد بن خلف الشيرازي قال: أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي بجميع كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن، سمعت عليه من أول الكتاب الى آخر سورة النساء. وأما من أول سورة المائدة الى آخر الكتاب فانه حصل لي بعضه سماعاً وبعضه اجازة واختلط السماع بالاجازة، فأنا أقول فيه أخبرنا به إجازة ان لم يكن سماعاً، فاذا قلت أخبرنا أحمد باسناده إلى الثعلبي فهو بهذا الاسناد »(١) .
ثم إنه ذكر أسانيد الكتب الأخرى ومنها الصحاح والمسانيد.
____________________
(١). أسد الغابة ١ / ٨.
وقال أبو محمّد بن محمّد الأمير في ( رسالة أسانيده ): « تفسير الثعلبي وسائر مؤلفاته بسند صاحب المنح من طريق ابن البخاري عن منصور بن عبد المنعم وعبد الله بن عمر الصفار والمؤيد بن محمّد الطريثيثي كلهم عن أبي محمّد العباس بن محمّد بن أبي منصور الطوسي عن أبي سعيد بن محمّد عن أبي اسحاق أحمد بن محمد النيسابوري الثعلبي وهو لقب وليس بنسب توفي سنة ٤٢٧».
ولقد كثر نقل علماء القوم عن تفسير الثعلبي وغيره من مؤلفاته واستشهادهم برواياته واعتمادهم عليها، ونحن نذكر موارد من ذلك من باب التمثيل:
قال القرطبي بتفسير قوله تعالى: ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ ) : « ذكر الثعلبي وغيره: أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبلّ خمارها. وذكر أن سودة قيل لها: لم لا تحجّين ولا تعتمرين كما تفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله أن أقرّ في بيتي. قال الراوي: فو الله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها، رضوان الله عليها»(١) .
وفيه بتفسير ( وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى ) : « وقال الثعلبي: واسم أم موسى: لوخا بنت هاند بن لاوي بن يعقوب »(٢) .
وقال النووي بترجمة آدم عليهالسلام : « قال الامام أبو إسحاق الثعلبي في قول الله عزّ وجلّ إخباراً عن إبليس ( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) قال الحكماء: أخطأ عدو الله في تفضيله النار على الطين، لأن الطين أفضل منه من أوجه »(٣) .
____________________
(١). تفسير القرطبي ١٤ / ١٨٠ - ١٨١.
(٢). المصدر نفسه ١٣ / ٢٥٠.
(٣). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٩٦.
وقد نقل عنه النووي في مواضع أخر مع وصفه بـ « الامام ».
وقال كمال الدين الدميري: « وقال محمّد الباقر رضياللهعنه : كان أصحاب الكهف صياقلة، واسم الكهف حيوم، والقصة طويلة في كتب التفاسير والقصص، وقد وقفت على جمل من ذلك في كتب التفاسير والقصص مطوّلاً ومختصراً، فمن ذلك ما ساقه الامام أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي، في كتابه الكشف والبيان في تفسير القرآن »(١) .
وقال نور الدين الحلبي في ( السيرة ): « وفي العرائس: إن فرعون لمـّا أمر بذبح أبناء بني إسرائيل جعلت المرأة، أي بعض النساء كما لا يخفى، إذا ولدت الغلام انطلقت به سرّاً إلى واد أو غار فأخفته ».
وقال الحسين الديار بكري في مقدّمة تاريخه: « هذه مجموعة من سير سيد المرسلين انتخبتها من الكتب المعتمدة تحفةً للاخوان البررة وهي: التفسير الكبير، والكشاف، وحاشيته للجرجاني الشريف، والكشف، والوسيط، ومعالم التنزيل والعرائس للثعلبي، وسحّ السحابة، وأصول الصفار، والبحر العميق وسرّ الأدب، والانسان الكامل، وسمّيتها بالخميس في أحوال النفس النفيس ».
وقال محمّد بن معتمد خان البدخشي: « وأخرج العلّامة أبو إسحاق أحمد ابن محمّد بن إبراهيم الثعلبي المفسّر النيسابوري في تفسيره، عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما أنه قال: نحن حبل الله الذي قال الله تعالى: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) .
وقال أحمد بن باكثير المكي: « وروى الثعلبي في تفسير قوله تعالى: ( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الأعراف موضع عال من الصراط، عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر
____________________
(١). حياة الحيوان « الكلب ».
(٢). مفتاح النجا - مخطوط.
ذو الجناحين، يعرفون محبّهم ببياض الوجه ومبغضهم بسواد الوجه »(١) .
(٢)
رواية سبط ابن الجوزي
وقال سبط ابن الجوزي: « اتفق علماء السير أن قصة الغدير بعد رجوع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من حجة الوداع، في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفاً و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث. نصّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإِشارة. وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسير بإسناده: أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمـّا قال ذلك طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار، وبلغ ذلك الحارث بن نعمان الفهري »(٢) .
ترجمة السبط والثناء عليه
١ - الذهبي: « وابن الجوزي العلّامة الواعظ المؤرّخ، شمس الدين أبو المظفر، يوسف بن قزعلي التركي ثم البغدادي العوني الهبيري، الحنفي، سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي، أسمعه جدّه منه ومن ابن كلبي وجماعة، وقدم دمشق سنة بضع وستمائة فوعظ بها، وحصل له القبول العظيم، للطف شمائله وعذوبة وعظه، وله تفسير في تسعة وعشرين مجلّدا، وشرح الجامع الكبير، وجمع مجلّداً في مناقب أبي حنيفة، ودرّس وأفتى، وكان في شبيبته حنبليّاً.
____________________
(١). وسيلة المآل - مخطوط.
(٢). تذكرة خواص الأمة: ٣٠.
توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجّة، وكان وافر الحرمة عند الملوك »(١) .
٢ - ابن الوردي: « وفيها توفي الشيخ شمس الدين يوسف، سبط جمال الدين ابن الجوزي: واعظ فاضل، له مرآة الزمان تاريخ جامع. قلت: وله تذكرة الخواص من الأمة في ذكر مناقب الأئمة. والله أعلم »(٢) .
(٣)
رواية الوصابي
ورواه إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي عن « الامام الثعلبي في تفسيره » كذلك.
اعتماد العلماء على كتاب الاكتفاء
وكتاب ( الإِكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء ) لليمني الوصابي من الكتب المشهورة لدى القوم، فقد نقل عنه محمّد محبوب في مواضع من تفسيره ( تفسير شاهي ) منها قوله: « و في الاكتفاء عن علي بن أبي طالب رضياللهعنه قال: وقع بيني وبين العباس مفاخرة، ففخر عليّ العباس بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أنهما له، قال علي فقلت: ألآن أخبرك بمن هو خير من هذا كله!، الذي قرع خراطيمكم بالسيف وقادكم إلى الإِسلام. فعزّ ذلك على العباس رضياللهعنه ، فأنزل عزّ وجلّ: ( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) يعني علياً رضياللهعنه »(٣) .
____________________
(١). العبر في خبر من غبر حوادث ٦٥٦.
(٢). تتمة المختصر حوادث ٦٥٦.
(٣). تفسير شاهي. بتفسير الآية.
ومنها: « في الإِكتفاء عن علي بن أبي طالب رضياللهعنه قال: لمـّا أراد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يغزو تبوك، دعا جعفر بن أبي طالب، فأمره أن يتخلّف على المدينة فقال: لا أتخلّف بعدك يا رسول الله. فعزم عليَّ لمـّا تخلّفت قبل أن أتكلّم فبكيت، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ما يبكيك يا علي؟ قال: يا رسول الله يبكيني خصال غير واحد، تقول قريش غداً ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمه وخذله، وتبكيني خصلة أخرى، كنت أريد أن أتعرّض للجهاد في سبيل الله »(١) .
ونقل شهاب الدين أحمد بن عبد القادر العجيلي عن ( أسنى المطالب في فضائل علي بن أبي طالب ) وهو الكتاب الرابع من ( الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء )(٢) .
(٤)
رواية الزرندي
وروى محمّد بن يوسف الزرندي حديث نزول الآية المباركة المذكورة في شأن الحارث بن النعمان الفهري، عن الثعلبي واصفاً إياه بـ « الامام » عن سفيان ابن عيينة كما تقدّم(٣) .
ترجمة الزرندي والاعتماد على كتبه
وقال ابن حجر العسقلاني بترجمة الزرندي: « محمّد بن يوسف بن الحسن
____________________
(١). المصدر.
(٢). ذخيرة المآل - مخطوط.
(٣). معارج الوصول - مخطوط - نظم درر السمطين ٩٣.
ابن محمّد بن محمود بن الحسن، الزرندي المدني الحنفي، شمس الدين، أخو نور الدين علي. قرأت في مشيخة الجنيد البلياني تخريج الحافظ شمس الدين الجزري الدمشقي نزيل شيراز أنه كان عالماً، وأرّخ مولده سنة ٦٩٣ ووفاته بشيراز سنة بضع وخمسين وسبعمائة. وذكر أنه صنف درر السمطين في مناقب السبطين. وبغية المرتاح جمع فيها أربعين حديثاً بأسانيدها وشرحها »(١) .
وفي ( الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ): « حكى شيخ الاسلام العلّامة المحدّث بالحرم الشريف النبوي، جمال الدين محمّد بن يوسف الزرندي، في كتابه المسمى بدرر السمطين في فضل المصطفى والمرتضى والسبطين: أن الامام المعظم والحبر المكرم، أحد الأئمة المتّبعين المقتدى بهم في أمور الدين، محمّد بن إدريس الشافعي المطّلبي - رضياللهعنه وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه - لما صرّح بمحبّة أهل البيت وأنه من شيعتهم، قيل فيه هذا وهو السيد الجليل، فقال مجيبا عن ذلك بأبيات:
إذا نحن فضّلنا علياً فإننا |
روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل |
إلى آخر الأشعار »(٢) .
ووصفه شهاب الدين أحمد عند النقل عنه بـ: « الامام المحدّث بالحرم الشريف النبوي المحمدي»(٣) .
وقد ذكر الكاتب الجلبي كتابيه ( نظم درر السمطين ) و ( بغية المرتاح ) في ( كشف الظنون)(٤) .
____________________
(١). الدرر الكامنة ٤ / ٢٩٥.
(٢). الفصول المهمة: ٢١.
(٣). توضيح الدلائل - مخطوط.
(٤). كشف الظنون ١ / ٧٤٧ باسم: درر السمطين و ٢٥٠١.
كما عدَّ الديار بكري كتابه ( الإِعلام ) ضمن مصادر كتابه ( الخميس ).
وقال السمهودي: « وقال الحافظ جمال الدين المذكور: وقال أبو الليث عبد السلام بن صالح الهروي: كنت مع علي بن موسى الرضا - وقد دخل نيسابور وهو على بغله شهباء - فغدا في طلبه العلماء من أهل البلد وقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك. فقال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر وقال: حدثني أبي جعفر الصادق ابن محمّد قال: حدثني أبي باقر علم الأنبياء محمّد بن علي قال: حدثني أبي سيّد العابدين علي بن الحسين قال: حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي قال: سمعت أبي سيد العرب علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول: الإِيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان.
قال الامام أحمد بن حنبل رحمهالله : لو قرأت هذا الاسناد على مجنون لبرئ من حينه.
وروى بعضهم أن المستملي لهذا الحديث أبو زرعة الرازي ومحمّد بن أسلم الطوسي »(١) .
وهكذا نقل عنه في مواضع عديدة واصفاً إياه بـ « الحافظ ».
(٥)
رواية الدولت آبادي
وروى ملك العلماء شهاب الدين بن شمس الدين الدولت آبادي حديث نزول قوله تعالى: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) في واقعة حديث الغدير قوله: « وفي
____________________
(١). جواهر العقدين - مخطوط.
الزاهدية عند قوله تعالى: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) :في تفسير الثعلبي نزولا: أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال يوماً . من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. فسمع ذلك واحد من الكفرة من جملة الخوارج، فجاء إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال: يا محمد هذا من عندك أو من عند الله؟ فقال: هذا من عند الله. فخرج الكافر من المسجد وقام على عتبة الباب وقال: إنْ كان ما يقوله حقاً فأنزل عليّ حجراً من السماء قال: فنزل حجر ورضخ رأسه. فنزلت السورة »(١) .
ترجمة الدولت آبادي
وشهاب الدين الدولت آبادي من أعلام علماء أهل السنة، فقد ذكره غلام علي آزاد قائلاً: « مولانا القاضي شهاب الدين بن شمس الدين ابن عمر الزاولي الدولت آبادي نوّر الله ضريحه. ولد بدولت آباد دهلي، وتلمّذ على القاضي عبد المقتدر الدهلوي، ومولانا خواجكي الدهلوي وهو من تلامذة مولانا معين الدين العمراني رحمهم الله تعالى. وفاق أقرانه وسبق إخوانه. وكان القاضي عبد المقتدر يقول في حقه: يأتيني من الطلبة من جلده علم ولحمه علم وعظمه علم.
