الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ
التجميع الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام
الکاتب السيد عدنان الحسيني
لغة الکتاب عربی
سنة الطباعة 1404





بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيِمْ

مقدمة المركز

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ..

وبعد فإننا مع الاِمام الجواد عليه‌السلام سنعيش لاَول مرة ظاهرة مثيرة بحق ، تستوقف النظر وتستحث العقول ، ألا وهي الاِمامة المبكرة ، الظاهرة التي نصادفها لاَول مرّة في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام ، فابن الثامنة من العمر يتولى هنا إمامة المسلمين بكل ما يتعلق بها من مسؤوليات ومهام ، وما تتطلبه من علم كامل بالشريعة وأحكامها ، ومن الصعب بل المتعذّر أن يدّعى كل هذا لمن هو في هذه السن ، إلاّ أن يكون محاطاً بعناية إلهية خاصة وقد اصطنعه الله تعالى لهذه المهمة ، وأُعدّ لها الاِعداد التام من قبل.

وهذا ما ينقلنا على الفور الى استدعاء البعد المميز لشأن المصطَفَين ودور الاصطفاء في إحداث النقلة النوعية في الذات الاِنسانية ، الاَمر الذي يجعل مقارنة المختصّ بهذا الاصطفاء مع غيره من سائر الناس حتى أصحاب المواهب الخاصة مقارنة فاقدة لموضوعها ، غير مبرَّرة بحال وهذا ما يجعل ظاهرة كهذه أمراً طبيعياً ، في دائرة الاِمكان ، وبلا غرابة ، وهذا ما ينقلنا مرّة أخرى الى النماذج الاَسبق في هذه الدائرة ، والذي باصطحابه ستكون الظاهرة التي اقترنت بالاِمام الجواد عليه‌السلام إنّما هي أنموذجاً مكرّراً لظاهرة أسبق تاريخاً ، بكثير ، ففي دائرة الاصطفاء قد سبقت النبوّة لعيسى ابن مريم في السابعة من عمره بعد أن تكلم بها في مهده ، ثم سبقت بكل مهماتها ولوازمها لصبيّ ما يزال في بواكير صباه ، ذلك يحيى بن زكريا عليهما‌السلام : (وآتيناه الحكم صبيّاً) فلسنا إذن مع أمر ممكن الوقوع فحسب ، بل مع أنموذج مكرر لواقع محقق ، وضمن الدائرة ذاتها ، دائرة الاصطفاء


ثم بعد ذلك فإنّ المتقلّد لهذه المهمة سوف يعيش بين الناس عالمهم وجاهلهم ، فليس من الصعب إذن التحقق من صحّة هذا التقليد والتقدم ، وهذا ما وقع مبكراً مع الاِمام الجواد عليه‌السلام من قِبَل من استنكر شأنه ، وفي مجلس عقده المأمون وشحنه بأهل العلم ممّن هم حوله أذعن قاضي قضاته يحيى بن أكثم بأنّ ابن الثامنة ، الجواد بن الرضا عليهما‌السلام ، إن هو إلاّ إمام معلَّم ، وليس هو بفتى ملهم وحسب ثم عاش الاِمام الجواد عليه‌السلام تجربته كلها ومن حوله علماء فحول ، من أصحاب القرآن والحديث والكلام ، في عصر ازدهرت فيه العلوم وقعّدت قواعدها ، وأسست أصولها ، فلم يرَ منه أصحابه أو خصومه دون ما كانوا يرون من آبائه العظام من علم وحلم وحكمة ، وتلك تجربة أمّة امتدت به سبع عشرة سنة ، حتى وفاته عليه‌السلام ، وليس هناك في التاريخ قضية هي أثبت من تجربة أمّة فكيف إذا كانت تجربة في عصر عصيب ، يطارد الحكام أصحابها ، ومن قبل قتلوا جدّه الكاظم عليه‌السلام سجيناً ، ثم اغتالوا أباه الرضا عليه‌السلام ، ثم هم من حوله يتربّصون به وبأصحابه؟! إنّ هذا لمن أهم ما يثبت عظمة تلك التجربة وعظمة رائدها الذي لو وجد فيه خصومه السياسيون وهم الحاكمون ، والدينيون وهم متوافرون ، من مغمزٍ لما توانوا في نشره ، بل لطربوا له ولنسجوا من حوله الحكايات والاَساطير ..

وفي صفحات إصدارنا هذا سنعيش مع هذه الظاهرة ، وفي رحاب رائدها الاَول في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام ، والثالث في دائرة الاصطفاء ، مؤدّين بعض الحق لهذا الاِمام العظيم ، مستلهمين المزيد من الدروس والعبر وكم هو جميل أن يتزامن إصدارنا هذا مع مرور ألف ومئتي عام على وفاته سلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً.


المقدِّمة

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الاَمين وآل بيته الطيبين الطاهرين المنتجبين ، وصحبه الهداة المهديين.

فقد درجت الاُمم والشعوب منذ عهدها بالتدوين على تخليد قادتها ورجالاتها ، عرفاناً منها لما أسدوه لها من خدمات جليلة ، وبما زانوا مجدها وتأريخها بكل طارف وتليد. ونحن كأُمّة إسلامية لنا أعظم دين ، وأغنى تراث ، وأرقى حضارة ، ما كنّا بدعاً من الاُمم والحضارات في تخليد عظمائنا ورجالاتنا الذين شادوا مجد هذه الاُمّة ، وبنوا صرحها الشامخ. بل ، نحن أحق من غيرنا بذلك للعديد من الاعتبارات ..

وربّ تساؤل يقفز إلى ساحة الذهن ، بأنّهم كُثر أُولئك الذين كان لهم دور في عملية صياغة التاريخ ، وصناعة المجد ، وبناء الحضارة فمن من اولئك حقيق بالتخليد والذكر الجميل؟ ثم ، كيف نُحيي تراثهم ، ونُعيد تأريخهم؟ ولماذا ..؟

وطبيعي أن يأتي الجواب بأن أي دراسة يجب أن تتناول النخبة الصالحة الرشيدة التي بذلت كل ما في وسعها من أجل أن تحيا هذه الاُمّة على مبادئ رسالتها الخالدة ، وأن تشتمل تلك الدراسة على تاريخ حياة أولئك الاَعلام المضحين ، ومناهجهم في عملية البناء والتغيير ، وجهادهم وجهودهم المضنية في هذا المجال ، كما ينبغي تناول سيرتهم العملية وأقوالهم بالدرس والتحليل.

وأما الغرض من تدارس أحوال ومواقف أولئك العظام؛ فهو لاستلهام


مناهجهم في الحياة ، وفي البناء الحضاري ، وللاستنارة من فيض علومهم ومعارفهم الخلاّقة ، وإسهاماتهم في تبيين معالم الدين ، وتوضيح أصول الشريعة أضف إلى ذلك مكافحتهم للجهل ، ومقارعة الظلم والظالمين ، ونشر العدل ، وإحقاق الحق بل ، واتخاذهم منارات يُسترشد بهديهم لجميع الاَجيال البشرية على رغم تعاقبها مرّ الدهور.

ولا ريب بأن الاَحقّ بهذا التدارس والتعظيم ، هو شخص النبوة الكريم ، أشرف موجود ، وسيّد الكائنات وأقدسها. وهل أحد أحق من بعده غير أهل بيته المطهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس ، واختارهم قادة رساليين يُقتدى بهم؟ حتى صار دورهم ملموساً ومتميزاً في بناء الاِنسان وصيانته وحفظ المجتمع وكيانه. ومن هنا أصبح تسليط الضوء على حياتهم المشرقة بالعطاء ـ بعد اختلاط الاَوراق ـ وفاءً لرسالة الاِسلام الخالدة باعتبارهم عليهم‌السلام قادتها الاَُمناء الحقيقيين.

فالاَئمة المعصومون الاثنا عشر من أهل البيت عليهم‌السلام الذين نصّ عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدة أحاديث صحاح ، هم محور الحياة الذي تدور عليه كلّ مكرمة وفضيلة ، فقد جعلهم الله حياة للاَنام ، ومصابيح الظلام ، ومفاتيح الكلام ، ودعائم للاِسلام ووصفهم أمير البيان عليه‌السلام بقوله :« هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم. لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صادق » .

فدراسة حياة الاَئمة الميامين عليهم‌السلام يجب أن تنطلق من تلك الحقائق المهمة ، وينبغي التركيز على المنهج الاَصيل والدور الحقيقي والواقعي لهم عليهم‌السلام باعتبارهم وحدة متكاملة لا فرق بين القائم منهم بالسيف أو المتصدي بالدعاء أو الناشر للعلم أو غيرها من مناهج العمل والتغيير للوصول إلى الهدف المشترك للجميع. فهم عليهم‌السلام رغم تنوّع أدوارهم ، وفق


طبيعة المرحلة والظروف السياسية المحيطة بهم ، يحملون هدفاً مشتركاً واحداً لا يختلفون فيه ، ذلك هو حفظ الكتاب الكريم وسُنّة الرسول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وطلب الاصلاح والهداية ، والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ونحن على أعتاب مرور اثني عشر قرناً (١٢٠٠ عام) على شهادة الاِمام الجواد عليه‌السلام ، فالاَمل يحدونا أن تستطيع هذه الدراسة الموجزة من سيرة تاسع أئمة أهل البيت عليهم‌السلام إلقاء بعض الضوء على الدور الفاعل والكبير لتحرك الاِمام أبي جعفر الثاني الجواد عليه‌السلام في الاُمّة ، من خلال جسّ مواقع حركته التغييرية والاِصلاحية في الزمن القصير الذي عاشه.

ويمكن تلمّس تحرك الاِمام عليه‌السلام ، واستشفاف الحقائق الناصعة في أدوار حياته عبر الفصول الاَربعة التي اشتملتها هذه الدراسة.

فمروراً بالتعريف بظروف مولد الاِمام عليه‌السلام ، إلى التعريف بشخصه المبارك وبعض سماته ، ثم النصوص الدالّة على إمامته ، وأخيراً كان لنا بحث مقتضب حول مسألة العمر ومنصب الاِمامة ، كل ذلك تضمّنه الفصل الاَول.

أما الفصل الثاني : فقد عرض للمرحلة التالية من حياة الاِمام الجواد عليه‌السلام خاصة بعد شهادة أبيه ، وما رافق ذلك من إرهاصات انعكست مباشرة على حياة الاِمام. فكان لابدّ من استبيان الظروف والاَحداث السياسية خلال هذه الفترة الزمنية من عمر الاِمام ، خاصة ما كان من مقولة خلق القرآن ، ثم علاقة الاِمام عليه‌السلام بالجهاز الحاكم الذي كان يتربّص به الدوائر للقضاء عليه. كما استعرضنا أحداث عقد قرانه عليه‌السلام على ابنة المأمون العباسي ثم زواجه منها ، وما رافق ذينك الحدثين من حوادث كان لها انعكاسات مباشرة على حياته عليه‌السلام . وفي خاتمة الفصل كانت لنا إطلالة على بعض الثورات


والانتفاضات التي كانت تصبّ في خط أهل البيت عليهم‌السلام وتدعو لهم.

وأمّا الفصل الثالث : فقد حاولنا أن نستجمع فيه عطاءه الفكري ودوره الرسالي ، ونشاطه في استقطاب الاَصحاب والوكلاء وتوجيه الاُمّة نحو المسار الاِسلامي الصحيح ، وممارسة دوره العلمي في إرساء قواعد التشريع الاِسلامي ، ومناظراته واحتجاجاته في الدين والعقيدة. ولم يفتنا اقتباس شذرات من أنوار كلمه النديّة ، كي نروّي بها صحراء نفوسنا المجدبة.

وأخيراً كان لنا فصل رابع بحثنا فيه عن كيفية استدعاء المعتصم العباسي للاِمام من المدينة إلى بغداد ، والاَسباب والدواعي التي دفعت مثلث الاغتيال إلى التآمر على الاِمام وتنفيذ عملهم الدنيء بقتله بالسم وهو في غضارة شبابه ، ثم عرجنا على من أشاد بشخصية الاِمام الجواد عليه‌السلام وأقرّ بفضله وتقدمه فانتقينا منهم ما يسمح لنا به سعة الكتاب.

وقبل الوداع كان مسك الختام جولة في رحاب شعر المديح والرثاء لجواد الاَئمة عليه‌السلام .

اللهمَّ فاجعلنا به مهتدين ، وبنوره مستوضحين طريق الحق ، وببركته مستمطرين خير السماء وبركاتها ، فإنّه حجتك العليا ، ومثلك الاَعلى ، وكلمتك الحسنى الداعي إليك ، والدالّ عليك ، الذي نصبته علماً لعبادك ، ومترجماً لكتابك ، وصادعاً بأمرك ، وناصراً لدينك ، وحجتك على خلقك ، ونوراً تُخرق به الظلم ، وقدوة تُدرك بها الهداية ، وشفيعاً تُنال به الجنّة ..

والحمدُ لله ربِّ العالمين


الفصل الأول

الجواد في ظلِّ أبيه عليهما‌السلام

ظروف ما قبل الميلاد :

لو عدنا قليلاً إلى الوراء أي إلى ما قبل مولد أبي جعفر الثاني عليه‌السلام بسنة أو نحوها ، لوجدنا أن ظروفاً عصيبة مرّت بأبيه الاِمام الرضا عليه‌السلام ، الذي عانى في أخريات سني حياته الشريفة من أزمات حادة ، كان يثيرها بعض الواقفة والانتهازيين؛ للتشكيك بإمامته عليه‌السلام بعدم إنجابه الوَلَد. ذلك أنّه كان مركوزاً في الذهنية العامة للمسلمين أنّ من علامات الاِمام المعصوم أن يخلفه إمام من صلبه ، إذ لا تكون الاِمامة في أخ أو عمٍّ أو غيرهم ، فقد سُئل الاِمام الرضا عليه‌السلام ، أتكون الاِمامة في عمٍّ أو خالٍ؟ فقال :« لا ، فقلت : ففي أخ؟ قال : لا ، قلت : ففي مَن؟ قال : في ولدي ، وهو يومئذٍ لا ولد له » (١) .

وأغلب الظنّ أنّ الاَيدي العباسية لم تكن بعيدة عن ساحة قدس الاِمام الرضا عليه‌السلام في التنقيب وافتعال الحوادث والمواقف للنيل من إمامته عليه‌السلام والطعن فيها.

نعم ، من هنا كانت معاناة الاِمام أبي الحسن الرضا عليه‌السلام تتزايد يوماً بعد

____________

١) اُصول الكافي / الكليني ١ : ٢٨٦ / ٣ كتاب التوحيد.


يوم ، خاصة وقد امتدّ به العمر إلى نحو الخامسة والاَربعين ، ولم يكن قد خلّف بعدُ (الولد) الذي يليه بالاِمامة ، ثم الذي زاد المحنة سوءاً هو تكالب بعض إخوته وعمومته وأبناء عمومته من العلويين والعباسيين عليه ، حسداً من بعضهم ، وبغضاً وكرهاً من البعض الآخر وثمّة تأليب الانتهازيين والسلطويين على البيت النبوي عموماً ، حيث أثاروا جميعاً حول شخصية الاِمام العظيمة غبار حسدهم وأحقادهم الدفينة.

لكنّ الاِمام عليه‌السلام كان يقف أمامهم بحزم ويجيبهم جواب الواثق المطمئن من نفسه بأنّ الليالي والاَيام لا تمضي حتى يرزقه الله ولداً يُفرّقُ به بين الحق والباطل. هذا الموقف نستشفّه من رواية محمد بن يعقوب الكليني ، قال : كتب ابن قياما(١) إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام كتاباً يقول فيه : كيف تكون إماماً وليس لك ولد؟

فأجابه أبو الحسن عليه‌السلام :« وما علمك أنّه لا يكون لي ولد؟! والله لا تمضي الاَيام والليالي حتى يرزقني الله ذكراً يُفرّق بين الحق والباطل » )(٢) .

وينقلنا الكليني عليه الرحمة إلى مشهد آخر مع نفس هذا الواقفي ، وهو يصف حواره مع الاِمام الرضا عليه‌السلام بقوله : دخلتُ على علي بن موسى ، فقلت له : أيكون إمامان؟ قال :« لا ، إلاّ أن يكون أحدهما صامتاً » . فقلت له : هو ذا أنت ، ليس لك صامت! فقال لي :« والله ليجعلنَّ الله مني ما يُثبت به الحق وأهله ، ويمحق به الباطل وأهله » ولم يكن في الوقت له ولد ، فولد له أبو

____________

١) ابن قياما الواسطي : واقفي ، مخالف معروف.

٢) اُصول الكافي ١ : ٣٢٠ / ٤ ، وعنه نقل الشيخ المفيد في الارشاد ٢ : ٢٧٧ بواسطة أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه. وراجع إثبات الوصية / المسعودي : ١٨٣.


جعفر عليه‌السلام بعد سنة(١) .

وحتى بعد مولد أبي جعفر التقي عليه‌السلام لم يكن المشككون منفكّين من محاولاتهم تلك حتى رأوا البيّنة وأذعنوا لها صاغرين ، هم ومن جاءوا بهم من القافة أجمعين. وهنالك رقى ابن الرضا عليه‌السلام درجات منبرٍ ، وألقى خطبة قصيرة بليغة ، وصلت في مداها أقصى غاية المنى في تأنيب المشككين ، وردع (الواقفة) والمتصيدين في الضباب ، أو عكرٍ من الماء ، حين طعنوا في بنوّة أبي جعفر عليه‌السلام وانتسابه للاِمام الرضا عليه‌السلام . فلقد جاءوا بالاِفك ، وقول الزور وإنّه لكبير ما ادّعوه على قدس الاِمامة ، والشرف الباذخ للبيت النبويّ الطاهر.

مطهّرون نقيّات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم كلّما ذكروا

كانت هذه لمحة ضوء خاطفة تطلّعنا من خلال أشعتها على بعض الظروف التي واكبت وسبقت ولادة الاِمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام ثم يحين اليوم الموعود ..

بشرى المولد العظيم :

« اللهمّ إنّي أسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني ، وابنه علي بن محمد المنتجب » (٢) الدعاء.

هذا الدعاء أورده شيخ الطائفة الطوسي رحمه الله (ت / ٤٦٠ هـ) في مصباح

____________

١) اُصول الكافي ١ : ٣٢١ / ٧. والارشاد ٢ : ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

٢) الاِمام علي بن محمد التقي يلقّب بالنجيب أيضاً ، وأن أباه الاِمام الجواد عليه‌السلام يلقّب بالمنتجب ، فلاحظ.


المتهجّد(١) ، وابن عياش أحمد بن محمد بن عبدالله الجوهري صاحب كتاب (مقتضب الاَثر) ، وقيل هو دعاء مأثور عن صاحب الاَمر عليه‌السلام ، قال ابن عياش : خرج إلى أهلي على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي‌الله‌عنه في مقامه عندهم. وبه أخذ بعض المؤرخين بناء على نقل ابن عياش من أن مولد الجواد عليه‌السلام كان في يوم الجمعة العاشر من رجب سنة (١٩٥ هـ) الموافق لسنة(٨١١) الميلادية. وهو التاريخ المعمول به عند الطائفة اليوم.

لكن العلماء ومشايخ الطائفة يذهبون إلى أن ولادته الميمونة كانت في شهر رمضان من عام (١٩٥ هـ) ، وترددوا بين (١٥ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩) منه ، ولعلّ ثانيها(٢) هو الاَرجح من بين هذه التواريخ ، لكن الاَكثر قال بالتاريخ الاَخير بناءً على نقل اللاحق عن السابق(٣) .

وأما حدث المولد العظيم وساعته وما جرى فيه من الكرامة فتحكيه السيدة الكريمة حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قالت : (لمّا حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر عليه‌السلام دعاني الرضا عليه‌السلام ، فقال :« يا حكيمة احضري ولادتها » ، وأدخلني وإيّاها والقابلة بيتاً ووضع لنا مصباحاً ، وأغلق الباب علينا.

فلمّا أخذها الطلق طفئ المصباح ، وكان بين يديها طست ، فاغتممت بطفء المصباح ، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه‌السلام في الطست ، وإذا

____________

١) مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد : ٧٤١.

٢) إعلام الورى ٢ : ٩١. وتاج المواليد / الطبرسي أحمد بن علي (ت / ٥٤٨ هـ) : ٥٢ المطبوع ضمن كتاب « مجموعة نفيسة ».

٣) اُصول الكافي ١ : ٤٩٢. والاِرشاد ٢ : ٢٧٣. وعيون المعجزات : ١٢١. ومناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٧٩. وكشف الغمة ٣ : ١٣٥.


عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء. فجاء الرضا عليه‌السلام وفتح الباب وقد فرغنا من أمره ، فأخذه ووضعه في المهد ، وقال لي :« ياحكيمة إلزمي مهده » .

قالت : فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال :« أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله » . فقمت ذعرة فزعة فأتيت أبا الحسن عليه‌السلام ، فقلت : سمعت من هذا الصبي عجباً. فقال :« وما ذاك؟ » ، فأخبرته الخبر. فقال :« يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر » (١) .

رعاية أبوية خاصة :

ليس أمراً غريباً أن يكتنف الاِمام الرضا عليه‌السلام وليده برعاية وعناية خاصتين ، بل ويحيطه بهالة من التعظيم والتبجيل وهو طفل رضيع ، ذلك أن أبا جعفر هو وحيد الاِمام أبي الحسن الرضا عليه‌السلام الذي رُزقه بعدما جاوز عليه‌السلام الخامسة والاَربعين من العمر ، فعليه تكون الاِمامة منحصرة بوليده الفرد. لهذا كلّه فقد كان إمامنا الرضا عليه‌السلام يوليه تربية خاصة ، وعناية زائدة ، كما كان يتوسم فيه بركة وخيراً عظيماً على شيعته ومحبيه.

فعن يحيى الصنعاني ، قال : دخلت على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام وهو بمكة وهو يقشّر موزاً ويطعم أبا جعفر عليه‌السلام ، فقلت له : جعلت فداك هو المولود المبارك؟ قال :« نعم يا يحيى ، هذا المولود الذي لم يولد في الاِسلام مثله مولود أعظم بركة على شيعتنا منه » )(٢) .

____________

١) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٩٤. والفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

٢) الفروع من الكافي ٦ : ٣٦٠ / ٣.


وينقل لنا الرواة والمؤرخون أيضاً كيف أنّ الاِمام الرضا عليه‌السلام كان يترقب وبشوق بالغ ، ولهفة عجلى مولد ابنه محمداً ، فلما ولد كان عليه‌السلام يلازم مهده ، وفي بعض الاَحيان كان يناغيه وهو في مهده طول ليلته(١) ؛ بل إنّ علقته بطفله الرضيع بلغت حداً أنّه عليه‌السلام كان يلازم مهده لعدة ليالٍ حتى إن أحد شيعته كلمه في أن يكف عن كثرة ملازمته لمهد وليده قائلاً له : جُعلت فداك ، قد وُلد للناس أولاد قبل هذا ، فكل هذا تعوّذه؟

لقد ظن هذا المعترض أن الاِمام أبا الحسن عليه‌السلام ، ولشدة حبّه لمولوده ، فإنّه يخاف عليه من عيون الحسّاد؛ لذلك فهو يعوّذه طوال هذه المدة. لكن الاِمام عليه‌السلام أجاب المستفهم بأن حنوّه على ولده ليس لغرض التعويذ ، بل إنّه عليه‌السلام يلقي إليه أمر الاِمامة وعلومها ، بقوله :« ويحك ليس هذا عوذة ، إنّما أغرّه بالعلم غرّاً » (٢) ، كما كان يطعمه بنفسه ، وما كان يفارقه طويلاً ، حتى إنّه عليه‌السلام ليصطحبه في سفره وتنقلاته داخل المدينة وخارجها تنويهاً به عليه‌السلام ، وزيادة في إعظامه وإكرامه.

وأما تعظيم الاِمام الرضا عليه‌السلام لمولوده المبارك ، فإنّه ما كان يناديه إلاّ بكنيته منذ نعومة أظفاره ، فقد تحدّث محمد بن أبي عبّاد وكان يكتب للرضا عليه‌السلام ، ضمه إليه الفضل بن سهل ، قال : ما كان عليه‌السلام يذكر محمداً ابنه إلاّ بكنيته ، ويقول : كتب إليّ أبو جعفر وكنت أكتب إلى أبي جعفر وهو صبيّ بالمدينة ، فيخاطبه بالتعظيم ، وترد كتب أبي جعفر عليه‌السلام في نهاية البلاغة والحُسن ، فسمعته يقول :« أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من

____________

١) عيون المعجزات : ١٢١. وعنه بحار الاَنوار ٥٠ : ١٥ / ١٩.

٢) إثبات الوصية : ١٨٣.


بعدي » (١) ، وربما كتب إليه الاِمام الرضا عليه‌السلام : فداك أبوك!!

فقد روى العياشي عن محمد بن عيسى بن زياد. قال : كنت في ديوان أبي عباد ، فرأيت كتاباً يُنسخ فسألت عنه فقالوا : كتاب الرضا إلى ابنه عليهما‌السلام من خراسان ، فسألتهم أن يدفعوه إليّ فإذا فيه :« بسم الله الرحمن الرحيم ، أبقاك الله طويلاً وأعاذ من عدوّك يا ولد ، فداك أبوك » ثم يوصيه عليه‌السلام بالاِنفاق وخاصة على الهاشميين من قرابته ، ويختم كتابه بقوله :« وقد أوسع الله عليك كثيراً ، يا بنيّ فداك أبوك لا تستر دوني الاَمور لحبّها فتخطئ حظّك ، والسلام » (٢) .

ويبلغ حبّ الوالد لولده مداه ويغرق فيه نزعاً ، حتى يوصله إلى امتزاج روحيهما في روح واحدة هي روح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ذلك الاغراق في الحبّ والمودّة يوقفنا عليه بنان بن نافع في خبر يرويه حول محاورة في الاِمامة جرت بينه وبين الاِمام الرضا عليه‌السلام من جهة وبين الاِمام الجواد عليه‌السلام من جهة اُخرى.

يقول ابن نافع في نهاية الخبر : ثم دخل علينا أبو الحسن ، فقال لي :« يابن نافع سلّم واذعن له بالطاعة ، فروحه روحي وروحي روح رسول الله » (٣) .

وأخيراً ينقل لنا صاحب كتاب دلائل الاِمامة خبراً عن أُمية بن علي القيسي الشامي يمكننا من خلاله الوقوف على درجة العلاقة بين الوالد والولد ، وشدة حبّ الوالد لولده واهتمامه به من جهة ، ومدى تعلّق الولد

____________

١) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٦٦ باب ٦٠. وعنه بحار الاَنوار ٥٠ : ١٨ / ٢.

٢) تفسير العياشي ١ : ١٣١ ـ ١٣٢.

٣) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٨.


بوالده من جهة اُخرى ، فقد نقل قول أُمية : كنت مع أبي الحسن عليه‌السلام بمكة ، في السنة التي حجّ فيها ، ثم صار إلى خراسان ، ومعه أبو جعفر ، وأبو الحسن عليه‌السلام يودّع البيت ، فلمّا قضى طوافه عدل إلى المقام فصلّى عنده ، فصار أبو جعفر إلى الحجر فجلس فيه ، فأطال. فقال له موفق : قم جُعلت فداك. فقال :« ما أريد أن أبرح من مكاني هذا إلاّ أن يشاء الله » ، واستبان في وجهه الغم. فأتى موفق أبا الحسن عليه‌السلام فقال له : جُعلت فداك قد جلس أبو جعفر في الحجر ، وهو يأبى أن يقوم ، فقام أبو الحسن عليه‌السلام فأتى أبا جعفر فقال :« قم ياحبيبي » . فقال عليه‌السلام :« ما أريد أن أبرح من مكاني هذا » . قال عليه‌السلام عليهم‌السلام « بلى ياحبيبي » . ثم قال عليه‌السلام :« كيف أقوم وقد ودّعت البيت وداعاً لاترجع إليه » ؟ فقال له عليه‌السلام :« قم يا حبيبي » ، فقام معه(١) .

نسبه الشريف :

سمّي محمداً وهو بعد في الاَصلاب الشامخات والاَرحام المطهّرات ، أبوه علي الرضا عليه‌السلام ، وجدّه الكاظم موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي السجاد زين العابدين بن الحسين السبط الشهيد ابن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام .

نسب وضّاح ، وذريّة طيبة مطهّرة نقيّة نعم ، إنّها (سلسلة الذهب) باعتراف عشرين ألفاً أو يزيدون من الكتّاب أو النسّاخ ، وطلبة العلم والحديث ورواته في نيسابور ، وعلى رأسهم الحافظان أبو زرعة ، ومحمد ابن أسلم الطوسي(٢) .

____________

١) كشف الغمة ٣ : ١٥٥.

٢) أخبار الدول / القرماني ٣ : ٣٤٤.


أُمّه عليها‌السلام :

أما أُمّه ، فهي أم ولد اسمها (سبيكة) ، نوبيّة. وقيل : سكن المريسية(١) . وقيل أيضاً : إنّ الاِمام الرضا عليه‌السلام لما اشتراها لاستيلادها أطلق عليها اسم« خيزران » ، وهي من قبيلة مارية القبطية زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعلى كلِّ حال فقد كانت من الجلال والقدر أن عُدَّت في زمانها أفضل بنات جنسها ، وإليها أشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يذكر الاِمام محمداً التقي عليه‌السلام بقوله :« بأبي ابن خيرة الاِماء ، ابن النوبية الطيبة الفم ، المنتجبة الرحم » (٢) .

ويدلُّ على مكانتها وجلالة قدرها أيضاً ، أن الاِمام الكاظم موسى بن جعفر عليه‌السلام طلب من يزيد بن سليط أن يبلغها منه السلام إن استطاع إلى ذلك سبيلاً ، فقد ورد في الخبر أن الاِمام الكاظم عليه‌السلام التقاه في طريق مكة وهم يريدون العمرة. فقال له :« إنّي أؤخذ في هذه السنة ، والاَمر إلى ابني عليّ سمي عليّ وعليّ. فأما عليّ الاَول فعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأما علي الآخر فعلي بن الحسين يا يزيد فإذا مررت بالموضع ولقيته ، وستلقاه فبشّره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك ، وسيعلمك أنك لقيتني فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل مارية القبطية جارية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن قدرت أن تبلغها مني السلام ، فافعل ذلك » . والرواية سنوردها بتمامها بعد قليل في موضوع النص على إمامة الجواد عليه‌السلام .

وفي خبر آخر أورده المحدِّث الشيخ حسين بن عبدالوهاب في« عيون

____________

١) نسبة إلى مرّيسة وهي قرية في صعيد مصر من بلاد النوبة.

٢) اُصول الكافي ١ : ٣٢٣ / ١٤.


المعجزات » بسند ذكره ، عن كلثم بن عمران(١) ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : ادع الله أن يرزقك ولداً. فقال :« إنّما أُرزق ولداً واحداً وهو يرثني » . فلما ولد أبو جعفر عليه‌السلام قال الرضا عليه‌السلام لاَصحابه :« قد ولد لي شبيه موسى بن عمران ، فالق البحار ، وشبيه عيسى بن مريم ، تقدّست أُمٌّ ولدته ، قد خُلقت طاهرة مطهّرة » (٢) .

كنيته :

وكُنّي بأبي جعفر من يوم مولده ، وما كان الاِمام الرضا عليه‌السلام يدعوه إلاّ بها ، وهي الكنية المشهور بها(٣) ، ثم عرّفه الرواة والمحدِّثون بالثاني لتمييزه عن الاِمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام . ويكنّى أيضاً بأبي عليّ ، ولا يُعرف بها.

حليته :

كان عليه‌السلام شديد الاَُدْمَه(٤) ، ضاوي الجسم(٥) قصيره ، قطُّ الشعر مثل حلك الغراب(٦) ، وطبيعي جداً أن يكون الاِمام أبو جعفر عليه‌السلام ـ وهو من بين أب حجازي وأمّ نوبية ـ حائل اللون ، ولا ريب في ذلك ، هذا وإن كان الاِمام الجواد عليه‌السلام حائل اللون إلاّ أنّه :

____________

١) وجاء في مصادر اُخرى باسم : كليم. وبأي الاسمين ورد فهما واحد.

٢) عيون المعجزات : ١٢١. وعنه الاَنوار البهية / المحدّث الشيخ عباس القمي : ٢٠٩.

٣) الكافي ١ : ٣٢٠ ، ٤٦٩. وإثبات الوصية : ١٨٣ ـ ١٩٤. وتهذيب الاَحكام ٦ : ٩٠ باب ٣٧ وما بعده.

٤) دلائل الاِمامة : ٣٨٤ / ٣٤٢ ، و ٤٠٤ / ٣٦٥.

٥) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٧. ودلائل الاِمامة : ٤٠٤ / ٣٦٥.

٦) راجع : دلائل الاِمامة : ٣٩٧ / ٣٤٦. وفي مقاتل الطالبيين : ٤٥٦ جاء أيضاً ما هذا نصّه : وزوّج المأمون ابنته أم الفضل محمد بن علي بن موسى على حلكة لونه وسواده


مشتقة من رسول الله نبعتُهُ

طابت مغارسُهُ والخيمُ والشِّيمُ

وأما ما انفرد به ابن الصباغ من أن صفته أبيض معتدل ، ووافقه بعض من كتب في سيرة الاِمام الجواد عليه‌السلام ، ورجّح قوله ، استثقالاً منه أن يقول بسمرة الاِمام ، فهو خلاف المشهور من صفته عليه‌السلام (١) .

ألقابه الشريفة :

تميّز إمامنا الجواد عليه‌السلام بألقاب عديدة من أخصّها به قديماً لقب (التقي)(٢) ثمّ بعد ذلك (الجواد)(٣) قال ابن شهر آشوب :

فديت إمامي أبا جعفر

جواداً يلقّب بالتاسعِ

وبين هذين اللقبين عدّدوا له ألقاباً اُخرى منها : المنتجب والمرتضى والزكي والقانع والرضي والمتوكل وغيرها(٤) .

أولاده :

ذكر الشيخ المفيد رحمه الله أن الجواد عليه‌السلام (خلّف بعده من الولد عليّاً ابنه الإمام من بعده ، وموسى ، وفاطمة ، وأُمامة ابنتيه ، ولم يخلّف ذكراً غير من

____________

١) حياة الاِمام محمد الجواد عليه‌السلام / باقر شريف القرشي : ٢٤.

٢) عيون المعجزات : ١٢١. ودلائل الاِمامة : ٣٩٦. واعلام الورى ٢ : ٩١. وتاج المواليد / الطبرسي : ٥٢. والدعوات / الراوندي : ٨٩ / ٢٢٤ و ١٠٦ / ٢٣٤. ومناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٣٧٩ و ٤١٠ ـ ٤١١.

