نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار- الجزء 9
التجميع مكتبة العقائد
الکاتب السيد علي الحسيني الميلاني
لغة الکتاب عربی
سنة الطباعة 1404



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.


(٧)

مناشدة أمير المؤمنين عليه‌السلام

الصحابة عن حديث الغدير



ومن الأدلة على دلالة حديث الغدير على الامامة والخلافة: مناشدة أمير المؤمنين عليه‌السلام صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حديث الغدير و قوله: « من كنت مولاه فعلي مولاه ».

ذكر من روى ذلك

وقد روى حديث المناشدة جمع كبير من كبار أعلام أهل السنة:

١ - إسرائيل بن يونس السبيعي.

٢ - محمد بن جعفر الهذلي.

٣ - عبد الله بن نمير أبو هشام الخارفي الكوفي.

٤ - محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري الكوفي الحبال.

٥ - يحيى بن آدم بن سليمان القرشي الأموي.

٦ - أسود بن عامر شاذان أبو عبد الرحمن الشامي.

٧ - عبد الرزاق بن همام الصنعاني.

٨ - حسين بن محمد بن بهرام التميمي أبو أحمد.


٩ - عبيد الله بن عمر القواريري.

١٠ - أحمد بن حنبل الشيباني.

١١ - محمد بن المثنى العنزي.

١٢ - حسن بن علي بن عفان العامري.

١٣ - أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني.

١٤ - عبد الله بن أحمد بن حنبل.

١٥ - علي بن محمد بن أبي المضا المصيصي.

١٦ - أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار.

١٧ - أبو عبد الرحمن النسائي.

١٨ - أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي.

١٩ - أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة.

٢٠ - أبو بكر محمد بن عبد الله البزاز الشافعي.

٢١ - أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني.

٢٢ - عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين.

٢٣ - أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي.

٢٤ - أبو الحسن علي بن محمد الجلّابي المعروف بابن المغازلي.

٢٥ - علي بن حسن بن حسين الخلعي.

٢٦ - أحمد بن محمد العاصمي.

٢٧ - الموفق بن أحمد المعروف بأخطب خوارزم.

٢٨ - علي بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير.

٢٩ - محمد بن طلحة القرشي الشافعي.

٣٠ - يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي.

٣١ - محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري.

٣٢ - إبراهيم بن عبد الله الوصابي اليمني.


٣٣ - إسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير الدمشقي.

٣٤ - أبو حفص عمر بن حسن المراغي.

٣٥ - شمس الدين محمد بن محمد الجزري.

٣٦ - نور الدين علي بن عبد الله السمهودي.

٣٧ - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي.

٣٨ - محمود بن محمد الشيخاني القادري.

٣٩ - نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي.

٤٠ - أحمد بن الفضل بن محمد با كثير المكّي.

٤١ - محمد بن معتمد خان البدخشاني.

٤٢ - محمد صدر العالم.

٤٣ - محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير.

٤٤ - المولوي ولي الله اللكهنوي.

ولقد تقدم ذكر نصوص روايات أكثر هؤلاء، وإليك نصوص بعض رواياتهم:

رواية أبي بكر الشّافعي

لقد روى أبو بكر محمد بن عبد الله البزاز الشافعي مناشدة أمير المؤمنين عليه‌السلام بسنده في ( فوائده )(١) حيث قال: « حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا أبو اسرائيل الملّائي عن الحكم عن أبي سليمان المؤذن عن زيد بن أرقم: أن علياً أنشد الناس من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول

____________________

(١). نقل هذا عن نسخة ( الفوائد ) الموجودة في مكتبة الحرم بمكة المكرمة، وهي منقولة عن نسخة للخطيب البغدادي وعليها صورة إجازة يوسف بن محمد بن مقلّد الشافعي لأبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة.


من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا بذلك وكنت فيهم ».

ترجمة أبي بكر الشافعي

١ - السمعاني: « أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدويه بن موسى ابن بنان الجبلي الشافعي، من أهل بغداد، شيخ ثقة صدوق ثبت كثير الحديث حسن التصنيف في عصره، أملى وحدّث عن عامة شيوخ بغداد كتب عنه أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدار قطني، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ولمـّا منعت الديلم ببغداد الناس أن يذكروا فضائل الصحابة وكتبت سبّ السّلف على المساجد كان أبو بكر الشافعي يتعمّد في ذلك الوقت إملاء الفضائل في جامع المدينة وفي مسجده بباب الشام، ويفعل ذلك حسبة ويعدّه قربة.

وكان الدار قطني يقول: أبو بكر الشافعي ثقة مأمون ما كان في ذلك الزمان أوثق منه، ما رأيت له إلّا أصولاً صحيحة متقنة، وقد ضبط سماعه فيها أحسن الضبط. ولد في جمادى سنة ٢٦٠ بجبل ومات في ذي الحجة سنة ٣٥٤ ببغداد »(١) .

٢ - الذهبي: « أبو بكر الشافعي الامام الحجة المفيد محدّث العراق قال الخطيب: كان ثقة ثبتاً حسن التصانيف جمع أبواباً وشيوخاً. حدثني ابن نحلة أنه رأى مجلساً قد كتب عن الشافعي في حياة ابن صاعد. وقال حمزة السهمي: سئل الدارقطني عن أبي بكر الشافعي فقال: ثقة مأمون جبل ما كان في ذلك الوقت أحد أوثق منه. وقال الدارقطني: هو الثقة المأمون الذي لم يغمز. قلت: مات في ذي الحجة سنة ٣٥٤ »(٢)

____________________

(١). الانساب - الشافعي.

(٢). تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٨٠.


٣ - الذهبي: أيضاً : « وفيها أبو بكر الشافعي قال الخطيب: كان ثقة ثبتاً حسن التصنيف جمع أبواباً وشيوخاً. قال: ولمـّا منعت الديلم الناس من ذكر فضائل الصحابة وكتبوا السبّ على أبواب المساجد كان يتعمّد إملاء أحاديث الفضائل في الجامع »(١) .

رواية ابن المغازلي

وروى أبو الحسن الجلّابي المعروف بابن المغازلي حديث المناشدة حيث قال: « حدثني أبو القاسم الفضل بن محمد بن عبد الله الاصفهاني - قدم علينا بواسط إملاءاً من كتابه لعشر بقين من شهر رمضان سنة ٤٣٤ - قال حدثني محمد ابن علي بن عمر بن مهدي قال: حدثني سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، قال حدثني أحمد بن ابراهيم بن كيسان الثقفي الاصفهاني، قال: حدثني إسماعيل بن عمر البجلي قال حدثني مسعر بن كدام عن طلحة بن مصرف عن عمير بن سعد قال:

سمعت علياً على المنبر ناشد أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سمع رسول الله يوم غدير خم يقول ما قال فليشهد. فقام اثنا عشر رجلاً - منهم: أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأنس بن مالك - فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

قال أبو الحسن ابن المغازلي قال أبو القاسم الفضل بن محمد: هذا حديث صحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحو مائة نفس منهم العشرة. وهو حديث ثابت لا أعرف له علة.

____________________

(١). العبر حوادث سنة ٣٥٤.


تفرّد علي بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد »(١) .

رواية الخطيب الخوارزمي

ورواه أخطب خطباء خوارزم حيث قال: « وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد، قال أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، قال حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال: حدثني سعيد بن وهب وعبد خير: انهما سمعا عليا برحبة الكوفة يقول: أنشد بالله من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فإنّ عليا مولاه. فقام عدة من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك.

يقال: نشدتك الله وناشدتك الله وأنشدتك الله، أي سألتك بالله وطلبت إليك، وهو مجاز قولهم: نشد الضالّة ينشدها إذا طلبها، وأنشدها إذا عرّفها قال:

يصيخ للنبّاء أسماعه

إصاخة الناشد للمنشد(٢)

رواية أبي الحسن ابن الأثير

ورواه أبو الحسن علي بن محمد ابن الأثير الجزري حيث قال: « زيد بن شراحيل، وقيل يزيد بن شراحيل الأنصاري، أخبرنا أبو موسى كتابة أخبرنا حمزة ابن العباس العلوي أبو محمد أخبرنا أبو بكر أحمد بن الفضل الباطرقاني أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن شهدل المديني، أخبرنا أبو العباس أحمد

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي: ٢٧.

(٢). مناقب علي بن أبي طالب للخوارزمي: ٩٥.


ابن محمد بن سعيد بن عقدة، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة، أخبرنا الحسن ابن زياد بن عمر، أخبرنا عمر بن سعيد البصري عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده يعلى بن مرة قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

قال: فلمـّا قدم علي رضي‌الله‌عنه الكوفة نشد الناس من سمع ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانتشد له بضعة عشر رجلاً منهم يزيد أو زيد بن شراحيل الأنصاري. أخرجه أبو موسى »(١) .

و قال ابن الأثير بترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أنبأنا أبو الفضل بن أبي عبيد الله الفقيه بإسناده إلى أبي يعلى أحمد بن علي، أنبأنا القواريري، حدثنا يونس ابن أرقم، حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: شهدت عليا في الرحبة يناشد الناس انشد الناس من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه لما قام. قال عبد الرحمن فقام اثنا عشر بدرياً كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمّهاتهم؟ قلنا: بلى يا رسول الله. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

وقد روى مثل هذا عن البراء بن عازب. وزاد: فقال عمر بن الخطاب يا ابن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كلّ مؤمن »(٢) .

وقال بترجمة ناجية بن عمرو: « أخبرنا أبو موسى أيضاً إجازة أخبرنا الشريف أبو محمد بن حمزة بن العباس العلوي، أخبرنا أحمد بن الفضل المقري حدثنا أبو مسلم ابن شهدل، حدثنا أبو العباس ابن عقدة، حدثنا عبد الله بن ابراهيم بن قتيبة، حدثنا حسن بن زياد عن عمرو بن سعد البصري عن عمر

____________________

(١). أسد الغابة ٢ / ٢٣٣.

(٢). أسد الغابة ٤ / ٢٨.


ابن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده يعلى قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلمـّا قدم علي الكوفة نشد الناس، فانتشد له بضعة عشر رجلاً فيهم أبو أيوب صاحب منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وناجية بن عمرو الخزاعي.أخرجه أبو نعيم وأبو موسى » (١) .

وقال ابن الأثير: « أبو زينب بن عوف الأنصاري. روى الأصبغ بن نباتة قال: نشد علي الناس من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم ما قال إلّا قام؟ فقام بضعة عشر فيهم أبو أيوب الانصاري وأبو زينب فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذ بيدك يوم غدير خم فرفعها فقال: ألستم تشهدون أني قد بلّغت ونصحت؟ قال: ألا إنّ الله عز وجل وليي وأنا وليّ المؤمنين فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه وأعن من أعانه وابغض من أبغضه. أخرجه أبو موسى »(٢) .

وقال: « أبو قدامة الأنصاري. أورده ابن عقدة. أخبرنا أبو موسى إذناً أخبرنا الشريف أبو محمد حمزة بن العباس العلوي، أخبرنا أحمد بن الفضل الباطرقاني، أخبرنا أبو مسلم بن شهدل، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، حدثنا محمد بن مفضل بن ابراهيم الأشعري، أخبرنا رجا بن عبد الله أخبرنا محمد بن كثير عن فطر وابن الجارود عن أبي الطفيل قال: كنّا عند علي رضي‌الله‌عنه فقال:

أنشد الله تعالى من شهد يوم غدير خم إلّا قام. فقام سبعة عشر رجلاً منهم أبو قدامة الأنصاري فقالوا: نشهد أنا أقبلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع، حتى إذا كان الظهر خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمر

____________________

(١). أسد الغابة ٥ / ٥ - ٦.

(٢). أسد الغابة ٥ / ٢٠٥.


بشجرات فشددن وألقي عليهن ثوب ثم نادى الصلاة، فخرجنا فصلّينا ثم قام فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس أتعلمون أنّ الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأني أولى بكم من أنفسكم يقول ذلك مراراً؟ قلنا: نعم وهو آخذ بيدك يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثلاث مرّات.

قال العدوي: أبو قدامة بن الحارث شهد أحداً وله فيها أثر حسن وبقي حتى قتل بصفين مع علي أخرجه أبو موسى »(١) .

رواية ابن حجر العسقلاني

ورواه ابن حجر العسقلاني حيث قال: « عبد الرحمن بن مدلج. ذكره أبو العباس ابن عقدة في كتاب الموالاة وأخرج من طريق موسى بن النصر الربيع الحمصي حدثني سعد بن طالب أبو غيلان، حدثني أبو إسحاق حدثني من لا أحصي: إن علياً أنشد الناس في الرحبة من سمع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال نفر - منهم عبد الرحمن بن مدلج - فشهدوا أنهم سمعوا إذ ذاك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وأخرجه ابن شاهين عن ابن عقدة واستدركه »(٢) .

وقال ابن حجر ايضاً: « أبو قدامة الأنصاري ذكره أبو العباس ابن عقدة في كتاب الموالاة، الذي جمع فيه طرق حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، فأخرج فيه من طريق محمد بن كثير عن فطر عن أبي الطفيل قال: كنا عند علي فقال: أنشد الله من شهد يوم غدير خم؟ فقام سبعة عشر رجلاً منهم أبو قدامة الأنصاري فشهدوا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك. واستدركه أبو موسى.

____________________

(١). أسد الغابة ٥ / ٢٧٥.

(٢). الاصابة ٢ / ٤٢١.


وسيأتي في الذي بعد ما يؤخذ منه اسم أبيه وتمام نسبه »(١) .

رواية الوصابي اليمني

وروى إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصّابي الشافعي حديث المناشدة: « عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي‌الله‌عنه قال: سمعت علياً في الرحبة ينشد الناس: أنشد الله من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه لما قام فشهد: فقام اثنا عشر بدرياً فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ فقلنا: بلى. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. أخرجه عبد الله بن الامام أحمد في زوائد المسند، وأبو يعلى في المسند، وابن جرير في تهذيب الآثار، والخطيب في تاريخه، والضياء في المختارة »(٢) .

وفيه: « وعن زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه قال: نشد علي الناس من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا بذلك. أخرجه الطبراني في الكبير.

وعن عمير بن سعد قال: شهدت علياً على المنبر ناشد أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم ما قال. فقام اثنا عشر رجلاً - منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك - فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه

____________________

(١). الاصابة ٤ / ١٥٩.

(٢). الاكتفاء في فضل الاربعة الخلفاء - مخطوط.


اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.أخرجه الطبراني في الأوسط.

وعنه رضي‌الله‌عنه قال: جمع علي الناس في الرحبة وأنا شاهد فقال: انشد الله رجلاً سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقام ثمانية عشر رجلاً شهدوا أنهم سمعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك. أخرجه الطبراني في الأوسط »(١) .

رواية نور الدين السمهودي

وروى نور الدين علي بن عبد الله السمهودي: « عن أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه إنّ علياً رضي‌الله‌عنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: انشد الله من شهد يوم غدير خم إلّا قام ولا يقوم رجل يقول: إني نبئت أو بلغني إلّا رجلاً سمعت أذناه ووعاه قلبه، فقام سبعة عشر رجلاً - منهم: خزيمة بن ثابت وسهل ابن سعد وعدي بن حاتم وعقبة بن عامر وأبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأبو شريح الخزاعي وأبو قدامة الأنصاري وأبو ليلى وابو الهيثم بن التيهان ورجال من قريش - فقال علي رضي‌الله‌عنه وعنهم: هاتوا ما سمعتم. فقالوا:

نشهد أنا أقبلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع، حتى إذا كان الظهر خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمر بشجرات فشذبن وألقي عليهن ثوب ثم نادى بالصلاة، فخرجنا فصلّينا ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما أنتم قائلون؟ قالوا: قد بلّغت قال: اللهم اشهد - ثلاث مرّات - قال: إني أوشك أن ادعى فأجيب وإني مسئول وأنتم مسئولون. ثم قال: ألا إنّ دمائكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم وحرمة شهركم هذا. أوصيكم بالنساء أوصيكم بالجار، أوصيكم بالمماليك، أوصيكم بالعدل والإِحسان. ثم قال:

أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا

____________________

(١). الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط.


حتى يردا علي الحوض. نباني بذلك اللطيف الخبير. وذكر الحديث في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال علي: صدقتم وأنا على ذلكم من الشاهدين.أخرجه ابن عقدة من طريق محمد بن كثير عن فطر وأبي الجارود وكلاهما عن أبي الطفيل » (١) .

دعاء الامام على كتم الشهادة بالغدير

هذا، ومن الواضح جدّاً دلالة واقعة المناشدة على أن حديث الغدير يدل على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وخلافته دلالة تامة، إذ لو كان المراد من حديث الغدير كون علي عليه‌السلام ناصراً أو محباً أو محبوباً أو نحو ذلك فإنّ هذه الأوصاف حاصلة لغيره عليه‌السلام من الصحابة أيضاً، ولا حاجة إلى المناشدة لأجل إثباتها، بل لم يكن أحد من الناس ينكر حصول هذه الصفات له حتى يحتاج إلى المناشدة والاستشهاد على ثبوتها بخلاف مسألة الامامة والخلافة، ولذا نجد في أحاديث وأخبار أهل السنة أن جماعة من الصحابة كتموا تلك الحقيقة الراهنة ولم يدلوا بشهادتهم لها، فلذا دعا الامام عليه‌السلام عليهم وقد أجيبت دعوته في حقهم، ولو كان المراد من حديث الغدير غير الامامة والخلاف لما كتموها قطعا ...؟

فقد جاء في ( أسد الغابة ) ما نصه: « عبد الرحمن بن مدلج. أورده ابن عقدة وروى باسناده عن أبي غيلان سعد بن طالب عن أبي اسحاق عن عمرو ذي مرة ويزيد بن بثيع وسعيد بن وهب وهاني بن هاني. قال أبو إسحاق: وحدثني من لا أُحصي أن علياً نشد الناس في الرحبة من سمع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام نفر فشهدوا أنهم سمعوا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.


وكتم قوم فما خرجوا من الدنيا حتى عموا وأصابتهم آفة، منهم يزيد بن وديعة وعبد الرحمن بن مدلج. أخرجه أبو موسى »(١) .

وجاء في ( مسند أحمد ): « حدثنا أحمد بن عمر الوكيعي قال حدثنا زيد ابن الحباب قال حدثنا الوليد بن عقبة بن نزار العنسي قال حدثني سماك بن عبيد ابن الوليد العبسي، قال دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدثني أنه شهد عليا في الرحبة قال أنشد الله رجلا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشهد يوم غدير خم إلاّ قام ولا يقوم إلاّ من رآه. فقام اثنا عشر رجلا فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. فقام إلّا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته »(٢) .

وقد روى ابن كثير الدمشقي هذا الحديث عن المسند(٣) .

وفي ( كنز العمال ): « عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خطب علي فقال أنشد الله امرءاً نشدة الاسلام سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم أخذ بيدي يقول: ألست أولى بكم يا معشر المسلمين من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله إلّا قام فشهد. فقام بضعة عشر رجلاً فشهدوا، وكتم قوم فما فنوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا. قط في الافراد »(٤) .

من أسماء الذين كتموا

لقد عرفت من الروايات المتقدمة أنّ جماعة كتموا تلك الشهادة، وقد جاء فيها اسم ( عبد الرحمن بن مدلج ) و ( يزيد بن وديعة ).

____________________

(١). أسد الغابة ٤ / ٣٢١.

(٢). مسند أحمد ١ / ١١٩.

(٣). تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١١.

(٤). كنز العمال ١٥ / ١١٥.


ثم إن من جملة هؤلاء: ( زيد بن أرقم ) و ( أنس بن مالك ) و ( البراء بن عازب ) وهم من أجلّاء الصّحابة:

قال الحلبي: « وقول بعضهم: إن زيادة اللهم وال من والاه إلى آخره موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيراً منها، و قد جاء أن علياً رضي‌الله‌عنه قام خطيباً فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: أنشد الله من شهد غدير خم إلّا قام ولا يقوم رجل يقول نبئت أو بلغني إلّا رجل سمعت أذناه ووعى قلبه. فقام سبعة عشر صحابيا وفي رواية ثلاثون صحابيا، وفي المعجم الكبير ستة عشر صحابيا وفي رواية اثنا عشر صحابياً. فقال هاتوا ما سمعتم، فذكروا الحديث ومن جملته: من كنت مولاه فعلي مولاه، وفي رواية: فهذا مولاه، وعن زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه : وكنت ممن كتم فذهب الله ببصري وكان علي كرم الله وجهه دعى على من كتم »(١) .

وقال ابن المغازلي: « أخبرنا ابو الحسن علي بن عمر بن عبد الله بن شوذب قال: حدثني أحمد بن يحيى بن عبد الحميد، حدثني إسرائيل الملائي عن الحكم ابن أبي سليمان المؤذن عن زيد بن أرقم قال: نشد علي الناس في المسجد أنشد رجلا سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فكنت أنا فيمن كتم فذهب بصرى »(٢) .

وقال جمال الدين عطاء الله الشيرازي: « ورواه زر بن حبيش فقال: خرج علي من القصر فاستقبله ركبان متقلّدي السّيوف، عليهم العمائم حديثي عهد بسفر. فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. السلام عليك يا مولانا. فقال علي - بعد ما ردّ السلام - من هاهنا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقام اثنا عشر رجلا - منهم: خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وثابت بن قيس بن شماس، وعمار بن ياسر، وأبو

____________________

(١). السيرة الحلبية ٣ / ٣٣٦ - ٣٣٧.

(٢). المناقب لابن المغازلي: ٢٣.


الهيثم بن التيهان، وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وحبيب بن بديل بن ورقاء - فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث.

فقال علي لأنس بن مالك والبراء بن عازب: ما منعكما أنْ تقوما فتشهدوا فقد سمعتما كما سمع القوم؟ فقال: اللهم إنْ كانا كتماها معاندة فابتلهما، فأمّا البراء فعمي، فكان يسأل عن منزله فيقول: كيف يرشد من أدركته الدعوة؟ وأمّا أنس فقد برصت قدماه، وقيل: لما استشهد علي عليه‌السلام قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه اعتذر بالنسيان فقال: اللهم إنْ كان كاذباً فاضربه ببياض لا تواريه العمامة، فبرص وجهه فسدل بعد ذلك برقعاً على وجهه »(١) .

وفي رواية البلاذري: « قال علي على المنبر: انشد [ نشدت ] الله رجلاً سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه إلّا قام فشهد وتحت المنبر أنس بن مالك والبراء بن عازب وجرير بن عبد الله [ البجلي ] فأعادها فلم يجبه أحد. فقال: اللهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها. قال: فبرص أنس وعمي البرّاء ورجع جرير أعرابياً بعد هجرته فأتى السراة فمات في بيت أمه بالسراة »(٢) .

وذكر الحافظ أبو نعيم بترجمة أبي محمد طلحة بن مصرف - الذي وَصَفَهُ بالورع الكلف القاري الدنف أبو محمد طلحة بن مصرف كان ذا صدق ووفاء وخلق وصفاء -: « حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن ابراهيم بن كيسان، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، ثنا مسعر بن كدام عن طلحة بن مصرف عن عميرة ابن سعد قال: شهدت علياً على المنبر ناشدا أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيهم أبو سعيد وأبو هريرة وأنس بن مالك وهم حول المنبر وعلي على المنبر

____________________

(١). الاربعين في فضائل أمير المؤمنين - مخطوط.

(٢). انساب الاشراف: ١٥٦ - ١٥٧.


وحول المنبر اثنا عشر رجلاً هؤلاء منهم. فقال علي نشدتكم بالله هل سمعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقاموا كلّهم فقالوا: اللهم نعم، وقعد رجل، فقال: ما منعك أن تقوم؟ قال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت. فقال: اللهم إن كان كاذباً فاضربه ببلاءٍ حسن. قال: فما مات. حتى رأينا بين عينيه نكتة بيضاء لا تواريه العمامة »(١) .

نتائج البحث

فهذه روايات القوم حول قضية المناشدة، وكتم جماعة من الصحابة الشهادة بحديث الغدير ودعاء الامام عليه‌السلام عليهم، فخلاصة البحث ونتائجه أمور:

١ - إن الامام عليه‌السلام ناشد الصحابة من شهد منهم يوم غدير خم بعينه وحضره بنفسه وسمع كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بكل اهتمام وإصرار على أن يدلوا بشهادتهم. وقد روى المناشدة هذه كبار الأئمة والعلماء من أهل السنة.

٢ - إن هذه المناشدة - بهذه الكيفية ومع هذه الأحوال والقرائن - تدل على مراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله: « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » هو الامامة والخلافة، إذ لو كان المراد من ( المولى ) هو المحب أو المحبوب أو الناصر أو نحو ذلك لما كان للمناشدة معنى، فإن هذه الأوصاف ثابتة له باعتراف الجميع ولا ينكرها منكر أبداً، بل هي ثابتة لغيره من الصحابة.

٣ - لقد كتم جماعة من الصحابة هذه الشهادة معاندة للامام عليه‌السلام ، وذلك أيضاً مما يشهد بدلالة حديث الغدير على الامامة، إذ لو كان المراد غيرها من المعاني لما كان للكتمان مورد أبداً.

____________________

(١). حلية الأولياء ٥ / ٢٦ - ٢٧.


٤ - لقد دعا الامام عليه‌السلام على من كتم تلك الشهادة وقد أصابتهم دعوته، ولو لم يكن معنى حديث الغدير هو الامامة والخلافة لما دعا عليهم البتّة.

٥ - إن أخبار المناشدة وكتم بعض الصحابة للشهادة تهدم أساس اعتقاد أهل السنة بعدالة جميع الصحابة، لأن كتمان الشهادة من المعاصي الكبائر، ومرتكب الكبيرة فاسق بلا ريب.

٦ - لقد دلّت تلك الأخبار على عداء جماعة من الأصحاب لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد بلغ عداؤهم له إلى حد كتمان الشهادة وارتكاب هذه المعصية الكبيرة. وهذا المورد من الموارد التي تبطل دعوى ( الدهلوي ) بأن جميع الصحابة كانوا يوالونه عليه الصلاة والسلام.

٧ - إن هذه الأخبار تدل على بطلان ما ذكره بعض أهل السنة من أن من الممتنع كتمان الصحابة النص على خلافة الامام عليه‌السلام ، لأن حديث الغدير إن كان نصا على خلافته - كما هو الواقع - فقد ثبت ما قلنا، لأنهم قد حاولوا كتم هذا النص الصريح الذي صدر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك المشهد العظيم، حتى احتاج الامام عليه‌السلام إلى استشهاد الصحابة ومناشدتهم عليه، وان لم يكن نصاً في الامامة والخلافة بل كان مراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيجاب محبته عليه‌السلام فقد خالفوا. فثبت ما قلناه، لأن من يخفي ما يدل على وجوب محبته - حسب هذا الفرض - يخفي ما يدل على إمامته وخلافته بالأولوية.

وجوه بطلان دعوى ابن روزبهان وضع حديث المناشدة

ومن ملاحظة هذه الأحاديث والأخبار يتّضح تعصّب ابن روزبهان وعناده مع الحق، وبطلان هفوته حول حديث المناشدة، إذ ادّعى كونه من موضوعات الروافض!! وهذا نص كلامه: « وأما ما ذكر أن أمير المؤمنين استشهد من أنس بن مالك فاعتذر بالنسيان فدعا عليه فالظاهر أنّ هذا من موضوعات الروافض، لأن


خبر من كنت مولاه فعلي مولاه كان في غدير خم، وكان لكثرة سماع السامعين كالمستفيض، فأيّ حاجةٍ إلى الاستشهاد من أنس؟ وإن فرضناه أنه استشهد ولم يشهد أنس لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن خدمه عشر سنين بالبرص، ووضع الحديث ظاهر »(١) .

وهذا الكلام باطل من وجوه:

١ - مناشدة أنس وغيره متواترة

إن نفيه الحاجة إلى الاستشهاد من أنس بسبب استفاضة حديث الغدير باطل، لأن استشهاد الامام عليه‌السلام أنس بن مالك أمر ثابت مشهور بل متواتر، فتكذيب هكذا حديث بهذا التوهم أمر عجيب.

٢ - حديث الغدير متواتر لا كالمستفيض

إن حديث الغدير الذي سمعه تلك الكثرة من السامعين حديث متواتر وفي أعلى درجات التواتر، فجعله « كالمستفيض » مجانبة للانصاف ومعاندة للحق.

٣ - من أمثلة دعاء النبي على المخالفين

وقول ابن روزبهان: « لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على » كلام باطل، لأنه في الحقيقة طعن على الأنبياء والأوصياء، لأن الدعاء على المخالفين سنّة من سنن الأوصياء والمرسلين في بعض الأحايين، ومن راجع سيرة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف على موارد عديدة من هذا القبيل، ونحن ننقل هنا بعض أمثلة ذلك:

فمن ذلك دعاؤه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنافقين الذين أرادوا به

____________________

(١). إبطال نهج الباطل - مخطوط.


سوءاً في ليلة العقبة،قال الحلبي: « فلما أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء إليه أسيد بن حضير فقال: يا رسول الله، ما منعك البارحة من سلوك الوادي، فقد كان أسهل من سلوك العقبة، فقال: أتدري ما أراد المنافقون! وذكر له القصة، فقال: يا رسول الله قد نزل الناس واجتمعوا، فمر كلّ بطن أن يقتل الرجل الذي همّ بهذا، فإن أحببت بيّن بأسمائهم، والذي بعثك بالحق لا أبرح حتى آتيك برؤسهم، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني أكره أن يقول الناس أن محمداً قاتل بقوم حتى أظهر الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم، فقال: يا رسول الله هؤلاء ليسوا بأصحاب. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أليس يظهرون الشهادة! ثم جمعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبرهم بما قالوه وما أجمعوا عليه، فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي ذكر فأنزل الله تعالى ( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ) الآية. وأنزل الله تعالى: ( وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ) .

ودعا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال: اللهم ارمهم بالدبيلة وهي سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم انتهى. أي: وفي لفظ شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلكه »(١) .

ومن ذلك : دعاؤه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من قطع صلاته. قال الحلبي: « وفي الإِمتاع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بتبوك صلى إلى نخلة، فجاء شخص فمر بينه وبين تلك النخلة بنفسه، وفي رواية وهو على حمار، فدعا عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: قطع صلاتنا قطع الله أثره. فصار مقعداً »(٢) .

ومن ذلك: دعاؤه على من كان يحاكيه في مشيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال السيوطي: « أخرج أبو الشيخ عن قتادة وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رجل خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحاكيه ويلبطه، فرآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: كذلك فكن. فرجع إلى أهله فلبّط به مغشياً شهراً، ثم أفاق

____________________

(١). السيرة الحلبية ٣ / ١٢١ في غزوة تبوك.

(٢). السيرة الحلبية ٣ / ١٢١.


- حين أفاق - وهو كما حاكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

٤ - من أمثلة دعاء أمير المؤمنين عليه‌السلام

ومن أمثلة دعاء أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : ما ذكره خواجه بارسا بقوله: « روى الامام المستغفري رحمه‌الله باسناده: أن أمير المؤمنين علياً رضي‌الله‌عنه سأل رجلاً عن حديث في الرحبة فكذّبه، فقال: إنك كذّبتني. قال: ما كذّبتك. قال: فأدعو الله سبحانه عليك إنْ كنت كاذباً أن يعمي بصرك. قال: فادع الله عز وجل. فدعا عليه أمير المؤمنين علي رضي‌الله‌عنه فعمي بصره، فلم يخرج من الرحبة إلّا وهو أعمي »(٢) .

ورواه عبد الرحمن الجامي عن المستغفري كذلك(٣) .

و« المستغفري » راوي هذه القصة من مشاهير علمائهم، ترجم له عبد القادر القرشي بقوله: « جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر النسفي المستغفري خطيب نسف، كان فقيهاً فاضلاً ومحدثاً مكثراً صدوقاً حافظاً، لم يكن بما وراء النهر في عصره مثله، وله تصانيف أحسن فيها. سمع أبا عبد الله محمد بن أحمد غنجار الحافظ، وزاهر بن أحمد السرخسي. روى عنه أبو منصور السمعاني. مولده سنة ٣٥٠ ومات في سلخ جمادى الأولى سنة ٤٣٢ بنسف »(٤) .

وترجم له محمود بن سليمان الكفوي بقوله: « الشيخ الامام الخطيب الحافظ أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر بن الفتح المستغفري النسفي. كان رحمه‌الله فقيهاً فاضلاً محدثاً صدوقاً يرجع إلى معرفة وفهم وإمعان، جمع الجموع وصنّف التصانيف وأحسن فيهما، لم يكن بما وراء النهر في عصره من

____________________

(١). الدر المنثور ٤ / ١٠٨.

(٢). فصل الخطاب لمحمد خواجه بارسا الحافظي.

(٣). نفحات الانس: ٢٥.

(٤). الجواهر المضية في طبقات الحنفية ١ / ١٨٠ - ١٨١.


يجري مجراه في الجمع والتصنيف وفهم الحديث ولد سنة ٣٥٠. ومات سنة ٤٣٢ »(١) .

وقال جمال الدين الأسنوي بترجمته: « جعفر بن محمد الحافظ المعروف بالمستغفري صاحب التصانيف الكثيرة ومحدّث ما وراء النهر في زمانه »(٢) .

ومن ذلك: ما رواه أخطب خطباء خوارزم: « أخبرني سيد الحافظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي عن زاذان أبي عمر إنّ علياً سأل رجلاً في الرحبة عن حديث فكذّبه فقال علي: إنك قد كذّبتني، فقال: ما كذّبتك. فقال: أدعو الله عليك إنْ كنت كذّبتني أن يعمي بصرك. قال: ادع الله فدعا عليه، فلم يخرج من الرحبة حتى قبض بصره »(٣) .

ورواه الوصابي عن عمر ملّا في سيرته(٤) .

وفي ( الصّواعق ): « ومن كراماته أيضاً: إنه حدّث بحديث فكذّبه رجل، فقال له: ادعو عليك إنْ كنت كاذباً. قال: ادع. فدعا عليه، فلم يبرح حتى ذهب بصره »(٥) .

وقال محمد صدر العالم في ( معارج العلى في مناقب المرتضى ): « ومنها: إنه رضي‌الله‌عنه حدّث بحديثٍ فكذّبه رجل فقال له: أدعو عليك إنْ كنت كاذباً. قال: أدع. فدعا عليه فلم يبرح حتى ذهب بصره »(٦) .

وقال ولي الله الدهلوي: « عن علي بن زاذان: أن علياً حدّث حديثاً فكذّبه رجل، فقال علي رضي‌الله‌عنه : أدعو عليك إنْ كنت صادقاً؟ قال: نعم. فدعا

____________________

(١). كتائب أعلام الاخبار من فقهاء مذهب النعمان المختار - مخطوط.

(٢). طبقات الشافعية ٢ / ٤٠٣.

(٣). المناقب للخوارزمي: ٢٧٣.

(٤). الاكتفاء في فضائل الخلفاء الأربعة - مخطوط.

(٥). الصواعق المحرقة: ٧٧.

(٦). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.


عليه، فلم ينصرف حتى ذهب بصره »(١) .

وقال ابن كثير: « وقال هيثم عن يسار عن عمّار قال حدّث رجل علياً بحديث فكذّبه، فما قام حتى عمي. وقال ابن أبي الدنيا حدثني سريح بن يونس ثنا هيثم بن إسماعيل عن سالم بن عمّار الحضرمي عن زاذان أبي عمر: إن رجلاً حدّث علياً بحديث، فقال علي: ما أراك إلّا قد كذّبتني. قال: لم أفعل. قال: أدعو عليك إنْ كنت كذبت؟ قال: ادع. فدعا فما برح حتى عمي»(٢) .

ونحوه ما رواه عبد الرحمن الجامي في ( شواهد النبوة ) من دعاء الامام عليه‌السلام على من كان يكتب بأخباره إلى معاوية فعمي(٣) .

٥ - أمثلة من دعاء الصّحابة

وروى أحمد بن عطاء الله الاسكندري كرامةً لسعد بن أبي وقّاص، إذ قال بعد ذكر حكاية في دعاء إبراهيم بن أدهم: « قال الشيخ أبو العباس: ليس هذا عين الكمال، وما فعله سعد أحد العشرة هو عين الكمال، ادّعت عليه امرأة أنه احتاز شيئاً من بستانها، فقال: اللهّم إنْ كانت كاذبة فأعمها وأمتها في مكانها، فعميت وجاءت تمشي يوماً في بستانها فوقعت في بئر فماتت، فلو كان ما فعله إبراهيم عين الكمال لكان الصحابي أولى به، ولكنه كان سعد أمينا من أمناء الله نفسه ونفس غيره عنده سواء، فما دعا عليها لأنها آذته، ولكن دعا عليها لأنها آذت صاحب رسول الله »(٤) .

وقال أبو يوسف: « حدّثنى الليث بن سعد عن حبيب بن أبي ثابت: أن أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجماعة المسلمين أرادوا عمر بن الخطاب أن

____________________

(١). ازالة الخفا في سيرة الخلفا ٢ / ١١٢.

(٢). تاريخ ابن كثير ٨ / ٥.

(٣). شواهد النبوة: ١٦٧.

(٤). لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن - هامش لطائف المنن للشعراني ١ / ١٤٣ - ١٤٤.


يقسم الشام كما قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر، وأنه كان أشدّ الناس عليه في ذلك الزبير بن العوام وبلال بن رباح. فقال عمر: إذا أترك من بعدكم من المسلمين لا شيء لهم، ثم قال: اللهم اكفني بلالاً وأصحابه. قال: ورأى المسلمون أن الطاعون الذي أصابهم بعمواس كان عن دعوة عمر. قال: وتركهم عمر ذمة يودون الخراج إلى المسلمين »(١) .

وقال ولي الله الدهلوي: « وعن حبيب بن أبي ثابت: أن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجماعة من المسلمين أرادوا من عمر بن الخطاب أن يقسّم الشام كما قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر، وأنه كان أشدّ الناس عليه في ذلك الزبير بن العوام وبلال بن رباح. فقال عمر: إذا أترك من بعدكم من المسلمين لا شيء لهم!! ثم قال: اللهم اكفني بلالاً وأصحابه. قال: ورأى المسلمون أن الطاعون الذي أصابهم بعمواس كان عن دعوة عمر. قال: وتركهم عمر ذمة يؤدون الخراج إلى المسلمين. أخرجه أبو يوسف »(٢) .

وفي كتاب ( الروض الأنف ): « ولمـّا سار عمر إلى الشام وكان بالجابية شاور فيما افتتح من الشام أيقسمها؟ فقال له معاذ: ان قسمتها لم يكن لمن يأتي بعد من المسلمين شيء. أو نحو هذا. فأخذ بقول معاذ. فألح عليه بلال في جماعة من أصحابه وطلبوا القسم، فلمـّا أكثروا قال: أللهم اكفني بلالاً وذويه فلم يأت الحول ومنهم على الأرض عين تطرف »(٣) .

وقال فخر الدين الزيلعي: « ثم أرض السّواد مملوكة لأهلها عنوة. وقال الشافعي: ليست بمملوكة وإنما هي وقف على المسلمين، وأهلها مستأجرون لها، لأن عمر استطاب قلوب الغانمين فآجرها.

وقال أبو بكر الرازي: هذا غلط بوجوه: أحدها ان عمر لم يستطب قلوبهم

____________________

(١). الخراج: ٢٦.

(٢). قرة العينين: ٧١.

(٣). الروض الانف ٦ / ٥٨١.


فيه، بل ناظرهم عليه وشاور الصحابة على وضع الخراج، فامتنع بلال وأصحابه فدعا عليهم. فأين الاسترضاء؟ »(١) .

فائدتان من كلام ابن روزبهان

لقد ظهر بالوجوه المذكورة بطلان كلام ابن روزبهان، ولنعم ما قال في ( احقاق الحق ) في جوابه: « وأما استبعاده من أخلاق أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يدعو على صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخادمه بظهور البرص عليه فهو تصوّف بارد، لأنه إذا لم يشهد أنس لإظهار حق قربى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما علم يقيناً فقد أخل بما وجب عليه من محبتهم بنص القرآن المجيد، وخلع ربقة متابعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحبط الله عمله وخدمته، فأقل مرتبة جزائه في الدنيا الدعاء عليه بالأمراض الساخرة وسيذوق وبال أمره في الآخرة ».

ولكن في كلامه فائدتان:

( فالأولى ) لقد استنكر ابن روزبهان الاستشهاد على ما كثر سامعوه وكان « كالمستفيض » فنقول بناءاً عليه: إن وجوب محبة علي عليه‌السلام أمر ثابت مستفيض فالاستشهاد عليه باطل، لكنّ الامام عليه‌السلام قد استشهد على حديث الغدير - حسب روايات القوم كما عرفت - فظهر أنه لم يكن المراد من حديث الغدير إيجاب المحبة والمودة له، بل كان المراد أمراً جليلاً عظيماً وقد أنكره أكثر الأصحاب الذين سمعوه ووعوه، فاحتاج عليه الصلاة والسلام إلى الاستشهاد عليه.

( والثانية ) لقد اعترف ابن روزبهان في كلامه بكثرة سامعي خبر الحديث، فلا ريب في وقوع تلك الواقعة وثبوت هذا الخبر الشريف، وفي هذا ردّ على من

____________________

(١). شرح كنز الدقائق للزيلعي ٣ / ٢٨٢.


أنكر الحديث وكذّبه من أهل العصبية والعناد.

اعتراف الحلبي بدلالة الاستشهاد

فثبت إلى الآن: استشهاد الامام عليه‌السلام جماعة من الصحابة على حديث الغدير، فمنهم من شهد ومنهم من كتم - وبهذا بطلت مناقشات ابن روزبهان والفخر الرازي في نهاية العقول -، وثبت أن هذا الاستشهاد كان على أمر عظيم جليل أنكره أكثر الصحابة وهو ليس إلّا الخلافة، إذ لو كان غيرها لما أنكروه ولما كتم الشهادة به من كتم.

ويشهد بما ذكرنا: اعتراف الحلبي بأن الامام عليه‌السلام قد احتج بحديث الغدير ردّاً على من نازعه في الخلافة، وهذا نص كلامه: « وعلى تسليم أن المراد أنه أولى بالامامة، فالمراد في المآل لا في الحال، وإلاّ لكان هو الامام مع وجوده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمآل لم يعين له وقت، فمن أين أنه عقب وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ جاز أن يكون بعد أن تنعقد له البيعة ويصير خليفة. ويدل لذلك أنه لم يحتج بذلك إلّا بعد أن آلت إليه الخلافة ردّاً على من نازعه فيها كما تقدم، فسكوته عن الاحتجاج بذلك إلى أيام خلافته قاض على كلّ من له أدنى عقل فضلاً عن فهم بأنه لا نص في ذلك على إمامته »(١) .

مناشدة الامام أبا بكر وأصحاب الشورى

وكلام الحلبي - وإنْ كان يتضمن اعترافاً بالحق كما ذكرنا - يشتمل على مزاعم واضحة البطلان:

( فالأولى ) قوله: « فالمراد في المآل لا في الحال والا لكان هو الامام مع وجوده » وهذا باطل لعدم وجود قيد في الحديث يقتضى ذلك، بل الحديث الشريف مطلق، فالمعنى: من كنت مولاه فعلي أولى منه بالامامة. وهذا

____________________

(١). السيرة الحلبية ٣ / ٣٣٨.


ما يثبته الشيعة الامامية قديماً وحديثا، ويعانده المعاندون من أهل السنة كذلك.

( والثانية ) قوله: « جاز أن يكون بعد أن تنعقد له البيعة ويصير خليفة » معناه حمل « الأولوية بالامامة » على زمان بعد عثمان بن عفان، وهذا الحمل فاسد جدّاً، لأن تهنئة الشيخين - كما في الصواعق وغيرها - يقلع أساسه الواهي من الجذور، لأنهما قد اعترفا بكونه عليه‌السلام ( مولى ) كلّ مؤمن، فهو عليه‌السلام مولاهما باعترافهما سوء كانا من المؤمنين أم لا، فهو ( أولى ) منهما بالامامة، فتقييدها بما بعد عثمان باطل حسب فهم الشيخين واعترافهما أيضاً.

وأيضاً: فانّه لا ريب في دلالة هذا الحديث - بناءاً على حمل ( المولى ) على الأولى بالامامة على الامامة المطلقة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وبما أنه لا نص على إمامة الثلاثة - وخلافتهم كما هو الثابت والمعترف به لدى القوم حتى لقد اعترف بذلك ( الدهلوي ) نفسه - فإن مطلق النص على خلافة الامام عليه‌السلام يثبت خلافته بلا فصل، لقبح تقديم غير المنصوص عليه على المنصوص عليه.

( والثالثة ) قوله: « ويدل لذلك أنه لم يحتج بذلك فسكوته عن الاحتجاج بذلك إلى أيام خلافته » مردود بعدم تسليم الشيعة بسكوته عليه الصلاة والسلام، بل إنّهم يكذّبون هذه الدعوى ويستنكرونها، فدعوى الحلبي ذلك في مقابلة الشيعة الامامية لا تنفعه بحال ولا يسقط حديث الغدير عن الاحتجاج والاستدلال.

وإليك بعض روايات الشيعة الامامية المتضمنة لمناشدة الامام عليه‌السلام أبا بكر وأصحاب الشورى بحديث الغدير:

١ - روى الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي: أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأبي بكر بن أبي قحافة: « ولكن أخبرني عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه. فقال أبو بكر: بالنصيحة والوفاء ودفع المداهنة والمحاباة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب وفصل الخطاب مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها وإنصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد ثم سكت.


فقال علي عليه‌السلام : انشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو فيَّ؟

قال أبو بكر: بل فيك يا أبا الحسن.

قال: أنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ذكران المسلمين أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنا الأذان لأهل الموسم ولجميع الأمة بسورة براءة أم أنت؟ قال: بل أنت.

قال: فأنشدك بالله أنا وقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسي يوم الغار أم أنت؟

قال: بل أنت.

قال: أنشدك بالله لي الولاية من الله مع ولاية رسوله في آية زكاة الخاتم أم لك؟

قال: بل لك.

قال: أنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي يوم الغدير أم أنت؟

قال: بل أنت »(١) .

٢ - وروى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي ما نصّه: « جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن علي بن مهدي إملاءاً من كتابه عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام ، قال: لمـّا أتى أبو بكر وعمر إلى منزل أمير المؤمنين عليه‌السلام وخاطباه في أمر البيعة وخرجا من عنده خرج أمير المؤمنين

____________________

(١). الخصال ٢ / ٥٤٩.


عليه‌السلام إلى المسجد، فحمد الله وأثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت، إذ بعث فيهم رسولا منهم وأذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً. ثم قال:

إنّ فلاناً وفلاناً أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني، أنا ابن عم النبي وأبو بنيه والصدّيق الأكبر وأخو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقولها احد غيري إلّا كاذب، وأسلمت وصلّيت قبل كل أحد، وأنا وصيّه وزوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد، وأبو حسن وحسين سبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن أهل بيت الرحمة، بنا هداكم وبنا استنقذكم من الضّلالة، وأنا صاحب يوم الدوح، وفيَّ نزلت سورة من القرآن، وأنا الوصي على الأموات من أهل بيته، وأنا ثقته على الأحياء من أمته، فاتقوا الله يثّبت أقدامكم ويتم نعمته عليكم. ثم رجع إلى بيته »(١) .

٣ - وروى الشيخ حسن بن محمد الديلمي ما نصّه: « روى عن الصادق عليه‌السلام : إنّ أبا بكر لقي أمير المؤمنين عليه‌السلام في سكة بني النجار، فسلّم عليه وصافحه وقال له: يا أبا الحسن أفي نفسك شيء من استخلاف الناس إياي وما كان من يوم السقيفة وكراهتك البيعة؟ والله ما كان ذلك من إرادتي، إلّا أنّ المسلمين اجتمعوا على أمر لم يك لي أن أخالف عليهم فيه

فقال له أمير المؤمنين: يا أبا بكر فهل تعلم أحداً أوثق من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أخذ بيعتي عليك في أربعة مواطن، وعلى جماعة معك وفيهم عمر وعثمان: في يوم الدار، وفي بيعة الرضوان تحت الشجرة، ويوم جلوسه في بيت أم سلمة، وفي يوم الغدير بعد رجوعه من حجة الوداع. فقلتم بأجمعكم: سمعنا وأطعنا الله ورسوله. فقال لكم: الله ورسوله عليكم من الشاهدين. فقلتم بأجمعكم: الله ورسوله علينا من الشاهدين. فقال لكم: فليشهد بعضكم لبعض وليبلغ شاهدكم غائبكم، ومن سمع منكم فليسمع من لم يسمع. فقلت: نعم يا رسول الله، وقلتم بأجمعكم تهنئون رسول الله وتهنئوني بكرامة الله لنا، فدنى عمر

____________________

(١). بحار الأنوار عن الامالي للشيخ الطوسي ٢٨ / ٢٤٧.


وضرب على كتفي وقال بحضرتكم: بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولانا ومولى المؤمنين. لقد ذكرتني يا أمير المؤمنين أمراً لو يكون رسول الله شاهداً فاسمعه منه »(١) .

ولو أن أهل السنة أبوا عن قبول هذه الروايات فإنّا نورد استدلال أمير المؤمنين بالنص على إمامته في أيام أبي بكر من روايتهم، فقد روى أسعد بن ابراهيم بن الحسن بن علي الحنبلي في ( أربعينه ) عن استاذه عمر بن الحسن المعروف بابن دحية - الذي ترجم له ابن خلكان بما ملخّصه: « أبو الخطاب عمر ابن الحسن - الأندلسي البلنسي الحافظ، كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، متقناً لعلم الحديث النبوي وما يتعلّق به، عارفاً بالنحو واللغة وأيام العرب وأشعارها، أكثر بطلب الحديث في أكثر بلاد الأندلس الإسلامية ولقي بها علمائها ومشايخها، وهو في تلك الحال يؤخذ عنه ويستفاد منه. »(٢) ما نصه: « الحديث الثالث: يرويه الثوري عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال: حضرت أنس ابن مالك وهو مكفوف البصر وفيه وضح، فقام إليه رجل - وكأنه كان بينه وبينه إحنة - وقال: يا صاحب رسول الله ما هذه السمة التي أراها بك وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن البرص والجذام ما يبتلي بها مؤمن؟

فأطرق أنس وعيناه تذرفان وقال: أما الوضح فإنّه دعوة دعاها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

فسأله جماعة أن يحدثهم بالحديث.

فقال: لمـّا أنزلت سورة الكهف سأل بعض الصحابة أن يريهم أهل الكهف فوعدهم ذلك، فأهدي بساط له وذكّره الصحابة وعده، فقال: أحضروا عليّاً، فلما حضر قال لي: يا أنس أبسط البساط، فبسطته وأمر الصحابة أن يجلسوا عليه، فلمـّا جلسوا رفع البساط وسار في الهواء إلى الظهر، فوقف البساط ثم قمنا

____________________

(١). ارشاد القلوب للديلمي: ٢٤٦.

(٢). وفيات الاعيان ٣ / ١٢١.


نمشي على الأرض حتى شاهدنا الكهف، ورأينا قوماً نياماً تضيء وجوههم كالقناديل وعليهم ثياب بيض وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد، فملئنا رعباً، فتقدّم أمير المؤمنين وقال: السلام عليكم، فردّوا عليه‌السلام ، وتقدّم القوم وسلّموا، فلم يردّوا عليهم‌السلام ، فقال لهم علي: لم لا تردّون على صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال أحدهم: سل ابن عمك ونبيك. ثم قال علي للجماعة: خذوا مجالسكم، فلمـّا أخذوا قال علي: يا ملائكة الله ارفعوا البساط، فرفع وسرنا في الهواء ما شاء الله. ثم قال: ضعونا لنصلّي الظهر، فإذا نحن في أرض ليس فيها ماء نشرب ولا نتوضّأ، فوكز الأرض برجله فنبع الماء العذب، فتوضأنا وصليّنا وشربنا. فقال: ستدركون صلاة العصر مع رسول الله وسار بنا البساط إلى العصر، وإذا نحن على باب المسجد، فلمـّا رآنا قال: تحدّثوني أو أحدّثكم؟ وجعل يحدثنا كأنّه كان معنا، فقال له علي: لم ردّوا عليّ السلام ولم يردّوا على أصحابي؟ فقال: إنهم لا يردّون السلام إلّا على نبي أو وصي نبيّ. ثم قال: اشهد لعلي يا أنس.

فلمـّا كان بعد يوم السقيفة استشهدني علي بيوم البساط فقلت: إني نسيت. قال: إن كنت كتمتها بعد وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرماك الله ببياض في وجهك ولظى في جوفك وعمى في بصرك. فبرصت وتلظّى جوفي وعميت.

وكان أنس لا يطيق الصيام في شهر رمضان ولا في غيره من حرارة بطنه. ومات بالبصرة، وكان يطعم كل يوم مسكيناً عن يوم يفطر من رمضان »(١) .

وأما عدم نقل أهل السنة احتجاج الامام عليه‌السلام بحديث الغدير في أيام أبي بكر ونحوها، فلا يكون حجة على الشيعة أبدا، كما أن نقل أحد الفريقين لا يكون حجة على الفريق الآخر.

هذا، وقد ذكر الفخر الرازي في ( نهاية العقول ) في وجه الاستدلال بحديث الغدير: « الثاني: إن علياً رضي‌الله‌عنه ذكره في الشورى عند ما حاول ذكر

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.


فضائله، ولم ينكره أحد، فعدم إنكارهم لذلك مع توفر الدواعي على القدح فيما يفتخر به الانسان على غيره دليل صحته » ثم أجاب عن هذا الاستدلال بقوله: « وأما الوجه الثاني وهو المناشدة في الشورى فهو ضعيف، لأن الحاجة إلى تصحيح هذه المناشدة كالحاجة إلى تصحيح أصل الحديث، بل ذلك أولى، لأن أكثر المحدّثين ينكرون تلك المناشدة، وبتقدير صحتها، فلا نسلّم انتهائها إلى جميع الصحابة، وبتقدير انتهائها إلى كلهم فلا نسلّم أنه لم يوجد فيهم من أنكر ذلك ».