... وألّف كتباً سارت بها ركبان العرب والعجم، وأذكى سرجاً أهدى من النار الموقدة على العلم.
توفي لخمس بقين من رجب المرجب، سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ودفن بجو نفور في الجانب الجنوبي من مسجد السلطان إبراهيم الشرقي »(٢) .
كما ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي وأثنى عليه الثناء البالغ(٣) .
____________________
(١). هداية السعداء. الجلوة الثانية من الهداية الثامنة.
(٢). سبحة المرجان في آثار هندوستان: ٣٩.
(٣). أخبار الأخيار: ١٧٣.
وذكر كاشف الظنون أحد كتب شهاب الدين الدولت آبادي وهو ( الارشاد في النحو ) ووصف مؤلفه بـ « الشيخ الفاضل » والكتاب بقوله: « وهو متن لطيف، تعمّق في تهذيبه كل التعمق، وتأنق في ترتيبه حق التأنق ».
وكذا مدح ولي الله الدهلوي مؤلفات الدولت آبادي في كتابه ( المقدمة السنية في الانتصار للفرقة السنية ).
وقد عدّ رشيد الدين الدهلوي ملك العلماء في عداد عظماء العلماء من أهل السنة، الذين ألّفوا كتباً ورسائل في مناقب الأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهمالسلام .
وهذا المقدار يكفي لبيان كون الدولت آبادي من علماء أهل السنة، المعتمدين الموثوقين لديهم.
(٦)
رواية السمهودي
وروى نور الدين لي بن عبد الله السمهودي الشافعي، حديث نزول الآية الشريفة في حق الحارث في الواقعة المذكورة، عن الثعلبي أيضاً، حيث قال:
« وروى الامام الثعلبي في تفسيره: إنّ سفيان بن عيينة رحمهالله سئل عن قول الله عز وجل: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) فيمن نزلت؟ فقال للسائل: سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي عن جعفر بن محمّد عن آبائه: إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمـّا كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي رضياللهعنه وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث ابن النعمان الفهري، فأتى رسول الله على ناقة، فنزل بالأبطح عن ناقته وأناخها وقال:
يا محمّد أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله فقبلناه، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلناه، وأمرتنا بالزكاة فقبلناه، وأردتنا أن نصوم شهراً فقبلنا، وأمرتنا بالحج فقبلنا. ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضّله علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله عزّ وجلّ؟ فقال النبي: والله الذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله عزّ وجلّ. فولى الحارث وهو يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقوله محمّد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم. فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته، وخرج من دبره، فقتله فأنزل الله تعالى: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) (١) .
ترجمة السمهودي
١ - السخاوي ملخصاً بلفظه: « علي بن عبد الله السمهودي: ولد في صفر سنة ٨٤٤ بسمهود، ونشأ بها فحفظ القرآن والمنهاج ولازم والده، وقدم القاهرة معه وبمفرده غير مرة، وقرأ عمدة الأحكام بحثاً على السعد بن الديري، وأذن له في التدريس هو والبامي والجوهري، وفيه وفي الافتاء الشهاب السارمساجي بعد امتحانه له في مسائل ومذاكرته معه، وفيها أيضاً زكريا وكذا المحلي والمناوي، وعظم اختصاصه بهما وتزايد مع ثانيهما بحيث خطبه لتزويج سبطته، وقرّره معيدا في الحديث بجامع طولون، وفي الفقه بالصالحية، وأسكنه قاعة القضاء بها، وعرض عليه النيابة فأبى، ثم فوّض إليه عند رجوعه مرة إلى بلده مع القضاء، حيث حل النظر في أمر ثواب الصعيد وصرف غير المتأهل منهم، فما عمل بجميعه.
ثم إنه استوطن القاهرة وكنت هناك، فكثر اجتماعنا وكان على خير كبير،
____________________
(١). جواهر العقدين - مخطوط.
وفارقته بمكة بعد أن حججنا، ثم توجه منها إلى طيبة فقطنها من سنة ثلاث وسبعين، ولقيته في كلا الحرمين غير مرة، وغبطته على استيطانه المدينة، وصار شيخها، قل أن يكون أحد من أهلها لم يقرأ عليه.
وبالجملة، فهو انسان فاضل مفنن متميز في الفقه والأصلين، فهو فريد هناك في مجموعه، ولأهل المدينة به جمال، والكمال لله »(١) .
٢ - عبد القادر العيدروس: « وفيها في يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة، توفي عالم المدينة الامام القدوة والمفتي الحجة الشريف، ذو التصانيف الشهيرة، نزيل المدينة الشريفة وعالمها وفقيهها ومدرّسها ومؤرّخها، ترجمه الحافظان العز ابن فهد والشمس السخاوي وألف عدة تآليف منها: جواهر العقدين في فضل الشرفين وجمع فتاواه في مجلد وهي مفيدة جداً »(٢) .
٣ - عبد الغفار بن ابراهيم العكي العدثاني: « الامام العلامة نور الدين علي بن عبد الله وله مصنفات مفيدة وكلّها في غاية الإتقان والتحقيق والتحرير والتدقيق. توفي بطيبة المشرفة »(٣) .
٤ - محمّد بن يوسف الشامي في ذكر رموز سيرته: « أو ( السيد ) فالامام العلامة شيخ الشافعية بطيبة نور الدين السمهودي »(٤) .
٥ - ووصفه الشيخ عبد الحق الدهلوي: بـ « السيد العالم الكامل، أوحد العلماء الأعلام، عالم مدينة خير الأنام، نور الدين مات ضحى يوم ليلة بقيت من ذي القعدة عام إحدى عشر وتسعمائة، ودفن في البقيع عند قبر الامام مالك »(٥) .
____________________
(١). الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٥ / ٢٤٥.
(٢). النور السافر عن أحوال القرن العاشر. حوادث سنة: ٩١١.
(٣). عجالة الراكب وبلغة الطالب - مخطوط.
(٤). سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - مقدمة الكتاب.
(٥). جذب القلوب - مقدمة الكتاب.
٦ - واحتج محمّد بن عبد الرسول البرزنجي بكتب السمهودي في كتابه ( الإِشاعة لأشراط الساعة ) وذكر في ديباجته في ضمن مصادره « كتب الامام الشريف نور الدين علي السمهودي، كتاريخ المدينة وجواهر العقدين »(١) .
٧ - ووصفه محمود بن علي الشيخاني القادري بـ « السيد الجليل » مع الاعتماد على رواياته(٢) .
٨ - وذكر الشيخ إبراهيم الكردي أحاديث في الردّ على الفلاسفة ثم قال:
« أورد هذه الأحاديث عالم المدينة ومفتيها العلامة السيد نور الدين في كتاب جواهر العقدين، وقد أخبرنا بالكتاب كلّه شيخنا أيده الله تعالى، قراءة للبعض وإجازة للكل »(٣) .
٩ - وقال أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير المكي في ( وسيلة المآل في عد مناقب الآل ): « وقد أكثرت العلماء في هذا الشأن، وجمعت في جواهر مناقبهم الشريفة ما يجمل به جيد الزمان، ومن أحسن ما جمعت في تلك التآليف وأنفع ما نقلت منه في هذا التصانيف: كتاب جواهر العقدين في فضل الشرفين لعلّامة الحرمين السيد السمهودي تغمّده الله برحمته »(٤) .
١٠ - ووصفه محمّد بن محمّد خان البدخشي بـ « السيد السند نور الملة والدين »(٥) .
١١ - وقال تاج الدين الدهان المكي: « تواريخ المدينة الشريفة لعالمها الامام الحجة السيد الشريف نور الدين »(٦) .
____________________
(١). الإِشاعة لأشراط الساعة. مقدمة الكتاب.
(٢). الصراط السوي في مناقب آل النبي - مخطوط.
(٣). بلغة المسير إلى توحيد الله العلي الكبير.
(٤). وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل - مخطوط.
(٥). مفتاح النجا - مخطوط.
(٦). كفاية المتطلع في مرويات الشيخ حسن العجيمي - مخطوط.
١٢ - ووصفهأحمد بن عبد القادر العجيلي بـ « إمام السادة والعلماء »(١) .
١٣ - وذكرهرشيد الدين خان الدهلوي فيمن ألّف وصنف في فضائل الأئمة من العترة الطاهرة، من عظماء علماء أهل السنة، حيث ذكر كتابه ( جواهر العقدين ) ووصف مؤلفه بـ « الإِمام»(٢) .
(٧)
رواية ابن الصباغ
ورواه أيضاً الشيخ نور الدين علي بن محمّد المعروف بابن الصباغ المالكي، عن تفسير الثعلبي، كما مر مراراً، وعبّر عن الثعلبي بـ « الإِمام »(٣) .
ترجمة ابن الصباغ والتعريف بكتابه
وابن الصباغ من مشاهير علماء المالكية، ومن أكابر مشايخهم المعتمدين، وقد وصفه العجيلي لدى النقل عنه بـ « الشيخ الامام علي بن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية ».
وذكر محمّد بن عبد الله المطيري المدني الشافعي - لدى النقل عنه - أن ابن الصباغ من العلماء العاملين الأعيان.
كما أكثر من النقل عن كتابه ( الفصول المهمة ) جماعة من أعيان علماء أهل السنة كالحلبي في ( سيرته ) والصفوري في ( نزهة المجالس ) والشيخاني القادري في
____________________
(١). ذخيرة المآل - مخطوط.
(٢). إيضاح لطافة المقال لمحمّد رشيد الدهلوي.
(٣). الفصول المهمة: ٤٢.
( الصراط السوي ) والعجيلي في ( ذخيرة المآل ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ).
(٨)
رواية المحدّث الشيرازي
ورواه السيد جمال الدين عطاء الله بن فضل الله المحدّث الشيرازي في ( الأربعين في مناقب أمير المؤمنين ) حيث قال: « الحديث الثالث عشر: عن جعفر ابن محمد عن آبائه الكرام عليهمالسلام : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمـّا كان بغدير خم نادى الناس، فاجتمعوا، فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث كان وفي رواية: اللهم أعنه وأعن به، وارحمه وارحم به، وانصره وانصر به، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على ناقة له، ونزل بالأبطح عن ناقته وأناخها، فقال:
يا محمد: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصوم فقبلناه منك، وأمرتنا بالحج فقبلناه منك، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضّله علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله عز وجل؟
فقال النبي: والذي لا إله إلّا هو إن هذا من الله عز وجل، فولّى الحارث ابن النعمان وهو يريد راحلته وهو يقول: اللهم إنْ كان ما يقوله محمّد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله
عزّ وجلّ بحجر، فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله. وأنزل الله عز وجل: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) (١) .
الثناء على المحدّث الشيرازي
والسيد جمال الدين المحدّث الشيرازي من كبار علماء أهل السنّة الأثبات، ومن مشايخ ( الدهلوي ) في الإِجازة كما لا يخفى على ناظر رسالته في ( أصول الحديث ). وجعله الملّا علي القاري من المشايخ الكبار. كما وصفه بالأوصاف العظيمة في مقدمة كتابه ( المرقاة في شرح المشكاة ).
واعتمد على رواياته جماعة من أساطين علمائهم، كالشيخ عبد الحق الدهلوي في ( مدارج النبوة ) والديار بكري في ( الخميس ) وولي الله الدهلوي في ( إزالة الخفاء ) كما لا يخفى على من راجع الكتب المذكورة.
(٩)
رواية المنّاوي
وروى الشيخ شمس الدين عبد الرؤف بن تاج العارفين المنّاوي الحديث المذكور حيث قال بشرح حديث الغدير: « وفي تفسير الثعلبي عن ابن عيينة قال: إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمـّا قال ذلك، طار في الآفاق، فبلغ ذلك الحارث ابن النعمان الفهري، فأتى رسول الله فقال: يا محمد »(٢) .
____________________
(١). الأربعين - مخطوط.
(٢). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٦ / ٢٨١.
ترجمة المناوي
وترجم محمّد أمين بن فضل الله المحبي الدمشقي للمنّاوي ترجمة حافلة نلخصها فيما يلي بلفظه: « عبد الرؤف بن تاج العارفين، الامام الكبير الحجة الثبت القدوة، صاحب التصانيف السائرة، وأجلّ أهل عصره من غير ارتياب، وكان إماماً فاضلاً زاهداً عابداً، قانتاً لله خاشعاً له، كثير النفع، وكان متقرباً بحسن العمل، مثابراً على التسبيح والأذكار، صابراً صادقاً، وكان يقتصر يومه وليلته على أكلة واحدة من الطعام، قد جمع من العلوم والمعارف على اختلاف أنواعها وتباين أقسامها ما لم يجتمع في أحد ممن عاصره.