٣) دلائل الاِمامة : ٣٩٦. ومناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٣٧٩ و ٤١٠ ـ ٤١١. وكشف الغمة ٣ : ١٣٧. والنجوم الزاهرة ٢ : ٣٢١ حوادث سنة ٢١٩.

٤) راجع : الاِرشاد ٢ : ٢٩٥. ودلائل الاِمامة : ٣٩٦. وإعلام الورى ٢ : ٩١.


سمّيناه)(١) .

ونقل ابن شهرآشوب عن الشيخ الصدوق إنهنَّ : حكيمة وخديجة وأم كلثوم(٢) . وزاد عليهن السيد ضامن بن شدقم في (تحفة الاَزهار) : فاطمة.

وفي (الشجرة الطيبة) للمدرس الرضوي المشهدي أن بنات الاِمام الجواد عليه‌السلام : زينب ، وأم محمد ، وميمونة ، وخديجة ، وحكيمة ، وأم كلثوم. وقال آخر : ولد الجواد عليه‌السلام عليّاً ، وموسى ، والحسن ، وحكيمة ، وبريهة ، وأُمامة ، وفاطمة(٣) .

إذن ، المشهور أنّ للاِمام الجواد عليه‌السلام ابنة يقال لها (حكيمة) كانت جليلة القدر ، رفيعة المقام ، عالية الشأن. أوكل إليها أخوها الاِمام الهادي عليه‌السلام جاريته (نرجس) كي تعلمها معالم الدين ، وأحكام الشريعة ، وتؤدّبها بالآداب الاِلهية.

وزوّج الاِمام الهادي عليه‌السلام نرجس من ولده الاِمام العسكري عليه‌السلام فانجبت له الاِمام المهدي عليه‌السلام وقامت حكيمة بمهمّة القابلة لاُمّه ليلة ولادته(٤) ، وصرّحت بمشاهدة الاِمام المهدي عليه‌السلام بعد مولده(٥) .

وكان لحكيمة دور مهم بعد استشهاد الاِمام الحسن العسكري عليه‌السلام ، حيث كانت تقوم بدور السفارة بين الشيعة وبين الاِمام محمد المهدي عليه‌السلام

____________

١) الاِرشاد ٢ : ٢٩٥. وإعلام الورى ٢ : ١٠٦.

٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٠.

٣) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : هامش ص ١٩٩.

٤) كمال الدين ٢ : ٤٢٤ / ١ ط٢. والغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٣٤ / ٢٠٤.

٥) اُصول الكافي ١ : ٣٣٠ / ٣. وكمال الدين ٢ : ٤٣٣ / ١٤.


في غيبته الصغرى ، فكانت تقوم باستلام الكتب والمسائل وتوصلها إلى الاِمام عليه‌السلام ثم تستلم منه توقيعاته الشريفة وتوصلها إلى الناس(١) .

أضف إلى ذلك أنّها تروي حرز الاِمام الجواد عليه‌السلام ، وقد توفيت هذه السيدة الجليلة في مدينة سامراء ، ودفنت عند رجلي الاِمامين العسكريين عليهما‌السلام ، وقبرها مشهور معروف.

وغريب من مثل الشيخ المفيد أن يفوته التعرض لذكر اسمها ضمن تعداده لاَبناء الاِمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام ، مع أنّه ـ عليه الرحمة ـ ذكرها في« الاِرشاد » في ثاني خبر له في باب ذكر من رأى الاِمام الثاني عشر عليه‌السلام ، فقال : أخبرني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ـ وهو الكليني ـ ، عن محمد بن يحيى ، عن الحسين بن رزق الله ، قال : حدثني موسى بن محمد ابن القاسم ابن حمزة بن موسى بن جعفر ، قال : حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي ـ وهي عمة الحسن عليه‌السلام ـ أنّها رأت القائم عليه‌السلام ليلة مولده وبعد ذلك(٢) .

وأما ولده موسى المعروف بالمبرقع ، وإليه ينتهي نسب السادة الرضويين ، فقد عاش في المدينة ، وبعد شهادة أبيه انتقل إلى الكوفة فسكنها مدة ، ثم هاجر إلى قم فوردها سنة (٢٥٦ هـ) قاصداً استيطانها ، فكان أول سيد رضوي تطأ أقدامه هذه المدينة ، وكان من أهل الحديث والدراية. توفي في ربيع الآخر سنة (٢٩٦ هـ) ودفن في بيته.

النصّ على إمامته :

من نافلة القول معرفة أن منصب الاِمامة نص إلهي ، أبلغه تعالى نبيه

____________

١) بحار الاَنوار ١٠٢ : ٧٩ ، وعنه رجال بحر العلوم ٢ : ٣١٧.

٢) الاِرشاد ٢ : ٣٥١.


الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم نصّ على خلافة الاِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منصب إمامة المسلمين؛ ثم كانت للرسول الاَعظم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مواقف وكلمات ـ في روايات وردتنا ـ صرّح في بعضها بأسماء الاَئمة خلفائه واحداً واحداً حتى اثني عشر إماماً ، كما أن الاَئمة عليهم‌السلام ـ باعتبار عصمتهم ـ نصوا على من يليهم بهذا المنصب ، ولم يكن الاَمر باختيارهم.

أخرج إبراهيم بن محمد الحمّوئي الشافعي في فرائده بسنده ، عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس رفعه :« إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لاِثنا عشر ، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي » . قيل : يا رسول الله ومن أخوك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« عليّ » . قيل : فمن ولدك؟ قال :« المهدي الذي يملأ الاَرض قسطاً وعدلاً » الحديث(١) .

وفيه : عن الاَصبغ بن نباتة ، عن ابن عباس رفعه :« أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون » (٢) .

وإمامنا الجواد عليه‌السلام وردت النصوص بإمامته عن جدّه النبيّ الاَكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن آبائه عليهم‌السلام وإليك جملة من هذه النصوص :

نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت جابر بن عبدالله الاَنصاري يقول :

قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي

____________

١) فرائد السمطين ٢ : ٣١٢ / ٥٦٢. وراجع : ينابيع المودة / القندوزي الحنفي ٣ : ٣٨٣ الباب ٩٤ الطبعة الاُولى ١٤١٦ هـ ، تحقيق علي جمال أشرف الحسيني ، نشر دار الاُسوة ـ طهران.

٢) فرائد السمطين ٢ : ٣١٣ / ٥٦٣ ، ٥٦٤. وراجع : ينابيع المودة ٣ : ٣٨٤.


أوّلهم عليّ ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ، ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي ابن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم القائم اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي » (١) .

ونقل صاحب الفرائد خبراً آخر يرويه ابن عباس عن يهودي يدعى نعثلاً حاجج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صفات الله ، ثم في أوصيائه وطلب من النبي تسميتهم ، فسماهم له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إثنا عشر وصيّاً(٢) .

ونقل أخطب خوارزم الموفق بن أحمد في كتابه« مقتل الحسين » عن ابن شاذان قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبدالله الحافظ حدثني علي بن علي بن سنان الموصلي عن أحمد بن محمد بن صالح عن سلمان بن محمد عن زياد بن مسلم عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن سلامة عن أبي سلمى راعي أبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :« ليلة أُسري بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ وعلا : (آمن الرسول بما اُنزل إليه من ربّه) ، قلت : والمؤمنون ، قال : صدقت يا محمد من خلفت في أمتك ، قلت : خيرها ، قال : علي بن أبي طالب ، قلت : نعم يا رب ، قال : يا محمد إنّي اطّلعت إلى الاَرض اطلاّعة فاخترتك منها فشققت لك اسماً من اسمائي فلا اذكر في موضع إلاّ ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثم اطّلعت الثانية ، فاخترت عليّاً ، وشققت له اسماً من اسمائي ، فأنا الاَعلى وهو علي؛ يا محمد

____________

١) راجع : ينابيع المودة ٣ : ٣٩٨ الباب ٩٤. وكشف الغمة / الاِربلي ٣ : ٣١٤.

٢) فرائد السمطين ٢ : ١٣٢ / ٤٣١ ، وعنه أورده القندوزي في ينابيع المودة ٣ : ٢٨١ الباب ٧٦.


اني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والاَئمة من ولده من سنخ نور من نوري وعرضت ولايتكم على أهل السموات وأهل الاَرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين ، يا محمد لو ان عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم اتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقرّ بولايتكم ، يا محمد أتحب أن تراهم ، قلت : نعم يارب ، فقال : لي التفت عن يمين العرش فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يصلّون وهو في وسطهم ـ يعني المهدي ـ كأنّه كوكب دري. قال : يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك ، وعزتي وجلالي انه الحجة الواجبة لاوليائي والمنتقم من أعدائي » (١) .

روى الشيخ المفيد رحمه الله بالاِسناد عن زكريا بن يحيى بن النعمان ، قال : سمعت علي بن جعفر بن محمد يحدّث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين ، فقال في حديثه : لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه‌السلام لما بغى عليه إخوته وعمومته وذكر حديثاً طويلاً حتى انتهى إلى قوله : فقمت وقبضت على يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه‌السلام ، وقلت له : أشهد أنك إمام عند الله. فبكى الرضا عليه‌السلام ثم قال :« يا عم ، ألم تسمع أبي وهو يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بأبي ابن خيرة الاِماء النوبية الطيبة ، يكون من ولده الطريد الشريد ، الموتور بأبيه وجده ، صاحب الغيبة » (٢) .

____________

١) مقتل الحسين / الخوارزمي : ٩٥ ـ ٩٦. وعنه رواه الجويني الشافعي في فرائد السمطين ٢ : ٣١٩ / ٥٧١.

٢) الاِرشاد ٢ : ٢٧٥. وراجع : اصول الكافي ١ : ٣٢٣ / ١٤. وإعلام الورى ٢ : ٩٢. وبحار الاَنوار ٥٠ :


وروى الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا) بسنده عن محمد بن علي بن عبدالصمد الكوفي ، قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن محمد بن علي ابن موسى ، عن أبيه علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال :« دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده أُبيّ بن كعب ، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مرحباً أبا عبدالله ، يازين السموات والاَرض ثم ذكر حواراً طويلاً مفصّلاً بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أُبي ابن كعب ذكر له النبي أسماء الاَئمة ودعاء كل واحد منهم حتى وصل إلى إمامنا أبي جعفر الجواد عليه‌السلام ، فقال في صفته : وإنّ الله عزَّ وجلّ ركّب في صلبه ـ أي في صلب الاِمام الرضا عليه‌السلام ـ نطفة مباركة طيبة رضية مرضية ، وسمّاها محمد بن علي ، فهو شفيع شيعته ، ووارث علم جدّه. له علامة بيّنة ، وحجة ظاهرة ، إذا ولد يقول : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله » الخبر(١) .

نصّ الاِمام الكاظم عليه‌السلام :

جاء في كتاب الغيبة لشيخ الطائفة الطوسي رحمه الله خبر رُفع إلى محمد بن سنان ، قال : دخلت على أبي الحسن موسى عليه‌السلام من قبل أن يقدم العراق بسنة ، وعلي ابنه جالس بين يديه ، فنظر إليّ وقال :« يا محمد ستكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك إلى أن قال عليه‌السلام : من ظلم ابني هذا حقّه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب عليه‌السلام إمامته وجحده حقّه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال : قلت : والله لئن مدّ الله لي في العمر لاُسلّمنّ له حقّه ،

____________

٢١ / ٧.

١) عيون أخبار الرضا ٢ : ٦٢ / ٢٩.


ولاَقرنّ بإمامته. قال : صدقت يا محمد يمدُّ الله في عمرك وتسلّم له حقّه ، وتقرّ له بإمامته وإمامة من يكون بعده ، قال : قلت : ومن ذاك؟ قال : ابنه محمد » . قال : قلت : له الرضا والتسليم(١) .

وهذا نصٌّ صريح بإمامته من جدّه الاِمام الكاظم عليه‌السلام . وهناك نصّ آخر في رواية طويلة ننقل منها موضع الحاجة ، يرويها يزيد بن سليط الزيدي في لقائه مع الاِمام موسى بن جعفر عليه‌السلام في طريق مكة ، وهم يريدون العمرة ـ إلى أن قال : ـ ثم قال أبو إبراهيم عليه‌السلام :« إنّي أؤخذ في هذه السنة ، والاَمر إلى ابني عليّ سمي عليّ وعليّ ، فأما عليّ الاَول فعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأما عليّ الآخر فعليّ بن الحسين ، أُعطي فهم الاَول وحكمته ، وبصره وودّه ودينه ، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره ، وليس له أن يتكلم إلاّ بعد موت هارون بأربع سنين ، ثم قال : يا يزيد فإذا مررت بهذا الموضع ، ولقيته وستلقاه ، فبشّره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك ، وسيعلمك أنّك لقيتني فأخبره عند ذلك أنّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من بيت مارية القبطية جارية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن قدرت أن تبلغها منّي السلام فافعل ذلك » .

ثم يرحل الاِمام الكاظم عليه‌السلام ، ويلتقي يزيد بالاِمام الرضا في نفس ذلك الموضع ويخبره ، ويقصّ عليه الخبر. فيجيبه الاِمام عليه‌السلام :« أما الجارية فلم تجيء بعد ، فإذا دخلت أبلغتها منك السلام » . قال يزيد : فانطلقنا إلى مكة ، واشتراها في تلك السنة ، فلم تلبث إلاّ قليلاً حتى حملت ، فولدت ذلك الغلام(٢) .

____________

١) راجع : أُصول الكافي ١ : ٣١٩ / ١٦. والغيبة / الشيخ الطوسي : ٣٢ / ٨. وبحار الاَنوار ٥٠ : ١٩ / ٤.

٢) اُصول الكافي ١ : ٣١٣ ـ ٣١٩ / ١٤. وإعلام الورى ٢ : ٥٠ وعنه بحار الاَنوار ٥٠ : ٢٥ ـ ٢٨ / ١٧.


نصّ الاِمام الرضا عليه‌السلام :

نصوص كثيرة رويت عن الاِمام الرضا عليه‌السلام بشأن إمامة أبي جعفر الجواد عليه‌السلام والنصّ عليه جمع شتاتها العلاّمة المجلسي واستوفاها في الجزء الخمسين من بحاره(١) فكانت ستة وعشرين نصّاً ، اخترنا منها النصوص التالية :

روى الكليني بسنده عن معمر بن خلاّد قوله : ذكرنا عند أبي الحسن عليه‌السلام شيئاً بعد ما ولد له أبو جعفر عليه‌السلام ، فقال :« ما حاجتكم إلى ذلك ، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته في مكاني » (٢) .

وعنه بسنده ، عن الخيراني ، عن أبيه قال : كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن عليه‌السلام بخراسان ، فقال له قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال :« إلى أبي جعفر ابني » . فكأن القائل استصغر سنّ أبي جعفر عليه‌السلام ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام :« إنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيّاً ، صاحب شريعة مبتداة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر عليه‌السلام » (٣) .

ونقل ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمة عن الشيخ المفيد قدس‌سره بإسناده عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا عليه‌السلام : قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول :« يهب الله لي غلاماً » . فقد وهبه الله لك ، وقرَّ عيوننا به ، فلا أرانا الله يومك ، فإن كان كون فإلى مَن؟ فأشار بيده إلى أبي

____________

١) بحار الأنوار ٥٠ : ١٨ ـ ٣٦.

٢) اُصول الكافي ١ : ٣٢١ / ٦. ونحوه في ١ : ٣٢٠ / ٢. والإرشاد ٢ : ٢٧٦. وإعلام الورى ٢ : ٩٣. والفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : ٢٦١.

٣) اُصول الكافي ١ : ٣٢٢ / ١٣.


جعفر وهو قائم بين يديه ، فقلت له : جُعلت فداك ، وهذا ابن ثلاث سنين؟ قال :« وما يضرُّ من ذلك! قد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين » (١) .

كما نقل القندوزي الحنفي في ينابيعه ، عن فرائد السمطين للمحدث الجويني الخراساني الشافعي باسناده ، عن دعبل الخزاعي ، عن علي الرضا ابن موسى الكاظم عليهما‌السلام قال :« يا دعبل الاِمام من بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره » (٢) .

شهادات اُخرى :

وممن شهد بإمامة الجواد عليه‌السلام وأذعن لها عم أبيه : علي بن الاِمام جعفر الصادق عليه‌السلام المعروف بالعُريضي ، فقد روى الكليني رحمه الله بسنده ، عن محمد ابن الحسن بن عمار قال : كنت عند علي بن جعفر الصادق جالساً بالمدينة ، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه ـ يعني أبا الحسن موسى الكاظم عليه‌السلام ـ إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليه‌السلام في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوثب علي بن جعفر؛ بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام :« يا عم إجلس رحمك الله » ، فقال : يا سيدي! كيف أجلس وأنت قائم؟

____________

١) الفصول المهمة : ٢٦١. وراجع : الإرشاد ٢ : ٢٧٦. وإثبات الوصية / المسعودي : ١٨٥. واُصول الكافي ١ : ٣٢١ / ١٠ باختلاف يسير جداً. وذكر نحوه الخزاز في كفاية الأثر : ٢٧٩.

٢) ينابيع المودة ٣ : ٣٤٨ الباب ٨٦. وفرائد السمطين ٢ : ٣٣٧ / ٥٩١. نقله عن عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٩٦ / ٣٥ من الباب ٦٦.


فلمّا رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون : أنت عم أبيه ، وأنت تفعل به هذا الفعل؟! فقال : (اسكتوا ، إذا كان الله عزَّ وجلّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهل هذه الشيبة ، وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه ، أُنكر فضله؟! نعوذ بالله مما تقولون ، بل أنا له عبد)(١) .

وروى الكشي بسنده عن علي بن جعفر خبراً له مع واقفي حاججه في أمر الاِمامة ، فأجابه علي بن جعفر جواباً قاطعاً بأن أبا جعفر الجواد عليه‌السلام هو الاِمام الناطق بعد أبيه علي بن موسى الرضا(٢) .

كما روى الكشي في رجاله باسناده عن أبي عبدالله الحسين بن موسى ابن جعفر ، قال : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام بالمدينة وعنده علي بن جعفر ، وأعرابي من أهل المدينة جالس ، فقال لي الاَعرابي : من هذا الفتى؟ وأشار بيده إلى أبي جعفر عليه‌السلام . قلت : هذا وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال : يا سبحان الله! رسول الله قد مات منذ مئتي سنة وكذا وكذا سنة ، وهذا حدث ، كيف يكون؟!

قلت : هذا وصي علي بن موسى ، وعلي وصيّ موسى بن جعفر ، وموسى وصيّ جعفر بن محمد ، وجعفر وصيّ محمد بن علي الخبر(٣) .

وهذا الخبر من جملة الاَحاديث والمرويات المستفيضة في مظانها ، الدالة على أنّه كان معروفاً آنذاك أن الاَئمة من أهل البيت عليهم‌السلام هم أوصياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنص عليهم واحداً بعد واحد.

____________

١) اُصول الكافي ١ : ٣٢٢ / ١٢.

٢) رجال الكشي : ٤٢٩ / ٨٠٣.

٣) رجال الكشي : ٤٢٩ / ٨٠٤.


العمر ومنصب الاِمامة :

ليس غريباً إذا قلنا : إنّه لا مدخلية للعمر في تسنّم منصب الاِمامة ، ولو أن ظاهرة الاِمام الجواد عليه‌السلام كانت الاُولى من نوعها في الاِسلام على ما هو معهود ومعروف! إلاّ أنها لم تكن الاُولى في العالم على مستوى حركة الاَنبياء والرسل وأوصيائهم السابقين ، فذاك عيسى بن مريم آتاه الله الحكمة والنبوة وكان في المهد صبياً ، وقبله كان يحيى ، فقد آتاه الله الحكم والكتاب وهو صبي (وآتَينَاهُ الحُكمَ صَبِيّاً)(١) .

(فإنّ الظاهرة التي وجدت مع هذا الاِمام وهي ظاهرة تولّي شخص للاِمامة وهو بعد في سن الطفولة ، على أساس أن التاريخ يتّفق ويُجمع على أنّ الاِمام الجواد توفي أبوه وعمره لا يزيد عن سبع سنين. ومعنى هذا أنّه تولّى زعامة الطائفة الشيعية روحياً وفكرياً وعلمياً ودينياً وهو لا يزيد عن سبع سنين ، هذه الظاهرة التي ظهرت لاَول مرة في حياة الاَئمة في الاِمام الجواد عليه‌السلام )(٢) .

وقد قدّمنا في الفصل الاَول الروايات التي تنصّ على أنّ الاِمام الرضا عليه‌السلام وهو الاِمام المعصوم قد شهد بأن مولوده الصغير ـ وكان يشير إليه ـ سيكون الاِمام من بعده بالرغم من صغر سنِّه(٣) ، وبذلك فقد حلَّ الاِمام الرضا عليه‌السلام إشكالية المسألة في حياته وأرجع أصحابه وشيعته وجميع

____________

١) سورة مريم : ١٩ / ١٢.

٢) من محاضرة للسيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس‌سره في ٢٩ ذي القعدة الحرام سنة ١٣٨٨ هـ لم تنشر توجد ضمن مستندات ووثائق موسوعة الشهيد الصدر.

٣) راجع النصوص المتقدمة آنفاً عن اُصول الكافي ١ : ٣٢١ / ١٠ و ٣٢٢ / ١٣ و ٣٨٣ / ٢. وإثبات الوصية : ١٨٥.


المسلمين إلى ابنه الجواد عليه‌السلام .

ثم إنّ الاِمام الجواد عليه‌السلام نفسه قد أدرك الشك والحيرة من بعض أصحاب أبيه في هذا الاَمر؛ لاَنّهم لم يألفوا ذلك من قبل فأراد في بعض المواقف تبيان هذه الظاهرة ، وإلفات نظر المتردّدين إلى الحقيقة التي غابت عن أذهانهم ، فقد روى الكليني بالاِسناد عن علي بن اسباط ، قال : خرج عليه‌السلام عليَّ فنظرت إلى رأسه ورجليه؛ لاَصف قامته لاَصحابنا بمصر ، فبينا أنا كذلك حتى قعد ، فقال :« يا عليّ ، إن الله احتجّ في الاِمام بمثل ما احتجّ في النبوّة ، فقال : ( وآتينَاهُ الحُكمَ صَبيّاً ) (١) ، قال : ( ولمَّا بَلَغ أشُدَّهُ ) (٢) ، ( وبَلَغَ أربعينَ سَنَةً ) (٣) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة صبيّاً (٤) ، ويجوز أن يُعطاها وهو ابن أربعين سنة » (٥) .

وعندما يُسأل عن هذا الموضوع وهو ابن سبع سنين أو نحوها ، يجيب سائله إجابة قاطعة ليس فيها ترديد ولا تورية جواب واثق مطمئن من إمامته على الناس ، وهو ما رواه الكليني بالاِسناد عن محمد بن اسماعيل بن بزيع ، قال : سألته ـ يعني أبا جعفر عليه‌السلام ـ عن شيء من أمر الاِمام ، فقلت : يكون الاِمام ابن أقل من سبع سنين؟ فقال :« نعم ، وأقلّ من خمس سنين » .

فقال سهل : فحدثني علي بن مهزيار بهذا في سنة إحدى وعشرين

____________

١) سورة مريم : ١٩ / ١٢.

٢) سورة يوسف : ١٢ / ٢٢. وسورة القصص. ٢٨ / ١٤.

٣) سورة الأحقاف : ٤٦ / ١٥.

٤) في الرواية الاُخرى : الحكمة وهو صبي.

٥) اُصول الكافي ١ : ٤٩٤ / ٣ ، ومثله أيضاً ١ : ٣٨٤ / ٧ باب حالات الأئمة في السن.


ومائتين(١) .

كما أنّه عليه‌السلام يردّ على المنكرين عليه صغر سنه بشواهد قرآنية لها مصاديق من سيرة الرسول الاَعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ما نقرأه في رواية الكليني الاُخرى عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال : قال علي بن حسان لاَبي جعفر عليه‌السلام : يا سيدي ، إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك ، فقال :« وما ينكرون من ذلك ، قول الله عزَّ وجلَّ؟ لقد قال الله عزَّ وجلَّ لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلي أدعُو إلى اللهِ على بَصيرَةٍ أنا وَمَن اتَّبعَني ) (٢) فوالله ما تبعه إلاّ علي عليه‌السلام وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين » (٣) .

من خلال التأمل في الروايات التي مرَّ ذكرها يتبيّن لنا تركيز الاَئمة عليهم‌السلام على دور الاِمامة في حياة الاُمّة ، ومقارنتها بالنبوّة. وطبيعي أن تُقرن الاِمامة بالنبوة لما بينهما من سنخية واحدة ، فالاِمام عليه‌السلام إنّما يلفت نظر الناس إلى أن العمر لا مدخلية له في منصبي النبوّة والاِمامة؛ لاَنّهما منصبان يتعينان من قبل الله سبحانه وتعالى ، والله تعالى لا يختار لرسالاته إلاّ المعصوم المتحصل لجميع الكمالات ، وعليه فهو تبارك وتعالى لايتعامل مع سن المبعوث بقدر ما يتعامل مع ظروف المرحلة التي تمر بها الرسالة والاُمّة ، ومدى الحاجة إلى الشخص المختار لتدارك حالة المجتمع في مقطع زمني معين تكون الحاجة إليه هناك ماسة وضرورية.

نعم ، فالاِمام يريد أن يقول للناس : عليكم أن تنظروا للاِمام أن تتعاملوا

____________

١) اُصول الكافي ١ : ٣٨٤ / ٥.

٢) سورة يوسف : ١٢ / ١٠٨.

٣) اُصول الكافي ١ : ٣٨٤ / ٨.


مع منصب الاِمامة ، كما تنظرون إلى مقام النبوّة وتتعاملوا معها. فالاِمامة امتداد طبيعي للنبوّة ، لذلك تكتسب نفس قداستها؛ لاَنّهما ـ كما قلنا ـ من مختصات السماء ، وما ترسله السماء يجب أن يكون له قدسية خاصة ، وأنها ـ أي الاِمامة ـ « أجلّ قدراً ، وأعظم شأناً ، وأعلى مكاناً ، وأمنع جانباً ، وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالونها بآرائهم ، أو يقيموا إماماً باختيارهم »(١) .

ولما كان هذا حال الاِمامة والاِمام ، يجريان مجرى النبوة والاَنبياء ، فإنّه يجوز على الاِمام أن يتولى الاِمامة وهو ابن سنتين ـ مثلاً ـ أو أقل من ذلك أو أكثر ، كما جاز ذلك في النبوّة وهو ما عرفناه من قبل في مثال يحيى بن زكريا ، وعيسى بن مريم عليهما‌السلام .

والشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر قدس‌سره في محاضرته التي أشرنا إليها قبل قليل يلفت النظر إلى أنّه لو تم دراسة ظاهرة إمامة الجواد عليه‌السلام بقانون حساب الاحتمالات لتبيّن : (أنّها وحدها كافية للاقتناع بحقانية هذا الخط الذي كان يمثله الاِمام الجواد عليه‌السلام ). وهو طريق عقلي آخر يضاف إلى طرق إثبات الاِمامة وحصرها بأهل البيت عليهم‌السلام ، ثم يفترض السيد الشهيد قدس‌سره عدة افتراضات يمكن أن تُثار حول إمامة الاِمام الجواد عليه‌السلام ويجيب عنها منطقياً وتاريخياً ، لكنه قدس‌سره يجيب قبل طرح الافتراضات فيقول : (إذ كيف يمكن أن نفترض فرضاً آخر غير فرض الاِمامة الواقعية في شخص لا يزيد عمره عن سبع سنين ويتولّى زعامة هذه الطائفة في كلِّ المجالات الروحية والفكرية والفقهية والدينية).

____________

١) اُصول الكافي ١ : ١٩٩ / ١.



الفصل الثاني

الحالة السياسية في عصر الإمام عليه‌السلام

تميّزت الفترة الزمنية التي عاشها الاِمام الجواد عليه‌السلام بعد استشهاد والده الاِمام الرضا عليه‌السلام ؛ بهدوء سياسي نسبي ، بعد أن تمّ تصفية الحساب في وقت سابق بين الاَخوين العباسيين الاَمين والمأمون بمقتل الاَول (٢٥ محرم ١٩٨ هـ) ، وتفرّد الثاني بالسلطة السياسية ، وقد خلا له الجو من المنافس السياسي سوى الاِمام الرضا عليه‌السلام ، الذي كان يتصدّر الزعامة الروحية والاجتماعية للمجتمع الاِسلامي ، وسوى بعض الثورات والانتفاضات العلوية هنا وهناك ، والتي سرعان ما قُضي عليها بحنكة سياسية ، ودهاء ماكر ، وقوة عسكرية حاسمة ، ثم دُبّر أمر تصفية الاِمام الرضا عليه‌السلام في آخر صفر(١) سنة ٣٠٢ هـ ، بمكيدة ودهاء تامّين ، الاَمر الذي جنّب المأمون أيّ مشكلة سياسية ذات بال تواجه استقرار الحكومة.

أما اضطرابات بغداد وانفصالها عن سلطة المأمون ، ومبايعة عمّه إبراهيم

____________

١) تاريخ الطبري ٧ : ١٥٠. والشذرات الذهبية / ابن طولون : ٩٨ وفيه : آخر صفر سنة اثنتين ومئتين. وفي التنبيه والاِشراف / المسعودي : ٣٠٣ : في أول صفر؛ لكنه في إثبات الوصية : ١٨٢ ، قال : مضى ـ صلّى الله عليه ـ في سنة اثنين ومئتين من الهجرة في آخر ذي الحجة. وروي أنّه مضى في صفر ، والخبر الاَول أصح.


ابن المهدي العباسي في (٥ محرم سنة ٢٠٢ هـ) بالخلافة ، ثم مناوشاتهم وحروبهم مع ولاة دولة المأمون ، فسرعان ما أُخمدت وعادت بغداد إلى أحضان دولة الخلافة المأمونية ، بدخول المأمون مدينة السلام على رأس جيش خراساني لجب في ١٨ صفر سنة ٢٠٤ هـ(١) .

وبعد استتباب الاَوضاع السياسية في بغداد ، واستقرار شؤون الدولة في العاصمة الجديدة (بغداد) ، من بناء القصور الملكية والدواوين (الوزارات) ، والمراكز الاَمنية وغيرها ، تتناهى إلى سمع المأمون أخبار أبي جعفر ابن الرضا عليه‌السلام واحتفاء الناس به ، وظهور كراماته ومعجزاته ..

فيتأمل المأمون ـ وهو السياسي المحنّك والخبير ـ في الاَمر ملياً ، ويرسل خلف الاِمام ابن الرضا عليه‌السلام يستدعيه من المدينة إلى بغداد في تلك السنة. وفي تقديرنا أن التحرك السياسي للاِمام الجواد عليه‌السلام يبتدئ من السنة التالية (٢٠٥ هـ) التي وصل فيها إلى بغداد بعد أن أدّى نسك الحج ، وعاد إلى المدينة ليجمع أهل بيته وعمومته من الهاشميين وخدمه؛ لمرافقته إلى عاصمة الدولة لاِجابة (المأمون) طلبه ، وكان له عليه‌السلام أول لقاء مع المأمون العباسي في التاريخ المذكور ، ومن ذلك الوقت يبدأ المسلسل التاريخي الحافل السياسي ، والاجتماعي ، والعلمي لحياة جواد الاَئمة عليهم‌السلام .

بعد هذه التقدمة الموجزة ندخل إلى رحاب الحياة السياسية للاِمام الجواد عليه‌السلام ، باستشفاف بعض ملامح موقف السلطة العباسية تجاه الاِمام عليه‌السلام من جهة ، وتجاه الشيعة عموماً من جهة اُخرى.

____________

١) راجع : التنبيه والإشراف / المسعودي : ٣٠٢ ـ ٣٠٤.


الموقف السياسي بعد شهادة الاِمام الرضا عليه‌السلام :

كانت الفترة بين (رمضان ٢٠١ ـ صفر ٢٠٣ هـ)(١) التي تقلّد فيها الاِمام الرضا عليه‌السلام ولاية العهد سنيّ هدوء نسبي إلاّ ما كان من اضطراب الاَمور في بغداد حنقاً على المأمون ؛ لمقتل محمد الاَمين أولاً؛ ولتوليته العهد من بعده للرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ظناً منهم أن الخلافة ستخرج من بني العباس إلى آل أبي طالب ، لكن تبيّن بعد ذلك أن المأمون كان يفكر غير ماكانوا يستعجلون تفكيره.

وأما السنوات القلائل التي أعقبت استشهاد الاِمام الرضا عليه‌السلام فكانت هي الاُخرى مشحونة بالحذر والترقب من قبل الشيعة عموماً والبيت الهاشمي خصوصاً؛ للسياسة التي اتخذها المأمون في تقريب الاِمام الجواد عليه‌السلام وإنزاله تلك المنزلة منه ، وهذا الترقب والحذر راجع إلى عدة أمور لعلّ من أهمها ما نوجزه بالنقاط التالية :

١ ـ شغف المأمون بأبي جعفر عليه‌السلام بعد أن استدعاه من المدينة المنورة إلى بغداد؛ لما رأى من غزارة علمه وهو لم يبلغ الحلم بعد ، ولم يحضر عند أحد للتلمّذ والدراسة ، ثم إنّ صغر السن وامتلاك علوم جمة والجلوس للمناظرة والحجاج مع كبار الفقهاء هي ظاهرة فريدة وغريبة في دنيا الاِسلام

____________

١) هناك نصّ نقله النجاشي في رجاله : ٢٧٧ رقم ٧٢٧. وشيخ الطائفة الطوسي في أماليه : ٣٥٩ / ٧٤٩ يشير إلى أنّ الاِمام الرضا عليه‌السلام كان في خراسان سنة (١٩٨ هـ) ، حيث يروي أبو الحسن علي أخو دعبل الخزاعي أنّه ودعبل رحلا إلى الاِمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام والتقياه في تلك السنة ، وحدّثهما إملاءً في رجب من ذلك العام ، وأقاما عنده إلى آخر سنة (٢٠٠ هـ). ثم خرجا من عنده متوجهين صوب قم حيث أشار الاِمام عليه‌السلام إليهما أن يصيرا إليها وهما في طريق عودتهما إلى واسط ، بعد أن خلع عليهما وزودهما وأعطاهما من الدراهم الرضوية ما يعينهما.


يومذاك ، تجلب الانتباه وتأخذ بالعقول وتستهويها؛ لهذا فقد أبقاه عنده فترة طويلة.

٢ ـ المأمون ، ولاَجل رفع أصابع الاتّهام عنه باغتيال الاِمام الرضا عليه‌السلام ، أراد أن يثبت ظاهرياً للعوام والخواص حبه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من خلال بقائه على ولاء وحب البيت العلوي؛ لذلك أظهر اهتماماً زائداً ، وتكريماً متميزاً للاِمام الجواد عليه‌السلام ، بل وأقرّ له ما كان يعطي أباه الرضا عليه‌السلام من عطاء وزيادة ، فبلغ عطاؤه ألف ألف درهمٍ سنوياً(١) .