وفيه: كيف لا نسلّم أنه لم يوجد فيهم من أنكر ذلك؟ مع توفر الدواعي على نقل مثل هذا الانكار من أشياع المنحرفين عن أمير المؤمنين، والحال أنه لم ينقله أحد أبداً.

وإذا لم يكن عدم النقل دليلاً على العدم في مثل هذا الأمر الذي توفرت الدواعي على نقله فكيف يكون عدم نقل استدلال الامام واحتجاجه بحديث الغدير في زمان أبي بكر وغيره دليلا على العدم، مع توفر الدواعي على عدم نقله؟!

على أنك قد علمت فيما تقدم رواية الواحدي الأشعار التي أنشدها في حضور أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وضمّنها جملة من فضائله وخصائصه ومنها حديث الغدير. فدعوى سكوته في زمنهم كذب.

* * *



(٨)

إستنكار أبي الطّفيل لحديث الغدير



وإن استنكار أبي الطفيل واستبعاده لحديث الغدير من أقوى الأدلة على دلالة حديث الغدير على الامامة والخلافة، إذ لو كان لهذا الحديث معنى غير الامامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن للاستنكار والشك وجه فلقد جاء في رواية أحمد عن أبي الطفيل قوله: « فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليا يقول كذا وكذا. قال: فما تنكر! قد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك له »(١) .

وفي رواية النسائي: « فخرجت وفي نفسي منه شيء، فلقيت زيد بن أرقم وأخبرته، فقال: ما تشك! أنا سمعته »(٢) .

وفي رواية ابن كثير: « فخرجت وكان في نفسي شيء، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت علياً يقول كذا وكذا. قال: فما تنكر! لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك له.

رواه النسائي من حديث حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عنه أتم من

____________________

(١). مسند أحمد ٤ / ٣٧٠.

(٢). الخصائص: ١٠٠.


ذلك »(١) .

وفي ( زين الفتى ) عنه: « فقمت وكان في نفسي شيء، فلقيت زيد بن أرقم فأخبرته بما قال علي. فقال: وما تنكر! سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوله »(٢) .

وفي ( الرياض النضرة ) بطريق ابن حبان: « فخرجت وفي نفسي من ذلك شيء، فلقيت زيد بن أرقم فذكرت له ذلك. فقال: قد سمعناه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له ذلك »(٣) .

فهل ترى أن يكون أبو الطفيل في شك من وجوب محبة علي عليه‌السلام ، وأن يكون في نفسه شيء من كونه عليه‌السلام ناصراً ومحبّاً ...؟! إنّ هذا لا يجوّزه عاقل في حق أبي الطفيل الذي يعدّ من أجلة الصحابة وعلمائهم:

ترجمة أبي الطفيل

فقد ترجم له ابن عبد البر بقوله: « أبو الطفيل عامر بن واثلة، ولد يوم أحد، وأدرك من هجرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمان سنين، نزل الكوفة، صحب علياً كرم الله وجهه في مشاهده كلّها، فلما قتل علي رضي‌الله‌عنه انصرف إلى مكة فأقام بها حتى مات سنة مائة.

وكان فاضلاً عالماً، حاضر الجواب، فصيحا، وكان يتشيع في علي كرّم الله وجهه ويفضّله، ويثني على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويترحّم على عثمان رضي‌الله‌عنه .

قيل: قدم أبو الطفيل يوماً على معاوية فقال له: كيف وجدك على خليلك أبي الحسن؟ قال: كوجد أم موسى لموسى وأشكو إلى الله التقصير. وقال له

____________________

(١). تاريخ ابن كثير ٣ / ٣٤٦.

(٢). زين الفتى بتفسير سورة هل أتى - مخطوط.

(٣). الرياض النضرة في فضائل العشرة المبشرة ٢ / ٢٢٣.


معاوية: كنت فيمن حصر عثمان؟ قال: لا ولكني كنت فيمن حضره. قال: فما منعك من نصره؟ قال: وأنت ما منعك من نصره، إذ تربّصت به ريب المنون وكنت في أهل الشام وكلّهم تابع لك فيما تريد؟ قال له معاوية: أو ما ترى طلبي بدمه نصرة له؟ قال: بلى، ولكنك كما قال أخو بني فلان:

لا ألفينّك بعد الموت تندبني

و في حياتي ما زوّدتني زادي »(١)

وقال ابن الأثير: « كان فاضلاً عاقلاً حاضر الجواب فصيحاً، وكان من شيعة علي ويثني على أبي بكر وعمر وعثمان »(٢) .

* * *

____________________

(١). الاستيعاب ٤ / ١٦٩٦.

(٢). أسد الغابة ٥ / ٢٣٤.



(٩)

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر

الحديث

ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟



لقد صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث الغدير جملة هي قوله: « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم »، وهذا دليل واضح وبرهان قاطع على أن ( المولى ) في حديث الغدير معناه ( الأولى بالتصرف ).

وهذا الدليل يتم بإثبات أمور:

١ - ثبوت جملة « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ».

٢ - دلالة هذه الجملة على أولوية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتصرف.

٣ - دلالة مجيء هذه الجملة قبل حديث الغدير على كون المراد من ( المولى ) في الحديث نفس المراد من ( الأولى ) في تلك الجملة.

ولنشرع في إثبات هذه الأمور حتى يتم الدليل:

١ - ذكر من روى جملة « ألست أولى » في حديث الغدير

أمّا الجملة المذكورة فلا ريب في ثبوتها، وممن رواها مع حديث الغدير:

١ - معمر بن راشد أبو عروة الأزدي.

٢ - عبد الله بن نمير الخارفي الكوفي.


٣ - أبو نعيم فضل بن دكين شيخ البخاري.

٤ - عفان بن مسلم.

٥ - علي بن حكيم الأودي.

٦ - عبد الله بن محمد بن أبي شيبة.

٧ - عبيد الله بن عمر القواريري.

٨ - قتيبة بن سعيد الثقفي البلخي البغلاني.

٩ - أحمد بن حنبل الشيباني.

١٠ - أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني.

١١ - عبد الله بن أحمد بن حنبل.

١٢ - أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار.

١٣ - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي.

١٤ - أبو العباس حسن بن سفيان بن عامر.

١٥ - أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي.

١٦ - محمد بن جرير الطبري الشافعي.

١٧ - محمد بن علي بن الحسين المعروف بالحكيم الترمذي.

١٨ - أبو زكريا يحيى بن عبد الله الغبري.

١٩ - دعلج بن أحمد السجزي.

٢٠ - أبو حاتم محمد بن حبان البستي.

٢١ - أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني.

٢٢ - أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني.

٢٣ - أحمد بن محمد الثعلبي.

٢٤ - إسماعيل بن علي بن حسين بن زنجويه المعروف بابن السمان.

٢٥ - أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني.

٢٦ - علي بن حسن بن حسين الخلعي.


٢٧ - أحمد بن محمد العاصمي.

٢٨ - عبد الكريم بن محمد المروزي السمعاني.

٢٩ - الموفق بن أحمد المكّي الخوارزمي.

٣٠ - عمر بن محمد بن خضر الأردبيلي المعروف بالملّا.

٣١ - أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني.

٣٢ - أبو الفتوح أسعد بن محمود العجلي الاصفهاني.

٣٣ - محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري.

٣٤ - إبراهيم بن عبد الله الوصابي.

٣٥ - إبراهيم بن محمد الحموئي الجويني.

٣٦ - جمال الدين الزرندي.

٣٧ - إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي.

٣٨ - علي بن شهاب الدين الهمداني.

٣٩ - أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي.

٤٠ - نور الدين علي بن محمد المعروف بابن الصباغ.

٤١ - حسين بن معين الدين الميبدي.

٤٢ - عبد الله بن عبد الرحمن المشهور بأصيل الدين المحدّث.

٤٣ - عطاء الله بن فضل الله المحدّث الشيرازي.

٤٤ - محمود بن محمد بن علي الشيخاني.

٤٥ - نور الدين علي الحلبي.

٤٦ - حسام الدين بن محمد بايزيد السهارنبوري.

٤٧ - ميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني.

٤٨ - محمد صدر العالم.

٤٩ - أحمد بن عبد القادر.

٥٠ - المولوي محمد مبين.


ومن هنا يظهر سقوط مكابرة فخر الدين الرازي في قوله: « ثمّ إنْ سلّمنا صحة أصل الحديث، ولكنْ لا نسلم صحة تلك المقدمة وهي قوله عليه‌السلام : ألست أولى بكم من أنفسكم. بيانه: إن الطرق التي ذكرتموها في تصحيح أصل الحديث لم يوجد في شيء منها هذه المقدمة، فإنّ أكثر من روى أصل الحديث لم يرو تلك المقدّمة، فلا يمكن دعوى إطباق الأمة على قبولها، لأن من خالف الشيعة إنما يروون أصل الحديث للاحتجاج به على فضيلة علي رضي‌الله‌عنه ، ولا يروون هذه المقدمة. وأيضاً فلم يقل أحد أن علياً رضي‌الله‌عنه ذكرها يوم الشورى، فثبت أنه لم يحصل في هذه المقدمة شيء من الطرق التي يثبتون أصل الحديث بها، فلا يمكن إثبات هذه المقدمة »(١) .

ولا يخفى عليك التهافت بين قوله: « فإن أكثر من روى هذا الحديث ».

وقوله: « لأن من خالف الشيعة إنما يروون ».

كما يسقط إنكار إسحاق الهروي القائل: « ومن رواه لم يرو أول الحديث أي قوله: ألست أولى بكم من أنفسكم. وهو القرينة على كون المولى بمعنى الأولى ».

بل يكفي في إبطال دعوى الرازي والهروي اعتراف ( الدهلوي ) حيث ذكر: « إن قول النبي: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم مأخوذ من الآية القرآنية، ومن هنا جعل ذلك من المسلَّمات لدى أهل الاسلام، ثم فرّع عليه الحكم التالي له ».

٢ - دلالة الجملة على أولويّة النبي بالتصرف

وأيضاً، فلا ريب في دلالة مقدمة الحديث وهي قوله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.


وسلّم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى من المؤمنين بالتصرف مطلقاً، فإنّ هذه الجملة متّخذة - كما اعترف ( الدهلوي ) - من الآية الكريمة في القرآن العظيم وهي تدل على الأولوية بالتصرف، وقد اعترف بذلك كبار علماء أهل السنة ومشاهير أساطينهم في مختلف العلوم والفنون:

قال الواحدي: « قوله: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) . أي إذا حكم عليهم بشيء نفذ حكمه ووجب طاعته عليهم. قال ابن عباس: إذا دعاهم النبي إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي أولى بهم من طاعة أنفسهم »(١) .

وقال البغوي: « ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) . أي من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه عليهم ووجوب طاعته عليهم. وقال ابن عباس وعطا: يعني إذا دعاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بهم من طاعة أنفسهم. وقال ابن زيد: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فيما قضى فيهم كما أنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه. وقيل: أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه. وقيل: كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرج إلى الجهاد فيقول قوم نذهب ونستأذن من أبنائنا وأمهاتنا، فنزلت الآية.

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن محمد أنا أبو عامر أنا فليح عن هلال بن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة: إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما من مؤمن إلّا أنا أولى به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إنْ شئتم ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه »(٢) .

____________________

(١). التفسير الوسيط - مخطوط.

(٢). معالم التنزيل للبغوي ٥ / ١٩١ بهامش الخازن.


وقال القاضي البيضاوي: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) في الأمور كلّها، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلّا بما فيه صلاحهم، بخلاف النفس، فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون أحبّ إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ فيهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها.

روى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج، فقال ناس: نستأذن آبائنا وأمهاتنا. فنزلت»(١) .

وقال جار الله الزمخشري: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) في كلّ شيء من أمور الدنيا والدين من أنفسهم، ولهذا أطلق ولم يقيد، فيجب عليهم أن يكون أحبّ إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقه آثر لديهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وأن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه إذا أعضل خطب ووقاءه إذا ألقحت حرب، وأن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم ولا ما تصرفهم عنه ويتبعوا كلما دعاهم إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصرفهم عنه ...»(٢) .

وقال قاضي القضاة أبو العباس أحمد بن الخليل الخويي* توجد ترجمته في كتب الطبقات، قال ابن قاضي شهبة: أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى المهلبي، قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس الخويى. ولد بخوي في شوال سنة ٥٨٣ قال السبكي في الطبقات الكبرى: وقرأ الفقه على الرافعي، وقرأ علم الجدل على علاء الدين الطوسي وسمع الحديث من جماعة قال الذهبي: كان فقيهاً إماماً مناظراً خبيراً بعلم الكلام أستاذا في الطب والحكمة ديّناً كثير الصلاة والصيام. توفي في شعبان سنة ٧٣٧* قال بتفسير الآية المباركة:

« تقرير لصحة ما صدر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التزوّج بزينب، وكأن

____________________

(١). أنوار التنزيل للبيضاوي: ٥٥٢.

(٢). الكشاف للزمخشري: ٣ / ٥٢٣.


هذا جواب عن سؤال وهو: إن قائلاً لو قال: هب أن الأدعياء ليسوا بأبناء كما قلت لكن من سمّاه غيره ابناً إذا كان لدعيّه شيء حسن لا يليق بمروته أن يأخذه منه ويطعن فيه عرفاً.

فقال الله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) جواباً عن ذلك السؤال وتقريره هو: إن دفع الحاجات على مراتب: دفع حاجة الأجانب، ثم دفع حاجة الأقارب الذين على حواشي النساء، ثم دفع حاجة الأصول والفصول، ثم دفع حاجة النفس. والأول عرفاً دون الثاني وكذلك شرعاً، فإن العاقلة تتحمل الدية منهم ولا تتحمّلها عن الأجانب، والثاني دون الثالث وهو ظاهر بدليل النفقة، والثالث دون الرابع فإن النفس مقدم على الغير وإليه أشار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله: إبدأ بنفسك ثم بمن تعول.

إذا علمت هذا فالانسان إذا كان معه ما يغطي به أحد الرجلين ويدفع به حاجة من شقي بدنه فأخذ العطاء من أحدهما وغطى به الأخرى لا يكون لأحد أن يقول: لم فعلت؟ فضلاً من أن يقول بئس ما فعلت. أللهم إلّا أن يكون أحد العضوين أشرف من الآخر، مثل ما إذا وقى الانسان عينه بيده ويدفع البرد عن رأسه الذي هو معدن حواسه ويترك رجله تبرد، فإنّه الواجب عقلاً. فمن يعكس الأمر يقال له: لم فعلت؟

وإذا تبيّن هذا فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فلو دفع المؤمن حاجة نفسه دون حاجة نبيّه يكون مثله من يدهن شعره، ويكشف رأسه في برد مفرط قاصداً به تربية شعره ولا يعلم أنه يؤذي به رأسه الذي لا نبات لشعره إلّا منه.

فكذلك دفع حاجة النفس لفراغها إلى عبادة الله ولا علم بكيفية العبادة إلّا من الرسول، لو دفع الانسان حاجة لا للعبادة فهو ليس دفعا للحاجة، إذ هو فوق تحصيل المصلحة، وهذا ليس فيه مصلحة فضلاً من أن يكون حاجة، وإنْ كان للعبادة فترك النبي الذي منه يتعلم كيفية العبادة في الحاجة ودفع الحاجة، مثل تربية الشعر مع إهمال أمر الرأس. فبين أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد


شيئاً حرم على الأمة التعرّض إليه في الحكمة الواضحة »(١) .

وقال النسفي: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أي أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، فعليهم أن يبذلوا نفسه دونه ويجعلوها فداءه، أو هو أولى بهم أي أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم(٢) .

وقال النيسابوري: « ثم إنه كان لقائل أن يقول: هب أن الدّعي لا يسمى ابناً، أمّا إذا كان لدعيّه شيء أحسن فكيف يليق بالمروة أن يطمع عينه إليه وخاصّةَ إذا كان زوجته، فلذلك قال في جوابه: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) والمعقول فيه: إنه رأس الناس ورئيسهم فدفع حاجته والاعتناء بشأنه أهم، كما أن رعاية العضو الرئيس وحفظ صحته وإزالة مرضه أولى، وإلى هذا أشار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله: إبدأ بنفسك ثم بمن تعول.

ويعلم من إطلاق الآية أنه أولى بهم من أنفسهم في كلّ شيء من أمور الدنيا والدين. وقيل: إن أولى بمعنى أرأف وأعطف، كقوله: ما من مؤمن إلّا أنا أولى به في الدنيا والآخرة، إقرأوا إنْ شئتم: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مؤمن هلك وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، وان ترك ديناً أو ضياعاً أي عيالاً فإليّ »(٣) .

وقال المحلّي: « ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فيما دعاهم إليه ودعتهم أنفسهم إلى خلافه »(٤) .

وقال الشربيني: « ول-م-ا نهى تعالى عن التبني وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تبنى زيد بن الحارثة مولاه لما اختاره على أبيه وعمه كما مر، علّل تعالى النهي

____________________

(١). التفسير الكبير لأبي العباس الخويي - مخطوط.

(٢). مدارك التنزيل ٣ / ٢٩٤.

(٣). غرائب القرآن ٢١ / ٧٧ - ٧٨.

(٤). تفسير الجلالين: ٥٥٢.


فيه بالخصوص بقوله تعالى دالاً على أن الامر أعظم من ذلك. ( النبي ) أي الذي ينبئه الله تعالى بدقائق الأحوال في بدائع الأحوال، ويرفعه دائماً في مراقي الكمال، ولا يريد أن يشغله بولد ولا مال ( أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) أي الراسخين في الايمان فغيرهم أولى، في كلّ شيء من أمور الدين والدنيا، لما حازه من الحضرة الربانية من أنفسهم فضلاً عن آبائهم في نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم.

روى أبو هريرة رضي‌الله‌عنه : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما من مؤمن إلّا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّ مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، فإنْ ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه.

وعن جابر: إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فأيّما رجل مات وترك ديناً فإليَّ، ومن ترك مالاً فهو لورثته.

وعن أبي هريرة قال: كان المؤمن إذا توفي في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسأل هل عليه دين؟ فإن قالوا: نعم. قال: هل ترك وفاءً لدينه؟ فإنْ قالوا: نعم، صلّى عليه، وانْ قالوا: لا قال: صلّوا على صاحبكم، وإنما لم يصلّ عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولاً فيما إذا لم يترك وفاءاً لأن شفاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ترد.

وقد ورد: إنّ نفس المؤمن محبوسة عن مقامها الكريم ما لم يوف دينه. وهو محمول على من قصّر في وفائه في حال حياته، أمّا من لم يقصّر لفقره مثلاً فلا، كما أوضحت ذلك في شرح المنهاج في باب الرهن.

وإنما كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بهم من أنفسهم لأنه لا يدعوهم إلّا إلى العقل والحكمة، ولا يأمرهم إلّا بما ينجيهم، وأنفسهم ربما تدعوهم إلى الهوى والفتنة فتأمرهم بما يُرديهم، فهو يتصرف فيهم تصرف الآباء، بل أعظم بهذا السبب الرباني، فأيّ حاجة إلى السبب الجسماني؟ »(١) .

____________________

(١). السراج المنير - بتفسير الآية.


وقال ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي بشرح الحديث الأول من كتاب الفرائض ( وهو: عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا أولى الناس بالمؤمنين في كتاب الله عز وجل، فأيّكم ما ترك ديناً أو ضيعة فادعوني فأنا وليّه، وأيكم ما ترك مالاً فليورّث عصبته من كان ) قال:

« فيه فوائد: « الأولى » - أخرجه مسلم من هذا الوجه عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق. وأخرجه الأئمة الستة خلا أبا داود من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة

« الثانية » - قوله: أنا أولى الناس بالمؤمنين. إنما قيّد ذلك بالناس لأن الله تعالى أولى بهم منه، وقوله في كتاب الله عز وجل، إشارة إلى قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وقد صرح بذلك في رواية البخاري من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة

« الثالثة »: يترتب على كونه عليه الصلاة والسلام أولى بهم من أنفسهم أنه يجب عليه إيثار طاعته على شهوات أنفسهم وإنْ شق ذلك عليهم، وأن يحبّوه أكثر من محبتهم لأنفسهم، ومن هنا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. وفي رواية أخرى: من أهله وماله والناس أجمعين، وهو في الصحيحين من حديث أنس. ولما قال له عمر رضي‌الله‌عنه : لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيء إلّا نفسي، قال له: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحبّ إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنّه الآن والله لأنت أحبّ إليّ من نفسي. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الآن يا عمر. رواه البخاري في صحيحه: قال الخطابي: لم يرد به حب الطبع، بل أراد حبّ الاختيار، لأن حب الإنسان نفسه طبع ولا سبيل إلى قلبه. قال: فمعناه لا تصدق في حبي حتى تفني في طاعتي نفسك وتؤثر رضاي على هواك وان كان فيه هلاكك.

« الرابعة »: استنبط أصحابنا الشافعية من هذه الآية الكريمة أن له عليه الصلاة والسلام أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج


عليه الصلاة والسلام إليهما، وعلى صاحبهما البذل، ويفدي بمهجته مهجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه لو قصده عليه الصلاة والسلام ظالم لزم من حضره أن يبذل نفسه دونه.

وهو استنباط واضح، ولم يذكر النبي عند نزول هذه الآية ماله في ذلك من الحظ، وإنما ذكر ما هو عليه فقال: وأيّكم ما ترك ديناً أو ضياعاً فادعوني فأنا وليه وترك حظه فقال: وأيّكم ما ترك مالاً فليورّث عصبته من كان »(١) .

وقال البدر العيني بشرح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنا أولى به في الدنيا والآخرة:

« يعني أحقّ وأولى بالمؤمنين في كلّ شيء من أمور الدنيا والآخرة من أنفسهم ولهذا أطلق ولم يعين، فيجب عليهم امتثال أوامره واجتناب نواهيه »(٢) .

وقال الشهاب القسطلاني في كتاب التفسير: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ) في الأمور كلها من أنفسهم، من بعضهم ببعض، في نفوذ حكمه ووجوب طاعته عليهم. وقال ابن عباس وعطا: يعني إذا دعاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعتهم نفوسهم إلى شيء، كانت طاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بهم من طاعة أنفسهم انتهى. وإنما كان ذلك لأنه لا يأمرهم ولا يرضى إلّا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس. وقوله: النبي إلى آخره ثابت في رواية أبي ذر فقط.

... عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: ما من مؤمن إلّا وأنا أولى الناس به. أي أحقّهم به في كل شيء من أمور الدنيا والآخرة، وسقط لأبي ذر لفظ الناس. إ قرأوا إنْ شئتم قوله عز وجل: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) استنبط من الآية أنّه لو قصده عليه‌السلام ظالم وجب على

____________________

(١). شرح الاحكام - كتاب الفرائض.

(٢). عمدة القاري ١٩ / ١١٥.


الحاضر من المؤمنين أن يبذل نفسه دونه »(١) .

وقال المنّاوي: « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم في كلّ شيء، لأني الخليفة الأكبر الممد لكلّ موجود. فحكمي عليهم أنفذ من حكمهم على أنفسهم وذا قاله لمـّا نزلت الآية »(٢) .

وقال العزيزي: « أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه كما قال الله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) قال البيضاوي: أي في الأمور كلّها، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى عنهم إلّا بما فيه صلاحهم بخلاف النفس، فيجب أن يكون أحب إليهم من أنفسهم. إلى آخره. فمن خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه كان إذا احتاج إلى طعام أو غيره وجب على صاحبه المحتاج إليه بذله له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجاز له أخذه، وهذا وان كان جائزاً لم يقع وأنا ولي المؤمنين. أي متولّي أمورهم، فكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يباح له أن يزوّج ما شاء من النساء ممن يشاء من غيره ومن نفسه، وإنْ لم يأذن كل من الولي والمرأة، وأن يتولّى الطرفين بلا إذن. حم م ن ة »(٣) .

هذا، ولقد ذكر السيوطي الأحاديث الدالة على أولوية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المؤمنين في الأمور كلها بتفسير قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) حيث قال:

« قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أخرج البخاري وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما من مؤمن إلّا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة. إقرأوا إنْ شئتم: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، فإنْ ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه.

____________________

(١). ارشاد الساري ٧ / ٢٨٠.

(٢). التيسير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢٧٧.

(٣). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ١ / ٣٢٠.


وأخرج الطيالسي وابن مردويه عن أبي هريرة قال: كان المؤمن إذا توفي في عهد رسول الله فأتى به النبي سأل: هل عليه دين؟ فإنْ قالوا: نعم قال: هل ترك وفاءاً لدينه؟ فإنْ قالوا: نعم، صلّى عليه. وإنْ قالوا: لا قال: صلّوا على صاحبكم، فلما فتح الله علينا الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن ترك ديناً فإليَّ ومن ترك مالاً فللوارث.

وأخرج أحمد وأبو داود وابن مردويه عن جابر رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فأيّما رجل مات وترك ديناً فإليَّ ومن ترك مالاً فهو لوارثه.

وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي عن بريدة رضي‌الله‌عنه قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلمـّا قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكرت علياً فتنقّصته، فرأيت وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تغيّر وقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه »(١) .

ومن حديثه الأخير أيضاً - بالخصوص - يظهر أنّ المعنى المقصود من « ألست أولى » هو نفس معنى الآية الكريمة: ( النَّبِيُّ أَوْلى ) وإلّا لما ذكر السيوطي هذا الحديث في ذيل الآية المذكورة.

فظهر بطلان منع ( الدهلوي ) كون معنى « ألست أولى بالمؤمنين » الأولوية بالتصرف في كلّ شيء من كلمات: الواحدي، والبغوي، والزمخشري، والبيضاوي، والخوئي، والنسفي، والنيسابوري، والعراقي، والعيني، والقسطلاني، والمناوي، والعزيزي، والشر بيني.

بل إنّ الكابلي أيضاً لم يمنع ذلك، وإنما قال: « إن المراد بالمولى المحب والصديق. أمّا فاتحته فلا تدل على أن المراد به الامام، لأنه إنما صدّره بها ليكون ما يلقي إلى السامعين أثبت في قلوبهم ».

____________________

(١). الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٥ / ١٨٢.


بل تتضح غرابة إنكار ( الدهلوي ) من كلام ابن تيميّة الشهير بالتعصّب الشديد وعناده للحق وأهله، فقد قال ابن تيمية: « والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقل: من كنت واليه فعلي واليه، وإنما اللفظ: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل. فإن الولاية تثبت من الطرفين فإنّ المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم. وأما كونه أولى بهم من أنفسهم فلا يثبت إلّا من طرفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوّته، ولو قدّر أنه نصَّ، على خليفة بعده لم يكن ذلك موجباً أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه، كما أنه لا يكون أزواجه أُمهاتهم، ولو أريد هذا المعنى لقال: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه. وهذا لم يقله ولم ينقله أحد، ومعناه باطل قطعاً »(١) .

لأنّ ابن تيمية قد صرّح بأنّ « كونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوته » ولو كان المراد من « الأولوية » هو « الأحبيّة » لم يكن هذا المعنى من خصائص نبوته، لأنّ الأحبيّة يثبتها أهل السنة للخلفاء وغيرهم ولو بالترتيب، فعلم أن المعنى أمر عظيم ومقام جسيم يكون من خصائص مقام النبوة، ولا يناله صاحب مقام الخلافة، ووجه ذلك: إنّ هذا المعنى - أي الأولوية بكلّ مؤمن من نفسه - يقتضي العصمة، والخلفاء ليسوا معصومين. لكن الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام عصمتهم ثابتة فهذا المقام ثابت لهم، بل إن كلام ابن تيمية هنا يثبت العصمة لأمير المؤمنين عليه‌السلام لثبوت هذه الأولوية له بالأدلّة السابقة واللاحقة.

٣ - المراد من ( المولى ) في الحديث هو المراد من ( الأولى ) في الصّدر

وأمّا بيان أن المراد من ( المولى ) في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » هو المراد من ( الأولى ) في قوله في مقدّم الحديث: « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ » فيتمّ بوجوه:

( الأول ) قال كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام في ( فتح

____________________

(١). منهاج السنة ٤ / ٨٧.


القدير ): « قوله: وطلاق الأمة ثنتان حرّاً كان زوجها أو عبداً، وطلاق الحرّة ثلاثة حرّاً كان زوجها أو عبداً. وقال الشافعي رحمة الله عليه: عدد الطلاق معتبر بالرجال، فإذا كان الزوج عبداً وهي حرّة حرمت عليه بتطليقتين، وإن كان هو حرّاً وهي أمة لا تحرم عليه إلّا بثلاث وبقول الشافعي قال مالك وأحمد وهو قول عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وبقولنا قال الثوري وهو مذهب علي وابن مسعود.

له ما روي عنه عليه الصلاة والسلام: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء، قابل بينهما واعتبار العدة بالنساء من حيث العدد، فكذا ما قوبل به تحقيقاً للمقابلة، فإنه حينئذ أنسب من أن يراد به الإيقاع بالرجال، ولأنه معلوم من قوله تعالى: ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ ) وفي موطأ مالك رحمه‌الله انّ نفيعاً كان مكاتباً لأم سلمة

ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: طلاق الأمة ثنتان وعدّتها حيضتان، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني عن عائشة ترفعه. وهو الراجح الثابت، بخلاف ما رواه وما مهّد من معنى المقابلة، فإنه فرع صحة الحديث أو حسنه، ولا وجود له حديثاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بطريق يعرف.

وقال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي: موقوف على ابن عباس. وقيل من كلام زيد بن ثابت، وحديث الموطأ موقوف عليه وعلى عثمان وهو لا يرى تقليد الصحابي، والالزام إنما يكون بعد الاستدلال، لأن حقيقته نقض مذهب الخصم بما لا يعتقده الملزم صحيحاً، وإلّا يكون نقض مذهب خصمه فقط، فلا يوجب صحة مذهب نفسه إلّا بطريق عدم القائل بالفصل، وهذا لا يكون إلّا إذا كان ما نقض به ممّا يعتقده صحيحاً، وهو منتف عنده في مذهب الصحابي، فهو في معتقده غير منقوض فلم يثبت لمذهبه دليل يقاوم ما روينا »(١) .

فكما استدل الشافعي في تلك المسألة بالمقابلة المذكورة على ما ذهب إليه،

____________________

(١). فتح القدير في شرح الهداية ٣ / ٤٢.


نستدلّ نحن بالمقابلة الموجودة فيحديث الغدير بين ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) و ( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) فيلزم الاتحاد بين الجملتين في المعنى ويتم الاستدلال.

وقد ذكر المولوي نظام الدين في ( شرح المنار ) استدلال الشافعي المذكور عن فتح القدير حيث قال: « ثم الحديث الأول يعني الطلاق بالرجال آخره: والعدة بالنساء. أي العدد المتعلّق بالعدة يزداد وينقص بشرف النساء وحسنها، فعلى الأمة نصف ما على الحرّة، فيكون معنى الطلاق بالرجال كذلك ليتلاءم السياق من السياق ».

( الثاني ) إنّ وجود « الفاء » في جملة « من كنت مولاه فعلي مولاه » في طائفة من روايات حديث الغدير دليل صريح على كون هذه الجملة متفرعة على الجملة السابقة لها:

ففي رواية أحمد بن حنبل من طريق ابن نمير: « فقال أيها الناس ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه »(١) .

وفي روايته من طريق عفّان بن مسلم: « فقال: ألستم تعلمون أو لستم تشهدون أني أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه »(٢) .

وفي رواية النسائي من طريق قتيبة بن سعيد: « ثم قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه؟ قالوا: بلى نشهد لأنت أولى بكلّ مؤمن من نفسه. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإني من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وأخذ بيد

____________________

(١). مسند أحمد ٤ / ٣٦٨.

(٢). مسند أحمد ٤ / ٢٨١.


علي »(١) .

وفي رواية ابن كثير عن أبي يعلى والحسن بن سفيان: « فقال: ألست أولى بكلّ امرئ من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا مولى من أنا مولاه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه(٢) .

وفيه عن عبيد الله بن عمر القواريري: « قالوا نشهد أنّا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه »(٣) .

وفي رواية السمهودي عن الطبراني في الكبير والضياء في المختارة من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري: « يا أيها الناس إنّ الله مولاي وأنا مولى المسلمين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني علياً - اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٤) .

و في ( كنز العمال ) عن ابن جرير: « عن ميمون أبي عبد الله قال: كنت عند زيد بن أرقم، فجاء رجل فسأل عن علي فقال: كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر بين مكة والمدينة، فنزلنا مكاناً يقال له غدير خم. فأذّن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس ألست أولى بكلّ مؤمن ومؤمنة من نفسه؟ قلنا: بلى يا رسول الله نحن نشهد أنك أولى بكلّ مؤمن من نفسه. قال: فإني من كنت مولاه فهذا مولاه. فأخذ بيد علي ولا أعلمه إلّا قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٥) .

وفيه عن المحاملي وغيره: « فقال: أيها الناس ألستم تشهدون أن الله ورسوله

____________________

(١). الخصائص للنسائي: ٩٥.

(٢). تاريخ ابن كثير ٧ / ٢١٠.

(٣). المصدر نفسه.

(٤). جواهر العقدين - مخطوط.

(٥). كنز العمال ١٥ / ٩١.


أولى بكم من أنفسكم، وأن الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإنّ هذا مولاه »(١) .

وفيه عن الطبراني: « عن زيد بن أرقم قال: نشد علي الناس من سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه »(٢) .

وفي رواية السمعاني: « فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإنّ هذا مولى من أنا مولاه »(٣) .

وقال الملّا عمر الأردبيلي: « ثم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: أليس أزواجي امهاتكم؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا مولا من أنا مولاه »(٤) .

وفي رواية البدخشاني عن الطبراني والحكيم الترمذي من حديث أبي الطفيل: « ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه»(٥) .

ولقد اعترف ( الدهلوي ) بتفرع حديث الغدير على الجملة السابقة لها حيث قال: « وهذا الكلام من النبي: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، مأخوذ من الآية القرآنية، ومن هنا جعل هذا الأمر من المسلَّمات لدى أهل الاسلام، ثم فرع عليه الحكم التالي له ».

وعلى أساس تفرع ما بعد « الفاء » على ما قبلها وتبعيته له في الحكم ردّ على الشيعة الامامية في ما ذهبوا إليه - حسب الأحاديث الواردة - من نزول قوله تعالى:

____________________

(١). كنز العمال ١٥ / ١٢٢ - ١٢٣.

(٢). كنز العمال ١٥ / ٩٢.

(٣). فضائل الصحابة - مخطوط.

(٤). وسيلة المتعبدين ٢ / ١٤٨.

(٥). مفتاح النجا - مخطوط.


( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) في مورد نكاح المتعة(١) .

فإذن، يجب أن يكون حديث الغدير متفرعاً على قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » لمكان « الفاء »، كما رأيت في كثير من أخبار هذا الحديث الشريف، فثبت بطلان انكار ( الدهلوي ) من كلامه نفسه. والحمد لله رب العالمين.

( الثالث ) لقد استدل سبط ابن الجوزي - الذي احتج ( الدهلوي ) بكلامه في الجواب عن المطعن السادس من مطاعن عمر، وكذا الكابلي في الصواقع، وقد عدّه محمد رشيد الدين الدهلوي من أئمة الدين وقدماء العلماء المعتمدين لدى أهل السنة والجماعة -

بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » على أن المراد من ( المولى ) هو ( الأولى ) في حديث الغدير. وسيأتي نص كلامه فيما بعد إن شاء الله تعالى.

( الرابع ) لقد قال السيد شهاب الدين أحمد ما نصه: « وسمعت بعض أهل العلم يقول: معناه من كنت سيّده فعلي سيّده مضي قوله. وتصدير القول بقوله صلّى الله عليه وبارك وسلّم: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين، يؤيد هذا القول والله سبحانه أعلم »(٢) .

( الخامس ) لقد اعترف حسام الدين السهارنبوري بأن صدر الحديث قرينة تقتضي إرادة معنى ( الأولى ) من ( المولى )، ثم زعم أن ذيل الحديث وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم وال من والاه » قرينة تقتضي إرادة معنى ( الناصر ) و ( المحبوب ) فيتعارض القرينتان، وإذا تعارضتا بعدم مرجح تساقطتا. وإليك كلام السهارنبوري معرباً: « وأيضاً: كما أن صدر الحديث قرينة تقتضي إرادة معنى الناصر والمحبوب، فيتعارض القرينتان، وإذا تعارضتا بعدم مرجح تساقطتا، فكأن اللفظ المشترك يبقى بلا قرينة، ويكون تعيين أحد معاني المشترك

____________________

(١). التحفة الاثنا عشرية. باب الفقيهات.

(٢). توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.


- خصوصاً هذا المعنى في مورد النزاع - تحكماً.

« وأيضاً »: فإن المعتبر عند التعارض هي القرينة الأقوى، وهنا القرينة على كون المراد هو الناصر والمحبوب أقوى، لأن الغرض من الخطبة هو الحث والترغيب على محبة أهل البيت، وإن سبب إيرادها - كما ذكرنا سابقاً - يرجح القرينة على هذا المعنى ».

أقول: إن كلامه صريح في دلالة صدر الحديث على مطلوبنا.

وأمّا زعمه أن ذيله يقتضى إرادة معنى ( الناصر والمحب ) فيندفع بأن ذيل الحديث جملة إنشائية، و قوله « من كنت مولاه فعلي مولاه » جملة خبرية.

« وأيضاً »: فإن الذيل خطاب مع الحق، وفي هذه الجملة الخطاب مع الخلق، وأما صدر الحديث فهو جملة خبرية وهو خطاب مع الخلق. وعلى ما ذكرنا من الوجهين - بالاضافة إلى تقدم الجملة المتصدرة للحديث - يتقدم الصدر ويتأخر الذيل، ولا تعارض بين الصدر والذيل أبداً فلا تساقط.

« وأيضاً »: مجيء ( المولى ) بمعنى ( المحبوب ) غير ثابت من كتب اللغة، فلو سلّمنا كون الذيل قرينة على إرادة معنى المحبوب لزم العدول عنه لعدم مساعدة اللغة.

« وأيضاً »: قد علمت سابقاً جعل التفتازاني والقوشجي ذيل الحديث قرينة على إرادة معنى ( الناصر والمحب ) ومن الواضح مغايرة ( المحب ) للمحبوب الذي ذكره صاحب المرافض، وكيف يكون الشيء الواحد قرينة لشيئين متغايرين؟

« وأيضاً »: قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الذيل: « وانصر من نصره » يقتضي إرادة معنى ( المنصور ) لا ( الناصر ) فيلزم أن يكون ( المولى ) بمعنى ( المنصور ) وكون أخذه بمعنى ( الناصر ) باطلاً، لكنّ أحداً من اللغويين لم يذكر ( المنصور ) في جملة معاني ( المولى ).

« وأيضاً »: لو كان المراد ( المحبوب ) وكان قوله « وانصر » يقتضي إرادة


معنى ( الناصر ) للزم تساقط هاتين القرينتين لعدم جواز إرادة المعنيين من اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد حسب تصريح المحققين من الأصوليين، فيبقى صدر الكلام بلا معارض.

ولعلّه من هنا لم يذكر الرازي لذيل الخبر إلّا معنى ( الناصر )، وذلك حيث قال: « ثم إن سلّمنا أن تقديم تلك المقدمة يقتضي أن يكون المراد بالمولى ( الأولى )، ولكن الحديث مؤخّره وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله يقتضى أن يكون المراد من المولى ( الناصر ). وانما قلنا ذلك لأن من ألزم غيره شيئاً بلفظ مشترك بين ذلك الشيء وبين غيره، ثمَّ حثَّ على التزام أحد معاني تلك اللفظة، فإنّه يتبادر إلى الأفهام أنه إنما حثَّ باللفظ المشترك على المعنى الذي صرّح به آخراً، ألا ترى أن الإنسان إذا قال لغيره: صل عند الشفق اللهم من ( كذا ) يصل عند الشفق الأحمر. يحمل الشفق المأمور به على الشفق الاحمر. وإذا ثبت ذلك فقوله: اللهم وال من والاه حث منه على التزام ما ذكره من لفظه المولى. فعلمنا أنه أراد بها الموالاة التي هي ضد العداوة. وأيّ شيء يقولون في هذه المؤخرة نقوله في تلك المقدمة »(١) .

وقد أفيد في ( عماد الاسلام ) في جوابه: « أقول: فيه وجوه من الكلام وضروب من الملام « الأول »: إن قوله عليه‌السلام وال من والاه لو اقتضى إرادة معنى المحبة من « من كنت مولاه » اقتضى قوله عليه‌السلام : « وانصر من نصره » إرادة معنى النصرة، وحيث ثبت أن إرادة المعنيين من المشترك في إطلاق واحد ممتنعة تعارض المعنيان، وإذا تعارضا تساقطا، فبقي إرادة معنى الأولى من المولى بلا معارض.

« والثاني » إن قوله عليه‌السلام : « اللهم وال من والاه » خطاب مع الحق بعد الفراغ عن الخطاب للخلق بقوله: « من كنت مولاه » فلا يعارض القرينة على

____________________

(١). - نهاية العقول - مخطوط.


إرادة معنى الأولوية التي هي أيضا خطاب مع الخلق.

« والثالث »: إن المولى قد جاء بمعنى أولى كما عرفت، ولم يقل أحد إن معنى المولى ووال واحد، فلا مساواة بين القرينتين.

« والرابع » إنه لا خلاف بين الفريقين أن قوله عليه‌السلام : « فمن كنت مولاه » أمر وتكليف بصورة الاخبار، ولذا حمل الرازي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألست أولى بالمؤمنين » على التذكير بوجوب طاعته، تمهيداً لاظهار وجوب طاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في باب التكليف المؤدى بقوله: « فمن كنت مولاه ». ولا شبهة في أنه إذا حملنا قوله: « من كنت مولاه فعلي مولاه » على الناصر والمحب بقرينة الدعاء لم يصلح أن يكون تكليفاً، لأن كونهما ناصرين للخلق أو المحبين من فعلهما وصفاتهما دون الخلق.

« والخامس » إن الملائم للدعاء وتكليفه الناس أن يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو أراد إيجاب المحبّة أو النصرة على الخلق بالنسبة إلى علي عليه‌السلام : من كان مولاي ومحبي وناصري فليكن مولى علي وناصره ومحبّه، اللهم وال من والاه وانصر من نصره. لينتظم عبارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أولها الى آخرها، وبدون ذلك لا يحسن التكلم بهذا الكلام كما لا يخفى. على أن القرائن المسطورة فيما قبل لا يساعد شيء منها إرادة غير معنى الأولوية كما عرفت. وأما مثاله: صلّ عند الشفق. فلا يطابق الممثل له بوجه ما، لأنه لا يجري في هذا المثال شيء مما ذكرنا في المثّل له، وإلا كانت حاله كحاله ».

وأما زعم صاحب المرافض أن قرينة كون المراد معنى الناصر والمحبوب أقوى، لأن الغرض من الخطبة الحث والترغيب على محبة أهل البيت فيندفع بأن هذه الخطبة هي لأجل تشييد خلافة أمير المؤمنين وإمامته، ويشهد بذلك وجود حديث الثقلين فيها بعد حديث الغدير كما في الصواعق وغيره - وقد ذكر ذلك صاحب المرافض نفسه -.


فثبت أن حديث الثقلين من جملة الأدلة القويّة القويمة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل.

* * *



(١٠)

حديث الغدير بلفظ:

من كنت أولى به من نفسه فعليٌّ وليّه



ولقد أخرج الحافظ الطبراني حديث الغدير بلفظ « من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه » ففي كتاب ( مفتاح النجا ) - الذي مدحه محمد رشيد الدهلوي وأثنى على مؤلَّفه - ما نصه: « وللطبراني برواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعلي وليّه »(١) .

وقال في كتابه الآخر الذي التزم فيه بالصّحة: « وعند الطبراني في رواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٢) .

وقال القاضي ثناء الله - تلميذ شاه ولي الله الدهلوي: الذي وصفه ( الدهلوي ) ببيهقي الزمان كما في إتحاف النبلاء -: « وجاء في بعض الروايات بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه»(٣) .

وهذا اللفظ صريح في دلالة حديث الغدير على الامامة والخلافة، وبه أيضاً يعلم المراد من « من كنت مولاه فعلي مولاه » لأن الحديث يفسّر بعضه بعضاً.

____________________

(١). مفتاح النجا - مخطوط.

(٢). نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار ص ٢١.

(٣). سيف مسلول - مخطوط.


ولقد روى سبط ابن الجوزي والسيد شهاب الدين أحمد عن أبي الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصبهاني حديث الغدير بلفظ: « من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه »(١) .

وهو أيضاً يقضي بأن المراد من ( المولى ) هو ( الأولى )، لأن الحديث يفسّر بعضه بعضاً، ولذا قال سبط ابن الجوزي بعد ذكر عدم جواز إرادة المعاني الأخر غير الأولى من لفظ المولى: « فتعيّن العاشر ومعناه: من كنت مولاه أولى به من نفسه فعلي أولى، وقد صرح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين، فإنه روى هذا الحديث باسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي وقال: من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه »(٢) .

وقال شهاب الدين أحمد بعد ذكر حديث الغدير: « وسمعت بعض أهل العلم يقول: معناه من كنت سيده فعلي سيّده مضي قوله، وتصدير القول بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين يؤيد هذا القول، والله سبحانه أعلم. وقال الشيخ الامام جلال الدين أحمد الخجندي قدس‌سره : المولى يطلق على معان: منها الناصر، ومنها الجار بمعنى المجير لا المجار، ومنها السيد المطاع، ومنها الأولى في ( مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم. وباقي المعاني لا يصلح اعتبارها فيما نحن بصدده، فعلى المعنيين الأولين يتضمن الأمر لعلي رضي الله تعالى عنه بالرعاية لمن له من النبي العناية، وعلى المعنيين الآخرين يكون الأمر باطاعته واحترامه واتباعه. وقد خرج أبو الفرج الاصفهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين قال: أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي كرّم الله تعالى وجهه وقال: من كنت وليه

____________________

(١). تذكرة خواص الامة ص ٢٩، توضيح الدلائل - مخطوط. عن مرج البحرين.

(٢). تذكرة الخواص: ٣٢.


وأولى به من نفسه فعلي وليه »(١) .

* * *

____________________

(١). توضيح الدلائل - مخطوط.



(١١)

سياق حديث الغدير

في المستدرك على الصحيحين



وأخرج الحاكم حديث الغدير بسياق ولفظ يدل بصراحةٍ ووضوح على إمامة أمير المؤمنين وخلافته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذا من جهة الدلالة، وأما من جهة السند فقد نص على أنه حديث صحيح الاسناد، وإليك نص الحديث:

« أخبرني محمد بن علي الشيباني بالكوفة، ثنا أحمد بن حازم الغفاري، ثنا أبو نعيم، ثنا كامل أبو العلاء قال سمعت حبيب بن أبي ثابت يخبر عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى انتهينا إلى غدير خم، فأمر بدوح فكسح في يومٍ ما أتى علينا يوم كان أشد حرّاً منه، فحمد الله واثنى عليه وقال: يا أيها الناس إنه لم يبعث نبي قط إلّا ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإني أوشك أن ادعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده: كتاب الله عز وجل. ثم قام فأخذ بيد علي رضي‌الله‌عنه فقال: يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه »(١) .

وهذا الحديث الصحيح يدل على أن المراد من ( المولى ) هو ( الأولى )

____________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٣٣.


بصراحة، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال هذا الكلام في ذلك الحشد العظيم من الناس، وفي يوم ما اتى عليهم يوم كان أشد حرّاً منه، وبعد أن ذكر لهم قرب وفاته وبين لهم عدم ضلالهم بعد التمسك بكتاب الله آخذاً بيد علي عليه‌السلام بعد أن سألهم: « من أولى بكم من أنفسكم؟ »، وهل يتصور للفظ ( المولى ) في هذا الحديث مع هذه الجهات والأحوال معنى غير المعنى المراد من « من أولى بكم من أنفسكم؟ » كلّا اللهم كلّا، وقد عرفت وستعرف أيضاً أن هذه الجملة الكريمة مأخوذة من الآية المباركة وهي قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) الدالة كما عرفت دلالتها على أولويته في كلّ شيء

قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات ) بشرحه: « فقال بعد أن جمع الصحابة: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وفي بعض الروايات كرّره للمسلمين وهم يجيبون بالتصديق والاعتراف، يريد به قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) الآية. أي في الأمور كلّها، فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلّا بما فيه صلاحهم ونجاحهم، بخلاف النفس، فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ عليهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها.

روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال ناس: نستأذن آباءنا وأمهاتنا. فنزلت. وقرئ: وهو أب لهم أي في الدين، فإن كل نبي أب لأُمّته من حيث أنه أصل فيما به الحياة الأبدية، ولذلك صار المؤمنون أُخوة. كذا في تفسير البيضاوي.

و قوله: « إني أولى بكل مؤمن من نفسه » تأكيد وتقرير يفيد كونه أولى بكل واحد من المؤمنين، كما أن الأول يفيده بالنسبة إليهم جميعاً ».

من ترجمة الحاكم:

ومن المناسب أن نذكر هنا بعض الثناء والمدح الوارد في حقّ الحاكم


النيسابوري من أعلام أهل السنة:

١ - ابن خلكان: « أبو عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم النيسابوري، الحافظ المعروف بابن البيع، إمام أهل الحديث في عصره، والمؤلف فيه الكتب التي لم يسبق إلى مثلها، كان عالماً عارفاً واسع العلم، تفقّه على أبي سهل محمد بن سليمان الصعلوكي الفقيه الشافعي، ثم طلب الحديث وغلب عليه، فاشتهر به وسمعه من جماعة لا يحصون كثرة، فان معجم شيوخه يقرب من ألفي رجل، حتى روى عمّن عاش بعده، لسعة روايته وكثرة شيوخه، وصنف في علومه ما يبلغ ألفاً وخمسمائة جزء، منها الصحيحان، وأما ما تفرّد بإخراجه فمعرفة الحديث، وتاريخ علماء نيسابور، والمدخل إلى علم الصحيح، والمستدرك على الصحيحين وما تفرّد به كل واحد من الإمامين.

وكانت ولادته في شهر ربيع الأول سنة ٣٢١ بنيسابور. وتوفي بها يوم الثلاثاء ثالث صفر سنة ٤٠٥ »(١) .

٢ - الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( رجال المشكاة ): « كان فريد عصره ووحيد وقته، خاصة في علوم الحديث، وروي عنه الدارقطني ومحمد بن أبي الفوارس، وكان ثقة ».

٣ - الرازي في ( فضائل الشافعي ): « وأما المتأخرون من المحدثين فأكثرهم علماً وأقواهم قوة وأشدّهم تحقيقاً في علم الحديث هؤلاء وهم: أبو الحسن الدارقطني والحاكم وأبوه عبد الله الحافظ فهؤلاء العلماء صدور هذا العلم بعد الشيخين، وهم بأسرهم متفقون على تعظيم الشافعي ».

٤ - الأسنوي: « وبعد، فإن الشافعي رضي‌الله‌عنه وأرضاه ونفعنا به وبسائر أئمة المسلمين أجمعين قد حصل في أصحابه من السعادة أمور لم تتفق في أصحاب غيره ومنها: إن كبار أئمة الحديث من جملة أصحابه الآخذين عنه

____________________

(١). وفيات الاعيان ٣ / ٤٠٨ باختصار.


أو عن أتباعه، كالامام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن المنذر، وابن حبان، وابن خزيمة، والبيهقي، والحاكم، والخطابي، والخطيب، وأبي نعيم وغيرهم. إلى زماننا »(١) .

٥ - ابن الأثير بعد ذكر شرط الصحيحين: « وهذا الشرط الذي ذكرناه قد ذكره الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وقد قال غيره: إن هذا الشرط غير مطرد في كتابي البخاري ومسلم، فإنهما قد أخرجا فيهما أحاديث على غير هذا الشرط. والظن بالحاكم غير هذا، فإنه كان عالماً بهذا الفن خبيراً بغوامضه عارفاً بأسراره، وما قال هذا القول وحكم على الكتابين بهذا الحكم إلّا بعد التفتيش والاختبار والتيقن لما حكم به عليهما »(٢) .

أقول: ونحن نقول في مورد حكم الحاكم بصحة هذا الحديث الذي ذكرناه بأنه كان عالماً بهذا الفن خبيراً بغوامضه عارفصا بأسراره، وما قال هذا القول وما حكم على هذا الحديث بهذا الحكم إلّا بعد التفتيش والاختبار والتيقن لما حكم به عليه. ولله الحمد على ذلك.

* * *

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٣.

(٢). جامع الاصول ١ / ٩٢.


(١٢)

وحدة السّياق

بين حديث الغدير وحديثٍ أخرجه البخاري



أخرج البخاري في ( صحيحه ) الحديث التالي: « حدثني إبراهيم بن المنذر، قال نا محمد بن فليح، قال حدثنا أبي عن هلال بن علي عن عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما من مؤمن إلّا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة. إقرأوا ان شئتم: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مسلم ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، فإنْ ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني وأنا مولاه »(١) .

وقد علمت سابقاً أن هذا الحديث قد أخرجه مسلم أيضاً، كما علمت من ( الدر المنثور ) أنه قد أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه.

وهذا الحديث يماثل سياق حديث الغدير، فيلزم أن يكون المراد من ( المولى ) في حديث الغدير نفس المعنى المراد منه في هذا الحديث.