انقطع عن مخالطة الناس وانعزل في منزله، وأقبل على التأليف، فصنّف في غالب العلوم، ثم ولى تدريس المدرسة الصالحية، فحسده أهل عصره وكانوا لا يعرفون مزية علمه لانزوائه عنهم، ولمـّا حضر الدرس فيها ورد عليه من كل مذهب فضلاؤه منتقدين عليه، فأذعنوا لفضله وصار أجلاء العلماء يبادرون لحضوره، وأخذ عنه منهم خلق كثير منهم: الشيخ سليمان البابلي، والسيد إبراهيم الطاشكندي، والشيخ علي الأجهوري الولي المعتقد، وأحمد الكلبي وولده الشيخ محمّد وغيرهم. وكان مع ذلك لم يخل من طاعن وحاسد حتى دسّ عليه السم، فتوالى عليه بسبب ذاك نقص في أطرافه وبدنه من كثرة التداوي.
بالجملة، فهو أعلم علماء هذا التاريخ آثاراً، ومؤلفاته غالبا متداولة كثيرة النفع، وللناس عليها تهافت زائد ويتغالون في أثمانها، وأشهرها شرحاه على الجامع الصغير وشرح السيرة المنظومة للعراقي.
وكانت ولادته في سنة ٩٥٢ وتوفي سنة ١٠٣١ »(١) .
____________________
(١). خلاصة الأثر ٢ / ٤١٢.
ترجمة المحبي مادح المناوي
وترجم محمّد أفندي بن علي أفندي المرادي البخاري الدمشقي مفتي الحنفية لمحمّد أمين المحبي بقوله: « محمّد الأمين بن فضل الله فريد العصر ويتيمة الدهر، المؤرخ الذي بهر العقول بانشائه البديع، الشاعر الماهر الذي هو ببيانه لها روت ساحر. ولد بدمشق سنة ١٠٦١
وكان يكتب الخط الحسن العجيب، وألف مؤلفات حسنة بعد أن جاوز العشرين وكانت وفاته في ثاني عشر جمادى الأولى سنة ١١١١ »(١) .
(١٠)
رواية العيدروس
وكذلك رواه شيخ بن عبد الله بن شيخ عبد الله العيدروس باعلوي، عن الثعلبي في تفسيره(٢) .
ترجمة العيدروس والثناء عليه
وترجم المحبي للعيدروس المذكور بما هذا ملخصه: « شيخ بن عبد الله ابن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس اليمني، الأستاذ الكبير المحدث الصوفي الفقيه، اشتغل على والده، أخذ عنه علوما كثيرة ولبس منه الخرقة وتفقه، ورحل إلى الشحر واليمن والحرمين في سنة ١٠١٦، ثم رحل إلى الهند فدخلها في
____________________
(١). سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر ٤ / ٨٦.
(٢). العقد النبوي والسرّ المصطفوي - مخطوط.
سنة ١٠٢٥، وأخذ عن عمه الشيخ عبد القادر بن شيخ، وكان يحبّه ويثني عليه وبشّره ببشارات، وألبسه الخرقة وحكمه، وكتب له إجازة مطلقة في أحكام التحكيم.
ثم قصد إقليم الدكن واجتمع بالوزير الأعظم عنبر وبسلطانه برهان نظام شاه، وحصل له عندهما جاه عظيم، وأخذ عنه جماعة، ثم سعى بعض المردة بالنميمة، فأفسدوا أمر تلك الدائرة ففارقهم صاحب الترجمة، وقصد السلطان ابراهيم عادلشاه فأجلّه وعظّمه، وتبجح السلطان بمجيئه إليه وعظّم أمره في بلاده، وكان لا يصدر إلّا عن رأيه، وسبب إقباله الزائد على أنه وقع له حال اجتماعه به كرامة وهي: إن السلطان كانت أصابته في مقعدته جراحة منعته الراحة والجلوس، وعجزت عن علاجه حذّاق الأطباء، وكان سببها أن السيد الجليل علي ابن علوي دعا عليه بجرح لا يبرأ، فلمـّا أقبل صاحب الترجمة ورآه على حالته أمره أن يجلس مستوياً، فجلس من حينئذٍ وبرأ منها. وكان السلطان إبراهيم رافضياً، فلم يزل به حتى أدخله في عداد أهل السنّة.
فلمـّا رأى أهل تلك المملكة إنقياد السلطان إليه، أقبلوا عليه وهابوه، وحصّل كتباً نفيسة، واجتمع له من الأموال ما لا يحصى كثرةً ولم يزل مقيماً عند السلطان إبراهيم عادلشاه حتى مات السلطان، فرحل صاحب الترجمة إلى دولت آباد إلى أن مات سنة ١٠٤١. وكانت ولادته في سنة ٩٩٣ »(١) .
ووصفه الشيخاني القادري لدى النقل عنه بأوصاف حميدة جليلة قال: « وفي العقد النبوي والسر المصطفوي للشيخ الامام والغوث الهمام، بحر الحقائق والمعارف، السيد السند والفرد الأمجد، الشريف الحسيني، المسمّى بالشيخ بن عبد الله »(٢) .
____________________
(١). خلاصة الأثر ٢ / ٢٣٥.
(٢). الصراط السوي في مناقب آل النبي - مخطوط.
وإنّ محمّد محبوب عالم ينقل في مواضع من تفسيره ( تفسير شاهي ) عن كتاب ( العقد النبوي ) المذكور للعيدروس اليمني.
(١١)
رواية الشيخاني
وروى محمود بن محمّد الشيخاني القادري حديث نزول الآية الكريمة حيث قال: « وقد مرّ مراراً قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث.
قالوا: وكان الحارث بن النعمان مسلماً، فلما سمع حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، شك في نبوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم قال: اللهم إنْ كان ما يقوله محمّد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. ثم ذهب ليركب راحلته فما مشى نحو ثلاث خطوات، حتى رماه الله عز وجلّ بحجر، فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله. فأنزل الله تعالى: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) (١) .
وهذا الرجل من علماء أهل السنة المعتمدين، وقد نقل عنه واعتمد عليه رشيد الدين خان الدهلوي في كتابه ( غرة الراشدين ).
____________________
(١). المصدر نفسه - مخطوط.
(١٢)
رواية الحلبي
وروى نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي بقوله: « قال بعضهم: ولمـّا شاع قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه في سائر الأمصار، وطار في جميع الأقطار، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري، فقدم المدينة وأناخ راحلته عند باب المسجد، فدخل والنبي جالس وحوله أصحابه، فجاء حتى جثى بين يديه ثم قال:
يا محمد! إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله فقبلنا ذلك منك، وأمرتنا أن نصلي في اليوم والليلة خمس صلوات، ونصوم شهر رمضان، ونزكي أموالنا، ونحج البيت فقبلنا ذلك منك، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضّلته وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء من الله أو منك؟
فاحمرّت عينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال: والله الذي لا إله إلّا هو إنه من الله وليس مني. قالها ثلاثاً. فقام الحارث وهو يقول: اللهم إنْ كان هذا هو الحق من عندك - وفي رواية: اللهم إنْ كان ما يقول محمّد حقاً - فأرسل علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فو الله ما بلغ باب المسجد حتى رماه الله بحجر من السماء، فوقع على رأسه وخرج من دبره، فمات. وأنزل الله تعالى: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) الآية »(١) .
____________________
(١). السيرة الحلبية ٣ / ٣٣٧.
ترجمة نور الدين الحلبي
١ - عبد الله بن حجازي الشرقاوي: « العلامة الفاضل، واللوذعي الكامل، شيخ الاسلام وبركة الأنام، الشيخ علي الحلبي، صاحب السيرة الحلبية المشهورة »(١) .
٢ - المحبي: « الامام الكبير، أجل أعلام المشايخ وعلامة الزمان، كان جبلاً من جبال العلم وبحراً لا ساحل له، واسع الحكم، علّامة جليل المقدار، جامعاً لأشتات العلى، صارفاً نقد عمره في بث العلم النافع ونشره، وحظي فيه حظوة لم يحظها أحد مثله، فكان درسه مجمع الفضلاء ومحط رحال النبلاء، وكان غاية في التحقيق، حاد الفهم، قوي الفكرة، متحرياً في الفتاوى، جامعاً بين العلم والعمل، صاحب جد واجتهاد، عمّ نفعه الناس، فكانوا يأتونه لأخذ العلم عنه من البلاد، مهاباً عند خاصة الناس وعامّتهم، حسن الخلق والخلق، ذا دعابة لطيفة في درسه مع جلالة، وكان الشيوخ يثنون عليه بما هو أهله، من الفضل التام ومزيد الجلالة والاحترام.
ولد بمصر في سنة ٩٧٥، وألّف المؤلفات البديعة منها: السيرة النبوية التي سماها إنسان العيون في سيرة النبي المأمون، في ثلاث مجلدات، اختصرها من سيرة الشيخ محمّد الشامي وزاد أشياء لطيفة الموقع، وقد اشتهرت اشتهاراً كثيراً، وتلّقتها أفاضل العصر بالقبول، حرّرها تحريراً مع الشيخ سلطان. وكانت وفاته يوم السبت آخر يوم من شعبان سنة ١٠٤٤ »(٢) .
____________________
(١). التحفة البهية في طبقات الشافعيّة - مخطوط.
(٢). خلاصة الأثر ٣ / ١٢٢ ملخصاً.
(١٣)
رواية أحمد بن باكثير
وروى أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير نزول الآية ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) في واقعة غدير خم عن الثعلبي حيث قال: « روى الثعلبي في تفسيره: إن سفيان بن عيينة رحمهالله سئل عن قوله عز وجل: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) فيمن نزلت؟ فقال للسائل: سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي عن جعفر بن محمّد عن آبائه رضي الله عنهما، أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمـّا كان بغدير خم، نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي رضياللهعنه فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث ابن النعمان الفهري، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على ناقة، فنزل بالأبطح عن ناقته وأناخها وقال:
يا محمّد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضّله علينا. فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أو من الله عزّ وجلّ؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : والذي لا إله إلّا هو إن هذا من الله عز وجلّ.
قال: فولّى الحارث بن النعمان - وهو يريد راحلته - وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله بحجر، فسقط على هامته حتى خرج من دبره فقتله. فأنزل الله تعالى: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) (١) .
____________________
(١). وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل - مخطوط.
ترجمة ابن باكثير المكّي
وقد ترجم محمّد أمين المحبّي لابن باكثير المكي بقوله: « الشيخ أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير المكي الشافعي، من أدباء الحجاز وفضلائها المتمكّنين، كان فاضلاً أديباً له مقدار علي وفضل جلي، وكان له في العلوم الفلكية وعلم الأوفاق والزابرجا يد عالية. وكان له عند أشراف مكة منزلة وشهرة، وكان في الموسم يجلس في المكان الذي يقسّم فيه الصرّ السلطاني بالحرم الشريف، بدلاً عن شريف مكة.
ومن مؤلفاته: حسن المآل في مناقب الآل وكانت وفاته سنة ١٠٤٧ بمكة، ودفن بالمعلاة»(١) .
ووصفه رضي الدين محمّد بن علي بن حيدر لدى النقل عنه في كتابه ( تنضيد العقود السنية بتمهيد الدولة الحسينية ) بقوله: « قال أحمد صاحب الوسيلة، وهو الثقة الأمين في كلّ فضيلة ...».
(١٤)
رواية محبوب عالم
ورواه محبوب عالم - وهو من أكابر علماء أهل السنة وعرفائهم - في تفسير المعروف ( تفسير شاهي ) الذي أثنى عليه ( الدهلوي ) وغيره من علمائهم رواه عن ( العقد النبوي ) عن ( تفسير الثعلبي ).
____________________
(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ٢٧١ - ٢٧٣.
(١٥)
رواية محمّد صدر العالم
ورواه محمّد صدر العالم، عن تفسير الثعلبي كذلك، حيث قال: « أخرج الثعلبي في تفسيره: إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال يوماً: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فسمع ذلك واحد من الكفرة من جملة الخوارج، فجاء إلى النبي فقال: يا محمّد هذا من عندك أو من عند الله؟ فقال النبي: هذا من عند الله. فخرج الكافر من المسجد وقام على عتبة الباب وقال: إنْ كان ما يقوله حقاً فأنزل عليَّ حجراً من السماء، قال: فنزل حجر ورضخ رأسه فنزل قوله: ( سَأَلَ سائِلٌ ) الآية »(١) .