٣ ـ تزويجه إياه من ابنته (زينب) المكناة بأم الفضل ، واسكانه قصور السلطنة.

٤ ـ توليته بعد وروده بغداد عام (٢٠٤ هـ) عبيدالله بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام مكة والمدينة. وبقي على ولايتهما حتى أواخر عام (٢٠٦ هـ).

٥ ـ أمره ولاة الاَقاليم والخطباء بإظهار فضائل الاِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام على المنابر في جميع المناسبات.

٦ ـ تبنّيه مذهب الاعتزال وإظهار القول بخلق القرآن في ربيع الاَول سنة (٢١٢ هـ) ، وكان الدافع من وراء ذلك ـ على ما يظهر لنا ـ سياسياً ، لاَجل تصفية بعض الخصوم وإبعاد البعض الآخر ، وإجبار بعض الفقهاء ، خارج المدار السلطاني ، الدخول في فلك البلاط؛ لتمرير بعض المآرب السياسية في مرحلة لاحقة. ثم لعلّه أراد من إظهار هذا الحق باطلاً كان يختبئ في

____________

١) مرآة الجنان / اليافعي ٢ : ٨٠.


مطاوي نفسه التي لم تُعرف نواياها الحقيقية ، فماتت معه بموته.

كما أراد صرف الناس عن التوجه إلى أهل البيت عليهم‌السلام والتمسك بمنهجهم القويم.

بهذا الدهاء السياسي استطاع المأمون العباسي سحب البساط من تحت أرجل شيعة أهل البيت عليهم‌السلام عموماً ، والطالبيين بشكل أخص ، وفوّت عليهم فرصة أي ثورة أو انتفاضة ضد حكومته. وبذلك تمكن من أن يأمن هذا الجانب ـ وإن كان على حذر ووجل إلى فترة غير قليلة ـ استطاع خلالها ترتيب البيت العباسي ، واستحكام أمر الخلافة. ولم يكن المأمون مستعجلاً هذه المرة مع الاِمام الجواد عليه‌السلام الصبي الصغير ثم الشاب اليافع ، بشأن تصفية وجوده ، لما يشكّله عليه‌السلام من خطر على مستقبل الخلافة والوجود العباسي ككل.

ولقد انعكس ذلك الهدوء السياسي النسبي الذي أعقب تولي الاِمام الرضا عليه‌السلام عهد المأمون له بالخلافة من بعده ، على امتداد فترة إمامة أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، إلاّ ما كان من ثورة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام في اليمن سنة (٢٠٧ هـ).

كان هذا مجمل الوضع السياسي بُعيد استشهاد الاِمام الرضا عليه‌السلام ، وتسنّم الاِمام الجواد عليه‌السلام منصب الاِمامة ، واظهاره لها وهو حدث صغير ، الاَمر الذي جعل الاَنظار تتجه نحوه ، وتصطكّ عنده رُكَبُ العلماء ، وتُثنى أمامه هيبةً وإذعاناً لعلمه.

ثم ما كان من أحداث (قم) سنة (٢١٠ هـ). وفي سنة (٢١٤ هـ) كانت حركة جعفر بن داود القمي في مصر. وسنأتي على تفصيل هذه الثورات


والحركات في خاتمة هذا الفصل إن شاء الله.

وفي مطلع سنة (٢١٥ هـ) كان خروج المأمون لغزو الروم ، ماراً بتكريت سالكاً طريق الموصل ـ نصيبين على ما يبدو. وقد طال أمد حروبه نسبياً مع الروم فاستمرت حتى وفاته في عام (٢١٨ هـ)(١) تخللتها فترات هدنة عاد فيها إلى الشام.

ولعلّ آخر حدث في حياة الاِمام الجواد عليه‌السلام كان خروج محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام في الطالقان من بلاد خراسان عام (٢١٩ هـ) يدعو للرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

القول بخلق القرآن :

في ربيع الاَول من عام (٢١٢ هـ) أظهر المأمون لاَول مرة القول بخلق القرآن الكريم ، وتفضيل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأنّه أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم بعد فترة أصدر (مرسوماً) ملوكياً وعممه على كافة ولايات الامبراطورية الاِسلامية يدعو فيه القضاة والمحدِّثين للقول بخلق القرآن ، وإلاّ رُدّت شهاداتهم ، وأمر بإشخاص جماعة منهم إليه ، وكان يومها في الرقة.

أما السبب الذي قاد إلى أطروحة خلق القرآن هو أن بعض المثقفين والعلماء الذين لم يكونوا ميالين إلى السلطة السياسية ، ولم يستطيعوا خوض نضال سياسي واجتماعي مكشوف مع السلطة خوفاً على استمرارية وجودهم في الحياة ، لِمَا تميّز به الدور الاَموي من طابع قمعي استبدادي.

____________

١) تاريخ الطبري ٧ : ١٨٩ ـ ١٩٠.


فقد انتحلوا مذهب الاعتزال الذي أخذ بدوره يطوّر الفلسفة الاِسلامية عن طريق علم الكلام الذي يغلب عليه الطابع السجالي العقلي الحر ، واعتماده الجدل المنطقي ، والقياس في مناقشة القضايا الكلامية. ثم كان من مقولاتهم : المنزلة بين المنزلتين ، وحرية الاختيار (التفويض) ، وأخيراً خلق القرآن.

وبوصول نوبة الخلافة إلى المأمون ودعمه مذهب الاعتزال ، حدا به الموقف (السياسي ـ العقيدي) إلى اتّباع وسائل إدارية قسرية لفرض وإشاعة هذا المذهب ، حتى بلغ الاَمر أن أصدر مرسومه السلطاني ـ فيما بعد ـ بعدم تقليد منصب القضاء لغير معتنقي مذهب الاعتزال والقائلين بخلق القرآن.

هذه الاَطروحة الفكرية العقائدية التي كان يُراد منها تصفية بعض المناوئين للسلطة العباسية ، أضحت سياسة رسمية للدولة أيام حكم المأمون والمعتصم والواثق ، يُعاقَب من لم يقل بها ويتّخذها مبدأً له. وفعلاً فقد شكّل هذا المقطع الزمني (محنة) بالنسبة لغير (فقهاء السلطان). فقد وجدوا أنفسهم في مواجهة تحول الفكر والمعتقد إلى مؤسسة من مؤسسات السلطة التي أخذت تلوّح بعصا الايديولوجية؛ لسحق المعارضة السياسية ، وضرب المعارضة الفكرية في آن واحد.

والتأريخ لم يحدثنا عن موقف للاِمام الجواد عليه‌السلام من هذه القضية التي كانت مثار جدل ونقاش سنين عديدة.

الاِمام والسلطة :

قبل الحديث عن علاقة الاِمام أبي جعفر الثاني عليه‌السلام بالسلطة العباسية ،


والمأمون العباسي رأس السلطة بالخصوص ، ثم ما تمخض عن تلك العلاقة من إرهاصات ، لابدّ من إلقاء الضوء على بعض المقدمات التي استرعت انتباه السلطة الحاكمة ، وجعلتها تولي قضية الاِمام الجواد عليه‌السلام أهمية خاصة ، سيّما وأن إمامته عليه‌السلام وهو بهذه السن غير المعهودة من قبل ، قد طار صيتها في الآفاق ، وأخذت تجتذب إليها القلوب ، وتستهوي جماهير الاُمّة الاِسلامية ، وراح حديث خلافة أبي جعفر لاَبيه الرضا عليهما‌السلام في منصب الاِمامة ، ونبوغه العلمي وهو في هذا السن المبكر يسري شيئاً فشيئاً إلى مختلف أقطار الدولة الاِسلامية ، بعد أن أصبح حديث عامة الناس وشغلهم في مكة والمدينة.

ومرة اُخرى اختلفت كلمة الشيعة بعد استشهاد الاِمام الرضا عليه‌السلام ، ووقعوا في حيرة من أمر الاِمامة؛ لاستصغار بعضهم سنّ أبي جعفر عليه‌السلام ، رغم أن الرضا عليه‌السلام طالما أكّد لشيعته وأصحابه حال حياته بصريح العبارة ، وأبو جعفر لم يتجاوز الثلاث سنوات ، بأنّه إمامهم ومولاهم من بعده ، وقد مرّت الاِشارة إلى تلك الاَحاديث في النص على إمامته عليه‌السلام من الفصل الاَول. ولكن وبعد استشهاد الاِمام الرضا عليه‌السلام تحيرت الشيعة واضطرب أمرهم في كلِّ الاَمصار ، ففي بغداد مثلاً (اجتمع الريان بن الصلت ، وصفوان ابن يحيى ، ومحمد بن حكيم ، وعبدالرحمن بن الحجاج ، ويونس بن عبدالرحمن وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبدالرحمن بن الحجاج في (بركة زلزل) يبكون ويتوجعون من المصيبة.

فقال لهم يونس بن عبدالرحمن : دعو البكاء ، من لهذا الاَمر ، وإلى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا الصبي؟ يعني أبا جعفر عليه‌السلام ، وكان له ست


سنين وشهور(١) . ثم قال : أنا ومَن مثلي!

فقام إليه الريّان بن الصلت فوضع يده في حلقه ، ولم يزل يلطمه ويقول له : أنت تظهر الاِيمان لنا وتبطن الشكّ والشرك ، : إن كان أمره من الله جلّ وعلا ، فلو أنّه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه ، وإن لم يكن من عند الله فلو عمّر ألف سنة فهو واحد من الناس ، هذا مما ينبغي أن يفكّر فيه. فأقبلت العصابة عليه (يونس بن عبدالرحمن) تعذله وتوبّخه.

وكان وقت الموسم ، فاجتمع من فقهاء بغداد والاَمصار وعلمائهم ثمانون رجلاً ، فخرجوا إلى الحج ، وقصدوا المدينة؛ ليشاهدوا أبا جعفر عليه‌السلام فلمّا وافوا ، أتوا دار الاِمام جعفر الصادق عليه‌السلام ؛ لاَنّها كانت فارغة ، ودخلوها وجلسوا على بساط كبير ، وخرج إليهم عبدالله بن موسى ، فجلس في صدر المجلس ، وقام منادٍ وقال : هذا ابن رسول الله ، فمن أراد السؤال فليسأله.

فقام إليه رجل من القوم فقال له : ما تقول في رجل قال لامرأته أنتِ طالق عدد نجوم السماء؟ قال : طلقت ثلاث دون الجوزاء. ثم قام إليه رجل آخر فقال : ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ قال : تقطع يده ، ويجلد مئة جلدة ، ويُنفى.

فورد على الشيعة ما حيّرهم وغمّهم ، واضطربت الفقهاء وقاموا وهمّوا بالانصراف ، وقالوا في أنفسهم : لو كان أبو جعفر عليه‌السلام يكمل لجواب المسائل لما كان من عبدالله ما كان ، ومن الجواب بغير الواجب ، فهم في ذلك إذ فُتح باب من صدر المجلس ، ودخل (موفق) وقال : هذا أبو جعفر ، فقاموا إليه بأجمعهم واستقبلوه وسلّموا عليه ، فدخل عليه‌السلام وعليه قميصان ،

____________

١) بناءً على هذه الرواية نستظهر أن شهادة الاِمام الرضا عليه‌السلام كانت سنة (٢٠٢ هـ).


وعمامة بذؤابتين إحداهما من قدّام والاُخرى من خلف ، ونعل بقبالين(١) ، فجلس وأمسك الناس كلّهم ، ثم قام صاحب المسألة الاُولى ، فقال : يابن رسول الله ، ما تقول فيمن قال لامرأته أنتِ طالق عدد نجوم السماء؟

فقال له :« يا هذا اقرأ كتاب الله ، قال الله تبارك وتعالى : ( الطلاقُ مرَّتانِ فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريح بإحسانٍ ) (٢) في الثالثة » . قال : فإن عمّك أفتاني بكيت وكيت. فقال :« يا عم اتّق الله ولا تفتِ وفي الاُمّة من هو أعلم منك » .

فقام إليه صاحب المسألة الثانية ، فقال له : يا بن رسول الله ، ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ فقال :« يُعزّر ، ويُحمى ظهر البهيمة ، وتُخرج من البلد حتى لا يبقى على الرجل عارها » . فقال : إنّ عمّك أفتاني بكيت وكيت. فالتفت وقال بأعلى صوته :« لا إله إلاّ الله ، يا عبدالله! إنّه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يدي الله فيقول لك ، لم أفتيت عبادي بما لا تعلم وفي الاُمّة من هو أعلم منك؟ » .

فقال عبدالله بن موسى : رأيت أخي الرضا وقد أجاب في هذه المسألة بهذا الجواب.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام :« إنّما سُئل الرضا عن نبّاش نبش قبر امرأة ففجر بها ، وأخذ ثيابها ، فأمر بقطعه للسرقة ، وجلده للزنا ، ونفيه للمثلة » . ففرح القوم ، ودعوا له وأثنوا عليه)(٣) .

____________

١) القِبال : سير من الجلد طويل يربط على الرجل لشدّ النعال.

٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٢٩.

٣) النص أخذناه عن عيون المعجزات : ١٢٢ ـ ١٢٣. وعنه بحار الاَنوار ٥٠ : ٩٩ / ١٢. والزيادات فيه


نعم ، فرح القوم لِمَا عرفوا من أن الاِمامة حقاً متعيّنة في هذا الفتى المستوعب للفقه الحاضر الجواب العارف بإجابة أبيه ، وقد تركه أبوه طفلاً صغيراً في الخامسة من عمره ..

وجاء في العديد من المصادر أن القوم سألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة(١) ، ووجدنا أن البعض أخذ يلتمس وجوهاً لتبرير عدم معقولية مثل هذا العدد الهائل من المسائل في مجلس واحد(٢) . وهو أمر غير معقول طبعاً ، اللهمّ إلاّ أن يستمر انعقاد المجلس لعدة أيام أو يُخفّض العدد إلى الثلاثين. والمرجّح ـ وإلى هذا الرأي ذهب آخرون ـ أن (الألف) زيادة من النسّاخ ، فإنّ الفيض الكاشاني؛ نقل الخبر في المحجة البيضاء وليس فيه كلمة (ألف)(٣) .

من ثمّ ـ وبعد استتباب الاَوضاع الاَمنية داخلياً ـ بدأ يتناهى إلى سمع الدولة في بغداد ، احتفاء الناس بالاِمام وانبهارهم بعلومه على صغر سنه. ونظراً لاَنّ اللعبة السياسية لم تنته بعد. فبغياب نجم الاِمام الرضا عليه‌السلام ، برز نجم آخر لمع في دنيا الاِسلام ، أخذ يستقطب إليه الاُمّة شيئاً فشيئاً بجاذبية يندر وجودها في أكابر الشخصيات العلمية أو السياسية.

إذن فمشكلة الاِمامة ـ بالنسبة للسلطة العباسية ـ واستقطاب جماهير

____________

أوردناها عن رواية الطبري في دلائل الاِمامة : ٣٨٨ ـ ٣٩٠. وراجع : اختصاص الشيخ المفيد : ١٠٢ طبع قم. ومناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٢ ـ ٣٨٣.

١) اُصول الكافي ١ : ٤٩٦ / ٧.

٢) راجع : بحار الاَنوار ٥٠ : ٩٣.

٣) راجع : المحجة البيضاء ٤ : ٣٠٦؛ لكنه في كتاب الوافي ٣ : ٨٣٠ / ١٤٤٠ أورد الخبر نفسه عن اُصول الكافي وفيه ثلاثون ألف مسألة ولم يعلّق عليه.


الاُمّة لم تزل قائمة إلى الآن ، وفصول المسلسل (الدرامي) الذي لم ينته بانتهاء الاِمام الرضا عليه‌السلام يجب أن يُعالج هذه المرة بأُسلوب أهدأ وطريقة طبيعية تُسقط الاِمام والاِمامة من أعين الناس ، دون استخدام العنف أو التصفية الجسدية ..

فلقد سعى المأمون الداهية المتآمر ، وهو أعظم خلفاء بني العباس خطراً وأكثرهم علماً وأبعدهم نظراً وأشدهم مكراً وأخفاهم مكيدة سعى هو وحاشيته إلى الالتفاف على الاِمام أبي جعفر عليه‌السلام بالمكر والتحايل؛ لقتله وهو ما يزال حيّاً ، وذلك بإسقاطه في أعين الناس ، وكذا فعل المعتصم. ففي إحدى المرات وصل بهم خبث السريرة إلى أنهم أرادوا إيثاق الاِمام وسقيه خمراً إلى حدِّ الاِسكار ، ثم إخراجه إلى الناس على تلك الحالة مضمّخاً بخلوق الملوك. لكنّ كيدهم لم يتم بإذن الله تعالى ، إذ منعهم المأمون من ذلك قبل تنفيذ خطتهم ، حيث خاف عواقب هذا الفعل الشنيع ، قائلاً لهم : لا تؤذوا أبا جعفر(١) .

كما احتال المأمون على أبي جعفر عليه‌السلام بكل حيلة فلم يمكنه فيه شيء ، فلمّا اعتل وأراد أن يزفّ إليه ابنته ، قال محمد بن الريّان : (دفع إلى مئة)(٢) وصيفة من أجمل ما يكون ، إلى كل واحدة منهنّ جاماً فيه جوهر يستقبلن أبا جعفر عليه‌السلام إذا قعد في موضع الاَختان. فلم يلتفت إليهنّ ، وكان رجل يقال له« مخارق » صاحب صوت وعود وضرب ، طويل اللحية ، فدعاه المأمون. فقال : يا أمير المؤمنين إن كان في شيء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره ، فقعد

____________

١) راجع : اختيار معرفة الرجال : ٥٦٠ / ١٠٥٨ ترجمة محمد بن أحمد بن حماد المحمودي.

٢) في الكافي : مئتي. وما أثبتناه عن ابن شهرآشوب والعلاّمة المجلسي.


بين يدي أبي جعفر عليه‌السلام ، فشهق مخارق شهقة اجتمع عليه أهل الدار ، وجعل يضرب بعوده ويغني ، فلما فعل ساعة وإذا أبوجعفر لايلتفت إليه لا يميناً ولا شمالاً ، ثم رفع رأسه وقال :« اتقِ الله ياذا العثنون! » ، قال : فسقط المضراب من يده والعود فلم ينتفع بيديه إلى أن مات ، قال : فسأله المأمون عن حاله ، قال : لمّا صاح بي أبو جعفر ، فزعت فزعة لا أفيق منها أبداً)(١) .

وعلى كلِّ حال ، فقد أرسل المأمون إلى محمد بن عبدالملك الزيات يوصيه بحمل أبي جعفر من المدينة إلى بغداد على أحسن محمل ، وأن لا يُعجّل بهم السير ، ويريحهم في المنازل. فيكلف ابن الزيات الحسن بن علي بن يقطين؛ لمنزلته ومنزلة أبيه من الاَئمة عليهم‌السلام والخلفاء والاَمراء معاً. بأن يرافق أبا جعفر وأهله وعياله في سفرهم.

ويظعن الرحل مودعاً المدينة المنورة ، متجهاً صوب بغداد. وينسى الخليفة أو يتناسى قدوم الوفد المدني ، فلقد ألهته ليالي الاُنس وأيام الصيد ، السؤال عن القادمين من المدينة أو أنّه فعلاً تناسى أمرهم ، وهي عادة الملوك في استصغار من سواهم ، وأراد أن يلتقي بأبي جعفر بشكل غير علني ، إمّا حياءً من البيت الهاشمي لما أحلّه بأبيهم الرضا عليه‌السلام قبل عهد قريب ، وإمّا أنفة واستعلاءً منه ـ وهو أميرالمؤمنين المسيطر على الآفاق شرقاً وغرباً ـ أن يلتقي بحدث صغير لم يبلغ الحلم. فلم يكن المأمون قد وقف بعد على علم الاِمام الجواد عليه‌السلام ونبوغه المذهل. أو إنّه لم يكن هذا ولا ذاك ، إنّما أراد أن يستريح القادمون لبضعة أيام من وعثاء السفر ، ثم يستدعي إليه التقي عليه‌السلام ليتعرّف أخباره.

____________

١) اُصول الكافي ١ : ٤٩٤ / ٤. وعنه مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٩٦.


وذكرت الاَخبار أن المأمون خرج يوماً في نزهة للصيد ، فاجتاز بطرق البلد. ولعلّه كان قاصداً لاختيار هذا الطريق ، فقد علم قبل ذلك أين نزل الوافدون وعلم أيضاً من هم؟!

وهكذا كان فقد تم (اللقاء الاَول) في الطريق على ما ينقله المؤرخون ، ويمكن أن يكون الاِمام الجواد عليه‌السلام هو الذي سعى لاَن يلتقيه المأمون في هذا المكان. فلسان الرواية يقول : اجتاز ـ المأمون ـ بطرف البلد ، وثمّ صبيان يلعبون ، ومحمد الجواد عليه‌السلام واقف عندهم فالاِمام عليه‌السلام ليس من شأنه الوقوف على قارعة الطريق أو التفرج على ملاعب الصبيان لقضاء الوقت ، ولا عُرف عن الاَئمة أنهم كانوا يلعبون ويلهون في الطرقات مع أقرانهم في أيام طفولتهم ، فهم أجلّ وأسمى من أن يصرفوا أوقاتهم في اللعب أو اللهو؛ لاَنّ الاِمام عليه‌السلام متعين عليه هداية الاُمّة وبنائها فكرياً واجتماعياً ، وقيادتها نحو إرساء قواعد الشريعة بما يحقق حكومة الله في الاَرض.

فالاِمام عليه‌السلام لا يلهو ولا يلعب(١) قط منذ طفولته ، فقد روي عن علي بن حسان الواسطي أنّه كان ممن خرج مع الجماعة(٢) ، وهم ثمانون عالماً

____________

١) وردت أحاديث كثيرة في هذا الشأن منها ، ما رواه الكليني بسنده عن الاِمام الباقر عليه‌السلام في معرض بيانه علائم الاِمام المعصوم فقال :« طهارة الولادة ، وحسن المنشأ ، ولا يلهو ولا يلعب ».

وروى صفوان الجمّال عن الاِمام الصادق عليه‌السلام في صفات الاِمام ، فقال عليه‌السلام : «صاحب هذا الاَمر لا يلهو ولا يلعب ».

وما تعرّض له أمير المؤمنين علي عليه‌السلام من خصائص وعلامات الاِمام المعصوم ، فقال : « والإمام المستحق للاِمامة له علامات فمنها : أن يعلم أنّه معصوم من الذنوب كلّها صغيرها وكبيرها ، لا يزلّ في الفتيا ، ولا يخطئ في الجواب ، ولا يسهو ، ولا ينسى ، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا ». راجع : مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣١٧. وبحار الاَنوار ٢٥ : ١٦٤.

٢) إثبات الوصية : ١٨٨. ودلائل الاِمامة : ٤٠٢ / ٣٦٠.


اجتمعوا في موسم عام (٢٠٣ هـ) من مختلف الاَقطار ، والتقوا في المدينة المنورة لمعرفة من هو المتعين للاِمامة بعد شهادة الاِمام الرضا عليه‌السلام .

قال علي بن حسان : حملت معي إليه عليه‌السلام من الآلة التي للصبيان ، بعضها من فضة ، وقلت : أُتحف مولاي أبا جعفر بها. فلما تفرّق الناس عنه بعد جواب الجميع قام فمضى إلى صريّا واتّبعته ، فلقيت موفقاً ، فقلت : استأذن لي على أبي جعفر ، فدخلتُ فسلّمت ، فردّ عليَّ السلام وفي وجهه كراهة ، ولم يأمرني بالجلوس ، فدنوت منه وفرّغت ما كان في كمي بين يديه ، فنظر إليَّ نظر مغضب ، ثم رمى يميناً وشمالاً ، ثم قال :« ما لهذا خلقني الله ، ما أنا واللعب؟! » فاستعفيته ، فعفا عني ، فأخذتها وخرجت(١) .

إذن ، يبدو أن الاِمام أبا جعفر عليه‌السلام استغل فرصة خروج المأمون ومروره بالقرب من منازلهم ، فوقف بإزاء صبيان يلعبون في الطريق؛ ليتم هنالك اللقاء وخبر هذا اللقاء ينقله لنا ابن شهر آشوب ، وابن الصباغ المالكي ، والمحدّث الشيخ عباس القمي ، وغيرهم. ونحن ننقل نصّ رواية ابن شهرآشوب حيث قال : اجتاز المأمون بابن الرضا عليه‌السلام وهو بين صبيان يلعبون ، فهربوا سواه ، فقال : عليّ به ، فقال له : مالك ما هربت في جملة الصبيان؟ قال عليه‌السلام : « مالي ذنب فأفرّ ، ولا الطريق ضيّق فأوسعه عليك ، تمرّ من حيث شئت ، فقال : من تكون؟

قال : أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام .

فقال : ما تعرف من العلوم؟ قال: سلني عن أخبار السموات » . فودّعه

____________

١) المصدر السابق نفسه.


ومضى ، وعلى يده باز أشهب يطلب به الصيد. فلما بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه وشماله لم ير صيداً ، والباز يثب عن يده ، فأرسله وطار يطلب الاَفق حتى غاب عن ناظره ساعة ثم عاد إليه وقد صاد حية ، فوضع الحية في بيت الطعم ، وقال لاَصحابه : قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي ، ثم عاد وابن الرضا في جملة الصبيان.

فقال : ما عندك من أخبار السموات؟

فقال :« نعم يا أمير المؤمنين ، حدثني أبي ، عن آبائه ، عن النبي ، عن جبرئيل ، عن ربِّ العالمين ، أنّه قال : بين السماء والهواء بحر عجاج يتلاطم به الاَمواج ، فيه حيّات خضر البطون ، رقط الظهور ، ويصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء » .

فقال : صدقت ، وصدق آباؤك ، وصدق جدّك ، وصدق ربك. فأركبه ثم زوّجه أُمّ الفضل(١) .

بعد ذلك اللقاء والحوار الحاسمين أدرك المأمون عظمة هذا الصبي ، وبُعد شأوه فاصطحبه معه إلى قصوره حيث الرفاه ونعومة العيش وطراوة الحياة باستبرقها وجواريها وقيانها لكن الخليفة علم أن الصبي لا تستهويه فخامة الخدمة ، وأبّهة الملوك كثيراً ، ولم يسترع انتباهه الجمال الفاتن لحظة فقرر ـ وفي مناورة سياسية حاذقة ـ اصطياد ثلاثة في رمية واحدة ، ورميته هي أن يزوجه من ابنته الجميلة الصغيرة (زينب) المكناة بأم الفضل ،

____________

١) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩. أما رواية ابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٥٢ ، والشيخ المحدِّث القمي في منتهى الآمال ٢ : ٥٢٧ ـ ٥٢٨ عن مستدرك العوالم ٢٣ : ٥٢٢. وبحار الاَنوار ٥٠ : ٥٦ فهي تختلف عن هذه في بعض أحداثها ، فراجع.


ولا فضل لها. خاصة وهي مسمّاة له منذ سنوات خمس. أمّا صيده الذي توخّى إصابته ، فقد حسب :

أولاً : أنه سيصرف الاِمام الصبي اليافع إلى ملاذ الحياة ، وتنتشي نفسه بقرب النساء ، وسوف يشغفن قلبه شيئاً فشيئاً فيصبو إليهنّ.

وثانياً : أراد أن يجعل من ابنته وخدمها رقيباً دائمياً على كلِّ حركة للاِمام ، وعلى من يتصل به من الشيعة ، ثم إنه أسكنه بالقرب منه كي يحدّ من اتصال الناس به؛ لاَنّ القصور الملكية لا يتيسر لكلِّ أحد أن يدخلها ، ولا دخولها بالاَمر اليسير.

والهدف الاَخير الذي حاول إصابته هو أن يجعل من نفسه قريباً من البيت العلوي ، فهو عمّ ولدهم الاِمام الجواد عليه‌السلام اليوم ، والاَب الاَكبر (جدٌّ) لصبيهم غداً الذي هو ابن رسول الله ، وهذا مكسب سياسي واجتماعي مهم جداً. وفيما لو أصابت رمياته الثلاث هذه فسوف يكمّ أفواه الطالبيين ، ويقطع أي قيام أو تحرك لهم ، وهو العالم المتيقن بأنهم أحق بالخلافة من أي إنسان على هذه الاَرض.

وبناءً على تحقيق هذه الاَغراض وغيرها مما كان يدور في رأس المأمون ، خطى خطوته الاُولى وقرر من جانب واحد أن يتم الزواج والاقتران مهما يكن من أمر ، ورغم كل المعترضين ، ولا موافق لهذا الزواج سواه.

ثم يأتي دور المعتصم الذي لم يكن أرأف بالاِمام خاصة ، والعلويين عامّة من أخيه المأمون ، فقد احتال هو الآخر على الاِمام الجواد عليه‌السلام للوقيعة به ، وإيجاد مبرّر لسجنه ثم قتله ، بأن اتهمه بجمع السلاح ، وأنّه يريد الثورة


عليه ، وأشهد بذلك عليه شاهدين حلفا زوراً وكذباً أنّهما رأيا السلاح يُجمع. لكنّ الاِمام عليه‌السلام تخلّص من هذا الموقف بأن أراهم معجزة أرهبهم بها ، فخاف المعتصم سوء العاقبة فتركه لسبيله دون أن يتعرّض له مضمراً عليه حقداً دفيناً(١) .

أحداث الزواج ومراسيم عقد القران :

عند مطالعة تاريخ الاِمام الجواد عليه‌السلام تشعر أن أحداثه مقتضبة يشوبها الغموض في العديد من جنباته ومنعطفاته الحساسة ، كما يراودك إحساس بأن هناك أموراً وأحداثاً قد خفيت من صفحة التاريخ ، أو أنّها أخفيت تعمداً وحسداً وحقداً طوراً ، وخوفاً من سياط السلطان وبطشه طوراً آخر.

أحدها هو حدث زواج الاِمام ، وهو المنعطف المهم والخطير بالنسبة للبيتين العلوي والعباسي ، لم يؤرَّخ بدقة وتفصيل بحيث يقف القارئ ـ من خلال مطالعته ـ على حقائق هذه المرحلة المهمة من حياة الاِمام المباركة أو على الاَقل أن يلمّ ببعض تلك الحقائق التي بقيت خفية حبيسة الكتمان؛ لاَنّ الحياة القصيرة للاِمام أبي جعفر عليه‌السلام لم تكن طبيعية أبداً في مختلف مقاطعها الزمنية.

وعلى أي حال ، فمن خلال استقراء مراجع ومصادر ترجمة الاِمام الجواد عليه‌السلام الخاصة والعامّة نستظهر أن الزواج تمّ على ثلاث مراحل (التسمية ، عقد القران ، الزواج) ، وكل واحدة تمت في فترة زمنية متباعدة نسبياً عن الاُخرى.

____________

١) راجع : بحار الاَنوار ٥٠ : ٤٥ / ١٨.


ففي عام (٢٠١ هـ) وفي مراسم تنصيب الاِمام الرضا عليه‌السلام لولاية العهد ـ في رمضان ـ وتكريماً للاِمام ظاهرياً ، فقد عقد له المأمون على ابنته ، وقيل : اخته أم حبيبة في نفس تلك الليلة ، وسمّى ابنته الصغيرة الاُخرى لاَبي جعفر أيضاً زيادة في التكريم والاجلال؛ لكنّه كان يضمر وراء هذا الزواج دوافع سياسية واجتماعية عديدة.

أما عقد القران الفخم والمجلّل والذي تحدّث عنه أغلب الرواة والمؤرخين على أنّه حدث الزواج ، فقد كان في عام (٢٠٥ هـ) بعد قدوم الاِمام من المدينة إلى بغداد للمرة الاُولى ، وكان يومها ابن تسع سنين ونصف السنة أو نحوها ، واستمر الحفل ليومين. صرف خلاله المأمون على ابنته ملايين الدراهم وزعها بدراً وإقطاعات وجواهراً وثياباً على قواده ووزرائه وحاشيته ومدعوّيه(١) .

أما عن حدث الزواج الذي لم يكن اختيارياً ، بل يظهر من القرائن أنّ الاِمام الجواد عليه‌السلام كان مجبراً على القدوم إلى بغداد ثانية مع زوجه أم الفضل؛ للدخول بها بأمر من أبيها ، رغم استعدادات المأمون الهائلة للخروج إلى حرب الروم.

وفعلاً فقد كانت طلائع جيشه قد خرجت أمامه تغذ الخطى نحو بلاد الروم ، ويتبعها المأمون صاعداً مع دجلة بكتائبه الخاصة حتى إذا عسكر بتكريت ، قدم عليه الاِمام الجواد عليه‌السلام في صفر من عام (٢١٥ هـ) والتقاه بها ،

____________

١) الإرشاد ٢ : ٢٨١. وتحف العقول : ٤٥١. ومناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب ٤ : ٣٨١. وإعلام الورى : ٣٥١. والاختصاص : ٩٨. وروضة الواعظين : ٢٣٨. والاِتحاف بحب الاَشراف / الشبراوي : ١٧١. والصواعق المحرقة : ٢٠٤. والفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : ٢٥٣.


فأمر المأمون أبا جعفر عليه‌السلام أن يدخل بأم الفضل من فوره بعد أن هُيّئت له دار أحمد بن يوسف ـ من أعوان المأمون ـ التي على شاطئ دجلة ، فأقام بها مدة لا تقلّ عن تسعة أشهر ، فلما كان أيام الحج ، خرج بأهله وعياله حتى أتى مكة ، ثم منزله بالمدينة ، فأقام بها(١) .

كما أن قرائن أخرى تشير إلى أن هناك مشكلة زوجية كانت قائمة بين الاِمام وزوجه أم الفضل ، كان المأمون ـ على ما يبدو ـ قد وعد ابنته الشابة المراهقة على حلّها؛ لكثرة ما كانت تكتب من رسائل إلى أبيها شارحة فيها حظها العاثر(٢) ، وتفضيل الجواري والسراري عليها ، بل وكانت تدعو على أبيها على هذا الزواج غير الموفّق(٣) ؛ لاَنّها حسب الظاهر لم تكن تصلح لاَن تكون حليلة للاِمام عليه‌السلام وأُمّاً لاَولاده ، وهي كذلك بالفعل.

فقد لمس البيت المأموني الوضع الكئيب لابنتهم ، وأصبح الاَمر يقلقهم كثيراً ، بل إنّ المأمون ما زوّج ابنته من أبي جعفر عليه‌السلام إلاّ ليستولدها منه ، ويكون جدّاً لاَحد أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما يقوّي مركزه السياسي في الحكم ، كما صرّح هو بذلك حين أفصح عن أحد الدواعي التي دفعته إلى هذا التزويج ، وهو السياسي المحنّك الذي ينظر إلى مدىً أبعد مما ينظره غيره ، فقال : (إنّي أحببت أن أكون جدّاً لامرئ ولَدَه رسول الله ، وعليّ بن أبي طالب)(٤) ؛ ولهذا السبب وحده كان هذا الاستدعاء المفاجئ والعاجل ،

____________

١) تاريخ الطبري ٨ : ٦٢٣.