وأما تماثل السياق فواضح جدّاً، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر أولاً أولويته بالمؤمنين من أنفسهم في الدنيا والآخرة ثم قال: « وأنا مولاه ». وكذلك الأمر في حديث الغدير حيث بيّن فيه كونه أولى من المؤمنين من أنفسهم ثم قال: « من كنت مولاه فعلي مولاه ».

____________________

(١). صحيح البخاري تفسير سورة الاحزاب.


فبنفس الدليل الذي حملوا به ( المولى ) في حديث الصحيحين على معنى ( ولي الأمر ) نحمل ( المولى ) في حديث الغدير عليه.

أمّا حملهم ( المولى ) على ذلك فقد عرفت من عبارة القسطلاني ذلك، فإنه فسّر « وأنا مولاه » بقوله: « أي ولي الميت أتولى عنه أموره ».

ونحوه عبارة الكرماني والنووي. فراجع.

* * *


(١٣)

حديث الغدير بلفظ:

« فإنَّ عليّاً بعدي مولاه »



وجاء في ( تاريخ ابن كثير ) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: « من كنت مولاه فإنّ علياً بعدي مولاه » وإليك النص الكامل للحديث بسنده:

« قال عبد الرزاق: أنا معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: نزلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند غدير خم، فبعث منادياً ينادي، فلما اجتمعنا قال: ألست أولى بكم من آبائكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال ألست ألست؟ قلنا: بلي يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فإنّ علياً بعدي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

فقال عمر بن الخطاب: « هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كلّ مؤمن »(١) .

ولو أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ( الولي ) الموالاة والمحبة لما كان للتقييد بقوله « بعدي » وجه.

وبما ذكرنا صرح ابن تيمية حيث قال: « فقول القائل: علي ولي كلّ مؤمن بعدي كلام يمتنع نسبته إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانه إنْ أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي، وإنْ أراد الامارة كان ينبغي أن يقال: وال على كل

____________________

(١). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٤٩.


مؤمن »(١) .

ومن الواضح أن لفظ ( الولي ) يرادف ( المولى ). فظهر أن ليس المراد هو ( الموالاة ) وإلّا لكان الاتيان بلفظ ( بعدي ) لغواً يمتنع نسبته إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

* * *

____________________

(١). منهاج السنة ٤ / ١٠٤.


(١٤)

كلام ابن حجر المكّي

إستناداً إلى فهم أبي بكر وعمر



وقال ابن حجر المكي في الجواب عن حديث الغدير: « سلمنا أنه أولى، لكنْ لا نسلّم أن المراد أنه أولى بالامامة، بل بالإِتّباع والقرب منه، فهو كقوله تعالى: ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) . ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال، بل هو الواقع، إذ هو الذي فهمه أبوبكر وعمر، وناهيك بهما من الحديث، فإنهما لما سمعاه قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني.

وأخرج أيضاً أنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقال: إنه مولاي »(١) .

أقول: وهل ( الأولى بالاتباع ) إلّا الامام؟

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٢٦.



(١٥)

حديث مسلم بن الحجّاج:

لا يقل العبد لسيّده « مولاي » فإنّ مولاكم الله



ومن الأدلة ما أخرجه مسلم في ( صحيحه ) بعد حديث:

« وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وأبو كريب قالا: نا أبو معاوية. ح وقال: ثنا أبو سعيد الأشج قال: نا وكيع، كلاهما عن الأعمش بهذا الاسناد، وفي حديثهما: ولا يقل العبد لسيده مولاي. وزاد في حديث أبي معاوية: فإن مولاكم الله »(١) .

وروى المولوي محمد إسماعيل: « وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يقولنَّ أحدكم عبدي وأمتي، كلّكم عبيد الله وكلّ نسائكم إماء الله، ولكن ليقل سيّدي. وفي رواية: لا يقل العبد لسيده مولاي فإنّ مولاكم الله »(٢) .

فمن منع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنْ يقول العبد لسيده « مولاي » يظهر أن المتبادر من ( المولى ) معنى وراء معنى المحب والناصر والمحبوب، إذ لو كان المراد شيء من هذه المعاني لم يكن للمنع عن ذلك وجه.

ومن إطلاقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( المولى ) على نفسه وعلى أمير المؤمنين عليه‌السلام يعلم أنه ليس مراده من ذلك المحب والناصر والمحبوب، وإنما المراد معنى لا يجوز إثباته لسائر الناس، وهو الأولوية بالتصرف، فإن هذا المعنى ثابت

____________________

(١). صحيح مسلم ٢ / ١٩٧ باب ألفاظ من الأدب.

(٢). منصب امامت - مخطوط.


لله عز وجل، ثم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم لأمير المؤمنين عليه‌السلام القائم مقامه.

* * *


(١٦)

قول سيّدتنا الزهراء عليها‌السلام

أنسيتم قول رسول الله يوم غدير خم ...؟



وروى شمس الدين ابن الجزري في ( أسنى المطالب ) ما نصه: « وألطف طريق وقع لهذا الحديث وأغربه ما حدّثنا به شيخنا خاتمة الحفاظ أبو بكر محمد بن عبد الله ابن المحب المقدسي مشافهة، أخبرتنا الشيخة أم محمد زينب ابنة أحمد بن عبد الرحيم المقدسية، عن أبي المظفر محمد بن فتيان بن المثنى، أخبرنا أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ، أخبرنا ابن عمة والدي القاضي أبو القاسم عبد الواحد ابن محمد بن عبد الواحد المدني بقراءتي عليه، أخبرنا ظفر بن داعي العلوي باستراباد، أخبرنا والدي وأبو أحمد بن مطرف المطرفي قالا: حدثنا أبو سعيد الادريسي إجازة فيما أخرجه في تاريخ إستراباد، حدثني محمد بن محمد بن الحسن أبو العباس الرشيدي من ولد هارون الرشيد بسمرقند - وما كتبنا إلّا عنه - حدثنا أبو الحسن محمد بن جعفر الحلواني، حدثنا علي بن محمد بن جعفر الأهوازي مولى الرشيد، حدثنا بكر بن أحمد القصري.

حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا، حدثتني فاطمة وزينب وأم كلثوم بنات موسى بن جعفر، قلن: حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد الصادق، حدثتني فاطمة بنت محمد بن علي، حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين، حدثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي، عن أم كلثوم بنت فاطمة بنت النبي عليه


السلام، عن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه ورضي عنها قالت:

أنسيتم قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه؟! وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟!

هكذا أخرجه الحافظ الكبير أبو موسى المديني في كتابه المسلسل بالأسماء وقال: هذا الحديث مسلسل من وجه، وهو أن كل واحدة من الفواطم تروي عن عمة لها، فهو رواية خمس بنات أخ كل واحدة منهن عن عمتها ».

وإن هذا الحديث يدل بوضوح على أن الصحابة لم يعملوا حسب مفاد حديثي الغدير والمنزلة، فإنْ كان الحديثان يدلّان على الامامة والخلافة لأمير المؤمنين عليه‌السلام فذاك المطلوب، وإنْ كانا بمعزل عن الدلالة على الامامة - لو فرض - بل يدلان على مجرد وجوب الموالاة فإن قولها عليها الصلاة والسلام « أنسيتم » يدل على تركهم لمحبة أمير المؤمنين وموالاته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لكنّ تركهم لمحبة علي عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي حياة الزهراء عليها‌السلام لا يتصور إلّا على تقدير كون علي عليه‌السلام هو الامام والخليفة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن الصحابة قد تركوا موالاته بسبب صرفهم الخلافة عنه إلى غيره، إذ لو كان عملهم ذاك صحيحاً وكانت خلافة أبي بكر بحق لما تحقق من الصحابة ترك لموالاة علي عليه‌السلام في ذاك الظرف - أي بعد وفاة النبي وفي حياة فاطمة -.

فهذا الحديث يدل على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام على كل تقدير كما أوضحنا.

* * *


(١٧)

حديث الغدير بلفظ:

« منْ وليّكم؟ من كان الله وليّه فهذا وليّه »



وروى أبو عبد الرحمن النسائي حديث الغدير باللفظ الآتي مع سنده:

« أنبأنا زكريا بن يحيى، ثنا يعقوب بن جعفر بن كثير عن مهاجر بن مسمار قال: أخبرتني عائشة بنت سعد عن سعد قالت قال: كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطريق مكة وهو متوجّه إليها، فلمّا بلغ غدير خم وقّف الناس، ثم ردّ من مضى ولحقه من تخلّف، فلما اجتمع الناس إليه قال: أيها الناس هل بلّغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم ثلاث مرات يقولها. ثم قال: يا أيها الناس من وليّكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم ثلاثاً. ثم أخذ بيد علي فقال: من كان الله وليّه فهذا وليّه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .

أقول: إنْ كان معنى ( الولي ) هو المحب أو الناصر أو المحبوب لأجاب القوم بذلك ولم يقولوا: « الله ورسوله أعلم » لكن المراد من ( الولي ) هو ( ولي الأمر والمتصرف فيه ). ولمـّا كان عامة الناس يجهلون ( المتصرف في الأمر ) بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلذا قالوا في جواب سؤاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المكرّر ثلاث مرّات « الله ورسوله أعلم ».

____________________

(١). الخصائص للنسائي: ١٠١.


حتى إذا أظهروا جهلهم وعجزهم عن الجواب عن هذا السؤال بيّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمر قائلاً - مع الأخذ بيد علي - « من كان الله وليه فهذا وليه » أي: فمن كان الله ولي أمره. فعلي وليّ أمره.

فهذه الرواية مثل الرواية السابقة المنقولة عن مستدرك الحاكم.

* * *


(١٨)

حديث الغدير بلفظٍ يدلّ ُ

على المطلوب منْ وجوه



وأخرج الطبراني في المعجم الكبير حديث الغدير بلفظ يدل على المطلوب من وجوه، وإليك نصه كما في ( كنز العمال ): « عن جرير البجلي: قال: شهدنا الموسم في حجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي حجة الوداع، فبلغنا مكاناً يقال له غدير خم.

فنادى الصلاة جامعة. فاجتمع المهاجرون والأنصار، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسطنا، قال: يا أيها الناس بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلّا الله. قال: ثم مه؟ قالوا: وأن محمداً عبده ورسوله. قال: فمن وليّكم؟ قالوا: الله ورسوله مولانا. ثم ضرب بيده إلى عضد علي فأقامه فنزع عضده فأخذ بذراعيه فقال: من يكن الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. أللهم من أحبه من الناس فكن له حبيباً ومن أبغضه فكن له مبغضاً، أللهم إني لا أجد أحداً أستودعه في الأرض بعد العبدين الصالحين، فاقض فيه بالحسنى. طب »(١) .

____________________

(١). كنز العمال ١٥ / ١٢.


وجوه دلالة هذا الحديث:

وهذا حديث يدل على المطلوب من وجوه:

« الأول »: إن المتبادر من « الولي » كما يظهر من جواب القوم لسؤال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاهم « فمن وليكم؟ » بقولهم « الله ورسوله مولانا » هو « ولي الأمر »، وإلّا لما خصّوا ذلك وحصروه في « الله ورسوله ».

وعليه فيجب حمل ( الولي ) على « ولي الأمر » في الأحاديث التي وردت هذه اللفظة بحق أمير المؤمنين، بعين ما حمل الصحابة هذه اللفظة في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فمن وليّكم » على المتصرف في الأمور.

« الثاني »: إن هذا الحديث ظاهر في أن ( المولى ) في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فإن هذا مولاه » و في قوله: « من يكن الله ورسوله مولاه » بمعنى واحد، وقد علم من جواب الأصحاب - حيث حصروا هذا المعنى في الله ورسوله - أنه ليس المراد المحب أو الناصر أو المحبوب - لعدم كون هذه المعاني منحصرة لله ورسوله - بل المراد هو الولاية في التصرف، فإنها الثابتة لله ولرسوله، ولا يستحقه إلّا الله ورسوله.

وأيضاً: فإن جواب الأصحاب ظاهر في اتحاد ( المولى ) و ( الولي ) في المعنى، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سألهم: « فمن وليّكم؟ » فأجابوا قائلين: « الله ورسوله مولانا ».

وهذا يبطل دعوى شاه ولي الله عدم مجيء ( الولي ) بمعنى ( المولى ).

« الثالث » : إن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم إني لا أجد أحداً أستودعه في الأرض بعد العبدين الصالحين فاقض فيه بالحسنى » يدل على أن الشيخين لا يكونان خليفتين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلّا لاستودع علياً عليه‌السلام إيّاهما.


ولا يتوهم أنهما المراد من قوله « بعد العبدين الصالحين »، فإنه توهم باطل جداً، إذ لو كان كذلك لما امتنع عليه‌السلام من البيعة لأبي بكر حتى أجبروه عليها، وهدّدوه بالقتل إنْ لم يفعل، كما سنشرح ذلك فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.

* * *



(١٩)

الاستدلال بكلام ابن حجر

على ضوءِ حديث الغدير



ومن وجوه دلالة حديث الغدير: ما ذكره صاحب الصواعق بقوله: « على أنّ كون المولى بمعنى الامام لم يعهد لغةً ولا شرعاً. أمّا الثاني فواضح. وأمّا الأول فلأن أحداً من أئمة العربية لم يذكر أن مفعلاً يأتي بمعنى أفعل. وقوله تعالى: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي مقرّكم أو ناصرتكم مبالغة في نفي النصرة، كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له. وأيضاً: فالاستعمال يمنع من أن مفعلاً بمعنى أفعل، إذ يقال هو أولى من كذا، دون مولى من كذا، وأولى الرجلين، دون مولاهما.

وحينئذ فإنما جعلنا من معانيه المتصرف في الأمور نظراً للرواية الآتية: من كنت وليّه »(١) .

أقول: فإذا كان ( الولي ) بمعنىْ ( المتصرف في الأمور ) في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت وليه » فإنّ ( المولى ) في قوله: « من كنت مولاه » يكون كذلك، لأن الحديث يفسّر بعضه بعضاً.

وإنّ مجرد ثبوت إرادة معنى ( المتصرف في الأمور ) يكفي لإِثبات الحق ومرام

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٢٥.


أهله، ولله الحجة البالغة.

ولقد علمت سابقاً أن هذا الحديث - الذي جعل ابن حجر ( المتصرف في الأمر ) معنى ( الولي ) بالنظر إليه - من روايات أكابر أهل السنة ومشاهير أئمتهم.

* * *


(٢٠)

تصدير النبيّ الكلام بقوله:

« إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من

أنفسهم »



لقد تقدم على حديث الغدير في بعض ألفاظه المروي بسند صحيح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم » ثم قال مباشرة: « فمن كنت مولاه فهذا مولاه » يعني علياً عليه الصلاة والسلام، وإليك نص الحديث ضمن كلام لابن حجر:

« فالغرض من التنصيص على موالاته اجتناب بغضه، لأن التنصيص عليه أوفى بمزيد شرفه. وصدّره بألست أولى بكم من أنفسكم ثلاثاً ليكون أبعث على قبولهم. وكذا بالدعاء له لأجل ذلك أيضاً، ويرشد لما ذكرناه. حثّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الخطبة على أهل بيته عموماً وعلى علي خصوصاً.

ويرشد إليه أيضاً ما ابتدأ به هذا الحديث، ولفظه عند الطبراني وغيره بسند صحيح أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب بغدير خم تحت شجرات فقال: إنه قد نبأني اللّطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلّا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسئول وإنكم مسؤلون فما ذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وجهدتٍ ونصحت، فجزاك الله خيراً. فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلّا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق وان الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث


من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم اشهد. ثم قال:

أيّها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني علياً - اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليَّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا. وعترتي أهل بيتي فإنّه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينفضّا حتى يردا عليَّ الحوض »(١) .

وفي ( مفتاح النجا في مناقب آل العبا ): « أخرج الحكيم في نوادر الأصول والطبراني بسند صحيح في الكبير، عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رضي‌الله‌عنه : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب بغدير خم تحت شجرة فقال: أيها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلّا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني قد يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسئول وإنكم مسؤلون فما ذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً. فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلّا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق، وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم أشهد.

ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه يعني علياً، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليَّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٢٥.


كتاب الله عزوجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيدكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأّني العليم الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض »(١) .

و قد ذكر صاحب ( مرافض الروافض ) هذا الحديث عن ( الصواعق ) فحرّفه ونقصه.

وهذا الحديث قد ذكر فيه ( المولى ) أربع مرات في سياق واحد وكلام متصل منتظم، فيلزم أن كله بمعنى واحد، وهذا الحديث الشريف نظير ما جاء في ديوان الحماسة: وقال حريث بن جابر:

لعمرك ما أنصفتني حين سمتني

هواك مع المولى وان لا هوى ليا

إذا ظلم المولى فزعت لظلمه

فحرك أحشائي وهرّ كلابيا

فقد تكرر لفظ ( المولى ) في هاتين البيتين وهو مقدر أيضاً بعد قوله « لا هوى ليا » أي مع مولاي، ومن الواضح أن ( المولى ) في هذه المواضع بمعنى واحد قطعاً.

ثم إن ( المولى ) في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن الله مولاي » هو بمعنى ( ولي الأمر )، إذ قد عرفت سابقاً قول أبي الحسن الواحدي: ( ثُمَّ رُدُّوا ) يعني العباد يردون بالموت ( إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) الذي يتولى أمورهم »(٢) .

وقال أبو الليث السمرقندي: ( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ ) يقول: أطيعوا الله تعالى فيما يأمركم ( هُوَ مَوْلاكُمْ ) يعني وليّكم وناصركم »(٣) .

وقال الكواشي: « ولا يوقف على ( أَنْتَ مَوْلانا ) سيدنا ومتولي أمورنا، لوجود الفاء في قوله ( فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) لأنك سيدنا والسيد ينصر

____________________

(١). مفتاح النجا - مخطوط.

(٢). التفسير الوسيط - مخطوط.

(٣). تفسير أبي الليث - مخطوط.


عبيده »(١) .

وقال السيوطي: ( أَنْتَ مَوْلانا ) سيّدنا ومتولي أمورنا »(٢) .

وقال أيضاً: ( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ ) ناصركم ومتولي أموركم »(٣) .

وقال أيضاً: ( لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا ) إصابته ( هُوَ مَوْلانا ) ناصرنا ومتولي أمورنا »(٤) .

فالمراد من ( المولى ) في جميع ألفاظ الحديث هو ( الأولى بالتصرف ) قطعاً.

وقد جاء في بعض الألفاظ: « إنّ الله وليي » بدل « إنّ الله مولاي » ففي ( الخصائص ) من طريق الحسين بن حريث: « إن الله وليي وأنا ولي المؤمنين، ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره » وقد تكرر في هذا الحديث لفظ ( الولي ) أربع مرات كما تكرر لفظ ( المولى ) في الحديث السابق أربع مرات، ولما كان المراد من ( الولي ) بالنسبة إلى الله عز وجل هو ( متولي أمور الخلق )، فهو المراد أيضاً بالنسبة إلى النبي عليه وآله الصلاة والسلام، فكذا ولاية علي.

وفي ( كنز العمال ): « ألا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن. من كنت مولاه فعلي مولاه. أبو نعيم في فضائل الصحابة عن زيد بن أرقم والبراء بن عازب معاً »(٥) .

ومن المعلوم أن المراد من كون الله تعالى ( ولياً ) هو كونه ( ولي الأمر ومتوليه ) قال النيسابوري: ( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) أي متولي أمورهم وكافل مصالحهم. فعيل بمعنى فاعل »(٦) .

____________________

(١). التلخيص في التفسير - مخطوط.

(٢). الجلالين: ٦٦.

(٣). المصدر: ٢٤٠.

(٤). المصدر: ٢٥٦.

(٥). كنز العمال ١٢ / ٢٠٧.

(٦). تفسير النيسابوري ٣ / ٢١.


وقال القاري بشرح هذا الدعاء: « اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن » قال: « أنت وليّها. أي المتصرف فيها ومصلحها ومربّيها ومولاها، أي ناصرها وعاصمها. وقال الحنفي: عطف تفسيري »(١) .

وكذا قال فخر الدين محب الله(٢) .

وجاء في بعض ألفاظ حديث الغدير التعبير بـ ( المولى ) عن الله تعالى، وبـ ( الولي ) عن النبي، ففي ( الخصائص ) للنسائي: « أنبأنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن حماد، قال أخبرنا أبو عوانة عن سليمان، قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لمـّا رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع ونزل بغدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال: إن الله مولاي فأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فهذا وليه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: أسمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه بأُذنه »(٣) .

وفي ( المستدرك ) من طريق أبي الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي: « إن الله عز وجل مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه»(٤) .

وفي ( تاريخ ابن كثير ) عن سنن النسائي من طريق محمد بن المثنى: « قال: الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا

____________________

(١). الحرز الثمين - في شرح الحصن الحصين لملا علي القاري: ٢٩٢.

(٢). الحرز الرصين - شرح الحصن الحصين لفخر الدين محب الله.

(٣). الخصائص: ٩٣.

(٤). المستدرك ٣ / ١٠٩.


وليه »(١) .

وفي ( كنز العمال ) عن ابن جرير: « إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٢) .

ومن الواضح أن المراد من كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( ولياً ) هو كونه ( متولي أمور المسلمين والمتصرف فيها ) كما عرفت من كلام ابن حجر حيث حمل حديث: « من كنت وليّه » على ( المتصرف في الأمور ) وقال العزيزي بشرح: « أنا ولي المؤمنين » قال: « أي متولي أمورهم »(٣) .

واذ كانت ولاية الله والرسول بمعنى « ولاية الأمر » فكذا ولاية أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

وأيضاً: قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه الطبراني والحكيم الترمذي: « وأنا أولى بهم من أنفسهم » يفسّر قوله: « وأنا مولى المسلمين ».

فظهر أن المراد من ( مولى المؤمنين ) كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وقد عرفت سابقاً أنّ أولويته بالمؤمنين من أنفسهم تستتبع وجوب إطاعته. قال القسطلاني بشرح حديث أبي هريرة: « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما من مؤمن إلّا وأنا أولى » قال: « ويترتب على كونه أولى بهم من أنفسهم أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات أنفسهم وان شق ذلك عليهم، وأن يحبوه أكثر من محبتهم لأنفسهم »(٤) .

وقال بشرحه في كتاب الفرائض: « أي أحق بهم في كلّ شيء من أمور الدين

____________________

(١). تاريخ ابن كثير ٥ / ٢٠٩.

(٢). كنز العمال ١٥ / ٩١.

(٣). السراج المنير بشرح الجامع الصغير ١ / ٣٢٠.

(٤). ارشاد الساري - شرح صحيح البخاري - كتاب الاستقراض.


والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها »(١) .

ثم إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جمع في حديث الطبراني والحكيم الترمذي - الصحيح سنداً - وفي غيره أيضاً، بين حديث الغدير وحديث الثقلين، وحديث الثقلين يفيد وجوب متابعة أهل البيت والانقياد لهم كما هو ظاهر جدّاً، ومسلّم به عند ( الدهلوي ) أيضاً حيث اعترف به في الباب الرابع من ( التحفة )، ولا ريب في أن وجوب المتابعة والانقياد يفيد الامامة والخلافة بلا فصل بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك يبطل خلافة غيره، لأن التابع لا يكون إماماً للمتبوع.

وأيضاً: فإن حديث الثقلين يدل على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام ، فمع وجود أمير المؤمنين المعصوم لا يكون غيره مستحقاً للامامة قطعاً، والعجب من صاحب ( المرافض ) الذي أورد حديث الطبراني عن ( الصواعق ) مع إسقاط جملة: « وقد نبأني اللطيف الخبير » الدال على عدم افتراق الثقلين والصريح في عصمة أمير المؤمنين وأفضليّته.

ومن الطريف جعل صاحب ( الصواعق ) حديث الثقلين قرينة على عدم دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليه‌السلام ، وما علم أن حديث الثقلين يثبت إمامته بسبب دلالته على عصمته عليه‌السلام .

ولقد ذكر نور الدين السمهودي بعض الروايات التي جاء فيها حديث الثقلين مع حديث « من كنت مولاه فعلي مولاه » فقد ذكر: « عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي‌الله‌عنه قال: لمـّا صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهن، ثم بعث إليهن فقمَّ ما تحتهن من الشوك، وعمد إليهن فصلّى تحتهنّ ثم قام فقال:

يا أيها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلّا نصف الذي

____________________

(١). ارشاد الساري - شرح صحيح البخاري - كتاب الفرائض.


يليه من قبله، وإني لأظن أني يوشك أنْ أُدعى فأُجيب، وإني مسئول وإنكم مسئولون فما ذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت، فجزاك الله خيراً. فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلّا الله وأن محمداً عبده ورسوله وجنته حق وناره حق، وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم اشهد. ثم قال:

يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا ولي المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه يعني علياً، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليَّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليَّ الحوض.

أخرجه الطبراني في الكبير والضياء في المختارة من طريق سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل، وهما من رجال الصحيح عنه بالشك في صحابته. وأخرجه أبو نعيم في الحلية وغيره من حديث زيد بن الحسن الأنماطي وقد حسّنه الترمذي وضعّفه غيره عن معروف بن خرّبوذ عن أبي الطفيل وهما من رجال الصحيح عن حذيفة وحده من غير شك به »(١) .

وروى السمهودي أيضاً: « عن عامر أبي ليلى بن ضمرة وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهما قالا: لمـّا صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع ولم يحج غيرها، أقبل حتى إذا كان بالجحفة نهى عن شجرات بالبطحاء متقاربات لا ينزلوا تحتهن، حتى إذا نزل القوم وأخذوا منازلهم سواهن، أرسل إليهنّ فقمّ ما

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.


تحتهنّ وشذبن عن رؤس القوم، حتى إذا نودي للصلاة غدا إليهنَّ فصلى تحتهن، ثم انصرف إلى الناس وذلك يوم غدير خم - وخم من الجحفة وله بها مسجد معروف - فقال:

أيها الناس إني قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلّا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أنْ أُدعى فأُجيب، وإني مسئول وأنتم مسئولون هل بلّغت، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نقول قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وأن ناره حق والبعث بعد الموت حق؟ قالوا: بلى نشهد. قال: اللهم اشهد. ثم قال يا أيها الناس ألا تسمعون، ألا فإنّ الله مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فهذا مولاه، وأخذ بيد علي فرفعها حتى عرفه القوم أجمعون، ثم قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال:

أيها الناس إني فرطكم وأنتم واردون عليَّ الحوض حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة، ألا وإني سائلكم حين تردون عليَّ من الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. قالوا: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرف بايديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا. وعترتي فإنّي قد نبأّني الخبير أنْ لا يتفرقا حتى يلقياني. وسألت الله ربي لهم ذلك فأعطاني، فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلّموهم فهم أعلم منكم.

أخرجه إبن عقدة في الموالاة من طريق عبد الله بن سنان عن أبي الطفيل عنهما به. ومن طريق ابن عقدة أورده أبو موسى المديني في فضائل الصحابة. وقال: إنه غريب جدّاً، والحافظ أبو الفتوح العجلي في كتابه الموجز في فضائل الخلفاء »(١) .

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.


ومن هذا الحديث تثبت عصمة أمير المؤمنين وأعلميّته من غيره.

وأورد السمهودي حديثاً آخر عن أبي الطفيل قائلاً: « وعن أبي الطفيل: إنّ علياً رضي‌الله‌عنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: انشد الله من شهد غدير خم إلّا قام، ولا يقوم رجل يقول نبئت أو بلغني إلّا رجل سمعت اذناه ووعاه قلبه. فقام سبعة عشر رجلاً منهم: خزيمة بن ثابت، وسهل بن سعد، وعدي ابن حاتم، وعقبة بن عامر، وأبو أيوب الانصاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو شريح الخزاعي، وأبو قدامة الأنصاري، وأبو ليلى، وأبو الهيثم بن التيهان، ورجال من قريش. فقال علي رضي‌الله‌عنه وعنهم: هاتوا ما سمعتم. فقالوا: نشهد أنا أقبلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع حتى إذا كان الظهر خرج رسول فأمر بشجرات فشذبن وألقى عليهن ثوب ثم نادى بالصلاة، فخرجنا فصلّينا. ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما أنتم قائلون؟ قالوا: قد بلّغت. قال: اللهم اشهد - ثلاث مرات - قال: إني أُوشك أن أُدعى فأُجيب وإني مسئول وأنتم مسئولون.

ثم قال: ألا إن دمائكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا وحرمة شهركم هذا. أُوصيكم بالنساء. أُوصيكم بالجار. أُوصيكم بالمماليك. أُوصيكم بالعدل والاحسان.

ثم قال: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. نبّأني بذلك العليم الخبير. وذكر الحديث في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال علي: صدقتم وأنا على ذلك من الشاهدين.

أخرجه ابن عقدة من طريق محمد بن كثير عن فطر وأبي الجارود، كلاهما عن أبي الطفيل »(١) .

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.


(٢١)

قول أبي أيّوب الأنصاري وجماعة:

السّلام عليك يا مولانا



وجاء في ( مسند أحمد ) ما نصّه: « حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم ثنا حنش بن الحارث بن لقيط النخعي الأشجعي، عن رياح بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا. قال: وكيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فهذا مولاه.

قال رباح: فلما مضوا تبعتهم وسألت من هم؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري.

حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أحمد ثنا حنش عن رياح بن الحارث قال: رأيت قوماً من الأنصار قدموا على علي في الرحبة فقال: من القوم؟ قالوا: مواليك يا أمير المؤمنين فذكر معناه»(١) .

وأخرج أبو القاسم الطبراني: « ثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ح وثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا شريك عن حنش بن الحارث عن رياح بن الحارث قال: بينما علي رضي‌الله‌عنه جالس في

____________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٤١٩.


الرحبة إذ جاء رجل وعليه أثر السفر فقال: السلام عليك يا مولاي - فقيل: من هذا؟ فقال: أبو أيوب الأنصاري. فقال أبو أيوب: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه»(١) .

وأخرج أيضاً: « ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا علي بن حكيم الأودي ثنا شريك عن حنش بن الحارث وعن الحسن بن الحكم عن رياح بن الحارث. وثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا يحيى بن الحماني ثنا شريك عن الحسن بن الحكم عن رياح بن الحارث النخعي قال: كنّا قعوداً مع علي رضي‌الله‌عنه ، فجاء ركب من الأنصار عليهم العمائم فقالوا: السلام عليكم يا مولانا. فقال علي رضي‌الله‌عنه : أنا مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: نعم. سمعنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه - إلى - عاداه. وهذا أبو أيوب بيننا، فحسر أبو أيوب العمامة عن وجهه ثم قال: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول من كنت مولاه - إلى - عاداه »(٢) .

وقال سبط ابن الجوزي: « الباب الثاني - في فضائله. فضائله كرّم الله وجهه أشهر من الشمس والقمر وأكثر من الحصى والمدر، وقد اخترت منها ما ثبت واشتهر، وهي قسمان: قسم مستنبط من الكتاب، والثاني من السّنة الظاهرة التي لا شك فيها ولا ارتياب.

قال أحمد في الفضائل: حدثنا يحيى بن آدم ثنا حنش بن الحارث بن لقيط النخعي عن رياح بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي فقالوا: السلام عليك يا مولانا. وكان بالرحبة. فقال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه. قال رباح: فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري

____________________

(١). المعجم الكبير ٤ / ١٧٣.

(٢). المعجم الكبير ٤ / ١٧٣.


صاحب رسول الله »(١) .

وأورد محب الدين الطبري: « عن رياح بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا. قال: كيف أكون مولاكم وأنتم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه. قال رياح: فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب، خرّجه أحمد.

وعنه قال: بينما علي جالس إذ جاء رجل فدخل وعليه أثر السفر فقال: السلام عليك يا مولاي. قال: من هذا؟ فقال: أبو أيوب الأنصاري. قال علي: فرّجوا له ففرّجوا. فقال أبو أيوب: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. خرّجه البغوي في معجمه »(٢) .

وقال ابن كثير الدمشقي: « قال أحمد ثنا يحيى بن آدم

ورواه ابن أبي شيبة عن حنش عن رياح بن الحارث قال: بينما نحن جلوس في الرحبة مع علي »(٣) .

وقال عطاء الله المحدّث الشيرازي: « ورواه زر بن حبيش فقال: خرج علي عليه‌السلام من القصر فاستقبله ركبان متقلدي السيوف عليهم العمائم حديثي عهد بسفر فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا مولانا. فقال علي عليه‌السلام بعد ما رد السلام: من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقام اثنا عشر رجلاً منهم: خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وثابت بن قيس بن شماس، وعمار بن ياسر، وأبو الهيثم بن التيهان، وهاشم بن عقبة، وسعد بن أبي وقاص، وحبيب بن بديل. ابن ورقاء، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم

____________________

(١). تذكرة خواص الامة: ١٣.

(٢). الرياض النضرة ٢ / ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٣). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٤٧ - ٣٤٨.


يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث »(١) .

وقال القاري: « وفي الرياض عن رياح بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا أخرجه أحمد »(٢) .

فهذا الحديث الذي أخرجه أئمة أهل السنة كما رأيت، من الأدلة الواضحة الدلالة على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، لأنه لو كان المراد من ( المولى ) في حديث الغدير هو الناصر أو نحوه لما كان لقوله عليه‌السلام : « كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب » معنى صحيح، لأنه يكون حينئذ: كيف أكون محبكم أو ناصركم أو محبوبكم وأنتم قوم عرب؟ وهل يعقل نسبة هكذا كلام الى أمير المؤمنين، وهو أفصح الناس بعد رسول الله؟

إذن، لا يبقى ريب في أن مراد أبي أيوب وجماعته من قولهم: « يا مولانا » هو الولاية بمعنى الأولوية في التصرف في الأمور. فقال لهم الامام: « كيف أكون » حتى يحملهم على ذكر حديث الغدير يعترفوا بهذه الحقيقة الراهنة على رؤس الاشهاد.

____________________

(١). الأربعين في فضائل أمير المؤمنين - مخطوط.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٧٤.


(٢٢)

قيل لعمر بن الخطاب:

تصنع بعليّ شيئاً لا تصنعه بأحدٍ!

فقال: إنّه مولاي



ومن الأدلة: ما رواه القوم من أنه « قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئاً ما تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقال: إنه مولاي ».

وممن رواه الموفق بن أحمد حيث قال: « أخبرنا العلامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي قال: أخبرنا الأمين أبو الحسن علي ابن مردك الرازي قال: أخبرنا الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السمان قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن الحسين القرشي ابن الصباغ بالكوفة بقراءتي عليه حدثنا الحسن بن محمد الكوفي، قال حدثنا الحضرمي، قال حدثنا محمد بن سعيد المحاربي، قال حدثنا حسين الأشقر عن قيس بن عمار الدهني عن سالم قال: قيل لعمر: نراك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال: إنه مولاي »(١) .

ومنهم: محبّ الدين الطبري، رواه عن ابن السمان عن سالم: « قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئاً ما تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله! فقال: إنه مولاي »(٢) .

____________________

(١). مناقب الخوارزمي: ٩٧.

(٢). الرياض النضرة ٢ / ٢٢٤.


ومنهم: ابن حجر المكي حيث قال: « وأخرج أيضاً - أي الدارقطني - إنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئاً ما تفعله ببقية الصحابة. فقال: إنه مولاي »(١) .

ومنهم: شمس الدين المناوي. رواه عن الدارقطني: « قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من الصحابة. قال: إنه مولاي »(٢) .

ومنهم: أحمد بن الفضل حيث قال: « وأخرج - أي الدارقطني - ايضاً عن سالم بن أبي جعد قال: لعمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه : إنك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي. فقال: انه مولاي »(٣) .

ومنهم: محمد صدر العالم: « أخرج الدارقطني: لأنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي. فقال: إنه مولاي »(٤) .

ومنهم: أحمد بن عبد القادر العجيلي: « وقيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئاً ما تفعله ببقية الصحابة. فقال: إنه مولاي »(٥) .

وجه الدلالة: إن هذا صريح في أن كون علي عليه‌السلام ( مولى ) لعمر ابن الخطاب كان سبباً لتعظيمه وتقديمه على بقية الصحابة عند عمر، فإنْ كان المراد من ( المولى ) هو الولاية في التصرف فذاك المطلوب، وإن كان المراد معنى آخر يقتضي أفضليّته وتقديمه ثبت المطلوب كذلك، لأن الأفضلية تقتضي إمامته وخلافته عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكل وضوح.

هذا، وقد تقدم عن ابن حجر المكي في كتاب ( الصواعق المحرقة ) التصريح بأن الشيخين فهما من ( المولى ) معنى ( الأولى بالاتباع والقرب ). ثم إنه استشهد لذلك بهذا الحديث الذي قال فيه عمر: « إنه مولاي ». ولا بأس بنقل

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٢٦.

(٢). فيض القدير - شرح الجامع الصغير ٦ / ٢١٨.

(٣). وسيلة المآل - مخطوط.

(٤). معارج العلى - مخطوط.

(٥). ذخيرة المآل - شرح عقد جواهر اللئال - مخطوط.


كلام ابن حجر هنا ليتم المرام، وهذا نصه:

« سلّمنا انه أولى، لكن لا نسلّم أن المراد أنه أولى بالامامة، بل بالاتباع والقرب منه، فهو كقوله تعالى: ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) .

ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال، بل هو الواقع، إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر، وناهيك بهما في الحديث، فإنهما لمـّا سمعاه قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني.

وأخرج أيضاً إنه قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال: إنه مولاي ».

فنحن ندين هؤلاء من أفواههم، ونحاكمهم بما حكمت به أفهامهم، ونؤاخذهم بما سطرته أقلامهم، ونقول:

سلمنا أن احتمال كون المراد « الأولى بالاتباع » هو الواقع، والدليل على ذلك فهم أبي بكر وعمر، لأن فهمهما في الحديث حجة!! فما معنى هذه الأولوية بالاتباع التي حملت عمر على أن يصنع بأمير المؤمنين عليه‌السلام ما لم يكن يصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من التقديم والتكريم والاحترام والتبجيل حتى تعجّب الناس وسألوه عن ذلك فأجاب بـ « إنه مولاي »؟

إنه يكون معنى حديث الغدير بحسب فهم أبي بكر وعمر: من كنت أولى بالاتباع بالنسبة إليه فعلي الأولى بالاتباع بالنسبة إليه أي: إن علياً يقوم مقام النبي في الأولوية بالاتباع ومعنى هذه الأولوية موجود في القرآن الكريم قال الله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وقال عزّ من قائل: ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) .

وهل هذا المعنى إلّا الأولوية بالتصرف؟

وهل هذه الأولوية إلّا الولاية العامّة؟

وهل الولاية العامّة إلّا الامامة؟

ثم إنه لمـّا ثبت تقدّم أمير المؤمنين عليه‌السلام على عمر بن الخطاب ثبت


تقدّمه على أبي بكر بن أبي قحافة بالاجماع المركب.

ولو تنزلنا عن هذا، فإن تقدّم علي على عمر يثبت بطلان خلافته، وبطلان خلافة عمر يثبت بطلان خلافة أبي بكر.

وأيضاً: تقدّم علي على بقية الصحابة يفيد أفضليّته من عثمان، فثبت بطلان خلافة عثمان، وهو مستلزم لبطلان خلافة الأولين.

وأيضاً: يدل هذا الحديث على أن ترك استخلاف عمر لعلي وجعله الأمر شورى ظلم وجور، والجائر لا يستحق الامامة، وإذا ثبت بطلان خلافته ثبت بطلان من تقدّم عليه وهو أبو بكر ومن تأخّر عنه وهو عثمان.


(٢٣)

قول عمر - لمن استنكف من قضاء علي -:

ويحك! ما تدري من هذا؟! هذا مولاي



ومن الأدلة: ما رواه الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي قائلاً بعد حديث:

« وبهذا الإِسناد عن أبي سعيد هذا، قال أخبرنا طاهر بن محمد بن سمعان الجوالقي بعسكر مكرم بقراءتي عليه، قال حدثنا أبو طاهر عبد الرحمن بن عبد الوارث بن إبراهيم العسكري، قال حدثني أبي، قال حدثنا عمر، قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الزبيدي عن إبراهيم بن حيان عن أبي جعفر قال: جاء أعرابيّان إلى عمر يختصمان، فقال عمر: يا أبا الحسن اقض بينهما، فقضى علي على أحدهما. فقال المقضي عليه: يا أمير المؤمنين هذا يقضي بيننا. فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه ثم قال: ويحك ما تدري من هذا!! هذا مولاي ومولى كلّ مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن »(١) .

ورواه محب الدين الطبري في ( الرياض النضرة ) بقوله: « وعن عمر رضي‌الله‌عنه وقد جاءه أعرابيان يختصمان فقال لعلي: اقض بينهما يا أبا الحسن. فقضى علي بينهما. فقال أحدهما للآخر: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر رضي‌الله‌عنه وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة

____________________

(١). مناقب الخوارزمي: ٩٧.


ومن لم يكن [ علي ] مولاه فليس بمؤمن [ أخرجه ابن السمان في الموافقة ] »(١) .

ورواه في ( ذخائر العقبى ) أيضاً(٢) .

ورواه ابن حجر المكي قائلاً: « أخرج أيضاً - يعني الدارقطني - إنه جاءه - يعني عمر - أعرابيان يختصمان، فأذن لعلي في الفضاء بينهما. فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كلّ مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن »(٣) .

ورواه أحمد بن الفضل: « وعن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه وقد جاءه أعرابيان يختصمان، فقال لعلي كرم الله وجهه: اقض بينهما يا أبا الحسن فقضى علي رضي‌الله‌عنه بينهما. فقال أحدهما للآخر كالمستهزئ: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كلّ مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن. أخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة»(٤) .

وكذا رواه محمد بن إسماعيل الأمير اليماني نقلاً عن المحب الطبري(٥) .

ورواه أحمد بن عبد القادر العجيلي عن الدارقطني(٦) .

ومن الواضح: أنه لا مجال في هذا المقام لذكر معنى المحب والناصر والمحبوب، لأن الاعرابي قد استنكف عن قبول قضاء الامام عليه‌السلام ، فلا بدَّ - عند الجواب على كلامه - من ذكر ما يثبت صلوحه عليه‌السلام لمنصب القضاء، وكونه ناصراً أو محباً أو محبوباً لا يفيد الصلاحية للقضاء كما هو واضح.

____________________

(١). الرياض النضرة ٢ / ٢٢٤ - ٢٢٥.

(٢). ذخائر العقبى ٦٧ - ٦٨.

(٣). الصواعق: ١٠٧.

(٤). وسيلة المآل - مخطوط.

(٥). الروضة الندية ٥٤.

(٦). ذخيرة المآل - مخطوط.


فالمراد من كلام عمر معنى آخر وراء هذه المعاني، وهو الولاية في الحكم والتصرف في الأمور، وهو المطلوب.

* * *



(٢٤)

التهنئة في يوم الغدير وقولهم:

« بخ بخ لك يا علي »



لقد هنّأ عمر بن الخطاب علياً عليه‌السلام يوم الغدير بمناسبة كونه ( مولى ) من كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مولاه، وقد روى الدارقطني - كما في الصواعق - والعاصمي كما في زين الفتى مشاركة أبي بكر لعمر في تلك التهنئة.

ذكر من روى حديث تهنئة عمر

وقد روى حديث تهنئة عمر جماعة كبيرة من أعلام أهل السنة وكبار أئمتهم ومنهم:

١ - عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي.

٢ - أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني.

٣ - عبد الله بن أحمد بن حنبل.

٤ - أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي.

٥ - عبد الملك بن محمد أبو سعد الخركوشي.

٦ - أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي النيسابوري.

٧ - إسماعيل بن علي بن حسين المعروف بابن السمان.


٨ - عبد الكريم بن محمد المروزي السمعاني.

٩ - الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي.

١٠ - عمر بن محمد بن خضر الملا الأردبيلي.

١١ - يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي.

١٢ - محبّ الدين أحمد بن عبد الله الطبري.

١٣ - إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الجويني.

١٤ - محمد بن عبد الله ولي الدين الخطيب.

١٥ - جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي.

١٦ - إسماعيل بن عمر الشهير بابن كثير الدمشقي.

١٧ - علي بن شهاب الدين الهمداني.

١٨ - أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي.

١٩ - نور الدين علي بن محمد المعروف بابن الصباغ.

٢٠ - حسين بن معين الدين اليزدي الميبدي.

٢١ - عبد الله بن عبد الرحمن الحسيني المشتهر بأصيل الدين الواعظ.

٢٢ - محمود بن محمد بن علي الشيخاني القادري المدني.

٢٣ - محمد بن عبد الرسول البرزنجي المدني.

٢٤ - محمد بن معتمد خان البدخشاني.

٢٥ - محمد صدر العالم.

٢٦ - محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير اليماني الصنعاني.

وجه الدلالة

إن هذه التهنئة تدل على حصول مرتبة عظيمة لأمير المؤمنين عليه‌السلام في يوم غدير خم هي فوق جميع المراتب والمناصب، ويشهد بذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ذكر لعلي عليه‌السلام فضائل ومناقب في مقامات ومواضع


كثيرة، ولم يرو في شيء منها أن الصحابة هنئوه بما قال فيه.

ولو كان المراد مجرّد كونه ناصراً أو محباً أو محبوباً، لزم أن يكون هذا أعظم فضائل الامام عليه‌السلام ، لكن هناك فضائل ومناقب رواها الثقات هي أعظم من هذه المعاني والمناقب قطعاً. فالمراد إذن معنى آخر وراء هذه المعاني، وليس إلّا الولاية في التصرف.

فإنْ قيل: المراد هي المحبوبية المطلقة، فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثبت وأوجب لعلي عليه‌السلام يوم الغدير المحبوبية المطلقة مثل المحبوبية المطلقة الحاصلة لنفسه، وهذه مرتبة جليلة جدّاً ولذا هنأه الشيخان بها.

قلنا: إن هذه المحبوبية المطلقة المساوية للمحبوبية المطلقة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تثبت العصمة والأفضلية له على سائر الصحابة، لعدم الشك في أن محبوبيتهم ليست على حد محبوبية النبي. وحينئذ يثبت المطلوب وهو الامامة والخلافة لأمير المؤمنين بلا فصل.

ولقد ثبت أن هذه التهنئة كانت من غير الشيخين أيضاً، فقد هنأه يوم الغدير سائر الصحابة، بل أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً، كما لا يخفى على من راجع ( مرآة المؤمنين ) و ( معارج النبوة ) وغيرهما.

وقد نقل في ( معارج النبوة ) عن ( روضة الصفا ) و ( حبيب السير ) أنه قد نصب لعلي عليه‌السلام بعد خطبة الغدير خيمة جلس تحتها وأقبل القوم عليه يهنئونه بهذه المناسبة، ثم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُمهات المؤمنين أن يذهبن إلى علي ويهنئنه، وكان من جملة الأصحاب عمر بن الخطاب إذ دخل عليه فقال: بخ بخ لك(١) .

ومن هذه الأمور أيضاً يتضح أن الأمر في يوم الغدير كان عقد الامامة لعلي عليه‌السلام ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمر الحضور عنده والمثول بين يديه لأجل البيعة.

____________________

(١). معارج النبوة ٢ / ٣١٨.


اعتبار ( معارج النبوة ) و ( حبيب السير ) و ( روضة الصفا )

واذ كان النقل في هذا المقام من كتب ( معارج النبوة ) و ( حبيب السير ) و ( روضة الصفا ) فإن من المناسب إثبات إعتبار هذه الكتب الثلاثة، ويكفي لذلك اعتماد ( الدهلوي ) على هذه الكتب في باب المطاعن من كتابه ( التحفة )، فقد اعتمد على ( المعارج ) و ( حبيب السير ) في الجواب على المطعن الرابع من مطاعن أبي بكر.

واعتمد في جواب المطعن الثالث من مطاعن أبي بكر على ( روضة الصفا ) و ( حبيب السير).

وقد صرّح ( الدهلوي ) بكون هذه الكتب من الكتب المعتبرة.

وكذا تجد الاستناد والاعتماد على هذه الكتب في الجواب عن المطعن الحادي عشر من مطاعن أبي بكر.

كما يثبت اعتبار ( حبيب السير ) و ( معارج النبوة ) من كلمات حسام الدين السهارنبوري في ( مرافض الروافض )، كما لا يخفى على من راجعه في جوابه عن مطعن عزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر عن إبلاغ سورة البراءة.

كما أن السهارنبوري ذكر الكتب الثلاثة المذكورة في مقدمة كتابه المذكور، ضمن المصادر التي اعتمد عليها ونقل عنها مع التنصيص على كونها كتباً معتبرة.

وأيضاً: اعتمد على ( روضة الصفا ) و ( حبيب السير ) صاحب كتاب ( مرآة الأسرار ) ونقل عنهما في الكتاب المذكور.

وفي ( كشف الظنون ) في ذكر ( حبيب السير ): « من الكتب الممتعة المعتبرة ».

* * *


(٢٥)

قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أوحي إليَّ في علي:

إنّه أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقائد الغرّ

المحجّلين



أخرج أبو العباس ابن عقدة في ( كتاب الولاية ) قائلاً: « حدثنا مثنى بن القاسم الحضرمي، عن هلال بن أيوب الصيرفي، عن أبي كثير الأنصاري، عن عبد الله بن أسعد بن زرارة عن أبيه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعليّ مولاه، أوحي إليَّ في علي أنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين »(١) .

وإنّ واحداً من هذه الأوصاف الجليلة لكاف في الدلالة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وخلافته بعد رسول الله بلا فصل، فكيف في صورة اجتماعها في حديث واحد.

ثم إن هذه الصفات تقوّي دلالة ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) على الامامة والخلافة.

وأخرج أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني في ( كتاب الولاية ) قائلاً: « أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البزاز فيما قرئ عليه في بغداد. قال

____________________

(١). كتاب الولاية لابن عقدة. وكان هذا الكتاب موجوداً عند السيد علي ابن طاوس الحلي، وقد روى عنه الحديث المذكور في كتاب اليقينالباب: ٣٧ .


حدثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن هارون بن محمد الصيني إملاءً في صفر سنة ٣٩٣ قال حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الحافظ سنة ٣٣٠. وأخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد علي الشروطي، قال أخبرنا أبو الحسين محمد ابن عمر بن بهثة وأبو عبد الله الحسين بن مروان بن محمد القاضي الصيني وأبو محمد عبد الله بن محمد بن الفضل بن إبراهيم الأشعري، قال حدثنا أبي قال حدثنا المثنى بن قاسم الحضرمي، عن هلال بن أيوب الصيرفي عن ابن أبي كثير الأنصاري عن عبد الله بن أسعد بن زرارة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. فهذا آخر حديث البزاز. وزاد الشروطي في روايته: وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوحي إليّ في عليّ ثلاث: أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين »(١) .

هذا، وقد تقدّم في الكتاب ترجمة ( ابن عقدة ) و ( أبي سعيد السجستاني ) فليراجع.

* * *

____________________

(١). كتاب الولاية لابي سعيد السجستاني كان هذا الكتاب موجوداً عند السيد علي بن طاوس الحلي وقد نقل عنه الحديث المذكور في كتاب اليقينالباب: ٣٧ .


(٢٦)

خُطبةُ الغدير

كما في كتاب ( توضيح الدلائل )



وروى السيد شهاب الدين أحمد خطبة يوم غدير خم باللفظ الآتي:

« الحمد لله على آلائه في نفسي وبلائه في عترتي وأهل بيتي، أستعينه على نكبات الدنيا وموبقات الآخرة، وأشهد أن لا إله إلّا الله الواحد الأحد الفرد الصمد، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً ولا عمداً، وأني عبد من عبيده أرسلني برسالته إلى جميع خلقه، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، واصطفاني على العالمين من الأولين والآخرين، وأعطاني مفاتيح خزائنه ووكّد عليَّ بعزائمه واستودعني سرّه وأمدّني فأبصرت له، فأنا الفاتح وأنا الخاتم ولا قوة إلّا بالله.

إتقوا الله أيها الناس حقّ تقاته ولا تموتنَّ إلّا وأنتم مسلمون، واعلموا أن الله بكلّ شيء محيط، وأنه سيكون من بعدي أقوام يكذبون عليَّ فيقبل منهم، ومعاذ الله أن أقول على الله إلّا الحق أو أنطق بأمره إلّا الصّدق، وما آمركم إلّا ما أمرني به ولا أدعوكم إلّا إلى الله، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون.

فقام إليه عبادة بن الصامت فقال: ومتى ذاك يا رسول الله؟ ومن هؤلاء؟ عرّفناهم لنحذرهم. قال: أقوام قد استعدّوا لنا من يومهم وسيظهرون لكم إذا بلغت النفس هاهنا - وأومأ صلّى الله عليه وبارك وسلّم إلى حلقه - فقال عبادة: إذا


كان ذلك فإلى من يا رسول الله؟ فقال صلّى الله عليه وبارك وسلّم: عليكم بالسمع والطاعة للسابقين من عترتي والآخذين من نبوّتي، فإنهم يصدّونكم عن الغي ويدعونكم إلى الخير، وهم أهل الحق ومعادن الصدق، يحيون فيكم الكتاب والسنّة، ويجنّبونكم الالحاد والبدعة، ويقمعون بالحق أهل الباطل، لا يميلون مع الجاهل.