(١٦)
رواية محمّد بن إسماعيل الأمير
ورواه محمّد بن إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني، عن تفسير الثعلبي، ثم قال: « قلت: وذكره الحافظ العلّامة أبو سعود الرومي، في تفسيره الشهير »(٢) .
____________________
(١). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.
(٢). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية: ٨٤.
الثناء على محمّد بن اسماعيل الأمير
قال أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي: « وأولاد الامام المتوكل علماء جهابذة وأبرار، أعظمهم ولده الامام المؤيد بالله محمّد بن إسماعيل، قرأ كتب الحديث وبرع فيها. كان إماماً في الزهد والورع، يعتقده العامة والخاصة، ويأتونه بالنذور فيردّها ويقول: إن قبولها تقرير لهم على اعتقادهم أنه من الصالحين، وهو يخاف أنه من الهالكين
ومن أعيان آل الامام: السيد المجتهد الشهير، المحدّث الكبير السراج المنير، محمّد بن إسماعيل الأمير، مسند الديار ومجدد الدين في الأقطار، صنف أكثر من مائة مؤلف، وهو لا ينسب إلى مذهب بل مذهبه الحديث ».
وقال: « وسيدنا الامام محمّد بن إسماعيل الأمير رضياللهعنه ، أخذ عن علماء الحرمين واستجاز منهم وارتبط بأسانيدهم، وقرأ على الشيخ عبد الخالق ابن الزين المزجاجي، والشيخ عليه، واستجاز منه وأسند عنه، مع تمكّنه من علوم الآل وتأصله »(١) .
وقال صدّيق حسن القنوجي: « إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد، للإمام بدر الملة المنير محمّد بن اسماعيل اليمني الأمير، المتوفى سنة ١١٨٢ »(٢) .
كما ذكر كتباً أخرى له معم الثناء عليها وعلى مؤلّفها، ووصفه بالأوصاف الجليلة.
____________________
(١). ذخيرة المآل - مخطوط.
(٢). إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء والمحدثين - مخطوط.
(١٧)
رواية أحمد بن عبد القادر
ورواه أحمد بن عبد القادر الشافعي في كتابه ( ذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللئال ) عن الثعلبي معبراً عنه بـ « الامام ».
الثناء عليه وعلى كتابه
وقد وصفه الشيخ أحمد بن محمّد الأنصاري اليمني الشرواني لدى النقل عنه، بأوصاف جليلة، حيث قال: « وما أحسن قول محبّ الآل العارف المفضال، شهاب الدين أحمد بن عبد القادر الحفظي الشافعي، رحمه الكبير المتعال، في منظومته المسمّاة بعقد جواهر اللآل:
وآية التطهير فيهم نزلت |
وأذهبت رجسهم وطهّرت |
|
لمـّا تلاها قام يدعو أهله |
في بيت سكناه وخص آله |
|
أدخلهم تحت الكسا وجلّلا |
جميعهم ثم دعا وابتهلا |
|
وقال اللهمَّ هؤلاء |
هم أهل بيتي وهم عصائي |
|
إني لمن حاربهم حرب ومن |
سالمهم سلم على مرّ الزمن |
|
وإنني منهم وهم مني فصل |
عليهم أزكى صلاة وأجل |
|
وارحم وبارك وارض عنهم واغفر |
والرجس أذهب عنهم وطهّر |
|
فهذه الآية أصل القاعدة |
ومنبع الفضل لكل عائدة |
|
وإنما حرف يفيد الحصرا |
ويقصر المراد فيهم قصرا |
|
فلا يريد الله فيهم غير أنْ |
يذهب عنهم كل رجس ودرن |
مؤكدا تطهيرهم بالمصدر |
منكّراً إشارة للعبقري |
ومنها:
« وكل أعدائهم والجافي |
فلا نواليهم ولا نصافي |
|
قد قطعوا ما أمروا بوصله |
وما رعوا ذمة خير رسله |
|
عقّوه في أولاده وهجروا |
ونقضوا عهودهم وغدروا |
|
ما عذرهم يوم اللّقا والحجة |
وكيف ينجو غارق في اللجة؟ |
|
ما ذا يولون إذا ما سئلوا |
وشهد الله على ما فعلوا؟ |
|
وهم بذاك اليوم في هوان |
تطأهم الأقدام كالجعلان |
|
ويحكم الله بحكم الحق |
بينهم وبين أهل العق |
|
والمصطفى والمرتضى وفاطمة |
قد حضروا في مجلس المخاصمة |
|
يا حسرة عليهم لا تنقضي |
وخجلة لمن جفا ومن رضي |
|
وما جرى فقد مضى وإنما |
يا ويل من والى لمن قد ظلما |
|
وكلّ من يسكت أو يلبّس |
ومن لعذرٍ فاسدٍ يلتمس |
|
فذاك مغبون بكلّ حال |
قد ضيّع الربح ورأس المال |
|
واستبدل الأدنى بكلّ خير |
وباع دينه بدنيا الغير |
|
وفي غدٍ كل فريق يجمع |
تحت لواء من له يتبع |
|
وكل أناس بإمام يدعى |
فاختر لمن شئت وألق السمعا |
قال محبّر هذا الكتاب - أذاقه الله حلاوة عفوه يوم الحساب - وللشهاب العارف الحفظي شرح على منظومته، دال على حسن عقيدته ووفور محبته، لأهل البيت الرفيع وسلامته من التعصب الشنيع، سماه: ذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآل. ولمـّا كنت مقيما في الوطن كان الشهاب موجوداً في برج شرفه بين الحجاز واليمن، ولا أدري اليوم أباق لمعان ذلك النور أم غاب عن الأبصار بعد
الظهور، لبعدي عن تلك الأقطار وانقطاع ما لم أزل مترقباً لوصوله من أخبار الأخيار الساكنين في أنفس الديار »(١) .
الثناء على مادح الحفظي
وأحمد الشرواني اليمني وصفه مشاهير علمائهم بأوصاف كريمة، في تقاريظهم لكتابه المذكور ( المناقب الحيدرية )، فممن كتب له تقريظاً هو: رشيد الدين خان الدهلوي تلميذ ( الدهلوي ). ومنهم: المولوي حسن علي المحدث تلميذ ( الدهلوي )، ومنهم: المولوي أوحد الدين البلجرامي.
وقد طبعت هذه التقاريظ في آخر كتاب ( المناقب الحيدرية ) فليلاحظ.
(١٨)
رواية الشبلنجي
ورواه أيضاً سيد مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي عن الثعلبي - مع التعبير عنه بـ « الامام » - كذلك(٢) .
* * *
____________________
(١). المناقب الحيدرية ٧٥ - ٧٧.
(٢). نور الأبصار: ٧٨.
وحديث نزول قوله عز وجل: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) في شأن الحارث بن النعمان الفهري، بعد نزول العذاب عليه بسبب اعتراضه على النبي صلىاللهعليهوآله ما قاله يوم غدير خم، في حق أمير المؤمنين عليهالسلام ، وهو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه .. صريح في دلالة هذا الكلام على أفضلية علي عليهالسلام ، لأنه قال للنبي في اعتراضه: « ولم ترض بهذا حتى أخذت بضبعي ابن عمك ففضّلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه ».
وهذا وجه آخر لسقوط تأويلات القوم لحديث الغدير، ومناقشاتهم في دلالتهم على الأفضلية والامامة، تلك الدلالة التي أذعن بها جميع المتأخرين والغائبين الذين بلغهم ما قاله رسول الله صلىاللهعليهوآله ، في ذلك يوم العظيم وفي ذلك الجمع الحاشد.
والأفضلية تستلزم الامامة كما بينا ذلك بالتفصيل في ( المنهج الأول )، وسنوضحه في البحوث الآتية إن شاء الله تعالى ولكن لا بأس يذكر كلمات بعض أساطين أهل السنة الصريحة في لزوم كون الخليفة أفضل الناس، وأنه لا يجوز خلافة المفضول مع وجود الأفضل منه في الأمة:
قال ابن تيمية: « أمّا جمهور الناس ففضّلوا عثمان، وعليه استقرار أهل السنة، وهو مذهب أهل الدين ومشايخ الزهد والتصوف وأئمة الفقهاء، كالشافعي وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه، وهو أصح الروايتين عن مالك وعليها أصحابه. قال مالك: لا أجعل من خاض في الدماء كمن لم يخض فيها، وقال الشافعي وغيره: إنه بهذا السبب قصد وإلى المدينة الهاشمي ضرب مالك، وجعل طلاق المكره سبباً ظاهراً، وهو أيضاً مذهب جماهير أهل الكلام: الكرامية والكلابية والأشعرية والمعتزلة.
وقال أيوب السختياني: من لم يقدّم عثمان على علي فقد أزرى المهاجرين والأنصار، وهكذا قال أحمد بن حنبل وأبو الحسن الدار قطني وغيرهما. إنهم اتفقوا على تقديم عثمان، ولهذا تنازعوا فيمن لم يقدّم عثمان هل يعدّ مبتدعاً على قولين، هما روايتان عن أحمد، فإذا قام الدليل على تقديم عثمان كان ما سواه أوكد.
فأمّا الطريق التوفيقي فالنص والاجماع، أمّا النص ففي الصحيحين عن ابن عمر قال: كنا نقول ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حي: أفضل أمة النبي بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان. وأما الاجماع فالنقل الصحيح قد ثبت: إن عمر جعل الأمر شورى في ستة، وأنّ ثلاثة تركوه لثلاثة: عثمان وعلي وعبد الرحمن، وأن الثلاثة اتفقوا على أن عبد الرحمن يختار واحداً منهما، وبقي عبد الرحمن ثلاثة أيام حلف أنه لم ينم فيها كثير نوم يشاور المسلمين، وقد اجتمع بالمدينة أهل الحلّ والعقد حتى أمراء الأمصار، وبعد ذلك اتفقوا على مبايعة عثمان بغير رغبة ولا
رهبة، فيلزم أن يكون هو الأحق، ومن كان هو الأحق كان هو الافضل، فإن أفضل الخلق من كان أحق أن يقوم مقام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر وعمر.
وإنما قلنا يلزم أن يكون هو الأحق، لأنه لو لم يكن ذلك للزم إمّا جهلهم وإما ظلمهم، فإنه إذا لم يكن أحق وكان غيره أحق فإنْ لم يعلموا ذلك كانوا جهّالاً، وإن علموه وعدلوا عن الأحق إلى غيره كانوا ظلمة، فتبيّن أن عثمان إن لم يكن أحق لزم إما جهلهم وإما ظلمهم، وكلاهما منتف، أمّا أولاً فلأنهم أعلم بعثمان وعلي منّا، وأعلم بما قاله الرسول فيهما منا، وأعلم بما دلّ عليه القرآن في ذلك منّا، ولأنهم خير القرون فيمتنع أن نكون نحن أعلم منهم بمثل هذه المسائل، مع أنهم أحوج إلى علمها منّا، فإنّهم لو جهلوا مسائل أصول دينهم وعلمنا نحن لكنا أفضل منهم، وذلك ممتنع.
وكونهم علموا الحق وعدلوا عنه أعظم وأعظم، فإن ذلك قدح في عدالتهم، وذلك يمنع أن يكونوا خير القرون بالضرورة، ولأن القرآن قد أثنى عليهم ثناءاً يقتضي غاية المدح، فيمتنع إجماعهم وإصرارهم على الظلم الذي هو ضرر في حق الأمة كلها، فإن هذا ليس ظلما للممنوع من الولاية بل هو ظلم لكن من منع نفعه عن ولاية الأحق بالولاية، فإنه إذا كان راعيان أحدهما هو الذي يصلح للرعاية ويكون أحق بها، كان منعه من رعايتها يعود بنقص الغنم حقها في نفعه، ولأن القرآن والسنة دلّ على أن هذه الأمة خير الأمم وأن خيرها أوّلوها، فإن كانوا مصرّين على ذلك لزم أن تكون هذه الأمة شر الأمم، وأن لا يكون أوّلوها خيرها، ولأنا نحن نعلم أن المتأخرين ليسوا مثل الصحابة، فإن كان أولئك ظالمين مصرّين على الظلم، فالأمة كلّها ظالمة، فليست خير الأمم.
وقد قيل لابن مسعود لمـّا ذهب إلى الكوفة: من وليتم؟ قال: وليّنا أعلانا ذا فوق ولم نأل. وذو الفوق هو السهم، يعني أعلانا سهماً في الاسلام.
فإن قيل: قد يكون عثمان الأحق بالامامة وعلي أفضل منه.
قيل: أولاً هذا السؤال لا يمكن أن يورده أحد من الامامية، لأن الأفضل عندهم أحق بالإِمامة، وهذا قول الجمهور من أهل السنة. وهنا مقامان: إمّا أن يقال: الأفضل أحق بالإِمامة لكن يجوز تولية المفضول إمّا مطلقا وإما للحاجة. وإمّا أن يقال: ليس كل من كان أفضل عند الله يكون هو الأحق بالإمامة. وكلاهما منتف هاهنا.