٢) راجع : الارشاد ٢ : ٢٨٨. ومناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٢. والفصول المهمة : ٢٧٠. وبحار الاَنوار ٥٠ : ٧٩ / ٥.

٣) مشارق أنوار اليقين / الحافظ البرسي : ٩٨.

٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٥٤ ، الطبعة السادسة ـ دار صادر ـ بيروت ١٤١٥ هـ.


والمثول بين يدي المأمون ثم (الأمر) بالدخول بالفتاة. ولا ريب أن الاِمام كان عارفاً بالنوايا؛ لذا فقد كان يُفشل خططهم بطرقه الخاصة وهم لا يشعرون.

وهنا نشير إلى ما أورده محمد بن جرير بن رستم الطبري الاِمامي في (دلائل الاِمامة) بقوله : (ومكث أبو جعفر مستخفياً بالاِمامة ، فلما صار له ست عشرة سنة ، وجه المأمون من حمله إليه ، وأنزله بالقرب من داره ، وعزم على تزويجه ابنته ..)(١) .

ويبدو أن في عبارة الطبري بعض الارتباك والتصحيف ، حيث نقل المسعودي رواية قدوم وفد علماء بغداد إلى المدينة وسؤالهم الجواد عليه‌السلام ، وكان مع الوفد علي بن حسان الواسطي المعروف بالاَعمش(٢) الذي حمل معه تحفاً وبعض اللعب الفضية مما كان يلهو به صبية بغداد في ذلك الوقت ، ظنّاً منه أن أبا جعفر عليه‌السلام سوف يُسرُّ بها؛ لكنّ الاِمام عليه‌السلام نهره بغضب ، وبدا على وجهه عدم الارتياح ، لمّا وضعها أمامه ، وردّ عليه بما قدّمناه في الحديث آنفاً.

ثم في نهاية الخبر ذكر المسعودي عبارة علي بن حسّان بقوله : وخرجت ومعي تلك الآلات. وبقي أبو جعفر عليه‌السلام مستخفياً بالاِمامة إلى أن صارت سنّه عشر سنين. إلى هنا ينتهي خبر الواسطي في إثبات الوصية ، ثم أتبعه المسعودي برواية إخبار الجواد عليه‌السلام جاريتهم بمضي والده في

____________

١) دلائل الاِمامة : ٣٩١ / ٣٤٥ ، مؤسسة البعثة ، الطبعة المحققة ١٤١٢ هـ.

٢) في رجال النجاشي : ١٩٧ : المنمِّس ، طبعة مكتبة الداوري ـ قم ١٣٩٧ هـ ، وفي بعض المصادر الاُخرى : العمِش.


خراسان ثم أتبع الرواية مباشرة بقوله : ثم وجّه المأمون فحمله وأنزله بالقرب من داره وأجمع على أن يزوجه ابنته ...

فإنّك ترى هنا أن عبارة المسعودي : إلى أن صارت سنّه عشر سنين. أصبحت عند الطبري في الدلائل : صار له ست عشرة سنة. هذا ما أردنا الاشارة إليه ، فلاحظ.

وعقد القران الذي تميّز بحدث المناظرة المهم والخطير ، ولعلّه يُعد من أهم أحداث حياة الاِمام الجواد عليه‌السلام ؛ لكثرة من كان قد حضر في ذلك المجلس من عامة الناس وخاصتهم ، فقد تناقله المحدثون والمؤرخون بما رافقه من حوادث اُخرى بشيء من التفصيل.

فالحدث أورده علي بن الحسين المسعودي(١) ، والشيخ المفيد(٢) كلّ بسنده عن الريان بن شبيب ، قال : لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام بلغ ذلك العباسيين فغلُظ عليهم واستكبروه ، وخافوا أن ينتهي الاَمر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليه‌السلام ، فخاضوا في ذلك.

واجتمع منهم أهل بيته الاَدنون منه ، فقالوا له : ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الاَمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا ، فإنّا نخاف أن يخرج به عنّا أمر قد ملّكناه الله ، ويُنزع منا عزٌّ قد ألبَسَناه الله ، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم ، آل أبي طالب ، قديماً وحديثاً ، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم ، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت ، حتى كفانا الله المهم من ذلك ، فالله الله أن

____________

١) إثبات الوصية : ١٨٩ ، طبعة النجف الاَشرف.

٢) الاِرشاد ٢ : ٢٨١ ـ ٢٨٨.


تردَّنا إلى غمٍّ قد انحسر عنا ، واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

فقال لهم المأمون : أمّا ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السببُ فيه ، ولو أنصفتُم القوم لكان أولى بكم ، وأمّا ما كان يفعلُه من كان قبلي بهم فقد كان قاطعاً للرحم ، أعوذ بالله من ذلك ، ووالله ما ندمتُ على ما كان منّي من استخلاف الرضا ، ولقد سألتُه أن يقوم بالاَمر وانزعُهُ عن نفسي فأبى ، وكان أمرُ الله قدراً مقدُوراً ، وأمّا أبو جعفر محمد بن عليّ فقد اخترتُه لتبريزه على كافّة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنِّه ، والاَعجوبة فيه بذلك ، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفتُه منه فيعلموا أن الرأي مارأيتُ فيه.

فقالوا : إنّ هذا الصبيَّ وإن راقكَ منه هديه ، فإنّه صبيٌّ لا معرفة له ولا فقه ، فأمهله ليتأدَّب ويتفَقَّه في الدين ، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم : ويحكم إنّني أعرفُ بهذا الفتى منكم ، وإن هذا من أهل بيت علمُهم من الله وموادِّه وإلهامه ، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والاَدب عن الرعايا الناقصة عن حدِّ الكمال ، فان شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبيَّنُ لكم به ما وصفتُ من حاله.

قالوا له : قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولاَنفُسنا بامتحانه ، فخلّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة ، فإن أصاب في الجواب عنه ، لم يكن لنا اعتراض في أمره ، وظهر للخاصة والعامّة سديد رأي أمير المؤمنين ، وإن عجز عن ذلك فقد كُفينا الخطبَ في معناه.

فقال لهم المأمون : شأنكم وذاك متى أردتُم. فخرجوا من عنده وأجمع رأيهُم على مسألة يحيى بن أكثم ، وهو يومئذٍ قاضي القضاة على أن يسأله


مسألةً لا يعرف الجواب فيها ، ووعدوه بأموالٍ نفيسةٍ على ذلك ، وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوماً للاجتماع ، فأجابهُم إلى ذلك.

واجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه ، وحضر معهم يحيى بن أكثم ، وأمر المأمون أن يفرشَ لاَبي جعفر عليه‌السلام دَستٌ(١) ، وتُجعَل له فيه مِسوَرَتان(٢) ، ففُعِلَ ذلك ، وخرج أبو جعفر عليه‌السلام وهو يومئذٍ ابنُ تسع سنين وأشهر ، فجلسَ بين المسورَتَين ، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه ، وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالسٌ في دستٍ مُتَّصلٍ بدستِ أبي جعفر عليه‌السلام .

فقال يحيى بن أكثم للمأمون : يأذنُ لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر؟ فقال له المأمونُ : استأذنه في ذلك ، فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال : أتأذن لي ـ جعلت فداك ـ في مسألةٍ؟ فقال له أبو جعفر عليه‌السلام :« سَلْ إن شئت » قال يحيى : ما تقولُ ـ جُعِلتُ فداك ـ في مُحرمٍ قتَلَ صيداً؟

فقال له أبو جعفر عليه‌السلام :« قَتَلَه في حِلٍّ أو حَرَم؟ عالماً كان المُحرم أم جاهلاً؟ قَتَلَه عَمداً أو خطأً؟ حُرّاً كان المُحرِم أم عبداً؟ صغيراً كان أم كبيراً؟ مُبتدئاً بالقتل أم مُعيداً؟ من ذواتِ الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد كان أم كبارها؟ مُصِرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتلهُ للصيد أم نهاراً؟ مُحرماً كان بالعُمرةِ إذ قتله أو بالحج كان مُحرماً؟ » .

فتحيّر يحيى بن أكثم وبانَ في وجهه العجزُ والانقطاعُ ولجلج حتى عرفَ جماعةُ أهلِ المجلس أمرَه ، فقال المأمون : الحمدُ لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ، ثم نظر إلى أهل بيته وقال لهم : أعرفتم الآن ما كُنتُم

____________

١) جانب من البيت ، وهي فارسية معرّبة.

٢) المسورة : متكأ من أدَم.


تُنكِرُونه؟

ثم أقبل على أبي جعفر عليه‌السلام فقال له : أتخُطب يا أبا جعفر؟ قال :« نعم يا أمير المؤمنين » فقال له المأمون : أخطب ، جُعلت فداك لنفسك ، فقد رضيتك لنفسي وأنا مُزَوِّجُكَ أم الفضل ابنتي وإن رغم قومٌ لذلك.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « الحمدُ لله إقراراً بنعمته ، ولا إله إلاّ الله إخلاصاً لوحدانيته ، وصلّى الله على محمدٍ سيِّدِ بريَّته والاَصفياء من عترته.

أما بعدُ : فقد كان من فضل الله على الاَنام أن أغناهُم بالحلال عن الحرام ، فقال سُبحانه : ( وأنكِحُوا الاَيامى مِنكُم والصَّالحينَ مِنْ عِبادِكُم وإمائِكُم إنْ يَكُونُوا فُقراءَ يُغنِهمُ الله مِنْ فضلِهِ والله واسِعٌ عليمٌ ) (١) . ثم إنَّ محمد بن علي بن موسى يَخطُبُ أم الفضلِ بنتَ عبدالله المأمون ، وقد بَذَلَ لها من الصداق مهر جدَّته فاطمة بنت محمد عليهما‌السلام وهو خمسمائة درهم جياد ، فهل زوَّجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟ » .

قال المأمون : نعم ، قد زوَّجتُك أبا جعفر أم الفضل ابنتي على هذا الصداق المذكور ، فهل قَبِلتَ النكاحَ؟ قال أبو جعفر عليه‌السلام :« قد قَبِلتُ ذلك ورَضِيتُ به » . فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامّة.

قال الريان : ولم نلبث أن سمعنا أصواتاً تُشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم ، فإذا الخدم يجرُّون سفينةً مصنوعةً من فِضَّةٍ مشدودة بالحبال من الاِبريسم على عجلٍ مملوءةً من الغالية(٢) ، فأمر المأمون أن تُخضبَ

____________

١) سورة النور : ٢٤ / ٣٢.

٢) الغالية : ضرب من الطيب مركب من مسك وعنبر وكافور ودهن البان وعود.


لحى الخاصة من تلك الغالية ، ثمَّ مُدَّت إلى دار العامّة فطُيِّبوا منها ، ووضعت الموائد فأكل الناس ، وخرجت الجوائز إلى كلِّ قوم على قدرهم ، فلما تفرَّق الناس وبقي من الخاصة من بقي ، قال المأمون لاَبي جعفر : إن رأيت ـ جُعلت فداك ـ أن تذكر الفقه فيما فصَّلته من وجوه قتلِ المُحرِم الصيد لنعلمه ونستفيده.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام :« نعم ، إنَّ المُحرِم إذا قتَلَ صيداً في الحلِّ وكان الصيدُ من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاةٌ ، فإن كان أصابه في الحرم فعليه الجزاءُ مضاعفاً ، وإذا قتلَ فرخاً في الحلِّ فعليه حملٌ قد فطم من اللبن ، وإذا قتله في الحرم فعليه الحملُ وقيمةُ الفرخ ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرةٌ ، وان كان نعامة فعليه بدنةٌ ، وان كان ظبياً فعليه شاةٌ ، فإن قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاءُ مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة ، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه للحجِّ نَحَرَه بمنى ، وإن كان إحرامُه للعمرة نحره بمكّة. وجزاءُ الصيد على العالم والجاهل سواء ، وفي العمد له المأثم ، وهو موضوع عنه في الخطأ ، والكفارة على الحرِّ في نفسه ، وعلى السيد في عبده ، والصغير لا كفارة عليه ، وهي على الكبير واجبةٌ ، والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة ، والمصرُّ يجب عليه العقابُ في الآخرة » .

فقال له المأمون : أحسنت ـ أبا جعفر ـ أحسن الله إليك ، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألةٍ كما سألك. فقال أبو جعفر ليحيى :« أسألك؟ » . قال : ذلك إليك ـ جُعلت فداك ـ فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلاّ استفدته منك.

فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : « خَبِّرني عن رجل نظرَ إلى امرأةٍ في أول النهار فكان


نظرهُ إليها حراماً عليه ، فلمّا ارتفع النهار حلَّت له ، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر حلَّت له ، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه ، فلما دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلَّت له ، فلمّا كان انتصاف الليل حرمت عليه ، فلما طلع الفجر حلَّت له ، ما حال هذه المرأة وبماذا حلَّت له وحرمت عليه؟ ».

فقال له يحيى بن أكثم : لا والله ما أهتدي إلى جواب هذا السؤال ، ولا أعرف الوجه فيه ، فإن رأيت أن تفيدناه.

فقال له أبو جعفر عليه‌السلام :« هذه أمةٌ لرجلٍ من الناس نظر إليها أجنبيٌّ في أول النهار فكان نظره إليها حراماً عليه ، فلمّا ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلَّت له ، فلمّا كان الظهر أعتقها فحرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر تزوجها فحلَّت له ، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه ، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفَّر عن الظِّهار فحلَّت له ، فلمّا كان نصف الليل طلَّقها واحدة فحرمت عليه ، فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلَّت له » .

قال : فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم : هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب ، أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟! قالوا : لا والله ، إن أمير المؤمنين أعلم وما رأى.

فقال لهم : ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصُّوا من الخلق بما ترون من الفضل ، وإنَّ صغر السنِّ فيهم لا يمنعهم من الكمال ، أما علمتم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الاِسلام وحكم له به ، ولم يدع أحداً في سنِّه غيره. وبايع الحسن والحسين عليهما‌السلام وهما ابناه دون الستّ سنين ولم يبايع صبيّاً غيرهما ، أفلا تعلمون الآن ما اختصَّ الله به هؤلاء القوم ، وأنهم ذريّةٌ بعضها


من بعضٍ ، يجري لآخرهم ما يجري لاَولهم؟! قالوا : صدقت يا أمير المؤمنين ، ثمَّ نهض القوم.

فلمّا كان من الغد احضر الناس ، وحضر أبو جعفر عليه‌السلام ، وصار القوّاد والحُجّاب والخاصّة والعمّال لتهنئة المأمون وأبي جعفر عليه‌السلام ، فأخرجت ثلاثة أطباقٍ من الفضَّة فيها بنادق مسكٍ وزعفرانٍ معجون ، في أجواب تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة وعطايا سنيَّة واقطاعات ، فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصَّته ، فكان كلُّ من وقع في يده بندقة ، أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فاطلق له. ووضعت البِدَر ، فنثر ما فيها على القوّاد وغيرهم ، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا. وتقدَّم المأمون بالصدقة على كافّة المساكين. ولم يزل مكرماً لاَبي جعفر عليه‌السلام معظّماً لقدره مدة حياته ، يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته(١) .

الثورات والانتفاضات في عهد الاِمام عليه‌السلام

لم تزل الثورات العلوية والانتفاضات الشيعية ، منذ وضعت حرب الاِمام الحسين عليه‌السلام أوزارها ، تتأجج وتشتعل بين الحين والآخر كلّما سنحت لذلك فرصة ، وكلّما برز قائد ناهض. يساعد على ذلك؛ استمرار دور

____________

١) إعلام الورى ٢ : ١٠١ ـ ١٠٥. والاحتجاج : ٢ : ٤٦٩ ـ ٤٧٧ / ٣٢٢ الطبعة الاُولى المحققة ١٤١٣ هـ مثله. وذكر نحوه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ١ : ١٨٢. والطبري في دلائل الاِمامة : ٣٩١ / ٣٤٥. والمفيد في الاختصاص : ٩٨ طبع قم ١٤٠٢ هـ. وابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٦٧ ، وغيرها من المصادر.


الاَئمة عليهم‌السلام وحركتهم التغييرية داخل الاُمّة أولاً؛ وثانياً : استمرارية تسلط الحكومة الجائرة الظالمة اللاشرعية على رقاب المسلمين ، وانتشار الفساد الاجتماعي والاداري والتعسف والجور.

وسنتناول هنا ما سجّله لنا التاريخ من ثورات أو انتفاضات انطلقت في عهد إمامة أبي جعفر الثاني عليه‌السلام . مع أن البعض من تلك الاَحداث وإن وقعت في حياته عليه‌السلام إلاّ أننا أعرضنا عن ذكرها؛ لئلاّ تطول بنا صحائف هذه الدراسة الموجزة؛ ولاَن تلك الحوادث كانت مما وقع في عهد (إمامة) الاِمام الرضا عليه‌السلام ؛ كثورة محمد بن إبراهيم بن طباطبا في الكوفة ، وما تلاها من مساجلات وحروب لقائده العسكري أبي السرايا السري بن منصور(١) . ثم انتفاضة اليمن بقيادة إبراهيم ابن الاِمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ؛ وخروج محمد ابن الاِمام جعفر الصادق عليه‌السلام في المدينة المنورة(٢)

؛ وانتفاضة الكوفة مرة اُخرى سنة (٢٠٢ هـ) بقيادة أبي عبدالله ابن منصور أخو أبي السرايا(٣) . كما أن حركة حدثت بقيادة جعفر بن داود القمي سنة (٢١٤ هـ) ذكرها الطبري في تاريخه(٤) بشكل مقتضب ، ولم نعثر على تفاصيل تاريخية لهذه الحركة ، ولم نقف على ذكر لجعفر القمي هذا ، ومن يكون؟

وتحت تأثير القسوة التي أبداها المأمون العباسي ، والدهاء الذي أظهره ، من خلال تسليم ولاية العهد للاِمام الرضا عليه‌السلام ، أصبحت الاَوضاع السياسية في حالة شبه مستقرة ، واستحالت الثورات وكل تحرك ضد سلطته القائمة

____________

١) راجع مقاتل الطالبيين : ٤٣٥.

٢) مقاتل الطالبيين : ٤٣٨.

٣) راجع : تاريخ الطبري ٨ : ٥٥٨. وتاريخ الإسلام / الذهبي ١٤ : ٨ حوادث سنة ٢٠١ ـ ٢١٠ هـ.

٤) تاريخ الطبري ٨ : ٦٢٢.


إلى رماد ، ولو أنه كان يخبئ تحته ناراً ..

ثم يخيّم وجوم ويسود صمت (شيعي ـ علوي) يدوم بضع سنين والناس في حيرة ووجل مما يفعله المأمون بابن الرضا عليه‌السلام ، فبين شاكٍّ ، ومصدِّق ، ومنتظر ما يؤول إليه الاَمر غداً ، وهو ما أراده المأمون من مناورة الاستدعاء للاِمام الجواد عليه‌السلام إلى بغداد ثم تزويجه من ابنته واسكانه بالقرب منه والجعجعة به. ويستمر هذا الحال والاِمام يمارس دور الاِمامة ومهامها الكبرى بأناة وتروٍّ ، حتى تحين سنة (٢٠٧ هـ).

١ ـ ثورة عبدالرحمن في اليمن :

بعد استتباب الاُمور للمأمون ، وسيطرته التامة على مجاري الشؤون الداخلية للدولة الاِسلامية المترامية الاَطراف ، تندلع ثورة في نقطة بعيدة من أقاصي المملكة في اليمن بقيادة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهو يدعو للرضا من آل محمد(١) سنة (٢٠٧ هـ). وكان ذا جاه ، فالتفّ حوله خلق كثير من شيعة أهل اليمن ومن غيرهم ممن ضاقوا ذرعاً من العباسيين وولاتهم. وسرعان ما سيطرت الحركة على البلاد ، لتعاطف جماهير الاُمّة معها. والتاريخ جد ظنين بأحداث هذه الثورة وظروفها وأسبابها ومداخلاتها.

وهناك قول لم نتحقق صحته ، أن الثائر عبدالرحمن أقدم من المدينة محمد بن علي بن موسى عليه‌السلام ودعا إليه سنة سبع ومئتين (٢٠٧ هـ)(٢) .

____________

١) الرضا من آل محمد : اصطلاح يطلق على كل علوي يرتضونه خليفة عليهم ، ويتصدى لقيادة الثورة فينادون به. أو يراد منه إمام الوقت دون التعريف باسمه.

٢) المجدي في أنساب الطالبيين / ابن الصوفي العمري العلوي : ٢٩٥ طبع مكتبة المرعشي النجفي ١٤٠٩


وتتسارع أنباء الثورة إلى بغداد عاصمة الخلافة ، فيجهّز المأمون جيشاً كثيفاً بقيادة دينار بن عبدالله ، ويرسله إلى اليمن لمساعدة واليه المفوّض هناك على تهامة اليمن محمد بن إبراهيم بن عبيدالله بن زياد ابن أبيه ، وعاصمته زبيد ، لقمع الثورة ، وكتب مع قائد الجيش كتاب أمان إلى عبدالرحمن. وما أن وصلت طلائع الجيش إلى مشارف اليمن ، وعلم عبدالرحمن أن لا قبل له بها ، وكان قد قُرىَ عليه كتاب الاَمان ، عندئذٍ لم يجد بداً من تسليم نفسه على شرط الكتاب فقُبض عليه وأُرسل إلى بغداد ، فغضب المأمون بسببه على الطالبيين ومنعهم من الدخول إلى مجلسه ، ثم أجبرهم على لبس السواد العباسي بدل الخضرة الطالبية(١) .

وكان محمد بن إبراهيم الزِّياديّ من أشد الناس بغضاً لعلي بن أبي طالب وأهل بيته عليهم‌السلام ؛ لهذا لا يبعد أن يكون الرجل كجدّه لغير رشده(٢) . فاستعان هذا بالجيش في تقوية مركزه ، فأوقع بالعلويين وأنصارهم وقتل شيعتهم وفرّق جمعهم ، وبدّد أوصالهم ، واجتاح مناطق تواجدهم ، وأخذ يوسّع منطقة نفوذه حتى تم له الاستيلاء على أغلب البلاد اليمنية(٣) .

____________

١٤٠٩ هـ.

١) تاريخ الطبري ٧ : ١٦٨ حوادث سنة (٢٠٧ هـ) طبعة القاهرة ١٣٥٨ هـ. والكامل في التاريخ : ٥ : ٤٦٨ الطبعة الثانية ١٤١٥ هـ ، تحقيق محمد يوسف الدقاق.

٢) أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق ٤٢ : ٢٨٧ الطبعة المحققة ، بسنده عن مالك بن أنس ، عن ابن أبي الزناد قوله : (قالت الأنصار : إن كنا لنعرف الرجل إلى غير أبيه ببغضه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ).

وراجع : فرائد السمطين / الجويني الشافعي ١ : ٣٦٥ / ٢٩٣ فقد أخرجه بطريقة عن مالك بن أنس ، عن ابن أبي الزناد أيضاً ، وراجع أيضاً ما أخرجه في ١ : ١٣٤ / ٩٧ عن الزهري عن أنس بن مالك منه أنه لا يبغض علياً من قريش إلاّ سفحيّ ، ولا من العرب إلاّ دعيّ ، ولا من سائر الناس إلاّ شقيّ.

٣) راجع : تاريخ ابن خلدون ٤ : ١٤٨ ، ٢١٧. وطبقات سلاطين الإسلام / استانلي لين بول : ٨٦ ـ ٨٨


٢ ـ انتفاضة القميين :

إنّ القبضة الحديدية للسلطة العباسية تجاه أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم ، لم تمنع من ظهور الحركات والثورات ضد التعسف والجور العباسي بين الفينة والاُخرى ، من هذه الحركات حركة أهالي قم وانتفاضتهم عام (٢١٠ هـ). ومعلوم تشيّع القميين وولاؤهم لاَهل البيت عليهم‌السلام ، فإنّهم وتبرماً من كثرة ما يدفعون من خراج السلطان الذي فرض عليهم ، إذ كان عليهم دفع مليوني (٢٠٠٠٠٠٠) درهم سنوياً ، فاستكثروا هذا المبلغ وطلبوا تخفيفه أُسوة بما لحق الري من حطيطة خراجهم. ورُفع طلبهم إلى المأمون ، فرفض إجابتهم إلى ما سألوا ، فامتنعوا من أداء خراج هذا العام ، وثاروا فخلعوا واليهم وطردوه ، ونجحوا في السيطرة على البلد ، ولو استمر نجاحهم لتغير الحال إلى وضع لا تُحمد عقباه بالنسبة للسلطة المركزية ، لكن المأمون تدارك أمرهم بعلي بن هشام على رأس جيش أتبعه بآخر بقيادة عجيف بن عنبسة ، ثم ألحقهما بسرية كانت عائدة من خراسان.

فالتقى الطرفان في حرب غير متكافئة بالعدة والعدد حتى ظفر علي بن هشام بالقميين وقتل رئيسهم يحيى بن عمران ، وهدم سور المدينة ، وفرض عليهم بدل المليونين سبعة ملايين درهم سنوياً ، جباها منهم في سنته ، فدفعوها إليه صاغرين(١) .

٣ ـ ثورة محمد بن القاسم العلوي

من أهم الثورات العلوية الشيعية التي حدثت في زمن إمامة الاِمام

____________

الطبعة الاُولى ١٤٠٦ هـ الدار العالمية ـ بيروت.

١) راجع : تاريخ الطبري ٧ : ١٨٤. والكامل في التاريخ ٥ : ٤٨١.


الجواد عليه‌السلام ، هي ثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه‌السلام الملقب بالصوفي؛ للبسه ثياب الصوف والمكنّى بأبي جعفر. كان من أهل العلم والفقه والدين والزهد.

وقد فصّل خروجه ومنازلاته ثم القبض عليه أبو الفرج الاَصفهاني في مقاتل الطالبيين قائلاً : وكان خروجه في منطقة الطالقان التي تبعد عن مرو أربعين فرسخاً ودعوته كانت للرضا من آل محمد كما هي حال كل الثورات العلوية ، وقد تبعه عدد من وجوه الزيدية كيحيى بن الحسن بن الفرات الحريري ، وعباد بن يعقوب الرواجني ، وكانوا يدعون الناس إليه فتبعهم في مدة يسيرة خلق كثير. وتمت سيطرته على الطالقان مدة أربعة أشهر.

فلما بلغ خبره عبدالله بن طاهر وجّه إليه الجيوش ، فكانت له بين قواد عبدالله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالها ، انهزم أخيراً محمد وأصحابه وتفرقوا في النواحي والآكام ، ولجأ محمد بن القاسم إلى (نسا) فوشي به هناك فأُلقي عليه القبض ، وقُيّد بالحديد وأُرسل إلى عبدالله بن طاهر ، فأرسله عبدالله إلى المعتصم في (سرّ من رأى) فأُدخل عليه في مجلس شرابه ولهوه يوم ١٥ ربيع الثاني سنة (٢١٩ هـ) ، وكان يوم نوروز ، فأوقفه المعتصم حتى فرغ الغلمان من اللعب والراقصات الفرغانيات من الرقص ، وكانت أكؤس الشراب تُدار في المجلس أمام ناظري محمد بن القاسم ، فلما رأى هذا الوضع بكى ثم قال : اللهم إنّك تعلم أني لم أزل حريصاً على تغيير هذا وإنكاره.

ثم أمر به المعتصم فحبس في سرداب ضيق كاد أن يموت فيه ، فأمر بإخراجه منه وإيداعه في سجن في بستان. فلما كان ليلة عيد الفطر احتال محمد بطريقة فهرب بها من السجن وغاب عن الاَنظار ولم يعرف له خبر


بعد ذلك. وقيل : إنّه رجع إلى الطالقان فمات بها. وقيل : بل إنّه اختفى ببغداد مدة ثم انحدر إلى واسط فمكث بها حتى مات ، وهو الذي مال إليه أبو الفرج الاَصفهاني وصححه. وقيل : إنّه توارى أيام المعتصم والواثق ، وأُخذ في أيام المتوكل فحبسه حتى مات في محبسه ، ويقال : إنّه دس إليه سماً فمات منه(١) .

قال المسعودي : وقد انقاد إلى إمامته خلق كثير من الزيدية إلى هذا الوقت ، وهو سنة (٣٣٢ هـ) ، ومنهم خلق كثير يزعمون أن محمداً لم يمت ، وأنه حيّ يُرزق ، وأنه يخرج فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ، وأنه مهدي هذه الاُمّة ، وأكثر هؤلاء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم وكثير من كور خراسان(٢) .

هذا ما وقفنا عليه من حوادث وأحداث خلال سني إمامة أبي جعفر الجواد عليه‌السلام ، ومع أن التاريخ لم يحدثنا عن موقف علني للاِمام عليه‌السلام من هذه الثورات والانتفاضات إلاّ أنها بلا شك كانت ستنال رضا الاِمام عليه‌السلام فيما لو نجحت في تحقيق أهدافها في الاِطاحة بالمتسلطين على الحكم ظلماً وعدواناً.

____________

١) مقاتل الطالبيين : ٤٦٤ ـ ٤٧٢. وتاريخ الطبري ٧ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ حوادث سنة (٢١٩ هـ). عمدة الطالب / أحمد بن علي الداوودي : ٣٠٦ الطبعة الحيدرية ـ النجف. والبحر الزخّار / أحمد بن يحيى بن المرتضى (ت / ٨٤٠ هـ) ١ : ٢٢٨ المقدمة ، وفيه : أن المعتصم حبسه أياماً وهرب من حبسه ، فأخذه وضرب عنقه صبراً ، وصلبه بباب الشماسية وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، وهو أحد أئمة الزيدية وعلمائهم وزهّادهم.

٢) مروج الذهب ٤ : ٦٠ ـ ٦١.


الفصل الثالث

العطاء الفكري للامام عليه‌السلام

لا بدّ للإمام المعصوم أن يمارس نفس الأدوار والمهام التي كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمارسها في حياة الاُمّة من تبليغ الرسالة وهداية الاُمّة إلى الرشاد أصالة عن دوره في تحمل أعباء الاِمامة المتعينة من قبل السماء ، والتي« هي منزلة الأنبياء ، وإرث الأوصياء » (١) ، ونيابة عن النبوة الخاتمة باعتبارهم الاِمتداد الطبيعي لها بما اكتسبوه من عصمة في الفكر والسلوك ، و« إنّ الاِمامة خلافة الله ، وخلافة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢) ، ولهذا وذاك فإنّ حاجة الناس إلى الاِمام كحاجتها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لتعليق نظام أمورها الدينية والدنيوية عليه.

وعليه فدراسة حياة الاَئمة عليهم‌السلام باعتبارهم أوصياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب أن تعتمد المنهجية الاَصيلة في البحث؛ فتُبرز خصائص الاِمام الذاتية وسيرته وسلوكه على أنّها متممة للسيرة النبوية المباركة من جانب ، ومن جانب آخر عليها ـ أي الدراسة ـ إبراز جانب التكليف الالهي لمنصب وصاية الاَنبياء ، ووظيفة الاِمام الرسالية في البناء الفكري والعقيدي للاُمّة

____________

١) الكافي ١ : ٢٠٠ / ١ عن الإمام الرضا عليه‌السلام .

٢) المصدر السابق نفسه.


الاِسلامية ، ثم هداية الشعوب والاُمم إلى خط الاِسلام الاَصيل ، تماماً كما كان يفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إبّان الدعوة ، وبعد انتشار الاِسلام. وهكذا تحتفظ مسيرة حركة الاَنبياء بتعجيلها في انطلاقتها إلى آخر عمر الدنيا ، حيث إنّ الاِسلام رسالة خاتمة ، وليس بعده نبوّة أو رسالة.

ولهذا اكتسب منصب الاِمامة والوصاية أهمية بالغة وخطيرة في حركة الاُمّة ، ومن هنا ندرك معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :« من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي » (١) .

فالاَئمة إذن؛ قوّام الله على خلقه ، وعرفاؤه على عباده ، ولا يدخل الله أحداً الجنة إلاّ من قد عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وأنكروه(٢) .

ومن خلال هذه السلسلة لاَئمة الهدى الاثني عشر تطالع الاَنموذج الاَمثل لسيرة أولياء الله الصالحين ، الهادين المهديين ، وهي تضارع سيرة الاَنبياء إن لم تكن تماثلها أو تسمو عليها في بعض الحالات. ولا تحسبنّ ذلك غلوّاً منّا أو شططاً من القول ، فالصحيح المتواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن عيسى بن مريم وهو نبي من أولي العزم ينزل عند خروج المهدي صاحب الزمان (عج) ويكون بمثابة وزيره ، ويصلي خلفه مأموماً(٣) .

____________

١) كنز العمال ١٢ : ١٠٣ / ٣٤١٩٨ عن الطبراني في المعجم الكبير باسناده عن ابن عباس.

٢) راجع : نهج البلاغة : ٢١٢ خطبة ١٥٢ تنظيم صبحي الصالح.

٣) راجع : مصنّف ابن أبي شيبة ١٥ : ١٩٨ / ١٩٤٩٥. والحاوي للفتاوى / السيوطي ٢ : ٧٨. وفيض


وهكذا جميع الاَئمة عليهم‌السلام كلّ له دوره المتميز ، وهم متحدون في الصفات والاَهداف ، ومنهم إمامنا الجواد عليه‌السلام الذي لا يختلف عن آبائه المعصومين عليهم‌السلام ، إنّما تميزوا باختلاف أدوارهم ، وتنوع مواقفهم حسب ظروف المرحلة التي مرّوا بها وطبيعتها.

ورغم قصر عمر أبي جعفر الثاني ، فقد تميزت حياته بدور فاعل ومؤثر في حركة المجتمع خاصة وأنه مهّد الطريق ، وهيأ الاَجواء لثلاثة أئمة أتوا من بعده كانت ظاهرة صغر السن بالنسبة إلى بعضهم تشكّل أمراً بالغ الخطورة ، خاصة في قضية الاِمام القائم محمد بن الحسن المهدي عليه‌السلام .

وسوف نلمس العطاء الفكري والعلمي للاِمام الجواد عليه‌السلام من خلال أصحابه وتلامذته والرواة عنه ، ومن خلال ما تناوله من علوم ومعارف أثرى بها مدوّناتنا الفقهية والحديثية ، رغم (الحصار المبطن) الذي أُحيط بالاِمام طيلة إقامته في بغداد والتي لم يُفصح المؤرخون عن مدتها تحديداً؛ ومن خلال كلماته القصار التي هي مناهج للعقيدة وبرامج عمل نحو السمو والتكامل الروحي لبناء الاِنسان وفق المنظور الاِسلامي.