أيها الناس: خلقني وخلق أهل بيتي من طينة لم يخلق منها غيرها، كنّا أول من ابتدأ من خلقه، فلمـّا خلقنا نوّر بنورنا كلّ ظلمة وأحيا بنا كل طينة - ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - هؤلاء خيار أمتي وحملة علمي وخزانة سرّي وسادة أهل الأرض، الداعون إلى الحق المخبرون بالصدق، غير شاكّين ولا مرتابين ولا ناكصين ولا ناكثين. هؤلاء الهداة المهتدون والأئمة الراشدون، المهتدي من جاءني بطاعتهم وولايتهم، والضالُّ من عدل منهم وجاءني بعداوتهم، حبهم إيمان وبغضهم نفاق، هم الأئمة الهادية وعرى الأحكام الواثقة، بهم تتم الأعمال الصالحة، وهم وصية الله في الأولين والآخرين، والأرحام التي أقسمكم الله بها إذ يقول: ( وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) . ثم ندبكم إلى حبّهم فقال: ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم من النجس، الصادقون إذا نطقوا العالمون إذا سئلوا، الحافظون لما استودعوا. جمعت فيهم الخلال العشر لم تجمع إلّا في عترتي وأهل بيتي: الحلم والعلم والنبوة والنبل والسماحة والشجاعة والصّدق والطهارة والعفاف والحكم. فهم كلمة التقوى ووسيلة الهدى والحجة العظمى والعروة الوثقى، هم أولياؤكم عن قول ربكم، وعن قول ربي ما آمرتكم.

ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. أوحي إليَّ من ربي فيه ثلاث: إنه سيد المسلمين وإمام الخيرة المتقين وقائد الغر المحجلين، وقد بلّغت عن ربي ما أمرت واستودعهم الله فيكم، واستغفر الله لي ولكم ».


وقد جمع في هذه الخطبة بين « من كنت مولاه فعلي مولاه » وبين « إنه سيد المسلمين وإمام الخيرة المتّقين وقائد الغر المحجلين ». وأنت تعلم أن واحداً من هذه الصفات يكفي لأنْ يستدل به على ثبوت الامامة والخلافة له دون غيره.

وجوه دلالة الخطبة على إمامة أهل البيت

هذا، بالاضافة إلى دلالة هذه الخطبة على إمامة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام من وجوه:

الأول: إنه أمر أمّته بالسّمع والطاعة لهم. وهذا يستلزم الامامة والخلافة بلا ريب، إذ لا يعقل أن يكون المأمور بالاطاعة إماماً والمطاع مأموماً.

وأيضاً: هذا الأمر يقتضي أفضلية المطاع، وهي تستلزم الامامة.

وأيضاً: هذا الأمر دليل العصمة، وهي تستلزم الامامة.

الثاني: وصفهم بالسابقين. وهذا الوصف يستلزم الأفضلية وهي تستلزم الامامة.

الثالث: قوله « فإنهم يصدّونكم عن الغي ويدعونكم إلى الخير » معناه أنهم الذين يأمرون الصحابة بالمعروف وينهونهم عن المنكر، فكون واحد من الصحابة خليفة دونهم - والحال هذه - يستلزم انعكاس الموضوع.

الرابع: قوله « يحيون فيكم الكتاب والسنّة ويجنّبونكم الالحاد والبدعة ويقمعون بالحق أهل الباطل لا يميلون مع الجاهل » يدل على الأفضلية بوضوح.

الخامس: قوله « خلقني وخلق أهل بيتي من طينة لم يخلق منها غيرها » دليل على الأفضلية.

السادس: قوله « كنا أول من ابتدأ من خلقه » دليل على الأفضلية كذلك.

السابع: قوله « نوّر بنورنا كلّ ظلمة » دليل على الأفضلية.

الثامن: قوله « هؤلاء خيار أمتي » دليل على الأفضلية.

التاسع: قوله « حملة علمي » دليل على الأفضليّة.


العاشر: قوله « سادة أهل الأرض » صريح في الأفضلية.

الحادي عشر: قوله « هؤلاء الهداة المهتدون والأئمة الراشدون » نص صريح في أنهم الأئمة.

الثاني عشر: قوله « المهتدي من جاءني بطاعتهم » صريح في أنه تجب طاعة أهل البيت، فيكونون مطاعين للصحابة لا بالعكس.

الثالث عشر: قوله « هم الأئمة الهادية » نص صريح في الامامة.

الرابع عشر: قوله « جمعت فيهم الخلا العشر » دليل الأفضلية المطلقة.

وتدل الجمل الأُخرى من هذه الخطبة على إمامة أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم‌السلام ، وذم من خالفهم وعاداهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

الثناء على صاحب توضيح الدلائل

وإن السيد شهاب الدين صاحب ( توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل ) من أكابر علماء أهل السنة، ومن هنا نجد المولوي شاه سلامة الله في كتابه ( معركة الآراء ) يعجز عن إنكار رواياته ويجعل كتابه دليلاً على رواية أهل السنة لفضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام .

والسيد شهاب الدين المذكور هو سبط قطب الدين الايجي كما يظهر من قوله: « واني قد وجدت هذين البيتين بشريف خط جدي الامام المالك من السنة بالزمام قطب الحق والدين الايجي روح روحه في دار السلام:

ولايتي لأمير المؤمنين علي

بها بلغت الذي أرجوه من أملي

تحققا انني لو لا ولايته

ما كان ذو العرش مني قابلا عملي »

ترجمة الشيخ سلامة الله البدايونى

وإنّ رأي الشيخ سلامة الله هذا بوحده يكفينا لأن نحتج ونستشهد بما جاء


في كتاب ( توضيح الدلائل ). وذلك لأن شاه سلامة الله البدايوني أحد العلماء المشهورين بالهند، ومن تلامذة المولوي عبد العزيز الدهلوي صاحب ( التحفة الاثني عشرية ) وكان - كما زعم صاحب ( نزهة الخواطر ) - « يتكلّم مع الشيعة ويناظرهم، ويفحم الكبار منهم ».

جاء ذلك بترجمته حيث عنونه بقوله: « الشيخ الفاضل سلامة الله بن بركة الله الصديقي البدايوني ثم الكانبوري، احد العلماء المشهورين ولد ونشأ ببدايون، وقرأ النحو والصرف على الشيخ أبي المعالي بن عبد الغني العثماني، وبعض رسائل المنطق والحكمة على مولانا ولي الله تلميذ الشيخ باب الله الجونبوري. ثم لازم السيد مجد الدين الشاهجانبوري ببلدة بريلي، وقرأ عليه سائر الكتب الدرسية. ثم سافر إلى دهلي واستفاض عن الشيخ رفيع الدين وصنوه الكبير عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي، وأسند الحديث عن الشيخ عبد العزيز المذكور، وأخذ الطريقة عن السيد آل أحمد الحسيني المارهروي، ثم رجع إلى لكهنو وتصدّر بها للدرس والافادة.

وكان له ذوق سليم في المناظرة، كان يتكلّم مع الشيعة ويناظرهم ويفحم الكبار منهم، حتى بهت مجتهدهم ولم يقدر على الذبّ عن نحلته فقضى عليه بالجلاء، فذهب إلى كانبور وسكن بها.

قال صاحبه الشيخ محسن بن يحيى الترهتي في اليانع الجني: إنه جامع بين أنواع العلوم من القرآن والحديث والفقه وأصوله والتصوف والكلام وغيره من العلوم النظرية، مارسها أحسن ما يكون من الممارسة، حصلت له الاجازة من قبل عبد العزيز المسند، واجتمع به بآخر عمره، وكتب له رفيع الدين الاجازة من قبل أخيه فيما أظن.

له كتب ورسائل ومنها في الجدل مع الرافضة مثل كتابه معركة الآراء مات يوم السبت لثلاث خلون من رجب سنة ١٢٧١ بكانبور »(١) .

____________________

(١). نزهة الخواطر ٧ / ٢٠٢.


فمن كان بصدد الرد على الشيعة، يتكلم معهم ويناظرهم، ويفحم الكبار منهم!! لا ينسب كتاباً لشيعي أو لمائل إلى التشيع إلى أهل السنة، ولا يوافق على أخباره ورواياته.

* * *


(٢٧)

قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم

الغدير:

لكنْ علي بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه



ومن الأدلة: ما رواه ابن المغازلي بقوله: « أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان قال حدثني الحسين بن محمد العلوي العدل، قال حدثني علي بن عبد الله بن ميسرة، قال حدثني أحمد بن منصور الرمادي، قال حدثني عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن أبي هبيرة وبكر بن سوادة عن قبيصة بن ذويب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله:

إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل بخم، فتنحى الناس عنه، وأمر علياً فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم وهو متوسد يد علي بن أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه قد كرهت تخلّفكم عني حتى خيّل لي أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني. ثم قال: لكن علي بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه، فرضي‌ الله‌ عنه كما أنا راض عنه، فإنه لا يختار على قربي ومحبتي شيئاً. ثم رفع يديه فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

قال: فابتدر الناس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكون ويتضرعون ويقولون: يا رسول الله ما تنّحينا عنك إلّا كراهيّة أن نثقل عليك، فنعوذ بالله من


سخط رسوله - فرضي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم عند ذلك »(١) .

فنقول: ما هي منزلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الله عز وجل؟

إن منزلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه عز وجل تعلم من آيات القرآن الكريم، فهو خليفة الله في الأرض، ومجعول حاكماً على الناس من قبله، قال الله تعالى لداود: ( إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) ونبينا أفضل من داود عليه‌السلام . وهو رسول الله وشاهده والمبشر والنذير من قبله، قال عز وجل: ( إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) ومقرون طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته بقوله: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) ومجعول أولى بالمؤمنين من أنفسهم - بقوله: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) -. إلى غير ذلك مما يعتقده كل مسلم ولو أنكر الكفر.

وعلي عليه‌السلام أنزله الله من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزلته منه، فيكون حائزاً لتلك المنازل، وبها يكون الحاكم على الناس كلّهم، والمولى الواجب إطاعته واتباعه على جميعهم، والأولى بهم من أنفسهم، وهذه هي الامامة العظمى والخلافة الكبرى.

* * *

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين: ٢٥.


(٢٨)

قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير

هذا ولييّ والمؤدّي عنّي



ومن الأدلة ما رواه الحافظ ابن كثير بقوله:

« قال ابن جرير حدثنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء، ثنا محمد بن خالد بن عتمة، ثنا موسى بن يعقوب الربعي - وهو صدوق - حدثني مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد سمعت أباها يقول: سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب ثم قال: أيها الناس إني ولّيكم. قالوا: صدقت. فرفع يد علي فقال: هذا وليّي والمؤدي عني، وإن الله موال من والاه ومعاد من عاداه.

قال شيخنا الذهبي: وهذا حديث حسن غريب.

ثم رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر بن أبي كثير عن مهاجر بن مسمار. فذكر الحديث وأنه عليه‌السلام وقف حتى لحقه من بعده وأمر برّد من كان تقدّم. فخطبهم. الحديث »(١) .

وقد أخرجه النسائي قائلاً: « أنبأنا أبو عبد الرحمن زكريا بن يحيى السجستاني، قال حدّثني محمد بن الرحيم، قال أنبأنا إبراهيم، قال ثنا معن قال

____________________

(١). تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٢.


ثني موسى بن يعقوب عن المهاجرين مسمار عن عائشة بنت سعد وعامر ابن سعد: إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب فقال: أمّا بعد أيّها الناس فإني وليّكم. قالوا: صدقت. ثم أخذ بيد علي فرفعها قال: هذا وليي والمؤدي عني، وال اللهم من والاه وعاد اللهم من عاداه »(١) .

أقول: ويفهم من هذا الحديث - بقرينة لفظة « والمؤدي عني » - أن المراد من ( الولي ) ليس المحب والناصر ونحوهما، بل إن المراد منه هو الخليفة والامام، لأنه الذي يؤدي الأحكام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والأصرح من هذا الحديث هو الحديث الآخر الذي رواه ابن كثير أيضاً حيث قال: « قال الامام أحمد ثنا يحيى بن آدم وابن أبي بكر قالا: ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة. قال يحيى بن آدم: وكان قد شهد حجة الوداع - قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي مني وأنا منه ولا يؤدّي عني إلّا أنا أو علي »(٢) .

* * *

____________________

(١). الخصائص: ١٠٠.

(٢). تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٣.


(٢٩)

قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

من كان الله وأنا مولاه فهذا علي مولاه

يأمركم وينهاكم



ومن الأدلة: ما رواه السيد علي بن شهاب الدين الهمداني:

« عن أبي الحمراء رضي‌الله‌عنه خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد كبر سنّه لواحد من رفقائه: لأُحدثنّك ما سمعت أُذناي ورأت عيناي: أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى دخل على عائشة فقال لها: ادعي لي سيد العرب، فبعثت إلى أبي بكر فدعته، فجاء حتى كان كرأي العين علم أن غيره دعي. فخرج من عندها حتى دخل على حفصة فقال لها: ادعي لي سيد العرب فبعثت إلى عمر فدعته حتى إذا صار كرأي العين علم أن غيره دعي. فخرج من عندها حتى إذا دخل على أم سلمة رضي الله عنها وكانت من خيرهنَّ وقال: ادعي لي سيد العرب فبعثت إلى علي فدعته. ثم قال لي: يا أبا الحمراء رح ائتني بمائة من قريش وثمانين من العرب وستين من الموالي وأربعين من أولاد الحبشة، فلما اجتمع الناس قال: ائتني بصحيفة من أديم فأتيته بها، ثم أقامهم مثل صفّ الصلاة فقال:

معاشر الناس! أليس الله أولى بي من نفسي يأمرني وينهاني مالي على الله أمر ولا نهي؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من كان الله وأنا مولاه فهذا علي مولاه يأمركم وينهاكم مالكم عليه من امر ولا نهي، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه


وانصر من نصره واخذل من خذله. اللهم أنت شهيدي عليهم أني قد بلّغت ونصحت، ثم أمر فقرات الصحيفة علينا ثلاثاً ثم قال: من شاء أنْ يقيله ثلاثاً. فقلنا: نعوذ بالله وبرسوله أن نستقيله ثلاثاً ثم أدرج الصحيفة وختمها بخواتيمهم. ثم قال: يا علي خذ الصحيفة إليك فمن نكث فاتل الصحيفة فأكون أنا خصيمه. ثم تلا هذه الآية: ( وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ) فتكونوا كبني اسرائيل إذ شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم، ثم تلا ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) الآية »(١) .

وهذا الحديث من أقوى الأدلة على أن ( المولى ) في حديث الغدير بمعنى الامامة والاولوية في التصرف.

* * *

____________________

(١). مودة القربى. أنظر ينابيع المودة: ٢٥٠.


(٣٠)

قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

منْ كنت وليّه فعليٌّ وليّه ومنْ كنت إمامه فعلي

إمامه



وروى السيد علي الهمداني المذكور: « عن فاطمة عليها‌السلام قالت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت وليّه فعلي وليّه، ومن كنت إمامه فعلي إمامه »(١) .

وهذا الحديث أيضاً صريح في المطلوب.

ترجمة السيد علي الهمداني

والسيد علي الهمداني من أكابر علماء أهل السنة ومن مشاهير عرفائهم، وقد أثنى عليه علماؤهم مثل عبد الرحمن بن أحمد الجامي في كتاب ( نفحات الأُنس من حضرات القدس ) ومحمود بن سليمان الكفوي في كتاب ( كتائب الاعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ) ونور الدين جعفر البدخشاني في كتاب ( خلاصة المناقب ) والشيخ أحمد القشاشي في كتاب ( السمط المجيد في سلاسل أهل التوحيد ) وشاه ولي الله. الدهلوي في كتاب ( الانتباه في سلاسل أولياء الله ).

وقد توفي السيد علي الهمداني في السادس من ذي الحجة سنة ست وثمانين

____________________

(١). مودة القربى. أنظر ينابيع المودة: ٢٥٠.


وسبعمائة.

وقد وصفه الكفوي بقوله: « لسان العصر سيد الوقت، المنسلخ عن الهياكل الناسوتية والمتوصل إلى السبحات اللّاهوتية، الشيخ العارف الرباني والعالم الصمداني، أمير سيد علي بن شهاب بن محمد بن محمد الهمداني قدس الله تعالى سرّه. كان جامعاً بين العلوم الظاهرة والباطنة، وله مصنفات كثيرة في علم التصوّف ».

وقال صاحب ( نزهة الخواطر ): « الشيخ علي بن شهاب الهمداني، الشيخ العالم الكبير الرحّالة. ولد في ١٢ رجب، وأدرك المشايخ الكبار واستفاد منهم، بلغ عددهم إلى أربعمائة وألف من رجال العلم والمعرفة. فقدم كشمير فأسلم على يده غالب أهلها.

وله مصنفات كثيرة ممتعة.

وكانت وفاته في سنة ٧٨٦ »(١) .

* * *

____________________

(١). نزهة الخواطر ٢ / ٨٤ ملخصاً بلفظه.


إعترافات مشاهير علماء السنّة

بمفاد حديث الغدير



وبالاضافة إلى تلك الوجوه السديدة والأدلة الباهرة التي يكفي كلّ واحد منها لاثبات مطلوب أهل الحق لو أنصف المنصفون، فقد رأينا جماعةً كبيرةً من أساطين علماء أهل السنة يصرّحون بدلالة حديث الغدير على إمامة امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وينصّون على مطلوب أهل الحق بكل وضوح، وإن كلّ كلمة من كلمات هؤلاء ليكفي لدفع شكوك المشككين، وتأويلات الجاحدين، وإليك نصوص عبارات طائفة منهم:

(١)

محمد بن محمد الغزالي

قال أبو حامد الغزالي: « اختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن آل أمرها إليه، فمنهم من زعم أنها بالنص، ودليلهم في المسألة قوله تعالى: ( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) . وقد دعاهم أبو بكر رضي‌الله‌عنه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم


إلى الطاعة فأجابوه. وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً ) قال في الحديث: إن أباك هو الخليفة من بعدي يا حميراء. وقالت امرأة: إذا فقدناك فإلى من نرجع؟ فأشار إلى أبي بكر. ولأنه أمَّ بالمسلمين على حياة رسول الله، والامامة عماد الدين. هذا جملة ما يتعلق به القائلون بالنصوص.

ثم تأوّلوا وقالوا: لو كان علي أول الخلفاء لا نسحب عليهم ذيل الفناء، ولم يأتوا بفتوح ولا مناقب، ولا يقدح في كونه رابعاً كما لا يقدح في نبوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ كان آخراً. والذين عدلوا عن هذا الطريق زعموا أن هذا تعلّق فاسد وما يتعلّق به فاسد، وتأويل بارد جاء على زعمكم وأهويتكم، وقد وقع الميراث في الخلافة والاحكام مثل داود وزكريا وسليمان ويحيى، قالوا: كان لأزواجه ثمن الخلافة، فبهذا تعلقوا وهذا باطل إذ لو كان ميراثاً لكان العباس أولى.

لكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. فهذا تسليم ورضى وتحكيم.

ثم بعد هذا غلب الهوى لحبّ الرياسة وحمل عمود الخلافة وعقود البنود وخفقان الهوى في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأول ( فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ ) »(١) .

وقد أورد سبط ابن الجوزي كلام الغزالي هذا حيث قال: « وذكر أبو حامد الغزّالي في كتاب سرّ العالمين وكشف ما في الدارين ألفاظاً تشبه هذا. فقال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي

____________________

(١). سر العالمين: ٧٤.


مولاه. فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. قال: وهذا تسليم ورضى وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى حباً للرئاسة وعقد البنود وخفقان الرايات وازدحام الخيول في فتح الأمصار وأمر الخلافة ونهيها، فحملهم علىالخلاف فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ »(١) .

كتاب « سر العالمين » للغزالي

وقد عرفت من عبارة سبط ابن الجوزي ثبوت هذا الكتاب لأبي حامد الغزالي وصحة نسبته إلى مؤلفه.

وأيضاً، يشهد بذلك عبارة الحافظ الذهبي حيث قال: « الحسن بن الصبّاح الإِسماعيلي الملقب بالكيا، صاحب الدعوة النزارية وجد أصحاب قلعة ألموت. كان من كبار الزنادقة ومن دهاة العالم، وله اخبار يطول شرحها لخصتها في تاريخي الكبير في حوادث سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وأصله من مرو، وقد أكثر التطواف ما بين مصر إلى بلد كاشغر، يغوي الخلق ويضل الجهلة، إلى أن صار منه ما صار، وكان قوي المشاركة في الفلسفة والهندسة، كثير المكر والحيل، بعيد الغور، لا بارك الله فيه.

قال أبو حامد الغزالي في كتاب سر العالمين: شاهدت قصة الحسن بن الصباح لما تزّهد تحت حصن ألموت، فكان أهل الحصن يتمنّون صعوده إليهم فيمتنع فيقول: أما ترون المنكر كيف فشا وفسد الناس، فتبعه خلق، ثم خرج أمير الحصن يتصيّد، فنهض أصحابه فتملكوا الحصن، ثم كثرت قلاعهم »(٢) .

____________________

(١). تذكرة خواص الامة: ٦٢.

(٢). ميزان الاعتدال ١ / ٥٠٠.


ترجمة الغزالي

ومن المناسب أن نورد هنا طرفاً من كلمات القوم في تعظيم الغزالي والثناء عليه وتبجيله:

١ - اليافعي بعد ذكر نبذ من فضائل الغزالي في نحو من ثلاث ورقات كبيرة: « قلت: وفضائل الامام حجة الاسلام أبي حامد الغزالي رضي‌الله‌عنه أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تشهر. وقد روينا من الشيخ الفقيه الامام العارف بالله، رفيع المقام الذي اشتهرت كرامته العظيمة وترادفت وقال للشمس يوماً قفي فوقفت حتى بلغ المنزل الذي يريد من مكان بعيد، أبي الذبيح إسماعيل ابن الشيخ الفقيه الامام العارف ذي المناقب والكرامات والمعارف محمد بن اسماعيل: أنه سأل بعض الطاعنين في الامام أبي حامد المذكور رضي‌الله‌عنه في فتيا أرسل بها إليه هل يجوز قراءة كتب الغزالي؟

فقال رضي‌الله‌عنه في الجواب: إنا لله وإنا إليه راجعون، محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد الأنبياء، ومحمد بن ادريس سيد الأئمة، ومحمد بن محمد الغزالي سيد المصنفين. هذا جوابه رحمة الله عليه.

وقد ذكرت في كتاب الارشاد: انه سمّاه سيد المصنّفين، لأنه تميّز عن المصنفين بكثرة المصنفات البديعات، وغاص في بحار العلوم واستخرج عنها الجواهر النفيسات، وسحر العقول بحسن العبارة وملاحة الأمثلة، وبداعة الترتيب والتقسيمات والبراعة في الصناعة العجيبة مع جزالة الألفاظ وبلاغة المعاني الغريبة، والجمع بين علوم الشريعة والحقيقة، والفروع والأصْول، والمعقول والمنقول، والتدقيق والتحقيق، والعلم والعمل، وبيان معالم العبادات والعادات والمهلكات والمنجيات، وإبراز محاسن أسرار المعارف المحجبات العاليات، والانتفاع بكلامه علماً وعملاً، لا سيّما أرباب الديانات، والدعاء الى الله سبحانه برفض الدنيا والخلق، ومحاربة الشيطان والنفس بالمجاهدة والرياضيات، وإفحام


الفرق أيسر عنده من شرب الماء بالبراهين القطاعات وتوبيخ علماء السوء الراكبين إلى الظلمة والمائلين إلى الدنيا الدنية أولي الهمم الدنيات، وغير ذلك مما لا يحصى مما جمع في تصانيفه من المحاسن الجميلات والفضائل الجليلات، ممّا لا يجمعه مصنّف فيما علمنا ولا يجمعه فيما يظن ما دامت الأرض والسماوات.

فهو سيّد المصنّفين عند المنصفين، وحجة الاسلام عند أهل الاستسلام لقبول الحق من المحققين في جميع الأقطار والجهات، وليس يعني أن تصانيفه أصح فصحيحا البخاري ومسلم أصح الكتب المصنفات »(١) .

٢ - السيوطي: « وعلى رأس الخامسة الامام أبو حامد الغزالي، وذلك لتميّزه بكثرة المصنفات البديعات، وغوصه في بحور العلم، والجمع بين علوم الشريعة والحقيقة، والفروع والأصول والمعقول والمنقول، والتدقيق والتحقيق والعلم والعمل، حتى قال بعض العلماء الأكابر الجامعين بين العلم الظاهر والباطن: لو كان بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبي لكان الغزالي، وأنه يحصل ثبوت معجزاته ببعض مصنفاته »(٢) .

٣ - الزرقاني: « ذكر له الأسنوي في المهمات ترجمة حسنة منها: هو قطب الوجود والبركة الشاملة لكل موجود، وروح خلاصة أهل الايمان، والطريق الموصل إلى رضا الرحمن، يتقرّب به إلى الله تعالى كل صديق، ولا يبغضه إلّا ملحد أو زنديق، قد انفرد في ذلك العصر عن الزمان كما انفرد في هذا الباب فلا يترجم معه فيه لإِنسان. انتهى. وله كتب نافعة مفيدة خصوصاً الإِحياء فلا يستغني عنه طالب الآخرة. مات بطوس سنة ٥٠٥ »(٣) .

____________________

(١). مرآة الجنان حوادث سنة ٥٠٥.

(٢). التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة للسيوطي: ١٢.

(٣). شرح المواهب اللدنية ١ / ٣٦.


(٢)

أبو المجد مجدود بن آدم « الحكيم السنائي »

وقال أبو المجد الحكيم السنائي في مدح سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« نائب مصطفى بروز غدير

كرده بر شرع خود مر او را مير »(١)

وهذا صريح في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل عليا عليه‌السلام في يوم الغدير نائبا له ونصبه أميرا على شرعه.

و« الحكيم السنائي » من كبار علماء وعرفاء أهل السنة. وقد أثنى عليه عبد الرحمن بن أحمد الجامي في ( نفحات الانس )، وذكر كتابه ( حديثة الحقيقة ) مقرّظاً ايّاه.

(٣)

فريد الدّين العطّار

وقال الشيخ فريد الدين العطار الهمداني في واقعة غدير خم ومعنى حديث الغدير:

« چون خدا گفته است در خم غدير

با رسول الله ز آيات منير

ايها الناس اين بود الهام او

ز آنكه از حق آمده پيغام او

گفت رو كن با خلائق اين ندا

نيست اين دم خود رسولم بر شما

____________________

(١). حديقة الحقيقة للحكيم السنائي.


هر چه حق گفته است من خود آن كنم

بر تو من اسرار حق آسان كنم

چونكه جبرئيل آمد وبر من بگفت

من بگويم با شما راز نهفت

اينچنين گفته است قهّار جهان

حق وقيّوم خداى غيب دان

مرتضى والى در اين ملك من است

هر كه اين سر را نداند او زنست »(١) .

في هذه الأشعار: إن حديث الغدير كان بأمر من الله عز وجل، وإن معناه هو أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام هو الوالي لمملكة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الثناء على العطار والاعتماد عليه

هذا، والشيخ فريد الدين المذكور من كبار المشايخ الموصوفين بالعلم والمعرفة لدى علماء أهل السنه، فقد ترجم له واثنى عليه الشيخ عبد الرحمن الجامي(٢) واستند إلى كلامه نصر الله الكابلي حيث قال: « قال الشيخ الجليل فريد الدين أحمد بن محمد النيسابوري: من آمن بمحمد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن، أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد »(٣) .

بل ذكر ( الدهلوي ) في الباب الحادي عشر من كتابه ( التحفة ) ما ترجمته: « وأيضاً: إنهم يعلمون بأن أهل السنة يجعلون حب الأمير وذرّيته الطاهرة من فرائض الايمان. قال حضرة فريد الدين أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالعطار في أشعاره العربية:

فلا تعدل بأهل البيت خلقاً

فأهل البيت هم أهل السعادة

فبغضهم من الإنسان خسر

حقيقي وحبّهم عبادة

____________________

(١). ديوان مظهر حق للعطار النيسابوري.

(٢). نفحات الانس: ٥٩٩.

(٣). الصواقع لنصر الله الكابلي - مخطوط.


وقد أورد الشيخ بهاء الدين العاملي هذه الأشعار في كشكوله.

وينقل عن الشيخ المذكور أيضاً أنه كان يقول: من آمن بمحمد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن».

(٤)

ابن طلحة الشافعي

وقال الشيخ محمد بن طلحة الشافعي ما نصّه: « وأما مؤاخاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إياه وامتزاجه به وتنزيله إياه منزلة نفسه وميله إيّاه وإيثاره إياه فهذا بيانه:

فإنه قد روى الامام الترمذي في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم أنه قال: لمـّا آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه جاءه علي تدمع عيناه. فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد. قال: فسمعت رسول الله يقول: أنت أخي في الدنيا والآخرة.

وروى بسنده أيضاً: أن رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. وهذا اللفظ بمجرّده رواه الترمذي ولم يزد عليه. وزاد غيره ذكر اليوم والموضع. فذكر الزمان وهو عند عود رسول الله من حجة الوداع في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة. وذكر المكان وهو ما بين مكة والمدينة يسمى خمّاً في غدير هناك، فسمّي ذلك اليوم غدير خم. وقد ذكره عليه‌السلام في شعره الذي تقدم. وصار ذلك اليوم عيداً وموسماً لكونه كان وقتاً خصّ فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً بهذه المنزلة العلية وشرّفه بها دون الناس كلّهم.

ونقل عن زاذان قال: سمعت علياً في الرحبة وهو ينشد الناس: من شهد منكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم وهو يقول ما قال؟ فقام ثلاثة


عشر رجلاً فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه.

زيادة تقرير: نقل الامام أبو الحسن علي الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال: نزلت هذه الآية: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب. فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه قد اشتمل على لفظة « من » وهي موضوعة للعموم، فاقتضى أن كل انسان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مولاه كان علي مولاه.

واشتمل على لفظه « المولى » وهي لفظة مستعملة بإزاء معان متعددة قد ورد القرآن الكريم بها، فتارة تكون بمعنى « أولى » قال الله تعالى في حق المنافقين: ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: أولى بكم. وتارة بمعنى الناصر. قال الله تعالى: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) معناه: إن الله ناصر المؤمنين وإن الكافرين لا ناصر لهم. وتارة بمعنى الوارث قال الله تعالى: ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) معناه: وارثا. وتارة بمعنى العصبة. قال الله تعالى: ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) معناه عصبتي. وتارة بمعنى الصديق والحميم قال الله تعالى: ( يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً ) معناه حميم عن حميم وصديق عن صديق وقرابة عن قرابة. وتارة بمعنى السيد المعتق وهو ظاهر.

وإذا كانت واردة لهذه المعاني فعلى أيّها حملت؟ أما على كونه أولى كما ذهبت إليه طائفة أو على كونه صديقاً حميماً، فيكون معنى الحديث: من كنت أولى به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإن علياً منه كذلك، وهذا صريح في تخصيصه لعلي بهذه المنقبة العلية وجعله لغيره كنفسه بالنسبة إلى من دخلت عليهم كلمة « من » التي هي للعموم بما لم يجعله لغيره.

وليعلم: أن هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى في آية المباهلة: ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) والمراد نفس علي


على ما تقدم، فإن الله جل وعلا لمـّا قرن بين نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين نفس علي وجمعهما بضمير مضاف إلى رسول الله أثبت رسول الله لنفس علي بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه على المؤمنين عموماً، فإنه أولى بالمؤمنين وناصر المؤمنين وسيد المؤمنين. وكلّ معنى أمكن إثباته ممّا دلَّ عليه لفظ « المولى » لرسول الله فقد جعله لعلي عليه‌السلام . وهي مرتبة سامية ومنزلة شاهقة ودرجة علية ومكانة رفيعة خصّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه »(١) .

ترجمة ابن طلحة

وابن طلحة المذكور من كبار الفقهاء ومشاهير المحققين، فقد ترجم له وأثنى عليه اليافعي(٢) . وذكره الأسنوي في ( طبقات فقهاء الشافعية ) بقوله: « الكمال النصيبي أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد القرشي النصيبي الملقب كمال الدين، كان إماماً بارعاً في الفقه والخلاف، عالماً بالأصلين، رئيساً كبيراً معظماً، ترسّل عن الملوك وأقام بدمشق بالمدرسة الأمينية، وعيّنه الملك الناصر صاحب دمشق للوزارة وكتب تقليده بذلك فنصل منه واعتذر فلم يقبل منه، فباشرها يومين ثم ترك أمواله وموجودة وغيّر ملبوسه وذهب فلم يعرف موضعه. سمع وحدّث. وتوفي بحلب في السابع والعشرين من رجب سنة ٦٥٢. وقد جاوز السبعين. ذكره في العبر مختصراً »(٣) .

وقال ابن قاضي شهبة بترجمته: « أحد الصدور والرؤساء المعظمين، ولد سنة ٥٨٢ وتفقه وشارك في العلوم. وكان فقيهاً بارعاً بالمذهب والأصول والخلاف، ترسّل عن الملوك وساد وتقدم وسمع الحديث وحدّث ببلاد كثيرة قال السيد

____________________

(١). مطالب السئول ٤٤ - ٤٥.

(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٥٦٢.

(٣). طبقات الشافعية للاسنوي ٢ / ٥٠٣.


عز الدين: أفتى وصنّف وكان أحد العلماء المشهورين والرؤساء المذكورين »(١) .

وذكره عبد الغفار بن ابراهيم العلوي العكي العدثاني بقوله: « محمد بن طلحة كمال الدين أبو سالم القرشي العدوي النصيبي، مصنف كتاب العقد الفريد، كان أحد العلماء المشهورين »(٢) .

(٥)

سبط ابن الجوزي

وقال يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي في كتابه ( تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة ) الذي نقل عنه ابن حجر في ( صواعقه ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ) وغيرهما: « إتفق علماء السير أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة نصّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك بصريح العبارة دونِ التلويح والاشارة جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفاً - وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث.

وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره باسناده: إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قال ذلك طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار، وبلغ ذلك الحارث بن نعمان الفهري وأتاه على ناقة له، فأناخها على باب المسجد ثم عقلها، وجاء فدخل المسجد فجثا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمد إنك أمرتنا أن نشهد أنْ لا إله إلّا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ذلك. ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك وفضّلته على الناس وقلت: من كنت مولاه فعلي

____________________

(١). طبقات الشافعية ٢ / ١٢١.

(٢). عجالة الراكب وبلغة الطالب - مخطوط.


مولاه. فهذا شيء منك أو من الله تعالى؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وقد احمرَّت عيناه -: والله الذي لا إله إلّا هو إنه من الله وليس مني. قالها ثلاثاً.

فقام الحارث وهو يقول: أللهم إنْ كان ما يقول محمد حقاً فأرسل علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. قال: فوالله ما بلغ ناقته حتى رماه الله بحجارة من السماء فوقع على هامته فخرج من دبره ومات وأنزل الله تعالى: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) .

فأما قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال علماء العربية: لفظ « المولى » يرد على وجوه « أحدها » بمعنى المالك ومنه قوله تعالى: ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ) وهو كلّ على مولاه أي على مالك رقه « والثاني » بمعنى المعتق « والثالث » بمعنى المعتق بفتح التاء « والرابع » بمعنى الناصر ومنه قوله تعالى: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) . أي لا ناصر لهم « والخامس » بمعنى ابن العم قال الشاعر:

مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا

لا تنبشوا بيننا ما كان مدفوناً

وقال آخر:

هم الموالي حنقوا علينا

وانا من لقائهم لزور

وحكى صاحب الصحاح عن أبي عبيدة أن قائل هذا البيت عنى بالموالي بني العم. قال: وهو كقوله تعالى ( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) .

« السادس » الحليف. قال الشاعر:

موالي حلف لا موالي قرابة

ولكن قطيناً يسألون الأثاويا

يقول: هم حلفاء لا أبناء عم. قال في الصحاح: وأما قول الفرزدق:

ولو كان عبد الله مولى هجوته

ولكن عبد الله مولى المواليا


فلأن عبد الله بن أبي اسحاق مولى الحضرميين، وهم حلفاء بني عبد شمس ابن عبد المناف. والحليف عند العرب مولى، وإنما نصب الموالي لأنه ردّه إلى أصله للضرورة، وإنما لم ينوّن مولى لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي لا ينصرف.

« والسابع » المتولي لضمان الجريرة وحيازة الميراث. وكان ذلك في الجاهلية ثم نسخ بآية المواريث. « والثامن » الجار. وإنما سمّي به لماله من الحقوق بالمجاورة - « والتاسع » السيد المطاع وهو المولى المطلق. قال في الصحاح كل من ولي أمر أحد فهو وليّه « العاشر » بمعنى الأولى قال الله تعالى ( فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم.

... والمراد من الحديث: الطاعة المخصوصة فتعين العاشر. ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به. وقد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى ابن سعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين، فانه روى هذا الحديث باسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله بيد علي وقال: من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليّه. فعلم أن جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر.

ودلّ عليه أيضاً قوله عليه‌السلام : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ وهذا نص صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته. وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأدر الحق معه حيث دار فيه دليل على أنه ما جرى خلاف بين علي وبين أحد من الصحابة إلّا والحق مع علي. وهذا بإجماع الأُمة. ألا ترى أن العلماء استنبطوا أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفين.

وقد أكثرت الشعراء في يوم غدير خم، فقال حسان بن ثابت:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخم فأسمع بالرسول مناديا

وقال فمن مولاكم ووليّكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ومالك منا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق مواليا


هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادى علياً معاديا

ويروى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا سمعه ينشد هذه الأبيات قال له: يا حسان لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا أو نافحت عنا بلسانك.

وقال قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وأنشدها بين يدي علي بصفين:

قلت لما بغى العدو علينا

حسبنا ربنا ونعم الوكيل

علي إمامنا وإمام

لسوانا به أتى التنزيل

يوم قال النبي من كنت مولاه

فهذا مولاه خطب جليل

إن ما قاله النبي على الأمة

حتم ما فيه قال وقيل

وقال الكميت:

نفى عن عينك الأرق الهجوعا

وهما يمترى عنه الدموعا

لدى الرحمن يشفع بالمثاني

فكان لنا أبو حسن شفيعا

ويوم الدوح دوح غدير خم

أبان له الولاية لو أطيعا

ولكن الرجال تبايعوها

فلم أر مثلها خطراً مبيعا

ولهذه الأبيات قصة عجيبة، حدثنا بها شيخنا عمر بن صافي الموصلي رحمه الله تعالى. قال: أنشد بعضهم هذه الأبيات وبات مفكّراً، فرأى علياً كرم الله وجهه في المنام فقال له: أعد علي أبيات الكميت، فأنشده إياها حتى بلغ إلى قوله « خطراً مبيعاً » فأنشد علي بيتاً آخر من قوله زيادة فيها:

فلم أر مثل ذاك اليوم يوماً

ولم أر مثله حقاً أضيعا

فانتبه الرجل مذعوراً.

وقال السيد الحميري:

يا بائع الدين بدنياه

ليس بهذا أمر الله


من أين أبغضت علياً الرضا

وأحمد قد كان يرضاه

من الذي أحمد من بينهم

يوم غدير الخم ناداه

أقامه من بين أصحابه

وهم حواليه فسمّاه

هذا علي بن أبي طالب

مولى لمن قد كنت مولاه

فوال من والاه يا ذا العلا

وعاد من قد كان عاداه

وقال بديع الزمان أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمداني:

يا دار منتجع الرسالة

بيت مختلف الملائك

يا ابن الفواطم والعواتك

والترائك والأرائك

أنا حائك إنْ لم أكن

مولى ولائك وابن حائك »(١)

هذا كلام سبط ابن الجوزي، وقد وفى الحق حقه وأيده بأشعار الكميت وقيس بن سعد والحميري وغيرهم، فما ذا بعد الحق إلّا الضلال.

وحيث أنه ذكر أشعار الكميت الصريحة في دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد كان من المناسب أن نورد هنا بعض الكلمات في مدح الكميت والثناء عليه.

ترجمة الكميت

قال عبد الرحيم بن عبد الرحمن العباسي في ( معاهد التنصيص ) بترجمة الكميت: « الكميت هو ابن زيد الاسدي شاعر مقدّم، عالم بلغات العرب خبير بأيامها، فصيح من شعراء مضر وألسنتها، والمتعصبين على القحطانية، المقاربين المقارعين لشعرائهم العلماء بالمثالب والأيام المفاخرين بها، وكان في أيام بني أُمية

____________________

(١). تذكرة خواص الامة ٣٠ - ٣٤.


ولم يدرك الدولة العباسية ومات قبلها. وكان معروفاً بالتشيع لبني هاشم مشهوراً بذلك. وقصائده الهاشميات من جيد شعره ومختاره.

قال ابن قتيبة: وكان بين الكميت وبين الطرماح خلطة ومودة وصفاء لم يكن بين اثنين قال: وهذه الأحوال بينهما على تفاوت المذاهب والعصبية والديانة. كان الكميت شيعياً عصبياً عدنانياً من شعراء مضر متعصباً لأهل الكوفة. والطرماح خارجي صفري قحطاني عصبي لقحطان من شعراء اليمن متعصب لأهل الشام. فقيل له: فيم اتفقتما هذا الاتفاق مع سائر اختلاف الأهواء؟ قالا: اتفقنا على بغض العامة.

وحدّث محمد بن أنس السلامي الأسدي قال: سئل معاذ الهراء من أشعر الناس؟ قال: أمن الجاهليين أم من الاسلاميين؟ قال: بل من الجاهليين. قال: امرؤ القيس وزهير وعبيد بن الأبرص. قالوا: فمن الاسلاميّين؟ قال: الفرزدق وجرير والأخطل والراعي. قال: فقيل له: يا أبا محمد ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت؟ قال: ذاك أشعر الأولين والآخرين.

وحدّث محمد النوفلي قال: لما قال الكميت بن زيد الشعر كان أول ما قاله الهاشميات فسترها. ثم أتى لفرزدق وقال: يا أبا نؤاس إنك شيخ مضر وشاعرها وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد الأسدي. قال له: صدقت أنت ابن أخي فما حاجتك؟ قال: نفث على لساني فقلت شعراً فأحببت أن أعرضه عليك، فان كان حسناً أمرتني بإذاعته وإن كان قبيحاً أمرتني بستره وكنت أول من ستره علي. فقال له الفرزدق: أما عقلك فحسن وإني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك. فأنشدني ما قلته. فانشدته: طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب

فقال له الفرزدق: أذع ثم أذع، فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي.

وحدّث إبراهيم بن سعد الأسدي قال: سمعت أبي يقول: رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم فقال لي: من أيّ الناس أنت؟ قلت: من العرب.


قال: أعلم فمن أيّ العرب أنت؟ قلت: من بني أسد. قال: أسد بن خزيمة؟ قلت: نعم. قال أتعرف الكميت بن زيد؟ قلت: يا رسول الله ابن عمي ومن قبيلتي. قال: أتحفظ من شعره شيئاً؟ قلت: نعم. قال: أنشدني: طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب. قال: فأنشدته حتى بلغت قوله:

فما لي إلّا آل أحمد شيعة

ومالي إلّا مشعب الحق مشعب

فقال لي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أصبحت فاقرأ عليه‌السلام وقل له: قد غفر الله لك بهذه القصيدة.

وحدّث نصر بن مزاحم المنقري: أنه راى النبي في النوم وبين يديه رجل ينشده: من لقلب متيّم مستهام. قال: فسألت عنه. فقيل لي: هذا الكميت بن زيد الأسدي. قال: فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: جزاك الله خيراً. وأثنى عليه.

وحدّث محمد بن سهل صاحب الكميت قال: دخلت مع الكميت على أبي عبد الله جعفر بن محمد في أيام التشريق، فقال له: جعلت فداك ألا أنشدك! قال: إنها أيام عظام. قال: إنها فيكم. قال: هات، وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله فقرب ما أنشده، فكثر البكاء حتى أتى على هذا البيت.

يصيب به الرامون عن قوس غيرهم

فيا آخر أسدى له الغي أوله

فرفع أبو عبد الله يديه فقال: اللهم اغفر للكميت ما قدّم وما أخّر وما أسرّ وما أعلن وأعطه حتى يرضى.

وحدّث صاعد مولى الكميت قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي فأنشده الكميت قصيدته التي أولها: من لقلب متيم مشتاق. فقال: اللهم اغفر للكميت اللهم اغفر للكميت. قال: ودخل يوماً عليه فأعطاه ألف دينار وكسوة فقال له الكميت: والله ما جئتكم للدنيا ولو أردت الدنيا لأتيت من هي في يده


ولكنني جئتكم للآخرة، فأما الثياب التي أصابت أجسامكم فأنا أقبلها لبركاتها وأما المال فلا أقبله وردَّه وقبل الثياب.

قال: ودخلنا على فاطمة بنت الحسين فقالت: هذا شاعرنا أهل البيت وجاءت بقدح فيه سويق فحركته بيدها وسقته الكميت فشربه. ثم أمرت له بثلاثين دينار ومركب فهملت عيناه وقال: لا والله لا أقبلها، إني لم أحبّكم للدنيا »(١) .

ترجمة السبط والثناء عليه

وسبط ابن الجوزي فقيه، مؤرّخ، واعظ مشهور، أثنى عليه علماء أهل السنة واعتمدوا عليه ونقلوا عنه ووثّقوه وأطروه.

١ - ابن خلكان بترجمة جدّه: « وكان سبطه شمس الدين أبو المظفر يوسف ابن قزغلي الواعظ المشهور، حنفي المذهب، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه وقبول عند الملوك وغيرهم، وصنّف تاريخاً كبيراً رأيته بخطه في أربعين مجلداً سمّاه مرآة الزمان في تاريخ الأعيان. وتوفي ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة ٦٥٤ بدمشق بمنزله بجبل قاسيون ودفن هناك. ومولده في سنة ٥٨١ ببغداد وكان هو يقول: أخبرتني أمي أن مولدي سنة ٨٢. رحمه الله تعالى ».

وقال ابن خلكان بترجمة الحلّاج: « قلت: ذكر صاحبنا شمس الدين أبو المظفر يوسف الواعظ سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي الواعظ المشهور في تاريخه الكبير الذي سماه مرآة الزمان أخبار ابن المقفع وما جرى له وقتله في سنة ١٤٦. ومن عادته أن يذكر كل واقعة في السنة التي كانت فيها. فيدل على أن قتله في السنة المذكورة »(٢) .

٢ - اليافعي: « العلّامة الواعظ المؤرخ أسمعه جده منه ومن جماعة

____________________

(١). معاهد التنصيص في شواهد التلخيص ٣٨١ - ٣٨٨.

(٢). وفيات الأعيان ١ / ٤٠٥.


وقدم دمشق سنة بضع وستمائة، فوعظ بها وحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبة وعظه. وله تفسير في تسعة وعشرين مجلداً، وشرح الجامع الكبير وجمع مجلَّدا في مناقب أبي حنيفة ودرّس وأفتى، وكان في شبيبته حنبلياً، ولم يزل وافر الحرمة عند الملوك »(١) .

٣ - الأزنيقي: « شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزغلي الواعظ المشهور، حنفي المذهب، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه وقبول عند الملوك وغيرهم، روى عن جده ببغداد، وسمع أبا الفرج ابن كليب وابن طبرزد، وسمع بالموصل ودمشق وحدث بها وبمصر »(٢) .

٤ - الذهبي: « ابن الجوزي العلامة الواعظ المؤرخ درّس وأفتى، وكان في شبيبته حنبلياً. توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجة، وكان وافر الحرمة عند الملوك »(٣) .

٥ - محمود بن سليمان الكفوي: « يوسف بن قزغلي بن عبد الله البغدادي سبط الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي، صاحب مرآة الزمان في التاريخ، ذكره الحافظ شرف الدين في معجم شيوخه تفقه وبرع وسمع من جدّه وكان إماماً عالماً فقيهاً، واعظاً جيداً نبيهاً، يلتقط الدرر من كلمه ويتناثر الجوهر من حكمه، يصلح المذهب القاضي عند ما يلفظ ويتوب الفاسق العاصي حينما يعظ، يصدع القلب بخطابه ويجمع العظام النخرة بجنابه، لو استمع له الصخر لا نفلق والكافر الجحود لآمن وصدّق. وكان طلق الوجه دائم البشر حسن المجالسة مليح المحاورة، يحكي الحكايات الحسنة وينشد الأشعار المليحة، وكان فارساً في البحث عديم النظير مفرط الذكاء، إذا سلك طريقاً ينقل فيها أقوالاً ويخرج أوجهها. وكان من وحداء الدهر بوفور فضله وجودة قريحته وغزارة علمه

____________________

(١). مرآة الجنان ٦٥٤.

(٢). مدينة العلوم للازنيقي.

(٣). العبر حوادث ٦٥٤.


وحدة ذكائه وفطنته، وله مشاركة في العلوم ومعرفة بالتواريخ، وكان من محاسن الزمان وتواريخ الايام، وله القبول التام عند العلماء والأمراء والخاص والعام، وله تصانيف معتبرة مشهورة »(١) .

٦ - ابن الوردي: « الشيخ شمس الدين يوسف سبط جمال الدين ابن الجوزي واعظ فاضل، له: « مرآة الزمان » تاريخ جامع، قلت: وله تذكرة الخواص من الأمة في مناقب الأئمة، والله اعلم»(٢) .

٧ - أبو المؤيد الخوارزمي: « أما المسند الأول وهو مسند الاستاذ أبي محمد الحارثي البخاري، فقد أخبرني الأئمة بقراءتي عليهم: الامام أقضى قضاة الأنام أخطب خطباء الشام، جمال الدين أبو الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني، والشيخ الثقة صفي الدين إسماعيل ابن إبراهيم بن يحيى الداجي القرشي المقدسي بقراءتي عليها بجامع دمشق، والشيخ الامام شمس الدين يوسف بن عبد الله سبط الامام الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي بقراءتي عليه »(٣) .

اعتماد العلماء على السبط

هذا، ولقد اعتمد على رواياته جمهور علماء أهل السنّة، بل لقد احتجّ بأقواله ورواياته جماعة من متعصبيهم في مقابل الامامية، كالخواجة الكابلي في ( صواقعه ) و ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) والقاضي في ( السيف المسلول ) حيث استندوا إلى روايته - إلى جنب كبار المؤرخين والأئمة كالبخاري والطبري وابن كثير وابن الجوزي - في الجواب عمّا طعن به عمر بن الخطاب من درء الحد عن المغيرة ابن شعبة.

____________________

(١). كتائب اعلام الاخيار - مخطوط.

(٢). تتمة المختصر حوادث ٦٥٦.

(٣). جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ٧٠.


وقد نصَّ محمد رشيد الدين الدهلوي في ( ايضاح لطافة المقال ) على كون سبط ابن الجوزي من قدماء أئمة الدين المعتمدين عند أهل السنة.

(٦)

محمد بن يوسف الكنجي الشافعي

وقال محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي بعد ذكر حديث فيه أنه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي: « لو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحد أحق منك » قال ما نصه: « وهذا الحديث وإنْ دلَّ على عدم الاستخلاف لكن حديث غدير خم دال على التولية وهي الاستخلاف. وهذا الحديث أعني حديث غدير خم ناسخ لأنه كان في آخر عمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

(٧)

سعيد الدين الفرغاني

وقال سعيد الدين الفرغاني بشرح قول ابن الفارض:

« وأوضح بالتأويل ما كان مشكلا

علي بعلم ناله بالوصيّة »

قال: « وكذلك هذا البيت مبتدأ محذوف الخبر تقديره: وبيان علي كرم الله وجهه وإيضاحه بتأويل ما كان مشكلاً من الكتاب والسنة بوساطة علم ناله، بأن

____________________

(١). كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ١٦٦ - ١٦٧.


جعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصيّه وقائماً مقام نفسهبقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. وذلك كان يوم غدير خم على ما قاله كرّم الله وجهه في جملة أبيات منها قوله:

وأوصاني النبي على اختياري

لأمته رضى منه بحكمي

وأوجب لي ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خم

وغدير خم ماء على منزل من المدينة على طريق يقال له الآن طريق المشاة إلى مكة. كان هذا البيان بالتأويل بالعلم الحاصل بالوصية من جملة الفضائل التي لا تحصى، خصّه بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فورثها منه عليه الصلاة والسلام »(١) .

وقال الفرغاني: « وأما حصة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: فالعلم والكشف وكشف معضلات الكلام العظيم والكتاب الكريم الذي هو من أخص معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأوضح بيان بما ناله بقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها. و بقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. مع فضائل أخر لا تعدّ ولا تحصى ».

ترجمة الفرغاني وكتابه

وقد ذكر كاشف الظنون شرح الفرغاني على التائية. قال: « تائية في التصوف للشيخ أبي حفص عمر بن علي بن الفارض الحموي المتوفى سنة ٥٧٦ ولها شروح منها: شرح السعيد محمد بن أحمد الفرغاني المتوفى في حدود سنة ٧٠٠. وهو الشارح الأول لها وأقدم الشائعين له، حكي أن الشيخ صدر الدين القونوي عرض لشيخه محي الدين ابن عربي في شرحها فقال للصدر: لهذه

____________________

(١). شرح تائية ابن الفارض.


العروس بعل من أولادك، فشرحها الفرغاني والتلمساني وكلاهما من تلاميذه »(١) .

وقد ترجم للفرغاني:

١ - عبد الرحمن الجامي، ووصفه بأنه من أكمل أرباب العرفان وأكابر أصحاب الذوق والوجدان، لم يضبط أحد مسائل الحقيقة بأحسن بيان مثله ثم ذكر شرحه على التائية وغيره من مصنفاته(٢) .

٢ - محمود بن سليمان الكفوي: « الشيخ الفاضل الرباني والمرشد الكامل الصمداني سعيد الدين الفرغاني، هو من أعزة أصحاب الشيخ صدر الدين القونوي مريد الشيخ محي الدين العربي، كان من أكمل أرباب العرفان وأفضل أصحاب الذوق والوجدان، وكان جامعا للعلوم الشرعية والحقيقية، وقد شرح أحسن الشروح أصول الطريقة، وكان لسان عصره وبرهان دهره ودليل طريق الحق وسرّ الله بين الخلق، بسط مسائل علم الحقيقة وضبط فنون أصول الطريقة في ديباج شرح القصيدة التائية الفارضية »(٣) .

٣ - الذهبي في ( العبر في خبر من عبر )(٤) .

____________________

(١). كشف الظنون ٢ / ٢٦٥.

(٢). نفحات الانس: ٥٥٩.

(٣). كتائب اعلام الأخيار - مخطوط.