أمّا الأول فلأن الحاجة إلى تولية المفضول في الاستحقاق كانت منتفية، فإن القوم كانوا قادرين على تولية علي، وليس هناك من ينازع أصلاً، ولا يحتاجون إلى رغبة ولا رهبة، ولم يكن هناك لعثمان شوكة تخاف، بل التمكن من تولية هذا كان كالتمكن من تولية هذا. فامتنع أن يقال: ما كان يمكن إلّا تولية المفضول، وإذا كانوا قادرين - وهم يتصرفون للأمة لا لأنفسهم - لم يجز لهم تفويت مصلحة الأمة من ولاية الفاضل، فإن الوكيل والولي المتصرف لغيره ليس له أن يعدل عما هو أصلح لمن ائتمنه، مع كونه قادراً على تحصيل المصلحة، فكيف إذ كانت قدرته على الأمرين سواء. وأما الثاني فلأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل الخلق، وكلّ من كان به أشبه فهو أفضل ممن لم يكن كذلك، والخلافة كانت خلافة نبوة لم تكن ملكاً، فمن خلف النبي وقام مقام النبي كان أشبه بالنبي، ومن كان أشبه بالنبي كان أفضل، فالذي يخلفه أشبه به من غيره، والأشبه به أفضل، فالذي يخلفه أفضل »(١) .
وقال حسن بن محمد الطيبي بشرح حديث « لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره » قال: « هذا دليل على فضله على جميع الصحابة، فاذا ثبت هذا ثبت خلافته، لأن خلافة المفضول مع وجود الفاضل لا تصح »(٢) .
وقال علي بن سلطان الهروي القاري: « وأولى ما يستدل به على أفضلية
____________________
(١). منهاج السنة ٤ / ٢٠٢ - ٢٠٣.
(٢). الكاشف - شرح المشكاة - مخطوط.
الصديق رضياللهعنه في مقام التحقيق نصبه صلىاللهعليهوآلهوسلم لامامة الأنام مدة مرضه في الليالي والأيام، ولذا قال أكابر الصحابة: رضيه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا! ثم إجماع جمهورهم على نصبه للخلافة ومتابعة غيرهم أيضاً في آخر أمرهم، ففي الخلاصة رجلان في الفقه والصلاح سواء، إلّا أن أحدهما أقرأ، فقدّم أهل المسجد الآخر فقد أساؤا، وكذا لو قلدوا القضاء رجلاً وهو من أهله وغيره أفضل منه، وكذا الوالي. وأمّا الخليفة فليس لهم أن يولوا الخلافة إلّا أفضلهم، وهذا في الخلفاء خاصة، وعليه إجماع الامة »(١) .
وقد نص شاه ولي الله الدهلوي على لزوم أفضلية الخليفة، ولهذا ألف كتاب ( قرة العينين في تفضيل الشيخين ).
ويدل إباء الحارث بن النعمان الفهري عن قبول كون أمير المؤمنين عليهالسلام « المولى » - حتى أنه دعا على نفسه بقوله: اللهم إنْ كان هذا حقاً - على أن مدلول قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « من كنت مولاه فعلي مولاه » أمر عظيم ومنصب جسيم لم ينله أحد أبداً، ولو كان المراد من « المولى » هو « الناصر » أو « المحب » أو غير ذلك لما كان يمتنع الحارث عن قبول ذلك، ولما صعب عليه الخضوع له والاذعان به.
ولما كان حديث نزول الآية الكريمة: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) في شأن الحارث بن النعمان الفهري في واقعة حديث الغدير، من أوضح الأدلة والبراهين على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير
____________________
(١). شرح الفقه الأكبر ١١٣ - ١١٤.
نبيّن مواضع بطلانها:
«الوجه الثالث - أن نقول: في نفس هذا الحديث ما يدل على أنه كذب من وجوه كثيرة، فإنّ فيه أن رسول الله لمـّا كان بغدير يدعى خمّاً نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وإن هذا شاع وطار بالبلاد، وبلغ ذلك النعمان بن الحارث الفهري، وأنه أتى النبي على ناقة وهو بالأبطح، وأتى وهو في ملأ من أصحابه، فذكر أنهم قبلوا أمره بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، قال: لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضّله علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، وهذا منك أو من الله؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : هو من أمر الله، فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إنْ كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله وأنزل الله: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ ) الآية.
فيقال لهؤلاء الكذابين: أجمع الناس على أن ما قاله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بغدير خم كان حين مرجعه من حجة الوداع، والشيعة تسلّم هذا وتجعل ذلك اليوم عيداً، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة والنبي بعد ذلك لم يرجع إلى مكة، بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة، وعاش تمام ذي الحجة والمحرم والصفر، وتوفي في أوّل ربيع الأوّل.
وفي هذا الحديث يذكر أنه قال هذا بغدير خم، وشاع في البلاد، وجاء الحارث وهو بالأبطح والأبطح بمكة. فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم.
وأيضاً: فإنّ هذه السورة - سورة سأل سائل - مكيّة باتفاق أهل العلم، نزلت بمكة قبل الهجرة، فهذه نزلت قبل غدير خم بعشر سنين أو أكثر من ذلك، المؤمنين عليهالسلام ، لم يجد ابن تيمية سبيلاً إلى الجواب عنه إلّا تكذيبه، وهذا وجه آخر يؤكّد دلالة هذا الحديث على المطلوب، ولنذكر عين عبارة ابن تيمية ثم
فكيف يكون نزلت بعد ذلك؟
وأيضاً فقوله تعالى: ( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) في سورة الأنفال، وقد نزلت عقيب بدر بالاتفاق، قبل غدير خم بسنين كثيرة.
وأيضاً: فأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي بمكة قبل الهجرة، كأبي جهل وأمثاله، وإنّ الله ذكّر نبيه بما كانوا يقولونه ( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) أي أذكر قولهم اللهم. كقوله: ( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ ) ونحو ذلك. فأمر بأن يذكر ما تقدم. فدلّ على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة.
وأيضاً: فإنّهم لمـّا استحقوا من الله أنه لا ينزل عليهم العذاب ومحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهم فقال تعالى: ( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) قال الله تعالى: ( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) واتفق الناس على أن أهل مكة لم ينزل عليهم حجارة من السّماء لما قالوا ذلك.
وأيضاً: فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل، ومثل هذا ما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، ولو أن الناقل طائفة من أهل العلم، ولمـّا كان هذا لا يرويه أحد من المصنفين في العلم لا المسند ولا الصحيح ولا الفضائل ولا التفسير ولا السير ونحوها، إلّا ما يروى بمثل هذا الاسناد المنكر علم أنه كذب باطل.
وأيضاً: فقد ذكر في هذا الحديث إن هذا القائل آمن بمباني الإِسلام الخمس، وعلى هذا فقد كان مسلماً لأنه قال: فقبلناه منك، ومن المعلوم بالضرورة أن أحداً من المسلمين على عهد النبي لم يصبه هذا.
وأيضاً: فهذا الرجل لا يعرف في الصحابة، بل هو من جنس الأسماء التي
تذكرها الطرقية »(١) .
فنقول في جوابه: إنّ توهّم بطلان هذا الحديث مندفع بوجوه:
لقد أورد الثعلبي الحديث في تفسيره، وهذا يدل على صحة هذا الحديث واعتباره، لما عرفت من جلالة قدر الثعلبي واعتبار تفسيره ( الكشف والبيان ) لدى أئمة أهل السنة وعلمائهم الأعلام.
بل لقد نصّ الثعلبي - وهو الثقة الأمين عندهم - في خطبة تفسيره المذكور على أنّ تفسيره « كتاب جامع مهذب يعتمد وفي علم القرآن عليه يقتصر » وأنه قد صنفه بعد « سؤال قوم من الفقهاء المبرزين والعلماء المخلصين والرؤساء المحتشمين » وأنه « كتاب شامل كامل مهذب ملخص مفهوم منظوم، استخرج من زهاء مائة كتاب مجموعات مسموعات سوى ما التقطته من التعليقات والأجزاء، وتلقفته عن أفواه المشايخ الكبار وهم قريب من ثلاثمائة شيخ » قال: « نسقته بأبلغ ما قدرت عليه من الايجاز والترتيب، ولفقته بغاية التنقيب والتهذيب.
وينبغي لكلّ مؤلّف كتاباً في فن قد سبق إليه أن لا يعدم كتابه بعض الخلال التي أنا ذاكرها: إما استنباط شيء كان مغفلاً، أو جمعه إن كان متفرقاً، أو شرحه إن كان غامضاً، أو حسن نظم وتأليف أو إسقاط حشو وتطويل. وأرجو أن لا يخلو هذا الكتاب عن هذه الخصال التي ذكرت. والله الموفق لإِتمام ما نويت وقصدت ».
إن « سفيان بن عيينة » من مشاهير الأئمة الموثوقين، والأئمة المعتمدين عند أهل السنّة، وإليك بعض كلماتهم في توثيقه ومدحه والثناء عليه باختصار:
١ - النووي: « سفيان بن عيينة روى عنه: الأعمش، والثوري،
____________________
(١). منهاج السنة ٤ / ١٣.
ومسعر وابن جريج، وشعبة، وهمام، ووكيع، وابن المبارك، وابن المهدي، والقطان، وحماد بن زيد، وقيس بن الربيع، والحسن بن صالح، والشافعي، وابن وهب، وأحمد بن حنبل، وابن المديني، وابن معين، وابن راهويه، والحميدي، وخلائق لا يحصون من الأئمة. وروى الثوري عن القطان عن ابن عيينة.
واتفقوا على إمامته وجلالته وعظم مرتبته
ولد سفيان سنة ١٠٧ وتوفي يوم السبت غرة رجب سنة ١٩٨ »(١) .
٢ - الذهبي: « العلاّمة الحافظ شيخ الإسلام. كان إماما حجة حافظا واسع العلم كبير القدر »(٢) .
٣ - الذهبي أيضاً: « الامام أبو محمّد سفيان بن عيينة الهلالي مولاهم، الكوفي، شيخ الحجاز. قال الشافعي: لو لا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز، وقال ابن وهب: لا أعلم أحداً أعلم بالتفسير منه. وقال أحمد العجلي: كان حديثه نحواً من سبعة آلاف حديث ولم يكن له كتاب.
وكان ثبتاً في الحديث. وقال بهز بن أسد: ما رأيت مثل ابن عيينة، فقيل:
ولا شعبة؟ قال: ولا شعبة. وقال أحمد: ما رأيت أحداً أعلم بالسنن منه »(٣) .
٤ - الذهبي أيضاً: « أحد الأعلام، ثقة ثبت حافظ إمام »(٤) .
٥ - اليافعي: « وفي أول رجب منها توفي شيخ الحجاز وأحد الأعلام، أبو محمّد سفيان بن عيينة الهلالي مولاهم الكوفي، الحافظ، نزيل مكة، وله إحدى وتسعون سنة، وحج سبعين حجة. قال الشافعي: لو لا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز، وقال ابن وهب: لا أعلم أحداً أعلم بالتفسير من ابن عيينة. وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحداً أعلم بالسنن من ابن عيينة. وقال غيرهم من
____________________
(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٢٤.
(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ٢٦٢.
(٣). العبر حوادث ١٩٧.
(٤). الكاشف ١ / ٣٧٩.
العلماء: كان إماماً عالماً ثبتاً ورعاً مجمعاً على صحة حديثه »(١) .
إن ذكر صحاب كتاب ( وسيلة المآل ) هذا الحديث في كتابه المذكور، من الوجوه الدالة على اعتباره، لما سيأتي من التزامه بإيراد الأحاديث المعتبرة من الأحاديث التي صحّحها العلماء في هذا الكتاب.
وبمثل هذا صرح بعض العلماء الآخرين، الذين رووا هذا الحديث في كتبهم، كالسمهودي في ( جواهر العقدين )، وسبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص )، والزرندي في ( نظم درر السمطين )، والشيخاني القادري في ( الصراط السوى ).
لقد ذكر ( الدهلوي ) في الباب الرابع من كتابه ( التحفة ) أن السكوت على حديثٍ بعد نقله - وإن كان عن طريق المخالفين في الاعتقاد - دليل على التسليم به وقبوله.
وعلى هذا الأساس، فلأن نقل هذه الكثرة من العلماء المشاهير من أهل السنة لهذا الحديث وسكوتهم عن الطعن فيه، دليل على تصحيحهم له وقبولهم إياه، لا سيما وأنهم يروونه في كتبهم عن طرقهم لا عن طريق المخالفين لهم.