أصحاب الاِمام والرواة عنه :

أصحاب الاَئمة عليهم‌السلام عموماً ، والمحدِّثون والرواة منهم خاصة ، يشكّلون بلا ريب الامتداد الحضاري لفكر الاِمام ورسالته على طول الفترة الزمنية التي يعيشها المحدِّث ، ثم الذي يحدِّث عنه وهكذا كلما تطاولت سلسلة الرواة عبر التاريخ كماً وكيفاً ، زادت الصلة وتوثقت ، وتعمّق الترابط بين

____________

القدير ٦ : ١٧. وراجع : دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٩ ففيه مزيد شرح وتفصيل.


تراثنا العريق وبين الحاضر المعاصر الجديد.

وسبق الحديث عن ما لاَئمة أهل البيت عليهم‌السلام من دور في حركة المجتمع والتاريخ ، كذلك أصحابهم ووكلاؤهم عليهم‌السلام كان لهم أيضاً دور فاعل في عملية التغيير والبناء الرسالي التكاملي للاُمّة ، فقد كانوا بمثابة أذرع الاِمامة الممتدة في الاُمّة ، وأصواتها الموصلة لرسالتهم إلى جماهير الناس وأفرادها.

ثم إنّ هؤلاء هم الحافظون لتراثهم الاِسلامي الاَصيل ، والناقلون له إلى الاَجيال التالية من بعدهم. لهذا كان الاَئمة عليهم‌السلام يحرصون على اصطفاء مجموعة من الاَصحاب الثقات المخلصين الذين يرون فيهم أهلية تحمّل بعض علوم الاِمام واستيعابها. فكانوا عليهم‌السلام يعدّونهم إعداداً خاصاً؛ ليفضوا إليهم ببعض أسرارهم وعلومهم.

وبذا فقد تخرّج من مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام رجال أفذاذ يُعتبرون من مفاخر التاريخ ، ونوادر الدنيا في مختلف العلوم من فقه وحديث وتفسير ولغة وفلسفة وأخلاق إلى غير ذلك ما شاء الله من العلوم والمعارف الاِسلامية.

ولو تصفحنا تاريخ الثلة المؤمنة من أولئك الرجال الاَماثل ، وتتبعنا ما حفظوه لنا من تراثنا الاِسلامي ، فسنجد أن هناك كنوزاً من الذخائر أودعوها لنا في مدوّنات بلغ ما كتبه منها محمد بن أبي عمير ـ مثلاً ـ أربعاً وتسعين كتاباً ، وما كتبه الفضل بن شاذان يبلغ مئة وثمانين كتاباً ، ويونس ابن عبدالرحمن أكثر من ثلاثمئة كتاب ، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم أكثر من سبعين كتاباً ، وعلي بن مهزيار خمساً وثلاثين كتاباً.


فهذه أكثر من ستمئة وسبعين كتاباً لخمسة فقط من أصحاب الاَئمة عليهم‌السلام ، علماً بأن لدينا ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب(١) مؤلفة في أبواب الفقه والاَحكام ، اشتهر منها(٤٠٠) كتاب سمّيت (أصولاً) كانت هي المعوّل عليها في الرجوع إلى المسائل الفقهية واستكشاف جواباتها الواقعية التي هي جوابات الاَئمة عليهم‌السلام عن المسائل التي كانت تطرحها الناس عليهم ، ثم اعتُمدت هذه الاُصول فيما بعد في كتابة مدوناتنا الحديثية.

ولو نظرنا إلى المعاجم الرجالية الاُولى ، فسنجد أن لكلِّ إمام من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام مجموعة كبيرة من الرجال والمحدِّثين تحيط به ، تسمع منه ، وعنه تأخذ أحكام الدين ، وعن طريقه تعيد سماع أحاديث الرسول الاَكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإمامنا الجواد عليه‌السلام واحد من تلك الكوكبة المختارة رحمة للبشرية ، والقطب الذي كانت تدور عليه العلماء والفقهاء ، ليس من الشيعة فحسب ، بل ومن غير الشيعة من المذاهب والفرق والتيارات الاُخرى. وفي تقديرنا أن عدد الاَصحاب والرواة يشير إلى مدى تحرك الاِمام في الاُمّة ، وطبيعي أن للظروف السياسية أثراً إيجابياً في تحديد الكم الظاهري الذي يدور حول محور الاِمام عليه‌السلام ، والذي يستقطب إليه كل التيارات وإن كانت معاكسة ومخالفة في مسيرها للاتجاه الطبيعي للتحرك الاِسلامي. وهذه هي إحدى مهام وأهداف الاِمامة في العمل الرسالي ، والتوجه التربوي الذي تقوم عليه.

فالاِمام هو القاسم المشترك الذي تلتقي عنده كل المعادلات ، وتقبله جميع الاَرقام السياسية والعقيدية والفكرية ، وهو أمر لا يتهيأ لكلِّ أحد إلاّ

____________

١) راجع : الفائدة الرابعة من فوائد خاتمة الوسائل : ٣٠ / ١٦٥.


من عصمه الله تعالى من الزلل والخطل ، وأعدّه لتولي هداية البشر.

ولو نظرنا إلى أصحاب ورواة الاِمام أبي جعفر الثاني عليه‌السلام نظرة تحليلية فاحصة ، فإننا نجد أن هناك مجموعة كبيرة من الرواة والاَصحاب نسبة إلى باقي الاَئمة عليهم‌السلام مع الاَخذ بنظر الاعتبار قصر عمر الاِمام ، والظروف السياسية الخاصة التي كانت تحيط به ، ثم صغر سنّه وما قد عرفت فيما مضى من تردّد البعض في قبول إمامته ، ومع كل هذا فقد كانت حصيلة إمامنا الجواد عليه‌السلام من الصحابة والرواة والوكلاء أن أحصينا تعدادهم بما يقرب من (٢٥٠) وهو عدد لم يسبقنا إليه أحد ممن ترجم للاِمام عليه‌السلام وعدّ أو أحصى رواته وصحبه من الرجاليين ، فالشيخ الطوسي ـ مثلاً ـ عدّ في موسوعته الرجالية (١١٦ هـ) من أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام ورواته.

كما أنك تلحظ أن بين هذه الجمهرة من الصحابة والرواة كبار العلماء والفقهاء والمحدِّثين ، وأعلام الفكر والاَدب ، كما أن فيهم من العامة والغلاة والمجاهيل لدينا أو لمن ذكرهم بالمجهولية ، وهذه الجمهرة إن دلّت على شيء فإنّها أول ما تدلُّ على مقدار ومدى ما يتمتع به الاِمام عليه‌السلام من حصيلة علمية ثرة يتصاغر أمام سعتها وشموليتها أكابر العلماء ، وعظماء الفقهاء ، كما أن العدد الجم الذي صحب الاِمام وهو في أوان شبابه ، ما صحبوه إلاّ للاستفادة من ثراء علمه وحاجتهم إليه. كما تجد من بين هذا العدد الغفير ما يزيد على الاَربعين من الرواة الثقات أو الوكلاء ، وفيهم من أجمعت الطائفة على تصحيح كل ما رووه وإن أرسلوا ، ومنهم نحو هذا العدد أيضاً من أصحاب المؤلفات والشعراء. ولا يخفى ما لهؤلاء الاَعلام من دور إيجابي فاعل في حفظ ونشر التراث الاِسلامي الاَصيل ، تراث أهل البيت عليهم‌السلام .

فمن ذُكر في أصحاب الاِمام أبي جعفر الثاني عليه‌السلام من العلماء والفقهاء من


أصحاب المصنّفات :

١ ـ إبراهيم بن أبي البلاد يحيى ، أبو يحيى الكوفي : ثقة ، قارئ ، أديب ، له كتاب. عمّر طويلاً فصحب من الاَئمة الصادق والكاظم والرضا والجواد عليهم‌السلام . وروى عن الاِمام الجواد عليه‌السلام ، أثنى عليه الاِمام الرضا عليه‌السلام في رسالة بعثها إليه.

٢ ـ إبراهيم بن أبي محمود الخراساني : ثقة ، جليل القدر ، من أهل الحديث والرواية ، مصنّف. مكفوف البصر. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الكاظم والرضا عليهما‌السلام ، دعا له الاِمام الجواد عليه‌السلام بالجنة.

٣ ـ إبراهيم بن مهزيار ، أبو إسحاق الاَهوازي : هو أخو علي بن مهزيار ، عُدَّ في أصحاب الاِمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام ، وأدرك الاِمام المهدي عليه‌السلام وشاهده. له كتاب البشارات.

٤ ـ أحمد بن إسحاق بن عبدالله ، أبو علي الاَشعري القمي : ثقة ، عين ، شيخ القميين ومبعوثهم ورابطهم مع الاَئمة عليهم‌السلام ، اختص بالاِمام العسكري عليه‌السلام وتوكّل له. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الجواد والعسكري عليهما‌السلام ، وتشرّف بلقاء الاِمام المهدي عليه‌السلام . له مؤلفات في الفقه.

٥ ـ أحمد بن عبدالله بن عيسى بن مصقلة الاَشعري القمي : له كتاب عن الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٦ ـ أحمد بن محمد بن خالد ، أبو جعفر البرقي : فقيه ، محدِّث ، مصنّف ، له نحو مئة مصنّف كلّها مفقودة عدا كتاب المحاسن المشهور وكتاب في الرجال عُرف بـ« رجال البرقي » . توفي سنة (٢٧٤ هـ) وقيل سنة : (٢٨٠ هـ).


٧ ـ أحمد بن محمد بن عبيدالله الاَشعري القمي : ثقة ، له كتاب ، يُعد في أصحاب الاِمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام .

٨ ـ أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر ، أبو جعفر البزنطي : ثقة ، ثبت ، مصنّف. عُدَّ في أصحاب الاَئمة الكاظم والرضا والجواد عليهم‌السلام ، توفي سنة (٢٢١ هـ).

٩ ـ أحمد بن محمد بن عيسى ، أبو جعفر الاَشعري القمي : فقيه ، مصنّف ، شيخ القميين ورئيسهم. وهو أول من سكن قم من الاَشعريين ، جليل القدر ، يلقى السلطان والولاة مكرماً مهاباً. عُدَّ في أصحاب الاَئمة الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام .

١٠ ـ إسماعيل بن سهل الدهقان : له كتاب ، ذكر في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام ، وفيه ضعف.

١١ ـ إسماعيل ابن الاِمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ، أبو أحمد : مصنّف ، ذُكر في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

١٢ ـ أيوب بن نوح بن دراج ، أبو الحسين الكوفي : ثقة ، مأمون ، مصنّف ، عُدَّ في أصحاب الاَئمة الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام . من خواص الاِمام الجواد عليه‌السلام ، ولي قضاء الكوفة.

١٣ ـ بكر بن أحمد بن إبراهيم ، أبو محمد الاَشج : مصنّف ، ذُكر في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

١٤ ـ بكر بن صالح الرازي : له كتاب ، عُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

١٥ ـ جعفر بن محمد بن يونس الاَحول الصيرفي : ثقة ، له كتاب. عُدَّ في


أصحاب الاِمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام .

١٦ ـ الحسن بن سعيد بن حمّاد ، أبو محمد الاَهوازي : مصنّف ، جليل القدر ، واسع الرواية ، كوفي الاَصل. عُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام شريك أخيه الحسين في تصانيفهما.

١٧ ـ الحسن بن العباس بن الحريش ، أبو علي الرازي : له كتاب ، عُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

١٨ ـ الحسن بن علي بن زياد ، أبو محمد الكوفي الخزاز المعروف بالوشّاء : وجه من وجوه الشيعة ، له كتاب. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الرضا والهادي عليهما‌السلام ، وروى عن الاِمام الجواد عليه‌السلام . وهو القائل في مسجد الكوفة : أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول حدّثني جعفر ابن محمد.

١٩ ـ الحسن بن علي بن يقطين : له كتاب. عُدَّ في أصحاب الاِمام الرضا عليه‌السلام ، ويروي عن الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٢٠ ـ الحسن بن محبوب بن وهب ، أبو علي السراد الكوفي : ثقة ، فقيه ، مصنّف. أحد الاَركان الاَربعة في عصره. وهو من المجمع على تصحيح ما يروون وإن أرسلوا. ذكر في أصحاب الاِمامين الكاظم والرضا عليهما‌السلام ، روى عن الاِمام الجواد عليه‌السلام . توفي أواخر سنة (٢٢٤ هـ).

٢١ ـ الحسين بن سعيد بن حماد الاَهوازي : ثقة ، مصنّف ، كوفي ، شارك أخاه الحسن في جميع تصانيفهما.

٢٢ ـ حمدان بن إسحاق الخراساني : مصنّف ، ذكر في أصحاب الاِمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام .


٢٣ ـ سعد بن سعد الاَحوص بن سعد الاَشعري القمي : ثقة ، مصنّف ، من أصحاب الاِمامين الرضا والجواد عليهما‌السلام . ترحّم عليه الاِمام الجواد عليه‌السلام هو وآخرين ، وعُدَّ في رجاله والرواة عنه.

٢٤ ـ سهل بن زياد ، أبو سعيد الآدمي الرازي : مصنّف. عُدَّ في أصحاب الاَئمة الجواد والهادي والعسكري عليهم‌السلام .

٢٥ ـ صفوان بن يحيى ، أبو محمد البجلي الكوفي : فقيه ، ثقة ، عين ، مصنّف ، ورع ، زاهد ، من أوثق أهل زمانه. توفي بالمدينة المنورة سنة (٢١٠ هـ) ، فأمر الاِمام الجواد عليه‌السلام عمه إسماعيل بن موسى الكاظم بالصلاة عليه ، دفن بالبقيع.

٢٦ ـ عبد الرحمن بن عمرو بن مسلم ، أبو الفضل التميمي الكوفي : ثقة ، محدِّث ، مصنّف ، عُدَّ في أصحاب الاِمامين الرضا والجواد عليهما‌السلام .

٢٧ ـ عبدالسلام بن صالح بن سليمان ، أبو الصلت الهروي : ثقة ، إمامي ، صحيح الحديث مأمون ، مصنّف. مخالط للعامّة. أطراه العامة والخاصة. مولده بالمدينة ، وفاته كانت سنة (٢٣٢ هـ) ، وقال الخطيب : سنة (٢٣٦ هـ).

٢٨ ـ عبدالعزيز بن يحيى بن أحمد ، أبو أحمد الجلودي البصري : ثقة ، شيخ البصرة ، مصنّف ، له حوالي (١٩٠) كتاباً في مختلف المواضيع. ذُكر في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٢٩ ـ عبدالله بن الصلت ، أبو طالب القمي : ثقة ، مسكون إلى روايته ، يُعرف له كتاب في التفسير. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الرضا والجواد عليهما‌السلام .

٣٠ ـ عبدالله بن محمد بن حصين الحصيني العبدي الاهوازي : ثقة ،


مصنّف. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الرضا والجواد عليهما‌السلام .

٣١ ـ عبدالله بن المغيرة ، أبو محمد البجلي الخزاز الكوفي : ثقة ، جليل القدر ، صنّف (٣٠) كتاباً ، وعُدَّ من أصحاب الاِجماع. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الكاظم والرضا عليهما‌السلام . وروى عن الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٣٢ ـ علي بن اسباط بن سالم ، أبو الحسن الكندي الكوفي بيّاع الزطّي : ثقة ، محدِّث ، معتمد ، مصنّف ، من أوثق الناس وأصدقهم لهجة.

٣٣ ـ علي بن بلال ، أبو الحسن البغدادي : ثقة ، مصنّف. عُدَّ في أصحاب الاَئمة الرضا والجواد والهادي والعسكري عليهم‌السلام . كان حياً سنة (٢٣٢ هـ).

٣٤ ـ علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام المدني المعروف بالعُريضي : ثقة ، جليل القدر ، مصنّف. عُدَّ في أصحاب الاَئمة الصادق والكاظم والرضا عليهم‌السلام ، وأدرك الاِمام الجواد عليه‌السلام ، توفي سنة (٢١٠ هـ) بالعُريض من نواحي المدينة المنوّرة وبها دفن.

٣٥ ـ علي بن سيف بن عميرة ، أبو الحسن النخعي الكوفي : ثقة ، مصنّف. عُدَّ في أصحاب الاِمام الرضا عليه‌السلام ، وروى عن الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٣٦ ـ علي بن عبدالله ، أبو الحسن العطّار القمي : ثقة ، مصنّف. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام .

٣٧ ـ علي بن مهزيار ، أبو الحسن الاَهوازي : فقيه ، ثقة ، ديّن ، له نحو (٣٣) كتاباً. عُدَّ في أصحاب الاَئمة الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام .

٣٨ ـ الفضل بن شاذان ، أبو محمد الاَزدي النيشابوري : ثقة ، جليل القدر ، صنّف مئة وثمانين كتاباً. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الهادي والعسكري ،


وروى عن الاِمام الجواد عليه‌السلام . توفي سنة (٢٦٠ هـ).

٣٩ ـ محمد بن إسماعيل بن بزيع ، أبو جعفر : ثقة ، صالح ، مصنّف. عُدَّ في أصحاب الاَئمة الكاظم والرضا والجواد عليهم‌السلام . امتدحه الاِمامان الرضا والجواد عليهما‌السلام .

٤٠ ـ محمد بن إسماعيل الرازي : ثقة ، مصنّف. روى عن الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٤١ ـ محمد ابن أورمة ، أبو جعفر القمي : حديثه نقي لا فساد فيه ، له أكثر من (٣٠) مصنّفاً. قال ابن الغضائري : رأيت كتاباً خرج من أبي الحسن علي ابن محمد عليه‌السلام إلى القميين في براءته مما قذف به ، وعُدَّ في أصحاب الاِمام الرضا عليه‌السلام . وروى عن ابنه الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٤٢ ـ محمد بن الحسن بن شمون ، أبو جعفر البصري البغدادي : وصف بالوقف والغلو وطُعن في مصنّفاته. تُروى له مكاتبات مع الاِمام العسكري عليه‌السلام تدل على اعتداله واستقامة مذهبه ، مصنّف. عُدَّ في أصحاب الاَئمة الجواد والهادي والعسكري عليهم‌السلام . عاش (١١٤) سنة ، وتوفي سنة (٢٥٨ هـ).

٤٣ ـ محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب زيد ، أبو جعفر الزيّات الهمداني الكوفي : ثقة ، عالم ، مصنّف. عُدَّ في أصحاب الاَئمة الجواد والهادي والعسكري عليهم‌السلام . توفي سنة (٢٦٢ هـ).

٤٤ ـ محمد بن حمزة العلوي المرعشي الطبري : زاهد ، صالح ، له كتاب في الفضائل.


٤٥ ـ محمد بن سهل بن اليسع الاَشعري القمي : الظاهر أنه ثقة ، معتمد ، له كتاب. يروي عن الاِمامين الرضا والجواد عليهما‌السلام .

٤٦ ـ محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين ، أبو جعفر العبيدي اليقطيني : ثقة ، عين ، مصنّف ، عُدَّ في أصحاب الاَئمة الرضا والهادي والعسكري عليهم‌السلام ، وروى عن الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٤٧ ـ محمد بن الفرج بن عبدالله الرخجي : ثقة ، وجه من وجوه الشيعة. عُدَّ في أصحاب الاَئمة الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ، وروى أيضاً عن الاِمام الكاظم عليه‌السلام .

٤٨ ـ مروّك بن عبيد بن سالم بن أبي حفصة زياد : ثقة ، صدوق ، حتى إنّ القميين قالوا إنّ كتاب نوادره أصل. عُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٤٩ ـ معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار الكوفي الدهني : ثقة ، من أجلّة العلماء والفقهاء والعدول ، وهو فطحي. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام .

٥٠ ـ معمّر بن خلاّد ، أبو خلاّد البغدادي : ثقة ، له كتاب ، ذُكر في أصحاب الاِمام الرضا عليه‌السلام ، ولا يبعد إدراكه للاِمام الجواد عليه‌السلام .

٥١ ـ منذر بن قابوس : قال النجاشي : منذر بن محمد بن المنذر بن سعيد ابن أبي الجهم القابوسي ، أبو القاسم. من ولد قابوس بن النعمان بن المنذر ، ثقة ، مصنّف. عُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٥٢ ـ منصور بن العباس ، أبو الحسين الرازي : قال النجاشي : سكن بغداد ، وبها توفي. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام . وروى عن الاِمام


الجواد عليه‌السلام .

٥٣ ـ موسى بن عمر بن بزيع الكوفي : ثقة ، له كتاب. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام .

٥٤ ـ موسى بن القاسم بن معاوية ، أبو عبدالله البجلي : ثقة ، جليل القدر ، حسن الطريقة ، صنّف ثلاثين كتاباً. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الرضا والجواد عليهما‌السلام .

٥٥ ـ هارون بن الحسن بن محبوب البجلي : ثقة ، صدوق ، له كتاب. عُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٥٦ ـ يعقوب بن اسحاق ، أبو يوسف ابن السكيت : عالم ، أديب ، نحوي ، لغوي. له مؤلفات عديدة أشهرها اصلاح المنطق. وله عن أبي جعفر عليه‌السلام رواية ومسائل ، وكان متقدماً عنده وعند أبي الحسن عليه‌السلام وكانا يختصّانه.

طلب إليه المتوكل العباسي تأديب ولديه المعتز والمؤيد ، فأدبهما خير أدب حتى كانا يتسابقان على تقديم نعليه. ولما رأى المتوكل منهما ذلك ، وقد علم بتشيعه ، سأله هل ابناي هذان أفضل أم الحسن والحسين؟ فغضب ابن السكيت وقال : والله إن قنبراً خادم علي بن أبي طالب خيرٌ منك ومن ولديك. فأمر المتوكل حرسه من الاتراك أن يستلوا لسانه ، فسلّوه فمات من فوره؛ كان ذلك في الخامس من رجب سنة (٢٤٤ هـ).

٥٧ ـ يعقوب بن يزيد بن حمّاد ، أبو يوسف الاَنباري السلمي الكاتب : ثقة ، صدوق ، مصنّف ، من كتّاب الخليفة العباسي المنتصر. روى عن الجواد عليه‌السلام ، وكان من قبل من أصحاب أبيه.


تلك كانت جمهرة العلماء من أصحاب التصانيف ، وإليك طائفة اُخرى من الثقات والمختصين بالاِمام الجواد عليه‌السلام ومريديه ، وبعضاً من وكلائه :

١ ـ إبراهيم بن محمد الهمداني : ثقة ، كتب له الاِمام الجواد عليه‌السلام كتاباً وكّله فيه على همدان ونواحيها بعد موت يحيى بن أبي عمران ، فكان وكيله ، وأولاده من بعده وكلاء للاَئمة الاَطهار عليهم‌السلام . عُدَّ في أصحاب الاَئمة الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام .

٢ ـ اسحاق بن إسماعيل ، أبو أحمد النيسابوري : ذكره ابن شهرآشوب في جملة ثقات الاِمام الجواد عليه‌السلام ، وعُدَّ في أصحاب الاِمام الحسن العسكري عليه‌السلام .

٣ ـ إسحاق الاَنباري : من أجلاّء الشيعة ، كان محل ثقة الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٤ ـ الحسن بن راشد ، أبو علي البغدادي : فقيه ، من الوكلاء الاَعلام الممدوحين. عُدَّ في أصحاب الاِمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام . يروي عن الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٥ ـ الحسن بن محمد بن عبيدالله الاَعرج : هو من السادات العلوية ، وهو أحد شهود وصية الاِمام الجواد عليه‌السلام إلى ابنه أبي الحسن الهادي عليه‌السلام ، وقد كتب شهادته وأمضاها مع آخرين.

٦ ـ الحسين بن أسد البصري : ثقة ، عُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٧ ـ الحسين بن مسلم بن الحسن : وثّقه ابن شهرآشوب في مناقبه ، وعُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٨ ـ الحسين ابن الاِمام موسى بن جعفر عليه‌السلام أبو عبدالله : كان مقراً بإمامة


أخيه الرضا وابنه الجواد عليه‌السلام .

٩ ـ حماد الشاعر : ذُكر أنه شاعر الاِمام الجواد المختص به هو وداود بن القاسم الجعفري الآتي ذكره.

١٠ ـ حماد بن عيسى ، أبو محمد الجهني البصري : كوفي سكن البصرة ، فقيه ، ثقة ، صدوق ، ثبت في الحديث. قيل : إنّه ممن أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم. توفي سنة (٢٠٩ هـ) بعد أن تجاوز التسعين من العمر.

١١ ـ حمزة بن يعلى ، أبو يعلى الاَشعري القمي : ثقة ، وجه ، روى عن الاِمامين الرضا والجواد عليهما‌السلام .

١٢ ـ خيران الخادم القراطيسي : ثقة ، جليل القدر ، يظهر أنه كان وكيلاً للاِمام الجواد عليه‌السلام ومن الموثّقين لديه. أجازه الاِمام الجواد عليه‌السلام بالعمل برأيه بشأن استلام الحقوق وصرفها بقوله عليه‌السلام :« فإنّ رأيك رأيي ، ومن أطاعك فقد أطاعني » .

١٣ ـ داود بن القاسم بن إسحاق ، أبو هاشم الجعفري : ثقة ، جليل ، شاعر أهل البيت عليهم‌السلام ولازم الاِمام الجواد عليه‌السلام . عاصر خمسة من الاَئمة عليهم‌السلام من الاِمام الرضا وحتى الاِمام المهدي المنتظر محمد بن الحسن عليهم‌السلام وروى عنهم. وله فيهم شعر جيد. حُبس سنة (٢٥٢ هـ) في سامراء هو والاِمام الهادي عليه‌السلام معاً في سجن واحد. عُدَّ في أصحاب الاَئمة الرضا والجواد والهادي والعسكري عليهم‌السلام . توفي سنة (٢٦١ هـ).

١٤ ـ الريان بن شبيب : ثقة ، ذكر في أصحاب الاِمامين الرضا والجواد عليهما‌السلام ، وهو خال المعتصم العباسي.


١٥ ـ الريان بن الصلت ، أبو علي الاَشعري القمي : ثقة ، معتمد عليه ، صدوق ، روى عن الاِمام الجواد عليه‌السلام ، وقبل ذلك كان له اتصال بالاِمام الرضا عليه‌السلام .

١٦ ـ زكريا بن آدم بن عبدالله ، أبو يحيى الاَشعري القمي : ثقة ، عظيم القدر ، ذُكر في أصحاب الاَئمة الصادق والرضا والجواد عليهم‌السلام . وصفه الاِمام الرضا عليه‌السلام بأنّه المأمون على الدين والدنيا. ترحّم عليه الاِمام الجواد عليه‌السلام حين سمع بموته في قم. وهو المدفون في المقبرة التي تُعرف اليوم بمقبرة شيخان.

١٧ ـ سعيد بن جناح : ثقة ، روى عن الاِمام الجواد عليه‌السلام ، كوفي الاَصل ، نشأ وتوفي ببغداد.

١٨ ـ شاذان بن الخليل النيسابوري : والد العالم الفاضل المتكلم الفضل ابن شاذان ، فقيه ، فاضل ، جليل القدر ، عُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

١٩ ـ صالح بن محمد الهمداني : ثقة ، عُدَّ في أصحاب الاِمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام .

٢٠ ـ عبدالحميد بن سالم العطار الكوفي : ثقة ، عُدَّ في أصحاب الاِمام الصادق عليه‌السلام ، وذكر أيضاً في أصحاب الاِمام الكاظم عليه‌السلام .

٢١ ـ عبدالعزيز بن المهتدي بن محمد الاَشعري ، القمي : ثقة ، جليل القدر ، توكّل للاِمام الرضا عليه‌السلام ، وكان من خاصته ، وعُدَّ في أصحابه.

٢٢ ـ عبدالعظيم بن عبدالله بن علي بن الحسين بن زيد ابن الاِمام الحسن المجتبى عليه‌السلام أبو القاسم الحسني الرازي : ثقة ، محدّث ، جليل القدر ، عظيم


المنزلة ، ذو ورع واجتهاد.

أدرك من الاَئمة : الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام . كانت ولادته نحو سنة (٢٠٠ هـ) ، أما وفاته فقد ترددت بين سنة (٢٥٠ هـ) و (٢٥٢ هـ) أو (٢٥٥ هـ).

٢٣ ـ عبدالله ابن الاِمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : شيخ كبير ، عابد زاهد ، عليه أثر السجود ، صحب الاِمام الجواد عليه‌السلام فترة من حياته. كان يعظّم الاِمام كثيراً.

٢٤ ـ علي بن حسان ، أبو الحسين الواسطي القصير المعروف بالمنمِّس : ثقة ، عُدّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام ، وقد عمّر أكثر من مئة سنة.

٢٥ ـ علي بن عاصم الكوفي : شيخ الشيعة في وقته ، محدِّث ، زاهد عابد. قيل : كان يحفظ (١٠٠ ألف) حديث. توفي سجيناً زمن المعتضد العباسي قبل سنة (٢٨٩ هـ) ، وقد تجاوز التسعين من العمر.

٢٦ ـ محمد بن إبراهيم الحضيني الاَهوازي : كان يُعد من خواص الاِمام الجواد عليه‌السلام ، وقد ترحّم عليه الاِمام لمّا علم بموته. عُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٢٧ ـ محمد بن عبدالجبار الشيباني القمي : ثقة ، عُدَّ في أصحاب الاِمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام .

٢٨ ـ محمد بن يونس بن عبدالرحمن : ثقة ، عُدَّ في أصحاب الاِمامين الرضا والجواد عليهما‌السلام .

٢٩ ـ المختار بن زياد العبدي البصري : ثقة ، عُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .


٣٠ ـ مصدق بن صدقة المدائني : ثقة ، من أجلة الفقهاء والعلماء ، عُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام وقد عمّر مئة سنة.

٣١ ـ يحيى بن أبي عمران الهمداني : وكيل الاِمام الجواد عليه‌السلام في نواحي همدان.

٣٢ ـ أبو الحصين بن الحصين الحصيني : ثقة ، عُدَّ في أصحاب الاِمام الجواد عليه‌السلام .

٣٣ ـ حكيمة بنت علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : جليلة القدر ، عظيمة المنزلة ، حدّثت عن أخيها الجواد عليه‌السلام .

٣٤ ـ حكيمة بنت الاِمام الجواد عليه‌السلام : وهذه أيضاً جليلة القدر ، عظيمة المنزلة ، حضرت ولادة الاِمام المهدي عليه‌السلام . كان لها دور بارز في عملية السفارة وايصال الكتب إلى الاِمام المهدي عليه‌السلام في غيبته الصغرى. توفيت سنة (٢٧٤ هـ) ودفنت عند رجلي الاِمامين العسكريين.

هذه المجموعة الكبيرة من الثقات والتي سبقتها من أصحاب المؤلفات والتصانيف وغيرهم من رواة الاِمام وأصحابه يشكلون رصيداً علمياً ثرّاً لا غناء لنا عنه ولا محيد ، وهم بعد هذا يُعتبرون أوتاد المذهب وحفظة التراث ، وسلفنا الصالح الذين بهم يُقتدى ، وعليهم يُعوّل.

ثم إنّ الاِمام عليه‌السلام باعتبار دوره القيادي الرائد في الاُمّة ، وما يحمله من علوم ومعارف ، الاَمر الذي جعله محوراً يدور عليه فلك الاُمّة الاِسلامية ، بمختلف اتجاهاتها وتياراتها المذهبية ، ولا عجب إذن لو رأيت أن بعض


رواة الاَئمة عليهم‌السلام من غير شيعتهم(١) ، بل ولعل البعض منهم من الغُلاة أو الواقفة وغيرهم ، وهذا يؤكد ما قلناه من محورية الاِمام في الاِشعاع العلمي الاِسلامي واستقطابه لكافة الفعاليات العلمية والاجتماعية في عصره.

ولولا الاَوضاع السياسية التي مرّت على الاُمّة الاِسلامية وعصفت بها منذ عهد بني أمية وحتى زمن متأخر من عصورنا الحاضرة لاَلفيت الصحاح والمدوّنات الحديثية قد ملئت بحديث أهل البيت عليهم‌السلام بعشرات أضعاف ما تحتويه اليوم ، لكن الخوف من روايته قد حال دون ذلك؛ لاَنّ عقوبة روايته كانت تواجه من قبل السلطان بأقسى ما تتصور من عقوبة أقلّها كان هدم داره ، وحذف اسمه من ديوان العطاء ، ونفيه مع من يلوذ به في العراء ، وهو المرحوم بحاله من قبل السلطة ، هذا إذا لم تنل السيوف من حبال رقبته.

دور الامام عليه‌السلام في الحياة العلمية

من المقدمات التي يلزم التذكير بها هنا أن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام جميعاً هم أبواب مدينة علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يختلفون سعة ، ولا يتميزون عمقاً ، ولا تتباين أهدافهم البتة ، وإنّما الاختلاف والتباين والتنوع في أدوار كل منهم ، تبعاً للظروف السياسية والاجتماعية والاقليمية التي تتحكم في مساحة تحرك كل إمام على الساحة الاِسلامية ، وفي صفوف الاُمّة.

____________

١) روى عن الاِمام الجواد عليه‌السلام من أهل السُنّة إبراهيم بن عبدالحميد الصنعاني ، وإبراهيم بن عقبة ، وإبراهيم بن محمد بن حاجب ، وإبراهيم بن مهدويه ، واُمية بن علي القيسي الشامي ، وجعفر ابن محمد بن مزيد ، ومنخّل بن علي ، وعمارة بن زيد الاَنصاري ، وعمر بن الفرج الرخجي وغيرهم.


فهناك دور مفروض للاَئمة عليهم‌السلام في نصّ الشريعة الاِسلامية ، وهو دور صيانة تجربة الاِسلام وتعميق الرسالة فكرياً وروحياً وسياسياً في الاَُمة والمحافظة على المقياس العقائدي والرسالي في المجتمع الاِسلامي.

ولقد تمثل الدور الاِيجابي لاَئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، في أنّهم استطاعوا الابقاء على المعالم الدينية الاَساسية للاُمّة ، والحفاظ على طابعها الرسالي ، وهويتها الفكرية من ناحية ، ومقاومة التيارات الفكرية التي تشكل خطراً على الرسالة ، وضربها في بدايات تكوينها من ناحية اُخرى(١) .

وبعد ذلك فإنّ الرسالة الاِسلامية تعنى بالاِنسان من كلِّ نواحيه ، وتأخذ بيده إلى كلِّ مجالاته ولا تفارقه ، وهو على مخدعه في فراشه ، وهو في بيته بينه وبين ربّه ، بينه وبين نفسه ، بينه وبين أفراد عائلته ، وهو في السوق ، وهو في المدرسة ، وهو في المجتمع ، وهو في السياسة ، وهو في الاقتصاد ، وهو في أي مجال من مجالات حياته(٢) ، ومن هنا يتوجب في القائد أن يكون على اطلاع ومعرفة بكلِّ مناحي الحياة ، واستيعاب لمجمل العلوم التي يحتاجها أهل الاَرض ، ولكلِّ ما نزل من السماء ، وهو مالم يتحقق في غير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبمن أودعهم مكنون علومه من أهل بيته المعصومين المنتجبين الاَبرار عليهم‌السلام .