(٤). العبر حوادث ٦٩٩.


(٨)

تقي الدين المقريزي

وقال تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي ما نصّه: « وقال ابن زولاق: وفي يوم ثمانية عشر من ذي الحجة سنة ٣٦٢ وهو يوم الغدير يجتمع خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء، لأنه يوم عيد، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فيه واستخلفه. فأعجب المعز ذلك من فعلهم، وكان هذا أول ما عمل بمصر »(١) .

ترجمة المقريزي

وترجم جلال الدين السيوطي المقريزي بقوله: « المقريزي تقي الدين أحمد ابن علي بن عبد القادر بن محمد مؤرخ الديار المصرية. ولد سنة ٧٦٩ واشتغل بالفنون وخالط الأكابر وولي حسبة القاهرة، ونظم ونثر وألّف كتباً كثيرة منها: درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة. والمواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار. وعقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط. وإيقاظ الحنفاء بأخبار الفاطميين الخلفا. والسلوك بمعرفة دول الملوك. والتاريخ الكبير. وغير ذلك. مات سنة ٨٤٠ »(٢) .

ترجمة ابن زولاق

وابن زولاق الذي نقل المقريزي كلامه المذكور من مشاهير المؤرخين

____________________

(١). المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ٢ / ٢٢٠.

(٢). حسن المحاضرة ١ / ٥٥٧.


المعتمدين:

١ - ابن خلكان: « أبو محمد الحسن بن ابراهيم بن الحسين بن الحسين بن الحسن بن علي بن خالد بن راشد بن عبد الله بن سليمان بن زولاق، الليثي مولاهم المصري، كان فاضلاً في التاريخ وله فيه مصنف جيد، وله كتاب في خطط مصر استقصى فيه. وكتاب أخبار قضاة مصر جعله ذيلاً على كتاب أبي عمر محمد ابن يوسف بن يعقوب الكندي الذي في أخبار قضاة مصر وانتهى منه إلى سنة ٢٤٦ فكمّله ابن زولاق المذكور »(١) .

٢ - السيوطي: « ابن زولاق أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسن المصري المؤرّخ، صنّف كتاباً في فضائل مصر، وذيلاً على قضاة مصر للكندي مات في ذي القعدة سنة ٣٨٧ عن إحدى وثمانين سنة »(٢) .

٣ - ابن الوردي: كذلك(٣) .

هذا، وقد ذكر في كشف الظنون ذيله على تاريخ مصر.

(٩)

شهاب الدين الدولت آبادي

وصريح كلمات شهاب الدين الدولت آبادي - وتوجد ترجمته في ( سبحة المرجان بذكر مآثر هندوستان ) و ( أخبار الأخبار ) وغيرهما - أن حديث الغدير يدلّ على خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام ونيابته عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه يدلّ على وجوب إطاعة علي ولزوم اتّباعه عليه‌السلام . كما لا يخفى

____________________

(١). وفيات الاعيان ١ / ٣٧٠.

(٢). حسن المحاضرة ١ / ٥٥٣.

(٣). تتمة المختصر حوادث سنة ٣٨٧.


على من لا حظ كلماته في « الهداية الرابعة عشر »(١) .

(١٠)

شهاب الدين أحمد

وقد تقدّم في الكتاب سابقاً نصّ عبارة شهاب الدين أحمد صاحب ( توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل )، الذي رجّح فيه أن يكون المراد من ( المولى ) في حديث الغدير معنى ( السيد ) من بين معانيه المتعددّة، ناقلاً ذلك عن بعض أهل العلم. ثم قال: إن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر الحديث: « ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين » يؤيّد هذا القول.

ثم إنه نقل كلام الشيخ جلال الدين الخجندي. وأيضاً نقل حديثاً عن كتاب ( مرج البحرين ) واستنتج من كل ذلك دلالة حديث الغدير على الامامة والأولوية في الطاعة والاتباع.

(١١)

محمد بن إسماعيل الأمير

وقال محمد بن اسماعيل الأمير اليماني - بعد ذكر طرق عديدة من طرق حديث الغدير -: « وتكلّم الفقيه حميد على معانيه وأطال، وننقل بعض ذلك قال رحمه‌الله : منها - فضل العترة عليهم‌السلام ووجوب رعاية حقّهم حيث جعلهم أحد الثقلين اللذين يسأل عنهما، وأخبر بأنه سأل لهم اللطيف الخبير وقال: فأعطاني، يعني استجاب لدعائه فيهم، ناصرهما ناصري وخاذلهما خاذلي ووليّهما

____________________

(١). من كتابه هداية السعداء - مخطوط.


ولي وعدوّهما لي عدو، وهذا يقضي بأنّهم قائلون بالصّدق وقائمون بالحق، لأنه قد جعل ناصرهما - يعني الكتاب والعترة - ناصراً له عليه‌السلام وخاذلهما خاذلاً له، ونصرته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة وخذلانه حرام عند أهل الاسلام، فكذلك يكون حال العترة الكرام عليهم‌السلام ، وهذا يوجب أنهم لا يتفقون على ضلال ولا يدينون بخطأ، إذ لو جاز ذلك عليهم حتى يعمّهم كان نصرهم حراماً وخذلانهم فرضاً وهذا لا يجوز، لأن خبره فيهم عام يتناول جميع أحوالهم ولا يدل على التخصيص.

وزاده بياناً وأردفه برهاناً بقوله: ووليّهما لي ولي وعدوّهما لي عدو، وهذا يقتضي كونهم على الصواب وأنّهم ملازمون الكتاب حتى لا يحكمون بخلافه.

وفيه أجلى دلالة على أن إجماعهم حجة يجب الرجوع إليها، حيث جمع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهم وبين الكتاب، وفيه أوفى عبرة لمعتبر في عطب معاوية ويزيد وأتباعهم وأشياعهم من سائر النواصب، الذين جهدوا في عداوة العترة النبوية والسلالة العلوية.

ومنها - قوله: أخذ بيده ورفعها وقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، والمولى إذا أطلق من غير قرينة فهم منه أنه المالك للتصرف، وإذا كان في الأصل يستعمل لمعان عديدة: منها المالك للتصرف، ولهذا اذا قيل: هذا مولى القوم سبق الأفهام أنه المالك المتصرف في أمورهم. ومنها: الناصر، قال تعالى: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) ومنها: ابن العم، قال الله تعالى: ( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) أراد بني العم بعدي. ومنها بمعنى المعتق والمعتق، ومنها بمعنى الاولى قال تعالى ( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم وبعذابكم.

وبعد، فلو لم يكن السابق إلى الأفهام من لفظة مولى السابق المالك للتصرف لكانت منسوبة إلى المعاني كلها على سواء، وحملناها عليها جميعاً إلّا ما يتعذر في حقه عليه‌السلام ، من المعتق والمعتق، فيدخل في ذلك المالك للتصرف والأولى المفيد ملك التصرف على الأمة، وإذا كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان


إماماً، وتفصيل ذلك مودع في موضعه.

ومنها - قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت وليه فهذا وليه، والولي المالك للتصرف بالسبق إلى الفهم وان استعمل في غيره، وعلى هذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السلطان ولي من لا ولي له. يريد ملك التصرف في عقد النكاح، يعني أن الامام له الولاية فيه حيث لا عصبة. ثم لو سلّمنا احتمال الولي لغير ما ذكرناه على حده فهو كذلك يجب حمله على الجميع بناءاً على أن كل لفظة احتملت معنيين بطريقة الحقيقة فإنها يجب حملها عليهما أجمع، اذا لم يدل دليل على التخصيص.

ومنها - قوله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وهذا يشهد بفضل علي عليه‌السلام وبراءته من الكبائر، حيث دعا النبي الى الله بأن يوالي من والاه ويعادي من عاداه، ولو جاز أن يرتكب كبيرة لوجبت معاداته، ومتى وجبت معاداته لم يكن الله ليعادي من عاداه كما لا يعادي من عادى مرتكبي الكبائر، بل هو من أوليائه في الحقيقة، فلما قضى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه يعادي من عاداه مطلقاً من غير تخصيص دل على حالة لا يقارف فيها كبيرة. فبهذا يظهر أن معاوية قد عاداه على الحقيقة، لأن المعلوم بلا مرية بأنه كان معادياً لعلي عليه‌السلام ، ومن كان عدو الله كيف يجوز الترحم عليه والتولي له؟ لو لا عمى الاخبار وخبث الظواهر والسرائر والانحراف عن العترة الأطهار وامام الأبرار؟ ولو لم يرو إلّا حديث الغدير في مناقب علي عليه‌السلام لكفى في رفع درجته وعلو منزلته، وقضى له بالفضل على سائر الصحابة. انتهى كلامه رحمه‌الله مع اختصار منه ».


(١٢)

المولوى محمد إسماعيل الدهلوي

ابن أخ ( الدهلوي )

وللمولوي محمد إسماعيل ابن أخ مخاطبنا ( الدهلوي ) الذي يقتدي به ويعتقده جمع كثير وجم غفير من أهالي هذه الديار في رسالته التي صنّفها في بيان حقيقة الامامة، كلام صريح في دلالة حديث الغدير على ما ترتئيه الامامية، فقد قال في بيان الأمور التي يقوم بها الامام مقام النبي: « ومنها: ثبوت الرئاسة، أي فكما أن لأنبياء الله نوعاً من الرئاسة الثابتة لهم بالنسبة إلى أممهم وهي الرئاسة التي تنسب تلك الأمة إلى رسولها والرسول إلى أمته، وبالنظر إليها يكون للرسول تصرف في كثير من أمورهم الدنيوية كما قال الله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ويكون له أيضاً ولاية في بعض الأُمور الأُخروية قال الله تعالى ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) كذلك الامام، فإنه يكون له مثل تلك الرئاسة على تلك الأمة في الدنيا والآخرة، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه. وقال الله تعالى: ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنهم مسئولون عن ولاية علي ».

بل إن كلام ابن أخ ( الدهلوي ) يدل على ما تذهب إليه الشيعة الامامية من جهات عديدة لا تخفى على من تأمل فيها.

وتوجد ترجمة هذا الرجل مفصّلة في كتاب ( اتحاف النبلاء المتقين باحياء مآثر الفقهاء المحدثين) للمولوي صدّيق حسن القنوجي.


وتوجد ترجمة مطولة أيضاً للشيخ اسماعيل بن عبد الغني بن ولى الله الدهلوي في نزهة الخواطر وصفه في أولها: « بالشيخ العالم الكبير العلامة المجاهد في سبيل الله الشهيد أحد أفراد الدنيا في الذكاء والفطنة والشهامة وقوة النفس والصلابة في الدين » قال: « وقد وقع مع أهل عصره قلاقل وزلازل، وصار أمره أحدوثة، وجرت فتن عديدة في حياته وبعد مماته، والناس قسمان في شأنه » ثم ذكر مختاراته في المسائل الشرعية، ومصنفاته، وقد عدّ منها: « منصب امامت ». وذكر انه قتل في سنة ١٢٤٦ في معركة(١) .

* * *

____________________

(١). نزهة الخواطر ٧ / ٥٦ - ٦١.


دحض مناقشات الدهلوي

في دلالة حديث الغدير



(١) إحتمال إرادة الأولوية في التعظيم

قوله:

« إذْ يحتمل أن يكون المراد الأولى بالمحبة والأولى بالتعظيم ».

هذا يفيد الامامة

أقول: وهذا الاحتمال أيضاً يفيد الامامة ويبطل مذهب أهل السنة، لأنه إذا كان أمير المؤمنين عليه‌السلام الأولى بالمحبة والأولى بالتعظيم على الاطلاق والعموم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان عليه‌السلام الأفضل من الشيوخ الثلاثة، والأفضلية شرط الامامة والخلافة بلا كلام ولا شبهة.

وأما ثبوت الأفضليّة بالأولوية بالمحبّة والتعظيم ففي غاية البداهة، إذ الأولى بالمحبّة والتعظيم أفضل ممّن ليس كذلك، ولا يجوز في العقل أن يكون المفضول أولى بالتعظيم من الفاضل، إذ لا تدور الأولوية في المحبّة والتعظيم إلّا مدار


الأكثرية في الفضيلة والشرف الديني، فمن كان أفضل كان أولى بالمحبة والتعظيم، ودلالة التعظيم على الفضل ظاهرة من كلام ( الدهلوي ) في رسالته المسمّاة بـ ( السرّ الجليل ) حيث قال: « كلّ من أمرنا بتعظيمه فهو ذو فضل ».

ولا مجال هنا لأن يتوهّم تخصيص هذه الأولوية بالنسبة إلى الشيخين، لما تقدم عن ابن حجر المكي من أن الشيخين قد فهما من حديث الغدير أولوية أمير المؤمنين عليه‌السلام بالاتباع والقرب، ولذا خاطباه بقولهما: « أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة ». ويدفعه أيضاً: قول عمر بن الخطاب لعلي عليه‌السلام : « أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ». وأيضاً: حديث مخاطبة جبرئيل لعمر حول الولاية نص صريح في بطلان هذا التوهم بالنسبة إلى عمر، وكذلك أبو بكر بن أبي قحافة، للاجماع المركب، فكيف يجعلون الشيخين أولى بالمحبة والتعظيم، ويزعمون أفضليتهما ويدينون بخلافتهما مع كونهما مفضولين؟

ومن العجيب أيضاً تجويز ( الدهلوي ) هنا إرادة ( الأولى بالمحبة ) و ( الأولى بالتعظيم ) من حديث الغدير، ثم دعواه أفضلية الشيخين في رسالته ( السر الجليل في مسألة التفضيل ) التي ألّفها بعد ( التحفة الاثنا عشرية ).

وقال الفاضل النحرير باقر علي خان في ( الحجج الباهرة ) في هذا المقام:

« ولو فرض كون المقصود هو الأولى بالمحبة والتعظيم لم يناف ما ندّعيه، لأن الأولى بالمحبة الدينية والتعظيم الشرعي هو الأفضل من الكلّ، والأفضل أحق بالخلافة من المفضول، قال في الصواعق: سئل شيخ الاسلام محقّق عصره أبو زرعة الولي العراقي عمّن اعتقد في الخلفاء الأربعة الأفضلية على الترتيب المعلوم، ولكن يحب أحدهم أكثر هل يأثم؟ فأجاب بأن المحبة قد تكون لأمر ديني، وقد تكون لأمر دنيوي، فالمحبة الدينية لازمة للأفضلية، فمن كان أفضل كان محبتنا الدينية له أكثر، فمتى اعتقدنا في واحد منهم أنه أفضل ثم أحببنا غيره من جهة الدين حبّاً أكثر منه كان تناقضاً، نعم إنْ أحببنا غير الأفضل أكثر من محبة الأفضل


لأمر دنيوي كقرابة أو إحسان أو نحوه فلا تناقض في ذلك ولا امتناع، فمن اعترف بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، لكنّه أحبَّ علياً أكثر من أبي بكر مثلاً فإنْ كانت المحبة المذكورة محبة دينية فلا معنى لذلك، إذ المحبة الدينية لازمة للأفضلية كما قررناه، وهذا لم يعترف بأفضلية أبي بكر إلّا بلسانه لا بقلبه، فهو مفضل لعلي لكونه أحبه محبة دينية زائدة على محبة أبي بكر، وهذا لا يجوز. وإنْ كانت المحبة المذكورة دنيوية لكونه من ذرية علي أو لغير ذلك من المعاني فلا امتناع فيه ».

فتلخص أن فرار ( الدهلوي ) من ( الأولى بالتصرف ) إلى ( الأولى بالمحبة والتعظيم ) لا ينفعه.

(٢) النقض بقوله تعالى ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ )

قوله: « وأي ضرورة لأن يحمل لفظ ( الأولى ) على ( الأولوية بالتصرف ) في كل مورد؟ قال تعالى: ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) . وواضح أن أتباع إبراهيم لم يكونوا أولى بالتصرف منه ».

بطلان هذا النقض

أقول: في قوله تعالى: ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ ) قرينة تمنع من الحمل على ( الأولوية بالتصرف ) بخلاف ما نحن فيه، فلا يقاس أحدهما على الآخر. ومتى كان ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) وكان مطلقاً غير مقيَّد بقيد فإنه يحمل على الأولوية في جميع الأمور، وإذا ثبتت الأولوية في جميع الأمور تحققت الأولوية بالتصرف بالضرورة.


أمّا حمل ( الأولى ) على الأولوية في جميع الأمور بسبب عدم تقييده بقيد فهو ثابت من كلمات كبار علماء أهل السنة المحققين، إذ قد عرفت سابقاً قُول الزمخشري والنيسابوري والبيضاوي والعيني وغيرهم بتفسير قوله عز وجل: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بهم من أنفسهم في جميع الأمور، لإِطلاق لفظة ( الأولى ) في الآية الكريمة، فكذلك لفظة ( المولى ) في حديث الغدير تحمل على العموم والاطلاق، لعدم تقيدها بقيد، فثبتت الأولوية بالتصرف وبطلت كلمات المشككين وتأويلاتهم الباردة للحديث الشريف.

على أنّه لا ريب في أن المراد من ( المولى ) في « فعلي مولاه » نفس المراد منه في « من كنت مولاه » وقد اعترف ( الدهلوي ) نفسه بأن الكلام مسوق لتسوية الولايتين في جميع الأوقات ومن جميع الوجوه، فإذا كان المراد أولوية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت أولويته في جميع الأمور، بعين ما ذكره أساطين المفسرين في قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فكذلك أولوية سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام . فبطلت أوهام المنكرين.

(٣) جعل ذيل الحديث قرينة على إرادة المحبة

قوله: « ثالثاً: إن القرينة المتأخّرة تدل بصراحة على أن المراد من الولاية المستفاد من لفظ ( المولى ) أو ( الاولى ) - أيّاً ما كان - هو معنى المحبة، وتلك القرينة قوله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ».

الجواب عن ذلك

أقول: لقد اضطرب أهل السنة واختلفت كلماتهم في تأويل حديث الغدير بغية صرفه عن مدلوله الحقيقي، فمنهم من أوّله بجعل المراد من ( المولى ) فيه هو


( الناصر ) و ( المحب ) كالقوشجي الذي قال: « وبعد صحة الرواية فمؤخر الخبر أعنيقوله: اللهم وال من والاه. يشعر بأن المراد بالمولى هو الناصر والمحب »(١) .

وكالحلبي القائل: بل معنى ذلك عند العلماء الذين هم أهل هذا الشأن وعليهم الاعتماد في تحقق ذلك، من كنت ناصره ومواليه ومحبه ومصافيه فعلي كذلك »(٢) .

وهذا التأويل عجيب للغاية، إذ لا يعقل أن يكون ذاك الاهتمام الذي عرفته لمجرد بيان كون علي عليه‌السلام محباً وناصراً لمن كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محباً وناصراً له، فلا يجوز نسبة إرادة هذا المعنى الى الرسول الأعظم، إلّا إذا أريد المحبة والنصرة الخاصة للخليفة والوصي من بعده، فعلى ذلك يتم المطلوب لأهل الحق.

ومن هنا ترى أن بعض أكابرهم يستبعد هذا التأويل، فقد قال الحافظ محب الدين الطبري: « قد حكى الهروي عن أبي العباس: إن معنى الحديث: من أحبني ويتولّاني فليحب علياً وليتوله. وفيه عندي بعد، إذ كان قياسه على هذا التقدير أنْ يقول: من كان مولاي فهو مولى علي، ويكون المولى ضد العدو، فلما كان الاسناد في اللفظ على العكس بعد هذا المعنى »(٣) .

وأما قول الطبري: « نعم يتّجه ما ذكره من وجه آخر بتقدير حذف في الكلام على وجه الاختصار، تقديره من كنت مولاه فسبيل المولى وحقّه أن يحب ويتولى، فعلي أيضاً مولى القربة مني ومكانته من تأييد الاسلام فليحبه وليتوله كذلك »(٤) . فسقوطه في غاية الوضوح، لأن حديث الغدير ظاهر في معنى يوافق

____________________

(١). شرح التجريد للقوشجي: ٤٠٣.

(٢). السيرة الحلبية ٣ / ٣٤٠.

(٣). الرياض النضرة ١ / ٢٠٥.

(٤). الرياض النظرة ١ / ٢٠٥.


استعمال الكتاب والسنّة واللغة، وقد فهم كبار الأصحاب منه هذا المعنى، ونص عليه أكابر العلماء ودلت عليه القرائن والأخبار الأُخرى، لكن ( الدهلوي ) يناقش في دلالته على هذا المعنى مع وجود هذه الأمور، فكيف يرتضي عاقل تأويل الطبري وهو تأويل ركيك محتاج إلى الحذف والتقدير، ولا يوافقه الاستعمال ولا يخطر ببال أحد أبداً؟

ومنهم من اخترع معنى آخر للفظة ( المولى ) لما رأى عدم تمامية حمله على ( المحب والناصر ) وهو ( المحبوب ) كابن حجر المكي والكابلي صاحب ( الصواقع ) وشاه ولي الله الدهلوي في ( ازالة الخفا ).

ولكنها دعوى مجردة عن الدليل، فليس في كتب اللغة المشهورة أمثال ( الصحاح ) و ( القاموس ) و ( الفائق في غريب الحديث ) و ( النهاية الاثيرية ) و ( مجمع البحار ) و ( المفردات ) و ( أساس البلاغة ) و ( المغرب ) و ( المصباح المنير ) وغيرها ذكر ( للمحبوب ) في معاني لفظة ( المولى ).

ألا سائل يسألهم! ما الذي حملهم على الاعراض عن معنى يوافقه الكتاب والسنة، ويساعده استعمال أهل اللسان، ويفهمه القريب والبعيد، ويذعن به الموافق والمخالف، والاعتماد على معنى مخترع من عندهم، لم يذكره اللغويون، ولا تثبته القرائن، ولا تشهد به وقائع القضية!!

لكن الكابلي وبالرغم من أنه يعد ( المحبوب ) من جملة معاني ( المولى ) حيث يقول: « ولأن المولى مشترك بين معان، كالمالك والعبد وهو المعتق والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار والحليف والصديق والناصر والمنعم والمنعم عليه والرب والنزيل والمحب والمحبوب والتابع والظهير » يحمل ( المولى ) في الحديث على ( المحب والناصر ) حيث يقول: « وخاتمة الحديث - وهي الجملة الدعائية - قرينة واضحة على أن المراد بالمولى المحب والصديق ».


ولعل ذلك من جهة عدم تجاسره على حمل كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على معنى مخترع مكذوب، ومن هنا يتضح تخليط ( الدهلوي ) وتلبيسه، حيث اكتفى بدعوى أن المراد من الولاية المستفادة من حديث الغدير هي ( المحبة ) ولم يوضّح مراده من هذه المحبة، وأنه هل يحمل ( المولى ) على ( المحب ) أو ( المحبوب )؟! والسبب في ذلك هو محاولة الفرار عن الاشكال، لأنه إنْ صرح بالأول أورد عليه باستحالة إرادة هذا المعنى من حديث الغدير، وإنْ صرّح بالثاني أورد عليه بعدم ثبوت هذا المعنى في معاني لفظة ( المولى ).

ومنهم من ذكر (١٦) معنى للفظة ( المولى ) ثم جوّز حملها في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » على أكثر تلك المعاني، كابن الاثير الجزري في كتابه ( النهاية في غريب الحديث)(١) .

وهذا من عجائب الأمور، لوضوح عدم جواز حمل الحديث المذكور على أكثر تلك المعاني، وقد نقل محمد رشيد الدين الدهلوي عبارة النهاية أيضاً ولم يلتفت إلى الخلل الموجود فيها

وكالفتني صاحب ( مجمع البحار ) حيث قال: « وقد تكرّر ذكر المولى في الحديث وهو اسم يقع على جماعة كثيرة، فهو الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه ومنه الحديث: من كنت مولاه فعلي مولاه. يحمل على أكثر الأسماء المذكورة »(٢) .

وصاحب ( الصواعق ) - وإنْ ذكر ( المحبوب ) في جملة المعاني الحقيقة للفظة

____________________

(١). النهاية في غريب الحديث: « ولى ».

(٢). مجمع البحار: « ولى ».


( المولى ) صحّح إرادة ( الحِب ) بالكسر، وادعى إجماع الفريقين على ذلك حيث قال: « ونحن وهم متفقون على صحة إرادة الحب بالكسر، وعلي رضي‌الله‌عنه سيدنا وحبنا »(١) .

ولم يتضح لنا وجه الحمل على ( الحبّ ) دون ( المحبوب ) مع أنه مرادف له.

لغة، وقد عدَّه من المعاني الحقيقة للفظة ( المولى )!! على أنّ مجيء ( المولى ) بمعنى ( الحب بالكسر ) محتاج إلى دليل، والأعجب دعوى إجماع الفريقين على صحة إرادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا المعنى من حديث الغدير! والأعجب من الكلّ استناد محمد رشيد الدين خان الدهلوي إلى هذا الكلام في مقابلة أهل الحق.

ثم إنَّ الحمل على ( المحبّة ) والقول بأنّ المراد من حديث الغدير إيجاب محبّة علي عليه‌السلام ، يبطل أساس مذهب أهل السّنة الذي بنوا عليه مسائل مهمة ومعتقدات كثيرة، ألا وهو الاعتقاد بعدالة الصحابة أجمعين أكتعين. فإذا وجبت محبّة علي عليه‌السلام من حديث الغدير فقد حرمت مقاتلته بالأولوية القطعية، وبذلك يظهر حال معاوية وعائشة وطلحة والزبير وعمرو بن العاص وأمثالهم من مئات الصحابة.

وبعد، فإن الجملة الأخيرة من حديث الغدير التي زعموا أنّها قرينة على تأويلهم قد كذّبها ابن تيميّة الحراني حيث قال: « الوجه الخامس: إن هذا اللفظ وهو قوله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث. وأما قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه فلهم فيه قولان سنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

الوجه السادس: إن دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجاب، وهذا الدعاء ليس بمجاب، فعلم أنه ليس من دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه من

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٢٥.


المعلوم أنه لما توفي كان الصحابة وسائر المسلمين ثلاثة أصناف، صنف قاتلوا معه وصنف قاتلوه، وصنف قعدوا عنه، هذا، وأكثر السابقين الأولين من العقود، وقد قيل: إن بعض السابقين الأولين قاتلوه. وذكر ابن حزم: إن عمار بن ياسر قتله أبو الغادية، وإن أبا الغادية هذا من السابقين الأولين، ممن بايع تحت الشجرة، وأولئك جميعهم قد ثبت في الصحيحين أنه لا يدخل النار منهم أحد »(١) .

قوله:

« ولو كان المولى بمعنى المتصرف في الأمر، أو كان المراد بالأولى هو الأولى بالتصرف، لكان المناسب أن يقول: اللهم أحبّ من كان تحت تصرفه وأبغض من لم يكن تحت تصرّفه ».

أقول:

هذا عجيب من فهم ( الدهلوي )، فأيّ ملازمة بين الكون تحت التصرف وبين الاطاعة والاعتقاد بالامامة؟ قد يكون مخالفو الامام الحق تحت تصرّفه بحسب نفوذ أحكامه فيهم، لكنهم في الباطن لا يعتقدون بكونه إماماً حقاً، بل قد يتظاهرون باعتقادهم لكن لا مناص لهم من الكون تحت تصرّفه، كما هو الشأن في قضية أهل الذمة، فإنهم واقعون تحت تصرّف النبي أو الامام مع عدم الاعتقاد بنبوته أو إمامته.

إذن، لا ملازمة بين الأمرين حتى يستحقَّ من كان تحت التصرّف للدعاء المذكور، نعم من كان كذلك مع الاعتقاد بالامامة ووجوب الطاعة يستحقّه بلا ريب، فظهر أنّ المناسب ما كان لا ما توهّمه ( الدهلوي ).

قوله:

« فذكر محبته ومعاداته دليل صريح على أنّ المقصود إيجاب محبته والتحذير من معاداته لا التصرف وعدم التصرّف ».

____________________

(١). منهاج السنة ٤٠ / ١٦.


أقول:

لقد دلّت الألفاظ العديدة من حديث الغدير - كبعض الأحاديث الأُخرى - على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخشى من تكذيب القوم إيّاه، فقد عرفت سابقاً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث: « رأيت الناس حديثي عهد بكفر ومتى أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمّه »(١) . و قوله في حديث آخر: « وعرفت أن الناس مكذّبيّ »(٢) . و قوله في ثالث: « يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع عليَّ الناس »(٣) . ومن هنا تتضّح المناسبة التامّة بين دعائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن والى علياً وعلى من عاداه، وبين إمامته عليه الصلاة والسلام.

قال الحافظ محب الدين الطبري في الجواب عن حديث « علي مني وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمن بعدي » قال: « وأما الحديث الثالث. فقوله: فتعين حمل المولى على الناصر والمتولي الى آخر ما قرر. قلنا: الجواب عنه من وجهين، الأول - القول بالموجب على المعنيين مع البيان بأنه لا دليل لكم فيه، أما على معنى الناصر فلما بيّناه في الحديث قبله، وأما بمعنى المتولي فقد كان ذلك وان كان بعد من كان بعده، إذ يصدق عليه بعده حقيقة. ومثل هذا قد ورد. وسيأتي في مناقب عثمان أن النبي رأى في منامه حورية فقال لها: من أنت؟ قالت: للخليفة من بعدك عثمان.

ويكون فائدة ذلك التنبيه على فضيلته، والأمر بالتمرن على محبته، فإنه سيلي عليكم ويتولّى أمركم ومن يتوقع إمرته، فالأولى أن يموت القلب على موّدته ومحبته ومجانبة بغضه، ليكون أدعى على الإِنقياد وأسرع للطواعية وأبعد من الخلف. ويشهد ذلك: إن هذا القول يعني إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كل مؤمن بعدي، صدر حين وقع فيه من وقع، وأظهر بغضه من أظهر، على ما تضمّنه

____________________

(١). الاربعين للمحدث الشيرازي - مخطوط.

(٢). الدر المنثور ٢ / ٢٩٨.

(٣). المصدر ٢ / ٢٩٨.


الحديث، فأراد نفي ذلك عنهم والتمرن على خلافته، لحاجتهم إليه وحاجته إليهم »(١) .

ثم ماذا يقول ( الدهلوي ) في مقابلة ما فهمه الشاعر الصّحابي حسّان بن ثابت من حديث الغدير، وقال على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ورضيتك من بعدي إماماً وهادياً »؟ هل يتجاسر على القول بأن حسّاناً قد حمل الحديث على غير محمله الصحيح؟ هل يتجاسر على أن يقول ذلك ولا سيّما مع تقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لشعر حسان وسروره به؟

وماذا يقول في مقابلة مناشدة أمير المؤمنين عليه‌السلام الناس بحديث الغدير، في مقام إثبات امامته وخلافته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

وماذا يقول في مقابلة أشعار قيس بن سعد بن عبادة؟

وماذا يقول في مقابلة كلمات أكبار علماء طائفته؟

[٤] إرادة الإِمامة منه تخالف طريقة النبي في بيان الواجبات والسّنن

قوله:

« ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان قد بلّغ أدنى الواجبات بل السنن، بل آداب القيام والقعود والأكل والشرب بوجهٍ يفهم الكلّ - سواء الحاضر والغائب ممّن عرف لغة العرب المعاني المقصودة من ألفاظه بلا تكلّف ».

النقض بحديث الإِثنا عشر خليفة

أقول:

إن هذا الكلام في الحقيقة طعن في الصحابة والعلماء الذين أثبتوا إمامة أمير

____________________

(١). الرياض النضرة ١ / ٢٠٥.


المؤمنين عليه‌السلام من حديث الغدير، بل إنه طعن في تبليغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأدائه الرسالة الإِلهية

لقد غفل ( الدهلوي ) أو تغافل عمّا ذكر علماء مذهبه في معنى حديث « الإِثنا عشر خليفة» من الكلمات المشوّشة والأقاويل المضطربة من أجل صرفه عن مدلوله الواقعي، معرضين عن الأحاديث المفسّرة الواردة بطرق أهل الحق بل بطرقهم.

لقد كثرت تأويلاتهم الركيكة وتوجيهاتهم السخيفة لهذا الحديث الشريف الثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومع ذلك فقد اعترف بعض أعاظم علمائهم بالعجز عن بيان معناه وأعرض عن تأويله، قال ابن حجر العسقلاني: « قال ابن بطال عن المهلّب: لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث يعني بشيء معين »(١) .

قال: « وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلّبت مظانه وسألت عنه، فلم أقع على المقصود به، لأن الألفاظ مختلفة ولا أشك أن التخليط فيها من الرواة »(٢) .

وقال أبو بكر ابن العربي: « ولم أعلم للحديث معنى » وهذا نص كلامه في شرح الحديث: « روى أبو عيسى عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلهم من قريش. صحيح فعددنا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ملك باسم الملك العام اثني عشر أميراً، فوجدنا أبا بكر، عمر، عثمان، علي، الحسن، معاوية، يزيد بن معاوية، معاوية ابن يزيد، مروان، عبد الملك بن مروان، الوليد، سليمان، عمر بن عبد العزيز، هشام بن عبد الملك، يزيد بن عبد الملك، مروان بن محمد بن مروان، السفاح المنصور، المهدي، الهادي، الرّشيد، الأمين، المأمون، المعتصم، الواثق المتوكل، المنتصر، المستعين، المعتز، المهتدي، المعتمد، المعتضد، المكتفي،

____________________

(١). فتح الباري - شرح البخاري - كتاب الفتن ١٦ / ٣٣٨.

(٢). المصدر نفسه ١٦ / ٣٣٩.


المقتدر، القاهر، الراضي، المتقي، المستكفي، المطيع، الطائع القائم، المهتدي وأدركته سنة ٤٨٤، وعهد إلى المستظهر أحمد ابنه. وتوفي في المحرم سنة ٨٦. ثم بايع المستظهر لابنه أبي المنصور المفضل وخرجت عنهم سنة ٩٥.

وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان بن عبد الملك، وإذا عددناهم بالمعنى كان معنى منهم خمسة: الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز.

ولم أعلم للحديث معنى، ولعله بعض حديث. و قد ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كلّهم من قريش»(١) .

ثم إن كلام ( الدهلوي ) هذا يقتضي أن ينسب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدم البلاغة وقصور البيان في كلّ كلامٍ له تحيرت في فهمه الأفهام والأفكار، بل يقتضي نسبة هذا النقص إلى القرآن الكريم لاختلاف العلماء والفقهاء وتحيرهم في فهم كثير من آيات الأحكام، ونعوذ بالله عز وجل من التفوه بمثل هذا الكلام.

إن ( الدهلوي ) يريد دفع دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وانْ استلزم ذلك الأباطيل المنكرة، بل الطعن في كلمات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل القرآن العظيم، ولكن تلميذه محمد رشيد الدين الدهلوي ينص على أن ثبوت خلافة الأمير من حديث الغدير لا ينافي مذهب أهل السنة، وأنه لا حاجة إلى تمهيد المقدمات المطوّلة لهذا الدليل المختصر(٢) . وكلام الرشيد الدهلوي هذا يوضح مدى تعصّب ( الدهلوي ) وأسلافه وارتكابهم الأكاذيب والخرافات في ردّ حديث الغدير، ولقد اعترف - ولله الحمد - بدلالة الحديث المذكور على مطلوب أهل الحق.

واعترف ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي بدلالة حديث الغدير

____________________

(١). عارضة الأحوذي في شرح الترمذي ٩ / ٦٧ - ٦٩.

(٢). ايضاح لطافة المقال - مخطوط.


على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال: « قال أهل السّنة: المراد منالحديث من كنت مولاه فعلي مولاه. أي في وقت خلافته وإمامته »(١) .

فهم يعترفون بدلالته على الامامة والخلافة، وهذا يبطل تأويل ( الدهلوي ) وبعض أسلافه، أما حمل معنى الحديث على الامامة والخلافة في وقتها فيبطله فهم الأصحاب وتهنئة الشيخين وغيرهما وغير ذلك.

قوله:

« وفي ذلك - في الحقيقة - كمال البلاغة، وهو مقتضى منصب الإرشاد والهداية ».

أقول:

فأين كان مقتضى منصب الإرشاد والهداية في حديث « سيكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش » الذي زعموا عدم وضوح معناه، ولم يخل وجه من الوجوه التي ذكروها في شرحه من نقد وإشكال، ولم يتم له توجيه يقبله أهل الفضل والكمال؟

قوله:

« فدعوى الاكتفاء حينئذ بمثل هذا الكلام الذي لا تساعده قواعد لغة العرب يستلزم إثبات قصور البيان والبلاغة، بل المساهلة في أمر التبليغ والهداية في حق النبي. والعياذ بالله من ذلك ».

النقض بحديث خوخة أبي بكر

أقول:

أولاً: إن دعوى عدم مساعدة قواعد اللغة العربية لاستفادة الامامة من حديث الغدير من عجائب التقوّلات، لثبوت دلالته من استشهاد أمير المؤمنين

____________________

(١). هداية السعداء - مخطوط.


عليه‌السلام ومناشدته، ومن صريح أشعار حسان بن ثابت مع تقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأشعار قيس بن سعد بن عبادة، ومن تصريحات كبار أئمة أهل السنة كما علمت آنفاً.

وثانياً: إن نفي دلالة حديث الغدير على الامامة يساوق نفي دلالة « لا إله إلّا الله » على التوحيد، ويساوق نفي دلالة « محمد رسول الله » على الرسالة.

وثالثاً: إن كلام ( الدهلوي ) هذا ينتقض بحديث خوخة أبي بكر المزعوم، ذاك الحديث الذي جعلوه من أدلة خلافة أبي بكر، فإنا نقول لمخاطبنا: إنْ لم يدل حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام مع وجود تلك القرائن والشواهد فأيّ علاقة لِحديث خوخة أبي بكر مع خلافته حتى جعلوه من أدلتها؟

قال القاري بشرح حديث: « لا تبقينَّ في المسجد خوخة إلّا خوخة أبي بكر » قال: « قال التوربشتي: وهذا الكلام كان في مرضه الذي توفي فيه في آخر خطبة خطبها، ولا خفاء بأن ذلك تعريض بأن أبابكر هو المستخلف بعده وهذه الكلمة إنْ أريد بها الحقيقة فكذلك، لأن أصحاب المنازل اللاصقة بالمسجد قد جعلوا من بيوتهم مخترقاً يمرّون فيه إلى المسجد أو كوة ينظرون إليها منه، وأمر بسدّ جملتها سوى خوخة أبي بكر تكريماً له بذلك أولاً، ثم تنبيهاً للناس في ضمن ذلك على أمر الخلافة حيث جعله مستحقاً لذلك دون الناس.

وإنْ أريد به المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد باب المقالة دون التطرق إليها والتطّلع عليها، والمجاز فيه أقوى، إذ لم يصح عندنا أن أبا بكر كان له منزل بجنب المسجد، وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة، ثم إنه مهّد المعنى المشار إليه وقرّره بقوله: ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا. ليعلم أنه أحق الناس بالنيابة عنه، وكفانا حجة على هذا التأويل تقديمه إياه في الصلاة وإباؤه كلّ الإِباء أن يقف غيره ذلك الموقف »(١) .

____________________

(١). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٢٤.


وقال القاري أيضاً: « قال أبو حاتم: وفي قوله: سدّوا دليل على حسم أطماع الناس كلّهم من الخلافة إلّا أبابكر »(١) .

فأي علاقة بين « الخوخة » و« الخلافة » يا منصفون؟

وأي الحديثين أولى بالاستدلال: حديث الغدير لإِمامة علي أو حديث الخوخة لإِمامة أبي بكر يا منصفون؟

ولـمّا رأى الحافظ الطبري عدم دلالة حديث خوخة أبي بكر، فإنّه لم يجد بدّاً من الاعتراف بذلك فصّرح بأنه « لا ينهض في الدلالة، وإنما بانضمام القرائن الحالية إليه » وهذا نص كلامه حديث قال: « عن ابن عباس: إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه، فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد آمن عليّ بنفسه وماله من ابن أبي قحافة، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر لكن خلة الاسلام سدّوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر. خرّجه أحمد والبخاري وأبو حاتم واللفظ له. وقال في قوله: سدّوا عني كلّ خوخة إلى آخره دليل على حسم أطمع الناس كلهم من الخلافة إلّا أبا بكر.

قلت: وهذا القول وحده لا ينهض في الدلالة، وإنما بانضمام القرائن الحالية التي حصلت، وذلك بارتقائه المنبر في حال المرض ومواجهة الناس بذلك وتعريفهم بحق أبي بكر وتفضيله بذكر الخلة، وذلك تنبيه على أنه الخليفة من بعده. وكأن هذا القول كالتوصية لهم به لأنه قرب الموت، وكذلك فهمه الصحابة من القال والحال »(٢) .

أقول: فإذا كان حديث الخوخة يدل على خلافة أبي بكر بانضمام القرائن من ارتقاء المنبر ومواجهة الناس والتعريف بحق أبي بكر وتفضيله كما قال المحب الطبري فإن حديث الغدير - بغض النظر عن دلالته بوحده - يدل

____________________

(١). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٢٥.

(٢). الرياض النضرة ١ / ١١٢.


على إمامة وخلافة أمير المؤمنين بانضمام تلك القرائن إليه، من ارتقاء المنبر قرب الموت، والتعريف بحق علي وأهل البيت عليهم‌السلام ، وأنه مولى من كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مولاه - هذا الكلام الذي يفيد التساوي من جميع الوجوه وتفضيل علي بذلك كما فهمه الدهلوي - ونزول الآيات الكريمة من القرآن الكريم في تلك الواقعة، وشدة اهتمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأمر، وخوفه من شرّ المخالفين، وكون الواقعة في زمان ومكان لم يتعارف فيه هكذا اجتماع، ثم أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بردّ من تقدم وإلحاق من تخلّف، وصنعه منبراً له من أقتاب الإِبل، ثم رفعه لعلي حتى رآه الناس كلّهم، مع تغيير ملابسه وتعميمه إياه بيده، ثم تهنئة الشيخين وعامة الأصحاب والأزواج لعلي، وترتّب الثواب العظيم على صوم هذا اليوم المبارك إلى غير ذلك

ذكر من روى تعميم النبي عليّاً يوم الغدير بيده

وقد روى حديث تعميم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده علياً عليه‌السلام يوم غدير خم جماعة من أكابر أئمة أهل السنة أمثال:

١ - سليمان بن داود بن الجارود أبو داود الطيالسي.

٢ - عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي.

٣ - أحمد بن منيع البغوي.

٤ - أحمد بن الحسين بن علي البيهقي.

٥ - محبّ الدين أحمد بن عبد الله الطبري.

٦ - إبراهيم بن محمد الحمويني.

٧ - محمد بن يوسف الزرندي.

٨ - علي بن محمد المعروف بابن الصبّاغ.

٩ - جلال الدّين عبد الرحمن بن أبي بكر السّيوطي.

١٠ - جمال الدّين عطاء الله بن فضل الله المحدّث الشيرازي.


١١ - علاء الدين علي بن حسام الدين الشّهير بالمتّقي.

١٢ - محمود بن علي الشيخاني القادري.

١٣ - أحمد بن محمد القشاشي.

قال علي المتقي: « عن علي قال: عممّني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم بعمامة فسدلها خلفي. وفي لفظ: فسدل طرفيها على منكبي. ثم قال: إنّ الله أمدّني يوم بدر وحنين بملائكة يعتمّون هذه العمة. وقال: إن العمامة حاجزة بين الكفر والايمان. وفي لفظ بين المسلمين والمشركين، ورأى رجلاً يرمى بقوس فارسية فقال: إرم بها. ثم نظر إلى قوس عربية فقال: عليكم بهذه وأمثالها ورماح القنا، فإن بهذه يمكّن الله لكم في البلاد ويؤّيد لكم. ش. ط وابن منيع ق»(١) .

و قال محب الدين الطبري: « ذكر تعميمه إياه بيده، عن عبد الأعلى بن عدي البهراني: إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا علياً يوم غدير خم فعمّمه وأرخى عذبه من خلفه »(٢) .

وقال شهاب الدين أحمد: « عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه رضي الله تعالى عنهم: إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم عمّم علي بن أبي طالب كرّم الله تعالى وجهه عمامته السحابة وأرخاها من بين يديه ومن خلفه، ثم قال: أقبل فأقبل. ثم قال: أدبر فأدبر. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم: هكذا جاءتني الملائكة ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله »(٣) .

وقال الحمويني: « أخبرنا القاضي جلال الدين أبو المناقب محمود بن مسعود

____________________

(١). كنز العمال للملا علي المتقي. والمراد من « ش » هو ابن أبي شيبة. ومن « ط » أبو داود الطيالسي.

ومن « ق » البيهقي.

(٢). الرياض النصرة ٢ / ٢٨٩.

(٣). توضيح الدلائل - مخطوط.


ابن أسعد بن العراقي الطاووس القزويني إجازة بروايته عن الشيخ إمام الدين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم إجازة قال: أنبأنا أبو منصور شهردار بن شيرويه ابن شهردار الحافظ إجازة قال: أنبأنا أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن الامام أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة الحافظ بقراءتي عليه بإصفهان في داره، أنبأنا أبو عمر عثمان بن محمد بن أحمد بن سعيد الخلّال، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن جميل، أنبأنا جدّي إسحاق، أخبرنا أحمد بن منيع عن علي بن هاشم عن أشعث بن سعيد عن عبد الله ابن بشر عن أبي راشد عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله عز وجل أيّدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمين هذه العمة، والعمة الحاجز بين المسلمين والمشركين. قاله لعلي لما عمّمه يوم غدير خم بعمامة سدل طرفها على منكبيه »(١) .

وقال أيضاً: « عن جعفر بن محمد قال: حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عممّ علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه عمامته السحاب فأدخلها من بين يديه ومن خلفه، ثم قال: أقبل فأقبل ثم قال: أدبر فأدبر، قال: هكذا جاءتني الملائكة »(٢) .

وقال أيضاً: « عن علي بن أبي طالب قال: عممّني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم بعمامة فسدل طرفها على منكبي وقال: إن الله أمدّني يوم بدر بملائكة معتمين بهذه العمامة »(٣) .

روى محمد بن يوسف الزرندي الحديث الثاني المذكور عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه وأضاف: « ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من

____________________

(١). فرائد السمطين ١ / ٧٥.

(٢). المصدر ١ / ٧٦.

(٣). المصدر ١ / ٧٦.


والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله »(١) .

ورواه نور الدين ابن الصباغ: « عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال: عممني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم بعمامة فسدل نمرقها على منكبي وقال: إن الله تعالى أمدّني يوم بدر وحنين بملائكة معتمين هذه العمامة »(٢) .

وقال المحدّث الشيرازي: « ورواه جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عليهم‌السلام وفيه من الزيادة: إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّم علي بن أبي طالب عمامته السحابة أرخاها بين يديه ومن خلفه. ثم قال: أقبل فأقبل، ثم قال: أدبر فأدبر. فقال: هكذا جاءتني الملائكة يوم بدر ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث »(٣) .

وقال محمود بن محمد بن علي الشيخاني القادري المدني: « وفي الفصول المهمة عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال: عممّني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم بعمامة فسدل نمرقها على منكبي وقال: إن الله تعالى أمدّني يوم بدر وحنين بملائكة معتمين هذه العمامة »(٤) .

وقال أحمد القشاشي: « فقد روينا بالسّند السابق إلى الحافظ جلال الدين السيوطي أنه قال في الجامع الكبير معزواً إلى ابن أبي شيبة والطيالسي وابن منيع والبيهقي ما نصه: عن علي رضي‌الله‌عنه قال: عممني رسول الله »(٥) .

____________________

(١). نظم در السمطين ١١٢.

(٢). الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ٢٧.

(٣). الأربعين للمحدّث الشيرازي - مخطوط.

(٤). الصراط السوى - مخطوط.

(٥). السمط المجيد في سلاسل التوحيد: ٩٩.


ترجمة أحمد القشاشي

والشيخ أحمد القشاشي من أعاظم مشايخ والد ( الدهلوي ) في الإجازة، وقد ترجم له المحبي في ( خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ) ذاكراً فضائله منوّهاً بمقاماته وجلالته فراجع(١) .

قوله:

« فقد ظهر أن غرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إفادة هذا المعنى الذي يفهم من هذا الكلام بلا تكلّف، أي إن محبة علي فرض كمحبة النبي ومعاداته محرّمة كمعاداة النبي، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو المطابق لفهم أهل البيت ».

أقول:

لقد - ظهر - مما - ذكرنا - سابقاً - أن غرضه - صلّى الله عليه - وآله وسلّم - إفادة ما هو الظاهر المفهوم من كلامه بلا تكلّف، أي كون أولوية أمير المؤمنين عليه‌السلام بالتصرف مثل أولوية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتصرف، وأن طاعته فرض واجب مثل إطاعة النبي. وهذا هو مذهب أهل الديانة وهو المطابق لفهم أهل البيت عليهم‌السلام.

معنى حديث الغدير عند أهل البيت والأصحاب

فقد روى العلامة المجلسي: « عن أبي إسحاق قال: قلت لعلي بن الحسين عليه‌السلام : ما معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه؟

قال: أخبرهم أنه الامام بعده »(٢) .

____________________

(١). خلاصة الاثر ١ / ٣٤٣.

(٢). بحار الانوار للعلامة محمد باقر المجلسي ٣٧ / ٢٢٣.


ومثله روايات عديدة في ( بحار الأنوار ) وغيره من كتب الأخبار، ونحن نكتفي بالخبر المذكور لغرض المعارضة به مع الخبر الذي سيذكره ( الدهلوي ) عن طريق أهل مذهبه، على أن الخبر الذي ذكرناه له شواهد تصدّقه وهي أشعار أمير المؤمنين، وأشعار حسان بن ثابت - التي قالها في حضور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ومع تقريره - وأشعار قيس بن سعد وغير ذلك من الشواهد والقرائن المذكورة سابقاً.

ومع ذلك كله ترى الفضل ابن روزبهان يقول في جواب ( نهج الحق وكشف الصدق ): « والعجب أن هذا الرجل لا ينقل حديثاً إلّا من جماعة أهل السنة، لأن الشيعة ليس لهم كتاب ولا رواية ولا علماء مجتهدون مستخرجون للأخبار، فهو في إثبات ما يدّعيه عيال على كتب أهل السنة ».

وقد جعل هذا الرجل أو تجاهل أو نقل الشيعة الحديث عن جماعة أهل السنة هو لأجل الإِفحام والإِلزام كما هو قاعدة البحث والمناظرة، وهذا لا يدل على أن الشيعة ليس لهم كتاب ولا رواية ولا علماء مجتهدون مستخرجون للأخبار.

إذن، يجوز للشيعة الاحتجاج بأحاديثهم، بل قد يجب عليهم ذلك أحياناً لأغراضٍ عديدة، ومنها إثبات أن لهم كتباً وروايات وعلماء.

وبنقل الحديث المذكور عن الامام السّجاد زين العابدين عليه‌السلام ثبت أن الذي فهمه أئمة أهل البيت عليهم‌السلام من حديث الغدير، هو الأولوية بالامامة والخلافة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فظهر بطلان دعوى ( الدهلوي ).

[٥] التمسك بكلام يروونه عن الحسن المثنى

قوله: « أخرج أبو نعيم عن الحسن المثنى ابن الحسن السبط رضي الله عنهما أنه سئل: هل حديث من كنت مولاه نص على خلافة علي رضي‌الله‌عنه ؟ فقال: لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعني بذلك الخلافة لأفصح لهم بذلك، فإن


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أفصح الناس، ولقال لهم: يا أيها الناس هذا والي أمركم والقائم عليكم بعدي فاسمعوا له وأطيعوا.

ولو كان الأمر إن الله جلّ وعلا ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إختار علياً لهذا الأمر وللقيام على الناس بعده، فإنّ علياً أعظم الناس خطيئة وجرماً، إذ ترك أمر رسول الله أن يقوم فيه كما أمره ويعذر إلى الناس.

فقيل له: ألم يقل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه؟

فقال: أما والله لو يعني رسول الله بذلك الأمر والسلطان لأفصح به كما أفصح بالصّلاة والزكاة ولقال يا أيها الناس: إنّ علياً والي أمركم من بعدي والقائم في الناس ».

أقول: إحتجاج ( الدهلوي ) بهذه الرواية الموضوعة باطل لوجوه:

١ - هذه الرواية من متفردات الجماعة

إنّ هذه الرواية لم ينقلها الشيعة، وإنما هي من متفرّدات أهل السنّة والجماعة، وأنت تعلم أنّ روايات كلّ طائفة لا تكون حجة على الطائفة الأَخرى في مقام البحث والمناظرة والاستدلال، فانْ جعلت روايات أهل السنة حجة على الشيعة فلتجعل روايات الشيعة على أهل السنة حجة كذلك.

٢ - استدلاله بها يخالف ما التزم به

ثم إنّ ( الدهلوي ) قد خالف وعده ونكث عهده وذلك لأنه قد التزم في كتابه ( التحفة ) بأن ينقل في باب الامامة من كتب أهل الحق فقط، فقال - بعد ذكر الآيات التي استدل بها بزعمه على خلافة أبي بكر -: « وأمّا أقوال العترة فإن المروي منها من طريق أهل السنة خارج عن حدّ الحصر والإِحصاء، فلتلحظ في ذاك


الكتاب ( يعني ازالة الخفاء ) ولـمّا وقع الالتزام في هذه الرسالة بعدم التمسّك بغير روايات الشيعة في جميع المسائل فإنه يذكر من اقوال العترة في هذا الباب ما جاء منها في كتبهم المعتبرة ومرويّاتهم الصحيحة ».

فنقول: العجب أن ( الدهلوي ) يلتزم هنا بأن لا ينقل من أقوال العترة حديثاً إلّا من كتب الشيعة المعتبرة ومرويّاتهم الصحيحة، ومع ذلك يخالف في هذا المقام ومقامات كثيرة غيره ما التزم به ( وَ مَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ) .