وقد وافق رشيد الدين الدهلوي استاذه ( الدهلوي ) على هذا الذي ذكره ونص عليه.
____________________
(١). مرآة الجنان حوادث سنة ١٨٩.
وإذ قد عرفت اعتبار حديث نزول الآية: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) في حق الحارث بن النعمان في واقعة غدير خم، وثبت بطلان دعوى ابن تيمية بطلان الحديث المذكور وكذبه، نشرع في الجواب عن شبهات هذا المتعصب العنيد حول هذا الحديث ودفعها بايجاز:
فأوّل ما قاله ابن تيمية هو إنه: « أجمع الناس على أن ما قاله النبي بغدير خم كان حين مرجعه من حجة الوداع والنبي بعد ذلك لم يرجع إلى مكة، بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة وفي هذا الحديث يذكر أنه قال هذا بغدير خم وشاع في البلاد، وجاء الحارث وهو بالأبطح والأبطح بمكة، فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم ».
وهذا كلام من لم يعلم معنى « الأبطح » فظنَّ أنه بمكة فقط، ولا يقال لغيرها أبطح، وهذا باطل جدّاً، فليس المراد من الأبطح في هذا الحديث أبطح مكة، ولا أن الأبطح منحصر بأبطح مكة. بل قال الجوهري: « الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى، والجمع الأباطح والبطاح أيضاً على غير القياس. قال الأصمعي: يقال بطاح وبطح كما يقال عوام وعوم حكاه أبو عبيدة، والبطيحة والبطحاء مثل الأبطح، ومنه بطحاء مكة »(١) .
وقال أبو الفتح ناصر بن عبد السيد المطرزي: « البطحاء مسيل ماء فيه رمل وحصى، ومنها بطحاء مكة: ويقال له الأبطح أيضاً، وهو من الأبطح النبط »(٢) .
____________________
(١). الصحاح: بطح.
(٢). المغرب في ترتيب المعرب: بطح.
وقال الفيروزآبادي: « والبطح ككتف والبطيحة والبطحاء والأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصى. ج أبطاح وبطاح وبطائح، وتبطح السيل اتسع في البطحاء. وقريش البطاح الذين ينزلون بين أخشبي مكة »(١) .
وقال ابن الأثير: « وفي حديث عمر أنه أوّل من بطح المسجد وقال: ابطحوه من الوادي المبارك، أي ألقي فيه البطحاء وهو الحصى الصغار، وبطحاء الوادي وأبطحه حصاه اللين في بطن المسيل، ومنه الحديث: إنه صلى بالأبطح يعني أبطح مكة مسيل واديها، ويجمع على البطاح والأباطح، ومنه قيل: قريش البطاح هم الذين ينزلون أباطح مكة وبطاحها »(٢) .
وقال السيوطي: « وأبطح مكة مسيل واديها، الجمع بطاح وأباطح، وقريش البطاح الذين ينزلون أباطح مكة »(٣) .
وقال الفتني: « صلّى بالأبطح أي مسيل وادي مكة »(٤) .
وقال الشيخ حسن البوريني بشرح قول ابن الفارض:
« أسعد أخي وغنّني بحديث من |
حل الأباطح إن رعيت إخائي » |
قال: « والأباطح جمع الأبطح، وهو مسيل واسع فيه دقاق الحصى »(٥) .
وقال الشيخ عبد الغني النابلسي بشرحه: « كنى بمن حلّ الأباطح عن الروح الذي هو من أمر الله المفتوح منه في الأجسام الانسانية الكاملة العرفان »(٦) .
____________________
(١). القاموس المحيط: بطح.
(٢). النهاية الاثيرية: بطح.
(٣). النثير في مختصر النهاية لابن الأثير: بطح.
(٤). مجمع البحار: بطح.
(٥). شرح ديوان ابن الفارض للبوريني.
(٦). شرح ديوان ابن الفارض.
وكذا قال البوريني بشرح قول ابن الفارض:
« يا ساكني البطحاء هل من عودة |
أحيى بها يا ساكني البطحاء »(١) |
وقوله:
« وإذا وصلت إلى ثنّيات اللوى |
فانشد فؤاداً بالأبيطح طاحا »(٢) |
وقال القاضي أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن محمّد بن مرزوق بشرح قول البوصيري:
« وأحيت السنّة البيضاء دعوته |
حتى حكت غرة في الأعصر الدهم |
|
بعارض جاد أو خلت البطاح بها |
سيب من اليم أو سيل من العرم » |
قال: « والأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى، والجمع الأباطح والبطاح أيضاً على غير قياس، وبطاح بطح كعوام عوم، والبطيحة والبطحاء مثل الأبطح، ومنه بطحاء مكة وبطائح النبط بين العراقين، وتبطح السيل اتسع في البطحاء »(٣) .
وقال سعد الدين التفتازاني: « وقد تحصل الغرابة بتصرف في الاستعارة العامية كما في قوله:
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا |
وسالت بأعناق المطي الأباطح |
جمع أبطح، وهو مسيل الماء فيه دقاق الحصى »(٤) .
بل لقد استعمل « الأبطح » إستعمال اسم الجنس في أشعار العرب
____________________
(١). شرح ديوان ابن الفارض ٢ / ٢٢.
(٢). المصدر ٢ / ٤١.
(٣). الاستيعاب في شرح البردة البوصيرية.
(٤). شرح مختصر تلخيص المفتاح: ١٨٨.
الجاهلين، ففي قصيدة عمرو بن كلثوم - (وهي القصيدة الخامسة من القصائد السبع المعلّقات)-:
« يدهدون الرءوس كما تدهدي |
حزاورة بأبطحها الكرينا » |
قال شارحه الزوزني: « الحزور الغلام الغليظ الشديد، والجمع الحزاورة.
يقول: يدحرجون رؤس أقرانهم كما يدحرج الغلمان الغلاظ والشداد الكرات في مكان مطمئن».
وقال بشرح قوله.
« وقد علم القبائل من معد |
إذا قبب بأبطحها بنينا » |
قال: « يقول: قد علمت قبائل معد إذا بنيت قبابها بمكان أبطح، والقبب والقباب جمع قبة»(١) .
ومن الشواهد شعر حيص بيص في قصة ذكرها ابن خلكان بترجمته، وهذا نص ما حكاه: « وقال الشيخ نصر الله بن مجلى مشارف الصناعة بالمخزن - وكان من ثقات أهل السنة - رأيت في المنام علي بن أبي طالب رضياللهعنه فقلت له: يا أمير المؤمنين تفتحون مكة فتقولون: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. ثم يتم على ولدك الحسين يوم الطف ما تمّ؟ فقال: أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا؟ فقلت: لا. فقال: إسمعها منه.
ثم استيقظت فبادرت إلى دار حيص بيص، فخرج إليّ، فذكرت له الرؤيا، فشهق وأجهش بالبكاء، وحلف بالله إن كانت خرجت من فمي أو خطي
____________________
(١). شرح المعلقات للزوزني: ١١٣ - ١١٤.
إلى أحد، وإنْ كنت نظمتها إلّا في ليلتي هذه - ثم أنشدني:
ملكنا فكان العفو منا سجية |
فلمـّا ملكتم سال بالدم أبطح |
|
وحللتم قتل الأسارى وطالما |
غدونا على الأسرى نعفو ونصفح |
|
فحسبكم هذا التفاوت بيننا |
وكل إناء بالذي فيه ينضح » |
و « حيص بيص » هذا شاعر مشهور، وفقيه شافعي، عنونه ابن خلكان بقوله: « أبو الفوارس سعد بن محمّد بن سعد بن الصيفي التميمي، الملقب شهاب الدين المعروف بحيص بيص، الشاعر المشهور، كان فقيهاً شافعي المذهب، تفقه بالري على القاضي محمّد بن عبد الكريم الوزان، وتكلّم في مسائل الخلاف، إلّا أنه غلب عليه الأدب ونظم الشعر وأجاد فيه مع جزالة لفظه، وله رسائل فصيحة بليغة. ذكره الحافظ أبو سعد السمعاني في كتاب الذيل وأثنى عليه، وحدّث بشيء من مسموعاته، وقرأ عليه ديوانه ورسائله، وأخذ الناس عنه أدباً وفضلاً كثيراً، وكان من أخبر الناس بأشعار العرب واختلاف لغاتهم
وكانت وفاته ليلة الأربعاء سادس شعبان سنة ٥٧٤ ببغداد »(١) .
وذكره أيضاً أبو محمّد اليافعي وأثنى عليه كذلك. ثم أورد القصة المذكورة(٢) .
وقد أوردها أيضاً الشيخ أحمد الخفاجي بترجمة قطب الدين محمّد بن أحمد المكي النهرواني(٣) والمحبي بترجمة عبد الله بن قادر(٤) .
وإذ عرفت أن « الأبطح » اسم لمطلق المسيل الذي فيه دقاق الحصى، وليس
____________________
(١). وفيات الأعيان ٢ / ١٠٦ - ١٠٨.
(٢). مرآة الجنان حوادث ٥٧٤.
(٣). ريحانة الأدب ١ / ٤١٤ - ٤١٥.
(٤). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.
اسماً لمكان خاص بمكة الكريمة، لم يبق عندك ريب في صحة ما جاء في الحديث المذكور، وبطل ما أورده ابن تيمية من هذه الناحية، إذْ لا مانع من إطلاق هذا الاسم على بعض الأودية بالمدينة المنورة.
بل لقد كانت في هذه البلدة الطيبة مواضع تسمى بهذا الاسم، فقد قال نور الدين السمهودي في كتاب ( خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى ): في بقاعها وآطامها وبعض أعمالها وأعراضها وجبالها: « البطحاء، يدفع فيها طرف عظم الشامي وما دبر من الصلصلين، وتدفع هي من بين الجبلين في العقيق »(١)
فمن هذه العبارة يعلم أن هناك مكاناً مسمى بهذا الاسم في المدينة المنورة وهو معروف به، وقد علمت سابقاً من عبارات اللغويين أن البطحاء والأبطح بمعنى واحد.
كما يتضح ذلك من كلام ابن الحاجب حيث قال: « والصفة نحو عطشي على عطاش، ونحو حرماً على حرامي، ونحو بطحاء على بطاح » وقال الجاربردي بشرحه: « ثم ذكر الممدود كبطحاء وهي مسيل واسع فيه دقاق الحصى ومنه بطحاء مكة »(٢) .
وقال السيوطي بشرح قول الفرزدق:
« تنح عن البطحاء إنّ قديمها |
لنا والجبال الراسيات القوارع » |
قال: « والبطحاء الموضع الواسع، وأراد هنا ببطحاء: مكة »(٣) .
فظهر أنه لا مانع من إطلاق « الأبطح » على « بطحاء المدينة المنورة ».
وقال السمهودي بعد أن نقل قول أبي عبيدة في بيان العقيق: « وقال غيره: أعلى أودية العقيق النقيع، وصدور العقيق ما دفع في النقيع من قدس وما أقبل
____________________
(١). خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى: ٢٤٦.
(٢). شرح الشافعية ٩٠ - ٩١.
(٣). شرح شواهد مغني اللبيب ١ / ١٤.
من الحرة ويقال له: بطاويح فيصب ذلك في النقيع على أربعة برد من المدينة في يمانيها »(١) .
بل هناك في المدينة المنورة موضع اسمه « الأبطح » وبه صرح الحسين بن معين الميبدي بشرح قول أمير المؤمنين عليهالسلام :
« يهددني بالعظيم الوليد |
فقلت أنا ابن أبي طالب |
|
أنا ابن المجبل بالأبطحين |
وبالبيت من سلفي غالب |
|
فلا تحسبني أخاف الوليد |
ولا أنني منه بالهائب »(٢) |
واعترض ابن تيمية على حديث سفيان بن عيينة بأن سورة سأل سائل مكية، فكيف يقال بأنها نزلت في شأن الحارث بن النعمان في واقعة غدير خم؟! وهو اعتراض باطل جداً، فإنه لا مانع عن القول بنزول هذه السورة مرتين، بأن تكون قد نزلت بمكة مرة، وفي الواقعة المذكورة مرة أخرى، ولقد ذكر علماء أهل السنة احتمال تكرر النزول بالنسبة إلى آيات كثيرة من القرآن الكريم.
قال جلال الدين السيوطي: « النوع الحادي عشر: - ما تكرر نزوله - صرّح جماعة من المتقدّمين والمتأخرين بأنّ من القرآن ما تكرر نزوله. قال ابن الحصار: قد يتكرر نزول الآية تذكيراً وموعظة، وذكر من ذلك خواتيم سورة النحل، وأول سورة الروم. وذكر ابن كثير منه آية الروح، وذكر قوم منه الفاتحة، وذكر بعضهم منه قوله: ( ما كان النبي والذين آمنوا ) الآية.