وقد ورد في الاَخبار أن من صفات الاِمام عليه‌السلام : « أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه ، وضروب أحكامه ، وأمره ونهيه ، وجميع ما يحتاج إليه

____________

١) أهل البيت عليهم‌السلام تنوع أدوار ووحدة هدف / السيد الشهيد محمد باقر الصدر : ١٢٧ ، ١٣١ ، ١٤٤ ، ١٤٥.

٢) أهل البيت عليهم‌السلام تنوع أدوار ووحدة هدف / السيد الشهيد محمد باقر الصدر : ٧٥.


الناس. فيحتاج الناس إليه ، ويستغني عنهم »(١) .

من هنا نقف على أن علم الاَئمة الاثني عشر عليهم‌السلام واحد ، فعلم أولهم كعلم آخرهم ، علم إلهامي يتوارثونه خلفاً عن سلف ، صغيرهم وكبيرهم فيه سواء ، بل ورد أن الاَئمة عليهم‌السلام تنتقل إليهم بعض مواريث الاَنبياء عليهم‌السلام أيضاً ، كالسيف والخاتم والعصا ، وغيرها. إضافة إلى ما يعلمونه من أحكام جميع رسالات السماء السابقة. وحديثهم أيضاً واحد ليس فيه اختلاف وتعارض ، وإن ظهر في ألفاظ ومعان مختلفة؛ لاَنّه صادر من منبع واحد ، فهم عليهم‌السلام يحدِّثون عن آبائهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عليه‌السلام عن الله تبارك وتعالى ، وذلك ما جاء في قول الاِمام الصادق عليه‌السلام :« إنّ حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحديث رسول الله قول الله عزَّ وجلَّ » (٢) .

بعد هذه المقدمة نعود إلى ساحة قدس إمامنا الجواد عليه‌السلام ، كي نستلهم من فيض علومه ما نتمكن من خلاله رسم خط بياني نستطيع به استشفاف واستقراء نشاط الاِمام العلمي خلال حياته القصيرة جداً ، ورغم سني التضييق والاِقامة الجبرية في بغداد ، وإن لم تكن معلومة العدد ، إلاّ أنها بلا شك ليست قليلة بالنسبة إلى المدة التي عاشها عليه‌السلام .

دوره في الفقه وأحكام الشريعة :

لفقه مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام سمات بارزة متميزة عن سائر الفقه السائد

____________

١) بحار الاَنوار / المجلسي ٢٥ : ٦٤.

٢) اُصول الكافي ١ : ٥٣ / ١٤ (كتاب فضل العلم). والارشاد / الشيخ المفيد ٢ : ١٨٦.


في مدرسة الرأي ، وخلاصة تلك السمات أنه يستمد مقوماته من القرآن الكريم أولاً ، ثم السُنّة الثابتة ثانياً ، ولهذا أصبح فقه مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام هو الامتداد الطبيعي لفقه القرآن الكريم والسُنّة المطهرة ، وليس فيه شيء من عمل الرأي أو استعمال القياس والاستحسان وما شابه ذلك ، وهناك عشرات بل مئات الروايات المصرّحة بأنّ كل ما لدى أهل البيت عليهم‌السلام إنّما هو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توارثوه واحداً بعد واحد وصولاً إلى الاِمام المهدي عليه‌السلام (١) .

ويتميّز أيضاً بالشمولية فانه لم يدع ملحظاً كلياً أو جزئياً إلاّ وقد بيّنه بمنتهى الدقة والتفصيل ، أما من حيث الامتداد الزماني فهو فقه الاَمس واليوم وغداً ، لصلاحيته لكلِّ زمان وامتداده إلى حلّ كلّ مشكلات الحياة.

ومما تقدم يتبين أن فقه أهل البيت فقه واحد لا يقبل التفكيك والفصل ، فلا يمكننا أن نقول : إنّ هذا هو فقه الاِمام علي عليه‌السلام وهذا فقه الاِمام الصادق عليه‌السلام وهكذا بالنسبة إلى جميع أئمة أهل البيت المعصومين عليهم‌السلام .

فحديثنا إذن عن دور الاِمام الجواد الفقهي هو عين الحديث عن فقه أهل البيت عليهم‌السلام الذين أُمرنا بطاعتهم والاقتداء بهديهم والتمسك بحبلهم ، وذلك أمان من الضلالة بنصّ حديث الثقلين المتواتر عند جميع فرق المسلمين.

أما عن الموارد الفقهية الكثيرة المروية عن الاِمام الجواد عليه‌السلام والتي لا تتسع لها هذه الدراسة الموجزة؛ فهي دالة بلا شكّ على أنه عليه‌السلام ملأ الفراغ الفقهي في عصره وأنه قد أغنى الساحة الاِسلامية ، وشيعته على وجه

____________

١) راجع : اُصول الكافي ١ : ٢٦٣ / ١ ـ ٣ و ٢٦٥ / ٢ و ٢٦٨ / ٩ وفي غير موضع منه.


الخصوص عن غيره ، فلم يلتمسوا حلول مشكلاتهم واجابات اسئلتهم من أحد غيره ، وهم الطائفة الواسعة الانتشار في شرق بلاد المسلمين وغربها.

ومن خلال قراءة واستعراض لبعض تلك الموارد نستخلص أن الاِمام الجواد عليه‌السلام كان مبرّزاً على جمهور الفقهاء ، وكبار العلماء والقضاة المعاصرين له ..

فمن حيث مجلسه عليه‌السلام في ديوان الخلافة ، ما كان ليجلس إلاّ بموازاة مجلس الخليفة ، والعلماء والقضاة في مجلسهم جميعاً كانوا دون مجلسه ، ويمثلون بين يديه ـ هيبة ـ عند محادثته ..

وأما آراؤه في (العقيدة ، والتفسير ، والفقه) فهي المقدّمة على بقية الآراء؛ لاَنّها تعكس واقعاً وحقيقة روح الاِسلام ، وذلك إذ يتجلّى من خلال ما مرّ من مناظرات أو من خلال ما أثبته لنا التأريخ في قصة الزواج في عهد المأمون أو قصة السارق الذي اعترف على نفسه بالسرقة في عهد المعتصم ، وقد طلب السارق من الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه فأُرجئ الحكم عليه إلى وقت معلوم. واستدعى المعتصم لذلك جمعاً من العلماء والقضاة إلى مجلسه للحكم في القضية ، واستدعى من جملة من استدعى الاِمام الجواد عليه‌السلام إلى ذلك المجلس الضخم الذي عقده لهذا الغرض ، وكان الاِمام عليه‌السلام يومذاك الشاب ابن الخامسة والعشرين سنة أو نحوها.

ورغم أن الرواية التي بين أيدينا لم تُسمّ الفقهاء الذين حضروا مجلس الحكم ، ولا عددهم؛ لكن بداهة يمكن الجزم ـ ويشاركنا هذا الرأي كلّ أحد ـ بأن الخليفة ما يستدعي إلى مجلسه إلاّ الطبقة الاُولى من فقهاء بغداد ، ومحدثيها المرموقين ، وقضاتها المتمكنين ، لا ضعافها ومغموريها أو


أذناب الناس وشذاذهم. وعليه نستطيع أن نشخّص مجموعة من فقهاء تلك المرحلة ، ورؤوس مذاهبها ، وأكابر قضاتها من الذين يمكن أن يُستدعون إلى ديوان الخلافة؛ لاِبداء رأي فقهي ، أمثال : إبراهيم بن سيّار بن النظّام (ت / ٢٣١ هـ) ، إبراهيم بن المهدي المصيصي (ت / ٢٢٥ هـ) ، أبو ثور إبراهيم ابن خالد الكلبي البغدادي (ت / ٢٤٠ هـ) ، أبو حسّان الزِّيادي الحسن بن عثمان (ت / ٢٤٢ هـ) وقيل : أبو حيّان ، أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي (ت / ٢٣٤ هـ) ، أبو معمر الهذلي (ت / ٢٣٦ هـ) ، أبو نصر التمّار ، أبو الهذيل محمد بن الهذيل العلاّف العبدي (ت / ٢٣٥ هـ) كان نسيج وحده وعالم دهره ، لم يتقدمه أحد من الموافقين له ولا من المخالفين ، أحمد بن إبراهيم الدورقي العبدي (ت / ٢٤٦ هـ) ، أحمد بن أبي دؤاد (ت / ٢٤٠ هـ) قاضي قضاة الدولة العباسية ، أحمد بن حنبل (ت / ٢٤١ هـ) ولو أنه لم يكن يحضر مجالس الخلفاء إلاّ أنه لا يمنع أن يجيب إذا استدعي ، أحمد بن الفرات (ت / ٢٥٨ هـ) ، أحمد بن منيع البغوي (ت / ٢٤٤ هـ) ، إسحاق بن أبي إسرائيل ، إسماعيل بن إسحاق السرّاج ، إسماعيل بن أبي أويس (ت / ٢٢٦ هـ) وهو ابن أخت مالك بن أنس ، إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة ولي القضاء للمعتصم بعد ابن سماعة ، بشر بن المعتمر الهلالي رئيس معتزلة بغداد في زمانه ، بشر ابن الوليد الكندي الحنفي (ت / ٢٣٨ هـ) ، ثمامة بن الاَشرس وكان واحد دهره في العلم والاَدب ، جعفر بن حرب الهمداني (ت / ٢٣٦ هـ) ، جعفر ابن عيسى الحسني أحد القضاة ، جعفر بن مبشر الثقفي (ت / ٢٣٤ هـ) ، الحسن ابن عرفة العبدي (ت / ٢٥٧ هـ) ، حفص بن عمر بن عبدالعزيز الدوري البغدادي (ت / ٢٤٦ هـ) إمام القرّاء وشيخ زمانه ، حيّان بن بشر تسلّم قضاء الكرخ سنة (٢٣٧ هـ) ، خلف بن هشام البزار (ت / ٢٢٩ هـ) ، سجّادة أبو علي


الحسن بن حمّاد الحضرمي البغدادي (ت / ٢٤١ هـ) من أجلّة العلماء في زمانه ، سعدويه الواسطي سعيد بن سليمان (ت / ٢٢٥ هـ) ، سليمان بن داود العتكي (ت / ٢٣٤ هـ) ، سوار بن عبدالله العبري التميمي (ت / ٢٤٥ هـ) تسلّم قضاء الرصافة سنة (٢٣٧ هـ) ، شجاع بن مخلد الفلاّس البغوي (ت / ٢٣٥ هـ) ، شعيب بن سهل الرازي الملقّب شعبويه (ت / ٢٤٦ هـ) قاضي الرصافة للمعتصم العباسي ، عبدالرحمن بن إسحاق الشافعي القاضي ، عبدالرحمن ابن كيسان الاَصم ، عبيدالله بن محمد بن الحسن ، علي بن الجعد الجوهري البغدادي (ت / ٢٣٠ هـ) الحافظ الحجة مُسند بغداد ، علي بن الجنيد الاِسكافي ، عيسى ابن صُبيح أبو موسى من علماء المعتزلة والمقدمين فيهم ، قتيبة بن سعد ، القواريري عبيدالله بن عمر ، كامل بن طلحة الجحدري (ت / ٢٣١ هـ) ، المحاسبي الحارث بن أسد (ت / ٢٤٣ هـ) ، محمد ابن بكار بن الريّان البغدادي (ت / ٢٣٨ هـ) ، محمد بن حاتم بن ميمون السمين (ت / ٢٣٥ هـ) الحافظ المجوِّد المفسِّر ، محمد بن الحسين البرجلاني الحنبلي (ت / ٢٣٨ هـ) ، محمد بن حمّاد وكان مقرباً من المأمون العباسي ، محمد بن سعد (ت / ٢٣٠ هـ) صاحب الطبقات الكبرى ، محمد بن سماعة (ت / ٢٣٣ هـ) تولى القضاء للرشيد وبقي فيه إلى أن ضعف بصره في عهد المعتصم فصرفه عنه باسماعيل بن حمّاد وتوفي وله مئة وثلاث سنين ، محمد بن عبدالله بن المبارك المخرّمي (ت / ٢٥٤ هـ) ، محمد بن هارون الورّاق (ت / ٢٤٧ هـ) ، النضر بن شميل ، هارون بن عبدالله الحمّال البغدادي (ت / ٢٤٣ هـ) ، هارون بن عبدالله الزهري (ت / ٢٣٢ هـ) ، يحيى ابن أكثم التميمي المروزي البغدادي (ت / ٢٤٢ هـ) قاضي القضاة الفقيه العلاّمة من أئمة الاجتهاد ، يحيى بن معين أبو زكريا المرِّي البغدادي (ت / ٢٣٣ هـ)


الحافظ شيخ المحدثين وإمامهم ، يعقوب بن إبراهيم الدورقي (ت / ٢٥٢ هـ) محدّث العراق(١) .

وأضراب هؤلاء كثير مما يطول به المقام من الذين كانوا ببغداد يومذاك ويشار إليهم بالمشيخة والتفرّد بالفضل والعلم.

فالرواية التي ينقلها العياشي عن زرقان وهو محمد بن شداد أبو يعلى المسمعي (ت / ٢٧٨ أو ٢٧٩ هـ) وقد عمّر طويلاً ، وهو أيضاً من الفقهاء والمتكلمين. قال العياشي : عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد وصديقه بشدّة ، قال : رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم ، فقلت له في ذلك ، فقال : وددت اليوم أني قد متُّ منذ عشرين سنة ، قال : قلت له : ولِمَ ذاك؟ قال : لما كان من هذا الاَسود أبا جعفر محمد بن علي ابن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم ، قال : قلت له : وكيف كان ذلك؟ قال : إنّ سارقاً أقرّ على نفسه بالسرقة ، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه ، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه ، وقد أحضر محمد بن علي عليه‌السلام ، فسألنا عن القطع في أيّ موضع يجب أن يقطع؟ قال : فقلت : من الكرسوع ، قال : وما الحجة في ذلك؟ قال : قلت : لاَنّ اليد هي الاَصابع والكف إلى الكرسوع؛

____________

١) اعتمدنا في استخلاص هذه الجمهرة من علماء وقضاة بغداد المعاصرين للاِمام الجواد عليه‌السلام في تلك الفترة : البداية والنهاية ١٠ : ٢٩٩ حوادث سنة (٢١٨ هـ). وتاريخ أبي الفداء ١ : ٣٤٠. وتاريخ الخلفاء / السيوطي : ٣٠٩ ـ ٣١٢ بتحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد. وتاريخ الطبري ٧ : ١٨٧ ـ ٢٠٦ حوادث سنة (٢١٨ هـ). وطبقات الفقهاء / أبو إسحاق الشيرازي الشافعي (ت / ٤٧٦ هـ). والكامل في التاريخ ٦ : ٣ ـ ٦ مراجعة وتصحيح الدكتور محمد يوسف الدقاق. ومحاضرات تاريخ الاُمم الاِسلامية / الخضري ٢ : ٢١٢ ـ ٢١٥. والوفيات / ابن قنفذ (ت / ٨٠٩ هـ) وغيرها.


لقول الله في التيمم : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) (١) واتّفق معي على ذلك قوم.

وقال آخرون : بل يجب القطع من المرفق ، قال : وما الدليل على ذلك؟ قالوا : لاَنّ الله لما قال : ( وأيديكم إلى المرافق ) (٢) في الغسل دلّ ذلك على أن حدّ اليد هو المرفق ، قال : فالتفت إلى محمد بن علي عليه‌السلام ، فقال : ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال : قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين ، قال : دعني مما تكلّموا به ، أيّ شيء عندك؟ قال : اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين. قال : أقسمت عليك بالله لمّا أخبرت بما عندك فيه ، فقال : أما إذا أقسمت عليَّ بالله إنّي أقول إنّهم أخطأوا فيه السنة ، فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الاَصابع ، فيترك الكف. قال : وما الحجة في ذلك؟ قال : قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السجود على سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين والرجلين(٣) . فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها ، وقال الله تبارك وتعالى : ( وأن المساجد لله ) (٤) يعني به هذه الاَعضاء السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع الله أحداً) وما كان لله لم يقطع ، قال : فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الاَصابع دون الكفّ ، قال ابن أبي دؤاد : قامت قيامتي وتمنيّت أني لم أك

____________

١) سورة النساء : ٤ / ٤٣.

٢) سورة المائدة : ٥ / ٦.

٣) صحيح البخاري ١ : ٢٨٠ / ٧٧٦ و ٧٧٧ باب السجود على سبعة أعظم أخرجه عن ابن عباس. والجامع الصحيح ١ : ٤٤٦ / ٢٣١ (٤٩١) أخرجه عن العباس بن عبدالمطلب. وكذا الاَحاديث ٢٢٧ ـ ٢٣٠. وسنن ابن ماجة ١ : ٢٨٢ / ٨٨٤ و ٨٨٥.

٤ و ٥) سورة الجن : ٧٢ / ١٨.


حيّاً(١) .

فلسان الرواية يبيّن أن الخليفة أعدّ مسبقاً لذلك المجلس جمعاً غفيراً من الفقهاء للحكم في هذه المسألة ، ويبدو أيضاً أنه اختارهم على مختلف المشارب والاتجاهات الفقهية والفكرية؛ لاَنّ الوقت آنذاك كان وقت كلام ومساجلات وتعدد في الآراء الفقهية.

دوره في تفسير القرآن :

من نافلة القول إن الاَئمة من أهل البيت النبوي الطاهر عليهم‌السلام ، هم الراسخون في العلم ، المفسرون للقرآن الكريم كما أنزله الله وأراده حقيقة ، وهم وحدهم العالمون بتأويله ، والدليل على ظاهره وباطنه. وليس بدعاً من القول إذا سلّمنا بأنهم عدل القرآن؛ للنبوي الصحيح المروي في المدوّنات الحديثية لدى الفريقين سواء بسواء ، ذلك هو حديث :« إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً » (٢) .

إذا علمت هذا ، فينبغي بمن هو عدل الكتاب وقرينه ، أن يكون عالماً بكل آياته ، ومحيطاً بجميع أسراره ومحكمه ومتشابهه ، ناسخه ومنسوخه ، وهكذا كان أهل البيت عليهم‌السلام قرآناً ناطقاً يهدي للتي هي أقوم ، ويبشّر

____________

١) تفسير العياشي ١ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ / ١٠٩ طبع طهران بتحقيق السيد هاشم الرسولي المحلاتي.

٢) الحديث روي في العديد من المصادر التي لا يمكن حصرها هنا نذكر منها : صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ / ٢٤٠٨. ومسند أحمد ٥ : ١٨٩. وسنن الدارمي ٢ : ٤٣١ ـ ٤٣٢. ومصنّف ابن أبي شيبة ١١ : ٤٥٢ / ١١٧٢٥. وصحيح الترمذي ٥ : ٦٦٢ / ٣٧٨٦. وللمزيد راجع : دفاع عن الكافي / ثامر العميدي ١ : ١٤٤ ـ ١٥٣ ففيه تفاصيل عن ألفاظ الحديث وطرقه ودلالاته ومصادره.


المؤمنين بخط ولايتهم بأن لهم قدم صدق عند مليك مقتدر.

وعلى الرغم من أن ما وصل إلينا عن الاَئمة الميامين عليهم‌السلام بشأن القرآن الكريم وتفسيره لا يشكل إلاّ نزراً يسيراً لما يمتلكون من حصيلة علمية ، وثراء فكري ليس لهما حدود ، إلاّ أن المتصدي لتفسير القرآن الكريم لا يمكنه الاستغناء عن تفسيرهم عليهم‌السلام لما فيه من سمات أصيلة لفهم كتاب الله ، أبرزها تفسير القرآن بالقرآن ، والقول بسلامة القرآن من التحريف وغيرها من المبادىَ الاَساسية لادراك معاني الكتاب الكريم.

وإمامنا الجواد عليه‌السلام هو واحد من تلك الكوكبة ، لا يمكن الاستغناء عما وصلنا عنه في التفسير بحال ، وهو كثير جداً لو استُخرج من مظانه ، وجُمع شتاته.

ومن أمثلة تفسيره عليه‌السلام ، ما نقله الكليني في الكافي بسنده عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري الذي قال : قلت لاَبي جعفر عليه‌السلام سائلاً عن معنى : ( لا تُدرِكُهُ الاَبصَارُ وهو يُدرِكُ الاَبصارَ ) (١) .

فقال عليه‌السلام :« يا أبا هاشم ، أوهام القلوب أدق من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند ، والبلدان التي لم تدخلها ، ولا تدركها ببصرك ، وأوهام القلوب لا تدركه ، فكيف أبصار العيون؟! » (٢) .

ونقل شيخ الطائفة في تهذيبه ، بسنده عن السيد (عبدالعظيم بن عبدالله الحسني ، عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه‌السلام أنّه قال : سألته عمّا أُهلّ

____________

١) سورة الاَنعام : ٦ / ١٠٣.

٢) اُصول الكافي ١ : ٩٩ / ١١.


لغير الله. قال :« ما ذُبح لصنم أو وثن أو شجر ، حرّم الله ذلك كما حرّم الميتة والدم ولحم الخنزير ( فَمن اضطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ فلا إثمَ عليه ) (١) أن يأكل الميتة » . قال : فقلت له : يابن رسول الله ، متى تحلّ للمضطر الميتة؟ فقال :« حدّثني أبي عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سُئل فقيل له : يا رسول الله إنا نكون بأرض فتصيبنا المخمصة ، فمتى تحلُّ لنا الميتة؟ قال : ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفوا بقلاً ، فشأنكم بهذا » .

قال عبدالعظيم : فقلت له : يابن رسول الله فما معنى قوله عزَّ وجلَّ : ( فَمنِ اضطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ ) ؟ قال :« العادي : السارق ، والباغي : الذي يبغي الصيد بطراً ولهواً؛ ليعود به على عياله ، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا ، هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار ، وليس لهما أن يقصّرا في صوم ولا صلاة في سفر » .

قال : قلت له : فقول الله تعالى : ( والمنخَنِقَةُ والموقُوذَةُ والمتردِّيةُ والنَّطيحَةُ وما أكلَ السَّبُعُ إلاَّ ما ذكَّيتُم ) (٢) . قال :« المنخنقة : التي انخنقت بأخناقها حتى تموت. والموقوذة : التي مرضت ووقذها المرض حتى لم تكن بها حركة. والمتردّية : التي تتردّى من مكان مرتفع إلى أسفل أو تتردّى من جبل أو في بئر فتموت. والنطيحة : التي تنطحها بهيمة اُخرى فتموت. وما أكل السبع منه فمات. وما ذُبح على حجر أو على صنم ، إلاّ ما أُدركت ذكاته فذُكيّ » .

قلت : (وأن تستقسمُوا بالاَزلامِ)؟ قال : « كانوا في الجاهلية يشترون بعيراً فيما بين عشرة أنفس ، ويستقسمون عليه بالقداح ، وكانت عشرة ، سبعة

____________

١) سورة المائدة : ٥ / ٣.

٢) سورة البقرة : ٢ / ١٧٣.


لهم أنصباء وثلاثة لا أنصباء لها. أما التي لها أنصباء : فالفذّ ، والتوأم ، والنافس ، والحِلس ، والمسبل ، والمعلّى ، والرقيب(١) . وأما التي لا أنصباء لها : فالسفح ، والمنيح ، والوغد. وكانوا يجيلون السهام بين عشرة ، فمن خرج باسمه سهم من التي لا أنصباء لها أُلزم ثلث ثمن البعير ، فلا يزالون كذلك حتى تقع السهام التي لا أنصباء لها إلى ثلاثة ، فيُلزم ثمن البعير ، ثم ينحرونه ويأكل السبعة الذين لم ينقدوا في ثمنه شيئاً ، ولم يطعموا منه الثلاثة شيئاً. فلما جاء الاِسلام حرّم الله تعالى ذكره ذلك فيما حرّم ، وقال : ( وأن تستَقسِمُوا بالاَزلامِ ذلِكُم فسقٌ ) يعني حراماً »(٢) .

دوره في ترسيخ العقائد الاِسلامية :

في هذا المقطع التاريخي الذي عاصره الاِمام الجواد عليه‌السلام كانت حمّى ظهور المذاهب الكلامية والعقائدية تأخذ بالانتشار هنا وهناك ، يساعد على ذلك توجه الحاكم نفسه إلى اللعب بالورقة المذهبية من جهة وظهور طبقة من وعّاظ السلاطين نظّمت نفسها وكيّفتها على نمط خاص للدخول في اكمام السلطان والعيش تحت آباطه ، قانعين بما ينالهم من نتانة الموقع ، والاِذلال والصغار ، مقابل أن لا يُحرموا من بذخ القصور ، ودعة العيش ، وفاخر الثياب ، وبدر الدراهم.

وتموج الاُمّة في ضلال تيارات عقيدية وفكرية عديدة فمن مشبّهة إلى معطّلة إلى مجبرة إلى غير ذلك من العقائد الباطلة والدعاوى المنحرفة ، التي أثيرت في عصره عليه‌السلام ، مما لا تتسع له صفحاتنا هذه ، وكان للاِمام الجواد عليه‌السلام

____________

١) وقيل في ترتيبها غير ذلك.

٢) تهذيب الاَحكام ٩ : ٨٣ / ٣٥٤.


دور بارز في ترسيخ العقائد الاِسلامية والدفاع عنها ، وتصحيح معتقدات الناس مما قد يخطر في أذهانهم من تصورات خاطئة حول اُصول الاعتقاد.

التوحيد والصفات :

فعندما يُسئل من قبل عبدالرحمن بن أبي نجران عن التوحيد حين قال له : أتوهّم شيئاً؟

أجابه الاِمام عليه‌السلام من فوره : « نعم ، غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ، ولا تدركه الاَوهام.

كيف تُدركه الاَوهام وهو خلاف ما يُعقل ، وخلاف ما يُتصوّر في الاَوهام؟ إنّما يتوهّم شيء غير معقول ولا محدود »(١) .

ويُسأل الاِمام عليه‌السلام أيضاً عن الباري تبارك وتعالى أنه يجوز أن يقال له : إنّه شيء؟

(قال :« نعم ، يُخرجه من الحدين : حدّ التعطيل ، وحدّ التشبيه » )(٢) .

وفي الكافي أيضاً أن عبدالرحمن بن أبي نجران كتب إلى أبي جعفر عليه‌السلام أو سأله قائلاً : (جعلني الله فداك ، نعبد الرحمن الرحيم الواحد الاَحد الصمد؟

فقال : « إنّ من عبد الاِسم دون المسمّى بالاَسماء أشرك وكفر وجحد ، ولم يعبد شيئاً ، بل اعبُد الله الواحد الاَحد الصمد المسمّى بهذه الاَسماء ، دون

____________

١) اُصول الكافي ١ : ٨٢ / ١ باب إطلاق القول بأنه شيء من كتاب التوحيد.

٢) اُصول الكافي ١ : ٨٢ / ٢. وراجع : التوحيد / الصدوق : ١٠٧.


الاَسماء. إنّ الاَسماء صفات وصف بها نفسه »)(١) .

وفي إطار الاَسماء والصفات لله تبارك وتعالى ، يسأله داود بن القاسم أبو هاشم الجعفري عن معنى الواحد. فيجيبه الاِمام عليه‌السلام قائلاً :« إجماع الاَلسن عليه بالوحدانية ، كقوله تعالى : ( ولئن سألتَهُم من خَلَقَهُم ليقولُنَّ الله ) » (٢) .

وروى داود بن القاسم أبو هاشم الجعفري أنّ رجلاً ناظر الاِمام الجواد عليه‌السلام في أسماء الله تعالى وصفاته ، فقال : (كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام فسأله رجل فقال : أخبرني عن الربِّ تبارك وتعالى ، له أسماء وصفات في كتابه؟ وأسماؤه وصفاته هي هو؟

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « إنّ لهذا الكلام وجهين :

إن كنت تقول : هي هو ، أي أنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك.

وإن كنت تقول : هذه الصفات والاَسماء لم تزل فإنّ (لم تزل) محتمل معنيين : فإن قلت : لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها ، فنعم.

وإن كنت تقول : لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها ، فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره ، بل كان الله ولا خلق ، ثم خلقها ـ أي الاَسماء ـ وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه ، ويعبدونه وهي ذكره.

وكان الله ولا ذكر ، والمذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل ، والاَسماء والصفات مخلوقات. والمعاني والمعنيُّ بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف وإنّما يختلف ويأتلف المتجزّئ ، فلا يقال : الله مؤتلف ، ولا : الله

____________

١) اُصول الكافي ١ : ٨٧ / ٣ باب المعبود من كتاب التوحيد.

٢) اُصول الكافي ١ : ١١٨ / ١٢. والآية من سورة الزخرف : ٤٣ / ٨٧.


قليل ، ولا كثير ، ولكنه القديم في ذاته؛ لاَنّ ما سوى الواحد متجزّئ ، والله واحد لا متجزئ ، ولا متوهّم بالقلة والكثرة ، وكلّ متجزئ أو متوهَّم بالقلّة والكثرة فهو مخلوق دالٌّ على خالقٍ له.

فقولك : (إنّ الله قدير) ، خبّرت أنه لا يعجزه شيء فنفيت بالكلمة العجز ، وجعلت العجز سواه. وكذلك قولك : (عالم) ، إنّما نفيت بالكلمة الجهل ، وجعلت الجهل سواه. وإذا أفنى الله الاَشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع ، ولا يزال من لم يزل عالماً ».

فقال الرجل : فكيف سمّينا ربّنا سميعاً؟

فقال الاِمام : « لاَنّه لا يخفى عليه ما يُدرك بالاَسماع ، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس ، وكذلك سميناه بصيراً؛ لاَنّه لا يخفى عليه ما يُدرك بالاَبصار. من لون أو شخص أو غير ذلك ، ولم نصفه ببصر لحظة العين.

وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفى من ذلك ، وموضع النشوء منها ، والعقل والشهوة للسفاد والحدب على نسلها ، وإقام بعضها على بعض ، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمفاوز والاَودية والقفار. فعلمنا أنّ خالقها لطيف بلا كيف ، وإنّما الكيفية للمخلوق المكيّف.

وكذلك سمّينا ربّنا قوياً لا بقوة البطش المعروف من المخلوق ، ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة ، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان ، وما كان ناقصاً كان غير قديم ، وما كان غير قديم كان عاجزاً.

فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ ، ولا ندّ ، ولا كيف ، ولا نهاية ، ولا


تبصار بصر. ومحرّم على القلوب أن تُمثّله ، وعلى الاَوهام أن تحدّه ، وعلى الضمائر أن تكوّنه جلّ وعزّ عن أداة خلقه ، وسمات بريّته ، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً »)(١) .

الفرق المنحرفة :

في رجال الكشي عن علي بن مهزيار قال : (سمعتُ أبا جعفر عليه‌السلام يقول ـ وقد ذُكر عنده أبو الخطّاب(٢) ـ :« لعن الله أبا الخطّاب ، ولعن أصحابه ، ولعن الشاكّين في لعنه ، ولعن من وقف فيه ، وشك فيه » (٣) .

وبالاِضافة إلى لعن الاِمام عليه‌السلام لاَبي الخطّاب وأصحابه ، فإنّه عليه‌السلام وقف موقفاً حاسماً من الفرقة الواقفية وغيرها. فقد أورد الكشي بسنده عن محمد بن رجاء الحنّاط ، عن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام أنّه قال :« الواقفة حمير الشيعة » .

____________

١) اُصول الكافي ١ : ١١٦ / ٧. وراجع : التوحيد / الصدوق : ١٩٣.

٢) أبو الخطّاب : هو محمد بن أبي زينب مقلاص الاَسدي الكوفي الاَجدع. كان في بادئ أمره من أصحاب الاِمام الصادق عليه‌السلام ، ثم انحرف عن خط أهل البيت عليهم‌السلام ، بل وعن الدين ، فأخذ ينسب أباطيله وعقائده الفاسدة إلى الاِمام الصادق عليه‌السلام كذباً وزوراً ، وتبعه عدد من المضلّلين والنفعيين حتى شكّلوا فرقة سمّيت فيما بعد بالخطّابية. من عقائدهم زعموا أن الصلاة والصيام والتكاليف الاُخرى ، والخمر والزنا والسرقة وغيرها هي أسماء رجال ، والآيات القرآنية الآمرة بأداء تلك الاَعمال والناهية عنها ، إنّما هي آمرة بمحبة أولئك الرجال أو النهي عن محبتهم فقط. كما أظهروا كثيراً من البدع والضلالات والاِباحات ، حتى وصل بهم الاَمر إلى الدعوة إلى نبوّة أبي الخطاب. بعث إليهم والي المدينة جيشاً ـ بعد أن استفحل أمرهم ـ فقاتلوهم حتى أبادوهم عن آخرهم إلاّ رجلاً واحداً منهم نجا من القتل.

٣) اختيار معرفة الرجال : ٥٢٨ / ١٠١٢.


ثم تلا قوله تعالى : ( إنْ هُم إلاّ كالاَنعام بل هُم أضَلُّ سبيلاً ) (١) .

كما تجلّى موقفه الحاسم هذا في نهيه عن التعامل مع الفطحية والواقفة ولم يجوّز الصلاة خلف أحدهم(٢) .

الردّ على الاَحاديث الموضوعة :

وفي إطار البحوث العقائدية ردّ الاِمام الجواد عليه‌السلام على جملة وافية من الاَحاديث الموضوعة في فضائل بعض الصحابة ، التي روّج لها بنو أُمية منذ زمان معاوية بن أبي سفيان ، وصرفوا الاَموال الطائلة في سبيل وضعها ونشرها ، وذلك لبلوغ أهدافهم السياسية والمحافظة على أركان ملكهم واستمرار تسلطهم غير المشروع على الخلافة الاسلامية.

فقد روي أن ابن أكثم ناظر الاِمام أبا جعفر عليه‌السلام بمحضر المأمون وجماعة كبيرة من أركان دولته وخاصته ، فقال يحيى للاِمام عليه‌السلام : ما تقول يابن رسول الله في الخبر الذي روي أن جبرائيل نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا محمد إنّ الله يقرؤك السلام ، ويقول لك : سل أبا بكر هل هو راضٍ عني ، فإنّي راضٍ عنه؟

فقال عليه‌السلام : « لست بمنكر فضل أبي بكر ، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع : قد كثُرت عليَّ الكذابة وستكثر ، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به ، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به. وليس يوافق هذا الخبر

____________

١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٤٤.

٢) راجع : تهذيب الاَحكام ٣ : ٢٨ / ٩٨.