٣ - اعترافه بعدم حجية روايات فرقة على أُخرى

وقال ( الدهلوي ) في صدر كتابه ( التحفة ): « وفي نقل مذهب الشيعة وبيان أصولهم وما يمكن إلزامهم به فقد التزم في هذه الرسالة بعدم النقل من غير كتبهم المعتبرة، كما أن الزام أهل السنة يجب أن يكون بحسب روايات أهل السنة، وإلّا توجه إلى كلّ واحد من الطرفين التهمة بالتعصب والعناد، ولم يتحقق الاعتماد والوثوق بينهما ».

وهذا الكلام صريح في عدم حجية روايات كلّ فرقة من الفرقتين على الفرقة الأُخرى، فالعجب أن هذا الرجل يقول هذا الكلام ثم ينسى أو يتناسى ما قاله، فيخالفه في موارد عديدة من البحث والكلام، ومن ذلك احتجاجه بهذا الحديث الذي رواه أبو نعيم عن الحسن المثنى، وهو حديث مزعوم موضوع لم يروه إلّا أهل السنة.

٤ - ليس هذا الحديث في الكتب الصحيحة

وهذا الحديث المزعوم لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الصحاح عند أهل السنة، أو الكتب التي التزم فيها بالصحة، ولا هو من الأحاديث الصحيحة سنداً، وقد ذكر ( الدهلوي ) في كتاب ( التحفة ) في باب الامامة عند الجواب عن


الحديث السادس فيه: « إن القاعدة المقررة لدى أهل السنة هي: إن كل حديث رواه بعض أئمّة فن الحديث في كتاب لم يلتزم فيه بصحة ما فيه، مثل البخاري ومسلم وبقية أصحاب الصحاح، أو لم يصرّح بصحة ذاك الحديث صاحب الكتاب أو غيره من المحدثين الثقات، فهو غير قابل للاحتجاج ».

فهذه هي القاعدة المقررة لدى أهل السنة كما يقول ( الدهلوي )، فكيف يحتج بهذا الحديث المزعوم الذي ليس مصداقاً لهذه القاعدة؟!.

٥ - مالا سند له لا يصغى إليه

ومن القواعد المقرّرة لدى أهل السنّة - كما ذكر ( الدهلوي ) - أنهم لا يصغون إلى الحديث الذي لا سند له، وعلى هذا الأساس حاول ( الدهلوي ) نفسه الجواب على المطعن الثالث من مطاعن أبي بكر بعد إنكاره قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لعن الله من تخلّف عنها » وإن كان الشهرستاني صاحب ( الملل والنحل ) وغيره من رواته فقال: إنّ كلّ حديث لم يكن في الكتب المسندة للمحدّثين مع الحكم بالصحة فلا يصغى إليه.

وعلى ضوء ما ذكر ( الدهلوي ) في ذاك المقام نعترض عليه إستناده إلى هذا الحديث المزعوم في محلّ الكلام، لأنّه ليس حديثاً مسنداً في كتب المحدّثين فضلاً عن كونه صحيحاً عندهم، فيلزم أن لا يصغى إليه، فكيف يستند إليه والحال هذه؟

ونظير المقام إستناده إلى الحديث المختلق: « ما صبّ الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر » وهو أيضاً لا سند له أبداً. كما نصّ عليه ابن الجوزي وغيره في ( الموضوعات ).

٦ - احتجاج الدهلوي بهذا الحديث تعسف

إن ( الدهلوي ) يردّ في باب الامامة أحاديث عديدة يرويها أكابر أئمة أهل


مذهبه ومشاهير محدثيهم بالأسانيد المتكررة والطرق المختلفة، أمثال حديث الطائر وحديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » وحديث الأشباه، بل إنّ هذه الأحاديث الثلاثة المذكورة يرويها والده أيضاً في جملة فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام .

فالعجب من هذا الرجل الذي يرد هكذا أحاديث صحيحة مستفيضة بل متواترة، كيف يستند إلى حديث أبي نعيم في هذا المقام؟

وأيضاً نرى ( الدهلوي ) يستهزئ بالشيعة ويطعن فيهم لأنهم يحتجّون بحديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » - مع أنه حديث متواتر يرويه كبار أئمة المحدثين والحفاظ من أهل السنة، ويثبته والده الشاه ولي الله الدهلوي - لأنه بزعمه حديث موضوع!! وهو في نفس الوقت يحتجّ برواية أبي نعيم التي لا تبلغ درجة حديث « أنا مدينة العلم » ونحوه من أحاديث فضائل الامام عليه‌السلام !!

ألا يتوَجّه عليه ما تلفّظ به بالنسبة إلى الشيعة من ألفاظ الاستهزاء والسخرية؟!

٧ - بطلان المعارضة من كلام والد الدهلوي

وكما ثبت بطلان استدلال ( الدهلوي ) برواية أبي نعيم من كلام نفسه، فإنه يثبت بطلان استدلاله بهذه الرواية من كلام والده الشاه ولي الله الذي نصَّ في آخر كتابه ( قرة العينين في تفضيل الشيخين ) على عدم جواز المناظرة مع الزيدية بل الامامية بأحاديث الصحيحين فضلاً عن غيرها.

فنقول: فاستناد ولده إلى رواية أبي نعيم في هذا المقام تعسّف باطل ومخالفة للقواعد المقرّرة وعقوق لوالده.

٨ - بطلان المعارضة من كلام تلميذه

وكما بطل استناد ( الدهلوي ) إلى رواية أبي نعيم من كلام والده، فهو باطل لدى تلميذه محمد رشيد الدين خان الدهلوي الذي ذكر في كتابه ( الشوكة


العمريّة ) أن أخبار كل فرقة لا تصلح للاعتبار والاعتماد في مقام البحث والنقاش مع غيرها من الفرق، لأن رواة أخبار كل فرقة مقدوحون لدى علماء الفرقة الأخرى.

أقول: فحديث أبي نعيم لا يجوز الاحتجاج به في مقابلة الشيعة الامامية، فكيف بدعوى التعارض بينه وبين حديث متواتر لدى الفريقين؟

وعلى ما ذكره رشيد الدين الدهلوي فإنّه يلزم على أهل السنة التسليم والاذعان باستدلال الشيعة بأحاديث فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام المخرجة في كتب أهل السنّة، وبهذا تسقط مكابرات ( الدهلوي ) وأسلافه كابن حجر وابن تيمية وأمثالها، لأن استدلال الشيعة كان مطابقاً للقواعد المقرّرة المتّبعة في مقام المناقشة والمناظرة، فيجب على من خالفهم التسليم والقبول.

٩ - اعتراضهم على تمسك الامامية برواية أبي نعيم

وهل من العدل والانصاف اعتراضهم على الامامية التمسك برواية أبي نعيم لفضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهم في نفس الوقت يستندون إلى حديث يرويه أبو نعيم في مقابلة حديث الغدير المتواتر؟!

لقد قال ابن تيمية: « فإن أبا نعيم روى كثيراً من الأحاديث التي هي ضعيفة بل موضوعة باتفاق علماء الحديث وأهل السنة والشيعة ».

وقال أيضاً: « مجرّد رواية صاحب الحلية ونحوه لا يفيد ولا يدل على الصحة، فإنّ صاحب الحلية قد روى في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والأولياء وغيرهم أحاديث ضعيفة بل موضوعة باتفاق أهل العلم ».

١٠ - تنصيص الدهلوي على عدم اعتبار تصانيف أبي نعيم

وقال ( الدهلوي ) في رسالته في أصول الحديث في بيان طبقات كتب الحديث نقلاً عن والده ما تعريبه: « الطبقة الرابعة: الأحاديث غير المعروفة في


القرون السابقة والتي رواها المتأخرون، فلا يخلو حالها عن أحد أمرين، فإمّا قد تفحص عنها السلف ولم يقفوا لها على أصل حتى يروونها، وإما وقفوا لها على أصل لكن رأوا فيه علة أوجبت ترك جميع تلك الأحاديث، وعلى كلّ حال فإن هذه الأحاديث لا يجوز الاعتماد عليها والتمسك بها في عقيدة أو عمل. ولنعم ما قال بعض الشيوخ في أمثال هذا:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة

و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم

ولقد قطع هذا القسم من الأحاديث الطريق على كثير من المحدّثين، واغتروا بكثرة طرقها الواردة في هذا القسم من الكتب، فحكموا بتواترها وتمسكوا بها في مقام القطع واليقين، خلافاً لما تدل عليه الأحاديث في الطبقة الأولى والثانية والثالثة.

وقد تضمنّت كتب كثيرة لهذا القسم من الأحاديث وهذه أسامي بعضها: كتاب الضعفاء لابن حبان، تصانيف الحاكم، كتاب الضعفاء للعقيلي، كتاب الكامل لابن عدي، تصانيف الخطيب، تصانيف ابن شاهين، تفسير ابن جرير، الفردوس للديلمي بل جميع تصانيفه، تصانيف أبي نعيم، تصانيف الجوزجاني، تصانيف ابن عساكر، تصانيف أبي الشيخ، تصانيف ابن النجار.

وإن اكثر المساهلة والوضع هو في باب المناقب والمثالب والتفسير وأسباب النزول و ».

أقول على ضوء هذا الكلام: إن الحديث الذي استند إليه ( الدهلوي ) في مقابلة استدلال الامامية بحديث الغدير المتواتر هو من الأحاديث المجهولة في القرون السابقة، ولا يخلو أمره من أحد الأمرين اللذين ذكرهما، وعلى كل حال لا يجوز الاستناد اليه والاعتماد عليه، فالعجب، إن هذا الرجل يعتمد على حديث يراه هو والده حديثاً باطلاً لا يجوز التمسك به فناسب أن نقول له:

فإنْ كنت لا تدري فتلك مصيبة

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم


بل إنه يدري فالمصيبة أعظم

١١ - طعن ابن الجوزي في أبي نعيم

ولقد بالغ الحافظ ابن الجوزي في ذم أبي نعيم والطعن عليه، وإليك نص عبارته: « وجاء أبو نعيم الاصبهاني فصنّف لهم - أي للصوفية - كتاب الحلية، وذكر في حدود التصوف أشياء قبيحة، ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثماناً وعلي بن أبي طالب وسادات الصّحابة رضي الله عنهم، فذكر عنهم فيه العجب »(١) .

١٢ - ومن رواته « فضيل بن مرزوق »

ومن رواة هذا الخبر هو « فضيل بن مرزوق » كما في ( الاكتفاء ) حيث جاء فيه: « و روي عن فضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن - أي المثنى ابن الحسن السبط - وقال له رجل: ألم يقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنتَ مولاه فعلي مولاه.؟ قال: بلى. أما والله لو يعني بذلك الامارة والسلطان لأفصح لهم بذلك كما أفصح بالصلاة والزكاة والصيام والحج، فإن رسول الله كان أفصح الناس للمسلمين، ولقال لهم: يا أيها الناس هذا والي الأمر والقائم عليكم من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا »(٢) .

و« فضيل بن مرزق » وإن وثّقه غير واحد فقد تكلّم فيه جماعة من الأعلام، قال الذهبي: « قال النسائي: ضعيف، وكذا ضعفه عثمان بن سعيد »(٣) .

قال: « قال أبو عبد الله الحاكم: فضيل بن مرزوق ليس من شرط

____________________

(١). تلبيس ابليس: ١٥٩.

(٢). الاكتفاء في فضل الاربعة الخلفاء - مخطوط.

(٣). ميزان الاعتْدال في نقد الرجال ٣ / ٣٦٢


الصحيح، عيب على مسلم إخراجه في الصحيح. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدّاً كان ممن يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات »(١) .

وذكره الذهبي في ( المغني في الضعفاء ) قائلا: « فضيل بن مرزوق الكوفي، عن أبي حازم الأشجعي والكبار. وثّقه غير واحد، وضعّفه النسائي وابن معين أيضاً. قال الحاكم: عيب على مسلم إخراجه في الصحيح »(٢) .

وقال ابن حجر: « قال عبد الخالق بن منصور عن ابن معين: صالح الحديث صدوق يهمّ كثيراً يكتب حديثه. قلت: يحتج به؟ قال: لا. وقال النسائي: ضعيف قال مسعود عن الحاكم: ليس هو من شرط الصحيح وقد عيب على مسلم إخراجه لحديثه. قال ابن حبان في الثقات: يخطئ، وقال في الضعفاء: يخطئ على الثقات. وروى عن عطية الموضوعات. وقال ابن شاهين في الثقات: اختلف قول ابن معين فيه. وقال في الضعفاء قال أحمد بن صالح: حدّث فضيل عن عطية عن أبي سعيد حديث إن الذي خلقكم من ضعف، ليس له عندي أصل ولا هو بصحيح. وقال ابن رشدين: لا أدري من أراد أحمد ابن صالح بالتضعيف أعطية أم فضيل بن مرزوق »(٣) .

هذه كلمات القوم في « فضيل بن مرزوق ».

١٣ - اشتمال الحديث على فرية قبيحة

لقد ظهر إلى الآن أن هذا الكلام موضوع على الحسن المثنى وأنه لم يقله قطعاً، وقد اشتمل في رواية محب الدين الطبري على فرية أخرى عليه، إذ جاء فيه: « ويحكم، لو كان نافعاً بقرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منّا، أباه وأمّه ».

وهذا نص ما ذكره بتمامه: « ذكر ما روي عن الحسن بن الحسن أخي عبد الله

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٦٢.

(٢). المغني في الضعفاء ٢ / ٥١٥.

(٣). تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٨.


ابن الحسن أنه قال لرجل ممن يغلو فيهم: ويحكم أحبّونا بالله، فإن أطعنا الله فأحبّونا وإنْ عصينا الله فابغضونا. فقال له رجل: إنكم ذوو قرابة من رسول الله وأهل بيته. قال: ويحكم لو كان نافعاً بقرابة رسول الله بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منّا، أباه وأمّه، والله إني أخاف أن يضاعف الله للمعاصي منّا العذاب ضعفين، والله إني لأرجو أن يؤتي المحسن منّا أجره مرتين.

قال: ثم قال: لقد أساءنا آباؤنا وأمهاتنا، إن كان ما تقولون من دين الله ثم لم يخبرونا به ولم يطلعونا عليه ولم يرغبوا فيه، ونحن كنا أقرب منهم قرابة منكم وأوجب عليهم وأحق أن يرغبونا فيه منكم، ولو كان الأمر كما تقولون أن الله جلّ وعلا ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختار علياً لهذا الأمر وللقيام على الناس بعده، فإنّ علياً أعظم الناس خطيئة وجرماً، إذ ترك أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقوم فيه كما أمره ويعذر إلى الناس.

فقال له الرافضي: ألم يقل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: أما والله لو يعني رسول الله بذلك الأمر والسلطان والقيام على الناس، لأفصح كما أفصح بالصلاة والزكاة والصيام والحج، ولقال أيها الناس إن هذا الولي بعدي فاسمعوا وأطيعوا.

خرّج جميع الأذكار عن أهل البيت الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسن السّمان الرازي، في كتاب الموافقة بين أهل البيت والصحابة رضوان الله أجمعين »(١) .

وإن نفي انتفاع والدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه القرابة من رسول الله من أوضح الأباطيل عند المسلمين قاطبة، كما لا يخفى على من طالع رسائل الحافظ السيوطي في هذا الباب.

فنسبة هذا الكلام إلى الحسن المثنى فرية شنيعة، ووجوده في هذا الحديث قرينة أخرى على وضع الحديث وبطلانه من أصله.

____________________

(١). الرياض النضرة ١ / ٦٠.


١٤ - اشتماله على فرية أخرى

وما جاء في هذا الحديث من أنه « لو كان الأمر كما تقولون فإن علياً أعظم الناس خطيئة وجرماً إذ ترك أمر رسول الله » فرية أخرى على الحسن المثنى، فإن هذا الكلام من عجائب الخرافات، لأن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد طالب بحقه مراراً، وامتنع عن البيعة مع أبي بكر، فلما لم يعط عليه‌السلام حقه ولم يعنه الناس على قيامه على الظالمين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما ذنبه؟!

ويكون هذا الكلام في البطلان كما لو قال المنكرون لنبوة الأنبياء في حق الأنبياء الذين ظلموا، واستشهدوا على أيدي الأمم السالفة، ولم يتمكنوا من إنفاذ الشرائع السماوية: أنه لو كانوا أنبياء الله حقا فإنهم أعظم الناس خطيئة، لعدم قيامهم بما بعثهم الله عليه

وقال ابن حجر المكي: « تنبيه - استدل أهل السنة بمقاتلة علي لمن خالفوه من أهل الجمل والخوارج وأهل صفين مع كثرتهم، وبإمساكه عن مقاتلة المبايعين لأبي بكر والمستخلفين له، مع عدم إحضارهم لعلي رضي‌الله‌عنه وعدم مشاورتهم له في ذلك، مع أنه ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزوج بنته رضي الله عنها، والمحبو منها بمزايا ومناقب لا توجد في غيره، ومع كونه الشجاع القرم والعالم الذي يلقي كل منهم إلى علمه السلم، والفائق لهم في ذلك، المحتمل عنهم مشقة القتال في أوعر المسالك، وبإمساكه أيضاً عن مقاتلة عمر المستخلف له أبي بكر ولم يستخلف عليا كرم الله وجهه، وعن مقاتلة أهل الشورى ثم ابن عوف المنحصر أمرها فيه باستخلافه لعثمان، على أنه لم يكن عنده علم ولا ظن بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد له صريحاً ولا إيماء بالخلافة، وإلّا لم يجز له عند أحد من المسلمين السكوت على ذلك، لما يترتب عليه من المفاسد التي لا تتدارك، لأنه إذا كان خليفة بالنص ثم مكّن غيره من الخلافة ذلك الغير باطلة وأحكامها كلها


كذلك، فيكون إثم ذلك كله على علي كرم الله وجهه، وحاشاه من ذلك.

وزعم أنه إنما سكت لكونه كان مغلوباً على أمره. يبطله أنه كان يمكنه أن يعلمهم باللسان ليبرأ من آثام تبعة ذلك، ولا يتوهم أحد أنه لو قال: عهد إلى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بالخلافة فإن أعطيتموني حقي وإلّا صبرت أنه يحصل له بسبب هذا الكلام لوم من أحد من الصحابة بوجه وإن كان أضعفهم، فإذا لم يقل ذلك كان سكوته عنه صريحاً في أنه لا عهد عنده ولا وصية إليه بشيء من أمور الخلافة، فيبطل إدعاء كونه مغلوباً »(١) .

أقول: فإذا كان إعلام الصحابة بالنص كافياً لأن يبرأ عليه الصلاة والسلام من الآثام المترتبة على السكوت، فإن الامام قد أعلم المتغلبين بوجود النصوص النبوية بشأن إمامته وخلافته، كما تقدم نموذج ذلك من رواية الواحدي وأسعد الاربلي وسيجيء الباقي فيما بعد ان شاء الله تعالى، وقد برأ عليه الصلاة والسلام - حسب كلام ابن حجر - من تبعات الآثام، وبذلك يظهر بطلان هذا الكلام المنسوب إلى الحسن المثنى.

١٥ - إفصاح النبي بأمر خلافة علي عليه‌السلام

ثم إن ما جاء في هذا الحديث من قوله: « أما والله لو يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك الأمر والسلطان والقيام على الناس لأفصح به » تبطله الوجوه العديدة التي أقمناها سابقاً على دلالة حديث الغدير على إمامته عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولقد بلغت دلالة الحديث على ذلك مبلغاً جعلت حسان بن ثابت يفصح عن معنى هذا الحديث عن لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي حضوره مع تقريره لكلامه فيقول: « رضيتك من بعدي إماماً وهادياً » . ولم نجد أحداً من الصحابة ينكر عليه هذا القول

____________________

(١). تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوه بثلب معاوية بن أبي سفيان - هامش الصواعق ٨٤.


فالافصاح قد تحقق بأحسن ما يمكن وأتم ما يرام، وبطلت شبهات المنكرين ووساوس الشياطين.

والخلاصة: إنه متى أفاد الكلام - ولو بلحاظ القرائن - المعنى المطلوب فقد تمّت به الحجة وكملت النعمة، وكان نصاً قطعياً ثابتاً لا يعتريه ريب، ولا تمنع عن دلالته الاحتمالات البعيدة التي يبديها المتعصبون، لأنه لو جاز الإِصغاء إلى تلك الاحتمالات البعيدة التي يذكرها بعض أهل السنة حول مفاد حديث الغدير، لم يبق مصداق للنص، ولسقطت جميع النصوص عن الدلالة حتى أمثال « ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) » و« محمد رسول الله ».

قال الغزالي: « ولو شرط في النص انحسام الاحتمالات البعيدة - كما قال بعض أصحابنا - لم يتصوّر لفظ صريح، وما عدّوه من الآيات والأخبار يتطرق إليها احتمالات، فقوله: ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) يعني آله الناس دون الجن، وقوله: محمد رسول الله أي محمد؟ وإلى أي إقليم؟ وفي أي زمان؟ وقوله: يجزي عنك أي يثاب عليه، وقوله: ان اعترفت فارجمها. أي اذا لم تتب. فهذه احتمالات بعيدة تتطرق إليها »(١) .

١٦ - تأييد هذا الحديث للمذهب الحق بوجوه

وبالرغم من أن أهل السنة ينسبون هذا الكلام إلى الحسن المثنى للرد به على المذهب الحق بزعمهم، إلّا أنه يظهر بالتأمل تأييده للحق بوجوه عديدة:

( الأول ): إنه يفيد أن عبارة « يا أيها الناس إن علياً والي أمركم من بعدي والقائم في الناس » نص صريح في الامامة والخلافة، كنصوصه الواردة في الصلاة والزكاة والصيام والحج، فكانت تلك العبارة واضحة الدلالة بالنصوصية على خلافة علي عليه‌السلام ، مثل عباراته الواردة في الصلاة والزكاة وغيرهما من الواجبات الدينية، ولا يكون في دلالتها قصور أو التباس أو إبهام.

____________________

(١). المنخول في علم الاصول: ١٨٤.


أقول: ولو قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك أيضاً لما خضع المتعصبون المتسولون له، ولما آمنوا وسلّموا، بل يذكرون له الاحتمالات البعيدة، فيقولون مثلاً إن المراد من « الأمر » هو المحبة والنصرة لا الامارة والخلافة، أو أن المراد مقام القطبية والامامة في الباطن، بأن يكن القيام في الناس بمعنى أن يأخذوا منه العلوم الباطنية ويقتدون به في تلك الجهات فحسب وبذلك يخرج هذا الكلام عن كونه نصاً صريحاً في الامامة والخلافة، وحينئذ ينسب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التقصير في إبلاغ الرسالة الإِلهية، والقصور في بياناته الشريفة حول المسائل المهمة الاساسية، وحيث يراد تنزيه مقام النبوة من هذه النقائص تدفع تلك الاحتمالات بالقرائن القطعية الحافة بالكلام، ويقال بوجوب حمل « الأمر » في « أمركم » على الامامة والخلافة.

ونحن على ضوء هذه المقدمة نقول: إن حديث الغدير نص في الامامة، ولو أن المتعصبين حاولوا صرفه عن الدلالة على ذلك بذكر الاحتمالات البعيدة فإنا ندفع تلك الاحتمالات بالقرائن القطعية.

فعلم أن هذا الكلام المنسوب إلى الحسن المثنى يؤيد مرام أهل الحق، وأن من احتج به فقد غفل أو تغافل عن ذلك.

( الثاني ): إنه يثبت دلالة « من بعدي » على الاتصال دلالة صريحة لا يعتريها ريب ولا يشوبها شك، وبذلك يبطل حمل بعضهم هذا القيد الموجود في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « علي وليكم بعدي» ونحوه على الانفصال، وكفى الله المؤمنين القتال.

( الثالث ): إنه لما كانت هذه العبارة: « يا أيها الناس إنّ علياً والي أمركم من بعدي والقائم عليكم في الناس بأمري » نصاً صريحاً في الامامة والخلافة، وتدل على المطلوب بلا ريب أو شبهة بحيث لا يبقى مجال لأيّ تأويل أو احتمال فإن سائر نصوص إمامة أمير المؤمنين المشتملة على لفظ « الامامة » أو « الخلافة » التي سمعت بعضها تكون دالةً على المطلوب بالقطع واليقين، وبذلك تذهب تأويلات


المتأولين واحتمالات المتعصبين أدراج الرياح.

١٧ - معارضة ما نسبوه إلى الحسن المثنى بما رووه عن حفيده

ثم إن هذا الحديث الذي نسبوه إلى الحسن المثنى - لو سلّم صدقه وجواز الاستدلال به - يعارضه ما رووه عن حفيده ( محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ). فقد ذكر فخر الدين الرازي بتفسير قوله تعالى: ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) ما نصه: « تمسّك محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب فقال: قوله تعالى: ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) يدلّ على ثبوت الأولوية، وليس في الآية شيء معيّن في ثبوت هذه الأولوية، فوجب حمله على الكلّ إلاّ ما خصّه الدليل، وحينئذ يندرج فيه الامامة. ولا يجوز أن يقال: إن أبا بكر كان من أولي الأرحام، لما نقل أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاه سورة براءة ليبلّغها إلى القوم ثم بعث علياً خلفه، وأمر بأن يكون المبلّغ هو علي و قال: لا يؤدّيها إلّا رجل مني. وذلك يدل على أن أبا بكر ما كان منه. فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية »(١) .

لكنّ ما نسبوه إلى الحسن مكذوب عليه قطعاً، ولا يجوز الاستدلال به ألبتّة

وقال أبو العباس المبرد: « ونحن ذاكرون الرسائل بين أمير المؤمنين المنصور وبين محمد بن عبد الله بن حسن العلوي، كما وعدنا في أول الكتاب. ونختصر ما يجوز ذكره منه ونمسك عن الباقي، فقد قيل الراوية أحد الشاتمين. قال: لمـّا خرج محمد بن عبد الله على المنصور كتب إليه المنصور:

بسم الله الرحمن الرحيم - من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله أما بعد: فـ ( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ

____________________

(١). تفسير الرازي ١٥ / ٢١٣.


يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. إِلُّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ذلك عهد الله وذمته وميثاقه وحق نبيه، إنْ تبت من قبل أن أقدر عليك أؤمنك على نفسك وولدك وإخوتك ومن بايعوك وتابعوك وجميع شيعتك، وأن أعطيك ألف ألف درهم، وأنزلك من البلاد حيث شئت، وأقضى ما شئت من الحاجات، وأطلق من سجني أهل بيتك وشيعتك وأنصارك، ثم لا أتبع أحداً منكم بمكروه. فإن شئت أن تتوثق لنفسك فوجّه إليَّ من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأمان ما أحببت. والسلام.

فكتب إليه محمد بن عبد الله: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن محمد - أما بعد: ( طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ. نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَأ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ ) .

وأنا أعرض عليك من الأمان مثل الذي أعطيتني، قد تعلم أن الحق حقنا وأنكم طلبتموه بنا، ونهضتم فيه بشيعتنا وحظيتموه بفضلنا، وإن أبانا عليّاً كان الوصي والامام، فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء؟! ولقد علمتم أنه ليس أحد من بني هاشم يمتُّ بمثل فضلنا ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا ونسبنا وسببنا، وإنا بنو أمّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة بنت عمرو في الجاهلية دونكم، وبنو فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإسلام من بينكم، فإنا أوسط بني هاشم نسباً وخيرهم أماً وأباً، لم تلدني العجم ولم تعرق فيَّ أمهات الأولاد، وإنَّ الله تبارك وتعالى لم يزل يختار لنا، فولدني من النبيين أفضلهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن الأصحاب أقدمهم إسلاماً وأوسعهم علماً وأكثرهم


جهاداً علي بن أبي طالب، ومن نسائه أفضلهنّ سيدة نساء الجاهلية خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، أول من آمن بالله من النساء وصلّى إلى القبلة، ومن بناته أفضلهنّ وسيدة نساء أهل الجنة ».

فقد نص في هذا الكتاب على « ان أبانا علياً كان الوصي والامام ».

وجاء في جواب المنصور قوله: « ولقد طلب بها أبوك بكلّ وجه فأخرجها [ يعني الزهراء عليها‌السلام ] تخاصم، ومرّضها سرّاً، ودفنها ليلاً فأبى الناس إلّا تقديم الشيخين » وهذا نص كتاب المنصور كما روى المبرد:

« فكتب اليه المنصور: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله. أما بعد: فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك، فإذا جلّ فخرك بالنساء لتضل به الجفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة ولا الآباء كالعصبة والأولياء، ولقد جعل العمّ أباً وبدأ به على الوالد الأدنى فقال جل ثناؤه عن نبيه: ( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ) ولقد علمت أن الله بعث محمداً وعمومته أربعة، فأجابه إثنان وكفر اثنان. وأما ما ذكرت من النساء وقراباتهن، فلو أعطين على قرب الأنساب وحق الأحساب لكان الخير كله لآمنة بنت وهب، ولكن الله يختار لدينه من يشاء من خلقه. فأما ما ذكرت من فاطمة أم أبي طالب فإن الله لم يهد أحداً من ولدها إلى الاسلام، ولو فعل لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكلّ خير في الآخرة والأولى، وأسعدهم بدخول الجنة غداً، ولكن الله أبى ذلك فقال: ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) وأما ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب وفاطمة أم الحسن والحسين، وأن هاشماً ولد علياً مرتين، وان عبد المطلب ولد الحسن مرتين، فخير الأولين والآخرين رسول الله لم يلده هاشم إلّا مرة واحدة.

وأما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله فإنّ الله جل وعز أبى ذلك فقال:

( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ولكنّكم بنو بنته وإنها لقرابة قريبة، غير أنها امرأة لا تحوز الميراث ولا تؤم، فكيف تورث الامامة


من قبلها، ولقد طلب بها أبوك بكلّ وجه فأخرجها تخاصم ومرّضها سرّاً ودفنها ليلاً، فأبى الناس إلّا تقديم الشيخين. ولقد حضر أبوك وفاة رسول الله فأمر بالصلاة غيره، ثم أخذ الناس رجلاً رجلاً فلم يأخذوا أباك فيهم »(١) .

هذا، وقد روى هذه الكتب ابن الأثير وابن خلدون أيضاً في تاريخيهما.

١٨ - طعن علماء أهل السنة في أئمة أهل البيت

وأهل السنة في مثل هذا المورد الذي يريدون فيه التغلّب على أهل الحق يحترمون الحسن المثنى، ويوجبون متابعته والانقياد له، والحال أن المتعصبين منهم يقدحون في الأئمة الاثني عشر المعصومين أنفسهم، ويسقطون إجماعهم عن الاعتبار، ويطعنون في عدالتهم.

فهذه عقيدة متعصبيهم - كوالد الدهلوي في ( قرّة العينين ) - في الأئمة أنفسهم - وفي سيّدهم أمير المؤمنين عليه‌السلام - الذي تعتقد الامامية العصمة فيهم وتوجب إطاعتهم والانقياد لهم، فهل يجوز لمن يطعن في هؤلاء الائمّة الاطهار أن يلزم شيعتهم بكلام ينسبونه إلى أحد أولادهم؟! وهل يجوز الاصغاء إلى هكذا استدلال من هكذا أناس؟!.

١٩ - طعنهم في أولاد الأئمة

وهكذا شأن اهل السنة مع أولاد الائمة، فإنهم متى أرادوا التغلّب على أهل الحق - بزعمهم - عن طريق التشبث بكلامٍ لواحدٍ من المنتمين إلى أهل البيت قد قاله أو وضع على لسانه، ذكروا ذلك الكلام مع مزيد التكريم والاحترام لقائله، ليتم لهم الإِلزام به كما يريدون.

ولكنّهم يطعنون في كثير من أولاد أئمة أهل البيت، ويجرحونهم في الكتب الرجالية، ويسقطون أخبارهم عن درجة الاعتبار:

____________________

(١). الكامل للمبرد ٢ / ٣٨٢.


فقال الذهبي في ( محمد بن جعفر بن محمد بن علي ): « تكلم فيه » وهذا نص كلامه: « محمد بن جعفر بن محمد بن علي الهاشمي الحسيني. عن أبيه. تكلّم فيه ذكره ابن عدي في الكامل، وقال البخاري: أخوه اسحاق أوثق منه »(١) .

وقال ابن حجر: « وقول المؤلّف: إنه مات ببغداد غير مستقيم، فقد روى الخطيب في ترجمته: إنه لما ظفر به أصعد المنبر فقال: يا أيها الناس إني قد حدّثتكم بأحاديث زوّرُتها، فشقّ الناس الكتب والسماع الذي كانوا سمعوه منه، ثم خرج إلى المأمون بخراسان فمات عنده، وتولّى المأمون دفنه، وهو أخو موسى الكاظم بن جعفر الصادق »(٢) .

وقال في حديثٍ وقع محمد بن جعفر في طريقه: « ومحمد بن جعفر هذا هو أخو موسى الكاظم، حدّث عن أبيه وغيره، روى عنه إبراهيم بن المنذر وغيره، وكان قد دعا لنفسه بالمدينة ومكّة وحجّ بالناس سنة ٢٠٠ وبايعوه بالخلافة، فحجّ المعتصم فظفر به، فحمله إلى أخيه المأمون بخراسان، فمات بجرجان سنة ٢٠٣. وذكر الخطيب في ترجمته أنه لما ظفر به صعد المنبر فقال: أيّها الناس إني قد كنت حدّثتكم بأحاديث زوّرتها، فشقّ الناس الكتب التي سمعوها منه، وعاش سبعين سنة. قال البخاري: أخوه إسحاق أوثق منه، وأخرج له الحاكم حديثاً. قال الذّهبي: انه ظاهر النكارة في ذكر سليمان بن داود عليهما‌السلام »(٣) .

وقال الذهبي في( علي بن جعفر ): « علي بن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه وأخيه موسى والثوري. وعنه عبد العزيز الاويسي ونصر بن علي الجهضمي وأحمد البري وجماعة، ما هو من شرط كتابي، لأني ما رأيت أحداً ليّنه ولا من وثّقه، لكنّ حديثه منكر جدّاً ما صححه الترمذي ولا حسّنه، رواه نصر بن علي عنه عن موسى عن أبيه عن أجداده. أخبرني ابن قدامة إجازة أنا عمر بن محمد أنا ابن

____________________

(١). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٥٠٠.

(٢). لسان الميزان ٥ / ١٠٣.

(٣) الاصابة لابن حجر العسقلاني - ترجمة الخضرعليه‌السلام ١ / ٤٢٨.


ملوك وأبو بكر القاضي، قال أنا أبو الطيب الطبري، أنا أبو أحمد الغطريفي، ثنا عبد الرحمن بن المغيرة، ثنا نصر بن علي، أنا علي بن جعفر بن محمد، حدثني أخي موسى عن أبيه عن أبيه محمد عن أبيه علي عن جدّه علي رضي‌الله‌عنه : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسين فقال: من أحبّني وأحبّ هذين وأبويهما كان معي في درجتي يوم القيامة. قال الترمذي: لا نعرفه إلّا من هذا الوجه»(١) .

وقال الذهبي في ( حسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله ابن الحسين بن زين العابدين علي بن الحسين ): « الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن زين العابدين علي ابن الشهيد الحسين العلوي. ابن أخي أبي طاهر النسابة. عن إسحاق الديري.

روى بقلّة حياء عن الديري عن عبد الرزاق باسناد كالشمس: علي خير البشر.

وعن الديري عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر مرفوعاً قال: علي وذريته يختمون الأوصياء إلى يوم القيامة.

فهذان دالّان على كذبه ورفضه. عفا الله عنه »(٢) .

و« حسن بن زيد » قال ابن المديني: « فيه ضعف »(٣) .

(٦) ليس في الحديث تقييد بلفظ « بعدي »

قوله: « وأيضاً: ففي الحديث ما يدل بصراحة على اجتماع الولايتين في زمان واحد، إذ لم يقع فيه التقييد بلفظ بعدي ».

أقول: لقد علمت سابقاً أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد نزول

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ١١٧.

(٢). ميزان الاعتدال ١ / ٥٢١.

(٣). المصدر ١ / ٤٩٢.


قوله عز وجل: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) في واقعة غدير خم قال: « الحمد لله على كمال الدين وتمام النعمة ورضى الرّب برسالتي والولاية لعلي من بعدي » وتقييده الولاية هنا بلفظ « من بعدي » دليلُ صريح على أنّ مراده منقوله: « من كنت مولاه » هو هذا المعنى أيضاً.

وأيضاً: شعر حسان بن ثابت صريح في أن المراد من حديث الغدير هو الامامة والولاية لأمير المؤمنين عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه قد جاء في شعره: « رضيتك من بعدي إماماً وهادياً».

وأيضاً: رواية عبد الرزاق الحديث الغدير - الواردة في تاريخ ابن كثير - هي بلفظ: « من كنت مولاه فإن علياً بعدي مولاه ».

ومتى ورد هذا القيد حمل عليه سائر ألفاظ الحديث التي لم يرد فيها القيد، لأن الحديث يفسّر بعضه بعضاً كما في ( فتح الباري ) وغيره.

هذا، وفي بعض طرق حديث الغدير قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هذا وليّكم بعدي » ففي كتاب ( فضائل أمير المؤمنين للسمعاني ): « عن البراء أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل بغدير خم، وأمر فكسح بين شجرتين وصيح بالناس فاجتمعوا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، فدعا علياً فأخذ بعضده ثم قال: هذا وليّكم من بعدي، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقام عمر الى علي فقال: ليهنئك يا ابن أبي طالب أصبحت - أو قال أمسيت - مولى كلّ مؤمن».

حديث تسمية علي بأمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد

ومع ذلك كله: فإنه لا يلزم محذور من اجتماع الولايتين في الزمان الواحد، ولا يلزم من ذلك أمر محال أبداً، كيف؟ والأحاديث الدالة على ثبوت إمامة علي عليه‌السلام في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرة، وأهل السنة وإنْ حاولوا إخفاء تلك الأحاديث وإنكارها، لكن الحقّ يعلو ولا يعلى عليه:

فقد روى الحافظ شيرويه الديلمي عن حذيفة بن اليمان حديثاً هذا نصه:


« حذيفة: لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال الله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ألست بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة بلى فقال: أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم»(١) .

وروى السيد علي الهمداني: « عن حذيفة رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد »(٢) .

وروى عنه أيضاً: « قال قال عليه‌السلام : لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد قال الله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ألست بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة بلى. فقال الله تبارك وتعالى: أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم(٣) .

وروى الحاج عبد الوهاب بن محمد بن رفيع الدين بن أحمد في تفسيره: « عن حذيفة رضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو يعلم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي بذلك وآدم بين الروح والجسد، حين قال تعالى ( ألست بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) فقال الله تعالى: انا ربكم ومحمد نبيّكم وعلي أميركم. رواه صاحب الفردوس »(٤) .

وروى السيد علي بن شهاب الدين الهمداني أيضاً: « عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال: قبل أن يخلق الله آدم وينفخ الروح فيه وقال: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى

____________________

(١). فردوس الاخبار ٣ / ٢٨٦.

(٢). المودة في القربى، انظر ينابيع المودة ٢٤٨.

(٣). روضة الفردوس الباب الرابع عشر - مخطوط.

(٤). تفسير الحاج عبد الوهاب - بتفسير آية المودة.


أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة بلى. فقال: أنا ربكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم »(١) .

وقال أبو علي أحمد بن محمد المرزوقي: « روى لنا أبو الحسن البديهي قال سمعت أبا عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي يقول: وأخبر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تولّى دفن فاطمة بنت أسد وكان أشعرها قميصاً له، فسمع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول: ابنك ابنك، فسئل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: إنها سئلت عن ربّها فأجابت وعن نبيّها فأجابت، وعن إمامها فلجلجت فقلت: ابنك ابنك »(٢) .

وقال عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني: « أبو عبد الله الرازي - حدّث بقزوين عن محمد بن أيوب. قال ميسرة في المشيخة: ثنا أبو عبد الله الرازي الشيخ الصّالح في الجامع بقزوين، ثنا محمد بن أيوب، ثنا علي بن المؤمن، ثنا إسماعيل ابن أبان عن ناصح أبي عبد الله عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: كان علي رضي‌الله‌عنه يقول: أرأيتم لو أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض من كان أمير المؤمنين إلّا أنا. قال: وربما قيل له: يا أمير المؤمنين والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينظر إليه ويتبسّم. ويمكن أن يكون هذا أبا عبد الله الأرنبوي الذي روى عنه أبو الحسن القطان. وذكر حديثه عن يحيى بن درست وأبي مصعب وغيرهما »(٣) .

وروى جمال الدّين المحدّث الشيرازي - من مشايخ والد ( الدهلوي ) - في روضة الأحباب عن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قوله: « علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي فمن عصاه فقد عصاني »

وروى عن أم سلمة أنها قالت سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١). المودة في القربى. انظر ينابيع المودة: ٢٤٨.

(٢). كتاب الازمنة والامكنة. الباب الحادي والخمسون.

(٣). التدوين في ذكر علماء قزوين ٤ / ١٨٨.


« علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي، فمن عصاه فقد عصاني » ثم قالت لعائشة: وهل تشهدين بذلك يا عائشة؟ قالت: نعم ».

ولا يخفى، أن المراد من إمامة علي في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو وجوب إطاعته وامتثال أوامره ونواهيه على جميع المسلمين، كما هو الأمر بالنسبة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد من إمامته عليه‌السلام بعد رسول الله هو كون تنفيذ الأحكام الشرعية والقيام بأمور الرعية والتصرف في شئونهم منصباً خاصّاً به، فإنّ هذا للنبي في حياته، ولو أنه عليه‌السلام قام بأمرٍ من أمور المسلمين نيابةً عن النبي في حال حياته وجب عليهم امتثاله.

بل إنّ طريق إثبات إمامة علي عليه‌السلام في حال حياته النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل في الزمان السابق عليها - كما يدل عليه خبر الفردوس - هو نفس طريق إثبات النبوّة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الوجود الظاهري، قال محمد بن يوسف الشامي في ( سبل الهدى والرشاد ): « ويستدل بخبر الشعبي وغيره مما تقدم في الباب السابق على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولد نبياً، فإن نبوّته وجبت له حين أخذ الميثاق، حيث استخرج من صلب آدم، فكان نبياً من حينئذ، لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك، وذلك لا يمنع كونه نبياً، كمن يولّى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل، فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته، وان كان تصرفه يتأخر إلى حين مجيء الوقت، والأحاديث السابقة في باب تقدّم نبوته صريحة في ذلك ».

وحديث الشّعبي الذي أشار إليه هو ما رواه ابن سعد « عن الشعبي مرسلاً قال رجل: يا رسول الله متى استنبئت؟ قال: وآدم بين الروح والجسد حين أخذ مني الميثاق ».

قوله:

« بل سوق الكلام هو للتسوية بين الولايتين في جميع الأوقات ومن جميع الوجوه ».

أقول: إنه وإنْ قصد ( الدهلوي ) من هذا الكلام إبطال الحق، لكنه كلام


يفيد مطلوب أهل الحق بأدنى تأمل، لأنه إذا كانت محبة أمير المؤمنين مساوية لمحبة النبي عليهما‌السلام من جميع الوجوه، فقد ثبتت أفضلية الأمير عليه‌السلام ، لأن هذه المرتبة غير حاصلة لغيره.

وأيضاً: لا ريب في كون محبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقة، بمعنى وجوبها على كل الأحوال ومن جميع الوجوه وفي كل الأزمنة، وهذه المحبوبية بهذه الكيفية غير واجبة إلّا بالنسبة إلى المعصوم، وإذا ثبتت هذه المرتبة للأمير عليه‌السلام فقد ثبتت عصمته من هذا الطريق أيضاً، وفيه المطلوب.

ثم هل يخرج ( الدهلوي ) الصحابة الذين عادوا أمير المؤمنين عليه‌السلام وقاتلوه وشهروا سيوفهم في وجهه من زمرة المسلمين، من جهة كون عداوته كعداوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستلزمة للخروج من الدين، أو أن ( الدهلوي ) يقلّد أسلافه فيرفع اليد عما ذكره هنا واعترف به، حمايةً لأولئك الأصحاب، وتجنّباً عن أن يلتزم فيهم بلازم كلامه؟!

قوله:

« لوضوح امتناع كون علي شريكاً للنبي في كلّ ما يستحق النبي التصرّف فيه في حال حياته».

أقول: لا خفاء في عدم امتناع شركة أمير المؤمنين عليه‌السلام مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التصرف في حال حياته، لأن المراد من هذه المشاركة هي المشاركة من حيث النيابة والخلافة لا من حيث الاستقلال والأصالة.

وإذا ثبت له التصرّف في شئون الرعية من هذه الحيث في حال حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يلزم أيّ محذور، وليس لمن يدعي امتناع ذلك دليل يصغى إليه.

قوله:

« فهذا أدل دليل على أن المراد وجوب المحبة، إذ لا مانع من اجتماع المحبتين ».

أقول: هذا أدل دليل على أن غرض ( الدهلوي ) هو تلبيس الأمر على


العوام وسفهاء الأحلام، لأن صحة ما ذكره تتوقف على إثبات امتناعٍ استحقاق الأمير عليه‌السلام للتصرف، و ( الدهلوي ) لم يذكر لهذه الدعوى دليلا بل اكتفى بدعوى امتناع اجتماع التصرفين في زمان واحد.

قوله:

« بل إن كلاً منهما مستلزم للآخر ».

أقول: إذا كان بين محبة الأمير ومحبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلازم، كما اعترف ( الدهلوي ) فقد ثبت أن من فقد محبة الأمير عليه‌السلام فقد فقد محبة النبي. فظهر - ولله الحمد - حقيقة حال معاوية الذي كان يعادي أمير المؤمنين عليه‌السلام كما نص عليه الأمير نفسه كما في ( تاريخ الخلفاء للسيوطي ) وغيره، وكذلك ظهر حال أشياع معاوية وأتباعه، وحال عائشة بنت أبي بكر وطلحة والزبير ومن وافقهم وتابعهم، وحال سعد بن أبي وقاص وأمثاله الذين قعدوا عن نصرته.

قوله:

« أما في اجتماع التصرفين فالمحاذير كثيرة ».

أقول: من العجب دعواه كثرة المحذورات وعدم ذكره محذوراً واحداً منها، ومن الواضح أن الدعوى المجرّدة عن الدليل يكفي الجواب عنها بمجرّد المنع.

والواقع والحقيقة أنه لا يلزم أيّ محذور من اجتماع التصرفين، قال في ( إحقاق الحق ) بعد بيان ثبوت إمامة الأمير عليه‌السلام في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يقال: كيف يمكن التزام ذلك مع امتناع اجتماع أوامر الخليفة مع أوامر المستخلف بحسب العرف والعادة؟ لأنا نقول: الامتناع ممنوع، وذلك لأنه إنْ أراد أنه يمتنع اجتماعهما لاختلاف مقتضى أوامرها فبطلانه فيما نحن فيه ظاهر، لأن ذلك الاختلاف إنما يحصل إذا حكموا بموجب اشتهائهم، كالحكّام الجائرة وبالاجتهاد الذي لا يخلو عن الخطأ، وليس الحال في النبي ووصيّه المعصوم كذلك، لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما ينطق عن الوحي، وأمير المؤمنين عليه بالسلام باب مدينة علمه وعيبة سره فلا اختلاف. وإنْ أراد أنه يمتنع اجتماعهما بمعنى أنه لا يتصوّر في كلّ حكم صدور الأمر منهما


معاً. فهذا غير لازم في تحقق الخلافة، بل يكفي في ذلك كون الخليفة بحيث لو لم يبادر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى إنفاذ الحكم الخاص لكان له أن يبادر إلى إنفاذه. ولا امتناع في ذلك عقلاً ولا عرفاً ».

قوله:

« فإنْ قيدناه بما يدل على إمامته في المآل دون الحال فمرحباً بالوفاق، لأن أهل السنة قائلون بذلك في حين إمامته ».

وجوه إبطال تقييد ولاية الأمير بزمان ما بعد عثمان

أقول: إنّ هذا تأويل سخيف لهذا الحديث الشريف، ولقد كان الأحرى بـ ( الدّهلوي ) أن لا يتفوّه به، لأنه لا يناسب المقام العلمي الذي يدّعيه لنفسه، ويحاول أتباعه وأنصاره إثباته له،

إن هذا التأويل باطل لوجوه عديدة نذكرها فيما يلي، لئلا يغتّر بهذا الكلام الفاسد أحد فيما بعد، فيحسبه تحقيقاً علميّاً في هذا المقام:

١ - لا نصَّ على خلافة الثلاثة

إن هذا الكلام من ( الدهلوي ) إعتراف بكون حديث الغدير نصّاً في إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ( غير أنه يدعي تقييده بالمآل دون الحال ) وهذا يكفي لهدم بنيان خلافة الثلاثة من أسّه وأساسه، فيكون الأمير عليه‌السلام الخليفة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا خليفة غيره، وذلك لأنّه عليه‌السلام خليفة منصوص عليه من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ثبت بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة عدم صدور نص منه في خلافة الثلاثة، بل إن هذا المعنى من الأمور المسلَّم بها لدى الفريقين، وقد صرح بذلك ونصّ عليه أعلام أهل السنة، ويوضّحه النظر في أخبار سقيفة بني ساعدة وقصة الشورى وغير ذلك، وحتى أن ( الدهلوي ) نفسه من المعترفين بعدم صدور النص في خلافة الثلاثة، كما تجد


كلامه في أول الباب السابع من ( التحفة ).

فنقول للدهلوي: لقد اعترفت بوجود النص على خلافة علي وبعدم وجوده بالنسبة إلى خلافة الثلاثة، فكيف تصح خلافة أولئك؟ وكيف يجوز تقدّم غير المنصوص عليه على المنصوص عليه؟

واذا بطلت خلافة القوم وتقدّمهم عليه بطل تقييدك الامامة والخلافة بما ذكرت

٢ - عموم « من كنت مولاه » للثلاثة

إن لفظة « من » في الحديث الشريف حيث يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » من ألفاظ العموم كما تقرّر في علم الأصول، ومن هنا استند ( الدهلوي ) نفسه إلى هذه القاعدة المقرّرة في علم الأصول، في مقام الاستدلال على خلافة أبي بكر بقوله تعالى: ( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ) كما لا يخفى على من راجعه.

فنقول: هل نسي ( الدهلوي ) أو تناسى وجود هذه اللفظة الدالة على العموم في حديث الغدير، أو أنه يدّعي دلالتها على العموم في تلك الآية، لأنه يريد الاستدلال بها على خلافة أبي بكر، وعدم دلالتها عليه في هذا الحديث، لأنه يدل على إمامة علي عليه‌السلام ؟

نعم في حديث الغدير توجد لفظة « من » الدالة على العموم الشامل للثلاثة، فسيّدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام مولى الثلاثة قطعاً، وقد عرفت دلالة حديث الغدير على الامامة، فعلي عليه‌السلام مولى الثلاثة قطعا وإمامهم، فهم ليسوا بخلفاء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تقيّد خلافة علي عليه‌السلام بزمان ما بعد ثالثهم.

٣ - بطلانه من كلام بعض أكابر علمائهم

ولقد اعترف بعض أكابر علماء السنّة ببطلان التأويل المذكور وصرّح بالحق


الحقيق بالقبول، وقال بأن كلمة « من » عامة، فتكون ولاية علي عليه‌السلام عامة كولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيجب أن يكون علي هو الولي لأبي بكر دون العكس، وإليك نصّ كلام الملّا يعقوب اللّاهوري في ( شرح تهذيب الكلام ) فإنه قال:

[ ولما تواتر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي ].

بيان التمسّك بالحديث الأول: إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع الناس يوم غدير خم - وغدير خم موضع بين مكة والمدينة بالجحفة، وذلك اليوم كان بعد رجوعه عن حجة الوداع - ثم صعد النبي خطيباً مخاطباً معاشر المسلمين: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

وهذا الحديث أورده علي رضي‌الله‌عنه يوم الشورى عند ما حاول ذكر فضائله، ولم ينكره أحد. ولفظ ( المولى ) جاء بمعنى المعتق الأعلى والأسفل والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرف، وصدر الحديث يدل على أن المراد هو الأخير، إذ لا احتمال لغير الناصر والأولى بالتصرف هاهنا. والأول منتف لعدم اختصاصه ببعض دون بعض، بل يعم المؤمنين كلّهم، قال الله تعالى: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) .

وبيان التمسّك بالثاني: إن لفظ المنزلة اسم جنس، وبالاضافة صار عاماً بقرينة الاستثناء كما اذا عرف باللام، فبقي شاملاً لغير المستثنى وهو النبوة، ومن ملة ما يدخل تحت ذلك اللفظ الرياسة والامامة.

وإلى الأول يشير قوله: [ لأن المراد المتصرف في الأمر ] إذ لا صحة لكون عل معتقاً وابن عم مثلاً لجميع المخاطبين [ ولا فائدة لغيره ] ككونه جاراً أو حليفاً، لأنه ليس في بيانه فائدة، أو ناصراً الشمول النصرة جميع المؤمنين.

وإلى الثاني يشير قوله: [ ومنزلة هارون عامة أخرجت منه النبوة فتعيّنت الخلافة ].


[ وردّ بأنه لا تواتر ] فيما ادّعى الخصم فيه التواتر بل هو خبر الواحد [ ولا حصر في علي ]. يعني: إن غاية ما لزم من الحديث ثبوت استحقاق علي رضي‌الله‌عنه للامامة، وثبوتها في المآل، لكن من أين يلزم نفي إمامة الأئمة الثلاثة.

وهذا الجواب من المصنّف، وتوضيحه: إنه لم يثبت له الولاية حالاً بل مآلاً، فلعلّه بعد الأئمة الثلاثة، وفائدة التنصيص لاستحقاقه الامامة الالزام على البغاة والخوارج.

أقول: يرد عليه أنه كما كانت ولاية النبي عامة كما يدل عليه كلمة ( من ) الموصولة فكذا ولاية علي، فيجب أن يكون علي هو الولي لأبي بكر دون العكس ».