وقال الزركشي في البرهان: قد ينزل الشيء مرتين، تعظيماً لشأنه وتذكيراً
____________________
(١). خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى: ٢٣٦.
(٢). الفواتح - شرح ديوان أمير المؤمنين: ١٩٧.
عند حدوث سببه خوف نسيانه. ثم ذكر منه آية الروح وقوله: ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) الآية. قال: فإنّ سورة الأسراء وهود مكيّتان وسبب نزولهما يدل على أنهما نزلا بالمدينة، ولهذا أشكل ذلك على بعضهم ولا إشكال، لأنها نزلت مرة بعد مرة. قال: وكذلك ما ورد في سورة الاخلاص من أنها جواب المشركين بمكة، وجواب لأهل الكتاب بالمدينة، وكذلك قوله تعالى: ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الآية.
قال: والحكمة في هذا كلّه: إنّه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضي نزول آية، وقد نزل قبل ذلك ما يتضمنها، فيوحى إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تلك الآية بعينها تذكيراً لهم بها، وبأنها تتضمن هذه.
تنبيه: قد يجعل من ذلك الأحرف التي تقرأ على وجهين فأكثر، ويدل له ما أخرجه مسلم من حديث أبي: إنّ ربي أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فأرسل إليَّ أن اقرأ على حرفين، فرددت إليه أن هوّن على أمّتي، فأرسل إليّ أن اقرأه على سبعة أحرف. فهذا الحديث يدل على أن القراآت لم تنزل من أول وهلة، بل مرة بعد أخرى.
وفي جمال القراء للسخاوي - بعد أن حكى القول بنزول الفاتحة مرتين -: فإنْ قيل: فما فائدة نزولها مرة ثانية؟ قلت: يجوز أن يكون نزلت أول مرة على حرف واحد، ونزلت في الثانية ببقية وجوهها، نحو ملك ومالك، والسراط والصراط، ونحو ذلك انتهى.
تنبيه - أنكر بعضهم كون شيء من القرآن تكرر نزوله، كذا رأيته في كتاب الكفيل بمعاني التنزيل، وعلّله بأنه تحصيل ما هو حاصل، لا فائدة فيه. وهو مردود بما تقدم من فوائده، وبأنه يلزم منه أن يكون كلّما نزل بمكة نزل بالمدينة مرة أخرى، فإن جبرئيل عليهالسلام كان يعارضه القرآن كل سنة. وردّ بمنع الملازمة، وبأنه لا معنى للانزال إلّا أن جبرئيل كان ينزل على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بقرآن لم يكن نزل به من قبل فيقرؤه إياه. وردّ منع اشتراط قوله لم يكن
نزل به من قبل »(١) .
وقد بحث السيوطي عن هذا الموضوع في مقام ذكر تعدد أسباب النزول حيث قال: « الحال السادس: أن لا يمكن ذلك فيحمل على تعدّد النزول وتكرّره »(٢) .
ومن العجيب قول ابن تيمية بعد ما تقدم: « وأيضاً فقوله تعالى: ( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) في سورة الأنفال، وقد نزلت عقيب بدر بالاتفاق قبل غدير خم بسنين كثيرة، وأيضاً، فأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي بمكة قبل الهجرة كأبي جهل وأمثاله فدل على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة ».
فإنّه ليس في حديث سفيان بن عيينة ذكر لنزول هذه الآية المباركة في واقعة غدير خم فهذا كلام من لا يعقل ما يقول.
ثم قال ابن تيمية: « وأيضاً، فانهم لمـّا استحقوا من الله أنْ لا ينزل عليهم العذاب ومحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهم فقال تعالى: ( إِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) .
والجواب: إن تلك الآية الشريفة لا تنفي تعذيبهم على الاطلاق، فلقد وقع العذاب عليهم بنصّ الكتاب والروايات، وقد قال تعالى بعد هذه الآية
____________________
(١). الاتقان في علوم القرآن ١ / ٣٥.
(٢). الاتقان ١ / ٣٣.
نفسها: ( وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) فلو كانت تلك الآية الكريمة دالة على رفع العذاب على الإطلاق، للزم التناقض بينها وبين هذه الآية المتصلة بها.
ومن هنا قال الرازي: « واعلم أنه تعالى بيّن في الآية الأولى أنه لا يعذّبهم ما دام الرسول فيهم. وذكر في هذه الآية أنه يعذّبهم. وكأن المعنى أنه يعذبهم إذا خرج الرسول من بينهم. ثم اختلفوا في هذا العذاب فقال بعضهم: لحقهم هذا العذاب المتوعد به يوم بدر، وقيل بل يوم فتح مكة »(١) .
ثم قال: « وأيضاً، فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل، ومثل هذا ما تتوافر الهمم والدواعي على نقله » وهذا قياس فاسد، إذ كيف يقاس تعذيب رجل واحد بتعذيب جماعة كبيرة جاءت لهدم الكعبة وإبادة خدّامها ومن حولها؟! إن تلك الواقعة مما تتوافر الهمم على نقله، بخلاف واقعة تعذيب رجل واحد، فإنّ توفر الدواعي على نقله ممنوع، وإلّا لزم بطلان جميع المعاجز النبوية التي لم تنقل إلينا بالتواتر.
وأيضاً، لقد كانت الدواعي متوفرة على إخفاء قصة الحارث بن النعمان، بخلاف قصة أصحاب الفيل. فانقطع القال والقيل.
وأما قوله: « وأيضاً، فقد ذكر في هذا الحديث إن هذا القائل آمن بمباني الاسلام الخمس، وعلى هذا فقد كان مسلماً لأنه قال: فقبلناه منك ومن المعلوم
____________________
(١). تفسير الرازي ١٥ / ١٥٩.
بالضرورة أن أحدا من المسلمين على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يصبه هذا ». فمن طرائف الخزعبلات.
أمّا أولاً: فلأن هذا الحديث كما يتضمن قبول الحارث للمباني المذكورة كذلك يتضمن كفره وارتداده بقوله: أللهم إنْ كان ما يقوله محمد حقاً
وأما ثانياً فلو سلّمنا كونه مسلماً، فمن أين دعوى العلم الضروري بأن أحداً من المسلمين على عهد النبي صلىاللهعليهوآله لم يصبه هذا؟
ثم انتهى ابن تيمية إلى القول بأن « هذا الرجل لا يعرف في الصحابة بل هو من جنس الاسماء التي تذكرها الطرقيّة » وهذا الكلام باطل أيضاً.
فأوّل ما يبطله كلام نفسه، إذ ذكر أن الحارث آمن بمباني الاسلام الخمس ثم قال: « وعلى هذا فقد كان مسلماً » فهو إذن من الصحابة المسلمين عند ابن تيمية.
وثانياً: لقد قلنا سابقاً إن هذا الحديث يدل على ارتداد الحارث وكفره، وهو بذلك يخرج من عداد الصحابة، لأن من شرائط الصحابي موته على الاسلام، ومن خرج عن الاسلام لا يعدّ في الصحابة البتة، ولا يذكره المصنفون في الصحابة أبداً.
وثالثاً: ولو وافقنا ابن تيمية جدلاً وقلنا بعدم خروج الحارث عن الاسلام ومن عداد صحابة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بما تفوه به، فما الدليل على حصر المصنفين واستقصائهم لأسماء جميع الصحابة في كتبهم؟ بل الأمر على العكس من ذلك، فإنهم قد نصّوا على أنهم لم يتمكنوا من الوقوف على العشر من أسامي الصحابة، وإليك نصّ عبارة ابن حجر العسقلاني في خطبة ( الاصابة ):
« أما بعد، فإنّ من أشرف العلوم الدينية علم الحديث النبوي، ومن أجلّ معارفه تمييز أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ممن خلف بعدهم. وقد جمع
في ذلك جمع من الحفاظ تصانيف بحسب ما وصل إليه إطلاع كلّ منهم إلى أن كان في أوائل القرن السابع، فجمع عز الدين ابن الأثير كتاباً حافلاً سماه أسد الغابة ثم جرّد الأسماء التي في كتابه مع زيادات عليها الحافظ أبو عبد الله الذهبي وأعلم لمن ذكر غلطاً ولمن لا تصح صحبته. ولم يستوعب ذلك ولا قارب، وقد وقع لي بالتتبع كثير من الأسماء التي ليست في كتابه ولا أصله على شرطهما، فجمعت كتاباً كبيراً في ذلك ميّزت فيه الصحابة من غيرهم.
ومع ذلك، فلم يحصل لنا من ذلك جميعاً الوقوف على الشعر من أسامي الصحابة، بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرازي، قال: توفي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة، كلهم قد روى عنه سماعاً ورؤية. قال ابن فتحون في ذيل الاستيعاب بعد أن ذكر ذلك: أجاب أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرواة خاصة فكيف بغيرهم؟ ومع هذا فجميع من في الاستيعاب - يعني فمن ذكر فيه باسم أو كنية أو هما ثلاثة آلاف وخمسمائة، وذكر أنه استدرك عليه على شرطه قريباً ممن ذكر. قلت: وقرأت بخط الحافظ الذهبي من ظهر كتابه التجريد: لعل الجميع ثمانية آلاف إنْ لم يزيدوا ولم ينقصوا. ثم رأيت بخطه أن جميع من في أسد الغابة سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسون نفساً.
ومما يؤيد قول أبي زرعة ما ثبت في الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة تبوك: والناس كثير لا يحصيهم ديوان. وثبت عن الثوري - فيما أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه - قال: من قدّم علياً على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفاً مات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو عنهم راض. فقال النووي: ذلك بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم باثني عشر عاماً، بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردة والفتوح الكثير ممن لم يضبط أسماؤهم. ثم مات في خلافة عمر في الفتوح وفي الطاعون العام وعمواس وغير ذلك من لا يحصى كثرة. وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب وأكثرهم حضروا حجة الوداع والله أعلم ».