كتاب الله ، قال الله تعالى : ( وَلَقَد خَلَقنا الاِنسانَ ونَعلمُ ما توسوِسُ بِهِ نفسُهُ ونحنُ أقربُ إليهِ من حَبلِ الوريدِ ) (١) فالله عزَّ وجلَّ خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتى سأل عن مكنون سرّه؟! هذا مستحيل في العقول ».

ثم قال يحيى بن أكثم : وقد روي أنّ مثل أبي بكر وعمر في الاَرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء.

فقال الاِمام عليه‌السلام :« وهذا أيضاً يجب أن يُنظر فيه؛ لاَن جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقرّبان ، لم يعصيا الله قط ، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة. وهما ـ أي أبو بكر وعمر ـ قد أشركا بالله عزَّ وجلّ ، وإن أسلما بعد الشرك ، وكان أكثر أيامهما في الشرك بالله ، فمحال أن يُشبِّههما بهما » .

قال يحيى : وقد روي أنهما سيدا كهول أهل الجنة ، فما تقول فيه؟

فقال عليه‌السلام :« وهذا محال أيضاً؛ لاَنّ أهل الجنة كلّهم يكونون شباباً ، ولا يكون فيهم كهل ، وهذا الخبر وضعه بنو أُمية لمضادة الخبر الذي قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحسن والحسين بأنّهما سيدا شباب أهل الجنة » .

فقال يحيى بن أكثم : وروي أن عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنة.

فقال عليه‌السلام :« وهذا أيضاً محال؛ لاَنّ في الجنة ملائكة الله المقربين ، وآدم ، ومحمداً وجميع الاَنبياء والمرسلين ، لا تضيء بأنوارهم حتى تضيء بنور عمر؟! » .

قال يحيى : وروي أنّ السكينة تنطق على لسان عمر.

____________

١) سورة ق : ٥٠ / ١٦.


فقال عليه‌السلام :« لست بمنكر فضائل عمر ، لكنّ أبا بكر ـ وأنه أفضل من عمر ـ قال على رأس المنبر : إنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإذا ملتُ فسدّدوني » .

فقال يحيى : قد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لو لم أُبعث لبُعث عمر.

فقال عليه‌السلام :« كتاب الله أصدق من هذا الحديث ، يقول الله في كتابه : ( وإذ أخَذنا من النبيِّينَ ميثاقَهُم ومنكَ ومن نوحٍ ) (١) فقد أخذ الله ميثاق النبيين ، فكيف يمكن أن يستبدل ميثاقه؟ وكان الاَنبياء لم يشركوا طرفة عين ، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك ، وكان أكثر أيامه مع الشرك بالله؟! وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نُبِّئتُ وآدم بين الروح والجسد » .

قال يحيى : وقد روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما احتبس الوحي عني قط إلاّ ظننته قد نزل على آل الخطّاب.

فقال عليه‌السلام :« وهذا محال أيضاً؛ لاَنّه لا يجوز أن يشكّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نبوّته ، قال الله تعالى : ( الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس ) (٢) . فكيف يمكن أن تنتقل النبوّة ممن اصطفاه الله إلى من أشرك به؟ » .

قال يحيى : روي أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لو نزل العذاب لما نجى منه إلاّ عمر.

فقال عليه‌السلام :« وهذا محال أيضاً ، إنّ الله تعالى يقول : ( وَمَا كان الله لِيُعذِّبَهُم وأنتَ فيهم وما كان اللهُ مُعذِّبهُم وهم يستغفرون ) (٣) فأخبر سبحانه أنه لايعذّب أحداً مادام فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما داموا يستغفرون الله تعالى » .

____________

١) سورة الاَحزاب : ٣٣ / ٧.

٢) سورة الحج : ٢٢ / ٧٥.

٣) سورة الاَنفال : ٨ / ٣٣.


فأُفحم يحيى بن أكثم وسكت ، بعد أن أعيته أجوبة الاِمام عليه‌السلام عن إيجاد مخرج لما تورط فيه(١) .

توظيف المعجزة والكرامة في الهداية والارشاد :

الحدث المعجز إنّما يجريه الله سبحانه وتعالى على يد أنبيائه ورسله أو أوصيائهم؛ للتدليل على أن النبي المرسل أو الوصي المختار مرتبط بالسماء بشكل أو بآخر ، وأن المعجزة ـ وهي أمر خارق للعادة الطبيعية ـ هي تأييد لدعوى النبي بأنّه ينطق عن السماء ، وأن ما يأتي به من تعاليم إنّما تصدر عن الله تبارك وتعالى؛ وتأييد لدعوى الوصي أو الاِمام المعصوم أيضاً بأنّه يتصل بالنبوة التي هي بدورها من مختصات السماء.

ولقد وظّف أئمة أهل البيت عليهم‌السلام المعاجز والكرامات التي كانت تجري على أيديهم في استقطاب أفراد الاُمّة حول محور الاِمامة ، ثم إرشادهم وهدايتهم نحو المسار الصحيح.

ومن ذلك ، الخبر الذي يبيّن بجلاء توظيف الاِمام عليه‌السلام للمعجزة في هداية الناس إلى طريق الحق ، وإلفات نظرهم إلى عظيم منزلة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عند الله سبحانه. فقد جاء عن علي بن خالد ، قال : كنت بالعسكر ، فبلغني أنّ هناك رجلاً محبوساً أُتي به من ناحية الشام مكبولاً ، وقالوا : إنّه تنبأ(٢) .

قال : فأتيت الباب وداريت البوّابين حتى وصلت إليه ، فإذا رجل له فهم

____________

١) الاحتجاج / الطبرسي ٢ : ٢٤٥ طبعة النجف ـ دار النعمان ١٣٨٦ هـ ، تعليق السيد محمد باقر الخرسان.

٢) تنبأ أي ادّعى النبوة.


وعقل ، فقلت له : يا هذا ما قصتك؟

فقال : إنّي كنت رجلاً بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال إنّه نُصب فيه رأس الحسين عليه‌السلام فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبلٌ على المحراب أذكر الله تعالى إذ رأيت شخصاً بين يديّ ، فنظرت إليه. فقال لي : قم ، فقمت معه فمشى بي قليلاً فإذا أنا في مسجد الكوفة ، قال : فصلّى فصلّيت معه ثم انصرف وانصرفت معه ، فمشى قليلاً فإذا نحن بمسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلّى وصلّيت معه ، ثم خرج وخرجت معه فمشى قليلاً فإذا أنا بمكّة ، فطاف بالبيت وطفت معه ، ثم خرج فمشى قليلاً فإذا أنا بموضعي الذي كنت أعبد الله تعالى فيه بالشام ، وغاب الشخص عن عيني ، فبقيت متعجِّباً حولاً مما رأيت.

فلما كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به ، ودعاني فأجبته ، ففعل كما فعل في العام الماضي ، فلمّا أراد مفارقتي بالشام قلت له : سألتك بحقّ الذي أقدرك على ما رأيت منك إلاّ أخبرتني من أنت؟

فقال :« أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر » .

فحدّثتُ من كان يصير إليّ بخبره ، فرقي ذلك إلى محمد بن عبدالملك الزيّات ، فبعث إليّ فأخذني وكبلني في الحديد وحملني إلى العراق وحبست كما ترى ، وادُّعي عليَّ المحال.

فقلت له : فأرفع عنك قصة إلى محمد بن عبدالملك الزيّات.

فقال : إفعل.

فكتبت عنه قصة شرحت أمره فيها ورفعتها إلى محمد بن عبدالملك


الزيّات ، فوقّع في ظهرها : قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ومن الكوفة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة وردَّك من مكة إلى الشام ، أن يخرجك من حبسك هذا.

قال علي بن خالد : فغمني ذلك من أمره ورققت له وانصرفت محزوناً عليه ، فلما كان من الغد باكرت الحبس لاَعلمه بالحال وآمره بالصبر والعزاء ، فوجدت الجند وأصحاب الحرس وأصحاب السجن وخلقاً عظيماً من الناس يهرعون ، فسألت عن حالهم فقيل لي : المحمول من الشام المتنبىَ افتقد البارحة من الحبس ، فلا يُدرى أخُسِفت به الاَرض أو اختطفته الطير!

وكان هذا الرجل ـ أعني علي بن خالد ـ زيدياً ، فقال بالاِمامة لمّا رأى ذلك وحسُنَ اعتقاده(١) .

وروي عن القاسم بن المحسن(٢) ، قال : كنت فيما بين مكّة والمدينة فمرَّ بي أعرابي ضعيف الحال ، فسألني شيئاً فرحمته وأخرجت له رغيفاً فناولته إياه ، فلما مضى عني هبّت ريح شديدة ـ زوبعة ـ فذهبت بعمامتي من رأسي ، فلم أرها كيف ذهبت؟ وأين مرّت؟ فلما دخلت على أبي جعفر بن الرضا عليه‌السلام ، فقال لي :« يا قاسم! ذهبت عمامتك في الطريق؟ » .

قلت : نعم.

قال :« يا غلام أخرج إليه عمامته » ، فأخرج إليَّ عمامتي بعينها ، قلت :

____________

١) الاِرشاد ٢ : ٢٨٩ ـ ٢٩١. وراجع : دلائل الاِمامة : ٢٠٥ / ٣٦٦. وإعلام الورى : ٣٤٧. وكشف الغمة ٣ : ١٤٩.

٢) الظاهر أنّه : القاسم بن الحسن البزنطي ، إذ لا وجود للقاسم بن المحسن في كتب الرجال.


يابن رسول الله! كيف صارت إليك؟

قال :« تصدقت على الاَعرابي ، فشكر الله لك ، وردّ عمامتك ، وان الله لا يضيع أجر المحسنين » (١) .

ونقل الإربلي عن القاسم بن عبدالرحمن ـ وكان زيدياً ـ قال : خرجت إلى بغداد فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعاودون ويتشرّفون ويقفون قلت : ما هذا؟ فقالوا : ابن الرضا ، ابن الرضا.

فقلت : والله لأنظرنّ إليه ، فطلع على بغل ـ أو بغلة ـ فقلت : لعن الله أصحاب الاِمامة حيث يقولون إنّ الله افترض طاعة هذا.

فعدل إليَّ وقال :« يا قاسم بن عبدالرحمن ( أبَشَراً منّا واحداً نتّبِعُهُ إنّا إذاً لفي ضلالٍ وسُعرٍ ) (٢) » .

فقلت في نفسي : ساحر والله.

فعدل إليَّ فقال :« ( أأُلقي الذكرُ عَلَيهِ من بَينِنا بل هو كذّابٌ أشرٌ ) » (٣) .

قال : فانصرفت وقلت بالاِمامة ، وشهدت أنه حجة الله على خلقه واعتقدت(٤) .

دوره في التربية الاَخلاقية والاجتماعية :

إنّ دور الاِمام عليه‌السلام في المجتمع هو نفس دور الاَنبياء والرسل عليهم‌السلام ، يتمثل

____________

١) كشف الغمة ٣ : ١٥٩ ـ ١٦٠.

٢) سورة القمر : ٥٤ / ٢٤.

٣) سورة القمر : ٥٤ / ٢٥.

٤) كشف الغمة ٣ : ١٥٠.


في بناء وصياغة الاِنسان النموذج؛ لاَنّ النبي أو الاِمام هو شاهد منتخب من قبل عالم الغيب ، ويتحمل في عالم الشهادة مسؤولية تأسيس أُمّة صالحة من الداخل ، بعد أن يغرس في أعماقها كل المعاني والمُثُل والقيم الفاضلة ، ثم قيادتها وفق الاَوامر الاِلهية ، للوصول إلى المجتمع التوحيدي المتكامل.

ومن خلال استقراء منهج الاَنبياء والرسل في قيادة البشرية وهدايتها عبر سلسلتهم الطويلة الممتدة منذ بدء الخليقة المتمثلة بالاِنسان الاَول ، والذي كان نبياً أيضاً ، وحتى الرسالة الخاتمة المتمثلة بأشرف الاَنبياء والرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو خاتمهم ، نجد أنّ هذا المنهج يعتبر الاِنسان محور حركته ...

الاِنسان لا كعقل مجرد ، بل الاِنسان صاحب العقل والروح والاَحاسيس والمشاعر الاِنسان صاحب القلب والعواطف ..

وعليه فمشروع الاَنبياء عليهم‌السلام وأوصيائهم ـ وخاتمتهم الاَئمة الاثني عشر عليهم‌السلام ـ في صياغة الاِنسان وتربيته وصنعه ، يتم من خلال التعامل مع تلك المقومات الاِنسانية التي ذكرنا بشكل عاطفي وعملي ، وليس كالفلاسفة الذين يتعاملون ويتجاذبون مع العقول المجردة.

بعد هذه المقدمة الموجزة نستعرض بعض المرويات عن إمامنا جواد الاَئمة عليه‌السلام والتي تكشف لنا كيفية توعيته لاَصحابه وشيعته وعموم الاُمّة وارشادهم إلى السلوك الاِيماني القويم ومن ذلك؛ الخبر الذي أورده ابن شعبة في تحف العقول حيث نقل أن أبا هاشم الجعفري قال للاِمام أبي جعفر عليه‌السلام في يوم تزوج أُم الفضل ابنة المأمون : (يا مولاي لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم.


فقال عليه‌السلام :« يا أبا هاشم! عظمت بركات الله علينا فيه » .

قلت : نعم يا مولاي ، فما أقول في اليوم.

فقال عليه‌السلام :« تقول فيه خيراً فإنّه يصيبك » .

قلت : يا مولاي أفعل هذا ولا أخالفه.

قال عليه‌السلام :« إذاً ترشد ولا ترى إلاّ خيراً » )(١) .

ومن ذلك أيضاً الخبر المروي في تهذيب شيخ الطائفة قدس‌سره بسنده عن أبي ثمامة قال : قلت لاَبي جعفر الثاني عليه‌السلام : إنّي أُريد أن ألزم مكة أو المدينة ، وعليّ دين ، فما تقول؟

فقال عليه‌السلام :« إرجع إلى مؤدي دينك واُنظر أن تلقى الله عزَّ وجلَّ وليس عليك دين ، إن المؤمن لا يخون » (٢) .

وفي الكافي أورد عن ابن مهران ، قال : كتب أبو جعفر الثاني عليه‌السلام إلى رجل :« ذكرت مصيبتك بعلي ابنك ، وذكرتَ أنه كان أحبّ ولدك إليك ، وكذلك الله عزَّ وجلَّ إنّما يأخذ من الولد وغيره أزكى ما عند أهله؛ ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة. فأعظم الله أجرك ، وأحسن عزاك ، وربط على قلبك ، إنّه قدير ، وعجّل الله عليك بالخلف ، وأرجو أن يكون الله قد فعل إن شاء الله تعالى » (٣) .

ونقل المجلسي في بحاره بسند رفعه إلى بكر بن صالح قال : (كتب صهر

____________

١) تحف العقول : ٣٣٩ طبعة النجف ١٣٨٠ هـ.

٢) تهذيب الاَحكام ٦ : ١٨٤ / ٣٨٢.

٣) الفروع من الكافي ٣ : ٢٠٥. وراجع أيضاً : ٢١٨.


لي إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أن أبي ناصب خبيث الرأي ، وقد لقيت منه شدّة وجهداً ، فرأيك ـ جعلت فداك ـ في الدعاء لي ، وما ترى جُعلت فداك؟ أفترى أن أكاشفه أم أُداريه؟

فكتب :« قد فهمت كتابك وما ذكرت من أمر أبيك ، ولست أدع الدّعاء لك إن شاء الله ، والمداراة خير لك من المكاشفة ، ومع العسر يسر ، فاصبر إن العاقبة للمتقين ثبتك الله على ولاية من تولّيت ، نحن وأنتم في وديعة الله الذي لا يضيع ودائعه » .

قال بكر : فعطف الله بقلب أبيه حتى صار لا يخالفه في شيء)(١) .

وحدّث الشيخ الصدوق عن أبيه قوله : (حدثني سعد بن عبدالله ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن اسماعيل بن سهل ، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام علّمني شيئاً إذا أنا قلته كنت معكم في الدنيا والآخرة.

قال : فكتب بخطّه أعرفه :« أكثر من تلاوة (إنّا أنزلناه) ورطّب شفتيك بالاستغفار » (٢) .

روائع من نور كلمه

أئمة أهل البيت عليهم‌السلام هم أزِمّة الحقّ ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق! إن نطقوا صدقوا ، وإن صمتوا لم يُسبقوا. فهم عيش العلم ، وموت الجهل.

____________

١) بحار الأنوار ٥٠ : ٥٥ / ٣٠.

٢) ثواب الأعمال : ١٦٥ باب ثواب الاستغفار.


يُخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حِكَم منطقهم ، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه. إن سكتوا كان سكوتهم ذكراً ، وإن نظروا كان نظرهم عبرة ، وإن نطقوا كان منطقهم الحكمة. فكلامهم : لا يُملُّ ، وحديثهم لا تمجّه الآذان ، وتستأنس به النفوس ، وهو إلى القلب أسرع منه إلى السمع وإن كان يمر عبر صيوانه؛ وذلك لاَنّ لسان حالهم أسبق من لسان مقالهم. وانّ ما يخرج من القلب لا شك أنه يدخل مفترشاً صحراء القلب ، ولا يبقى عالقاً في شفير المسامع.

فكما أن كلامهم عليهم‌السلام ، وكلّ كلامهم نور ونطقهم حكمة فإنّ إمامنا الجواد عليه‌السلام ـ وهو أحد أهل البيت النبوي الطاهر ـ له أيضاً كلمات حكيمة ، ومواعظ نورانية ، وآداب إلهية.

وقد آثرنا ونحن نقترب من خاتمة هذه الدراسة ، نقل قبسات من أنوار حكمه عليه‌السلام والتي هي في مضامينها مناهج عمل ، وبرامج توعية وهداية للسالكين طريق الحق والصلاح.

فمما قاله عليه‌السلام :« لا تعادِ أحداً حتى تعرف الذي بينه وبين الله تعالى ، فإن كان محسناً فإنه لا يسلمه إليك ، وإن كان مسيئاً فإن علمك به يكفيكه ، فلا تعاده » .

وقال عليه‌السلام أيضاً :« الثقة بالله تعالى ثمن لكلِّ غالٍ ، وسُلّم إلى كلِّ عالٍ » .

وقال عليه‌السلام :« من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة » .

وقال عليه‌السلام : « كيف يضيع من الله كافله؟! وكيف ينجو من الله طالبه؟! ومن انقطع إلى غير الله وكّله الله ـ تعالى ـ إليه ، ومن عمل على غير علم أفسد أكثر


مما يصلح »(١) .

وقال عليه‌السلام :« استصلاح الاَخيار بإكرامهم ، والاَشرار بتأديبهم ، والمودّة قرابة مستفادة » .

وقال عليه‌السلام :« القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالاَعمال » .

وقال عليه‌السلام :« من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق يؤدي عن الله عزَّ وجلَّ فقد عبد الله ، وإن كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان » (٢) .

وقال عليه‌السلام :« لو كانت السموات والاَرض رتقاً على عبد ثم اتقى الله تعالى لجعل منها مخرجاً » .

وقال عليه‌السلام :« لا تكن ولياً لله في العلانية ، وعدواً له في السرِّ » .

وقال عليه‌السلام :« من استغنى بالله افتقر الناس إليه ، ومن اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا » .

وقال عليه‌السلام :« لن يستكمل العبد حقيقة الاِيمان حتى يؤثر دينه على شهوته ، ولن يهلك حتى يؤثر هواه وشهوته على دينه » .

وقال عليه‌السلام :« عزّ المؤمن غناه عن الناس » .

وقال عليه‌السلام :« من أطاع هواه أعطى عدوّه مناه » .

____________

١) التذكرة الحمدونية / ابن حمدون ١ : ١١٣ / رقم ٢٢٨.

٢) الفروع من الكافي ٦ : ٤٣٤ / ٢٤.


وقال عليه‌السلام :« من هجر المداراة قارنه المكروه ، ومن لم يعرف الموارد ، أعيته المصادر » (١) .

وقال عليه‌السلام :« راكب الشهوات لا تُستقال له عثرة » .

وقال عليه‌السلام :« ما عظمت نعمة الله على عبد إلاّ عظمت عليه مؤونة الناس ، فمن لم يحتمل تلك المؤونة فقد عرّض النعمة للزوال » .

وقال عليه‌السلام :« من كثر همّه سقم جسده » .

وقال عليه‌السلام :«من لم يرض من أخيه بحسن النية ، لم يرض بالعطية » .

وقال عليه‌السلام :« أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه؛ لاَنّ لهم أجره وفخره وذكره ، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنّما يبدأ فيه بنفسه ، فلا يطلبنّ شكر ما صنع إلى نفسه من غيره » .

وقال عليه‌السلام :« من أخطأ وجوه المطالب خذلته وجوه الحيل » .

وقال عليه‌السلام :« من استحسن قبيحاً كان شريكاً فيه » .

وقال عليه‌السلام :« موت الاِنسان بالذنوب أكثر من موته بالاَجل ، وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر » .

وقال عليه‌السلام :« ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله تعالى : كثرة الاستغفار؛ ولين الجانب؛ وكثرة الصدقة. وثلاث من كنّ فيه لم يندم : ترك العجلة ، والمشورة؛ والتوكّل على الله عند العزم » .

وقال عليه‌السلام : « المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال : توفيق من الله ؛ وواعظ من

____________

١) التذكرة الحمدونية ١ : ٣٨٣ / رقم ١٠٨.


نفسه ، وقبول ممن ينصحه ».

وقال عليه‌السلام :« التوبة على أربع دعائم : ندم بالقلب؛ واستغفار باللسان؛ وعمل بالجوارح؛ وعزم أن لا يعود » .

وقال عليه‌السلام :« أربع من كنّ فيه استكمل الاِيمان : من أعطى لله؛ ومنع في الله؛ وأحب لله؛ وأبغض فيه » .

وقال عليه‌السلام :« الجمال في اللسان ، والكمال في العقل » .

وقال عليه‌السلام :« العفاف زينة الفقر ، والشكر زينة الغنى ، والصبر زينة البلاء ، والتواضع زينة الحسب ، والفصاحة زينة الكلام ، والعدل زينة الاِيمان ، والسكينة زينة العبادة ، والحفظ زينة الرواية ، وخفض الجناح زينة العلم ، وحسن الاَدب زينة العقل ، وبسط الوجه زينة الحلم ، والاِيثار زينة الزهد ، وبذل المجهود زينة النفس ، وكثرة البكاء زينة الخوف ، والتقلل زينة القناعة ، وترك المن زينة المعروف ، والخشوع زينة الصلاة ، وترك ما لا يعني زينة الورع » .

وقال عليه‌السلام :« يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم » .

وقال عليه‌السلام :« إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له » .

وقال عليه‌السلام : وقد سُئل عن الحزم :« هو أن تنظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك » (١) .

وقال لبعض الثقات عنده ، وقد أكثر من تقريظه : « أقلل من ذلك ، فإنّ

____________

١) التذكرة الحمدونية ١ : ٣٨٣ / رقم ١٠٠٥.


كثرة الملق تهجم على الظنّة ، وإذا حللت من أخيك في الثقة فاعدل عن الملق إلى حسن النية »(١) .

وقال عليه‌السلام :« الحسد ماحق للحسنات ، والزهو جالب للمقت ، والعُجب صادن عن طلب العلم داعٍ إلى التخمّط في الجهل ، والبخل أذم الاَخلاق ، والطمع سجية سيئة » (٢) .

ونقل ابن حمدون ـ أيضاً ـ في تذكرته عن ربيع الاَبرار ، قوله عليه‌السلام :« إيّاك والحسد فإنّه يَبين فيك ولا يَبين في عدوّك » (٣) .

وقال عليه‌السلام :« عليكم بطلب العلم ، فإنّ طلبه فريضة ، والبحث عنه نافلة ، وهو صلة بين الاِخوان ، ودليل على المروءة ، وتحفة في المجالس ، وصاحب في السفر ، وأُنس في الغربة » (٤) .

____________

١) المصدر السابق ٤ : ٣٦٣ / رقم ٩٢٧.

٢) المصدر السابق ٢ : ١٨٢ / رقم ٤٢٥.

٣) المصدر السابق ٢ : ١٨٣ / رقم ٤٢٧.

٣) راجع في مصادر هذه الأقوال : تحف العقول : ٣٣٩ ـ ٣٤٠. وكشف الغمة ٣ : ١٣٧ ـ ١٤٢. والفصول المهمة : ٢٦٩ وقد أخذها عن كتاب « معالم العترة النبوية » لعبد العزيز من الأخضر الجنابذي. وبحار الأنوار ٧٨ : ٣٥٨ ـ ٣٦٥.



الفصل الرابع

شهادته عليه‌السلام وما قيل فيه

استدعاء المعتصم :

برحيل المأمون في ١٣ رجب سنة« ٢١٨ هـ » بويع لاَخيه أبي إسحاق المعتصم محمد بن هارون في شعبان من نفس ذلك العام. ويبدو أن الاَشهر الاَخيرة من تلك السنة كانت حافلة بحدث البيعة للخليفة الجديد ، حيث إنّه لم يكن يومها في بغداد عاصمة الخلافة ، إذ كان خرج مع جيش المأمون لحرب الروم وكان قائداً لاَحد فصائل الجيش.

ولما رجع إلى بغداد في رمضان شغلته الاَشهر الثلاثة الاَخيرة في ترتيب القواد والوزراء وعمّال الولايات ، وبعض الثورات والتحركات المضادة. وما أن استتب له أمر الملك وانقادت البلاد له شرقاً وغرباً ، حتى أخذ يتناهى إلى سمعه بروز نجم الاِمام الجواد عليه‌السلام ، واستقطابه لجماهير الاُمّة ، وأخذه بزمام المبادرة شيئاً فشيئاً. وتتسارع التقارير إلى الحاكم الجديد بتحرك الاِمام أبي جعفر عليه‌السلام وسط الاُمّة الاِسلامية.

عليه ، يقرر المعتصم العباسي وبمشورة مستشاريه ووزرائه ، ومنهم ابن أبي دؤاد الاِيادي ، قاضي القضاة المعروف حاله الشخصي ، المبغض لاَهل البيت النبوي عليهم‌السلام الذي كان يسيطر على المعتصم وقراراته وسياسته ، يقرر


المعتصم بكتاب يبعثه إلى واليه على المدينة محمد بن عبدالملك الزيّات(١) في عام« ٩١٢ هـ » بحمل الاِمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام وزوجته أم الفضل بكل إكرام وإجلال وعلى أحسن مركب إلى بغداد.

لم يكن بد من قبل الاِمام عليه‌السلام من الاستجابة لهذا الاستدعاء ، الذي يُشم منه الاِجبار والاِكراه ، وقد أحسّ الاِمام عليه‌السلام بأن رحلته هذه هي الاَخيرة التي لا عودة بعدها؛ لذلك فقد خلّف ابنه أبا الحسن الثالث في المدينة بعد أن اصطحبه معه إلى مكة لاَداء موسم الحجّ ، وأوصى له بوصاياه وسلّمه مواريث الاِمامة ، وأشهد أصحابه بأنه إمامهم من بعده(٢) وتستمر الاستعدادات لترحيل الاِمام إلى بغداد ، ويستمهلهم الاِمام عليه‌السلام لحين أداء الموسم ، وفعلاً يؤدي الاِمام الجواد عليه‌السلام الموسم ، ويترك مكّة فور أداء المناسك معرجاً على مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليخلّف فيها ابنه الوصي الوريث ، ولكن يبدو أنه عليه‌السلام خرج من المدينة متجهاً إلى بغداد ولم يزر جده المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكأنه أراد بهذه العملية التعبير عن احتجاجه على هذا الاستدعاء ، وأن خروجه من مدينة جده إنّما هو مكره عليه.

ويواصل الاِمام عليه‌السلام رحلته إلى المصير المحتوم وقد أخبر أحد أصحابه بأنّه غير عائد من رحلته هذه مرة اُخرى(٣) . كما روى محمد بن القاسم ، عن أبيه ، وروى غيره أيضاً ، قال : لمّا خرج ـ الاِمام الجواد عليه‌السلام ـ من المدينة في

____________

١) راجع : مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب ٤ : ٣٨٤.

٢) راجع : إثبات الوصية / المسعودي : ١٩٢. وعيون المعجزات : ١٣١. وعنه في بحار الأنوار ٥٠ : ١٦ واُصول الكافي ١ : ٣٢٣ / ١.

٣) اُصول الكافي ١ : ٣٢٣ / ١ باب الاشارة والنص على أبي الحسن الثالث عليه‌السلام .


المرة الاَخيرة ، قال :« ما أطيبك يا طيبة! فلست بعائد إليك » (١) ، وبُعيد هذا فقد أخبر الاِمام عليه‌السلام أصحابه في السنة التي توفي فيها بأنّه راحل عنهم هذا العام. فعن محمد بن الفرج الرخجي ، قال : (كتب إليَّ أبو جعفر عليه‌السلام :« احملوا إليَّ الخمس فإنّي لست آخذه منكم سوى عامي هذا » . فقُبض في تلك السنة)(٢) .

وأخيراً ينتهي به المسير إلى بغداد عاصمة الدولة العباسية ، مقرّه ومثواه الاَخير الاَبدي ، ويدخلها لليلتين بقيتا من المحرم من سنة« ٢٢٠ هـ » (٣) . وما أن وصل إليها وحطّ فيها رحاله حتى أخذ المعتصم يدبّر ويعمل الحيلة في قتل الاِمام عليه‌السلام بشكل سرّي؛ ولذلك فقد شكّل مثلثاً لتدبير عملية الاغتيال بكلِّ هدوء ..

مثلث الاغتيال :

على الرغم من تعدد الروايات في كيفية شهادة الاِمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام ، فإنّ أغلبها يجمع على أن الاِمام اغتيل مسموماً ـ ولو أن البعض توقف في أن يشهد بذلك؛ لعدم ثبوت خبر لديه(٤) ـ وأنّ مثلث الاغتيال قد تمثّل في زوجته أم الفضل زينب بنت المأمون ، وهي المباشر الاَول التي قدّمت للاِمام عنباً مسموماً ، ثم في أخيها جعفر ، يدبّرهم ويساعدهم على هذا الاَمر المعتصم بن هارون.

____________

١) الثاقب في المناقب / ابن حمزة الطوسي : ٥١٦.

٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٩.

٣) الإرشاد ٢ : ٢٩٥. وروضة الواعظين ١ : ٢٤٣.

٤) راجع الإرشاد ٢ : ٢٩٥ ، والسبب في ذلك أن الشيخ المفيد لا يعمل ولا يأخذ إلاّ بالأخبار المتواترة.


فقد ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين ومنهم المؤرخ الشهير المسعودي فقال : (فلما انصرف أبو جعفر إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبّرون ويعملون الحيلة في قتله ، فقال جعفر لاُخته أم الفضل ـ وكانت لاُمّه وأبيه ـ في ذلك؛ لاَنّه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله أُم أبي الحسن ابنه عليها ، مع شدّة محبتها له؛ ولاَنّها لم ترزق منه ولد ، فأجابت أخاها جعفراً)(١) .

وقال غيره : (ثم إنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر عليه‌السلام وأشار إلى ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه؛ لاَنّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر عليه‌السلام وشدة غيرتها عليه؛ لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها؛ ولاَنّه لم يرزق منها ولد ، فأجابته إلى ذلك)(٢) .

أما ابن شهر آشوب فقد نقل في مناقبه أنّه : (لما بويع المعتصم جعل يتفقد أحواله ، فكتب إلى عبدالملك الزيّات أن ينفذ إليه التقي وأم الفضل)(٣) .

وحان الرحيل :

كما تضاربت الآراء واختلفت في تعيين تاريخ مولده ، كذلك وقع الاختلاف في تعيين يوم شهادته عليه‌السلام . ولا يمكن الترجيح على نحو الجزم بأحد تلك الاَقوال سواء في المولد أو الوفاة ، لكننا نستطيع أن نستقرب أحد التواريخ المنقولة في المصادر من خلال الاستئناس ببعض القرائن أو

____________

١) إثبات الوصية : ١٩٢. وراجع : دلائل الإمامة : ٣٩٥.

٢) عيون المعجزات : ١٣٢.

٣) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٤.


الدلائل التي تساعد على ذلك.

وبناءً على كون عمر الاِمام الجواد عليه‌السلام عند وفاته قد ضبط في بعض المصادر بخمس وعشرين سنة ، وشهرين ، وثمانية عشر يوماً(١) ، ولو رجّح تاريخ مولده في ١٧ رمضان سنة (١٩٥ هـ)(٢) ، فإنّ وفاته عليه‌السلام ستكون وفق ذلك البناء يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة سنة (٢٢٠ هـ)(٣) .

ومما يعضد هذا الرأي وجود رواية في الكافي في باب الاِشارة والنصّ على أبي الحسن الثالث عليه‌السلام :« شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر أنّ أبا جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، أشهده أنه أوصى إلى عليّ ابنه بنفسه وأخواته إلى أن ينتهي من بعض وصاياه ويؤرخ الوصية بقوله : وذلك يوم الاَحد لثلاث ليالٍ خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومئتين » (٤) .

من هذا يتبيّن أن الاِمام عليه‌السلام حي يرزق في يوم الاَحد ، حيث كتب وصيته وأشهد عليها ثلاثة من أصحابه المقربين إليه : خادمه ، ومولاه ، وأحد أبناء عمومته ، ثم كانت بعد ذلك شهادته عليه‌السلام يوم الثلاثاء.

وقيل : يوم الثلاثاء لست ليالٍ خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين(٥) .

____________

١) اُصول الكافي ١ : ٤٩٢.

٢) إعلام الورى ٢ : ٩١.

٣) إثبات الوصية : ١٩٢.

٤) اُصول الكافي ١ : ٣٢٥ / ٣.

٥) تاريخ أهل البيت عليه‌السلام : ٨٥ ، بتحقيق السيد محمد رضا الجلالي ، نشر مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام


أما كيفية وفاته عليه‌السلام فإنّه اختُلف فيها أيضاً ، فمن قائل بشهادته مسموماً بعنب رازقي ، ومن قائل بمسموميته في منديل ، وهناك من قال إنّه سُمَّ بشراب ، أو من قال إنّ المعتصم أشار إلى أعوانه بدعوته إلى مأدبة فقُدِّم له طعام مسموم فأكل منه ، ومنهم من صرّح بعدم ثبوت خبر موته بالسم ، وسكت البعض الآخر عن كيفية موته واكتفى بكلمة (قُبض).

ولعلَّ أقدم نصٍّ توفّرنا عليه الخبر الذي أورده العياشي المتوفّى سنة« ٣٢٠ هـ » في تفسيره.

قال العياشي : ( قال زرقان : إنّ ابن أبي دؤاد قال : صرت إلى المعتصم بعد ثلاثة ، فقلت : إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة ، وأنا أكلّمه بما أعلم أنّي أدخل به النار.