هذا، والعجب من التفتازاني الذي يعدّ من أكابر أئمة العربيّة كيف يتشبّث بهذا التأويل الفاسد، ويغفل عمّا ينّبه عليه الملّا اللاهوري، ويتنّبه إليه كلّ ناظر في الحديث بأدنى تأمل؟!

ترجمة ملّا يعقوب

والملّا يعقوب من مشاهير علماء أهل السّنة، وقد وصفه ( الدهلوي ) نفسه في البحث حول حديث الثقلين بكونه من علماء أهل السنّة ونقل كلامه معتمداً عليه.

كما أثنى عليه محمد صالح المؤرخ في كتابه ( عمل صالح ).

وترجم له شاه نوازخان في كتابه ( مرآة آفتاب نما ) وأثنى عليه ووصفه بالأوصاف الحميدة، ثم نقل عن المولوي رزق الله الملقّب بحافظ عالم خان أنّه ذكر الملّا يعقوب في الطبقة التاسعة من كتابه ( الأفق المبين في أحوال المقربين ) قائلاً:

« والمولى الأعز قدوة العلماء وأسوة الصلحاء مولانا محمد يعقوب البنباني رحمة الله عليه. وهو من أكابر المشايخ، كان عالماً وعارفاً، جمع بين المعقول والمنقول، وحوى بين الفروع والأصول، كان أوحد العلماء في وقته وكان يعتقد في التصوف طريق صاحب كتاب عوارف المعارف وصاحب كتاب كشف المحجوب وتحرير


طريق كتاب فصوص الحكم. وليّ التدريس بالمدرسة الشاهجانية، وانتفع به كثير من طلبة العلم، وكان ثقة وحجة ديّناً، وشفيقاً على الطلبة غاية الشفقة. وله تصانيف كثيرة، من أشهرها كتاب الخير الجاري في شرح البخاري، وكتاب المسلم في شرح صحيح الامام أبي الحسين مسلم قدس‌سره ، وكتاب المصفى في شرح الموطا، وشرح تهذيب الكلام، وشرح الحسامي في أصول الفقه وشرح شرعة الاسلام، وكتاب أساس العلوم في علم الصرف، وحاشية الرضي، وله باع طويل في علم الحديث، ورأيته في درسه كان يعرّض بتعريضات على الفاضل السيالكوتي رحمه‌الله هكذا يقول بعض الناس فاندفع ما قيل مراراً. وله أيضاً حاشية على شرح العضدي والبيضاوي، وكان وفاته في شاه جهان آباد، وحول داره قبره مشهور يزار ويتبرّك به. رحمه‌الله رحمة واسعة ونفعنا به منفعة كاملة ».

وله ترجمة في نزهة الخواطر ٥ / ٤٣٩ قال: « الشيخ العالم المحدث أبو يوسف يعقوب البنباني اللاهورى أحد الرجال المشهورين في الفقه والحديث والفنون الحكمية، ولد ونشأ بلاهور، وقرأ العلم على استاذة عصره، وبرع في كثير من العلوم والفنون

مات سنة ١٠٩٨ ».

٤ - قول عمر لعلي: أصبحت مولاي

إن هذا التأويل العليل ينافي قول عمر بن الخطاب لسيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم غدير خم « هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة » رواه احمد في الفضائل على ما نقله سبط ابن الجوزي.

وهل يجوز للدهلوي أن يكذّب إمامه عمر بن الخطاب بهذا التأويل الفاسد؟

ولقد أرسل الفخر الرازي قول عمر هذا إرسال المسلّم حيث قال في ( نهاية العقول ) بجواب حديث الغدير: « ثم إنْ سلّمنا دلالة الحديث من الوجه الذي ذكرتموه على الامامة. ولكن فيه ما يمنع من دلالته وهو من وجهين ».


- فقال بعد بيان الأول -:

« والثاني: إن عمر قال له: أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، مع أنهم لم يصبح إماماً لهم، فعلمنا أنه ليس المراد من المولى الامامة. لا يقال: إنه لمـّا حصل الاستحقاق في الحال للتصرّف في ثاني الحال حسنت التهنية لأجل الاستحقاق الحاضر. لأنا نقول: إنا لا نحتج بحسن التهنية بل نحتج بأن قوله أصبحت مولاي يقتضي حصول فائدة المولى في ذلك الصباح، مع أنّ الامامة غير حاصلة في ذلك الصباح، فعلمنا أنّ المراد من المولى غير الامامة، ولا يمكن حمل المولى على المستحق للامامة، لأن المولى وإن كان حقيقة في الامامة لكنه غير حقيقة في المستحق للامامة بالاتفاق. فحمل اللفظ على هذا المعنى يكون على خلاف الأصل ».

٥ - كلام جبرئيل في يوم الغدير برواية عمر

روى السيد علي الهمداني: « عن عمر بن الخطاب قال: نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً علماً. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله وانصر من نصره، اللهم أنت شهيدي عليهم، قال: وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيب الريح. فقال: يا عمر، لقد عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقداً لا يحلّه إلّا منافق، فاحذر أن تحلّه. قال عمر: فقلت يا رسول الله إنك حيث قلت في علي كان في جنبي شاب حسن الوجه طيّب الريح قال كذا وكذا، فقال: يا عمر إنه ليس من ولد آدم لكنه جبرئيل أراد أن يؤكّد عليكم ما قلته في علي »(١) .

ومن هذه الرواية يظهر عموم « من » في « من كنت مولاه فعلي مولاه » لعمر ابن الخطاب - وللاول والثالث أيضاً بالاجماع المركّب - من تأكيد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجبرئيل عليه‌السلام .

____________________

(١). المودة في القربى. انظر ينابيع المودة ٢٤٩.


فهذا التأويل محاولة لإِخراج الثلاثة من تحت هذا العام تحكماً وزوراً

٦ - أحاديث عدم موافقة النبي لاستخلاف الشيخين

إن هذا التأويل يبتنى على رضا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستخلاف الشيخين والثالث، لكن الأحاديث التي يرويها ثقاة أهل السنة أنفسهم صريحة في عدم موافقته مع ذلك، وإليك بعضها:

روى بدر الدين محمد بن عبد الله الشبلي الحنفي بعد ذكر اجتماع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع الجن وحضور ابن مسعود هناك: « وقد ورد ما يدل على أن ابن مسعود حضر ليلة أُخرى بمكة غير ليلة الحجون فقال أبو نعيم:

حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا علي بن الحسين بن أبي بردة البجلي، حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن حرب بن صبيح حدثنا سعيد بن مسلم عن أبي مرة الصنعاني عن أبي عبد الله الجدلي عن عبد الله ابن مسعود قال: استتبعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة الجن، فانطلقت حتى بلغنا أعلى مكة، فخط عليّ خطا وقال: لا تبرح، ثم انصاع في الجبال، فرأيت الرجال ينحدرون عليه من رؤس الجبال حتى حالوا بيني وبينه، فاخترطت السيف وقلت: لأضربنَّ حتى استنقذ رسول الله، ثم ذكرت قوله لا تبرح حتى آتيك قال: فلم أزل كذلك حتى أضاء الفجر، فجاء النبي وأنا قائم فقال: ما زلت على حالك؟ قلت: لو مكثت شهرا ما برحت حتى تأتيني، ثم أخبرته بما أردت أن أصنع، فقال: لو خرجت ما التقيت أنا وأنت إلى يوم القيامة، ثم شبك أصابعه في أصابعي وقال: إني وعدت أن تؤمن بي الجن والأنس، فأما الانس فقد آمنت بي، وأما الجن فقد رأيت وما أظن أجلي إلّا وقد اقترب. قلت: يا رسول الله ألا تستخلف أبا بكر؟ فأعرض عني، فرأيت أنه لم يوافقه. قلت: يا رسول الله ألا تستخلف عمر؟ فأعرض عني، فرأيت أنه لم يوافقه. قلت: يا رسول الله ألا تستخلف علياً؟ قال: ذاك والذي لا إله غيره لو بايعتموه وأطعتموه أدخلكم الجنة


أكتعين »(١) .

ورواه باختلاف يسير أحمد بن حنبل - الذي قال سبط ابن الجوزي: وأحمد مقلَّد في الباب، متى روى حديثاً وجب المصير إلى روايته، لأنه إمام زمانه وعالم أوانه، والمبرز في علم النقل على أقرانه، والفارس الذي لا يجاري في ميدانه - فقد قال الشبلي المذكور: « قد روى الامام أحمد عن عبد الرزاق عن أبيه عن مينا عن عبد الله بن مسعود قال: كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة وفد الجن فتنفس، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: نعيت إليَّ نفسي يا ابن مسعود قلت: استخلف، قال: ومن؟ قلت أبو بكر. قال: فسكت، ثم مضى ساعة ثم تنفس، قلت: ما شأنك بأبي وأمي يا رسول الله؟ قال: نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود. قلت: استخلف، قال: من؟ قلت عمر، فسكت، ثم مضى ساعة ثم تنفس، قلت: ما شأنك؟ قال: نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود. قلت: فاستخلف، قال: من؟ قلت: علي. قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلون الجنة اكتعين»(٢) .

آكام المرجان ومؤلفه

والشبلي مؤلف كتاب ( آكام المرجان في أحكام الجان ) من كبار علماء أهل السنة الأعيان، ومن فقهائهم ومحدّثيهم المشهورين، قال الذهبي: « محمد بن عبد الله الفقيه العالم المحدث بدر الدين أبو البقاء الشبلي السابقي الدمشقي الحنفي، من نبهاء الطلبة وفضلاء الشباب، سمع الكثير وعني بالرواية وقرأ على الشيوخ وسمع في صغره من أبي بكر بن عبد الدائم وعيسى المطعم. ألّف كتاباً في الأوائل. مولده سنة ٧١٢. كتب عني »(٣) .

وفي هامشه بخط الميرزا محمد بن معتمد خان: « وكانت وفاة الشبلي هذا في

____________________

(١). آكام المرجان في أحكام الجان: ٥٢.

(٢). المصدر: ٤٨.

(٣). المعجم المختص: ١٢٨.


سنة ٧٦٩. أرخها السخاوي في ذيل دول الاسلام ».

وذكر في ( كشف الظنون ) كتاب ( آكام المرجان ) بقوله: « آكام المرجان في أحكام الجن للقاضي بدر الدين محمد بن عبد الله الشبلي الحنفي المتوفى سنة ٧٦٩. أوله: الحمد لله خالق الانس والجن. رتبه على مائة وأربعين باباً في أخبار الجن وأحوالهم »(١) .

وقد اعتمد على الكتاب المذكور السيوطي في ( تحفة الجلساء برؤية الله للنسا ) والعزيزي في ( السراج المنير في شرح الجامع الصغير ).

والحديث المذكور الذي أخرجه أحمد وأبو نعيم رواه الموفق بن أحمد المعروف بأخطب خوارزم بقوله: « أنبأني الامام الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار والامام الأجل نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي، قالا أنبأني الشريف الامام الأجل نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد بن علي الزينبي، عن الامام محمد بن أحمد بن علي بن حسين بن شاذان، حدثنا سهل بن أحمد عن علي بن عبد الله عن الديري إسحاق بن إبراهيم، قال حدثني عبد الرزاق ابن همام عن أبيه عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن مسعود قال: كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وقد أصحر فتنفس الصعداء - فقلت يا رسول الله مالك تنفس؟ قال: يا ابن مسعود نعيت إليَّ نفسي. قلت: استخلف يا رسول الله. قال: من؟ قلت: أبا بكر. فسكت، ثم تنفس، فقلت: مالي أراك تنفس يا رسول الله؟ قال: نعيت إليَّ نفسي، قلت: استخلف يا رسول الله، قال: من؟ قلت: عمر بن الخطاب فسكت. ثم تنفس، فقلت مالي أراك تنفس يا رسول الله؟ قال: نعيت إليّ نفسي. فقلت: استخلف يا رسول الله، قال: من؟ قلت: علي بن أبي طالب. قال: أوّه ولن تفعلوا إذا أبدا، والله لئن فعلتموه ليدخلنّكم الجنة وإن خالفتموه ليحبطنّ أعمالكم»(٢) .

وفي ( وسيلة المتعبدين للملّا عمر ): « عن ابن مسعود قال: كنت مع رسول

____________________

(١). كشف الظنون ١ / ١٤١.

(٢). المناقب للخوارزمي: ٦٤.


الله ليلة الجن فتنفس، فقلت يا رسول الله ما شأنك؟ قال: نعيت إليَّ نفسي. قلت: فاستخلف. قال: من؟ قلت: أبا بكر، قال: فسكت ساعة ثم تنفس فقلت: ما شأنك يا رسول الله، قال: نعيت إليَّ نفسي، قلت: استخلف قال: من؟ قلت: عمر، فسكت حتى ذهب ساعة ثم تنفّس. فقلت: ما شأنك؟ قال: نعيت إليَّ نفسي. فقلت: استخلف، قال: من؟ قلت: علي بن أبي طالب. قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلنَّ الجنة أجمعون »(١) .

وقال شهاب الدين أحمد: « عن عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه يحكي عن ليلة الجن ثم شبّك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصابعه في أصابعي وقال: اني وعدت أن يؤمن بي الجن والانس، فأما الانس فقد آمنت، وأما الجن فقد رأيت، وما أظن أجلي إلّا قد اقترب، قلت: يا رسول الله ألا تستخلف أبا بكر؟ فأعرض عني، فرأيت أنّه لم يوافقه. قلت: يا رسول الله ألا تستخلف عمر؟ فأعرض عني، فرأيت أنّه لم يوافقه. قلت: يا رسول الله ألا تستخلف علياً؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذاك والذي لا إله غيره لو بايعتموه أدخلكم الجنة أجمعين أكتعين. رواه الحافظ أبو نعيم في كتابه دلائل النبوة »(٢) .

وقال عبد القادر بن محمد الطبري(٣) : « وفي دلائل النبوة عن عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه قال: استتبعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلةً، فانطلقت معه حتى بلغت أعلى مكة، فخطَّ عليَّ خطة فقال: لا تبرح، ثم انصاع في الجبال فرأيت الرجال ينحدرون عليه من رؤس الجبال حتى حالوا بيني وبينه، فاخترطت السيف وقلت: لأضربنَّ حتى استنقذ رسول الله. ثم ذكرت قوله لا تبرح حتى آتيك. قال: فلم أزل كذلك حتى أضاء الفجر، فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا قائم فقال: ما زلت على حالك؟ قلت: لو كنت شهراً ما برحت حتى تأتيني ثم أخبرته بما أردت أن أصنع فقال: لو خرجت ما التقيت أنا ولا أنت إلى يوم

____________________

(١). وسيلة المتعبدين ١ / ٢٢١.

(٢). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٣). ترجمته في خلاصة الاثر ٢ / ٤٥٧.


القيامة. ثم شبك أصابعه في أصابعي وقال: إني وعدت أن يؤمن بي الجن والانس، فأما الانس فقد آمنت بي، وأما الجن فقد رأيت وما أظن أجلي إلّا وقد اقترب. فقلت: يا رسول الله ألا تستخلف أبا بكر؟ فاعرض عني فرأيت أنه لم يوافقه. قلت: يا رسول الله ألا تستخلف عمر؟ فأعرض عني فرأيت أنه لم يوافقه. قلت: يا رسول الله ألا تستخلف عليا؟ قال: ذلك والذي لا إله غيره لو بايعتموه وأطعتموه أدخلكم الجنة أكتعين.

وعن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه أيضاً قال: كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة وفد الجنة، فتنفس، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: نعيت إليَّ نفسي يا ابن مسعود. فقلت: استخلف. قال: من؟ قلت: أبا بكر، فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس، فقلت: ما شأنك بأبي أنت وأمي؟ قال: نعيت إليَّ نفسي يا ابن مسعود. قلت: فاستخلف. قال: من؟ قلت: عمر، ثم مضى ساعة ثم تنفّس فقلت: ما شأنك؟ قال: نعيت إليَّ نفسي يا ابن مسعود. قلت: فاستخلف، قال: من؟ قلت: علي بن أبي طالب. قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلنَّ الجنة أجمعين أكتعين.

وبالجملة فعلي بن أبي طالب هو الصديق الأكبر، وخليفة رسول الله الأطهر، فعن أبي رافع رضي‌الله‌عنه أنه قال: أتيت أبا ذر أودّعه فقال: إنه ستكون فتنة ولا أراكم إلّا أنكم ستدركون كونها، فعليكم بالشيخ علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنت أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الاكبر وأنت الفاروق الأعظم، تفرق بين الحق والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، وأنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي، وخير من أخلف من بعدي، تقضي ديني وتنجز عدتي »(١) .

قوله:

« ووجه تخصيص المرتضى بذلك علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق

____________________

(١). حسن السريرة في حسن السيرة - مخطوط.


الوحي بوقوع البغي والفساد في زمان المرتضى، وأن بعض الناس سينكرون إمامته ».

أقول:

وهذا الوجه الذي ذكره مخدوش بوجوه:

الاول: إن البغي والفساد وإنكار الامامة لم يكن في زمن سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام خاصة، بل قد وقع ذلك كلّه في زمن الأول وبلغ أقصى الشدة في زمن الثالث كما هو معلوم، بل لقد استنكر طلحة وجماعة من الصحابة على أبي بكر استخلافه عمر بن الخطاب أيضاً، أللهم إلّا أن يقول ( الدهلوي ) بعدم كون هذه الوقائع بغياً وفساداً، وهذا عين المرام.

والثاني: إن حاصل هذا الوجه - مع الالتفات إلى عدم تنصيص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خلافة الثلاثة كما اعترف بذلك ( الدهلوي ) أيضاً - هو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص على خلافة أمير المؤمنين، لعلمه بوقوع البغي والفساد في زمن خلافته وترك ما كان عليه من التنصيص على خلافة الثلاثة المتقدّمين عليه، مع وقوع البغي والفساد في زمنهم كذلك، ولا ريب في علمه بذلك أيضاً وحينئذ يرد على هذا الوجه ما زعم ( الدهلوي ) وروده على أهل الحق في استدلالهم بحديث الغدير، من لزوم نسبة التقصير والمساهلة في أمر تبليغ الأحكام والأوامر الإِلهية إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من جهة أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك التنصيص على الثلاثة وخص أمير المؤمنين عليه‌السلام ، مع أن الوجه الذي ذكره لهذا التخصيص موجود بالنسبة إلى أولئك المتقدّمين أيضاً.

والثالث: إنه إذا كان ما ذكره هو الوجه في التنصيص على خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإنّ عائشة وطلحة والزبير ومعاوية وأتباعهم الذين بغوا على أمير المؤمنين عليه‌السلام وأفسدوا عليه الأمر وأنكروا امامته خارجون عن دين الاسلام، وهذا ما يبطل مذهب أهل السنة ويهدم أساس اعتقاداتهم، فلا مناص


( للدهلوي ) من رفع اليد عن هذا الوجه الذي ذكره أو الالتزام بما يترتب عليه.

(٧) التشكيك في دلالة صدر الحديث

قوله:

« ومن الطريف أن بعض علمائهم تمسك لإِثبات أن المراد من المولى هو الأولى بالتصرف باللفظ الواقع في صدر الحديث، وهو قوله: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ».

أقول:

كأنّ ( الدهلوي ) يزعم أن الاستدلال بصدر الحديث يختص بالامامية، فيشكك في دلالته على الأولويّة بالتصرف غير مبال بصرف الكلام الإِلهي عن مدلوله الحقيقي، إلا أنك قد عرفت سابقاً تمسّك سبط ابن الجوزي والسيد شهاب الدين أحمد بصدر الحديث.

والجدير بالذكر هنا أن ( الدهلوي ) يناقش في دلالة صدر الحديث على مطلوب أهل الحق، ولا ينكر ثبوته وصدوره من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلافاً للفخر الرازي وبعض مقلّديه الذين حملتهم العصبية العمياء إلى المناقشة في صدوره.

قوله:

« فيعود الاشكال بأنهم متى سمعوا لفظ ( الأولى ) حملوه على ( الاولى بالتصرف ) ».

أقول: إن هذه الجملة من كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مأخوذة - باعتراف ( الدهلوي ) - من قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وقد نصّ أئمة التفسير وجهابذة المحققين على أن المراد في هذه الآية هو الأولوية في جميع الأمور، فيكون هذا المعنى هو المراد في كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المذكور، وإذا ثبتت الأولوية في جميع الأمور ثبتت الأولوية بالتصرف بالبداهة.


وهو المطلوب.

قوله:

« فما الدليل على هذا الحمل في هذا المورد؟ ».

أقول:

لا بدّ من حمل هذا اللفظ على ( الأولى بالتصرف ) بالضرورة، لأن ( الاولى ) محمول حسب تصريحات أئمة القوم على العموم، أي: إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم في جميع الْأُمور، كما نصّ على ذلك أئمة التفسير في تفسير ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وذكروا دلالة الآية المباركة على لزوم نفوذ أوامره في حق المؤمنين ووجوب إطاعتهم له على كلّ حال، وحينئذ يثبت لأمير المؤمنين عليه‌السلام كلّما ثبت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالآية المباركة، بنص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه، وهذا هو معنى الامامة والخلافة.

قوله:

« بل المراد هنا أيضاً هو: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم في المحبة ».

أقول:

ما الدليل على هذا التقييد؟ أليس هو من التفسير بالرأي المنهي عنه بالاجماع؟ وبالجملة، فهو يخالف تصريحات كبار أئمة التفسير من علماء طائفته، فلا عبرة بما ذكر ولا يصغى إليه.

قوله:

« بل إن ( الأولى ) ههنا مشتق من الولاية بمعنى المحبة، يعني ألست أحب إلى المؤمنين من أنفسهم ».

أقول:

ما أسرع ذهول ( الدهلوي ) وشدة غفلته عما ذكره آنفاً!!

أما قال في مقام تخطئة مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) بأنه إذا جاز ذلك لزم جواز أن يقال ( فلان مولى منك ) بدل ( فلان أولى منك ) قال: وهو باطل


بالاجماع؟!

فكيف يفسر ( ألست أولى بالمؤمنين ) بقوله: ( ألست أحب إلى المؤمنين ) مع أنه إذا كان ( الأولى ) بمعنى ( الأحب ) لزم جواز أن يقال ( أولى إليكم ) كما يقال ( أحب إليكم )؟!

والواقع أن تفسير ( الأولى ) بـ( الأحب ) بالاضافة إلى أنه يناقض كلامه السابق مردود بأنه غير مناسب للمقام وغير منسبق إلى الأذهان.

قوله:

« حتى يحصل التلائم بين أجزاء الكلام والتناسق بين جمله ».

أقول:

إن نظم هذا الكلام وتناسق أجزائه وجمله يكون في صورة إرادة معنى الامامة والأمارة منه كما عرفت من المباحث السابقة، وإلّا يلزم أن ننسب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وحسان بن ثابت، وقيس بن سعد بن عبادة وكبار علماء أهل السنة، الذي فسّروا الحديث بالامامة والخلافة، إخراج كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن النظم والتنسيق إلى الركاكة والإِختلاط، ولا نجد مسلماً يتجاسر على هذه النسبة إلّا ( الدهلوي ).

وأما كلمات علماء أهل السنة الذين فسّروا حديث الغدير بإرادة الخلافة فقد تقدّمت نصوصها، ونكتفي هنا بذكر كلمة شهاب الدين الدولت آبادي حيث قال: « واحتجوا بخبر المولى. وتمام الحديث ذكرناه في الجلوة الخامسة من الهداية التاسعة. قال أهل السنة يحمل في وقت خلافته ».

فإنّ هذه العبارة ظاهرة في أن أهل السنة يرون دلالة حديث الغدير في الامامة والخلافة، ثم إنهم يحملونها على الخلافة في وقت خلافته، أي في المرتبة الرابعة بعد عثمان، وقد ذكرنا عدم الدليل على هذا التقييد بل بطلانه بوجوه عديدة، فكلمات ( الدهلوي ) في صرف دلالته على الامامة والخلافة باطلة على كلّ حال.

قوله: « ويكون حاصل معنى هذه الخطبة: يا أيها المسلمون عليكم أن


تجعلوني أحب إلى أنفسكم من أنفسكم، وإن من يحبني يحب علياً، اللهم أحب من أحبه وأبغض من أبغضه ».

أقول:

من الغريب جداً فرار ( الدهلوي ) عن بيان المعنى الذي يزعمه للفظة ( المولى ) في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من كنت مولاه فعلي مولاه » بعد نفيه دلالته على ( الأولى ) مكابرة وعناداً للحق وأهله ففي كلماته السابقة اكتفى بالقول بأن ( الولاية ) هي بمعنى ( المحبّة ) ساكتاً عن المعنى المراد من ( المولى ) أهو ( المحب )؟ أو ( المحبوب )؟ وهنا يكتفي ببيان حاصل معنى الخطبة حسب زعمه!!.

إنْ جعل ( الدهلوي ) لفظة ( المولى ) بمعنى ( المحب ) فواضح أنه ليس معنى « من كنت مولاه فعلي مولاه » ما ذكره من أن من أحبني فقد أحب علياً، بل يكون المعنى بالعكس، وهو أنه يجب على أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يحب الآخرين.

وإنْ جعل ( المولى ) بمعنى ( المحبوب ) فلا بدَّ أولاً من أن يثبت مجيء ( المولى ) بهذا المعنى من كلمات أئمة اللغويين، بحيث لا يرد عليه ما زعموا وروده على كونه بمعنى ( الأولى )، ثم يدّعي كون حاصل معنى الخطبة ما ذكره.

قوله: « وكل عاقل يصدّق بصحة هذا الكلام وحسن انتظامه ».

أقول:

نعم ينبغي للعاقل أن يتأمل في مدى تعصب ( الدهلوي ) وعناده للحق، فهو يدعي بطلان ما يذكره أهل الحق بالاستناد إلى الأدلة القويمة والبراهين القاطعة، ثم يدعي إفادة « من كنت مولاه فعلي مولاه » معنى لا سبيل إلى إثباته إن جعل ( المولى ) فيه بمعنى ( المحبوب )، لعدم مساعدة اللغة، وان جعله بمعنى ( المحبوب ) فهو يفيد عكس ما ذكره، فمن أين يثبت هذا الذي ذكره؟!

على أنك قد عرفت رواية السيد علي الهمداني الحديث بلفظ: « ألست أولى بكم من أنفسكم آمركم وأنهاكم ليس لكم عليّ أمر ولا نهي؟ » فإنه صريح في أن المراد من ( المولى ) هو ( الأولى ) بالمؤمنين من أنفسهم بالتصرف والأمر والنهي.


قوله: « وإن قول النبي: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم مأخوذ من الآية القرآنية، ومن هنا جعل هذا المعنى من المسلّمات لدى أهل الاسلام، وفرّع عليه الحكم اللاحق له ».

أقول:

إنّا نحمد الله ونشكره على إلجائه ( الدهلوي ) على الاعتراف بهذا الأمر الذي يقوله أهل الحق ويثبت على ضوئه مطلوبهم، فإن هذه الفقرة لمـّا كانت مأخوذة من الآية المباركة، وقد عرفت دلالتها على الأولوية بالتصرف في عامة الْأُمور حسب تصريحات جهابذة المحققين من أهل السنة، تكون قرينةً على أن المراد من « من كنت مولاه فعلي مولاه » نفس ذلك المعنى، وهو الأولوية بالتصرف في جميع أمور المؤمنين عامة.

فاعترافه المذكور ينتهي إلى الاستدلال المطلوب لأهل الحق. ولله الحمد. قوله: « ولقد وقع هذا اللفظ في القرآن في موقع لا يصح أن يكون معناه الأولى بالتصرف أصلاً ».

أقول:

إن كلام ( الدهلوي ) هذا من أقوى الشواهد على متابعته للكابلي في خرافاته التي سطرها في كتابه، فلم يراجع كتب الحديث والتفسير، ولم يلاحظ كلمات أئمة طائفته في تفسير الآية المباركة هذه، وكان أكبر همّه وأكثر سعيه مصروفاً إلى الردّ على استدلالات أهل الحق، مع التعسف والمكابرة وإنكار الحقائق الراهنة.

وإنا نقول هذا وننّبه عليه حتى لا يغتَّر الناظرون في كتابه، من أوليائه ومقلّديه وغيرهم بما تفوّه به وسطرته يده تبعاً لهواه، بل يجب عليهم التفحّص والتوقّف والدقة والتأمل، ثم الأخذ بما يقتضيه الانصاف وتساعده الأدلة والبراهين.

وبعد، فقد عرفت من كلمات أئمة القوم وأكابر المفسرين كالواحدي، والبغوي، والزمخشري، والبيضاوي، والنسفي، والخوئي، والنيسابوري، والشربيني: أن المراد من الأولوية في الآية المباركة ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أولوية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمؤمنين في جميع الأمور، وفي


وجوب الطاعة ونفوذ الحكم ولزوم الانقياد والاتباع

وكما أنّ ( الدهلوي ) غفل أو تغافل عما قاله المفسّرون في تفسير الآية، كذلك غفل أو تغافل عما قاله المحدّثون وشرّاح الحديث: كالعراقي، والعيني، والقسطلاني، والمناوي، والعزيزي

فنعوذ بالله من شرور أنفسنا وغفلاتها وحصائد ألسنتنا وهفواتها.

قوله:

« فإنّ سوق هذا الكلام هو لنفي نسبة المتبنى الى المتبني، ولبيان النهي من أن يقال لزيد بن حارثة: زيد بن محمد ».

أقول:

إن سوق هذا الكلام هو لتخديع العوام، وهو من التفسير بالرأي الوارد فيه الوعيد الشديد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد عرفت أن هذه الآية - حسب الرواية التي رواها البغوي والبيضاوي - واردة في شأن من لم يمتثل أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجهاد، إلّا أن يأذن لهم آباؤهم وأمهاتهم

فليس شأن نزول الآية ما ذكره ( الدهلوي ).

ولو سلّمنا إرتباط هذه الآية بما تقدم عليها، فإنه ليس المراد ما اخترعه ( الدهلوي ) من المعنى، بل إنه حينئذ لدفع أمر مقدر، ومحمول على المعنى الذي تعتقده الشيعة الامامية، كما عرفت من تقرير أحمد بن خليل ونظام الدين النيسابوري.

قوله:

« ولا دخل للأولى بالتصرف في المقصود في هذا المقام. فكذلك الأمر في الحديث، والمراد في الآية هو المراد فيه ».

أقول:

هذا الكلام مخدوش بوجوه:

الأول: إنه ليس هذا الكلام إلّا معاندة ومكابرة، فأيّ مناسبة وارتباط أقوى وأوضح من هذا الكلام، وهو أن يثبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأولوية لنفسه بالتصرف في أمور المؤمنين من أنفسهم ثم يقول: فمن كنت مولاه


- أي أولى بالتصرف في أموره من نفسه - فعلي مولاه أي أولى بالتصرف في أموره منه؟ إن هذا الكلام في غاية المتانة والانتظام، وإلّا فلا يوجد في العالم كلام متناسقة ألفاظه ومترابطة جمله أبداً.

الثاني: لقد نصّ حسام الدين السهارنبوري على كون صدر الحديث قرينة على إرادة معنى ( الأولى ) من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ». فمن العجب أن يقلّد ( الدهلوي ) هذا الرجل في مواضع، وينتحل خرافاته في بعض الأبحاث، ثم يدعي في هذا الموضع خلاف ما نص عليه السهارنبوري، وكأنه أشدّ منه تعصباً واكثر عناداً للحق وأهله!!

الثالث: لقد عرفت سابقا أن سبط ابن الجوزي يستند إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » في حمل ( المولى ) على ( الأولى ) في قوله: « من كنت مولاه فعلي مولاه ».

الرابع: لقد عرفت سابقاً أن السيد شهاب الدين أحمد صاحب ( توضيح الدلائل ) نقل عن بعض العلماء أنه جعل قوله: « ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين » قرينة على إرادة معنى ( السيد ) من ( المولى ) ثم وافقه على ذلك.

الخامس: لقد أثبتنا سابقا لزوم حمل ( المولى ) في « من كنت مولاه فعلي مولاه »

على المعنى المراد من « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » بنص حديث صحيح أخرجه الحاكم في ( المستدرك ) فلاحظ.

السادس: لقد جاء في بعض طرق حديث الغدير لفظ « من كنت مولاه أولى به من نفسه » بدل « من كنت مولاه »، فقد قال البدخشاني في ( مفتاح النجا ): « وللطبراني برواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعلي وليّه ».

وذكر سبط ابن الجوزي والسيد شهاب الدين أحمد عن أبي الفرج يحيى بن سعيد الثقفي في ( مرج البحرين ) أنه روى حديث الغدير بلفظ « من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه ».

فظهر أن المراد من هذا القول نفس المراد من « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » فلا يرتكب الفصل والتفريق إلّا من يستنكف عن الايمان والتصديق والله ولي التوفيق.


قوله:

« ولو سلّمنا كون المراد من صدر الحديث هو الأولى بالتصرف، فإنه لا وجه لحمل المولى على الأولى بالتصرف كذلك، لأنه إنما صدّر الحديث بتلك العبارة لينبّه السّامعين، كي يتلقوا الكلام بكل توجّه وإصغاء ».

أقول:

الحديث الذي أخرجه الطبراني بلفظ صحيح يشتمل كغيره على ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل جملة « ألست أولى » جملاً فيها الإِقرار بالوحدانية والرسالة والبعث والمعاد والجنة والنار قائلاً: « أليس تشهدون أنْ لا إله إلّا الله وأن محمدا عبده ورسوله » ثم إنه قال: يا أيّها الناس إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه يعني علياً ». وكلّ ذلك صريح في أن الغرض من تقديمه أولويّة نفسه بالمؤمنين من أنفسهم هو حمل ( المولى ) على ( الأولى). وليس الغرض ما ذكره ( الدهلوي )، إذ لو كان الغرض ما ذكره لكان قوله: « ألستم تشهدون أنْ لا إله إلّا الله وأنّ محمداً عبده ورسوله » فقط وافياً بهذا الغرض.

قوله:

« وأمّا أخذ لفظة واحدة من الحديث وجعلها فقط مورد العلاقة والربط بعبارة الصدر فمن كمال السّفاهة، بل يكفي الارتباط الموجود بين جميع الكلام مع هذه العبارة ».

أقول:

لقد عرفت المناسبة التامة والعلاقة الكاملة بين جملتي « ألست أولى بالمؤمنين » و« من كنت مولاه » وأن سبط ابن الجوزي وشهاب الدين أحمد وصاحب ( مرافض الروافض ) قد صرّحوا بذلك، وجعلوا الجملة السابقة قرينة على المراد في الجملة اللّاحقة، ولكنّ ( الدهلوي ) يسفّه هؤلاء وغيرهم كما هو صريح عبارته.

بل لقد صرّح بما ذكرنا من المناسبة بعض المشاهير من أئمة الحديث وشرّاحه كالطيّبي حيث قال بشرح حديث الغدير: « قوله: إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم. يعني به قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أطلق فلم يعرف بأيّ


شيء هو أولى بهم من أنفسهم، ثم قيّد بقوله: ( وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) ليؤذن بأنهنّ بمنزلة الأُمهات، ويؤيّده قراءة ابن مسعود رضي‌الله‌عنه ، النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم. وقال مجاهد: كلّ نبي فهو أبو أمته، ولذلك صار المؤمنون إخوة. فإذن وقع التشبيه فيقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه في كونه كالأب، فيجب على الأمة احترامه وتوقيره وبرّه، وعليه رضي‌الله‌عنه أن يشفق عليهم ويرأف بهم رأفة الوالد على الأولاد، ولذا هنّأه عمر بقوله: يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة »(١) .

قوله:

« والأغرب من ذلك استدلال بعض مدقّقيهم على عدم إرادة المحبة ».

أقول:

إن الذي يقوله المدقّقون من أهل الحق هو أنه لمـّا كان وجوب مودّة أمير المؤمنين عليه‌السلام سواء بالخصوص أو في ضمن العموم أمراً ثابتاً بالآيات والأحاديث الكثيرة، ومشتهراً بين جميع الناس من الخواصّ والعوام، ولم يكن هذا الأمر - وهو وجوب المودّة - عند أهل السنة مختصاً به وحده، بل كان يشاركه فيه سائر الصحابة أيضاً كان هذا الاهتمام بهذا الأمر - الثابت لدى الجميع والمشترك فيه جميع الأصحاب كما عليه الجماعة - أمراً غير معقول.

بل إنه بناءاً على مذهب أهل السنة القائلين بأفضلية الشيخين بل الثلاثة من علي عليه‌السلام يكون مودة الثلاثة - لا سيّما الشيخين - آكد وألزم وأهمّ من محبّة علي عليه‌السلام ، فترك الأهم وإيثار غير الأهم مع هذا الاهتمام البالغ يستحيل صدوره ووقعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فبالنظر إلى جميع ما ذكر مع الالتفات إلى ذاك الاهتمام البالغ الذي كان من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تبليغ الأمر يوم غدير خم، مع تلك الأحوال والمقارنات والخصوصيّات، التي من أهمها قرب وفاة النبي يعلم أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بصدد تبليغ أمرٍ مهمٍّ يختص بعلي عليه‌السلام وحده، ولا يشاركه

____________________

(١). الكاشف - شرح المشكاة - مخطوط.


فيه أحد من القوم، ولا يكون ذلك الأمر إلّا الخلافة والامامة.

ولو أنّ ملكاً من الملوك كان في سفر فتوقّف عن السير في وسط الطريق فجأة، وأمر من كان معه - وهم ألوف - بالوقوف في مكانٍ ليس فيه أبسط وسائل الراحة مع حرارة الجو، ثم أمر بأن يصنع له من أقتاب الابل منبر، فصعد المنبر وعرّف من معه بقرب وفاته، وذكّرهم بأولويّته بالتصرّف في أنفسهم، ثم أثبت لأحد أقاربه مقاماً كان قد أثبته قبل ذلك له مراراً وسمعه القوم منه تكراراً، وكان ذلك الشأن والمقام غير مختص بهذا الشخص، بل كان جلّ الحاضرين أو كلّهم يشاركونه فيه، بل كان بعضهم أجلّ شأنا كان هذا العمل من هذا الملك في غاية الغرابة وبعيداً عن الحكمة والصواب والسياسة كلّ البعد لا سيّما لو كان في أقربائه أو أصحابه من هو أليق وأولى بالاهتمام في إثبات ذلك المقام له.

قوله:

« ولم يعلم هؤلاء بأنّ الدلالة على محبّة شخص بدليل عام أمر، وإيجاب محبته بدليل خاص أمر آخر ».

أقول:

من العجب أن يغفل ( الدهلوي ) عن أن إيجاب المودّة لأمير المؤمنين عليه‌السلام بالخصوص، مع كونه عند أهل السنة أقل شأناً من الشيخين بل من عثمان ابن عفان، لا يستحق هذا الحدّ من الاهتمام بحيث يأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس بالوقوف في مكان شديد الحرّ، وأن يصنعوا له منبراً من أقتاب الابل، فيرقى المنبر ويطلب علياً فيعمّمه بيده ويأخذه بعضده فيبين وجوب مودّته بعد ذكر قرب وفاته ورحيله فلو كان الغرض من ذلك كلّه ما ذكروا للزم اللغو والعبث، ونحن نعوذ بالله من نسبة العبث إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

بل إن تركه إيجاب مودّة الثلاثة والتأكيد عليه، والاهتمام بشأن علي المفضول عند أهل السنّة أمر لا يعقل نسبته إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مذهب أهل السنّة.

فمع التأمّل في هذه الجهات يظهر صحة استدلال المدققين من أهل الحق،


واستهزاء ( الدهلوي ) بما ذكروه إمّا غفلة لقصور فهم، وإمّا تغافل عن عناد.

قوله:

« فالمراد من الحديث إيجاب محبّة علي بشخصه وإنْ تقدم ما يدلّ على وجوب محبّته ضمن عموم المؤمنين ».

أقول:

من هذا الكلام يثبت أن مودة أمير المؤمنين عليه‌السلام مثل مودة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه قد بلغت مودته في الأهمية والعظمة مرتبة لا تكفي معها مودته عليه‌السلام من باب المودة في عموم المؤمنين، بل إن مثله كمثل من آمن بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضمن الايمان بجميع أنبياء الله ورسله، فإنه حينئذ لا يعتبر مؤمناً ومسلماً.

إذن، تجب مودة علي عليه‌السلام بالخصوص كما يجب الايمان بنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخصوص، فمودّة علي كالإِيمان بمحمدٍ عليهما وآلهما الصّلاة والسّلام في الوجوب والمرتبة، ومن كانت مودته بهذه المثابة كان أفضل ممن لم يكن كذلك قطعاً، وإذا ثبتت أفضليّته ثبت تعيّنه للامامة والخلافة، لاستلزام الأفضلية للإِمامة والخلافة بالأدلة القاطعة التي اضطر والد ( الدهلوي ) إلى الاعتراف بها في كتابه ( إزالة الخفا ).

وقد أذعن الكابلي في ( الصواقع ) بأنّ « من أمر الله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسأله أن يهديه إلى حبه فهو أفضل الناس وأنه حقيق بالزعامة الكبرى » وهذا نصّ كلامه: « الرابع والخمسون: إشاعة ما يروون من الموضوعات: إن الله تعالى، أمر نبّيه سيّد الرسل أن يسأله أن يهديه إلى حب علي كما يجيء إن شاء الله تعالى، فينخدع الخدوع ويوقن أنّ من أمر الله سيّد رسله أن يسأله أن يهديه إلى حبّه فهو أفضل الناس وأنه حقيق بالزعامة الكبرى، وأن الخلفاء غصبوا حقه، فيضل عن سواء السبيل ضلالاً بعيداً، ولا يدري أنه من كذباتهم ومفترياتهم الواضحة، كيف؟ وهو ناص على أن علياً أفضل من خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجمعين، وهو باطل »(١) .

____________________

(١). الصواقع الموبقة، الباب الرابع والخمسون.


فإذا كان ما ذكره نصاً في أنه أفضل الناس كان إيجاب المودّة - مع هذا الاهتمام العظيم على الثلاثة وغيرهم، حتى قال ثانيهم مهنئاً إيّاه « أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن » وقاله أوّلهم أيضاً كما في ( الصواعق ) وغيره دليلاً على الأفضلية بالأولوية القطعية.

قوله:

« وعلى تقدير وحدة المضمون في الآية والحديث، فأيّ قبح فيه؟ إن شأن النبي هو التأكيد على مضامين الآيات والتذكير بها ».

أقول:

ذكر ( الدهلوي ) في باب المكايد من ( التحفة ) أن التأكيد دليل قطعي وبرهان يقيني على وقوع التغافل والتساهل، ومن هنا حكم بوضع أخبار نسب روايتها إلى أهل الحق، من دون أن يذكر رواتها والكتب المخرجة فيها ولو بالإِجمال فضلاً عن نقل العبارة.

وإنّ كلامه في هذه المكيدة ( وهي المكيدة السادسة والأربعون ) - الذي ذكره تبعاً للكابلي وزاد عليه أشياء أُخرى من عنده - صريح في أن تأكيد أمر بالنسبة إلى شخص دليل على عدم حصول ذلك الأمر لذلك الشخص، وقصور الشخص وإهماله وتغافله عن الأمر المطلوب منه.

وعلى ضوء هذا الكلام يثبت أن الصحابة الحاضرين في حجة الوداع المخاطبين بحديث الغدير - وفيهم الثلاثة فمن دونهم - لم يكونوا واجدين لمحبة علي عليه‌السلام ومودّته حتى ذلك الحين ( الأمر الذي يكشف عنه تكرار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأمر بمحبة علي وولايته بخطبته في يوم الغدير، الدال على وجوب محبته في أقل تقدير ) وأنهم كانوا مهملين لهذا الأمر البالغ الأهمية.

ولو أن ( الدهلوي ) إلتفت إلى ما يستلزمه كلامه في هذا المقام، ولا سيما مع النظر الى ما ذكره في باب المكايد، لما تفوّه به قطعاً.

قوله:

« لا سيما متى رأى تهاوناً من المكلَّفين في العمل بموجب القرآن. قال تعالى: ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) ».


أقول:

ظاهر هذا الكلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجد من صحابته تهاوناً في الالتزام والعمل بما حكم وأوجب عليهم من قبل الله تعالى، في حق سيّدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام في وجوب محبته ولزوم مودته فهذا ظاهر الكلام ( الدهلوي ) في هذا المقام.

وحينئذ يبطل جميع كلمات ( الدهلوي ) واستدلالاته في مقام تنزيه الصحابة عن المخالفة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في باب الخلافة والإِمامة، ورفع شأنهم عن المطاعن المتوجهة إليهم، وصدور الفضائح والقبائح منهم لأن هؤلاء الصحابة إذا كانوا متساهلين ومتهاونين في مجرد مودة علي أمير المؤمنين فلا غرابة في تهاونهم وتساهلهم تجاه أوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإرشاداته في باب الامامة والخلافة، التي هي أعظم شأناً وأكبر مقاماً من مجرد المودة والمحبة.

قوله:

« وما من شيء دلت عليه آية من القرآن إلّا وأكّدت عليه الآيات الْأُخرى ثم الأحاديث على لسان النبي، حتى تتم النعمة والحجة ».

أقول:

فيه أولاً: منع هذه الكلية، ووجه المنع ظاهر على من قرأ القرآن.

وثانياً: إن من العجيب تأكيد ( الدهلوي ) في هذا المقام على حسن التكرار وإثباته الفائدة له باهتمام عظيم، ثم غفلته أو تغافله في باب المطاعن، عما ذكره هنا فإنه يبذل هناك قصارى جهده لإِثبات أنْ لا فائدة في التأكيد، وعلى هذا الأساس يبرّر منع عمر بن الخطاب عن كتابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصيّته في الساعات الأخيرة من حياته قائلاً: إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندنا كتاب الله، حسبنا كتاب الله.

فما هذا التهافت والتناقض في كلمات ( الدهلوي )؟ أفهل من الصحيح أن يقرر أمراً في مقامٍ ويؤكّد عليه ثم ينكره في مقامٍ آخر ويصرّ على إنكاره ونفيه؟! لقد أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب في وصيته أمراً أو أموراً


ذكرها للأمة في خلال حياته الكريمة لغرض التأكيد، فإذا كان للتأكيد هذه الفوائد التي ذكرها ( الدهلوي ) هنا فلماذا يدافع عن منع عمر بن الخطاب عن تأكيد النبي لـمّا أراد التأكيد عليه بكتابة الوصية؟

لكنْ لا ريب في جناية عمر على الأمة في ذلك اليوم، وشناعة كلامه في ذلك الموقف، وأما توجيهات ( الدهلوي ) لصنيع عمر فباطلة، بل إن كلامه هنا يتضمن وجوهاً توضّح فساد تلك التوجيهات:

( الأول ): إنه يقول بأن عمل النبي وشأنه هو التأكيد على ما جاء في القرآن والتذكير به فيكون عمر الذي حال دون كتابة النبي وصيّته قد منع النبي من القيام بأمر واجب عليه، ويكون ( الدهلوي ) الذي برر عمل عمر شريكاً مع عمر في صنيعه.

( الثاني ): إنه يقول بأن التأكيد يفيد الإِلزام بالحجة وإتمام النعمة فيكون المانع من كتابة الوصية قد منع من الإلزام بالحجة وإتمام النعمة، ويكون ( الدهلوي ) الذي أيده في صنيعه شريكاً معه في هذه الجريمة هذا من جهة.

ومن جهة أخرى: إنه لو دار الأمر بين الاعتقاد بإمامة المانع من الإلزام بالحجة وإتمام النعمة، والاعتقاد بإمامة من كان نصبه يوم الغدير سبباً لإِكمال الدين وإتمام النعمة، فإنه لا يستريب عاقل في أن الثاني أولى بها من الأول

( الثالث ): إنه يقول - كما سيأتي - بأن من لا حظ القرآن والحديث لا يقول مثل هذا الكلام الفارغ، وهذا الكلام صريح في أن إنكار حسن التأكيد كلام فارغ مخالف للكتاب والسنة، فمن كلام نفسه تظهر قيم كلماته في الدفاع عن من حال دون كتابة النبي وصيته!!

( الرابع ): إنه يقول - كما سيأتي - بأن إنكار حسن التأكيد يستلزم لغوية تأكيدات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أبواب الصيام والصلاة والزكاة وتلاوة القرآن.

فثبت أن منع الوصية وتأييد هذا المنع يستلزم الاعتقاد بلغوية تأكيدات النبي في الأبواب والأحكام المذكورة وغيرها


قوله:

« وإن من نظر في القرآن والحديث لا يتفوه بمثل هذا الكلام الفارغ ».

أقول:

إن من لاحظ الكتاب والسنة لا يتفوه بهذا الكلام الفارغ، فينفي دلالة حديث الغدير على الامامة والخلافة لعلي عليه‌السلام ، بالرغم من نزول قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) وقوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) في واقعة غدير خم، وبالرغم من تصريح حسان بن ثابت بإمامة علي عليه‌السلام في أشعاره نقلاً عن لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبالرغم من تصريح الامام عليه‌السلام نفسه بثبوت إمامته وخلافته في يوم الغدير

إن من لاحظ الكتاب والسنة لا يتجاسر على نفي دلالة حديث الغدير على الامامة بالرغم من كلّ هذه الأدلة وغيرها ومن هنا ترى بعض علماء أهل السنة الذين وقفوا على حقيقة الأمر يعترفون ببطلان إنكار دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإنْ حاولوا اللّجوء إلى تأويل مدلول الحديث، وحملوه على إرادة الامامة والخلافة بعد عثمان بن عفان. وقد عرفت فساد هذا الحمل وبطلانه.

قوله:

« ويكون التنصيص على إمامة الأمير - كما يدّعيه الشيعة - مرةً بعد أخرى والتأكيد عليه لغواً باطلاً. معاذ الله من ذلك ».

أقول: وهذا التوهم مخدوش بوجوه:

الأول: إنه وإنْ كان أمر الامامة مبيّناً مراراً - لكن الذي كان يوم غدير خم كان أمراً جديداً، فقد وقع في هذا اليوم الاستخلاف العلني الرسمي بحضور الآلاف المؤلّفة من الأمة، وأخذ البيعة منهم، مع قرب وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورحلته عن الدنيا إلى الرفيق الأعلى.

الثاني: إن أهل السنة يزعمون تقدم الثلاثة على أمير المؤمنين عليه‌السلام


في لزوم المحبة ووجوب المودة، وإن محبة علي عليه‌السلام تأتي في المرتبة الرابعة، فهذا من جهة.

ومن جهة أخرى: لا ريب في تأخّر عمر بن الخطاب عن أبي بكر رتبة ومقاماً، بل لقد وصل تأخّر عمر عنه حدّاً بحيث كان يودّ أن لو كان شعرة في صدر أبي بكر، فقد روي: « عن عمر قال: وددت أني شعرة في صدر أبي بكر. مسدد عن عمر »(١) .

بل « عن الحسن قال قال عمر: وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر. ش »(٢) .

بل « عن ضبة بن محصن الغنوي قال: قلت لعمر بن الخطاب: أنت خير من أبي بكر. فبكى وقال: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر عمر، هل لك أن أحدّثك بليلته ويومه؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: أمّا ليلته فلما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هارباً من أهل مكة خرج ليلاً، فتبعه أبو بكر، فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره. فقال له رسول الله. صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا من فعلك. فقال: يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك، واذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك، لا آمن عليك. فمشى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه، فلمـّا رآه أبو بكر قد حفيت رجلاه حمله على كاهله يشتد به حتى أتى به فم الغار فأنزله. ثم قال:

والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله، فإنْ كان فيه شيء نزل بي قبلك فدخل فلم ير شيئاً، فحمله فأدخله، وكان في الغار خرق فيه حيات وأفاعي، فخشي أبو بكر أن يخرج منهنّ شيء يؤذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فألقمه قدمه، فجعلن يضربنه ويلسعنه الحيات والأفاعي، وجعلت دموعه تنحدر ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له: يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته طمأنينة لأبي بكر. فهذه ليلته.

____________________

(١). كنز العمال ١٤ / ١٣٨.

(٢). كنز العمال ١٤ / ١٣٧.


وأمّا يومه، فلمـّا توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وارتدت العرب فقال بعضهم: لا نصلّى ولا نزكّي، فأتيته ولا آلوه نصحاً، فقلت: يا خليفة رسول الله تألّف الناس وأرفق بهم. فقال: جبار في الجاهلية خوار في الاسلام! فبماذا أتألّفهم؟ أبشعر مفتعل أو سحر مفترى؟ قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وارتفع الوحي، فو الله لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقاتلتهم عليه. فقاتلنا معه وكان والله رشيد الأمر. فهذا يومه. الدينوري في المجالسة، وأبو الحسن بن بشران في فوائده، ق في الدلائل، واللالكائي في السنه. كر »(١) .

وفي ( كنز العمال ) أيضاً « عن محمد بن سيرين قال: ذكر رجال على عهد عمر فكأنهم فضّلوا عمر على أبي بكر، فبلغ ذلك عمر فقال: والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر، لقد خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه حتى فطن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يديّ وساعة خلفي؟ فقال: يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك وأذكر الرصد فأمشي بين يديك. فقال: يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني؟ قال: نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون مثلة إلّا أن تكون بي دونك. فلما انتهى إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول حتى أستبرئ لك الغار. فدخل واستبرأه حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرأ الحجر، فدخل واستبرأ ثم قال: انزل يا رسول الله. فنزل. قال عمر: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر. ك‍ ق في الدلائل »(٢) .

وأيضاً: فمن المعلوم أن مرتبة عثمان بن عفان أدنى بمراتب كثيرة من مرتبة عمر بن الخطاب، فبناء على كون عثمان أفضل من علي عليه‌السلام - معاذ الله من ذلك - تكون مرتبة علي أدنى من مرتبة أبي بكر بمراتب لا تعدّ ولا تحصى، فيكون لزوم محبّته أقل من لزوم محبة أبي بكر بمراتب لا تعدّ ولا تحصى، وحينئذ

____________________

(١). كنز العمال ١٤ / ١٣٥.

(٢). المصدر ١٤ / ١٣٤.