الفهرس
معنى من كنت مولاه فعلي مولاه ٥
مجيء ( المولى ) بمعنى ( الْأَولى ) ١١
ذكر من نص على ذلك ١٣
(١) محمد بن السائب الكلبي ١٦
ترجمة الكلبي ترجمة ابن عدي ١٧
تراجم الرواة عن الكلبي ١٩
عود إلى ترجمة الكلبي ٢١
(٢) يحيى بن زياد الفراء ترجمة الفراء ٢٥
(٣) أبو زيد اللّغوي ٢٨
أبو عبيدة ترجمة أبي عبيدة ٢٩
أبو الحسن الأخفش ٣١
ترجمة الأخفش (٦) أبو العباس ثعلب ٣٢
مصادر ترجمة ثعلب ٣٣
(٧) أبو العباس المبرد مصادر ترجمة المبرد ٣٤
(٨) أبو إسحاق الزجّاج ترجمة الزجاج ٣٥
(٩) إبن الأنباري ٣٦
ترجمة ابن الأنباري ٣٧
(١٠) محمد بن عزيز السجستاني ترجمة العزيزي السجستاني ٣٩
(١١) علي بن عيسى الرمّاني ترجمة الرماني ٤١
(١٢) أبو نصر الجوهري ترجمة الجوهري ٤٢
(١٣) أبو إسحاق الثعلبي ٤٣
(١٤) أبو الحسن الواحدي (١٥) الأعلم الشنتمري ٤٤
(١٦) القاضي الزوزني (١٧) أبو زكريا الخطيب ٤٦
(١٨) الفرّاء البغوي ٤٨
(١٩) جار الله الزمخشري ترجمة الزمخشري ٤٩
(٢٠) أبو الفرج ابن الجوزي ٥٠
ترجمة ابن الجوزي (٢١) أبو نصر الدرواجكي الزاهد ٥١
ترجمة تلميذه العقيلي ٥٢
(٢٢) نظام الدين النيسابوري ٥٤
(٢٣) ابن طلحة القرشي (٢٤) سبط ابن الجوزي ٥٥
(٢٥) القاضي البيضاوي ترجمة البيضاوي ٥٦
(٢٦) ابن سمين الحلبي ٥٧
(٢٧) محمد بن أبي بكر الرازي ٥٨
(٢٨) جلال الدين الخجندي ٥٩
أبو البركات النسفي ترجمة النسفي ٦٠
(٣٠) عمر الفارسي القزويني ٦١
ابن الصبّاغ المالكي ٦٢
جلال الدين المحلّي ٦٣
الحسين الواعظ الكاشفي ٦٤
أبو السعود العمادي ٦٥
ترجمة أبي السعود ٦٦
سعيد الجلبي ٦٧
شهاب الدين الخفاجي ٦٨
سليمان الجمل ٧٠
جار الله الاله آبادي محبّ الدين الأفندي محمد الأمير اليماني ٧١
عبد الرحيم بن عبد الكريم رشيد النبي ٧٢
السيّد الشبلنجي ٧٣
اعتراف علماء الكلام بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) التفتازاني ٧٤
القوشجي ٧٥
ترجمة التفتازاني ٧٦
فهم الشيخين ( الأولى ) من ( المولى ) ٧٩
تناقض من ابن حجر ٨٠
تحريف من عبد الحق الدهلوي ٨١
حديث الغدير بلفظ: « من كنت أولى به » ٨٢
الحديث يفسّر بعضه بعضاً ٨٣
مجيء ( المولى ) بمعنى: ( المتصرّف في الْأَمر ) و ( ولي الْأَمر ) و ( المليك ) ونحوها ٨٥
١ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( المتصرف في الأمر ) ذكر من نص على ذلك ٨٧
٢ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( متولي الأمر ) ذكر من قال بذلك ٩٠
محمد بن يزيد المبرّد الراغب الاصفهاني ٩١
أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي أحمد بن الحسن الزاهد الدرواجكي ٩٢
جار الله الزمخشري أبو السعادات ابن الأثير ٩٣
أحمد بن يوسف الكواشي ناصر الدين البيضاوي ٩٤
عبد الله بن أحمد النسفي أبو حيان الأندلسي ٩٥
نظام الدين النيسابوري ٩٦
جلال الدين السيوطي محمد بن طاهر الكجراتي ٩٧
أبو السعود العمادي سعيد الجلبي الشهاب الخفاجي ٩٨
٣ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( الوارث الأولى ) ٩٩
٤ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر ) ١٠٠
٥ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( المليك ) ١٠١
( المولى ) بمعنى ( الأولى ) من حديثٍ في الصحيحين ١٠٣
اعتراف الرازي بمجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر ) ١٠٥
٦ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( الرئيس ). وممن قال بمجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر ) ١٠٦
حديث الغدير بلفظ: « من كنت وليّه فعليٌّ وليّه » رواية أحمد بن حنبل ١١٠
رواية النسائي ١١١
رواية ابن ماجة رواية الطبري ١١٤
رواية الحاكم النيسابوري ١١٥
رواية الخطيب الخوارزمي ١١٦
رواية ابن المغازلي ١١٧
رواية الحمويني رواية ابن كثير ١١٩
رواية ولي الله الدهلوي ٧ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( السيد ) ١٢٠
دعوى عدم مجيء ( مفعل ) بمعنى ( أفعل ) ١٢٢
أكاذيب ( الدهلوي ) في هذه الدعوى ١٢٣
الأصل في هذه الدعوى هو الرازي إبطال كلام الرازي ١٢٥
من الاستعمالات التي لا نظير لها في العربية ١٢٦
جواب لطيف عن الدعوى ١٢٩
١ - هذه الدعوى كاذبة ٢ - فيها رد على الكابلي ١٣٢
٣ - كلام الرازي يكذّب هذه الدعوى ٤ - لو لم يكن غير أبي زيد لكفى لوجوه ١٣٣
ترجمة أبي زيد اللغوي ١٣٦
دعوى ( الدهلوي ) أن مستمسك أبي زيد قول أبي عبيدة ١٣٧
لا دليل على هذه الدعوى ١٣٨
دعوى ( الدهلوي ) إنكار جمهور اللغويين ١٣٩
وجوه إبطال النقض بلزوم استعمال ( مولى منك ) في موضع ( أولى منك ) ١٤١
١ - نسبته إلى الجمهور كذب ٢ - الأصل فيه هو الرازي ١٤٣
٣ - نص كلام الرازي ١٤٤
٤ - الرد على كلام الرازي بالتفصيل ١٤٥
وصول الكلام إلى النقض الذي أخذه ( الدهلوي ) ١٥١
١ - إنْ كان الاقتران بالعقل فلا مانع ٢ - جواب شارحي المقاصد والتجريد عن النقض ٣ - بقاء ( المولى ) على معناه الأصلي عند جماعة ٤ - بطلان النقض من كلام ( الدهلوي ) ١٥٢
٥ - بطلان النقض من كلام الرازي ١٥٣
٦ - اعتراف الرازي بأنّ هذا الوجه فيه نظر ٧ - قول المحققين بعدم وجوب قيام أحد المترادفين مقام الآخر ١٥٤
٨ - من أمثلة عدم قيام أحد المترادفين مقام الآخر ١٥٥
٩ - عدم جريان القياس في اللغة ١٠ - لا يعارض الظن القطع ١١ - الشهادة على النفي غير مسموعة ١٥٩
١٢ - عدم جواز « هو أولى » و « هما أوليان » غير مسلّم ١٦٠
١٣ - وجوه بطلان منع « هو أولى الرجل » ١٦١
١٤ - جواب منع « هما مولى رجلين » ١٥ - منع « هو أولاه » و « هو أولاك » غير مسلّم ١٦٤
وجوه بطلان شبهة إن قول أبي عبيدة بيانٌ لحاصل معنى الآية وشبهات أخرى ١٦٧
١ - لم يقل هذا أحد من أهل العربية ٢ - لو كان كذلك فلما ذا خطّئوا أبا زيد كما زعم؟ ١٦٩
٣ - لم ينفرد أبو عبيدة بهذا التفسير ١٧٠
٤ - الأصل في هذه الدعوى أيضاً هو الرازي ١٧١
٥ - خدشة النيسابوري لكلام الرازي ١٧٢
شبهات أخرى ١ - عدم ذكر بعض اللغويين هذا المعنى ١٧٤
٢ - تفسير أبي عبيدة يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق ١٧٨
٣ - لو كان الأمر كما ذكر أبو عبيدة لقيل هي مولاتكم ١٧٩
٤ - شبهة الرازي حول بيت لبيد ١٨٢
٥ - شبهات حول الشواهد الأخرى ١٨٤
عود إلى كلام الدهلوي مجمل واقعة الغدير ١٨٧
من وجوه دلالة حديث الغدير ١٩١
نزول قوله تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ١٩٣
ذكر بعض من روى ذلك ١٩٥
رواية ابن أبي حاتم ١٩٦
ترجمة ابن أبي حاتم ١٩٧
(٢) رواية أبي بكر الشيرازي ٢٠٠
(٣) رواية ابن مردويه ٢٠٢
« الحافظ » في الاصطلاح ٢٠٦
(٤) رواية الثعلبي ٢٠٧
(٥) رواية أبي نعيم ٢٠٩
(٦) رواية الواحدي كلام الواحدي في خطبة أسباب النزول ٢١١
ترجمة الواحدي ٢١٣
(٧) رواية أبي سعيد السجستاني ٢١٥
(٨) رواية الحاكم الحسكاني ٢١٦
(٩) رواية ابن عساكر ٢١٧
(١٠) الفخر الرازي ٢٢٢
ترجمة الرازي ٢٢٣
(١١) رواية محمد بن طلحة ٢٢٥
(١٢) رواية الرسعني ٢٢٦
(١٣) رواية النيسابوري ٢٢٨
الاعتماد على النيسابوري وتفسيره ٢٣١
كلام النيسابوري في خطبة تفسيره ٢٣٢
(١٤) رواية الهمداني ٢٣٤
(١٥) رواية ابن الصباغ ٢٣٦
(١٦) رواية العيني ٢٣٨
ترجمة البدر العيني ٢٣٩
(١٧) رواية السيوطي ٢٤٢
وجوه اعتبار هذه الرواية ٢٤٣
(١٨) رواية محبوب العالم ٢٤٦
(١٩) رواية الحاج عبد الوهاب البخاري ٢٤٧
(٢٠) رواية جمال الدين المحدّث ٢٤٨
(٢١) رواية شهاب الدين أحمد ٢٥٠
(٢٢) رواية البدخشاني ٢٥٢
دلالة نزول آية التبليغ في الغدير على الامامة ٢٥٤
(٢) نزول قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ٢٥٩
ذكر من روى نزول الآية في الغدير ٢٦١
(١) رواية ابن مردويه (٢) رواية أبي نعيم ٢٦٢
(٣) رواية ابن المغازلي ٢٦٣
(٤) رواية الخوارزمي ٢٦٤
(٥) رواية النطنزي (٦) رواية الصالحاني ٢٦٥
(٧) رواية الحمويني ٢٦٦
مع ابن كثير في تكذيبه لهذا الحديث ٢٦٧
رواة حديث أبي هريرة من رجال الصحاح وثقات ٢٧١
بطلان ما ذكره ابن كثير حول صيام يوم الغدير ١ - فضل صوم السابع والعشرين من رجب ٢٧٧
ترجمة الحافظ الدمياطي ٢٧٨
٢ - فضل صوم أيام شهر رجب ٢٨٠
٣ - فضل صوم يوم عرفة ٢٨٢
٤ - فضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر ٢٨٣
٥ - فضل صوم عاشوراء وكلّ يوم من محرم ٢٨٤
دحض المعارضة بحديث الصحيحين ٢٨٥
صوم يوم الغدير كصيام ستين شهراً ٢٨٦
(٣) شعر حسّان بن ثابت في يوم الغدير خم ٢٨٩
وممّن روى خبر ذلك من مشاهير أئمة أهل السنّة: ٢٩١
(١) رواية ابن مردويه ٢٩٢
(٢) رواية أبي نعيم ٢٩٣
(٣) رواية الخوارزمي ٢٩٤
(٤) رواية أبي الفتح النطنزي ٢٩٥
(٥) رواية سبط الجوزي ٢٩٧
(٦) رواية الحمويني ٢٩٨
(٧) رواية الكنجي ٣٠٢
(٨) رواية جلال الدين السيوطي ٣٠٣
ترجمة ابن مكتوم ٣٠٤
وجوه صحة الاستدلال بهذا الشعر ٣٠٥
١ - قائله من الصحابة ٣٠٦
٢ - إنه قيل بإذن النبي ٣ - تقرير النبي له ٤ - استحسانه صلىاللهعليهوآله ٥ - إنه قيل في حضور الصحابة ٣٠٨
٦ - تقرير المشايخ الثلاثة له ٣٠٩
(٤) شعر قيس بن سعد ٣١١
مدح قيس والثناء عليه ٣١٤
(٥) شعر أمير المؤمنين عليهالسلام ٣١٧
دلالة الأبيات من وجوه أخرى ٣٢٠
ترجمة الميبدي شارح ديوان الامام ٣٢١
(٦) نزول قوله تعالى: سأل سائل بعذابٍ واقع ٣٢٣
ذكر من روى ذلك ٣٢٥
(١) رواية الثعلبي ٣٢٦
رواية القوم لتفسير الثعلبي ٣٣١
اعتماد القوم على تفسير الثعلبي ٣٣٢
(٢) رواية سبط ابن الجوزي ٣٣٤
(٣) رواية الوصابي ٣٣٥
(٤) رواية الزرندي ٣٣٦
(٥) رواية الدولت آبادي ٣٣٨
(٦) رواية السمهودي ٣٤٠
(٧) رواية ابن الصباغ ٣٤٤
(٨) رواية المحدّث الشيرازي ٣٤٥
(٩) رواية المنّاوي ٣٤٦
(١٠) رواية العيدروس ٣٤٨
(١١) رواية الشيخاني ٣٥٠
(١٢) رواية الحلبي ٣٥١
(١٣) رواية أحمد بن باكثير ٣٥٣
(١٤) رواية محبوب عالم ٣٥٤
(١٥) رواية محمّد صدر العالم (١٦) رواية محمّد بن إسماعيل الأمير ٣٥٥
(١٧) رواية أحمد بن عبد القادر ٣٥٧
(١٨) رواية الشبلنجي ٣٥٩
دلالة هذا الحديث على أفضلية علي عليهالسلام ٣٦٠
استلزام الأفضلية للإمامة ٣٦١
دلالة الحديث على الامامة من وجه آخر من وجوه دلالته على الامامة تكذيب ابن تيمية إياه ٣٦٤
١ - الحديث في تفسير الثعلبي ٢ - من رواته سفيان بن عيينة ٣٦٧
٣ - الحديث في وسيلة المآل ٤ - السكوت على الحديث بعد نقله دليل القبول ٣٦٩
الجواب عن شبهات ابن تيمية ١ - ليس « الأبطح » بمكة فحسب ٣٧٠
شعر حيص بيص وترجمته ٣٧٣
٢ - لا مانع من تكرر نزول الآية ٣٧٦
٣ - ما ذكره ابن تيمية حول آية: ( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ ) ٤ - قوله تعالى: ( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ) لا ينفي العقاب على الإطلاق ٣٧٨
٥ - بطلان جعل هذه الآية من جنس آية أصحاب الفيل ٦ - بطلان دعوى دلالة الحديث على إسلام الحارث ٣٧٩
٧ - الحارث بن النعمان من الصحابة ٣٨٠
الفهرس ٣٨٢