قال : وما هو؟

قلت : إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لاَمر واقع من اُمور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر المجلس أهل بيته وقوّاده ووزراؤه وكتّابه ، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ، ثم يترك أقاويلهم كلّهم لقول رجل يقول شطر هذه الاُمّة بإمامته ، ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه ، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء!!

قال : فتغير لونه وانتبه لما نبّهته له ، وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيراً ، قال : فأمر (المعتصم) يوم الرابع فلاناً من كتّاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله ،

____________

١٤١٠ هـ ـ قم.


فدعاه. فأبى أن يجيبه وقال :« قد علمت أني لا أحضر مجالسكم » . فقال : إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام ، وأحب أن تطأ ثيابي وتدخل منزلي فأتبرك بذلك ، فقد أحب فلان بن فلان (من وزراء الخليفة) لقاءك.

فصار إليه ، فلما أُطعم منها أحسَّ السم ، فدعا بدابته ، فسأله ربّ المنزل أن يُقيم ، قال :« خروجي من دارك خير لك » .

فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة حتى قُبض عليه‌السلام )(١) .

أما الشيخ المفيد رحمه الله فقد نقل في إرشاده بأنّه عليه‌السلام : (قُبض ببغداد ، وكان سبب وروده إليها إشخاص المعتصم له من المدينة ، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم من سنة عشرين ومئتين ، وتوفي بها في ذي القعدة من هذه السنة.

وقيل : إنّه مضى مسموماً ، ولم يثبت بذلك عندي خبر فأشهد به)(٢) .

في حين نجد أن المؤرخ علي بن الحسين المسعودي المتوفّى سنة« ٤٣٦ هـ » يقول : (وقيل : إنّ أُم الفضل بنت المأمون لمّا قدمت معه من المدينة إلى المعتصم سمّته)(٣) .

وفي موضع آخر ذكر أن مثلث الاغتيال (المعتصم ـ جعفر ـ أم الفضل) كانوا قد تشاوروا وتعاونوا على قتل الاِمام والتخلّص منه بعد قدومه إلى بغداد ، بل ما استدعي إلاّ للغرض ذاته. فقال : ( وجعلوا ـ المعتصم بن

____________

١) تفسير العياشي ١ : ٣٢٠ / ١٠٩ وعنه بحار الأنوار ٥٠ : ٥ / ٧.

والخلفة : ذهاب شهوة الطعام من المرض ، أو الإسهال والتقيؤ نتيجة التسمم.

٢) الإرشاد ٢ : ٢٩٥.

٣) مروج الذهب ٤ : ٦٠ الطبعة الاُولى ١٤١١ هـ ، تحقيق عبد الأمير علي مهنا.


هارون وجعفر بن المأمون وأخته أم الفضل ـ سمّاً في شيء من عنب رازقي وكان يعجبه العنب الرازقي ، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي. فقال لها :« ما بكاؤك؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر ، وبلاء لا ينستر » ، فبليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناسوراً ينتقض عليها في كلِّ وقت. فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة حتى احتاجت إلى رفد الناس. وتردّى جعفر في بئر فأُخرج ميتاً ، وكان سكراناً ..

ولما حضرت الاِمام عليه‌السلام الوفاة نصّ على أبي الحسن وأوصى إليه ، وكان قد سلّم المواريث والسلاح إليه بالمدينة)(١) .

وأضاف ابن شهرآشوب السروي المازندراني (ت / ٥٨٨ هـ) ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري الاِمامي (من أعلام القرن الخامس الهجري) ،« إنّ امرأته أم الفضل بنت المأمون سمّته في فرجه بمنديل ، فلمّا أحس بذلك قال لها : « أبلاك الله بداء لا دواء له » ، فوقعت الاَكلة في فرجها ، وكانت تنصب للطبيب فينظرون إليها ويسرون ـ أو يشيرون ـ بالدواء عليها فلا ينفع ذلك حتى ماتت من علّتها)(٢) .

وقال ابن شهرآشوب قبل ذلك أن الاِمام عليه‌السلام لمّا تجهّز (وخرج إلى بغداد فأكرمه ـ أي المعتصم ـ وعظّمه ، وأنفذ أشناس(٣) بالتحف إليه وإلى أم

____________

١) دلائل الإمامة : ٣٩٥. وعيون المعجزات : ١٣١ وعنه بحار الأنوار ٥٠ : ١٦ / ٢٦.

٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٩١. ودلائل الإمامة : ٣٩٥.

٣) أشناس : من كبار قواد جيش المعتصم ، تركي الأصل. اشترك في فتح عمورية سنة « ٢٢٣ هـ ». عهد إليه المعتصم بناء مدينة سامراء لتكون ثكنة للجيش التركي الذي ضاقت به بغداد. تولى إمرة دمشق في عهد الواثق. مات سنة « ٢٣٠ هـ » ، وقيل سنة « ٢٥٢ هـ ».


الفضل ، ثم أنفذ إليه شراب حُمّاض الاَُترُجّ(١) تحت ختمه على يدي أشناس ، وقال : إنّ أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي دؤاد ، وسعد بن الخضيب وجماعة من المعروفين ، ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج ، وصُنع في الحال. فقال ـ أي الاِمام عليه‌السلام ـ :« أشربها بالليل » . قال : إنّها تنفع بارداً ، وقد ذاب الثلج ، وأصر على ذلك ، فشربها عالماً بفعلهم)(٢) .

وبعد ، فهذا إجمال لما ورد في شأن وفاته وكيفيتها ، والذي يبدو راجحاً هو أن الاِمام عليه‌السلام قُضي عليه بالسم ، وأن المشاركين في عملية الاغتيال قد عرفتهم ، وعرفت تدبيرهم. مع العلم أن محاولات سبقت كانت تدّبر لاغتيال الاِمام؛ لكنّه عليه‌السلام كان يعلم بها ، وكان حذراً وقد أخذ بالاحتياط في التعامل سواء مع زوجته أو مع أعوان السلطان في مأكله ومشربه. ولقد كان متوقعاً هذا الاَمر قبل وقت غير قليل ، فيوم دخل عليه محمد بن علي الهاشمي صبيحة عرسه في بغداد كان يتوقع هذا أن يأتوا للاِمام بماء مسموم حين طلب ماءً للشرب.

كما أفلت عليه‌السلام من محاولة استهدفت سمّه في طعام قدّم له ، فقد نقل أبو جعفر المشهدي باسناده : (عن محمد بن القاسم ، عن أبيه ، وعن غير واحد من أصحابنا أنّه قد سمع عمر بن الفرج أنّه قال : سمعتُ من أبي جعفر عليه‌السلام شيئاً لو رآه محمداً أخي لكفر.

فقلت : وما هو أصلحك الله؟

____________

١) الأتروج أو الأترنج : ثمر من جنس الحمضيات ويقال له (الترنج) أيضاً والحماض : ما في جوف الأترج من اللب.

٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٤.


قال : إني كنت معه يوماً بالمدينة إذ قرب الطعام ، فقال :« أمسكوا » .

فقلت : فداك أبي ، قد جاءكم الغيب!

فقال :« عليَّ بالخباز » . فجيء به ، فعاتبه وقال :« من أمرك أن تسمّني في هذا الطعام؟ » . فقال له : جُعلت فداك (فلان) ، ثم أمر بالطعام فرُفع وأُتي بغيره)(١) .

وعلى أي حال فقد نجح مثلث الاغتيال في تدبيرهم الاَخير ، وأطفأوا نور الاِمام ، وحرموا أنفسهم والاُمّة من بركاته ، وما أطفأوا إلاّ نوراً من أنوار النبوّة ، لو كانوا رعوه حق رعايته لسُقوا ماءً غدقاً ، ولاَكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولكنّهم :

عجبتُ لقوم أضلّوا السبيل

ولم يبتغوا اتّباع الهدى

فما عرفوا الحق حين استنار

ولا أبصروا الفجر لمّا بدا

وسرعان ما يلتحق الاِمام عليه‌السلام إلى بارئه فينال هناك كأسه الاَوفى ، وهو لم يخسر الدنيا؛ لاَنّه لم يكن يملك منها شيئاً ، ولا رجا وأمّل يوماً من حطامها شيئاً ، لكنّ الاُمّة خسرته ابناً من أبناء الرسالة ، وعلماً من أعلام النبوّة ، وطوداً شامخاً كان يفيض على هذا الوجود كلّ أسباب العلم والمعرفة ، والتقى والصلاح ، ولو قدروه حقّ قدره؛ لاَكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم ، ولوجدوا به خيراً كثيراً.

وروي أن ابنه علي الهادي عليه‌السلام قام في جهازه وغسله وتحنيطه وتكفينه كما أمره وأوصاه ، فغسّله وحنّطه وأدرجه في أكفانه وصلّى عليه في جماعة

____________

١) الثاقب في المناقب : ٥١٧ / ٤٤٦.


من شيعته ومواليه(١) .

وجاء في الاَخبار أن الواثق صلّى عليه بحضور جماهير غفيرة من الناس ، ثم حُمل جثمانه في موكب مهيب تشيعه عشرات الآلاف من الناس إلى مقابر قريش حيث مثوى جدّه الاِمام الكاظم موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، فأُقبر إلى جواره في ملحودة أصبحت اليوم عمارة شامخة تناطح السماء بمآذنها الذهبية ، وقبلة يؤمها آلاف المسلمين يومياً للتبرك بأعتابها ، وطلب الحوائج من ساكنيها. ولطالما انقلب الملمّون والمستغيثون إلى أهلهم فرحين بما وجدوا من إنجاز طلباتهم التي تعسّر حلّ مشكلها ، بل وإن البعض منها كان في حكم المحال حلّ معضله.

الاِشادة بشخصية الاِمام عليه‌السلام :

الاِمام الجواد عليه‌السلام ما رآه أحد إلاّ أُعجب به ودُهش ، وما سمع به أحد إلاّ أشاد به وأطراه ، فقد ملكت هيبة الاِمام ومواهبه ونبوغه المبكر عقول وعواطف العلماء والمؤرخين ، فراحوا يسجلون إعظامهم وإكبارهم عبر كلمات المديح والاِطراء عندما يصلون إلى ساحة قدس الاِمام الجواد عليه‌السلام ليكتبوا عن حياته الشريفة. وقد انتخبنا هذه المجموعة من الانطباعات لعدد من العلماء وكبار المؤرخين ـ من غير الاِمامية غالباً ـ عن شخصية الاِمام الجواد عليه‌السلام ومواهبه الخلاّقة ، وعبقريته المنقطعة النظير ، وما اتصف به من نزعات وأخلاق كانت تحكي خلق وصفات جده الرسول الاَكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وآبائه الميامين الاَطهار ، نردفها وفق تسلسل سني وفيات أصحابها ، وهي كما يلي :

____________

١) مجموعة وفيات الأئمة : ٣٤٢.


١ ـ ابن طلحة الشافعي (ت / ٦٥٢ هـ) ، قال في كتابه« مطالب السؤول في مناقب آل الرسول » عند تعرّضه لترجمة الاِمام الجواد عليه‌السلام :

(وأما) مناقب أبي جعفر محمد الجواد فما اتسعت له حلبات مجالها ، ولا امتدت له أوقات آجاله ، بل قضت عليه الاَقدار الاِلهية بقلة بقائه في الدنيا بحكمها وسجالها ، فقلّ في الدنيا مقامه ، وعجّل عليه فيها حمامه ، فلم تطل لياليه ، ولا امتدت أيامه ..

فإنّه قد تقدّم في آبائه عليهم‌السلام أبو جعفر محمد الباقر بن علي ، فجاء هذا باسمه وكنيته واسم أبيه ، فعُرف بأبي جعفر الثاني. وإن كان صغير السن فهو كبير القدر ، رفيع الذكر ، ومناقبه رضي‌الله‌عنه كثيرة(١) .

٢ ـ سبط ابن الجوزي (ت / ٦٥٤ هـ) ، قال في « تذكرة الخواص » :

محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام وكان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود. ولما مات أبوه قدم على المأمون فأكرمه وأعطاه ما كان يعطي أباه وكان يلقّب بالمرتضى والقانع ، وكانت وفاته خامس ذي الحجة وقبره يُزار ، وكان له أولاد المشهور منهم علي الاِمام(٢) .

٣ ـ علي بن عيسى الاِربلي (ت / ٦٩٣ هـ) ، قال في « كشف الغمة » :

الجواد عليه‌السلام في كلِّ أحواله جواد ، وفيه يصدق قول اللغوي جواد من الجودة من أجواد ، فاق الناس بطهارة العنصر ، وزكاء الميلاد ، فما قاربه

____________

١) مطالب السؤول ٢ : ٧٤.

٢) تذكرة الخواص : ٣٥٢.


أحد ومكانته الرفيعة تسمو على الكواكب ، ومنصبه يشرق على المناصب. له إلى المعالي سموّ ، وإلى الشرف رواح وغدوّ ، وفي السيادة إغراق وعلوّ. تتأرّج المكارم من أعطافه ، ويقطر المجد من أطرافه. إذا اقتسمت غنائم المجد والمعالي والمفاخر كان له صفاياها ، وإذا امتطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها. يباري الغيث جوداً وعطية ، ويجاري الليث نجدة وحمية. فمن له أب كأبيه أو جدّ كجدّه؟ فهو شريكهم في مجدهم وهم شركاؤه في مجده ، وكما ملأوا أيدي العفاة برفدهم ، ملأ أيديهم برفده(١) .

٤ ـ أبو الفداء (ت / ٧٣٢ هـ) ، في تاريخه المسمّى« المختصر في أخبار البشر » أو« تأريخ أبي الفداء » :

محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو أحد الاَئمة الاثني عشر عند الاِمامية ومحمد الجواد المذكور ، هو تاسع الاَئمة الاثني عشر ، وقد تقدم ذكر أبيه علي الرضا(٢) .

٥ ـ الحافظ الذهبي (ت / ٧٤٨ هـ) ، قال في« تاريخ الاِسلام » :

محمد بن الرضا علي بن الكاظم موسى بن الصادق جعفر بن الباقر محمد بن زين العابدين علي بن الشهيد الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، أبو جعفر الهاشمي الحسيني.

____________

١) كشف الغمة ٣ : ١٦٢.

٢) تأريخ أبي الفداء ١ : ٣٤٣.


كان يلقّب بالجواد ، وبالقانع ، وبالمرتضى. كان من سروات آل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفّي ببغداد في آخر سنة عشرين شاباً طريّاً وكان أحد الموصوفين بالسخاء؛ ولذلك لقّب بالجواد رحمه الله ورضي عنه(١) .

٦ ـ ابن تيميّة الحنبلي (ت / ٧٥٨ هـ) ، قال في كتابه « منهاج السُنّة » مانصّه :

محمد بن علي الجواد ، كان من أعيان بني هاشم ، وهو معروف بالسخاء والسؤدد ، ولهذا سمّي (الجواد). ومات وهو شاب ابن خمس وعشرين سنة(٢) .

٧ ـ اليافعي (ت / ٧٦٨ هـ) ، قال في كتابه « مرآة الجنان » :

أبو جعفر محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ، أحد الاثني عشر إماماً الذين يدّعي الرافضة فيهم العصمة. وكان المأمون قد نوّه بذكره ..

وكان الجواد يروي مسنداً عن آبائه إلى علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وكان يقول : « من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة »(٣) .

٨ ـ الغزّي (ت / ١١٦٧ هـ) ، ذكر ترجمة مقتضبة للاِمام الجواد عليه‌السلام في كتابه « ديوان الاِسلام » ، فقال :

الجواد : محمد بن علي بن موسى ، السيد الشريف أبو جعفر الهاشمي

____________

١) تاريخ الإسلام ١٥ : ٣٨٥ رقم ٣٧٢ وفيات سنة (٢١١ ـ ٢٢٠ هـ).

٢) منهاج السنّة ٢ : ١٢٧.

٣) مرآة الجنان ٢ : ٨٠.


الحسيني ، أحد الاَئمة الاثني عشر عند الاِمامية(١) .

٩ ـ الزِرِكلي (ت / ١٣٩٦ هـ) ، قال في« الاَعلام » :

محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم الطالبي الهاشمي القُرشي ، أبو جعفر الملقّب بالجواد (١٩٥ ـ ٢٢٠ هـ / ٨١١ ـ ٨٣٥ م) : تاسع الاَئمة الاثني عشر عند الاِمامية. كان رفيع القدر كأسلافه ، ذكياً ، طلق اللسان ، قوي البديهة(٢) .

ما قيل في رثائه

وقبل اختتام هذه الدراسة نفتح صفحة الاَدب ، ومن الاَدب ننتخب ملف الشعر الذي هو أحد أقوى مفردات الاَدب العربي شيوعاً ، وأبرز الوسائل الاِعلامية وأكثرها فاعلية وانتشاراً يومذاك ، وحتى في عصرنا الحاضر الذي بهت فيه بريق الشعر ، وقلّ الاهتمام بالشعر والشعراء إلى حدٍّ كبير جداً ، حيث أصبح الشعر في البرامج والمهرجانات والاحتفالات مادة لملء الفراغ ، فإنّه ـ مع ذلك ـ ما تزال له رنّة وتأثير على السامعين يفوق أي وسيلة إعلامية اُخرى.

وللاَثر البالغ للشعر على مسامع الناس ، ولشدة تعاطفهم مع ايقاعاته الموسيقية ، وميل النفوس إليه ، فقد قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ من الشعر

____________

١) ديوان الإسلام ٢ : ٦٧ رقم ٦٥١.

٢) الأعلام ٦ : ٢٧١.


لحِكَماً ، وإنّ من البيان لسحراً »(١) .

كما أنّ أئمة أهل البيت عليهم‌السلام قد اقتفوا أثر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستنشدوا الشعر ، وبعضهم أنشد. وقربوا الشعراء المبدأيين المنافحين عن الحق والعدل وأهله ، وحثوهم على قول الشعر وأجزلوا لهم العطاء ووعدوهم الجنة. قال الاِمام الصادق عليه‌السلام :« من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتاً في الجنة » (٢) .

وعليه فقد برز شعراء أفذاذ مثاليون نصروا الحقّ ، ولم تأخذهم في الله لومة لائم ، ونافحوا عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ومدحوهم ورثوهم بأحسن ما يكون المدح والرثاء ، أمثال الشهيد دعبل الخزاعي ، والكميت الاَسدي ، ومهيار ، وكوكبة لا تحصى عداً منذ الصدر الاَول وإلى يومنا هذا. فملاَوا بمديحهم ورثائهم عشرات الدواوين ، وطبيعي أن يكون لاِمامنا أبي جعفر الثاني عليه‌السلام نصيب من ذلك المديح والرثاء ، باعتباره حلقة من حلقات سلسلة الذهب. وقد وقفنا على الكثير من شعر المدح والرثاء بشأن الاِمامين الهمامين الجواد وجده موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، وما يختص بالجواد عليه‌السلام وحده. انتخبنا منه ما تتسع له دراستنا هذه ، فإلى المراثي والمديح التي راعينا في ترتيب أبياتها التسلسل التاريخي حسب سني وفاة ناظميها :

١ ـ فأقدم نصٍّ وقفنا عليه في مديح الاِمام الجواد عليه‌السلام وآبائه الطاهرين عليهم‌السلام هو للشاعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي المتوفّى سنة« ٢٣٠ هـ » ، المعاصر للاِمام الجواد عليه‌السلام . والقصيدة تتألف من« ٥٩ » بيتاً ، وهي

____________

١) بحار الأنوار ٧٩ : ٢٩٠.

٢) بحار الأنوار ٧٩ : ٢٩١ / ٩ ، نقلاً عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٥ / ١.


ليست في ديوانه المطبوع ، عثر عليها الشيخ حسين علي آلسليمان البحراني فأثبتها كاملة في رياضه ، ومطلعها :

حصحص الحق فاسهري أو فنامي

عن ملامي ستحتوين ملامي

ثم يصل بعد عدة أبيات إلى غرضه فيقول :

ربّي الله والاَمين نبييِّ

صفوة الله والوصي إمامي

ثم سبطا محمد تالياه

وعليّ وباقر العلم حامي

والتقي الزكيّ جعفر الطيّب

مأوى المعتوِّ والمعتامِ

ثم موسى ثم الرضا علم الفص

ـل الذي طال سائر الاَعلامِ

والمصفّى محمد بن عليّ

والمعرّى من كلِّ سوء وذامِ

أبرزت منه رأفة الله بالناس

لترك الظلام بدر التمامِ

فرع صدق نمى إلى الرتبة العليا

وفرع النبيّ لا شك نامي

فهو ماضٍ على البديهةِ بالفيصل

من رأي هبرِزيٍّ همامِ

عالم بالاُمور غارت فلم

تنجم وهذا يكون بالاِنجلآمِ

بالاُمور التي تبيت تقاسيها

على حين سكرة النوّامِ

هؤلاء الاُولى أقام بهم

حجته ذو الجلال والاِكرامِ

عصبة لست منكراً أنني

يفنى قعودي بحبّهم وقيامي(١)

 ____________

١) رياض المدح والرثاء / الشيخ حسين البحراني : ٧٢٣ طبعة المكتبة الحيدرية ـ قم ١٤١٠ ، تحقيق حسن عبد الأمير.


٢ ـ وفي المقتضب روى ابن عياش عن عبدالله بن محمد المسعودي ، قال : حدثني المغيرة بن محمد المهلبي ، قال أنشدني عبدالله بن أيوب الخريبي(١) ع الشاعر ، وكان انقطاعه إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، ولما توفي عليه‌السلام وقف يؤبنه ويمتدح أبا جعفر محمداً ابنه بقصيدة طويلة يقول فيها :

يابن الذبيح ويابن أعراق الثرى

طابت أرومته وطاب عروقا

يابن الوصيّ وصيّ أفضل مرسلٍ

أعني النبيّ الصادق المصدوقا

ما لُفّ في خرق القوابل مثله

أسد يلف مع الخريق خريقا

يا أيُّها الحبل المتين متى أعذ

يوماً بعقوته أجده وثيقا

أنا عائذ بك في القيامة لائذ

أبغي لديك من النجاة طريقا

لا يسبقني في شفاعتكم غداً

أحد فلست بحبكم مسبوقا

يابن الثمانية الاَئمة غرّبوا

وأبا الثلاثة شرّقوا تشريقا

إن المشارق والمغارب أنتم

جاء الكتاب بذلكم تصديقا(٢)

____________

١) عبدالله بن أيوب ، أبو محمد الخريبي البصري : نسبة إلى الخريبة وهو موضع مشهور بالبصرة. أديب ، فاضل. لزم الإمام الرضا عليه‌السلام ، ولعلّه كان شاهره. ذكره ابن شهر آشوب في المعالم : ١٥٢ ضمن الشعراء المتّقين. وترجم له سيد الأعيان في موسوعة الرجالية أعيان الشيعة ٨ : ٤٦.

٢) أعيان الشيعة ٢ : ٣٦.


٣ ـ أما شاعر الولاء لاَهل البيت عليهم‌السلام أبو محمد العوني(١) ، فقد نظم في مولد الاِمام الجواد عليه‌السلام أبياتاً يقول فيها :

هذا الذي إذ ولدته أُمّه

عاجلها منه حسيباً فابتدر

حتى تفرّغن النسا من حولها

وقلن هذا هو أمر مبتكر

والولد الطيّب قد جلّله

عنهنّ مولاه بثوبٍ فاستتر(٢)

٤ ـ ولاَبي الفتح علي بن عيسى الاِربلي قصيدة في مدح الاِمام الجواد عليه‌السلام وبيان فضله أثبتها في كتابه كشف الغمة يقول فيها :

حماد حماد للمثنى حمادِ

على آلاء مولانا الجوادِ

إمام هدىً له شرفٌ ومجدٌ

علا بهما على السبع الشداد

إمام هدىً له شرفٌ ومجدٌ

أقرّ به الموالي والمعادي

تصوب يداه بالجدوى فتُغني

عن الاَنواء في السنة الجمادِ

يبخل جود كفّيه إذا ما

جرى في الجود منهلّ الغوادِ

فواضله وأنعمه غزار

عهدن أبرّ من سحّ العِهادِ

فمن يرجو اللحاق به إذا ما

أتى بطريق فخر أو تلادِ

 ____________

١) طلحة بن عبيدالله بن محمد بن أبي عون ، أبو محمد العوني الغسّاني : شاعر شهير ، أكثر نظمه في أهل البيت عليهم‌السلام . توفي حوالي سنة (٣٥٠ هـ) بمصر. ترجم له السيد الأمين في أعيانه ٧ : ٤٠١. والعلاّمة الأميني في الغدير ٤ : ١٧٥ الطبعة المحققة.

٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٨٨.


من القوم الذين أقرّ طوعاً

بفضلهم الاَصادق والاَعادي

بهم عرف الورى سبل المعالي

وهم دلّوا الاَنام سُبل الرشادِ

وهم من غير شك وخلف

إذا أنصفت سادات العبادِ

أيا مولاي دعوة ذي ولاء

إليكم ينتمي وبكم ينادي

وقد قدمتكم زاداً لسيري

إلى الاُخرى ونعم الزاد زادي

فأنتم عدتي إن ناب دهر

وأنتم إن عرى خطب عتادي(١)

٥ ـ وللشيخ الحر العاملي محمد بن الحسن بن علي المنتهي نسبه إلى الشهيد الحر الرياحي رضي‌الله‌عنه والمتوفي سنة « ١١٠٤ هـ » ، أُرجوزة طويلة في تاريخ الاِمام الجواد عليه‌السلام وبيان معجزاته وفضائله ، منها قوله :

نصوصه كثيرة تواترت

معجزاته كذاك اشتهرت

وما جرى له مع المأمون

من موطئات العلم واليقين

إن كان طفلاً وبدا ما قد بدا

من فضله وعلمه لذي الهدى

وامتحنوه وأجاب العلما

جواب عالم درس وعُلِّما(٢)

٦ ـ وثمة ميمية للسيد صالح النجفي القزويني المتوفّى سنة « ١٣٠٦ هـ » في تاريخ الاِمام عليه‌السلام أبان فيها فضائله ومعجزاته ، ومطلعها :

سل الدار عن ساكنها أين يمّموا

فهل أنجدوا يوم استقلوا واتهموا

____________

١) كشف الغمة ٣ : ١٦٤.

٢) نزهة الجليس ومنية الأنيس ٢ : ١١١.


ومنها قوله في رثائه عليه‌السلام :

فيا لقصير العمر طال لموته

على الدين والدنيا البكا والتألمُ

بفقدك قد أثكلت شرعة أحمد

فشرعته الغرّاء بعدك أيِّمُ

عفا بعدك الاِسلام حزناً وأُطفئت

مصابيح دين الله فالكون مظلمُ

فيالك مفقوداً ذوت بهجة الهدى

له وهوت من هالة المجد أنجمُ

يميناً فما لله إلاّك حجة

يعاقب فيه من يشاءُ ويرحمُ

وليس لآخذ الثأر إلاّ محجَّبٌ

به كلّ ركنٍ للظلالِ يُهدَّمُ(١)

٧ ـ ونظم الشيخ جعفر الشرقي النجفي المتوفّى سنة « ١٣٠٩ هـ » رائية في مدح الاِمامين الكاظمين بابي الحوائج بمناسبة إتمام عمارة الصحن ومرقدهما الشريف عام « ١٣٠١ هـ » يقول فيها :

جواد يمير السحب جود يمينه

على أنّ فيض البحر راحته اليسرى

إمام يمدّ الشمس نوراً فإن تغب

كسا بسنا أنواره الاَنجم الزهرا

فحق إذا أزهرت في صحن داره

ودرن على ما حول مرقده دورا

ومذ زيّن الاَفلاك أحسن زينة

خضعن له لا بل سجدن له شكرا

ومن يك موصولاً بأحمد في العُلى

تهيب غير الذكر في نعته الذكرا

مدينة قدس قدّس الله سرّها

وشرّفها حتى على عرشه قدرا

____________

١) الدمعة الساكبة ٨ : ٨٧.


لقد حُشرت فيها الملائك والملا

جميعاً ولما تدرك البعث والحشرا

أحاطت بموسى والجواد فقل لمن

بهم غير علم الله لم يُحط خُبرا

أبوهم عليّ الطهر من بعد أحمد

نبيّ الهدى والاُم فاطمة الزهرا(١)

 ٨ ـ أما الشاعر المفلق عبدالباقي بن سليمان بن أحمد العمري الفاروقي الموصلي المتوفّى سنة « ١٢٧٩ هـ / ١٨٦٢ م » فله في مدح الاِمامين الجوادين هذه الاَبيات :

حظرة الكاظمين منها المرايا

قد حكت قلب صبّ أهل الطفوفِ

قد أظلّت شمساً بغير كسوفٍ

وأقلّت بدراً بغير خسوفِ

وطوت (كاظماً) ولفّت (جواداً)

فازدهت بالمطوي والملفوفِ

شرُفت فيهما وما كل ظرفٍ

حاز تشريفه من المظروفِ

وهي لمّا على السماء أنافت

بهما قلت يا سما المجد نوفي

لا تلمني على وقوفي ببابٍ

تتمنى الاَملاك فيه وقوفي

هو باب مجرّب ذو خواصٍ

كان منها إغاثة الملهوفِ

ملجأ العاجزين كهف اليتامى

مروّة المرملين مأوى الضيوفِ

فليلمني من شاء إني موال

رافل من ولائهم بشغوفِ(٢)

____________

١) شعراء الغري ٢ : ٤٢.

٢) موسوعة العتبات المقدسة ٩ : ٨٣.


٩ ـ وللعلاّمة الاَديب الشيخ محمدرضا المظفر المتوفّى سنة« ١٣٨٣ هـ » منظومة تائية في رثاء الاِمام الجواد عليه‌السلام وتاريخ حياته ، منها قوله :

بالاِمام الجواد منكم تمسّكت

وحسبي من قدسه النفحاتُ

حدثٌ قُلّد الاِمامة فانقا

دت لعلياء حكمه الحادثاتُ

ابن سبع ويا بروحي قد قا

م إماماً تُجلى به الكرباتُ

لا تخل ويك وهو في المهد طفل

هذّبته بدرِّها المرضعاتُ

هو نور من قبل أن تتجلّى

بسنا الحق هذه الكائناتُ

طاب في شهر طاعة الله مو

لوداً فنيطت بحبه الطاعاتُ

واصطفاه الاِله للخلق قوا

ماً فقامت لفضله المعجزاتُ

يا أبا جعفر وما أنت إلاّ البحـ

ـر جوداً له الهدى مرساةُ

كيف تقضي سماً غريباً وباسم

الله تجري ولاسمك الحادثاتُ

أنت أدرى بما أتت فيه أم

الفضل لكن شاءت لك النازلاتُ(١)

١٠ ـ أما الشيخ جعفر النقدي المولود سنة « ١٣٠٣ هـ » والمتوفى سنة « ١٣٥٨ هـ » فله قصيدة دالية في مديح الاِمام الجواد عليه‌السلام ورثائه ، انتخبنا منها الاَبيات التالية ومطلعها :

نفت عن مقلتي طيبَ الرقادِ

أحاديثُ الصبابة في سعادِ

____________

١) شعراء الغري ٨ : ٤٧٤.


إلى أن يقول :

لكم غزلي ومدحي في إمامي

أبي الهادي محمدٍ الجوادِ

هو البرّ التقي حمى البرايا

وغيث المجتدي غوث المنادي

إمام أوجب الباري ولاهُ

وطاعته على كلِّ العبادِ

إذا ما سُدَّت الاَبواب فاقصد

(جواد) بني الهُدى باب المرادِ

ترى باباً به الحاجات تُقضى

ومنتجعاً خصيب المسترادِ

وكم ظهرت له من معجزاتٍ

رآهنّ الحواضرُ والبوادي

ودسَّ لقتله سُمّاً زعافاً

زنيمٌ ليس يؤمن بالمعادِ(١)

 ____________

١) رياض المدح والرثاء : ٧٥٣ الطبعة المحققة.


مقدمة المركز............................................................... ٥

المقدِّمة..................................................................... ٧

الفصل الأول.............................................................. ١١

الجواد في ظلِّ أبيه عليهما‌السلام.................................................. ١١

ظروف ما قبل الميلاد :.................................................... ١١

بشرى المولد العظيم :..................................................... ١٣

رعاية أبوية خاصة :....................................................... ١٥

نسبه الشريف :.......................................................... ١٨

أُمّه عليها‌السلام :.............................................................. ١٩

كنيته :................................................................. ٢٠

حليته :................................................................. ٢٠

ألقابه الشريفة :.......................................................... ٢١

أولاده :................................................................. ٢١

النصّ على إمامته :....................................................... ٢٣

نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :....................................................... ٢٤

نصّ الاِمام الكاظم عليه‌السلام :................................................ ٢٧

نصّ الاِمام الرضا عليه‌السلام :.................................................. ٢٩

شهادات اُخرى :......................................................... ٣٠

العمر ومنصب الاِمامة :................................................... ٣٢

الفصل الثاني.............................................................. ٣٧

الحالة السياسية في عصر الإمام عليه‌السلام........................................ ٣٧

الموقف السياسي بعد شهادة الاِمام الرضا عليه‌السلام :............................. ٣٩

القول بخلق القرآن :....................................................... ٤٢

الاِمام والسلطة :......................................................... ٤٣

أحداث الزواج ومراسيم عقد القران :........................................ ٥٤


الثورات والانتفاضات في عهد الاِمام عليه‌السلام.................................... ٦٤

١ ـ ثورة عبدالرحمن في اليمن :........................................... ٦٦

٢ ـ انتفاضة القميين :..................................................... ٦٨

٣ ـ ثورة محمد بن القاسم العلوي......................................... ٦٨

الفصل الثالث............................................................. ٧١

العطاء الفكري للامام عليه‌السلام................................................. ٧١

أصحاب الاِمام والرواة عنه :............................................. ٧٣

دور الامام عليه‌السلام في الحياة العلمية........................................... ٩٠

دوره في الفقه وأحكام الشريعة :.......................................... ٩٢

دوره في تفسير القرآن :................................................. ٩٩

دوره في ترسيخ العقائد الاِسلامية :...................................... ١٠٢

الردّ على الاَحاديث الموضوعة :........................................ ١٠٧

توظيف المعجزة والكرامة في الهداية والارشاد :............................... ١١٠

دوره في التربية الاَخلاقية والاجتماعية :.................................. ١١٣

روائع من نور كلمه...................................................... ١١٦

الفصل الرابع............................................................ ١٢٣

شهادته عليه‌السلام وما قيل فيه................................................. ١٢٣

استدعاء المعتصم :...................................................... ١٢٣

مثلث الاغتيال :........................................................ ١٢٥

وحان الرحيل :......................................................... ١٢٦

الاِشادة بشخصية الاِمام عليه‌السلام :.......................................... ١٣٣

ما قيل في رثائه.......................................................... ١٣٧