فإنّ صرف هذا الاهتمام البالغ في بيان وجوب المودة المفضولة بهذه الكيفية، وترك الاهتمام بالمودة الفاضلة، غريب في غاية الغرابة. لكنّ هذا الاستغراب لا يكون في صورة تكرير النص أبداً.

ومن الأمور الغريبة أن ( الدهلوي ) صرّح في جواب الاستدلال بآية التطهير ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) بأن إرادة الباري عز وجل إذهاب الرجس عن أهل البيت عليهم‌السلام وتطهيرهم دليل على عصمة أهل البيت، وقال: بأن دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإذهاب الرجس في حق أم سلمة تحصيل للحاصل.

وقد غفل ( الدهلوي ) عن أن الأمة الإسلامية تكرر سورة الفاتحة في كلّ ليل ونهار عشرة مرات في الأقل، وقد جهل أو تجاهل عن أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع حصول الهداية له - وهدايته هو للآلاف المؤلّفة - إلى الصراط المستقيم يطلب من الله سبحانه الهداية إلى الصراط المستقيم في كلّ ليل ونهار خمس مرّات في الأقل!! وهل يقول ( الدهلوي ) أن الهداية لم تحصل له مع هذا الطلب؟ أو أن طلبه كان عبثاً وتحصيلاً للحاصل؟ ونعوذ بالله من كل ذلك؟

وأيضاً، فقد جعل في باب المكايد سؤال سيدنا إبراهيم عليه‌السلام في ليلة المعراج أن يكون من شيعة علي عليه‌السلام ، مع كونه من شيعته منذ نبوّته من قبيل تحصيل الحاصل، ليتمكّن من تكذيب رواية السؤال المذكور من هذا الطريق فعلى هذا يمتنع حمل حديث الغدير على إيجاب المودة، لأنّ الحمل على إيجاب المودّة الثابت في المقامات العديدة الكثيرة من قبل يستلزم تحصيل الحاصل المحال.

الثالث: إنه يظهر من الأحاديث العديدة المذكورة بعضها سابقاً والتي سنذكر بعضاً آخر منها إن شاء الله تنصيص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام مراراً عديدة، وهذه الأحاديث أخرجها كبار أساطين أهل السنة، فرواية تكرير النص على إمامة علي عليه‌السلام وتأكيده لا تختص بالشيعة كما لا يخفى على من راجعها.


(٨) دعوى أن سبب الخطبة وقوع بعضهم في علي، وجعل ذلك قرينة

على إرادة المحبة

قوله: « وإن سبب هذه الخطبة - كما روى المؤرخون وأهل السير - يدل بصراحة على أن الغرض إفادة محبة الأمير.

وذلك: إن جماعة من الأصحاب الذين كانوا معه في اليمن مثل بريدة الأسلمي وخالد بن الوليد وغيرهما من المشاهير، جعلوا يشكون لدى رجوعهم من الأمير عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شكايات لا مورد لها، فلما رأى رسول الله شيوع تلك الأقاويل من الناس، وأنه إنْ منع بعضهم عن ذلك حمل على شدّة علاقته بالأمير ولم يفد في ارتداعهم، لهذا خطب خطبة عامة وافتتح كلامه بنص من القرآن قائلاً: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم. يعني: إنه كلما أقوله لكم ناشئ من شفقتي عليكم ورأفتي بكم، وليس الغرض الحماية عن أحد، وليس ناشئاً عن فرط المحبة له.

وقد روى محمد بن إسحاق وغيره من أهل السير هذه القصة بالتفصيل ».

أقول:

إن هذا الكلام ساقط بوجوه عديدة:

١ - الاستدلال برواية ابن إسحاق في غير محله

إن الاستدلال برواية محمد بن إسحاق في مقابلة أهل الحق في غير محلّه، لوضوح أن ابن اسحاق من أهل السنة لا من أهل الحق الامامية، وقد عرفت مراراً من كلام ( الدهلوي ) نفسه وكلام والده وغيرهما أن من قواعد المناظرة في العلوم والمسائل الخلافية أن يستند الخصم في مقام المناظرة إلى روايات الطرف الآخر، لا روايات علماء طائفته وكتب قومه، فصنيع ( الدهلوي ) هذا خروج عن القواعد المقررة في علم المناظرة.


٢ - ابن إسحاق مقدوح عند بعضهم

على أن محمد بن إسحاق لم يجمع أهل السنة وأبناء مذهبه على توثيقه وقبول رواياته، فقد عرفت سابقاً طعن جماعة من أعلام أهل السنة في محمد بن إسحاق وقدحهم له، فبالاضافة إلى عدم جواز استناد ( الدهلوي ) إلى روايته لما ذكر في الوجه الأول، فإنه رجل ضعيف غير قابل للاعتماد والاستناد عند جماعة من أهل السنة.

٣ - زعم الرازي عدم رواية ابن إسحاق لحديث الغدير

بل إنّ الفخر الرازي ذكر أن محمد بن إسحاق لم يرو حديث الغدير، فقد تقدّم في الكتاب أنّ الرازي استند - بصدد الجواب عن حديث الغدير بزعمه - إلى عدم نقل الشيخين والواقدي وابن إسحاق لهذا الحديث، جاعلاً ذلك دليلاً على القدح فيه، فإذا لم يكن ابن اسحاق من رواة الحديث من أصله، فقد بطل نسبة القول بأن سبب إيراد حديث الغدير هو شكاية بعض الأصحاب من علي إلى محمد بن إسحاق.

٤ - ليس في سيرة ابن هشام ما نسب الدهلوي إلى ابن إسحاق

هذا، وفي سيرة ابن هشام التي هي خلاصة سيرة ابن اسحاق ما نصّه:

« موافاة علي رضي‌الله‌عنه في قفوله من اليمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحج.

قال ابن اسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح: إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بعث علياً رضي‌الله‌عنه إلى نجران، فلقيه بمكة وقد أحرم، فدخل على فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدها قد حلّت وتهيّأت، فقال: مالك يا بنت رسول الله؟ قالت: أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن


نحل بعمرة فحللنا. قال: ثم أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما فرغ من الخبر عن سفره قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنطلق فطف بالبيت وحلّ كما حلّ أصحابك. قال: يا رسول الله إني قلت حين أحرمت: اللهم إني أهل بما أهل به نبيّك وعبدك ورسولك محمد. قال: فهل معك من هدي؟ قال: لا. أشركه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هديه وثبت على إحرامه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى فرغ من الحج ونحر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهما.

قال ابن اسحاق: وحدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: لما أقبل علي رضي‌الله‌عنه من اليمن ليلقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة تعجّل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كلّ رجل من القوم حلّة من البز الذي كان مع علي رضي‌الله‌عنه ، فلمـّا دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل. قال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في الناس. قال: ويلك! انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال: فانتزاع الحلل من الناس، فردّها في البز. قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجزة، عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي سعيد الخدري - عن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى الناس علياً رضي‌الله‌عنه ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فينا خطيباً فسمعته يقول: أيها الناس لا تشتكوا علياً فو الله لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله »(١) .

هذه رواية ابن اسحاق، فأين ما نسبه ( الدهلوي ) إليه؟

٥ - دلالة كلام الدهلوي على حمل الصحابة أوامر النبي على الأغراض النفسانية

إن مفاد كلام ( الدهلوي ) هذا هو أن الصحابة كانوا يحملون أوامر النبي

____________________

(١). سيرة ابن هشام ٢ / ٦٠٣.


صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونواهيه على الأغراض النفسانية، ولا يعتقدون بكونها مطابقة للواقع والحق، وأنها أحكام يجب إطاعتها والإِنقياد لها.

وإذا كان هذا حال الصحابة في قبال محبة أمير المؤمنين عليه‌السلام التي قال بوجوبها أهل السنة، ودلّت عليها الأحاديث المتكثرة والآثار النبوية المؤكدة، بل كان الايمان بوجوب مودة أمير المؤمنين عليه‌السلام على حدّ الايمان بوجوب مودة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما نص عليه ( الدهلوي ) نفسه إذا كان هذا حالهم بالنسبة إلى هذا الأمر، وأنهم يحملون أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به على الأغراض النفسانية والعلائق الشخصية، فلما ذا يحاول أهل السنة إثبات الفضائل والمناقب لهكذا أناس، ويقولون باستحالة وقوع الشنائع وصدور القبائح منهم؟! ولما ذا يصرّون على امتناع مخالفتهم لأوامر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللنصوص الصادرة منه

والواقع، أن أوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة الامتثال، سواء كان المخاطب بها واحداً أو اثنين أو كل المسلمين، وسواء صدر الأمر منه علانية أو في الخفاء، ومن أعرض عن شيء من أوامره ونواهيه ولم يمتثل فقد كفر كائناً من كان، وكيفما كان الحكم الصادر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ كلماته من حيث الشرع لا يختلف حكمها باختلاف الأحوال، وهكذا كان حال الصحابة المؤمنين حقا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعتقادهم به وبأقواله وأفعاله، وأما المنافقون الذين كانوا حوله، فكانوا يعرضون عن أحكامه وأقواله، لعدم إيمانهم القلبي، سواء كانت صادرة إليهم في ملأ من الناس أو خفية، ويحملونها على الأغراض النفسانية مطلقاً.

فظهر أن الفرق الذي ذكره ( الدهلوي ) من أنه لو خاطب الواحد والاثنين من الصحابة لحمل كلامه على العلاقة الشخصية، وأما إذا خاطب القوم كلّهم حملوه على الواقع، لا نصيب له من الواقع والحقيقة مطلقاً.


٦ - منع النبي خصوص بريدة من الوقوع في علي

لقد ذكر ( الدهلوي ) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يمنع الشخص. الواحد الذي وقع في علي عليه‌السلام وتكلّم فيه عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلمه بأن ذلك لا يجدي، بل يحمل على المحبة الشخصية له بالنسبة إلى علي عليه‌السلام لكن الموجود في روايات أهل السنة وأكابر محدثيهم أنه منع بريدة بالخصوص من ذلك قائلاً له « لا تقع في علي فإنّه مني وأنا منه وهو وليّكم بعدي » كما في ( مسند أحمد بن حنبل(١) ) وفي ( انسان العيون ): « يا بريدة لا تقع في علي فإن علياً مني وأنا منه »(٢) .

وقال ابن حجر المكي: « وأيضاً، فسبب ذلك كما نقله الحافظ شمس الدين الجزري عن ابن إسحاق: إن علياً تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلما قضى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجه خطبها تنبيهاً على قدره وردّاً على من تكلّم فيه كبريدة، لما في البخاري أنه كان يبغضه، وسبب ذلك ما صححه الذهبي أنه خرج معه إلى اليمن، فرأى منه جفوة فنقصه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعل يتغير وجهه ويقول: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه »(٣) .

٧ - حديث الغدير كان بأمرٍ من الله

لقد دلّت روايات وكلمات أكابر محدثي أهل السنة وأئمتهم أمثال: ابن أبي

____________________

(١). مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٣٥٦.

(٢). انسان العيون ٣ / ٣٣٨.

(٣). الصواعق المحرقة: ٢٥.


حاتم الرازي، وأحمد الشيرازي، وأبي بكر ابن مردويه، وأبي إسحاق الثعلبي، وأبي نعيم الاصبهاني، وأبي الحسن الواحدي، ومسعود السجستاني، والقاضي عبد الله الحسكاني، وابن عساكر الدمشقي، والفخر الرازي، وفريد الدين العطار، ومحمد بن طلحة الشافعي، وعبد الرزاق الرسعني، ونظام الدين النيسابوري، والسيد علي الهمداني، والحسين الميبدي، وابن الصباغ المالكي، وبدر الدين العيني، وجلال الدين السيوطي، ومحمد محبوب العالم، والحاج عبد الوهاب، وجمال الدين المحدث الشيرازي، والسيد شهاب أحمد، والميرزا محمد ابن معتمد خان.

لقد دلّت كلمات هؤلاء - المؤيدة بالروايات الكثيرة الواردة من طريق أهل الحق - على أن سبب حديث الغدير لم يكن شكوى إنسان من علي عليه‌السلام ، بل كان ذلك بأمرٍ من الله سبحانه ووحي أكيد نزل به جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو يدلّ دلالة صريحة على أن مراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث الشريف هو النص على إمامة سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام .

٨ - واقعة الغدير متأخرة عن قضية شكوى بريدة

وإن المستفاد من روايات أهل السنة: أن قضية شكوى بريدة علياً عليه‌السلام عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنعه إيّاه عن الوقوع والتكلّم في علي، كانت قبل واقعة غدير خم التي قال فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه ». فهما قضيتان كما يدل على ذلك كلام نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي في ( سيرته ) حيث قال في وجوه الجواب على الاستدلال بحديث الغدير:

« ثانيها - إن اسم المولى يطلق على عشرين معنى منها: السيد الذي ينبغي


محبّته ويجتنب بغضه، ويؤيد إرادة ذلك أن سبب إيراد ذلك: إن علياً تكلّم فيه بعض من كان معه باليمن من الصحابة - وهو بريدة - لما قدم هو، وأتاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الحجة التي هي حجة الوداع جعل يشكو له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه، لأنه حصل له منه جفوة، فجعل يتغيّر وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: يا بريدة لا تقع في علي، فإن علياً مني وأنا منه، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قال: نعم يا رسول الله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال ذلك لبريدة خاصة.

ثم لـمّا وصل إلى غدير خم أحبَّ أن يقول ذلك للصحابة عموماً. أي فكما عليهم أن يحبوني فكذلك ينبغي أن يحبوا علياً »(١) .

فظهر أن دعوى سببية شكوى بريدة من علي لحديث الغدير دعوى بلا دليل، وتخرص غير قابل للتعويل.

٩ - على فرض الاتحاد فالدلالة محفوظة

وعلى فرض الاتحاد بين القضيتين، وأن سبب الحديث الشريف هو تكلّم بريدة أو غيره في علي عليه‌السلام ، فمن أين يثبت ( الدهلوي ) إرادته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المحبة والمودة لا الامامة والخلافة؟ إن ما يقوله ( الدهلوي ) دعوى مجردة عن الدليل والبرهان، فيكفي في الجواب عنه المنع المجرد كذلك

١٠ - بطلان كلام الدهلوي من قاضي القضاة عبد الجبار

على أن بطلان ما قاله ( الدهلوي ) من دلالة صدور هذا الحديث الشريف

____________________

(١). السيرة الحلبية ٣ / ٣٢٨.


في مورد النهي عن التكلّم في علي على إرادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المحبة والمودة، دون الامامة والخلافة ثابت من صريح كلام قاضي القضاة عبد الجبار حيث قال بأن ذلك لو صح لم يمنع من التعلق بظاهر الحديث وما يقتضيه لفظه وإليك نص عبارته في الجواب عن حديث الغدير: « وقد قال شيخنا أبو الهذيل في هذا الخبر: إنه لو صحّ لكان المراد به الموالاة في الدين.

وذكر بعض أهل العلم حمله على أن قوماً نقموا على علي بعض أموره، فظهرت مقالاتهم له وقولهم فيه، فأخبر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يدل على منزلته وولايته دفعاً لهم عمّا خاف فيه الفتنة.

وقال بعضهم في سبب ذلك: إنه وقع بين أمير المؤمنين وبين أُسامة بن زيد كلام فقال له أمير المؤمنين: أتقول هذا لمولاك؟ فقال: لست مولاي وإنما مولاي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. يريد بذلك قطع ما كان من أُسامة وبيان أنه بمنزلته في كونه مولى له.

وقال بعضهم مثل ذلك في زيد بن حارثة، وأنكروا أن خبر الغدير بعد موته.

والمعتمد في معنى الخبر على ما قدمناه، لأن كلّ ذلك لو صحَّ، وكان الخبر خارجاً عليه فلم يمنع من التعلّق بظاهره وما يقتضيه لفظه، فيجب أن يكون الكلام في ذلك، دون بيان السبب الذي وجوده كعدمه في أن وجود الاستدلال بالخبر لا يتغيّر »(١) .

ترجمة القاضي عبد الجبار

فهذا كلام القاضي عبد الجبار الذي طالما اقتفى القوم أثره في المناقشة مع

____________________

(١). المغني للقاضي عبد الجبار بن أحمد.


الامامية، وارتضوا أجوبته وشبهاته حول استدلالات أهل الحق، في مباحث الامامة والكلام، وقد أثنوا عليه بالغ الثناء في كتب التراجم:

قال أبو بكر ابن قاضي شهبة: « عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد ابن الخليل القاضي، أبو الحسن الهمداني، قاضي الري وأعمالها. وكان شافعي المذهب وهو مع ذلك شيخ الاعتزال، وله المصنفات الكثيرة في طريقهم وفي أصول الفقه. قال ابن كثير في طبقاته: ومن أجلّ مصنفاته وأعظمها ( دلائل النبوة ) في مجلدين، أبان فيه عن علم وبصيرة حميدة، وقد طال عمره ورحل الناس إليه من الأقطار واستفادوا به. مات في ذي القعدة سنة ٤١٥ »(١) .

وقال الأسنوي: « القاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الأسترآبادي، إمام المعتزلة، كان مقلداً للشافعي في الفروع وعلى رأي المعتزلة في الأصول وله في ذلك التصانيف المشهورة، تولّى قضاء القضاة بالري. ورد بغداد حاجّاً وحدّث بها عن جماعة كثيرين. توفي في ذي القعدة سنة ٤١٥ ذكره ابن الصلاح »(٢) .

وقال اليافعي: « القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار. من رؤس أئمة المعتزلة وشيوخهم صاحب التصانيف والخلاف العنيف »(٣) .

١١ - دلالته على الامامة حتى إذا كان في جواب شكوى بريدة

ثم إن حديث الغدير يدل على الامامة حتى في صورة كونه جواباً على شكوى بريدة، وذلك لأن شكوى بريدة من علي عليه‌السلام كانت عند رجوعه من سفره معه إلى اليمن، فشكى عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إصطفاء

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ١٨٣.

(٢). طبقات الشافعية للاسنوي ١ / ٣٥٤.

(٣). مرآة الجنان. حوادث سنة ٤١٥.


أمير المؤمنين عليه‌السلام لنفسه جارية من السبايا، فذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جوابه ولاية علي عليه‌السلام ، فما معنى ذلك؟ إن معنى ذلك والغرض منه إثبات أولوية علي عليه‌السلام بالتصرف في جميع الأمور، وأن من كان أولى بالتصرف من غيره في الأمور، فليس لأحدٍ أن يعترض عليه أو يتكلّم فيه أو ينازعه في أمور من الأمور، بل يجب على الكل متابعته والانقياد له، وقد ورد في حديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لبريدة: « يا بريدة: إن علياً وليّكم بعدي، فأحبَّ علياً، فإنه يفعل ما يؤمر. الديلمي عن علي ».

دلّ هذا الحديث على ولاية علي عليه‌السلام وعصمته كما هو واضح.

فإذا كان سبب حديث الغدير شكوى بريدة لأجل الواقعة المذكورة كما يزعم بعضهم، فقد دلّت الواقعة وصدور الحديث الشريف فيها على الامامة والخلافة، وهو المطلوب.

وأيضاً، فقد رووا عن بريدة أنه قال بعد أن نهاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بغض علي عليه‌السلام وتنقيصه: « فما كان من الناس من أحد بعد قول النبي أحبّ إليّ من علي » أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، والحافظ ابن كثير عن أحمد(١) والشيخ عبد الحق الدهلوي في معارج النبوة والسيد شهاب الدين أحمد(٢) والبرزنجي(٣) وغيرهم.

ولا ريب في دلالة مثل هذا الكلام على الأفضلية، قال اللّاهوري في ( شرح تهذيب الكلام للتفتازاني ) في ذكر أفضلية أبي بكر: « ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والله ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر ومثل هذا الكلام لبيان الأفضلية، إذ الغالب من حال كل اثنين هو. التفاضل دون التساوي، فإذا نفى أفضلية أحدهما ثبت أفضلية الآخر ».

____________________

(١). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٤٥.

(٢). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٣). نواقض الروافض - مخطوط.


وإذا ثبتت الأفضلية لعلي عليه‌السلام فإنّ الافضلية تثبت إمامته وتبطل خلافة المتقدّمين عليه.

١٢ - اختلافهم في سبب الحديث دليل الاختلاق

هذا، ولقد اضطرب أهل السنة في بيان سبب حديث الغدير فذكروا وجوهاً متضاربة وأسباباً مختلفة، الأمر الذي يدعو كلّ منصف إلى الاعتقاد بأن جميع ما ذكروه مفتعل ومختلق، ولا نصيب لشيء من تلك الوجوه من الصحة أبداً.

فتارة يجعلون السبب شكوى بريدة، وأخرى يجعلونه الكلام الذي وقع بين أمير المؤمنين عليه‌السلام وبين أسامة بن زيد، وثالثة يجعلونه الكلام الذي وقع بين زيد بن حارثة وبين أمير المؤمنين عليه‌السلام .

فأمّا الأول فقد ذكره ابن حجر في الصواعق وتبعه عليه البرزنجي وعبد الحق الدهلوي وصاحب المرافض وأمثالهم، واختاره ( الدهلوي ) مضيفاً إليه شكوى خالد بن الوليد وغيره.

وأما الثالث فقد ذكره القاضي عبد الجبار في المغني عن بعضهم. وقد اختاره الفخر الرازي حيث قال: « سلّمنا أنه محمول على الأولى، لكنْ لا نسلّم أنه يجب أن يكون أولى بهم في كلّ شيء، بل يجوز أن يكون أولى بهم في بعض الأشياء، وهو وجوب محبته وتعظيمه والقطع على سلامة باطنه. فإنه روي أنه عليه‌السلام إنما قال هذا الكلام عند منازعةٍ جرت بين زيد وعلي فقال علي لزيد: أنت مولاي، فقال زيد: لست مولى لك إنما أنا مولى رسول الله عليه‌السلام . فقال عليه‌السلام هذا الكلام عند هذه الواقعة، فينصرف الأولوية إلى حكم هذه الواقعة. وهو أن من كنت أولى به في المحبة والتعظيم والقطع على سلامة الباطن فعلي أولى به في هذه الأحكام »(١) .

____________________

(١). الاربعين للرازي: ٤٦٣.


وأما الثاني فقد ذكره القاضي عبد الجبار عن بعضهم، واختاره يوسف الأعور الواسطي حيث قال: « الرابع: قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه. قلنا: لا دلالة في هذا الحديث على إمامة علي، لأنه جاء لسبب نزاع زيد ابن حارثة عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع علي حين قال: أتنازعني وأنا مولاك؟ فشكى ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، ولا شك أن أقارب الانسان موالي عتيقه »(١) .

وكأن ابن روزبهان علم بأن هذه الأسباب مخترعة، وأنها على فرض صحتها لا تنافي مطلوب أهل الحق من حديث الغدير، فلذا أعرض عن ذكرها وذكر سبباً آخر يغايرها فقال: « إن واقعة غدير خم كان في مرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام حجة الوداع، وغدير خم محل افتراق قبائل العرب، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم أنه آخر عمره وأنه لا يجتمع العرب بعد هذا عنده مثل هذا الاجتماع، فأراد أنْ يوصي العرب بحفظ محبة أهل بيته وقبيلته، ولا شك أن علياً كرم الله وجهه كان بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد بني هاشم وأكبر أهل البيت، فذكر فضائله وساواه بنفسه في وجوب الولاية والنصرة والمحبة، ليأخذه العرب سيداً ويعرفوا فضله وكماله »(٢) .

قلت: وإذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد « ساواه بنفسه في وجوب الولاية والنصرة والمحبة » فهل لأحدٍ أن يدعي التقدّم عليه لأحد في هذه الأمور وغيرها؟ إن هذا الكلام يفيد أفضلية أمير المؤمنين ممن تقدّم عليه، والأفضلية دليل الأحقية بالامامة والخلافة.

وكذا قوله: « ليأخذه العرب سيداً ويعرفوا فضله وكماله » فليتأمل.

____________________

(١). رسالة يوسف الاعور في الرد على الامامية - مخطوط.

(٢). ابطال الباطل لابن روزبهان الشيرازي - مخطوط.


١٣ - الاعتراف بدلالة الحديث على الامامة يفنّد هذه الشبهة

وبالتالي، فإن اعتراف كبار العلماء من أهل السنة أمثال ابن زولاق المصري، وأبي حامد، الغزالي، والحكيم السنائي، وفريد الدين العطار، ومحمد بن طلحة الشافعي، وأبي المظفر شمس الدين سبط ابن الجوزي، ومحمد بن يوسف الكنجي، وسعيد الدين الفرغاني، وملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي، ومحمد بن إسماعيل الأمير اليماني، والمولوي محمد إسماعيل الدهلوي، بدلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام يكفي بوحده لإِبطال هذه الشبهة التي ذكرها ( الدهلوي ) تبعاً لابن حجر المكّي.

ولقد تقدمت نصوص كلمات هؤلاء الاعلام في غضون الكتاب، ونضيف إليها هنا:

١ ) كلام الشيخ علاء الدولة أبي المكارم أحمد بن محمد السمناني حيث قال في كتابه ( العروة الوثقى ):

« وقال لعلي عليه‌السلام وسلام الملائكة الكرام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدي. وقال في غدير خم بعد حجة الوداع على ملأ من المهاجرين والأنصار آخذاً بكتفه: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وهذا حديث متفق على صحتّه، فصار سيد الأولياء، وكان قلبه على قلب محمد عليه التحية والسلام، وإلى هذا السّر أشار سيد الصديقين صاحب غار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر، حين بعث أبا عبيدة ابن الجراح إلى علي لاستحضاره: يا أبا عبيدة أنت أمين هذه الأمة، أبعثك إلى من هو في مرتبة من فقدناه بالأمس، ينبغي أن تتكلّم عنده بحسب الأدب » إلى آخر مقالته.

فترى الشيخ علاء الدولة السمناني يقول: « وهذا حديث متفق على صحته، فصار سيد الأولياء، وكان قلبه على قلب محمد » فهذا مدلول حديث الغدير عند أعلام أهل السنة المحققين، فيكون الامام عليه‌السلام في مرتبة


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويكون على هذا أفضل من كل من تقدّم على النبي وجميع من تأخر، وبه ينهدم أساس تأويلات المؤولين وتلفيقاتهم في مقابلة الاستدلال بهذا الحديث الشريف.

ترجمة علاء الدين السمناني

والشيخ علاء الدولة من أكابر علماء أهل السنة وعرفائهم المشاهير، وقد ترجموه بكل ثناء وتبجيل، قال الحافظ ابن حجر: « أحمد بن محمد بن أحمد بن السمناني البياضي المكي، يلقب علاء الدين وركن الدين، ولد في ذي الحجة سنة ٥٩ وتفقّه وطلب الحديث وسمع من الرشيد بن أبي القاسم وغيره، وشارك في الفضائل وبرع في العلم، واتصل بأرغون بن الغانم، تاب وأناب ولازم الخلوة، وصحب ببغداد الشيخ عبد الرحمن، وخرج عن بعض ماله، وحجّ مراراً، وله مدارج المعارج.

قال الذهبي: كان إماماً جامعاً كثير التلاوة، وله وقع في النفوس، وكان يحطّ على ابن العربي ويكفّره، وكان مليح الشكل حسن الخلق، عزيز الفتوة كثير البر، يحصل له من أملاكه في العام نحو تسعين ألفاً فينفقها في القرب، أخذ عنه صدر الدين بن حمويه وسراج الدين القزويني وإمام الدين علي بن مبارك البكري. وذكر: أن مصنفاته تزيد على ثلاثمائة، وكان مليح الشكل كثير البر والإِيثار، وكان أولاً قد داخل التتار ثم رجع وسكن تبريز وبغداد، ومات في رجب ليلة الجمعة من سنة ٧٣٦ »(١) .

وقال ابن قاضي شهبة: « أحمد بن محمد بن أحمد الملقب بعلاء الدولة وعلاء الدين أبو المكارم السمناني.

ذكره الأسنوي في طبقاته وقال: كان عالماً مرشداً، له كرامات وتصانيف

____________________

(١). الدرر الكامنة ١ / ٢٥٠.


كثيرة في التفسير والتصوف وغيرهما. توفي قبل الأربعين وسبعمائة بقليل »(١) .

وقال محمود بن سليمان الكفوي: « الشيخ العارف الرباني والمرشد الكامل الصمداني، ركن الدين أبو المكارم علاء الدولة أحمد بن محمد البيانانكي السمناني »(٢) .

٢ ) كلام أبي شكور محمد بن عبد السعيد بن محمد الكشي السالمي الحنفي فإنه قال في ( التمهيد ): « وقالت الروافض: الامامة منصوصة لعلي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، بدليل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعله وصياً لنفسه وجعله خليفة من بعده حيث قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي. ثم هارون عليه‌السلام كان خليفة موسى عليه‌السلام ، فكذلك علي رضي‌الله‌عنه .

والثاني: وهو أنّ النبي عليه‌السلام جعله وليّاً للناس لمـّا رجع من مكة ونزل في غدير خم، فأمر النبي أن يجمع رحال الإِبل، فجعلها كالمنبر وصعد عليها فقال: ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: نعم. فقال عليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. والله جل جلاله يقول: ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) الآية. نزلت في شأن علي رضي‌الله‌عنه . دلّ أنه كان أولى الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

ثم قال أبو شكور المذكور في الجواب عما ذكره: « وأما قوله: بأنّ النبي عليه‌السلام جعله ولياً. قلنا: أراد به في وقته يعني بعد عثمان رضي‌الله‌عنه وفي زمن معاوية رضي‌الله‌عنه ، ونحن كذا نقول، وكذا الجواب عن قوله تعالى: ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الآية. فنقول: إن علياً رضي‌الله‌عنه كان ولياً

____________________

(١). طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٢ / ٢٤٨.

(٢). كتائب اعلام الأخيار للكفوي - مخطوط.


وأميراً بهذا الدليل في أيامه ووقته، وهو بعد عثمان رضي‌الله‌عنه ، وأما قبل ذلك فلا ».

إذن، حديث الغدير يدلّ على إمامة الأمير عليه‌السلام ، وكذا الآية المباركة: ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ) حيث أن المراد من « الولاية » فيها هي « الامامة والامارة ».

فهذا صريح كلامه، وأما تقييد مدلول الآية المباركة والحديث الشريف بما ذكره من كونه أميراً وإماماً بعد عثمان، فقد عرفت بطلانه بوجوه عديدة وبراهين سديدة، منها قول عمر بن الخطاب نفسه يوم الغدير « أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ».

ولعمري، إنّ هذا التأويل مثل تأويل النصارى نبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع الاعتراف بها بأنه مبعوث إلى العرب خاصة.

قال الكابلي في ( الصواقع ): « وقد اعترف اليهود والعيسوية وجم غفير من القادريّين من النصارى ومن تبعهم من نصارى افرنج بنبوته، إلّا أنهم يزعمون أنه مبعوث إلى العرب خاصة، وقد سألت قادرياً عنه عليه‌السلام فقال: هو نبي واسمه في كتبنا. فقلت: لم لا تؤمنون؟ فقال: رسولنا فوق رؤسنا إلى السماء ».

فتأويل هؤلاء مثل تأويل أهل الكتاب حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة.

١٤ - أشعار الأمير وحسان وقيس والأدلة الْأُخرى

هذا، وفضلاً عن الأدلة العديدة والبراهين السديدة التي أقمناها على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وخلافته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل، فإنها - ولا سيّما أشعار سيدنا أمير المؤمنين وحسان ابن ثابت وقيس بن سعد التي هي نصوص صريحة في دلالة الحديث الشريف على


الامامة والخلافة - كلّها تبطل هذه الشبهة وسائر شبهات ( الدهلوي ) وغيره من المتعصبين والمعاندين للحق وأهله، التي ذكرناها في غضون الكتاب بالتفصيل وتكلمنا عليها.

وقد بقيت شبهة أخرى فلنذكرها ولنتكلم عليها


إبطال حمل الإِمامة

على إمامة التصوّف



وهذه الشبهة ذكرها المولوي سلامت علي وهي الْأَخرى تتضمّن الاعتراف بدلالة حديث الغدير على الامامة لسيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولكن هذا الرجل لمـّا لم ترق له الشبهات التي حيكت والتقوّلات التي قيلت حول حديث الغدير لصرفه عن الدلالة على المطلوب الحق ومن جهة أُخرى لم يتمكّن من نفي دلالة الحديث على الامامة حمل الامامة المستفادة من هذا الحديث الشريف على إمامة التصوّف فقال هذا الرجل في كتابه ( التبصرة ) ما تعريبه:

« لا شك عند أهل السنة في إمامة أمير المؤمنين وأن ذلك عين الايمان، لكن ينبغي أن يكون مفاد أحاديث الغدير الامامة المعنوية لا الخلافة، وهذا المعنى هو المستفاد من كلام أهل السنة وعلماء الصوفية، ومن هنا كانت بيعة جميع السلاسل منتهية الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعن طريقه تتصل برسول الثقلين ».

إلّا أن هذا التأويل عليل بوجوه:


١ - لو جاز تأويل دليل الامامة لجاز تأويل دليل النبوة

لأن الوجه الذي يمكن لأهل الاسلام إلزام منكري نبوّة الرسول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو البشارات الدالة على نبوّته في كتب الملل السابقة، فإن هذه البشارات التي استخرجها علماء الاسلام من تلك الكتب لا مناص للمخالفين من قبولها، لأنها مستخرجة من كتبهم وواضحة الدلالة على نبوة خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجمعين.

وحينئذ نقول: إذا جاز لأهل السنّة تأويل حديث الغدير وحمله على الامامة الباطنية لجاز لأهل الكتاب تأويل ما يدلّ على نبوّة رسول الإسلام، وحمله على الرفعة وهو المعنى اللغوي للّفظ، وبذلك يمتنع إلزامهم بما ورد في كتبهم، وينسد طريق البحث معهم، وهدايتهم إلى الدين الحق وخاتمة الشرائع السماوية.

فيكون حمل إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام على الامامة في التصوّف، مثل حمل منكري الاسلام نبوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على النبوة بالمعنى اللغوي لا المعنى المصطلح، وكما أن هذا باطل فكذلك ذاك.

٢ - هذا التأويل فرع كون الأمير عليه‌السلام من الصوفية

وحمل « الامامة » التي يدل عليها حديث الغدير على الامامة الباطنية التي يقول بها الصوفية يتفرّع على كون أمير المؤمنين عليه‌السلام من الصوفية. وقد أنكر الحافظ ابن الجوزي أن يكون هو عليه‌السلام وسائر الصحابة من الصوفية، واستنكر على أبي نعيم الاصبهاني ذكره إياهم في الصوفية حيث قال « وجاء أبو نعيم الاصفهاني فصنّف لهم [ الصوفية ] كتاب الحلية، وذكر في حدود التصوّف أشياء


قبيحة، ولم يستحي أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وسادات الصحابة رضي الله عنهم »(١) .

أقول: وإذا كان ذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام في الصّوفية من عدم الحياء، فإن حمل ما يدلّ على إمامته على إمامة التصوّف من عدم الحياء كذلك.

٣ - ردود الشاه ولي الله على عقائد الصوفية

وقد بالغ الشاه ولي الله الدهلوي والد مخاطبنا ( الدهلوي ) في رد عقائد الصوفية وإبطال مقالاتهم، واستيصال مطالبهم وبيان عدم ثبوتها من الشّرع الشريف في كتابه ( قرة العينين ) فمن شاء الوقوف على كلامه فليراجع الكتاب المذكور فإنه كلام طويل. وما أظن أن أحداً يقف على هذا الكلام وتسوّل له نفسه لأن يحمل حديث الغدير على هذا المحمل الفاسد.

٤ - الامامة مبنية على الاظهار خلافاً لسائر المقامات

وذكر المولوي إسماعيل في ( رسالة الامامة ) أن الامامة هي ظل الرسالة ومبناها على الاظهار لا الإِخفاء، وليس كذلك سائر أرباب الولاية، وعلى هذا فلا يجوز حمل الكلمات الصادرة من الأئمة في بيان إمامتهم على تزكية النفس ونحو ذلك.

ويفيد هذا الكلام أنّ الامامة التي ذكرها أمير المؤمنين عليه‌السلام في أشعاره وأظهرها وأبدى اعتزازه بها ليست الامامة الباطنية والّا لما أظهرها ولما ادّعاها.

____________________

(١). تلبيس ابليس ١٥٩.


٥ - نص ( الدهلوي ) على لزوم حمل كلام الله والرسول والمرتضى على الظاهر

وفي الباب الأول من ( التحفة ) نصّ ( الدهلوي ) على أن من مذهب أهل السنة هو حمل كلمات أمير المؤمنين عليه‌السلام على الظاهر، كما هو الشأن بالنسبة إلى كلام الله وكلام الرسول، فإنها جميعاً تحمل على ما هي ظاهرة فيه.

أقول: لقد ورد لفظ الامامة في أشعار أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولا ريب في أنّ « الامامة » ظاهرة في المعنى المصطلح لا إمامة التصوّف، فصرف اللفظ عن معناه الظاهر فيه غير جائز عند ( الدهلوي )، بل غير جائز في مذهب أهل السنة والجماعة كما هو صريح كلامه.

٦ - نص ( الدهلوي ) على أن نصوص الكتاب والسنة محمولة على ظواهرها

وقال في باب النبوة: « العقيدة الثانية عشرة: إنّ نصوص الكتاب وأحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّها جميعاً محمولة على المعاني الظاهرة، وقال السبعية - من الاسماعيلية - والخطابية والمنصورية والمعمرية والباطنية والقرامطة والرزامية - من فرق الشيعة - بأنّ ما ورد في الكتاب والسنة من ألفاظ الوضوء والتيمم والصلاة والصوم والزكاة والحج والجنة والنار والقيامة والحشر غير محمولة على ظواهرها، بل هي إشارات إلى أشياء أخر لا يعلمها إلا الامام المعصوم » ثم ذكر أمثلة من مقالات هذه الفرق في هذا المقام، وذكر أن صرف نصوص القرآن والأحاديث عن ظواهرها من عمل الملاحدة والزنادقة، وأنه يترتب على هذا الأمر الشنيع شنائع وفضائح كثيرة، وينهدم بذلك دعائم الدين - والعياذ بالله -.


أقول: فيكون تأويل حديث الغدير وصرفه عن معناه الظاهر فيه، وكذا أشعار أمير المؤمنين وحسان وقيس بن سعد، وسائر الأحاديث الدالة على إمامة أمير المؤمنين من أظهر مصاديق ما ذكره ( الدهلوي ) في أنه من صنيع الملاحدة والزنادقة، وموجب لهدم أساس الدين الحنيف. والعياذ بالله.

٧ - استدلال أبي بكر بحديث « الأئمة من قريش » على خلافته

على أن هذا التأويل يخالف مقتضى استدلال أبي بكر بحديث « الأئمة من قريش » على خلافته في مقابلة الأنصار، فإن مقتضى ذلك كون الحديث وفيه مادة « الامامة » ظاهراً في الامامة والخلافة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي المعنى المصطلح لا الامامة في التصوّف، وإن أبا بكر قد استند إلى هذا الظهور واحتجّ به إذ لو لم تكن « الامامة » دالة على « الخلافة » لما استند إلى هذا الحديث لإِثبات خلافته عن رسول الله.

وأمّا احتجاجه بالحديث المذكور للخلافة فمذكور في كتب السير والتواريخ وغيرها.

٨ - « الامامة » ترادف « الخلافة » عند اهل السنة

بل إنّ « الامامة » مرادفة لـ « الخلافة » عند أهل السنة كما نصّ عليه شاه ولي الله الدهلوي(١) . وعليه يكون المراد من « الامام » في أشعار أمير المؤمنين عليه‌السلام وحسان وقيس هو « الخليفة » لا « إمام التصوّف ». وبهذا أيضا يبطل تأويل حديث الغدير، ويظهر أنه مخالف لمذهب أهل السنة ومعتقدهم.

____________________

(١). ازالة الخفا. المقصد الاول من الفصل السابع.


٩ - « الامامة » رياسة في الدين والدنيا

وهذه « الامامة » المصطلحة التي هي مرادفة « للخلافة » عند أهل السنة هي « رياسة في الدين والدنيا عامة » نصّ على ذلك كبار علماء أهل السنة، قال الرازي: « الامامة رياسة في الدين والدنيا عامة لشخص من الأشخاص، وإنما قلنا عامة احترازا عن الرئيس والقاضي وغيرهما، وإنما قلنا لشخص من الاشخاص احترازاً عن كلّ الاُمة اذا عزلوا الامام عند فسقة، فإن كلّ الاُمة ليس شخصاً واحداً »(١)

وقال التفتازاني: « والامامة رياسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي »(٢) .

وكذا في ( شرح التجريد للقوشجي ) وغيره.

وبه قال ( الدهلوي ) في أول باب الامامة من ( التحفة ).

أقول: وحيث ثبتت إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الغدير بنص أشعار الأمير عليه‌السلام نفسه وحسان وقيس وثبتت إمامته لجميع المسلمين - ومنهم الشيخان - كما يدل عليه قول عمر: « هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة » لم يبق ريب في ثبوت الامامة العامة له عليه الصلاة والسلام، لأنه إن كان المراد من تلك الامامة العامة فذاك المطلوب، وإنْ كان المراد الامامة في بعض الأمور دون بعض وكان ذلك البعض من أمور الدين أو الدنيا فلأنه على التقادير كلّها يكون ثبوت الامامة له ولو في أمرٍ من الأمور ولو كآن واحداً مستلزماً لبطلان خلافة الثلاثة، لأن إمامته ولو في أمر من الأمور معناها عدم إمامة الثلاثة في ذلك الأمر فيكونون مأمومين له، فثبت عموم إمامته عليه

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.

(٢). شرح المقاصد. باب الامامة ٥ / ٢٣٢.


الصلاة والسلام وبطل عموم إمامتهم، وإذا ثبت بطلان عموم إمامتهم ثبت بطلان تقدّمهم على الامير عليه‌السلام ، لعدم جواز تقدم المأموم على إمامه.

فظهر أن التأويل المذكور لحديث الغدير لا ينفع مرام أهل السنة، لا من قريب ولا من بعيد، ولله الحمد على ذلك حمداً جميلاً.

١٠ - الامامة مستلزمة للعصمة

وبالتالي، فقد ثبتت إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام من أشعاره وأشعار حسان بن ثابت وقيس بن سعد بن عبادة، وإذا كان إماماً فهو معصوم من جميع الذنوب، وإذا كان معصوماً فقد ثبتت خلافته وبطلت خلافة من تقدّم عليه، لقبح تقدّم غير المعصوم على المعصوم، بل هو من أقبح القبائح.

وأما دلالة لفظ « الامام » على « العصمة من جميع الذنوب » فقد اعترف بها فخر الدين الرازي حيث قال:

« قوله تعالى: ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان معصوماً عن جميع الذنوب، لأن الامام هو الذي يؤتم به ويقتدى، فلو صدرت المعصية منه لم يجب علينا الاقتداء به في ذلك، وإلّا فيلزم أن يجب علينا فعل المعصية وذلك محال، لأن كونه معصية عبارة عن كونه ممنوعاً عن فعله، ووجوبه عبارة عن كونه ممنوعاً من تركه. والجمع بينهما محال »(١) .

____________________

(١). تفسير الرازي ٤ / ٤٣.


( قال الميلاني ):

الحمد لله حمد الشاكرين على أن وفقنا لاتمام مجلد ( حديث الغدير ) من هذه الموسوعة، ونسأله تعالى أن يتقبل هذا العمل وسائر أعمالنا بفضله وكرمه، وأن يجعلها ذخيرة ليوم لا ينفع مال ولا بنون. بمحمد وآله الطاهرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الفهرس

مناشدة أمير المؤمنين عليه‌السلام الصحابة عن حديث الغدير ٥

ذكر من روى ذلك ٧

رواية أبي بكر الشّافعي ٩

ترجمة أبي بكر الشافعي ١٠

رواية ابن المغازلي ١١

رواية الخطيب الخوارزمي رواية أبي الحسن ابن الأثير ١٢

رواية ابن حجر العسقلاني ١٥

رواية الوصابي اليمني ١٦

رواية نور الدين السمهودي ١٧

دعاء الامام على كتم الشهادة بالغدير ١٨

من أسماء الذين كتموا ١٩

نتائج البحث ٢٢

وجوه بطلان دعوى ابن روزبهان وضع حديث المناشدة ٢٣

١ - مناشدة أنس وغيره متواترة ٢ - حديث الغدير متواتر لا كالمستفيض ٣ - من أمثلة دعاء النبي على المخالفين ٢٤

٤ - من أمثلة دعاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ٢٦

٥ - أمثلة من دعاء الصّحابة ٢٨

فائدتان من كلام ابن روزبهان ٣٠

اعتراف الحلبي بدلالة الاستشهاد مناشدة الامام أبا بكر وأصحاب الشورى ٣١

إستنكار أبي الطّفيل لحديث الغدير ٣٩

ترجمة أبي الطفيل ٤٢


قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر الحديث ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ٤٥

١ - ذكر من روى جملة « ألست أولى » في حديث الغدير ٤٧

٢ - دلالة الجملة على أولويّة النبي بالتصرف ٥٠

٣ - المراد من ( المولى ) في الحديث هو المراد من ( الأولى ) في الصّدر ٦٠

حديث الغدير بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعليٌّ وليّه ٧١

سياق حديث الغدير في المستدرك على الصحيحين ٧٧

من ترجمة الحاكم: ٨٠

وحدة السّياق بين حديث الغدير وحديثٍ أخرجه البخاري ٨٣

حديث الغدير بلفظ: « فإنَّ عليّاً بعدي مولاه » ٨٧

كلام ابن حجر المكّي إستناداً إلى فهم أبي بكر وعمر ٩١

حديث مسلم بن الحجّاج: لا يقل العبد لسيّده « مولاي » فإنّ مولاكم الله ٩٥

قول سيّدتنا الزهراء عليها‌السلام أنسيتم قول رسول الله يوم غدير خم ...؟ ٩٩

حديث الغدير بلفظ: « منْ وليّكم؟ من كان الله وليّه فهذا وليّه » ١٠٣

حديث الغدير بلفظٍ يدلُّ على المطلوب منْ وجوه ١٠٧

الاستدلال بكلام ابن حجر على ضوءِ حديث الغدير ١١٣

تصدير النبيّ الكلام بقوله: « إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم » ١١٧

قول أبي أيّوب الأنصاري وجماعة: السّلام عليك يا مولانا ١٢٩

قيل لعمر بن الخطاب: تصنع بعليّ شيئاً لا تصنعه بأحدٍ! فقال: إنّه مولاي ١٣٥

قول عمر - لمن استنكف من قضاء علي -: ويحك! ما تدري من هذا؟! هذا مولاي ١٤١

التهنئة في يوم الغدير وقولهم: « بخ بخ لك يا علي » ١٤٧

قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أوحي إليَّ في علي: إنّه أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين ١٥٣


خُطبةُ الغدير كما في كتاب ( توضيح الدلائل ) ١٥٧

وجوه دلالة الخطبة على إمامة أهل البيت ١٦١

الثناء على صاحب توضيح الدلائل ١٦٢

قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير: لكنْ علي بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه ١٦٥

قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير هذا ولييّ والمؤدّي عنّي ١٦٩

قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كان الله وأنا مولاه فهذا علي مولاه يأمركم وينهاكم ١٧٣

قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : منْ كنت وليّه فعليٌّ وليّه ومنْ كنت إمامه فعلي إمامه ١٧٧

إعترافات مشاهير علماء السنّة بمفاد حديث الغدير ١٨١

محمد بن محمد الغزالي ١٨٣

كتاب « سر العالمين » للغزالي ١٨٥

ترجمة الغزالي ١٨٦

أبو المجد مجدود بن آدم « الحكيم السنائي » فريد الدّين العطّار ١٨٨

الثناء على العطار والاعتماد عليه ١٨٩

ابن طلحة الشافعي ١٩٠

ترجمة ابن طلحة ١٩٢

سبط ابن الجوزي ١٩٣

ترجمة الكميت ١٩٧

ترجمة السبط والثناء عليه ٢٠٠

اعتماد العلماء على السبط ٢٠٢

محمد بن يوسف الكنجي الشافعي سعيد الدين الفرغاني ٢٠٣

ترجمة الفرغاني وكتابه ٢٠٤

تقي الدين المقريزي ٢٠٦

ترجمة المقريزي ترجمة ابن زولاق ٢٠٦


شهاب الدين الدولت آبادي ٢٠٧

شهاب الدين أحمد محمد بن إسماعيل الأمير ٢٠٨

المولوى محمد إسماعيل الدهلوي ٢١١

دحض مناقشات الدهلوي في دلالة حديث الغدير ٢١٣

(١) إحتمال إرادة الأولوية في التعظيم هذا يفيد الامامة ٢١٥

(٢) النقض بقوله تعالى ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ ) بطلان هذا النقض ٢١٧

(٣) جعل ذيل الحديث قرينة على إرادة المحبة الجواب عن ذلك ٢١٨

[٤] إرادة الإِمامة منه تخالف طريقة النبي في بيان الواجبات والسّنن النقض بحديث الإِثنا عشر خليفة ٢٢٥

النقض بحديث خوخة أبي بكر ٢٢٨

ذكر من روى تعميم النبي عليّاً يوم الغدير بيده ٢٣١

ترجمة أحمد القشاشي معنى حديث الغدير عند أهل البيت والأصحاب ٢٣٥

[٥] التمسك بكلام يروونه عن الحسن المثنى ٢٣٦

١ - هذه الرواية من متفردات الجماعة ٢ - استدلاله بها يخالف ما التزم به ٢٣٧

٣ - اعترافه بعدم حجية روايات فرقة على أُخرى ٤ - ليس هذا الحديث في الكتب الصحيحة ٢٣٨

٥ - مالا سند له لا يصغى إليه ٦ - احتجاج الدهلوي بهذا الحديث تعسف ٢٣٩

٧ - بطلان المعارضة من كلام والد الدهلوي ٨ - بطلان المعارضة من كلام تلميذه ٢٤٠

٩ - اعتراضهم على تمسك الامامية برواية أبي نعيم ١٠ - تنصيص الدهلوي على عدم اعتبار تصانيف أبي نعيم ٢٤١

١١ - طعن ابن الجوزي في أبي نعيم ١٢ - ومن رواته « فضيل بن مرزوق » ٢٤٣

١٣ - اشتمال الحديث على فرية قبيحة ٢٤٤

١٤ - اشتماله على فرية أخرى ٢٤٦

١٥ - إفصاح النبي بأمر خلافة علي عليه‌السلام ٢٤٧

١٦ - تأييد هذا الحديث للمذهب الحق بوجوه ٢٤٨


١٧ - معارضة ما نسبوه إلى الحسن المثنى بما رووه عن حفيده ٢٥٠

١٨ - طعن علماء أهل السنة في أئمة أهل البيت ١٩ - طعنهم في أولاد الأئمة ٢٥٣

(٦) ليس في الحديث تقييد بلفظ « بعدي » ٢٥٥

حديث تسمية علي بأمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد ٢٥٦

وجوه إبطال تقييد ولاية الأمير بزمان ما بعد عثمان ١ - لا نصَّ على خلافة الثلاثة ٢٦٢

٢ - عموم « من كنت مولاه » للثلاثة ٣ - بطلانه من كلام بعض أكابر علمائهم ٢٦٣

٤ - قول عمر لعلي: أصبحت مولاي ٢٦٦

٥ - كلام جبرئيل في يوم الغدير برواية عمر ٢٦٧

٦ - أحاديث عدم موافقة النبي لاستخلاف الشيخين ٢٦٨

(٧) التشكيك في دلالة صدر الحديث ٢٧٤

(٨) دعوى أن سبب الخطبة وقوع بعضهم في علي، وجعل ذلك قرينة على إرادة المحبة ١ - الاستدلال برواية ابن إسحاق في غير محله ٢٩٢

٢ - ابن إسحاق مقدوح عند بعضهم ٣ - زعم الرازي عدم رواية ابن إسحاق لحديث الغدير ٤ - ليس في سيرة ابن هشام ما نسب الدهلوي إلى ابن إسحاق ٢٩٣

٥ - دلالة كلام الدهلوي على حمل الصحابة أوامر النبي على الأغراض النفسانية ٢٩٤

٦ - منع النبي خصوص بريدة من الوقوع في علي ٧ - حديث الغدير كان بأمرٍ من الله ٢٩٦

٨ - واقعة الغدير متأخرة عن قضية شكوى بريدة ٢٩٧

٩ - على فرض الاتحاد فالدلالة محفوظة ١٠ - بطلان كلام الدهلوي من قاضي القضاة عبد الجبار ٢٩٨

١١ - دلالته على الامامة حتى إذا كان في جواب شكوى بريدة ٣٠٠

١٢ - اختلافهم في سبب الحديث دليل الاختلاق ٣٠٢

١٣ - الاعتراف بدلالة الحديث على الامامة يفنّد هذه الشبهة ٣٠٤

١٤ - أشعار الأمير وحسان وقيس والأدلة الْأُخرى ٣٠٧


إبطال حمل الإِمامة على إمامة التصوّف ٣٠٩

١ - لو جاز تأويل دليل الامامة لجاز تأويل دليل النبوة ٢ - هذا التأويل فرع كون الأمير عليه‌السلام من الصوفية ٣١٢

٣ - ردود الشاه ولي الله على عقائد الصوفية ٤ - الامامة مبنية على الاظهار خلافاً لسائر المقامات ٣١٣

٥ - نص ( الدهلوي ) على لزوم حمل كلام الله والرسول والمرتضى على الظاهر ٦ - نص ( الدهلوي ) على أن نصوص الكتاب والسنة محمولة على ظواهرها ٣١٤

٧ - استدلال أبي بكر بحديث « الأئمة من قريش » على خلافته ٨ - « الامامة » ترادف « الخلافة » عند اهل السنة ٣١٥

٩ - « الامامة » رياسة في الدين والدنيا ٣١٦

١٠ - الامامة مستلزمة للعصمة ٣١٧

الفهرس ٣١٩